الثلاثاء، 5 يناير 2021

الإستغفار

 

الاستغفار مصدر من استغفر يستغفر، ومادته "غفر" التي تدل على الستر، فالغفر الستر، والغفر والغفران بمعنى واحد يقال غفر الله ذنبه غفراً ومغفرةً وغفراناً .

 


قال الراغب: الغفر إلباس ما يصونه من الدنس ومنه قيل اغفر ثوبك في الدعاء، والغفران والمغفرة، من الله هو أن يصون العبد من أن يمسه العذاب، والاستغفار طلب ذلك بالمقال والفعال، وقيل اغفروا هذا الأمر بمغفرته أي استره بما يجب أن يستر به .
والغفور والغفّار والغافر من أسماء الله الحسنى ومعناهم الساتر لذنوب عباده المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم .
قال الغزّالي : الغفار هو الذي أظهر الجميل وستر القبيح، والذنوب من جملة القبائح التي سترها بإسبال الستر عليها في الدنيا، والتجاوز عن عقوبتها في الآخرة .
وقال الخطّابي: الغفّار هو الذي يغفر ذنوب عباده مرة بعد مرة كلما تكررت التوبة من الذنب تكررت المغفرة، فالغفّار الساتر لذنوب عباده المسدل عليهم ثوب عطفه ورأفته؛ فلا يكشف أمر العبد لخلقه ولا يهتك ستره بالعقوبة التي تشهره في عيونهم .
===============
" حقيقة الاستغفار وأسبابه "
الإنسان ليس معصوماً من الخطأ واقتراف الذنب بحكم طبيعته البشرية، وأيضاً فإن أعداءه كثر: منهم النفس التي تسكن بين جنباته وتزين له وتأمره بالسوء " إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي " ومنهم الشيطان العدو اللدود الذي يتربص بالإنسان ليورده موارد التهلكة، ومنهم الهوى الذي يصد عن سبيل الله، ومنهم الدنيا بغرورها وزخرفها، والمعصوم من عصمه الله، ناهيك عن الغفلة والفتور عن الطاعة ،والتقصير في جنب الله ؛لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أبو هريرة- رضي الله عنه- "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله تعالى بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم " (راوه مسلم ) .
وقال في موضع آخر : "كلّ بني آدم خطّاء وخير الخطّائين التوّابون " (صحيح الجامع) ولكن هناك مسألة لابد من الانتباه إليها وهي أن كثيراً من الناس يعتقد أن الاستغفار يكون باللسان، يقول أحدهم : " استغفر الله ".. ثم لا يوجد لهذه الكلمات أثر في القلب كما لا يُشاهد لها تأثير على الجوارح ومثل هذا الاستغفار في الحقيقة فعل الكذّابين .
قال الفضيل بن عياض- رحمة الله- "استغفار بلا إقلاع عن الذنب توبة الكذابين" وكان أحد الصالحين يقول: استغفارنا يحتاج إلى استغفار أي أن من استغفر الله ولم يترك المعصية؛ فاستغفاره يحتاج إلى استغفار؛ فلننظر في حقيقة استغفارنا لئلا نكون من الكاذبين الذين يستغفرون بألسنتهم، وهو مقيمون على معاصيهم .
=================
" الاستغفار خصوصية للمؤمنين "
حين كان إبراهيم - عليه السلام - يحاجّ أباه ويدعوه إلى التوحيد، كان والده يقابله بِأسوأ المقابلة، تأمل هذه المقولة منه : " لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا " (سورة مريم، الآية: 46 ) ، ولاحظ أن هذه المقولة جاءت بعد مجموعة من العبارات المتلطفة من قبل إبراهيم- عليه السلام , وكان إبراهيم –عليه السلام- حين واجهه أبوه بهذه المقولة " لَأَرْجُمَنَّكَ " لم يقابله بالإساءة أو نحوها؛ بل أول ما خطر في ذهنه أن يستغفر له: " قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا " (سورة مريم، الآية: 47 ) .
إذن فالاستغفار هو أول شيء فكر به إبراهيم - عليه السلام - وكان هذا الاستغفار طمعاً في هدايته، ولذلك قال تعالى: " وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ " (سورة التوبة، الآية: 14 ) .
ومحصل ذلك عدم الاستغفار للمشركين، وأنه خصوصية للمؤمنين، ويؤكد ذلك قوله تعالى : " مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ " (سورة التوبة، الآية: 113 ) فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "استأذنت ربي أن استغفر لأمي، فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزورها فأذن لي" (صحيح مسلم) .
وفي البخاري عن سعيد بن المسيب عن أبيه أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل، فقال: "أي عم قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله"، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب ترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى كان آخر شيء كلمهم به: "أنا على ملة عبد المطلب"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "لاستغفرن لك ما لم أنه عنك" فنزلت " مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ " (سورة التوبة، الآية: 113 ) ونزلت: " إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ " (سورة القصص، الآية: 56 ) (صحيح البخاري ) .
وعند الحديث عن المنافقين، نقرأ هذه الآية: " اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " (سورة التوبة، الآية: 80 ) .
ونقرأ عندها أيضا حديث ابن عمر-رضي الله عنه- في البخاري- حيث يقول: إن عبد الله بن أُبّي لما توفي جاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أعطني قميصك أكفنه فيه، وصل عليه واستغفر له، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم قميصه، فقال : " آذني لأصلي عليه "، فآذنه، فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر –رضي الله عنه- فقال : أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين ، فقال : أنا بين خيرتين , قال : " اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " فصلى عليه، فنزلت " وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ " (سورة التوبة، الآية: 84 ) وتأسيساً على ذلك يقال: إن الاستغفار ميزة جعلها الله للمؤمنين خصهم بها دون غيرهم من الناس، واختارهم لها، واختارها لهم، وإذا كان الأمر كذلك، أفلا يجدر بنا أن نحافظ على هذه النعمة، وأن نستثمرها فيما يفيد ديننا ودنيانا , وفي مقابل ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر لإخوانه المؤمنين، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: نعى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه، فقال : "استغفروا لأخيكم"(البخاري) .
واستغفر للمحلقين ثلاثا،ً وللمقصرين مرة، والنصوص في ذلك كثيرة .
حتى الصغار!! نعم الصغار كان يستغفر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي حديث أبي إياس في المسند، قال: جاء أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام صغير، فمسح رأسه واستغفر له(سنن الإمام أحمد) .
==============
" أقوال السلف في الاستغفار "
قال أبو موسى - رضي الله عنه - : كان لنا أمانان من العذاب ذهب أحدهما - وهو كون الرسول صلى الله عليه وسلم فينا ، وبقي الاستغفار معنا فإن ذهب هلكنا(التوبة إلى الله للغزالي) .
وقال الربيع بن خثيم: "تضرعوا إلى ربكم وادعوه في الرخاء؛ فإن الله قال: من دعاني في الرخاء أجبته في الشدة، ومن سألني أعطيته، ومن تواضع لي رفعته، ومن تفرغ لي رحمته، ومن استغفرني غفرت له"(منهاج الصالحين ) .
وسئل سهل عن الاستغفار الذي يكفر الذنوب فقال : "أول الاستغفار الاستجابة، ثم الإنابة، ثم التوبة؛ فالاستجابة أعمال الجوارح، والإنابة أعمال القلوب، والتوبة إقباله على مولاه بأن يترك الخلق، ثم يستغفر الله من تقصيره الذي فيه"(التوبة إلى الله للغزالي) .
قال ابن الجوزي : "إن إبليس قال: أهلكت بني آدم بالذنوب وأهلكوني بالاستغفار وبـ" لا إله إلا الله " فلما رأيت منهم ذلك ثبتّ فيهم الأهواء فهم يذنبون ولا يستغفرون لأنه يحسبون أنهم يحسنون صنعاً"(مفتاح دار السعادة لابن القيم) .
قال قتادة - رحمة الله -: "إن القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم أما داوئكم فالذنوب وأما دواؤكم فالاستغفار".
وقال علي –كرم الله وجه-: "العجب ممن يهلك ومعه النجاة قيل : وما هي؟ قال: الاستغفار".
وكان - رضي الله عنه - يقول: "ما ألهم الله - سبحانه وتعالى- عبداً الاستغفار وهو يريد أن يعذبه".
وقال أحد الصالحين : " العبد بين ذنب ونعمة لا يصلحهما إلا الحمد والاستغفار ".
ويروي عن لقمان - عليه السلام - أنه قال لابنه: "يا بني إن لله ساعات لا يرد فيها سائلاً فأكثر من الاستغفار".
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : " طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً ".
قال أبو المنهال : " ما جاور عبد في قبره من جارٍ أحب من الاستغفار " .
وكان الحسن البصري يقول : "أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقكم ،وفي أسواقكم، وفي مجالسكم ؛فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة " ؟ .
وكان أعرابي يقول : "من أراد أن يجاورنا في أرضنا؛ فليكثر من الاستغفار، فإن الاستغفار القطّار" والقطار السحاب العظيم القطر .
وقال بكر بن عبد الله المزني : " أ نتم تكثرون من الذنوب؛ فاستكثروا من الاستغفار، فإن الرجل إذا وجد في صحفيته بين كل سطرين استغفاراً سره مكان ذلك " .
قال ابن تيمية –رحمة الله- : " إنه ليقف خاطري في المسألة التي تشكل عليَّ ؛ فاستغفر الله ألف مرة حتى ينشرح الصدر ، وينحل إشكال ما أشكل ، وقد أكون في السوق ، أو المسجد ، أو المدرسة ؛ لا يمنعني ذلك من الذكر والاستغفار إلى أن أنال مطلوبي " .
============
" ألفاظ وصيغ الاستغفار "
هناك ألفاظ للاستغفار جاءت في أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ينبغي للمسلم أن يقولها ، ويستكثر منها اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ومن هذه الصيغ : "رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم" (رواه البخاري) .
ومنه ا: " استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه " (رواه أبو داود والترمذي والحاكم وقال حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم ) .
ومنها : " استغفر الله وأتوب إليه"(متفق عليه) , ومنها سيد الاستغفار : " اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني، وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبؤ لك بنعمتك عليَّ، وأبؤ بذنبي؛ فأغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت " (رواه البخاري)
هذه هي الصيغ والألفاظ الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة، وهناك صيغ أخرى، وألفاظ أخرى تؤدي نفس المعنى لا بأس بها ، ولكن الأولى اتباع المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم .
==============
" وقفة مع سيد الاستغفار "
عن شدّاد بن أوس - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلى أنت خلقتني، وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت ،أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ،من قالها في أول النهار موقناً بها فمات من يومه قبل يمسي فهو من أهل الجنة ،ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح ؛فهو من أهل الجنة"(رواه البخاري) .
سمى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء بسيد الاستغفار، وكما سبق فإن للاستغفار صيغاً أخرى لكنّ النبي صلى الله عليه وسلم خصّه بهذه المنقبة "سيد الاستغفار" وبالتأمل في ألفاظ هذا الاستغفار ما يحويه من معانِِ نجد أنه اشتمل على ما يلي :
- اللهم أنت ربي : إقرار الله عز وجل بتوحيد الربوبية .
- لا إله إلا أنت : إقرار بتوحيد الألوهية .
- خلقتني وأنا عبدك : إقرار من العبد بالعبودية والتذلل والخضوع لله عز وجل .
- أنا على عهدك ووعدك ما استطعت : إقرار من العبد بالتزام الطريق المستقيم، ومنهج رب العالمين قدر استطاعته، واستفراغ الجهد في ذلك .
- أعوذ بك من شر ما صنعت : لجؤ العبد وتحصنه بالله من جميع الشرور، والآثام ،والمعاصي التي ارتكبها .
- وأبوء لك بنعمتك عليَّ : إقرار العبد واعترافه بنعم الله عليه، وتفضله وتكرمه على عبده بشتّى أنواع النعم التي لا تعد ولا تحصى .
- وأبوء بذنبي : اعتراف وإقرار العبد بالذنب سواءً كان هذا الذنب ذنباً معيناً أو الذنوب بصفة عامة .
- فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت : طلب المغفرة من الله عز وجل والتذلل بين يديه .
فبالنظر إلى ما اشتمله هذا الاستغفار من المعاني العظيمة سماه النبي صلى الله عليه وسلم "سيد الاستغفار".
=============
" أحوال وأوقات يستحب فيها الاستغفار "
الاستغفار مشروع في كل وقت وهناك أوقات وأحوال مخصوصة يكون للاستغفار فيها مزيد فضل ومن هذه الأوقات : بعد الفراغ من أداء العبادات :
ويستحب الاستغفار لما يقع فيها من خلل أو تقصير في أداء العبادة قال الله عز وجل : " ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " (سورة البقرة، الآية: 199 ) .
وهذه الآية الكريمة جاءت في الحديث القرآني عن الحج خاصة بعد طواف الإفاضة؛ فهنا يأتي الاستغفار لما يكن قد حدث من خلل ،أو تقصير في أداء العبادة .
كما شرع الاستغفار بعد الفراغ من الصلوات الخمس فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة المفروضة يستغفر الله ثلاثاً؛ لأن العبد عرضة لأن يقع منه نقص في صلاته بسبب غفلة أو سهو .
الاستغفار بالأسحار :
قد أثنى الله عز وجل على عباده الذين يستغفرونه في هذا الوقت المبارك بقوله عز وجل: " الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَار " (سورة آل عمران، الآية: 17 ) .
وقال عز وجل: " كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ " (سورة الذاريات: 17،18 ).
وقد جاء في تفسير قوله عز وجل حكاية عن يعقوب –عليه السلام- : " قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " (سورة يوسف، الآية: 98 ) أنه آخَّر الاستغفار إلى وقت السحر(انظر تفسير ابن كثير، تفسير الآية: 97 سورة يوسف ) ، والسبب فضيلة هذا الوقت أن الله عز وجل يستجيب فيه الدعاء ،ويعطي فيه السائل ويغفر للمستغفر .
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقي ثلث الليل الآخر فيقول : من يدعوني فاستجيب له؟ يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ "
( رواه البخاري و مسلم ) .
وعن خالد بن معدان : "يقول الله عز وجل إن أحب عبادي إلي المتحابون بحبي المتعلقة قلوبهم بالمساجد والمستغفرين بالأسحار " (إحياء علوم الدين الغزالي).
في ختم المجالس :
وذلك عندما يقوم الإنسان من مجلسه خاصة إذا كان مع إخوانه ،أو في اجتماعه أو في عمله، لحديث عائشة –رضي الله عنها- قالت : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس إلا قال: "سبحانك اللهم ربي وبحمدك، لا إله إلا أنت أستغفرك ربي وأتوب إليك"، فقلت: يا رسول الله ما أكثر ما تقول هؤلاء الكلمات إذا قمت قال: " لا يقولهن من أحد يقوم من مجلسه!إلا غفر له ما كان منه في ذلك المجلس" ( رواه الحاكم وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ).
فهذه فرصة عظيمة ينبغي ألا يغفل عنها المسلم خاصة في مجالسنا التي يكثر فيها الكلام ، ويقع من الإنسان فيها ما الله به عليم .
الاستغفار للأموات :
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت، وقف عليه فقال : " استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل " (رواه أبو داود) .
فما أحوج الميت في هذا الموقف العصيب إلى الاستغفار ، وطلب المغفرة من الله عز وجل له؛ ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر للأموات إذا زارهم ووقف على قبورهم .
=============
" استغفار الملائكة "
الملائكة خلق من خلق الله خلقهم الله عز وجل من نور كما جاء في الحديث : " خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم " .
والملائكة كما وصفهم الله عز وجل " لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " ( سورة التحريم، الآية:6 ) وكذلك " يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ " ، وهذا الخلق الكريم جاء عنه في القرآن أنه يستغفر لكن يستغفر لمن؟ إنهم يستغفرون لأهل الأرض وخاصة المؤمنين منهم، واستغفار الملائكة هو طلب المغفرة من الله عز وجل لعباده بأن يغفر خطاياهم ،ويتجاوز عن سيئاتهم قال الله عز وجل في كتابه العزيز : " تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " (سورة الشورى، الآية:5 ) وقال عز وجل : " الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ " (سورة غافر، الآية:7 ).
أيضاَ من المواضع التي تستغفر الملائكة فيها للعبد عندما يكون العبد في مصلاه "المسجد " ينتظر الصلاة ؛فإن هذه الفترة " فترة الانتظار " من الأوقات الشريفة التي يكتب له فيها الثواب، ويحظى بالقرب من الله عز وجل، واستغفار الملائكة والدعاء له، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي يصلي فيه، تقول الله صل عليه اللهم أرحمه اللهم اغفر له ما لم يحدث أو يخرج من المسجد"(متفق عليه) .
==================
" استغفار الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم "
الأنبياء والمرسلون هم صفوة الله عز وجل من خلقه، وهم معصومون بعصمة الله عز وجل لهم، وعلى الرغم من مكانتهم ومنزلتهم وقدرهم عند ربهم، وعلى الرغم من أنهم معصومون ؛ إلا أنهم تضرعوا إلى ربهم بالدعاء والاستغفار طمعاً في مغفرة ربهم .
قال الله عز وجل حكاية عن الأبوين عليهما السلام : " قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ " (سورة الأعراف، الآية: 23 ) .
وقال الله عز وجل حكاية عن نوح - عليه السلام : " قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ " (سورة هود، الآية: 47 ) .
وقال أيضا : " رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا " (سورة نوح، الآية: 28 ).
وقال الله عز وجل حكاية عن نبيه إبراهيم - عليه السلام - : " وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ " (سورة الشعراء، الآية: 82 ) .
وقال الله عز وجل حكاية عن نبيه داود - عليه السلام - : " فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ " (سورة ص، الآية: 24 ) .
وقال الله عز وجل حكاية عن نبيه سليمان –عليه السلام- : " قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ " (سورة ص، الآية: 35 ) .
وقال عز وجل حكاية عن نبيه موسى - عليه السلام - : " قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " (سورة القصص، الآية: 16 ) .
فإذا كان هذا حال الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - فكيف بنا ؟ وأين نحن من الاستغفار ؟ .
===============
" استغفار النبي صلى الله عليه وسلم "
من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو خير البشر وأفضل الرسل، اصطفاه الله واجتباه، ورفع ذكره وأعلى قدره، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومع كل هذا الشرف العظيم والعطاء الجزيل إلا أنه صلى الله عليه وسلم كان يستغفر ربه، ويتوب إليه، ويتضرع بين يديه امتثالاً لأمر الله عز وجل في قوله : " فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا " (سورة النصر، الآية: 3 ) .
وقوله تعالى : " وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ " (سورة محمد، الآية: 19 ) .
عن الأغرّ المزني - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إنه ليُغانعلى قلبي, وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة" (رواه مسلم) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "والله إني لأستغفر الله, وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة" (رواه البخاري) .
وعن الأغر بن يسار المزني - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "توبوا إلى الله واستغفره فإني أتوب في اليوم مائة مرة" (رواه مسلم) .
وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال : إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة "رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم" (رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح) .
وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً(رواه مسلم) .
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم : "اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي ،وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت ،وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير" (متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري واللفظ لمسلم) .
==============
" ثمرات وفوائد الاستغفار ( الاستغفار استجابةً لأمر الله) "
أمر الله عز وجل عباده بالاستغفار ، وحثهم عليه ووعد على ذلك المغفرة والثواب العظيم والعطاء الجزيل ، ومن أصدق من الله قيلاً ؟ ومن الآيات والآثار الدالة على ذلك أمره عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق بالاستغفار قال الله عز وجل : " إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَار " ( سورة غافر ، الآية : 55 ) .
وقوله تعالى : " فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ " (سورة محمد، الآية: 19 ) .
وقوله عز وجل : " فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا " (سورة النصر، الآية: 3 )َ.
وقوله عز وجل : " وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا " (سورة النساء، الآية: 106 ) .
وأمر الله عزّ وجلّ عباده بالاستغفار والتوبة والإنابة فقال عزّ وجلّ : " وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " (سورة المزمل، الآية : 20 ) .
وقال عزّ وجلّ :" وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ " (سورة آل عمران، الآية: 133 ) .
وأمر الله عزّ وجلّ أهل الكفر، والضلال بالاستغفار، والتوبة فقال عز وجل : " أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " (سورة المائدة، الآية: 74 ) .
وقال عزّ وجلّ مخاطباً حجّاج البيت الحرام : " ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " (سورة البقرة، الآية: 199 ) .
وفي الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حيث يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : من يدعوني فاستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له "(رواه البخاري ومسلم) .
وقوله عز وجل في الحديث القدسي : " يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي" (رواه الترمذي من حيث أنس وقال حديث حسن صحيح) .
فما أعظمك وما أحلمك وما أكرمك يا رب العالمين ! .
===============
" ثمرات وفوائد الاستغفار ( الاستغفار من أسباب الرزق ) "
الاستغفار من أهم وأعظم أسباب الرزق - بفضل الله عزّ وجلّ- قال الله عزّ وجلّ حكاية عن نوح - عليه السلام- : " فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا " (سورة نوح، الآيات: 10-12 ) .
وقال حكاية من نبيه هود - عليه السلام- : " وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ " (سورة هود، الآية: 52 ) .
ففي هذه الآيات رتب الله عز وجل على الاستغفار ما يلي :
1) إنزال المطر يتبع بعضه بعضاً قال ابن عباس " مدراراً " يتبع بعضه بعضاً .
2) البساتين والجنّات النضرة .
3) الأنهار العذبة التي تجري .
يقول القرطبي - رحمه الله تعالى - : " في الآيات دليل على أن الاستغفار يُستنزل به الرزق والأمطار، ويقول الحافظ ابن كثير –رحمه الله- في تفسيره : " أي إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه، وأطعتموه كثر الرزق عليكم، وأسقاكم من بركات السماء ، وأخرج لكم من بركات الأرض، وأنبت لكم الزرع، وأدر لكم الضرع، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار، وخللها بالأنهار الجارية بينها " .
وقد تمسك أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه- بما جاء في هذه الآيات عند طلبه المطر من الرب عز وجل فقد روي مطرف عن الشعبي أن عمر - رضي الله عنه - خرج يستسقي بالناس فلم يزد على الاستغفار حتى رجع فقيل له : "ما سمعناك استسقيت" فقال : طلبت الغيث بمجاديحالسماء التي يتنزل بها القطر ثم قرأ " وأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا " (سورة هود، الآية: 3 ) .
وقال عز وجل في كتابه الكريم : " وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى " (انظر المعاني: 29/27 ) .
ففي الآية الكريمة وعد من الله بالمتاع الحسن لمن استغفر، وتاب والمراد بقوله : " يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا " كما قال ابن عباس : يتفضل عليكم بالرزق والسعة(انظر زاد المسير: 4/75 ) .
وقال القرطبي - رحمه الله - "هذه ثمرة الاستغفار والتوبة أن يمتعكم بالمنافع من سعة الرزق ورغد العيش" .
وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : "من أكثر الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجا،ً ورزقه من حيث لا يحتسب" ( رواه أحمد في المسند واللفظ له وابن ماجه والحاكم في المستدرك وصحيح إسناده وصححه الشيخ أحمد شاكر (هامش المسند:4/55) ) .
ففي هذا الحديث يخبر الصادق المصدوق عن ثلاث ثمرات يجنيها من أكثر الاستغفار؛ إحداها الرزق من الله الرازق ذي القوة المتين من حيث لا يظن العبد، ولا يرجو ولا يخطر بباله؛ فعلى الراغبين في الرزق، وكثرته وبركته المسارعة إلى الاستغفار بالمقال والفعال، ولكن الحذر الحذر من الاقتصار على الاستغفار باللسان دون الفعال فإنه فعل الكاذبين .
" ثمرات وفوائد الاستغفار ( الاستغفار سبب لدخول الجنة ) "
مصداق ذلك قوله في حديث أوس بن شدّاد : "سيد الاستغفار أن يقول العبد اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعد ما استطعت، أعوذك بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، من قالها في النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي دخل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة" (رواه البخاري) .
==============
" ثمرات وفوائد الاستغفار (الاستغفار سبب في مغفرة الذنوب ومحو الخطايا) "
قال قتادة - رحمه الله- "إن القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم أما داؤكم فالذنوب، وأما دواؤكم فالاستغفار" فهو سبب لمغفرة الذنوب ومحو الخطايا وتكفير السيئات .
قال الله عز وجل : " وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ " (سورة آل عمران، الآية: 135 ) .
قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - في كتاب الله عز وجل آيتان ما أذنب عبد ذنباً فقرأها واستغفر الله عز وجل إلا غفر الله تعالى له ثم ذكر الآية السابقة، ومن الآيات الدالة على فضل الله عز وجل وتكرمه بغفران الذنوب، وتكفير السيئات قوله عز وجل : " وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا " (سورة النساء، الآية: 110 ) .
عن علي - رضي الله عنه - قال: كنت رجلاً إذا سمعت من رسول الله حديثا نفعني الله عزّ وجلّ بما شاء أن ينفعني به، وإذا حدّثني أحد من أصحابه استحلفته؛ فإذا حلف صدّقته قال : وحدّثني أبو بكر وصدق أبوبكر –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله يقول : "ما من عبد يذنب ذنباً فيحسن الطهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله عز وجل إلا غفر له" ثم تلا قوله تعالى : " وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ " (سورة آل عمران، الآية: 135 ) (أخرجه أصحاب السنن وحسنه الترمذي ) .
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله يقول: "قال الله تعالى : يا ابن آدم إنك ما دعوتني، ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي" (رواه الترمذي وقال حديث حسن ) .. فانظر إلى عظيم فضل الله وجوده وكرمه .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله : "إذا أذنب العبد ذنباً فقال اللهم اغفر لي؛ فيقول الله عز وجل أذنب عبدي ذنباً، فعلم أن له رباً يأخذ بالذنب، ويغفر الذنب، عبدي اعمل ما شئت فقد غفرت لك"(متفق عليه من حديث أبي هريرة ) .
وقد جاء في الأثر عن إبليس - لعنه الله - أنه قال لربّ العزّة عندما لعنه الله: "يا ربّ وعزّتك لأغوينّ بني آدم ما دامت أرواحهم في أجسادهم" فقال عزّ وجلّ: "وعزتي وجلالي لأغفرنّ لهم ما داموا يستغفرونني".
وعن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال: كنت ذرِب اللسان على أهلي فقلت يا رسول الله فقد خشيت أن يدخلني لساني النار فقال النبي : "فأين أنت من الاستغفار؟ فإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة"(أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجه والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين وذرب اللسان أي: حاد اللسان ).
وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله : "من قال حين يأوي إلى فراشه استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، وأتوب إليه ثلاث مرات غفر الله له ذنوبه، وإن كانت مثل زبد البحر- أو عدد رمل عالج، أو عدد أوراق الشجر، أو عدد أيام الدنيا"( أخرجه الترمذي ورواه البخاري في التاريخ بلفظ آخر ) .
وفي رواية زيد: "غفرت ذنوبه وإن كان فارّاً من الزحف"(أخرجه أبو داود من الترمذي من حديث زيد ورواه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ) .
===================
" ثمرات وفوائد الاستغفار (الاستغفار يدفع العقوبة والعذاب قبل وقوعهما )
من القواعد المتعارف عليها أن الوقاية خير من العلاج، وقد قال الحسن البصري - رحمه الله- : "يا ابن آدم تركك الذنب أهون من طلبك التوبة"، ومن ثمرات الاستغفار أن الله عز وجل جعله سبباً في رفع العذاب والعقوبة قبل وقوعهما مصداقاً لقول الله عز وجل : " وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ " (سورة الأنفال، الآية: 33 ) .
قال أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه- كان لنا أمانان من العذاب ذهب أحدهما وهو كون الرسول فينا، وبقي الاستغفار معنا فإن ذهب هلكنا.. فالاستغفار أمان من الله لعباده .
=============
" ثمرات وفوائد الاستغفار (الاستغفار سبب لرفع الدرجات بعد الموت) "
الاستغفار كما ينفع الإنسان في الدنيا يكون أيضاً سبباً فى رفع درجته في الجنة، عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال : قال رسول الله : "إن الله ليرفع درجة العبد في الجنة فيقول يا رب أنى لي هذه؟ فيقول باستغفار ولدك لك" (رواه أحمد بإسناد حسن) .
ففي الحديث دليل على أن الولد الصالح ينفع الله به والديه في الدنيا والآخرة مصداقاً لقول النبي : "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع، أو ولد صالح يدعو له"(رواه مسلم) .
================
" ثمرات وفوائد الاستغفار (الاستغفار سبب تطهير القلوب) "
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله : "إن المؤمن إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في قلبه؛ فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه منها؛ فإن زادت حتى تغلّف قلبه فذلك الران الذي ذكره الله عز وجل في كتابه " كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ " (سورة المطففين، الآية: 14 ) .
فالاستغفار سبب في طهارة القلب ونظافته وصقله وتطهيره من الذنوب والمعاصي والسواد والران .
==================
" ثمرات وفوائد الاستغفار (الاستغفار سبب في إنجاب الأولاد) "
وهذه بشرى لكل إنسان يطلب الولد والذرية الصالحة ودليل ذلك قول الله عز وجل : " فقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا " (سورة نوح، الآيات: 10-12 ) .
ففي هذه الآية الكريمة عدة ثمرات فهي :
1) مغفرة الذنوب .
2) إنزال المطر وإخراج الرزق .
3) إكثار الله تعالى الأموال والأولاد.
4) جعل البساتين والأنهار.
قال عطاء في قوله تعالى : " وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ " أي يكثر أموالكم وأولادكم .
وقال ابن كثير : " أي أعطاكم الأموال والأولاد وفي الحديث : "ويرزقه من حيث لا يحتسب " والأولاد رزق من الله عزّ وجلّ .
=============
" ثمرات وفوائد الاستغفار (الاستغفار سبب في التمتع بالصحة والقوة ) "
ومن آثار الاستغفار أن يبارك الله للعبد في صحته وعافيته، ويزده قوة ونشاطاً وحيوية، وذلك مصداقاً لقوله عز وجل على لسان نبيه هود - عليه السلام - : " وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ " (سورة هود، الآية: 52 ) .
فقوله عز وجل : " وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ " دليل على أن الاستغفار سبب في زيادة القوة والعافية، وقوله عز وجل في موضع آخر : " وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ " ( سورة هود، الآية: 3 ) .
فقوله عز وجل : " يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا " دليل على أن الاستغفار سبب في تمتع العبد ومن صور هذا التمتع الصحة والعافية والقوة .
==================

كتاب الإبانة عن أصول الديانة علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري أبو الحسن

  كتاب الإبانة عن أصول الديانة علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري أبو الحسن بسم الله الرحمن الرحيم وهو حسبي ونعم الوكيل وصلى الله على...