الاثنين، 10 أبريل 2023

ج1وج2. نزهة المشتاق في اختراق الآفاق الادريسي

 

ج1. : نزهة المشتاق في اختراق الآفاق
المؤلف : الادريسي

الإقليم الأول
الجزء الأول

إن هذا الإقليم الأول مبدؤه من جهة المغرب من البحر الغربي المسمى ببحر الظلمات وهو البحر الذي لا يعلم ما خلفه وفيه جزيرتان تسميان بالخالدات ومن هذه الجزائر بدأ بطليموس يأخذ الطول والعرض وهاتان الجزيرتان فيما يذكر في كل واحدة منهما صنم مبني من الحجارة طول كل صنم منها مائة ذراع وفوق كل صنم منهما صورة من نحاس تشير بيدها إلى خلف وهذه الأصنام فيما يذكر ستة أحدهما صنم قادس التي بغربي الأندلس ولا يعلم أحد شيئاً من المعمور خلفها.
وفي هذا الجزء الذي رسمناه من المدن اوليل وسلى وتكرور وبريسى ودو ومورة وهذه البلاد من أرض مقزارة السودان فأما جزيرة اوليل فهي في البحر وعلى مقربة من الساحل وبها الملاحة المشهورة ولا يعلم في بلاد السودان ملاحة غيرها ومنها يحمل الملح إلى جميع بلاد السودان وذلك أن المراكب تأتي إلى هذه الجزيرة فتوسق بها الملح وتسير منها إلى موقع النيل وبينهما مقدار مجرى فتجري في النيل إلى سلى وتكرور وبريسى وغانة وسائر بلاد ونقارة وكوغة وجميع بلاد السودان وأكثرها لا يكون لها مأوى ولا مستقر إلا على النيل بعينه أو على نهر يمد النيل وسائر الأرضين المجاورة للنيل صحار خالية لا عمارة فيها وهذه الصحارى فيها مجابات مياه وذلك أن الماء لا يوجد فيها إلا بعد يومين وأربعة وخمسة وستة واثنى عشر يوماً مثل مجابة تيسر التي في طريق سجلماسة إلى غانة وهي أربعة عشر يوماً لا يوجد فيها ماء وأن القوافل تتزود بالماء لملوك هذه المجابات في الأوعية على ظهور الجمال ومثل هذه المجابة كثير في بلاد السودان وأكثر أرضها أيضاً رمال تنسفها الرياح وتنقلها من مكان إلى مكان فلا يوجد بها شيء من الماء وهذه البلاد كثيرة الحر حامية جداً ولذلك أهل هذا الإقليم الأول والثاني وبعض الثالث لشدة الحر وإحراق الشمس لهم كانت ألوانهم سوداء وشعورهم متفلفلة بضد ألوان أهل الإقليم السادس والسابع.
ومن جزيرة اوليل إلى مدينة سلى ست عشرة مرحلة ومدينة سلى على ضفة نهر النيل وبشماله وهي مدينة حاضرة وبها مجتمع السودان ومتاجر صالحة وأهلها أهل بأس ونجدة وهي من عمالة التكروري وهو سلطان مؤمر وله عبيد وأجناد وله حزم وجلادة وعدل مشهور وبلاده آمنة وادعة وموضع مستقره والبلد الذي هو فيه مدينة تكرور وهي في جنوب النيل وبينها وبين سلى مقدار يومين في النيل وفي البر ومدينة تكرور أكبر من مدينة سلى وأكثر تجارة وإليها يسافر أهل المغرب الأقصى بالصوف والنحاس والخرز ويخرجون منها التبر والخدم وطعام أهل سلى وأهل تكرور الذرة والسمك والألبان وأكثر مواشيهم الجمال والمعز ولباس عامة أهلها قداوير الصوف وعلى رؤوسهم كرازى الصوف ولباس خاصتها ثياب القطن والمآزر.
ومن مدينة سلى وتكرور إلى مدينة سجلماسة أربعون يوماً بسير القوافل وأقرب البلاد إليهما من بلاد لمتونة الصحراء أزكى وبينهما خمس وعشرون مرحلة ويتزود بالماء فيها من يومين إلى أربعة إلى خمسة وستة أيام وكذلك من جزيرة ارليل إلى مدينة سجلماسة نحو من أربعين مرحلة بسير القوافل.
ومن مدينة تكرور إلى مدينة بريسى على النيل مشرقاً اثنتا عشرة مرحلة ومدينة بريسى مدينة صغيرة لا سور لها غير أنها كالقرية الحاضرة وأهلها متجولون تجار وهم في طاعة التكروري.
وفي الجنوب من بريسى أرض لملم وبينهما نحو من عشرة أيام وأهل بريسى وأهل سلى وتكرور وغانة يغيرون على بلاد لملم ويسبون أهلها ويجلبونهم إلى بلادهم فيبيعونهم من التجار الداخلين إليهم فيخرجهم التجار إلى سائر الأقطار وليس في جميع أرض لملم إلا مدينتان صغيرتان كالقرى اسم إحداهما ملل واسم الثانية دو وبين هاتين المدينتين مقدار أربعة أيام وأهلها فيما يذكره أهل تلك الناحية يهود والغالب عليهم الكفر والجهالة وجميع أهل بلاد لملم إذا بلغ أحدهم الحلم وسم وجهه وصدغاه بالنار وذلك علامة لهم وبلادهم وجملة عماراتهم على واد يمد النيل وليس بعد أرض لملم في جهة الجنوب عمارة تعرف وبلاد لملم تتصل من جهة المغرب بأرض مقزارة ومن جهة المشرق بأرض ونقارة ومن جهة الشمال بأرض غانة ومن جهة الجنوب بالأرض الخالية وكلامهم كلام لا يشبه كلام المقزاريين ولا كلام الغانيين..

ومن بريسى المتقدم ذكرها إلى غانة في جهة المشرق اثنا عشر يوماً وهي في وسط الطريق إلى مدينة سلى وتكرور وكذلك من مدينة بريسى إلى اودغشت اثنتا عشرة مرحلة واودغشت من بريسى شمالاً وليس في بلاد السودان شيء من الفواكه الرطبة إلا ما يجلب إليها من التمر من بلاد سجلماسة أو بلاد الزاب يجلبه إليهم أهل وارقلان الصحراء والنيل يجرى في هذه الأرض من المشرق إلى المغرب وينبت على ضفتيه القصب الشركي وشجر الأبنوس والشمشار والخلاف والطرفاء والإثل غياضاً متصلة وبها تقيل وتسكن مواشيهم وإليها يميلون ويستظلون عند شدة الحر وحمية القيظ وفي غياضه الأسد والزرائف والغزلان والضبعان والأفيال والأرانب والقنافذ وفي النيل أنواع من السمك وضروب من الحيتان الكبار والصغار ومنه طعام أكثر السودان يتصيدونه ويملحونه ويدخرونه وهو في نهاية السمن والغلظ وأسلحة أهل هذه البلاد القسي والنشابات وعليها عمدتهم والدبابيس أيضاً من أسلحتهم يتخذونها من شجر الأبنوس ولهم فيها حكمة وصناعة متقنة وأما قسيهم فإنها من القصب الشركي وسهامم منه وكذلك أوتارها من القصب وبناء أهل هذه البلاد بالطين والخشب العريض الطويل عندهم قليل الوجود وحليهم النحاس والخرز والنظم من الزجاج والباذوق ولعاب الشيخ وأنواع المجزعات من الزجاج المؤلف.
وهذه الأمور والحالات التي ذكرناها من المطاعم والمشارب واللباس والحلى يفعلها أكثر السودان في جميع أرضهم لأنها بلاد حر ووهج شديد وأهل المدن منها يزرعون البصل والقرع والبطيخ ويعظم عندهم كثيراً ولا حنطة عندهم أكثر من الذرة ومنها ينتبذون ويشربون وجل لحومهم الحوت ولحوم الإبل المقددة كما قدمنا وصفه وهاهنا انقضى ذكر الجزء الأول من الإقليم الأول والحمد لله على ذلك.
نجز الجزء الأول من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء الثاني منه إن شاء الله.
الجزء الثاني
إن الذي تضمنه هذا الجزء الثاني من الإقليم الأول من المدن مدينة مدل وغانة وتيرقى ومداسة وسغمارة وغيارة وغربيل وسمقندة فأما مدينة ملل التي هي من بلاد لملم فقد ذكرناها فيما تقدم وهي مدينة صغيرة كالقرية الجامعة لا سور لها وهي على تل تراب أحمر منيع جانبه وأهل مال متحصنون فيه عمن يطرقهم من سائر السودان وشربهم من عين خرارة تخرج من الجبل الذي في جنوبها وماؤها زعاق ليس بصادق الحلاوة وبغربي هذه المدينة على ماء العين الذي يشربون منه ومع نزوله إلى أن يقع في النيل أمم كثيرة سودان عراة لا يستترون بشيء وهم يتناكحون بغير صدقات ولا حق وهم أكثر الناس نسلاً ولهم إبل ومعز يعيشون من ألبانها ويأكلون الحيتان المصيدة ولحوم الإبل المقددة وأهل تلك البلاد المجاورة لهم يسبونهم في كل الأحايين بضروب من الحبل ويخرجونهم إلى بلادهم فيبيعونهم من التجار قطاراً ويخرج منهم في كل عام إلى المغرب الأقصى أعداد كثيرة وجميع من يكون في بلاد لملم مرسوم بالنار في وجهه وهي لهم علامة كما قدمنا ذكره.

ومن مدينة ملل إلى مدينة غانة الكبرى نحو من اثنتي عشرة مرحلة في رمال ودهاس لا ماء بها وغانة مدينتان على ضفتي البحر الحلو وهي أكبر بلاد السودان قطراً وأكثرها خلقاً وأوسعها متجراً وإليها يقصد التجار المياسير من جميع البلاد المحيطة بها ومن سائر بلاد المغرب الأقصى وأهلها مسلمون وملكها فيما يوصف من ذرية صالح بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وهو يخطب لنفسه لاكنه تحت طاعة أمير المؤمنين العباسي وله قصر على ضفة النيل قد أوثق بنيانه وأحكم إتقانه وزينت مساكنه بضروب من النقوشات والأدهان وشمسيات الزجاج وكان بنيان هذا القصر في عام عشرة وخمس مائة من سني الهجرة وتتصل مملكته وأرضه بأرض ونقارة وهي بلاد التبر المتكورة الموصوفة به كثرة وطيباً والذي يعلمه أهل المغرب الأقصى علماً يقيناً لا اختلاف فيه أن له في قصره لبنة من ذهب وزنها ثلاثون رطلاً من ذهب تبرة واحدة خلقها الله خلقة تامة من غير أن تسبك في نار ولا تطرق بآلة وقد نفذ فيها ثقباً وهي مربطة لفرس الملك وهي من الأشياء المغربة التي ليست عند غيره ولا صحت لأحد إلا له وهو يفخر بها على سائر ملوك السودان وهو أعدل الناس فيما يحكى عنه ومن سيرته في قربه من الناس وعدله فيهم أن له جملة قواد يهبون إلى قصره في صباح كل يوم ولكل قائد منهم طبل يضرب على رأسه فإذا وصل إلى باب القصر سكت فإذا اجتمع إليه جميع قواده ركب وصار يقدمهم ويمشي في أزقة المدينة ودائر البلد فمن كانت له مظلمة أو نابه أمر تصدى له فلا يزال حاضراً بين يديه حتى يقضى مظلمته ثم يرجع إلى قصره ويتفرق قواده فإذا كان بعد العصر وسكن حر الشمس ركب مرة ثانية وخرج وحوله أجناده فلا يقدر أحد على قربه ولا على الوصول إليه وركوبه في كل يوم مرتين سيرة معلومة وهذا مشهور من عدله ولباسه إزار حرير يتوشح به أو بردة يلتف بها وسراويل في وسطه ونعل شركي في قدمه وركوبه الخيل وله حلية حسنة وزي كامل يقدمه أمامه في أعياده وله بنود كثيرة وراية واحدة وتمشي أمامه الفيلة والزرائف وضروب من الوحوش التي في بلاد السودان ولهم في النيل زوارق وثيقة الإنشاء يتصيدون فيها ويتصرفون بين المدينتين بها ولباس أهل غانة الأزر والفوط والأكسية كل أحد على قدر همته وأرض غانة تتصل من غربيها ببلاد مقزارة ومن شرقيها ببلاد ونقارة وبشمالها بالصحراء المتصلة التي بين أرض السودان وأرض البربر وتتصل بجنوبها بأرض الكفار من اللملمية وغيرها.

ومن مدينة غانة إلى أول بلاد ونقارة ثمانية أيام وبلاد ونقارة هذه هي بلاد التبر المشهورة بالطيب والكثرة وهي جزيرة طولها ثلاث مائة ميل وعرضها مائة وخمسون ميلاً. والنيل يحيط بها من كل جهة في سائر السنة فإذا كان في شهر أغشت وحمى القيظ وخرج النيل وفاض غطى هذه الجزيرة أو أكثرها وأقام عليها مدته التي من عادته أن يقيم عليها ثم يأخذ في الرجوع فإذا أخذ النيل في الرجوع والجزر رجع كل من في بلاد السودان المنحشرين إلى تلك الجزيرة بحاثاً يبحثون طول أيام رجوع النيل فيجد كل إنسان منهم في بحثه هناك ما أعطاه الله سبحانه كثيراً أو قليلاً من التبر وماً يخيب منهم أحد فإذا عاد النيل إلى حده باع الناس ما حصل بأيديهم من التبر وتاجر بعضهم بعضاً واشترى أكثره أهل وارقلان وأهل المغرب الأقصى وأخرجوه إلى دور السكك في بلادهم فيضربونه دنانير ويتصرفون بها في التجارات والبضائع هكذا في كل سنة وهي أكبر غلة عند السودان وعليها يعولون صغيرهم وكبيرهم وأرض ونقارة فيها بلاد معمورة ومعاقل مشهورة وأهلها أغنياء والتبر عندهم وبأيديهم كثير والخيرات مجلوبة إليهم من أطراف الأرض وأقاصيها ولباسهم الأزر والأكسية والقداوير وهم سود جداً فمن مدن ونقارة تيرقى وهي مدينة كبيرة وفيها خلق كثير لاكن ليس لها سور ولا حظيرة وحي في طاعة صاحب غانة وله يخطبون وإليه يتحاكمون وبين غانة وتيرقى ستة أيام وطريقها مع النيل ومن مدينة تيرقى إلى مدينة مداسة ستة أيام ومدينة مداسة هذه مدينة متوسطة كثيرة العمار صالحة العمالات وفي أهلها معرفة وهى على شمال النيل ومنه شربهم وهي بلد أرز وذرة كبيرة الحب طعمها صالح وأكثر معايشهم من الحوت وتصيده وتجارتهم بالتبر ومن مدينة مداسة إلى بلد سغمارة ستة مراحل وبين مداسة وسغمارة إلى جهة الشمال ومع الصحراء قوم يقال لهم بغامة وهم برابر رحالة لا يقيمون في مكان يرعون أجمالهم على ساحل واد يأتي من ناحية المشرق فيصب في النيل واللبن عندهم كثير ومنه يعيشون ومن مدينة سغمارة إلى مدينة سمقندة ثمانية أيام ومدينة سمقندة هذه مدينة لطيفة على ضفة البحر الحلو ومنها إلى مدينة غربيل تسعة أيام ومن مدينة سغمارة إلى مدينة غربيل جنوباً ستة أيام ومدينة غربيل هذه على ضفة البحر الحلو وهي مدينة لطيفة القدر في سفح جبل يعلوها من جهة الجنوب وشرب أهلها من النيل ولباسهم الصوف وأكلهم الذرة والحوت وألبان الإبل وأهلها يتصرفون في تلك البلاد بضروب من التجارات التي تدور بين أيديهم ومن مدينة غربيل مع المغرب إلى مدينة غيارة إحدى عشرة مرحلة ومدينة غيارة هذه على ضفة النيل وعليها حفير دائر بها وبها خلق كثير وفي أهلها نجدة ومعرفة وهم يغيرون على بلاد لملم فيسبونهم ويأتون بهم ويبيعونهم من تجار غانة وبين غيارة وأرض لملم ثلاث عشرة مرحلة وهم يركبون النجب من الجمال ويتزودون الماء ويسرون بالليل ويصلونه بالنهار إلى أن يغنموا ويرجعوا إلى بلدهم بما يفتح الله سبحانه عليهم من السبي من أهل لملم ومن مدينة غيارة إلى مدينة غانة إحدى عشرة مرحلة وماؤها قليل وجملة هذه البلاد التي ذكرناها هي في طاعة صاحب غانة وإليه يؤدون لوازمهم وهو القائم بحمايتهم.
نجز الجزء الثاني من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء الثالث منه إن شاء الله.
الجزء الثالث

إن الذي تضمنه هذا الجزء الثالث من الإقليم الأول من المدن المشهورة كوغة وكوكو وتملمة وزغاوة ومانان وانجيمى ونوابية وتاجوة فأما مدينة كوغة فإنها مدينة على ضفة البحر الحلو وفي شماله ومنه شرب أهلها وهي من عمالة ونقارة ومن السودان من يجعلها من بلاد كانم وهي مدينة عامرة لا سور لها وبها تجارات وأعمال وصنائع يصرفونها فيما يحتاجون إليه ونساء هذه المدينة ينسب إليهن السحر ويقال إنهن به عارفات وبه مشهورات وعليه قادرات ومن كوغة إلى سمقندة في جهة الغرب عشرة أيام ومن كوغة إلى غانة نحو من شهر ونصف ومن كوغة إلى دمقلة شهر ومن كوغة إلى شامة دون الشهر ومن كوغة إلى مدينة كوكو في الشمال عشرون مرحلة بسير الجمال والطريق على أرض بغامة وأهل بغامة سودان بربر قد أحرقت الشمس جلودهم وغيرت ألوانهم ولسانهم لسان البربر وهم قوم رحالة وشربهم من عيون يحفرونها في تلك الأرض عن علم لهم بها وتجربة في ذلك صحيحة ولقد أخبر بعض السفار الثقات وكان قد تجول في بلاد السودان نحواً من عشرين سنة أنه دخل هذه الأرض أعني أرض بغامة وعاين فيها رجلاً من هؤلاء البربر فكان يمشي معه في أرض خالية رملة ليس بها أثر للماء ولا لغيره فأخذ البربري غرفة من ترابها وقربه من أنفه ثم اشتمه وتبسم وقال لأهل القافلة انزلوا فإن الماء معكم فنزل أهل القافلة هناك وعرسوا متاعهم وقيدوا الجمال وتركوها ترعى ثم عمد البربري إلى موضع وقال احفروا هاهنا فحفر الناس في ذاك الموضع أقل من نصف قامة فخرج إليهم الماء الكثير العذب فعجب من ذلك أهل القافلة وهذا مشهور معلوم يعلمه تجار أهل تلك البلاد ويحكونه عنهم وفي هذه الطريق التي ذكرنا من كوغة إلى كوكو على أرض بغامة مجابتان لا ماء فيهما وكل مجابة منهما تقطع من خمسة أيام إلى ستة أيام ومدينة كوكو مدينة مشهورة الذكر من بلاد السودان كبيرة وهي على ضفة نهر يخرج من ناحية الشمال فيمر بها ومنه شرب أهلها ويذكر كثير من السودان أن مدينة كوكو هذه على ضفة الخليج وذكر قوم آخرون أنها على نهر يمد النيل والذي صح من القول أن هذا النهر يجري حتى يجوز كوكو بأيام كثيرة ثم يغوص في الصحراء في رمال ودهاس مثل ما يغوص نهر الفرات الذي ببلاد العراق وغوصه هناك في البطائح ثم إن ملك مدينة كوكو ملك قائم بذاته خاطب لنفسه وله حشم كثير ودخلة كبيرة وقواد وأجناد وزي كامل وحلية حسنة وهم يركبون الخيل والجمال ولهم بأس وقهر لمن جاورهم من الأمم المحيطة بأرضهم ولباس عامة أهل كوكو الجلود يسترون بها عوراتهم وتجارهم يلبسون القداوير والأكسية وعلى رؤوسهم الكرازى وحليهم الذهب وخواصم وجلتهم يلبسون الأزر وهم يداخلون التجار ويجالسونهم ويبضعونهم بالبضائع على جهة المقارضة وينبت في أرض كوكو العود المسمى بعود الحية ومن خاصته أنه إذا وضع على جحر الحية خرجت إليه مسرعة ثم أن ماسك هذا العود يأخذ من الحيات ما شاء بيده من غير أن يدركه شيء من الجزع ويجد في نفسه قوة عند أخذها والصحيح عند أهل المغرب الأقصى وأهل وارقلان أن ذلك العود إذا أمسكه ماسك بيده أو علقه في عنقه لم تقربه حية البتة وهذا مشهور وصفة هذا العود كصفة العاقرقرحا مفتولاً لاكنه أسود اللون.
ومن مدينة كوكو إلى مدينة غانة شهر ونصف شهر ومن مدينة كوكو إلى مدينة تملمة شرقاً أربع عشرة مرحلة وهي مدينة صغيرة من أرض كوار جامعة فيها بشر كثير ولا سور لها وفيها رجل ثائر بنفسه وهي على جبل صغير لاكنه جبل منيع بأجراف قد أحاطت به من جميع جهاته ولها نخيل ومواش وأهلها عراة شقاة وضربهم من مياه الآبار وماؤها بعيد القعر عن وجه الأرض وبها معدن شب ليس بالكثير الجودة ويبيعونه في كوار ويخلطه التجار بالشب الطيب ويسافرون به إلى جميع الجهات.

ومن تملمة إلى مدينة مانان من أرض كانم اثنتا عشرة مرحلة ومدينة مانان مدينة صغيرة وليس بها شيء من الصناعات المستعملة وتجاراتهم قليلة ولهم جمال ومعز ومن مدينة مانان إلى مدينة انجيمى ثمانية أيام وهي أيضاً من كانم وانجيمى مدينة صغيرة جداً وأهلها قليل وهم في أنفسهم أذلة وهم يجاورون النوبة من جهة المشرق وبين مدينة انجيمى والنيل ثلاثة أيام في جهة الجنوب وشرب أهلها من الآبار ومن انجيمى إلى مدينة زغاوة ستة أيام ومدينة زغاوة مدينة مجتمعة الكور كثيرة البشر وحولها خلق من الزغاويين يشيلون بإبلهم ولهم تجارات يسيرة وصنائع يتعاملون بها بين أيديهم وشربهم من الآبار وأكلهم الذرة ولحوم الجمال المقددة والحوت المصيد والألبان عندهم كثيرة ولباسهم الجلود المدبوغة يستترون بها وهم أكثر السودان جرباً ومن مدينة زغاوة إلى مانان ثماني مراحل وفي مانان يسكن أميرها وعاملها وأكثر رجاله عراة رماة بالقسي ومن مدينة مانان إلى مدينة تاجوة ثلاث عشرة مرحلة وهي قاعدة بلاد التاجوين وهم مجوس لا يعتقدون شيئاً وأرضهم متصلة بأرض النوبة ومن بلادهم سمنة ومدينة سمنة هذه مدينة صغيرة وحكى بعض المسافرين إلى مدائن كوار أن صاحب بلاق توجه إلى سمنة وهو أمير من قبل ملك النوبة فحرقها وهدمها وبدد شملهم على الآفاق وهي الآن خراب ومن مدينة تاجوة إليها ست مراحل ومن مدينة تاجوة إلى مدينة نوابة ثماني عشرة مرحلة وإليها تنسب النوبة وبها عرفوا وهي مدينة صغيرة وأهلها مياسير ولباسهم الجلود المدبوغة وأزر الصوف ومنها إلى النيل أربعة أيام وشرب أهلها من الآبار وطعامهم الذرة والشعير ويجلب إليهم التمر والألبان عندهم كثيرة وفي نسائهم جمال فائق وهن مختتنات ولهن أعراق طيبة ليست من أعراق السودان في شيء وجميع بلاد أرض النوبة في نسائهم الجمال وكمال المحاسن وشفاههم رقاق وأفواههم صغار ومباسمهم بيض وشعورهم سبطة وليس في جميع أرض السودان من المقازرة ولا من الغانيين ولا من الكانميين ولا من البجاة ولا من الحبشة والزنج قبيل شعور نسائهم سبطة مرسلة إلا من كان منهن من نساء النوبة ولا أحسن أيضاً للجماع منهن وإن الجارية منهن ليبلغ ثمنها ثلاث مائة دينار وأقل من ذلك ولهذه الخلال التي فيهن يرغب ملوك أرض مصر فيهن ويتنافسون في أثمانهن ويتخذونهن أمهات أولاد لطيب متعتهن ونفاسة حسنهن وذكر بعض الرواة أنه كان بالأندلس جارية من هؤلاء الجواري المتقدم ذكرهن عند الوزير أبي الحسن المعروف بالمصحفي فما أبصرت عيناه قط بأكمل منها قداً ولا أصبح خداً ولا أحسن مبسماً ولا أملح أجفاناً ولا أتم محاسن وكان هذا الوزير المذكور مولعاً بها بخيلاً بمفارقتها ويذكر أن شراءها عليه مائتان وخمسون ديناراً من الدنانير المرابطية وكانت هذه الجارية المذكورة مع تمام محاسنها وبديع جمالها إذا تكلمت أسحرت سامعها لعذوبة ألفاظها وحلاوة منطقها لأنها ربيت بمصر فكانت بذلك تامة الصفات ومن مدينة نوابة إلى مدينة كوشة نحو من ثماني مراحل خفاف.
نجز الجزء الثالث من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء الرابع منه إن شاء الله.
الجزء الرابع
وفي هذا الجزء الرابع من الإقليم الأول بلاد النوبة وبعض بلاد الحبشة وبقية جنوب أرض التاجوين وقطعة من بلاد الواحات الداخلة وفي بلاد النوبة من البلاد المشهورة والقواعد المذكورة كوشة وعلوة ودنقلة وبلاق وسوبة وفي أرض الحبشة مركطة والنجاغة ومن أرض الواحات الداخلة وأعلى ديار مصر مدينة أسوان وأتفو والردينى.

وفي هذا الجزء افتراق النيلين أعني نيل مصر الذي يشق أرضها وجريه من الجنوب إلى الشمال وأكثر مدن مصر على ضفتيه معاً وفي جزائره أيضاً والقسم الثاني من النيل يمر من جهة المشرق إلى أقصى المغرب وعلى هذا القسم من النيل جميع بلاد السودان أو أكثرها وهذان القسمان مخرجهما من جبل القمر الذي أوله فوق خط الاستواء بست عشرة درجة وذلك أن مبدأ النيل من هذا الجبل من عشر عيون فأما الخمسة الأنهار منها فإنها تصب وتجتمع في بطيحة كبيرة وكذلك الخمسة الأنهار الأخر تنزل من الجبل إلى بطيحة أخرى كبيرة ويخرج من كل واحدة من هاتين البطيحتين ثلاثة أنهار فتمر بأجمعها إلى أن تصب في بطيحة كبيرة جداً وعلى هذه البطيحة مدينة تسمى طرمى وهي مدينة عامرة يزرع بها الأرز وعلى ضفة البطيحة المذكورة صنم رافع يديه إلى صدره يقال إنه مسخ وإنه كان رجلاً ظالماً ففعل ذلك به وفي هذه البحيرة سمك تشبه رؤوسه رؤوس الطير ولها مناقير وفيها أيضاً دواب هائلة وهذه البحيرة المذكور فوق خط الاستواء مماسة له وفي أسفل هذه البحيرة التي بها تجمع الأنهار جبل معترض يشق أكثر البطيحة ويمر منها إلى جهة الشمال مغرباً فيخرج معه ذراع واحد من النيل فيمر في جهة المغرب وهو نيل بلاد السودان الذي عليه أكثر بلادها ويخرج مع شق الجبل الشرقي الذراع الثاني فيمر أيضاً إلى جهة الشمال فيشق بلاد النوبة وبلاد أرض مصر وينقسم في أسفل أرض مصر على أربعة أقسام فثلاثة أقسام تنصب في البحر الشامي وقسم واحد ينصب في البحيرة الملحة التي تنتهي إلى قرب الإسكندرية وبين هذه البحيرة وبين سكندرية ستة أميال وهي لا تتصل بالبحر بل هي من فيض النيل ومع الساحل قليلاً وسنستقصي ذكرها في موضعه إن شاء الله عز وجل.
ومن تحت جبل القمر فيما بين الأنهار العشرة والبطيحات ماراً مع جهة الشمال إلى أن يتصل بالبطيحة الكبيرة مقدار عشر مراحل وعرض ما بين البطيحتين الصغيرتين من المشرق إلى المغرب ست مراحل وفي هذه الأرض الموصوفة ثلاثة جبال مارة من المشرق إلى المغرب فأما الجبل الأول فهو مما يلي جبل القمر ويسميه كهنة مصر جبل هيكل الصور وأما الجبل الثاني الذي يلي هذا الجبل مع الشمال فإنهم يسمونه جبل الذهب لأن فيه معادن الذهب وأما الجبل الثالث الذي يلي الجبل الثاني مع الأرض فإنهم يسمون أيضاً الأرض التي هو فيها أرض الحيات ويزعم أهل تلك الأرض أن فيها حيات عظيمة تقتل بالنظر وفي هذا الجبل الذي في هذه الأرض المذكورة عقارب على قدر العصافير سود الألوان تقتل في الحال وقد ذكر ذلك صاحب كتاب العجائب وذكر أيضاً في كتاب الخزانة لقدامة أن جرية النيل من مبدئه إلى مصبه في البحر الشامي خمسة آلاف ميل وستمائة ميل وأربعة وثلاثون ميلاً وعرض النيل في بلاد النوبة ميل واحد على ما حكاه صاحب كتاب العجائب أيضاً وعرضه في قبالة مصر ثلث ميل.

وفي البطيحات الصغار وما بعدها من النيل الحيوان المسمى بالتمساح وفيها أيضاً الحوت المسمى بالخنزير وهو ذو خرطرم أكبر من الجاموس يخرج إلى الجهات المجاورة إلى النيل فيأكل بها الزرع ويرجع إلى النيل وفي النيل المذكور سمكة مدورة حمراء الذنب يقال لها اللاش لا تظهر به إلا ندرة وهي كثيرة اللحم طيبة الطعم وفيه أيضاً سمك يسمى الأبرميس وهو حوت أبيض مدور أحمر الذنب ويقال إنه ملك السمك وهو طيب الطعم لذيذ يؤكل طرياً ومملوحاً إلا أنه لطيف بقدر الفتر طولاً. ومثل نصفه عرضاً وفيه الراى وهو سمك كبير لونه أحمر ومنه كبير وصغير وربما كان في وزن كبير ثلاثة أرطال وأقل وهو طيب الطعم قريب من طيب السمك الذي يسمى الأبرميس وفيه سمك يقال له البني وهو كبير عجيب الطعم والطيب وربما وجد في الواحد منه خمسة أرطال وعشرة أرطال وأكثر وأقل وفيه أيضاً من السمك قبيل يقال له البلطى وهو مدور في خلقة العفر الذي ببحيرة طبرية قليل الشوك طيب الطعم وقد يوجد منه الحوت الكبير الذي في وزنه خمسة أرطال وفيه سمك يقال له اللوطيس ويسميه أهل مصر بالفرخ وهو حوت طيب الطعم كثير الشحم ويوجد منه في الندرة ما وزنه قنطار وأقل وأكثر وفيه اللبيس وهو حوت طيب لذيذ شهي الطعم إذا طبخ لا يوجد فيه رائحة السمك ويصرف في جميع ما يصرف فيه اللحم من أنواع الطبيخ ولحمه شديد ويكون كبيراً وصغيراً فمنه ما يكون وزنه عشرة أرطال ودون ذلك ولهذا السمك كله قشر وفيه أسماك لا قشور لها ومنها الحوت الذي يسمى السموس وهو سمك كبير الرأس كثير السمن وربما بلغ وزن الحوت منه قنطاراً وأكثر وأقل ويباع لحمه مقطعاً وفيه سمك يسمى النيناريات وهو سمك مائل إلى الطول طويل الفم كأنه منقار طائر وفيه سمكة يقال لها أم عبيد تحيض ولا قشور لها وفيه السمك الذي يقال له الحلبوة بغير قشر وربما كان في وزنه الرطل والأكثر والأقل وهو مسموم وفيه سمك يقال له الشال وله شوكة في ظهره يضرب بها فيقتل مسرعاً وفيه أيضاً سمك في صور الحيات يقال لها الإنكليس مسمومة وفيه أيضاً سمك أسود الظهر له شوارب كبير الرأس دقيق الذنب يسمى الجرى وفيه سمك مدور خشن الجلد يقال له القافو تمشط النساء به الكتان وفيه أيضاً السمكة المعروفة بالرعادة وهي مثل الكرة خشنة الجلد ذات سم إذا مسها الإنسان ارتعدت يده حتى تسقط منها وهذه الخاصة فيها موجودة ما دامت حية فإذا ماتت كانت كسائر السمك وفيه كلاب الماء وهي في صور الكلاب ملونات وفيه فرس الماء وهو في خلقة الفرس لكنه لطيف وحوافره مثل أرجل البط تنضم إذا رفعتها وتنفتح إذا وضعتها وله ذنب طويل وفيه أيضاً السقنقور وهو صنف من التمساح لا يشاكل السمك من جهة يديه ورجليه ولا يشاكل التمساح لأن ذنبه أملس مستدير وذنب التمساح مسيف وشحمهه يتعالج به للجماع وكذلك ملحه الذي يملح به والسقنقور لا يكون بمكان إلا في النيل من حد أسوان والتمساح أيضاً لا يكون في نهر ولا بحر إلا ما كان منه في نيل مصر وهو مستطيل الرأس وطول رأسه نحو طول نصف جسده وذنبه ملوح وله أسنان لا يقبض بها على شيء من السباع أو من الناس إلا ومر به في الماء وهو بري وبحري لأنه يخرج إلى البر فيقيم به اليوم والليلة يدب على يديه ورجليه ويضر في البر لكن ضرراً قليلاً وأكثر ضرره في الماء ثم إن الله سبحانه سلط عليه دابة من دواب النيل يقال لها اللشك وهي تتبعه وترتصده حتى يفتح فمه فإذا فتحه وثبت فيه فتمر في حلقه ولا تزال تأكل كبده ومعاه حتى تفنيه فيموت ويخرج أيضاً إلى النيل من البحر الملح سمك يقال له البوري حسن اللون طيب الطعم في قدر الراي يكون وزن الحوت منه رطلين وثلاثة أرطال ويدخل أيضاً من البحر إلى النيل سمك يقال له الشابل وهو بقدر طول الذراع وأزيد على ذلك لذيذ الطعم حسن اللحم سمين ويدخل أيضاً منه حوت يسمى الشبوط وهو ضرب من الشابل إلا أنه صغير في طول شبر ويدخله من البحر أنواع كثيرة ويوجد أيضاً في أسفل النيل بناحية رشيد وفوة ضرب من السمك له صدف يتولد عند آخر النيل إذا خالط الماء الحلو الماء الملح هذا الصدف يقال له الدلينس وهو صدفة صغيرة في جوفها لحمة فيها نقطة سوداء وهو رأسها وأهل رشيد يملحونه ويرفعونه إلى جميع بلاد مصر وللنيل في جريه أخبار وعجائب سنذكر منها ما تيسر للذكر في موضعه من الكتاب بعون الله تعالى.

وأما بلاد النوبة التي قدمنا ذكرهما فمنها مدينة كوشة الواغلة وبينها وبين مدينة نوابة ستة أيام وهي تبعد عن النيل يسيراً وموضعها فوق خط الاستواء وأهلها قليلون وتجاراتها قليلة وأرضها حارة جافة كثيرة الجفوف جداً وشرب أهلها من عيون تمد النيل هناك وهي في طاعة ملك النوبة وملك النوبة يسمى كاسل وهو اسم يتوارثه ملوك النوبة وقرارته ودار ملكه في مدينة دنقلة.
ومدينة دنقلة في غربي النيل وعلى ضفته ومنه شرب أهلها وأهلها سودان لكنهم أحسن السودان وجوهاً وأجملهم شكلاً وطعامهم الشعير والذرة والتمر يجلب إليهم من البلاد المجاورة لهم وشرابهم المزر المتخذ من الذرة واللحوم التي يستعملونها لحوم الإبل طرية ومقددة ومطحونة ويطبخونها بألبان النوق وأما السمك فكثير عندهم جداً وفي بلادهم الزرائف والفيلة والغزلان.
ومن بلاد النوبة مدينة علوة وهي على ضفة النيل أسفل من مدينة دنقلة وبينهما مسير خمسة أيام في النيل وماؤهم من النيل وشربهم منه وبه يزرعون الشعير والذرة وسائر بقولهم من السلجم والبصل والفجل والقثاء والبطيخ وحال علوة في هيأتها ومبانيها ومراتب أهلها وتجاراتهم مثل ما هي عليه حالات مدينة دنقلة وأهل علوة يسافرون إلى بلاد مصر وبين علوة وبلاق عشرة أيام في البر وفي النيل أقل من ذلك انحداراً وطول بلاد النوبة على ساحل النيل مسير شهرين وأكثر وكذلك أهل علوة ودنقلة يسافرون في النيل بالمراكب وينزلون أيضاً إلى مدينة بلاق في النيل.
ومدينة بلاق من مدن النوبة وهي بين ذراعين من النيل وأهلها متحضرون ومعايشهم حسنة وربما وصلت إليهم الحنطة مجلوبة والشعير والذرة عندهم ممكن كثير موجود وبمدينة بلاق يجتمع تجار النوبة والحبشة وتجار أرض مصر يسافرون إليها إذا كانوا معهم في صلح وهدنة ولباس أهلها الأزر والمآزر وأرضها تسقى بالنيل وماء النهر الذي يأتي من بلاد الحبشة وهو واد كبير جداً يمد النيل وموقعه بمقربة من مدينة بلاق وفي الذراع المحيط بها وعليه مزارع أهل الحبشة كثير من مدنها وسنذكرها فيا بعد بعون الله تعالى وليس في مدينة بلاق مطر ولا يقع فيها غيث البتة وكذلك سائر بلاد السودان من النوبة والحبشة والكانميين والزغاويين وغيرهم من الأمم لا يمطرون ولا لهم من الله رحمة ولا غياث إلا فيض النيل وعليه يعولون في زراعة أرزاقهم ومعيشتهم الذرة والألبان والحيتان والبقول وجميع ذلك بمدينة بلات كثير موجود.
ومن مدينة بلاق إلى جبل الجنادل سية أيام في البر وفي النيل أربعة أيام انحداراً وإلى جبل الجنادل تصل مراكب السودان ومنها ترجع لأنها لا تقدر على النفوذ في السير إلى مدينة مصر والعلة المانعة من ذلك أن الله جل اسمه خلق هذا الجبل وجعله قليل العلو من ناحية بلاد السودان وجعل وجهه الثاني مما يلي أرض مصر عالياً جداً والنيل يمر من جهة أعلاه فيصب إلى أسفل صباً عظيماً مهولاً وهناك حيث ينصب الماء أحجار مكدسة وصخور مضرسة والماء يقع بينها فإذا وصلت مراكب النوبيين وغيرها من مراكب السودان وجاءت إلى هذا المكان من النيل لم يمكنها عبوره لما فيه من العطف المهلك فإذا انتهت المراكب بما فيها من التجار وما معهم من التجارات تحولوا عن بطون المراكب إلى ظهور الجمال وساروا إلى مدينة أسوان في البرية وبين هذا الموضع أعني الجبل وأسوان نحو من اثنتي عشرة مرحلة بسير الجمال.
وأسوان هذه من ثغور النوبة إلا أنهم في أكثر الأوقات متهادنون وكذلك مراكب مصر لا تصعد في النيل إلا إلى مدينة أسوان فقط وهي آخر الصعيد الأعلى وهي مدينة صغيرة عامرة كثيرة الحنطة وسائر أنواع الحبوب والفواكه والدلاع وسائر البقول وبها اللحوم الكثيرة من البقر والحملان والمعز والخرفان وغيرها من صنوف اللحوم العجيبة البالغة في الطيب والسمن وأسعارها مع الأيام رخيصة وبها تجارات وبضائع تحمل منها إلى بلاد النوبة وربما أغار على أطرافها خيل السودان المسمين بالبليين ويزعمون أنهم روم وأنهم على دين النصرانية من أيام القبط وقبل ظهور الإسلام غير أنهم خوارج في النصارى يعاقبة وهم منتقلون فيما بين أرض البجة وأرض الحبشة ويتصلون ببلاد النوبة وهم رحالة ينتقلون ولا يقيمون بمكان مثل مما تفعله لمتونة الصحراء الذين هم بالمغرب الأقصى.

وليس يتصل بمدينة أسوان من جهة الشرق بلد الإسلام إلا جبل العلاقي وهو جبل أسفله واد جاف لا ماء به لكن الماء إذا حفر عليه وجد قريباً معيناً كبيراً وبه معدن الذهب والفضة وإليه تجتمع طوائف من الطلاب لهذه المعادن وعلى مقربة من أسوان جنوباً من النيل جبل في أسفله معدن الزمرد في برية منقطعة عن العمارة ولا يوجد الزمرد في شيء من جميع الأرض إلا ما كان منه بذلك المعدن وبه طلاب كثيرة ومن هذا المعدن يخرج ويتجهز به إلى سائر البلاد.
وأما معدن الذهب فمن أسوان إليه نحو خمسة عشر يوماً بين شرق وشمال وهو في أرض البجة ولا يتصل بأسوان من جهة المغرب إلا لواحات وهي الآن خالية لا ساكن فيها وكانت في زمان سلف معمورة والمياه تخترق أرضها وبها الآن بقايا شجر وقرى متهدمة لا تعمر وكذلك من ظهرها إلى ديار كوار وكوكو لا تخلو تلك الأرضون من جزائر نخل وبقايا بناء وحكى الحوقلي أن بها إلى يومنا هذا معز وغنم وقد توحشت فهي تتوارى من الناس وتصاد كما يصاد الحيوان البري وأكثر الواحات نازلة مع أرض مصر وفيها بقايا عمارة وسنذكرها فيما بعد بحول الله وعونه.
ومن مدينة بلاق إلى مدينة مركطة ثلاثون مرحلة وهي مدينة صغيرة لا سور لها وهي مجتمعة الخلق متحضرة وبها شعير ويتعيشون به والسمك والألبان عندهم كثير وإليها يدخل التجار من مدينة زالغ التي على بحر القلزم وسنذكر هذه البلاد عند بلوغنا إلى أمكنة ذكرها بعون الله وتأييده ونصره وتسديده.
نجز الجزء الرابع من الإقليم الأول و الحمد لله ويتلوه الجزء الخامس منه إن شاء الله.
الجزء الخامس
وهذا الجزء الخامس من الإقليم الأول تضمن من الأرضين أكثر أرض الحبشة وجملة من بلادها وأكبر مدنها كلها جنبيتة وهي مدينة متحضرة لكنها في برية بعيدة من العمارات وتتصل عماراتها و بواديها إلى النهر الذي يمد النيل وهو يشق بلاد الحبشة ولها عليه مدينة مركطة ومدينة النجاغة وهذا النهر منبعه من فوق خط الاستواء وفي آخر نهاية المعمور من جهة الجنوب فيمر مغرباً مع الشمال حتى يصل إلى أرض النوبة فيصب هناك في ذراع النيل الذي يحيط بمدينة بلاق كما قدمنا وصفه وهو نهر كبير عريض كثير الماء بطيء الجري وعليه عمارات للحبشة وقد وهم أكثر المسافرين في هذا النهر حين قالوا إنه النيل وذلك لأنهم يرون به ما يرون من النيل في خروجه ومده وفيضه في الوقت الذي جرت به عادة خروج النيل وينقص فيض هذا النهر عند نقصان فيض النيل ولهذا السبب وهم فيه أكثر الناس وليس كذلك حتى أنهم ما فرقوا بينه وبين النيل لما رأوا فيه من الصفات النيلية التي قدمنا ذكرها وتصحيح ما قلناه من أنه ليس بالنيل ما جاءت به الكتب المؤلفة في هذا الفن وقد حكوا من صفات هذا النهر ومنبعه وجريه ومصبه في ذراع النيل عند مدينة بلاق وقد ذكر ذلك بطلميوس الأقلودي في كتابه المسمى بالجغرافية وذكره حسان بن المنذر في كتاب العجائب عند ذكره الأنهار ومنابعها ومواقعها وهذا مما لا يهم فيه نبيل ولا يقع في جهله عالم ناظر في الكتب باحث عن غرضه وعلى هذا النهر يزرع أهل بوادي الحبشة أكثر معايشهم مما تدخره لأقواتها من الشعير والذرة والدخن واللوبيا والعدس وهو نهر كبير جداً لا يعبر إلا بالمراكب وعليه كما قلناه قرى كثيرة وعمارات للحبشة ومن هذه القرى ميرة جنبيتة وقلجون وبطا وسائر القرى البرية فأما المدن الساحلية فإنها تمتار مما يجلب إليها من اليمن في البحر.
ومن مدن الحبشة الساحلية مدينة زالغ ومنقونة واقنت وباقطى إلى ما اتصل بها من عمارات قرى بربرة وكل هذه القرى ميرتها مما يتصيده أهلها من السمك ومن الألبان وسائر الحبوب التي يجلبونها من قراهم التي على ضفة النهر المذكور.
ومدينة النجاغة مدينة صغيرة على ضفة النهر وأهلها فلاحون يزرعون الذرة والشعير وبه يتجهزون ومنه يتعيشون ومتاجر هذه البلدة قليلة وصنائعهم النافعة لأهلها قليلة والسمك عندهم كثير ممكن والألبان غزيرة وبين هذه المدينة ومدينة مركطة السابق ذكرها ستة أيام إنحداراً في النهر وفي الصعود أزيد من عشرة أيام على قدر الإمكان وزوارقهم صغار وخشبهم معدوم وليس بعد هاتين المدينتين من جهة الجنوب شيء من العمارات ولا شيء يعول عليه.

وبين مدينة النجاغة ومدينة جنبيتة ثماني مراحل وكذلك بين مركطة وجنبيتة مثلها وجنبيتة كما حكيناه في برية منقطعة من الأرض وشرب أهلها من الآبار وماؤها يجف في أكثر الأوقات حتى لا يوجد والغالب على أهل هذه البلدة أنهم طلاب معادن الفضة والذهب وذلك جل طلبهم وأكثر معايشهم منه وهذه المعادن في جبل مورس وهو على أربعة أيام من مدينة جنبيتة ومن هذا المعدن أيضاً إلى أسوان نحو من خمسة عشر يوماً.
ومن مدينة جنبيتة إلى مدينة زالغ التي على الساحل من أرض الحبشة نحو من أربع عشرة مرحلة ومدينة زالغ على ساحل البحر الملح المتصل بالقلزم وقعر هذا البحر أقاصير كله متصلة إلى باب المندب لا تعبره المراكب الكبار وربما تجاسرت عليه المراكب الصغار فتتخطفها الرياح فتتلفها ومن زالغ إلى ساحل اليمن ثلاثة مجار مقدرة الجري ومدينة زالغ صغيرة القطر كثيرة الناس والمسافرون إليها كثير وأكثر مراكب القلزم تصل إلى هذه المدينة بأنواع من التجارات التي يتصرف بها في بلاد الحبشة ويخرج منها الرقيق والفضة وأما الذهب فهو فيها قليل وشرب أهلها من الآبار ولباسهم الأزر ومقندرات القطن.
ومن مدينة زالغ إلى مدينة منقونة خمسة أيام في البر وأما في البحر فأقل من ذلك ويقابلها في البرية بلدة اسمها قلجون وبينهما اثنا عشر يوماً في البرية ومن منقونة إلى اقنت أربعة أيام في البر وهي على الساحل في الجنوب ويسافر إليها في الزوارق الصغار التي لا تحمل الشيء الكثير من الوسق لأن هذا البحر كله من جهة أرض الحبشة تروش وأقاصير متصلة لا تجري به المراكب كما قلناه ومدينة اقنت صغيرة ليست بكبيرة ولا بكثيرة الخلق وأكثرها خراب وأهلها قليل وأكثر أكلهم الذرة والشعير وسمكهم موجود وصيدهم كثير وأما عامة أهلها فإنهم يعيشون من لحوم الصدف المتكون في تلك الأقاصير من البحر يملحونه ويصيرونه إداماً لهم.
ومن مدينة اقنت إلى باقطى خمسة أيام وباقطى هذه مدينة صغيرة جداً كالقرية الجامعة ليست بمسورة لكنها على تل رمل وبينها وبين البحر نحو من رمية سهم وأهلها مقيمون بها قليل سفرهم منها وقليلاً ما يدخل المسافرون إليها لضيق معايشها وكون متاجرها مجالبة وبواديها شاقة وجبالها جرد لا نبات فيها وليس فوقها مما يلي الجنوب عمارة ولا قرى إلا ما كان منها قريباً ولهم إبل يتصرفون عليها ويتعيشون منها ويتجرون بها.
ومنها على ثمانية أيام مدينة بطا وتتصل بها قرى بربرة وأولها جوة وهي منها قريبة.
وجملة الحبشة يتخذون الإبل ويكتسبونها ويشربون ألبانها ويستخدمون ظهورها وينتظرون لقاحها وهي أجل بضاعة عندهم ويسرق بعضهم أبناء بعض ويبيعونهم من التجار فيخرجونهم إلى أرض مصر في البر والبحر.
وتجاور أرض الحبشة في جهة الشمال أرض البجة وهي بين الحبشة والنوبة وأرض الصعيد وليس بأرض البجة قرى ولا خصب وإنما هي بادية جدبة ومجتمع أهلها ومقصد التجار منها إلى وادي العلاقي وإليه ينجلب أهل الصعيد وأهل البجة وهو واد فيه خلق كثير وجمع غزير. والعلاقي في ذاته كالقرية الجامعة والماء بها من آبار عذبة ومعدن النوبة المشهور متوسط في أرضها في صحراء لا جبل حوله وإنما هي رمال لينة وسباسب سائلة وإذا كان أول ليالي الشهر العربي وآخره خاض الطلاب في تلك الرمال بالليل فينظرون فيها كل واحد منهم ينظر فيما يليه من الأرض فإذا أبصر التبر يضيء بالليل علم على موضعه علامة يعرفها وبات هنالك فإذا أصبح عمد كل واحد منهم إلى علامته في كوم الرمل الذي علم عليه ثم يأخذه ويحمله معه على نجيبه فيمضي به إلى آبار هنالك ثم يقبل على غسله بالماء في جفنة عود فيتخرج التبر منه ثم يؤلفه بالزئبق ويسبكه بعد ذلك فما اجتمع لهم منه تبايعوه بينهم واشتراه بعضهم من بعض ثم يحمله التجار إلى سائر الأقطار وهذا شغلهم دأباً لا يفترون عنه ومن ذلك معايشهم ومبادئ مكاسبهم وعليه يعولون.
ومن وادي العلاقي إلى عيذاب من أرض البجة اثنا عشر يوماً ومن بلاد البجة مدينة بختة وهي أيضاً قرية مسكونة وبها سوق لا يعول عليها وحولها قوم ينتجون الجمال ومنها معايشهم وهي أكثر مكاسبهم وإلى هذه القرية تنسب الجمال البختية وليس يوجد على وجه الأرض جمال أحسن منها ولا أصبر على السير ولا أسرع خطاً وهي بديار مصر معروفة بذلك.

وبين أرض النوبة: أرض وأرض البجة قوم رحالة يقال لمم البليون ولهم صرامة وعزم وكل من حولهم من الأمم يهادنونهم ويخافون ضرهم وهم نصارى خوارج على مذهب اليعقوبية وكذلك جميع أهل بلاد النوبة والحبشة وأكثر أهل البجة نصارى خوارج على مذهب اليعاقبة كما قدمنا ذكره.
ويتصل أيضاً بأرض الحبشة على البحر بلاد بربرة وهم تحت طاعة الحبشة وهي قرى متصلة وأولها قرية جوة ومنها إلى باقطى ستة أيام ومنها أيضاً إلى بطا البرية سبعة أيام ومدينة بطا المتقدم ذكرها فوق خط الاستواء في نهاية المعمور.
نجز الجزء الخامس من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء السادس منه إن شاء الله.
الجزء السادس
إنه هذا الجزء السادس من الإقليم الأول تضمن من ناحية الجنوب مدينة قرقونة ومركة والنجا وهذه البلاد الثلاثة من أرض بربرة وإليها تنتهي عمالتها وهي على البحر اليماني وأهل قرى بربرة أكثر عيشهم من لحوم السلاحف البحرية وتسمى عندهم البسة.
ومن جوة إلى قرقونة يومان في البحر وعليها جبل عظيم يمتد في جهة الجنوب ومن قرقونة إلى برمة ثلاثة أيام في البحر ويبتدئ منها جبل خاقوني وهو جبل له سبعة رؤوس خارجة ويمتد تحت الماء في البحر أربعة وأربعين ميلاً وإلى رؤوس هذا الجبل بلاد صغار كالقرى يقال لها الهاوية ومن خاقونى إلى مركة على الساحل ثلاثة مجار صغار وفي البر سبعة أيام وعلى مرحلتين من مركة في البرية واد يمد كمد النيل وعليه يزرعون الذرة ومن مركة إلى بلد النجا على البحر يوم ونصف يوم وعلى البر أربعة أيام والنجا آخر أرض بربرة.
ومن النجا إلى قرنوة ثمانية أيام وهي مدينة صغيرة على البحر ومنها إلى بذونة ستة أيام وهي قرية كبيرة مسكونة آهلة وأهلها يأكلون الضفادع الأحناش وأشياء من القاذورات التي يعاف الناس أكلها وهذه الأرض أيضاً تليها بلاد الزنج ثم إن قرنوة وبذونة مدينتان وأهلهما كفرة وهما تتصلان ببلاد الزنج على ضفة البحر الملح وكل هذه البلاد المذكورة تقابل بلاد اليمن في جهة الشمال وبينهما عرض البحر وعرضه هناك ست مائة ميل ويكون في أمكنة أخرى أكثر من هذا وأقل على قدر خروج أجوان البحر في البراري وعلى قدر دخول القراطيل في البحر. وفيما تضمنه هذا البحر المحصل في هذا الجزء أربع جزائر منها جزيرتان في جهة المشرق واسم إحداهما خرتان والثانية مرتان وهما في جون الحشيش وسنستقصي ذكرهما في موضعه بعون الله تعالى.
ومنها جزيرة سقطرى التي ينسب الصبر إليها وبين وبين الساحل مجريان بالريح الطيبة ويقابلها من بلاد اليمن مدينة برباط وحاسك وسنذكر هاتين المدينتين في موضع ذكرهما مع جملة أخبار بحول الله وقوته.
والجزيرة الرابعة تسمى جزيرة قنبلا وهي في ناحية المغرب من هذا الجزء وهي خالية لكنها كثيرة الشجر وفيها جبال ممتدة وعرة فيها ضروب وحوش ودواب مضرة وفيها أيضاً عين ماء خرارة تصب في البحر وربما سقط إلى هذه الجزيرة من أحرم إليها من بلاد اليمن أو من مراكب القلزم أو من مراكب الحبشة فيستغيثون بها وهي تقابل الحصن المعروف بمخلاف حكم من ساحل اليمن.
ومنها إلى جبل المندب مجريان والمندب جبل يحيط به البحر من جميع جهاته وطرفه إلا على مما يلي الجنوب ويمر إلى جهة الشمال مع تغريب يسير وطوله نحو من اثني عشر ميلاً وظهره مما يلي بلاد الحبشة كله أقاصير وجزائر متصلة حتى تنتهي إلى زالغ واقنت وباقطى فلا يقدر أحد على خوض هذا البحر من هذه الجهة وفي وسط هذه التروش والجزائر جبل معترض يسمى موريقس وهو يتصل من نحو زالغ إلى ظهر المندب وليس بكثير العلو في الجو لكنه يعلو على وجه الماء مرة ويغيب في مواضع أخرى يستره الماء لكنه متصل في ذاته وحكى صاحب كتاب العجائب أنه لا يمر بهذا الجبل شيء من المراكب المسمرة بالحديد إلا اجتذبه إليه وأمسكه معه فلا تكاد تتخلص منه البتة وأما جبل المندب فإنه ممتد مع ساحل اليمن كما قلناه وليس لشيء من مراكب القلزم الصاعدة إلى اليمن بد من أن تمر به في مسيرها ورجوعها لأن البحر يضيق هناك حتى يرى الرجل صاحبه من البر الثاني من اليمن وفي هذا الجبل من ظهره مغارة لا يدخلها أحد فيخرج منها إما لحيوان يأكله أو لحفر يقع فيه ولما علم الناس ذلك منها قصدوا إليها وسدوها بالحجارة والطين فلا يصل الآن إليها أحد.

وأما جزيرة سقطرى فهي جزيرة واسعة القطر جليلة القدر بهية الأرض نامية الشجر وأكثر نباتها شجر الصبر ولا صبر يفوق صبرها في الطيب كالذي يتخذ بحضرموت اليمن والشحر وغيرها وهي كما قلناه تتصل من جهة الشمال والغرب ببلاد اليمن بل هي محسوبة منه ومنسوبة إليه ويقابلها من جهة بلاد الزنج مدينة ملند ومنبسة وأكثر أهل مدينة سقطرى نصارى والسبب في ذلك أن الإسكندر لما تغلب على ملك فارس وغزت أساطيله جزائر الهند وقتل قور ملك الهند وكان معلمه أرسطوطاليس قد أوصاه بطلب جزيرة الصبر فكان في بال الإسكندر ذلك من أجل وصية معلمه فعند فراغه من أخذ جزائر الهند وتغلبه عليها وعلى ملوكها أخذ راجعاً في بحر الهند إلى جهة البحر العماني وقد تغلب على تلك الجزائر إلى أن وصل إلى جزيرة سقطرى فأعجبه منها طيب ثراها وإعتدال هوائها فكتب إلى معلمه بذلك فلما وصل الخبر إلى أرسطوطاليس كتب إليه يأمره بأن ينقل أهلها عنها ويستبدلهم باليونانيين ويوصيهم بحفظ شجرة الصبر وحياطتها لما في ذلك من جمل المنافع الطبية وأنه لا تتم الايارجات إلا به مع انتفاع جميع الأمم بأخذه وتصريفه ولأنه في ذاته دواء جليل كثير المنافع ففعل الإسكندر ذلك وأخرج عنها جملة أهلها ونقل إليها قوماً من اليونانيين وأمرهم بحفظ شجرة الصبر والقيام بها وغراستها وإدامة تنميتها ففعلوا ذلك وكانوا في صيانة وجمل أموال إلي أن ظهر دين المسيح فآمنت الأمم فدخل أهل سقطرى في دين النصرانية وبقايا ذرياتهم بها إلى هذا الوقت مع سائر من يسكنها من غيرهم وأوراق شجر الصبر تجمع في شهر يوليه ويستخرج لعابها ويطبخ في قدور النحاس وغيرها ويوضع في زقاق ويجفف في شهر أغشت للشمس ويباع منه بهذه الجزيرة قناطير فيتجهز به إلى سائر بلاد الله في المشرق والمغرب وصبرها ينسب إليها ويعرف.
وأما جزيرة خرتان وجزيرة مرتان اللتهب قدمنا ذكرهما فهما في جون الحشيش بالمحاذاة إلى بلاد الشحر التي فيها منابت اللبان وهاتان الجزيرتان معمورتان يسكنهما قوم من العرب قد أقاموا فيهما وقنعوا بهما وهم يتكلمون بألسنة عادية قديمة لا تعرفها العرب في وقتنا هذا وأهل هاتين الجزيرتين في قشف وضيق عيش ونكد حال أيام الشتاء إلى أن تكون أيام الأسفار في البحر فيركبون في مراكبهم إلى أرض عمان وعدن وساحل اليمن فتتسع أحوالهم ويحسن عيشهم قليلاً وكثيراً ما يقع إليهم العنبر الجيد فيبيعونه من التجار المسافرن إليهم وربما قصدوا به إلى بلاد اليمن بأنفسهم فيبيعونه هناك بأرفع قيمة ويخرج من هاتين الجزيرتين الذبل والذيلعان وهو ضرب من الذبل وظهور السلاحف يتخذ منها أهل اليمن قصاعاً لغسلهم وخبزهم.
وأما بلاد اليمن الواقعة في هذا الجزء فمنها مخلاف الحردة وهو حصن على البحر والعرب تسمي الحصن مخلافاً والحردة حصن صغير وناسه قليلون وعيشهم اللحوم والألبان والتمر ومعايشهم ضيقة ومنه إلى مخلاف غلافقة في البر أربع مراحل وأهل هذا الحصن حضر وهو على مرسى زبيد ومنه إلى زبيد خمسون ميلاً.
ومدينة زبيد مدينة كبيرة وأهلها مياسير أهل ثروة ومال والمسافرون إلها كثيرون وبها يجتمع التجار من أرض الحجاز وأرض الحبشة وأرض مصر الصاعدون في مراكب جدة وأهل الحبشة يجلبون رقيقهم إليها ويخرج منها ضروب الأفاويه الهندية والمتاع الصيني وغيره وهي على نهر صغير ومنها إلى مدينة صنعاء مائة واثنان وثلاثون ميلاً والطريق على ديار اليمن من زبيد إلى جيلان ستة وثلاثون ميلاً ومن جيلان إلى ألهان اثنان وأربعون ميلاً ومن ألهان إلى الغرف ثلاثون ميلاً ومن الغرف إلى صنعاء أربعة وعشرون ميلاً وكل هذه البلاد قرى وحصون ليست بالكبار لكنها معمورة ينزل بها ويأوي التجار والمسافرون إليها ويتزودون منها.

ومدينة صنعاء كثيرة الخيرات متصلة العمارات وليس في بلاد اليمن أقدم منها عهداً ولا أكبر قطراً ولا أكثر ناساً وهي في صدر الإقليم الأول معتدلة الهواء طيبة الثرى والزمان بها أبداً معتدل الحر والبرد وبها كانت ملوك اليمن قاطنة وهي ديار العرب وكان لملوكها بها بناء كبير عظيم الذكر وهو قصر غمدان فتهدم وصار كالتل العظيم وأكثر بنيانها في هذا الوقت بالخشب والألواح وبها دار لعمل الثياب المنسوبة إليها وهي قاعدة اليمن وهي على نهر صغير يأتي إليها من جبل يوافي من شمالها فيمر بها نازلاً إلى مدينة ذمار ويصب في البحر اليماني وبشمال صنعاء جبل المدخير وطول أعلاه ستون ميلاً وبه مزارع ومياه وينبت فيه الورس والورس نبات أصفر يشبه الزعفران تصبغ به الثياب.
ومن صنعاء إلى ذمار ثمانية وأربعون ميلاً وهي مدينة صغيرة قليلة العمارة ضياقة المساكن ومن مدينة صنعاء إلى مدينة عدن مائة ميل وأربعة أميال والطريق في ديار داحس فمن صنعاء إلى ذمار ثمانية وأربعون ميلاً ثم إلى مخلاف سفتان أربعة وعشرون ميلاً ثم إلى حجر وبدار وهما قريتان متجاورتان ستون ميلاً ثم إلى مخلاف أبين اثنان وسبعون ميلاً ومن مخلاف أبين إلى عدن اثنا عشر ميلاً.
ومدينة عدن مدينة صغيرة وإنما شهر ذكرها لأنها مرسى البحرين ومنها تسافر مراكب السند والهند والصين وإليها يجلب متاع الصين مثل الحديد الفرند والكيمخت والمسك والعود والسروج والغضار والفلفل والدارفلفل والنارجيل والهرنوة والقاقلة والدارصيني والخولنجان والبسباسة والأهليلجات والأبنوس والذبل والكافور والجوزبوا والقرنفل والكبابة والثياب المتخذة من الحشيش والثياب العظيمة المخملة وأنياب الفيلة والرصاص القلعي وغيرها من القنا والخيزران وأكثر السلع التي يتجهز بها إلى سائر البلاد كما قد علم ذلك ومدينة عدن يحيط بها من جهة شمالها وعلى بعد منها جبل دائر من البحر إلى البحر وقد نقب فيه من طرفيه نقبان كالبابين يدخل منهما ويخرج عليهما وبين الباب والباب على ظهر الجبل مسيرة أربعة أيام وليس لأهل عدن دخول ولا خروج إلا على هذين النقبين أو على البحر وهي بلد تجارة ويقابل عدن في البرية على مسافة يوم مدينة كبيرة جداً تسمى بذي جبلة وعليها حصن منيع كبير جداً يرف بالتعكر.
ومن عدن إلى المهجم ثماني مراحل خفاف في ديار داحس والمهجم مدينة صغيرة كالحصن وأهلها مجتمعون فيها وهي الحد بين عمل تهامة واليمن ومنها إلى صنعاء سبع مراحل ومن المهجم إلى حيران أربع مراحل وحيران مدينة صغيرة جداً تشتمل على قرى ومزارع ومياه عليها عمارة أهلها وهي في وطاء من الأرض وأهلها أصناف من قبائل اليمن ومنها إلى صنعاء ثلاث مراحل ومن حيران إلى صعدة ثمانية وأربعون ميلاً وعلى المغرب من صنعاء مخلاف شاكر وبينهما ثمانية عشر ميلاً والذي يتجهز به من صعدة الأديم لأن بها دار صناعة الأديم العديم المثال إلا ما كان منه بصنعاء وبها مجتمع التجار وأهلها أهل أموال وافرة وبضائع وتجارات كثيرة.
ومن عدن مع الساحل في جهة المشرق إلى قرية أبين اثنا عشر ميلاً وهي على ضفة البحر اليماني وأهلها موسومون بالسحر ومنها إلى لسعا في البحر ليلة ويوم وفي البر خمسة أيام لأن بينهما جبل يعترض في الساحل يتصل من البحر إلى الصحراء فيعوق عن الطريق ومدينة لسعا صغيرة جداً على ضفة البحر الملح ومنها إلى شرمة على الساحل يوم وبين ضرمة ولسعا قرية كبيرة فيها حمة حامية كالجابية وأهل تلك النواحي يتطهرون فيها ويجلبون إليها مرضاهم فيصحون بها من آلامهم وأنواع أسقامهم ومدينة لسعا وشرمة هما على ساحل أرض حضرموت وبينهما يومان في البرية.

وبأرض حضرموت مدينتان اسم إحداهما شبام والأخرى تريم وبين المدينتين مقدار مرحلة ومن مدن حضرموت مأرب وهي الآن مدينة خراب وكانت مدينة سبا ومنها بلقيس زوجة سليمان عليه السلام ومن حضرموت إلى صداء مائتان وأربعون ميلاً ومن صنعاء إلى صداء مائة وعشرون ميلاً ومن عدن إلى حضرموت خمس مراحل وهي في شرقي عدن وبها رمال متصلة تعرف بالأحقاف وبلادها بلاد صغار وبها متاجر قليلة ويخرج منها الصبر الحضرمي وهو دون الصبر السقطري وربما سبكه الغشاشون للصبر فغشوا به الصبر السقطري وبمدينة سبا طوائف من أهل اليمن وأهل عمان وبها كان السد المذكور في أخبار العرب وقبل تفرقها عنه ومن شرمة المقدم ذكرها على الساحل إلى مدينة مرباط ستة أيام في البحر وبينهما غب القمر ومعنى الغب الجون وفي قعر هذا الجون بلد يقال له خلفات وعلى رأس الجون المذكور جبل كبير مستدير على هيئة القمر أبيض اللون ولذلك سمي بجبل القمر لتقويسه وبياضه وجبال مدينة مرباط تنبت شجر اللبان ومنها يتجهز به إلى جميع المشارق والمغارب وأهل مرباط هذه قوم أخلاط من اليمن وسائر قبائل العرب ومنها إلى قرية حاسك على البحر أربعة أيام في البر ومجريان في البحر ويقابل حاسك في البحر جزيرتان جزيرة خرتان وجزيرة مرتان وقد تقدم ذكرهما وعلى حاسك جبل يسمى لوس وهو جبل كبير مطل على البحر وأرض قوم عاد تقابله في جهة الشمال ومن حاسك إلى قبر هود أيضاً مقدار ميلين وحاسك مدينة صغيرة كالقرية متحضرة وبها مصيد للحوت كبير وهي على جون يسمى جون الحشيش وهو جون مقعر كالكيس إذا وقعت به المراكب لم تكد تتخلص لأن الخروج منه يصعب إلا أن يكون بريح مستعملة وقليلاً ما يخرج منه من سقط فيه.
نجز الجزء السادس من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء السابع منه إن شاء الله.
الجزء السابع
إن هذا الجزء السابع من الإقليم الأول تضمن في حصته ووجب له قطعة من البحر الهندي وجملة جزائر متفرقة فيها أنواع من الأمم وعلى جنوبه أيضاً بقايا من بلاد الكفرة السود وما اتصل بها على البحر من بلاد الزنج ونحن الآن نريد بعون الله أن نذكر جميع ذلك ذكراً شافياً ونأتي به على استقصاء فنقول إن هذا البحر هو بحر الهند وعلى ضفته مدينة بروة وهي آخر بلاد الكفرة الذين لا يعتقدون شيئاً وإنهم يأخذون الأحجار القائمة فيدهنونها بدهن السمك ويسجدون لها ومثل هذه السخافة وما جانسها تعبدهم واعتقادهم الفاسد وهم على ذلك ثابتون بعض هذه البلاد في طاعة ملك بربرة وبعض في طاعة الحبشة ومن بروة على الساحل إلى بذونة ثلاثة أيام في البحر وهي مدينة خراب قليلة الدمارة وحشة المساكن قذرة البقاع وعيش أهلها من السمك ولحوم الصدف والضفادع الأحناش والفيران والورل والحيوان الذي يسمى أم حبين وغير ذلك من الحيوانات التي لا تؤكل وهم يتصيدون في البحر عوماً من غير مركب ولا وقوف في ساحل وإنما هم يتصيدون بالسباحة بشباك صغار يصنعونها من النبات ويربطونها في أرجلهم ولهم أخيات وأنشوطات يجذبونها بأيديهم إذا أحسوا بأن الحوت دخل في شباكهم بصنعة قد أحكموها وحيل قد هندموها وعرفوها ويضعون في شباكهم حناش الطين وبها يطعمون للحوت ومع هذا فإنهم في فاقة وفقر وضيق حال لكن الله عز وجل حبب المواطن لأهلها فهم قد قنعوا بذلك ورضوه لأنفسهم وهم في طاعة الزنج.
ومن هذه المدينة على الساحل إلى مدينة ملندة من بلاد الزنج ثلاثة أيام في البحر بلياليها ومدينة ملندة على ضفة البحر على خور ماء عذب وهي مدينة كبيرة وأهلها مخترقون بالصيد براً وبحراً فيصيدون في البر النمور والذئاب ويصيدون في البحر ضروباً من الحيتان فيملحونها ويتجرون بها وعندهم معدن حديد يحتفرونه ويعملونه وهو جل مكسبهم وتجارتهم وأهلها يزعمون أنهم يسحرون الحيوان الضار حتى لا يضر إلا لمن أرادوا ضره والنقمة منه وأن السباع والنمور لا تعدو عليهم بما يسحرونها به واسم السحر عندهم بلغتهم المقنقا.

ومن هذه المدينة إلى مدينة منبسة على الساحل مسافة يومين وهي مدينة صغيرة للزنج وأهلها محترفون باستخراج الحديد من معدنه والصيد للنمور وكلابهم حمر تغلب كل الذئاب وجملة السباع وهي في نهاية من القهر لها وهذه المدينة على البحر وعلى ضفة خور كبير تدخله المراكب مسيرة يومين وليس عليه شيء من العمارة أكثر من أن الوحوش تسكن في غياض ضفتيه معاً فهم يصيدونها هناك كما قدمنا ذكره وفي هذه المدينة سكنى ملاث الزنج وأجناده يمشون رجالة لأن الدواب ليست عندهم ولا تعيش بأرضهم.
ومن منبسة إلى قرية البانس في البر ستة أيام ومجرى ونصف في البحر وقرية البانس قرية جامعة آهلة بالناس وهم يعبدون الرجيم والرجيم عندهم طبل كبير كالبتية مجلد من وجه واحد ويربطون في ذلك الجلد شريطاً يجذبونه به فيكون له صوت هائل يسمع على ثلاثة أميال أو نحوها ومدينة البانس هي آخر بلاد الزنج وتتصل بها أرض سفالة الذهب فمنها على الساحل إلى مدينة تسمى بتهنة ثمانية أيام في البر ومجرى ونصف في البحر وذلك لأن ما بين هاتين المدينتين جون كبير يأخذ في جهة الجنوب فيعوق عن الطريق قصداً وبين هاتين المدينتين في البحر جبل عال عريض يقال له عجرد والماء قد حفر جوانبه من كل ناحية فيصوت الموج به صوتاً هائلاً وهذا الجبل المذكور يجتذب إلى نفسه من المراكب ما لاصقه فالمسافرون يتنحون عنه ويفرون منه.
ومدينة بتهنة أيضاً من بلاد سفالة وتتصل بأرض الزنج قرى كثيرة كل قرية منها على خور وجميع بلاد الزنج بضائعهم الحديد وجلود النمور الزنجية وهي جلود إلى الحمرة رطبة جداً وليس عندهم دواب وإنما يتصرفون بأنفسهم وينقلون أمتعتهم على رؤوسهم وعلى ظهورهم إلى مدينتي منبسة وملندة فيبيعون هناك ويشترون وليس لزنج مراكب يسافرون فيها وإنما تدخل المراكب من عمان وغيرهما إلى جزائر الزنج فيبيعون بها متاعهم ويشترون متاع الزنج وأهل جزائر الرانج يسافرون إلى الزنج في زوارق ومراكب صغار فيجلبون منها أمتعتها لأنهم يفهم بعضهم كلام بعض وللعرب في قلوب الزنج رعب عظيم ومهابة فلذلك متى عاينوا رجلاً من العرب تاجراً أو مسافراً سجدوا له وعظموا شأنه وقالوا بكلامهم هنيئاً لكم يا أهل بلاد التمر وإن المسافرين في بلادهم يسرقون أبناء الزنج بالتمر يخدعونهم به فينقلونهم من مكان إلى حتى يقبضون عليهم ويخرجونهم من بلادهم إلى البلاد التي يكونون بها وأهل بلاد الزنج كثيرو العدد قليلو العدد وصاحب جزيرة كيش من بحر عمان يغزو بمراكبه بلاد الزنج فيسبي منها خلقاً كثيراً.
ويقابل بلاد الزنج الساحلية جزائر تسمى جزائر الرانج وهي كثيرة وأرضها واسعة وأهلها سمر جداً وكل ما يزرع بها من الذرة وقصب السكر وشجر الكافور لونه أسود ومن جزائر الرانج جزيرة شربوة وتكسيرها على ما يذكر ألف ميل ومائتا ميل وبها مغائص للجوهر وبها أفاويه الطيب والتجار يدخلون إليها ومن جزائر الرانج الواقعة في هذا الجزء الذي نتكلم عليه جزيرة الانجية ومدينتها التي يسكن فيها أهل هذه الجزيرة تسمى الأنقوجة بلغة أهل الرانج وأهلها أخلاط والغالب عليهم أنهم مسلمون في هذا الوقت وبينهما وبين مدينة البانس التي من ساحل بلاد الزنج مجرى واحد ودورها أربع مائة ميل وأكثر عيشهم من الموز والموز عندهم خمسة ألوان فمنه الموز المسمى القند والموز الفيلي أيضاً وقد يوجد في وزن الموزة اثنتا عشرة أوقية والموز العماني والموز المورياني والموز السكري وأكثر عيش أهل هذه الجزيرة منه وهو عجيب الطعم لذيذ الذوق شهي المزازة وهذه الجزيرة يقسمها من العرض جبل يسمى جبل ويره وهو جبل منيع يأوي إليه المنقطعون من المدينة وهم هناك خلق كثير وجمع غزير وربما قطعوا في طرق المدينة وهم ممتنعون في أعلى هذا الجبل متحصنون فيه عمن قصدهم من ناحية صاحب الجزيرة وفيهم منعة ونجده وهم متمكنون من الأسلحة والعدد.

ولهذه الجزيرة أيضاً عمارات متصلة وقرى كثيرة فيها مواشيهم ويزرعون بها الأرز وتجاراتها كثيرة والداخل إليهم في كل سنة كثير بضروب من الأمتعة وجمل من البضائع التي يتصرفون إليها ومنها ويقال إنه لما اضطرب أمر الصين بالخوارج وكثر الظلم والتخليط بالهند صير أهل الصين تجاراتهم إلى الرانج وغيرها من جزائرها وعاملوا أهلها وأنسوا إليهم لعلهم وحسن معاشرتهم ومعاملتهم وسماحة تجارهم فهي لذلك عامرة والمسافر إليها كثير.
وبالقرب من هذه الجزيرة في البحر جزيرة صغيرة فيها جبل عالي الذرى لا يصل أحد إلى أعلاه ولا إلى شيء منه لإحراقه كل ما قرب منه وذلك أنه يظهر منه بالنهار دخان عظيم وبالليل نار تتقد ويخرج من أسفله عيون فمنها باردة عذبة ومنها حارة زعاق.
وبالقرب من جزيرة الرانج المذكورة أيضاً جزيرة كرموه وأهلها سود الألوان يسمون بالبوميين ولباسهم الأزر والفوط وهم أهل دعارة ونجدة ويحملون السلاح وبها يمشون في طرقهم وربما ركبوا في مراكبهم وتعرضوا للسفن فأكلوا متاعها وقطحوا على أهلها ومنعوا من الدخول إليهم إلا أقواماً بأعيانهم لا يخافون عاديتهم وشرهم وبينها وبين ساحل الزنج مجرى يوم وليلة وبينها وبين جزيرة الرانج المسماة أنقوجة مجرى يوم.
وبالقرب من هذه الجزيرة جزيرة القرود وبينهما نحو من ثلاثة مجار ومنها إلى البر المتصل بأرض الحبشة مجريان خفيفان وهي جزيرة كبيرة فيها غياض وشجر وحواف منيعة وبها أنواع من الثمر والقرود بهذه الجزيرة كثيرة تتولد وتتزايد حتى إنها قد تغلبت على هذه الجزيرة لكثرتها ويقال إن لها أميراً تنقاد إليه وتحطه على أعناقها وهو يحكم عليها حتى لا يظلم بعضها بعضاً وألوان هذه القرود إلى الحمرة وهي ذوات أذناب ولها ذكاء وحدة فهم وإذا انكسر عل جزيرتها مركب أو لجأ إليها أحد من الناس عذبته عذاباً بليغاً بالعض والرجم بالقاذورات وتعبث بمن سقط في أيديها عبثاً عظيماً وربما أمضت عليه فقتلته مسرعاً وربما أقلت العبث به فمات بينها جوعاً وقد يتحيل عليها أهل جزيرني خرتان ومرتان فيصيدونها ويخرجونها إلى بلاد اليمن فتباع بالثمن الكثير وأهل اليمن أعني التجار منهم يتخذونها في حوانيتهم حراساً كالعبيد يحرس أمتعة مواليها فلا يتقدر أحد على خدعها ولا على أخذ شيء مما بين أيديها وهي في نهاية من الذكاء ومن هذه الجزيرة التي للقرود إلى جزيرة سقطرى مجريان وأهل سقطرى يتحيلون عليها فيصيدونها بحيلة لطيفة وهي أنهم ينشئون لصيدها زوارق صغاراً جداً فيها طول فيحملونها معهم في المراكب وصورة صيدهم لها أنهم ينسجون على أفواه الزوارق شباكاً من الحبال مهندمة يلقونها مع جوانب الزوارق المذكورة حتى لا تحس بها القرود وتخفى فإذا وصلوا الجزيرة زرقوا في البحر تلك الزرارق وجعلوا فيها طعاماً لتأكله القرود فإذا قربوا من البر قذفتهم القرود بالحجارة فيتركون الزوارق الصغار مع البر وتباعدوا بمراكبهم إلى لجة البحر فإذا نظرت القرود إليهم قد بعدوا ولم يبق مع البر إلا تلك الزوارق قصدتها فوثبت فيها فوجدت بها ذلك الطعام الذي أعد لها فتتزاحم عليه وتشتغل به فيجذب أهل المركب تلك الشباك التي في الزوارق في لطف بحبال تحت الماء مهندمة جذباً لطيفاً فتكسي الشباك فوق أفواه الزوارق ويجتذبون الزوارق إلى أنفسهم فتثب القرود إليهم فلا تدعها الشباك فيتولون ضربها بالعصي حتى تهدأ ويتحيلون عليها حتى يلقوا الأخيات في أعناتها ويخرجونها أحياء إذا أرادوا ذلك وقد يقتلونها بالدق ويسلخون جلودها فيخرجونها معهم إلى بلاد اليمن.
ومن جزيرة القرود في جهة الشمال جزيرة يقال لها القطربة وهي جزيرة عامرة يسكنها قوم نصارى لكن زيهم عربي وهم يتكلمون بالعربية ويدعون أنهم عرب وهم أهل غدر ونكاية يقطعون بالمراكب المارة والآتية فيما بين البحرين والبصرة إلى قرب عمان وهم أخبث عدو يلقى في البحر وفي هذه الجزيرة مغائص للؤلؤ كان أهل اليمن يقصدون إليها ويغوصون بها لكن أهل الجزيرة أكلوا متاع الغواصين والتجار القاصدين إليهم حتى قطعوا الناس عن السفر إليهم.

ويسمى هذا البحر المضمن في هذا الجزء والجزء الذي قبله أعني البحر العماني ببحر هركند بلغة أهل الهند وفي هذا البحر عجائب كثيرة وصور شتى وحيتان ملونة فمنها ما يكون طوله مائة ذراع ودون ذلك ويسمى هذا السمك الوالي وهو ابيض ويتبع هذا السمك الكبير المسمى بالوالي سمكة صغيرة تسمى اللشنك فإذا طغت السمكة الكبيرة وجارت واعتدت على سائر السمك لصقت السمكة الصغيرة المسماة لشنك بأصل أذن الدابة الكبيرة فلا تفارقها حتى تقتلها وفيه سمك ذاهب في العرض إذا شق بطنها وجدت فيه سمكة أخرى وإذا شقت تلك الأخرى وجد في بطنها سمكة أخرى وكذلك إذا فعل بالثالثة مثل هذا وجد في بطنها سمكة أخرى إلى أربع سمكات بعضها في جوف بعض وفي هذا البحر سلاحف طول السلحفاة عشرون ذراعاً وفي بطنها نحو من ألف بيضة وهي تلد وترضع وظهورها الذبل الجيد وفيه سمك على خلقة البقر تلد وترضع وتعمل من جلودها الدرق وفيه سمك طوله مقدار الذراع وله وجه كوجه البومة يطير على الماء ويسمى السبح وقد قيض الله له سمكة أخرى تسمى العنقريس ترعاها تحت الماء فإذا سقط السبح في الماء ابتلعته وفيه أيضاً أسماك طيارة يقال لما النطيق لها مرارات يكتب بها الكتب فإذا جفت قرئت في الظلام كما تقرأ بالنهار في ضوء الشمس وفيه سمكة تسمى الهنس وهي من صدرها إلى رأسها مثل الترس تطيف به عيون تنظر منها وباقيها طويل مثل الحية في طول عشرين ذراعاً ولها أرجل كثيرة كأسنان الميشار من صدرها إلى ذنبها لا تمر بشيء إلا أهلكته.
ومن هذا البحر يخرج العنبر الكثير الطيب الرائحة وقد توجد منه العنبرة من قنطار وأكثر وأقل وهو شيء تقذف به عيون في قعر البحر مثل ما تقذف عيون هيت بالنفط فإذا اشتد هيجان الريح رمى به إلى الساحل وقد وهم فيه بعض الناس حين ظنوا أنه رجيع دابة وليس هو برجيع دابة وإنما هو ما ذكرناه وقد حكى ذلك إبراهيم بن المهدي في كتابه المسمى بكتاب الطيب وذكر فيه أن هارون الرشيد بعث إلى اليمن قوماً من قبله يبحثون عن العنبر ما هو على الحقيقة فأخبر أهل عدن وشرمة وحاسك أنه شيء تقذف به عيون في قعر البحر فيسوقه الموج إلى الساحل صغيراً وكبيراً وليس العنبر بشيء غير ما ذكرناه.
نجز الجزء السابع من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء الثامن منه إن شاء الله تعالى.
الجزء الثامن
إن هذا الجزء الثامن من الإقليم الأول تضمن في حصته بقية من أرض سفالة فيها مدينتان كالقرى ويليهما قرى صغار ودواير رحالة كالعرب فأما المدينتان فهما جنطمة ودندمة وهما على ضفة البحر الملح وهما مدينتان صغيرتان كالقرى الجامعة وأهلهما في ذاتهم قلة وفي أنفسهم أذلة وليس بأيديهم شيء يتصرفون به ويتعيشون منه إلا الحديد وذلك أن بلاد سفالة توجد في جبالها معادن الحديد الكثيرة وأهل جزائر الرانج وغيرهم من ساكني الجزائر المطيفة بهم يدخلون إليهم ويخرجونه من عندهم إلى سائر بلاد الهند وجزائرها فيبيعونه بالثمن الجيد لأن بلاد الهند أكثر تصرفهم وتجاراتهم بالحديد ومع ذلك وإن كان الحديد موجوداً في جزائر الهند ومعادنه بها ففي بلاد سفالة هو أكثر وأطيب وأرطب لكن الهنديون يحسنون تركيب أخلاط الأدوية التي يسبكون بها الحديد اللين فيعود هندياً ينسب إلى الهند وبها دور الضرب للسيوف وصناعهم يجيدونها فضلاً على غيرهم من الأمم وكذلك الحديد السندي والسرنديبي والبينماني كله يتفاضل بحسب هواء المكان وجودة الصنعة وإحكام السبك والضرب وحسن الصقل والجلاء ولا يوجد شيء من الحديد أمضى من الحديد الهندي وهذا شيء مشهور لا يقدر أحد على إنكار فضيلته.

وبين جنطمة ودندمة مجريان في البحر وفي البر سبعة أيام ودندمة هذه أحد قواعد سفالة ويتصل بأرض سفالة ثلاث مدن إحداها صيونة وهي متوسطة القدر وأهلها جماعات من بلاد الهند والزنوج وغيرهم وهذه المدينة على ضفة البحر وبها يسكن رئيس هذه البلاد و له عساكر رجالة لا خيل عندهم وهذه المدينة على خور تدخله المراكب المسافرة إليها ومنها إلى مدينة برخة على الساحل ثلاثة مجار وكذلك من صيونة إلى مدينة دندمة من أرض سفالة في جهة المغرب ثلاثة مجار في البحر وفي البر نحو من عشرين مرحلة لأن بينهما غباً كبيراً ذاهباً في جهة الجنوب فيعوق عن الطريق المستقيم ومن مدينة برخة إلى مدينة جسطة في البحر مجرى واحد وفي البر أربعة أيام.
وبجميع بلاد سفالة يوجد التبر الذي لا يعدله شيء من التبر في الطيب والكثرة والعظم وهم مع هذا يفضلون النحاس على الذهب ومنه حليهم وهذا التبر الموجود في أرض سفالة كبير المقدار يشف على غيره بالكبر لأنه يوجد في التبرة منه مثقال ومثقالان وأكثر وأقل وعلى قدر الرمل وهم يسبكونه في البواذق بنار أرواث البقر الجاف ولا يحتاجون فيه إلى جمع بزيبق ولا غيره كما يفعله أهل المغرب وذلك أنهم يؤلفون أجزاء تبرهم ويجمعونها بالزيبق وبعد ذلك يسبكونه بنار الفحم فيذهب الزيبق في الدخان ويبقى جسد التبر مسبوكاً نقياً وتبر أرض سفالة لا يحتاج إلى ذلك بل ينسبك بلا صنعة تدخله وسنذكر باقي أرض سفالة فيما يأتي بعد هذا بحول الله وعونه.
وفي هذا الجزء من الجزائر المرسومة في أمكنتها جزائر الدبيحات المتصلة بعضها ببعض وهي لا تحصى وأكثرها خالية وأكبرها جزيرة انبونه وهي عامرة وفيها خلق كثير يعمرونها ويعمرون ما حولها من كبار الجزائر وتتصل بهم جزيرة القمر ولجميع هذه الجزائر رئيس يجمعهم ويذب عنهم ويحامي عليهم ويهادن على قدر طاقته وزوجته تحكم بين الناس وتكلمهم ولا تستر عنهم والرئيس زوجها حاضر لا يتكلم فيما تأمر به من جميع أوامرها وتحكيم النساء عندهم سيرة دائمة لا ينتقلون عنها واسم هذه الملكة دمهرة وهي تلبس حلة الذهب المنسوج وتحمل على رأسها تاج الذهب المكلل بأنواع اليواقيت والأحجار النفيسة وتجعل في رجليها نعل الذهب وليس يمشي أحد في هذه الجزائر بنعل إلا الملكة وحدها ومتى عثر على أحد أنه لبس النعال قطعت رجلاه وهذه الملكة في فصول مذهبها وأعيادها تركب ويركب خلفها جواريها بالزي الكامل من الفيلة والرايات والأبواق والملك زوجها وجملة الوزراء يتبعونها على بعد منها ولهذه الملكة أموال تجمعها من جبايات معلومة فتتصدق بهذه الأموال على فقراء أهل بلادها في ذلك اليوم ولا تتصدق بشيء منه إلا وهي واقفة تنظر وأهل بلادها يعلقون على طرقها ومواضع مسيرها أنواع ثياب الحرير ولها زي حسن كما وصفنا وهذه الملكة وزوجها سكناهم من هذه الجزائر المذكورة بجزيرة انبونه.
وبضائع أهل جزائر الدبيحات المذكورة الذبل والذبل يكون على السلاحف وهي سبع قطائع لا يكون على السلحفاة أكثر منها ومبلغ وزن أربع قطائع منها منا والمنا تكون جملته مائتين وستين درهماً وأثقل ما يكون قطعتان في المن وهذا الذبل يتخذ منه حلى وأمشاط لأنه غليظ وهو في ذاته كثير التلوين صافي الديباجة ونساء هذه الجزيرة يمشين مكشوفات الرؤوس مضفورات الشعور والمرأة الواحدة تمسك في رأسها عشرة أمشاط وأقل وأكثر وهي حليهن وبهذا الزي تمشي نساء جزائر السحاب وأهلها مجوس وسنذكرهم فيما بعد بعون الله.

وهذه الجزائر المعروفة بجزائر الدبيحات عامرة بالناس ويزرع فيها النارجيل وقصب السكر وتجاراتهم بالودع وبين الجزيرة والأخرى مسير ستة أميال وأكثر وأقل وملكهم يدخر الودع في خزائنه وهو أكثر عدده وأهل هذه الجزائر أهل صناعات بالأيدي حذاق نبلاء من ذلك أنهم ينسجون القميص مفروغاً بكميه وبنائقه وجيبه وينشئون السفن من العيدان الصغار ويبنون البيوت المتقنة وسائر المباني العجيبة المتقنة من الحجر المجان ويتخذون أيضاً بيوتاً من الخشب تسير على الماء وربما استعملوا في مبانيهم عود المجمر همة ونخوة ويحكى أن هذا الودع الذي يدخره ملكهم يأتيهم على وجه الماء وفيه روح فيأخذون عيدان شجر النارجيل فيطرحونها على الماء فيتعلق هذا الودع بها وهم يسمونه الكنج وقد يخرج من بعض هذه الجزائر سيل يشبه القطران يحرق السمك في البحر فيطفو على وجه الماء.
وآخر هذه الجزائر يتعلق بظاهر جزيرة سرنديب في البحر المسمى هركند ويتصل بهذه الجزائر المسماة بالدبيحات جزيرة القمر وبينهما مجرى سبعة أيام وهي جزيرة طويلة وملكها يسكن منها مدينة ملاي ويقول أهل هذه الجزيرة إن طولها ماراً مع المشرق أربعة أشهر أولها في الدبيحات وآخرها يعارض جزائر الصين في جهة الجنوب وملكها لا يحجبه ولا يقوم بخدمته في طعامه وشرابه وجميع أوامره إلا المخنثون يلبسون الثياب النفيسة من الحرير الصيني والعراقي وفي يمين كل واحد منهم سوار ذهب واسم السوار عندهم بلغة الهند اللكنكو ويسمون هولاء الخنثين التنبابة وهم يتزوجون الرجال عوضاً من النساء ويخدمون الملك بالنهار ويرجعون بالليل إلى أزواجهم وفي هذه الجزيرة زرع ونارجيل وقصب السكر والتانبول وهو أكثر ما ينبت في هذه الجزيرة والتانبول شجر ساقه مثل ساق العريش ويلتوي ويتعلق بما جاوره من الشجر وله ورق مثل ورق الرند أو أشف منه حار الطعم يشبه طعم القرنفل وإذا أراد أحد منهم أكله يأخذ الجيار معجوناً بالماء ويتناول مع كل ورقة منه وزن ربع درهم ولا يطيب طعمه إلا بهذه الصفة ثم يصيب الذي يأكل عند أكله منه سكر وطيب نفس وعطرية ذكية تنم عليه وهذا مشهور في جمع بلاد الهند وما جاورها وفي هذه الجزيرة تصنع ثياب الحشيش وهذا الحشيش هو نبات يشبه نبات البردي وهو القرطاس وسمي بذلك لأن أهل مصر يعملون منه القراطيس فيأخذ الصناع منه أطيبه ويتخذون منه ثياباً مثل ثياب الديباج ملونة حساناً وتخرج هذه الثياب إلى سائر بلاد الهند وربما وصلت إلى اليمن فلبست هناك وحكى بعض المخبرين أنه رأى باليمن الشيء الكثير منها وقد تصنع بهذه الجزيرة حصر بيض فيها الرقم البديع ويبسطها الرؤساء في بيوتهم ويجعلونها عوضاً من الحرير وغير ذلك وفي هذه الجزيرة شجر يقال له البل وهو نوع من المقل تظل الشجرة منه عشرة رجال ومن هذه الجزيرة تخرج المراكب المعروفة بالمشعيات وهي شوان غزوانية محكمة الصنعة يكون طول الواحد ستين ذراعاً وهو منحوت من قطعة واحدة يقذف على ظهره مائة وخمسون رجلاً وحكى أيضاً بعض المخبرين وهو قريب العهد بذلك المكان أنه رأى هناك مائدة يقعد حولها مائتا رجل وبهذه الجزيرة من الخشب ما لا يوجد مثله على الأرض وأهلها بيض قليلو اللحى يشبون الأتراك ويزعمون أن أصلهم من الترك.

ومن الجزائر المشهورة في هذا البحر المسمى هركند جزيرة سرنديب وهي جزيرة كبيرة مشهورة الذكر وهي ثمانون فرسخاً في ثمانين فرسخاً وفيها الجبل الذي أهبط عليه آدم وهو جبل سامي الذروة عالي القمة ذاهب في الجو يراه البحريون في مراكبهم على مسيرة أيام واسم هذا الجبل جبل الرهون وتذكر البراهمة وهم عباد الهند أن على هذا الجبل أثر قدم آدم عليه السلام مغموس في الحجر وطوله سبعون ذراعاً وأن على أثر هذا القدم نور يخطف شبيه بالبرق دائماً وأن القدم الثانية منه جاءت في البحر عند خطوته والبحر من هذا الجبل على مسيرة يومين أو ثلاثة وعلى هذا الجبل وحوله توجد أنواع اليواقيت كلها وأنواع من الأحجار وغيرها وفي واديه الماس الذي يحاول به نقش الفصوص من أنواع الحجارة وعلى هذا الجبل أيضاً أنواع من الطيب وضروب من صنوف العطر مثل العود والأفاويه ودابة المسك ودابة الزبادة وبها الأرز والنارجيل وقصب السكر وفي أنهارها يوجد جيد البتور وكبيره وبجميع سواحلها مغائص اللؤلؤ الجيد النفيس الثمن وفي جزيرة سرنديب من القواعد المشهورة مرقايا واغنا وفرسقورى وابدذى وماخولون وحامرى وقلماذى وسندونا وسندورا ونيبرى وكنبلى وبرنشلى ومرونه وملك هذه الجزيرة يسكن من هذه المدن مدينة اغنا وهي مدينة القصر وبها دار ملكه وهو ملك عادل كثير السياسة يقظان الحراسة ناظر في أمور رعيته حائط لهم وذاب عنهم وله ستة عشر وزيراً أربعة منهم من أهل ملته وأربعة نصارى وأربعة مسلمون وأربعة يهود وقد رتب لهم موضع يجتمع فيه أهل الملل ويتكلمون في أديانهم ويقيم كل واحد منهم حجته ويأتي ببرهانه في دينه والملك يبيح ذلك لهم ويكتب حججهم وأخبارهم ويجتمع إلى علماء كل ملة منهم أعني الرومية والهندية والإسلامية واليهودية جمل من الناس وعدة طوائف فيكتبون عنهم سير أنبيائهم وقصص ملوكهم في سالف الزمان ويعلمونهم شرائعهم ويفهمونهم ما لا يعلمونه وللملك في بره صنم من ذهب لا يدرى لما عليه من الدر والياقوت وأنواع الأحجار الثمينة وليس يملك أحد من ملوك الهند مثل ما يملكه صاحب سرنديب من الدر النفيس والياقوت الجليل وأنواع الأحجار لأن أكثر ذلك موجود في جبال جزيرته وفي أوديتها وبحرها إليها تقصد مراكب أهل الصين وسائر بلاد الملوك المجاورين له وملك سرنديب يحمل إليه الخمر من العراق ومن بلاد فارس فيشتريها بماله وتباع له في بلاده وهو يشرب منها ويحرم الزنا ولا يراه وملوك الهند وأهلها يبيحون الزنا ويحرمون الشراب المسكر إلا ملك قمار فإنه يحرم الزنا والشراب ويجلب من سرنديب الحرير والياقوت بجميع ألوانه كلها والبتور والماس والسنباذج وأنواع من العطر كثيرة.
وبين هذه الجزيرة والبر المتصل بالهند مجاز صغير ومن جزيرة سرنديب إلى جزيرة بلبق الساحلية يوم ويحاذي هذه الجزيرة من أرض الهند أغباب وهي أجوان تقع فيها أنهار وتسمى أغباب سرنديب وتدخلها المراكب السيارة وتمر فيها الشهر والشهرين بين غياض ورياض وهواء معتدل والشاة فيها بنصف درهم وما يكفي جماعة من الشراب العسلي المطبوخ بحب القاقلة الرطبة بنصف درهم ولعب أهل سرنديب الشطرنج والنرد والقمار بأنواعه ولأهل سرنديب نظر في زراعة النارجيل في تلك الجزائر الصغار التي على طرقها ويقومون بحفظه ويبيحونه للصادر والوارد ابتغاء الأجر وطلب المثوبة وأهل عمان ومربط من بلاد اليمن ربما قصدوا إلى هذه الجزائر التي فيها النارجيل فيقطعون من خشب النارجيل ما أحبوه ويصنعون من ليفه حبالاً يحرزون به ذلك الخشب وينشئون منه مراكب ويصنعون منه صواريها ويفتلون من خوصه حبالاً ثم يوسقون تلك المراكب بخشب النارجيل ويمضون به إلى بلادهم فيبيعونه هناك ويتصرفون به.

وتتصل بجزيرة سرنديب جزيرة الرامى والرامى هي مدينة الهند وبها عدة ملوك وفيها زروع ومعادن وطيب وهي فيما يذكر طولها سبع مائة فرسخ وبها دابة تسمى الكركدن وهذه الدابة تكون دون الفيل وفوق الجاموس وفي عنقها عوج كعنق الجمل لكن اعوجاجه بخلاف اعوجاج عنق الجمل ورأسها مما يلي يديها ولها قرن في وسط جبهتها طويل في غلظة قبضتين وفيما يذكر أنه يوجد في بعض هذه القرون في جوفها إذا هي شقت صورة إنسان أو صورة طائر أو غيره من الصور كاملة الشكل بيضاء وهذا القرن الذي توجد فيه هذه الصورة يصنع منه مناطق تساوي من القيمة كثيراً وتكون الصورة التي توجد فيه من أوله إلى آخره وحكى الجاحظ في كتاب الحيوان أن هذه الدابة تقيم في جوف أمها سبع سنين وأنها تخرج رأسها وعنقها من فرج أمها فترعى الحشيش ثم تعيد رأسها إلى جوف أمها فإذا ابتدأ تكون قرنها امتنعت عن الخروج للرعي على حسب عادتها فتنقر في جوف أمها حتى تبقر جوفها وتخرج فتموت الأم وهذا محال من قوله غير مسموع لأن الأمر لو كان كما وصفه لفنى هذا النوع حتى لا يوجد إلا ذكره وحكى الجيهاني في كتابه أن ملوك الهند تصنع من قرن هذه الدابة أنصبة السكاكين للموائد فإذا وضع الطعام بين أيديهم وكان فيه سم عرق ذلك النصاب فيعلم بذلك أن الطعام مسموم.
وجزيرة الرامى طيبة الثرى معتدلة الهواء عذبة المياه فيها أعداد بلاد وقرى ومعاقل وفي هذه الجزيرة ينبت البقم ويشبه نباته نبات الدفلى بالسواء وخشبه أحمر وعروقه دواء من سم الأفاعي والحيات وقد جرب ذلك منه فصح وفي هذه الجزيرة جواميس أيضاً لا أذناب لها وفي غياض هذه الجزيرة ناس عراة لا يفهم كلامهم وهم يستوحشون من الناس وطول الرجل الواحد منهم أربعة أشبار وله ذكر صغير وكذلك للمرأة منهم فرج صغير وشعورهم زغب أحمر يتعلقون على الأشجار بأيديهم من غير أرجلهم ولا يدركون لسرعة جريهم وبساحل هذه الجزيرة قوم يلحقون المراكب بالعوم والمركب يجرى بالريح الطيبة ويبيعون العنبر من أصحاب المراكب بالحديد ويحملونه بأفواههم ويتجهز من هذي الجزيرة بالذهب لأن معادنه بها كثيرة ويتجهز أيضاً منها بالكافور الطيب وبضروب من الأفاويه واللؤلؤ الفائق في الجودة.
ومن هذه الجزيرة إلى سرنديب ثلاثة أيام ومن أراد أن يعدل من جزيرة بلبق المذكورة إلى الصين جعل جزيرة سرنديب عن يمينه.
ومن سرنديب إلى جزيرة لنكبالوس مسيرة عشرة أيام وقد تسمى هذه الجزيرة أيضاً لنجبالوس بالجيم وهي جزيرة كبيرة وفيها خلق كثير بيض الألوان والرجال فيها والنساء يمشون عراة وربما استتر النساء بورق الشجر والتجار يدخلون إليهم في المراكب الصغار والكبار ويشترون من أهلها العنبر والنارجيل بالحديد وأكثر أهلها يشترون الثياب فيلبسونها في بعض الأوقات والحر والبرد في هذه الجزيرة قليل لقربهم من خط الاستواء وطعام أهلها الموز والسمك الطرى والنارجيل وأموالهم وجل بضائعهم الحديد وهم يجالسون التجار.
ومن جزيرة الرامى في جهة الجنوب جزيره يقال لها البينمان وهي جزيرة عامرة فيها مدينة كبيرة وأكل أهلها النارجيل وبه يأتدمون ومنه ينتبذون وهم أهل شدة ونجدة ومن سيرتهم وعاداتهم التي توارثها الأبناء عن الآباء أن الرجل منهم إذا أراد أن يتزوج امرأة لم يزوجها له أهلها حتى يأتي برأس رجل يقتله فيخرج الرجل يطوف في جميع النواحي المجاورة لهم حتى يقتل رجلاً ويأتي بقحف رأسه فإذا فعل ذلك زوج من المرأة التي خطبها فإن جاء برأسين زوج امرأتين وكذلك إن جاء بثلاثة رؤوس زوج ثلاث زوجات ولو قتل خمسين رجلاً زوج خمسين امرأة وشهد له أهل بلده بالبأس والنجدة ونظروا إليه بعين الفخر والجلالة وفي هذه الجزيرة فيلة كثيرة وبها البقم والخيزران والقصب.

وبالقرب منها جزيرة جالوس وبينهما مسافة يومين وأهلها قوم سود عراة يأكلون الناس وذلك أنه إذا سقط في أيديهم إنسان من غير بلادهم علقوه منكساً وقطعوه وأكلوه قطعاً وذكر بعض رؤساء المراكب أن أهل هذه الجزيرة أخذوا رجلاً من أصحابه فنظر إليهم حق علقوه وقطعوه قطعاً وأكلوه وليس لهؤلاء القوم ملك وغذاؤهم السمك والموز والنارجيل وقصب السكر ولهم مواضع يأوون إليها شبيهة بالغياض والآجام وأكثر نباتهم الخيزران وهم عراة لا يستترون بشيء وكذلك نساؤهم أيضاً وكذلك لا يستترون في النكاح بل يأتونه جهاراً ولا يرون بذلك بأساً وربما فعل الرجل منهم بابنته وأخته وليس يرى بذلك عاراً ولا قبيحاً أتاه وهؤلاء القوم سود مناكير الوجوه مفلفلو الشعور طوال الأعناق والسوق مشوهون جداً وبين البينمان وجزيرة سرنديب ثلاثة مجار ومن جزيرة سرنديب إلى جزيرة لنجبالوس ويقال لنكبالوس عشرة مجار ومن لنجبالوس إلى جزيرة كلة مسيرة ستة أيام وسنذكر هذه الجزائر فيما بعد بحول الله تعالى.
نجز الجزء الثامن من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء التاسع من الإقليم المذكور إن شاء الله.
الجزء التاسع
إن هذا الجزء التاسع من الإقليم الأول تضمن قطعة من البحر الهندي وهو البحر المعروف بالبحر الصيني وفيه شيء من البحر المسمى بحر دارلاروى وفي هذا البحر جملة جزائر نذكرها بعد هذا بعون الله وقوته فنقول إن هذا البحر الهندي على جنوبه قطعة من بلاد سفالة التي قدمنا ذكرها وقرى وعمارات فمنها مدينة جسطة وهي مدينة صغيرة وبها يوجد التبر كثيراً وهو غلتهم وشغلهم وإياه يطلبون ومنه معايشهم وأكلهم السلاحف البحرية ولحوم الصدف وعندهم الذرة قليلاً وهي على خور كبير تدخله المراكب وليس لأهل جسطة مراكب ولا دواب يتصرفون عليها وإنما يتصرفون بأنفسهم ويستخدم بعضهم بعضاً وأهل القمر وتجار بلاد المهراج يدخلون إليهم ويجالسونهم ويتجرون معهم.
ومن مدينة جسطة إلى مدينة دغوطة في البحر ثلاثة أيام بلياليها ومنها إلى جزيرة القمر مجرى واحد ومدينة دغوطة آخر بلاد سفالة التبر وهي على خور كبير وأهلها عراة لا يستترون بشيء من الثياب لكنهم يستترون بأيديهم عند التقائهم بالتجار الداخلين إليهم من سائر الجزائر المجاورة لهم ونساؤهم محتجبات لا يدخلن الأسواق ولا المحافل لأنهن عراة فهن لذلك يلزمن أمكنتهن اللاتي يأوين إليها وفي هذه المدينة وبأرضها يوجد التبر مثل ما يوجد بغيرها من أرض سفالة ويتصل بأرض سفالة أرض الواق واق وبها مدينتان حقيرتان وساكنها قليل لضيق عيشها وتكدر رزقها واسم الواحدة منها ددوا واسم الثانية بنهنة وتليهما قرية كبيرة تسمى دغرغه وهم سودان قباح الصور مشوهو الخلقة وكلامهم نوع من الصفير وهم عراة لا يستترون بشيء والداخل إليهم قليل وأكلهم الحوت والصدف ولحوم السلاحف تتصل بهم جزائر الواق واق وسنذكرها فيما يرد بعد هذا بعون الله تعالى وكل واحدة من هذه البلاد على خور كبير وليس بأرض هؤلاء القوم شيء من الذهب ولا تخرج من عندهم تجارة ولا مراكب لهم ولا دواب.
فأما جزيرة جالوس فأهلها زنج سود عراة يأكلون من سقط في أيديهم كما قدمنا ذكرهم وعندهم جبل ترابه فضة إذا مسته النار تحلل وصار فضة ومنها إلى جزيرة لنكبالوس يومان ومن جزيرة لنكبالوس إلى جزيرة كله خمسة أيام وهي جزيرة كبيرة يسكنها ملك يسمى حبابه الهندي وبهذه الجزيرة معدن الرصاص القلعي وهو بها كثير صافي الجوهر والتجار يغشونه بعد خروجه عنها ومنها يتجهز به إلى جميع الأرض ولباس أهلها الفوط يلبس الرجل والمرأة فوطة واحده وبهذه الجزيرة منابت الخيزران وبها الكافور الجيد وهو شجر كبير يشبه شجر الصفصاف لكنه تظل الشجرة منه مائة رجل وأكثر والكافور يستخرج من هذه الشجرة بأن ينقب في أعلاها نقب فيسيل منه عدة جرار وإذا انقطع الجرى نقب أسفل من ذلك في وسط الشجرة فينساب منها قطع الكافور وهو صمغ ذلك الشجر غير أنه ينعقد في داخلها ثم تبطل تلك الشجرة فتنحى ويقصد غيرها وخشب شجر الكافور أبيض خفيف وفي هذه الجزيرة عجائب يقع واصفها في حد التكذيب.

ويلي هذه الجزيرة جزيرة جابة وجزيرة سلاهط وجزيرة هزلج وبين كل واحدة منها وأختها فرسخان وأكثر أو أقل وهذه الجزائر كلها لملك واحد اسمه جابة وهو يلبس حلة الذهب وقلنسوة الذهب مكللة بالدر والياقوت ودراهمه مطبوعة بصورته وهو يعبد البد والبدود هي الكنائس بلغة أهل الهند وبد الملك حسن البناء حسن الصنعة وقد كلفت جميع جوانبه بالرخام وداخل البد يحيط به من كل جهة أصنام مصنوعة من حجارة الرخام الأبيض وعلى رؤوسها التيجان المكللة وعليها الحلل وسائر الثياب المنسوجة من الذهب ونحوه وصلاتهم في هذه الكنائس إنما تكون غناءً وتلحيناً وتصفيقاً لطيفاً بالأكف وزفن الجواري الحسان في شعورهن ولعبهن بأنواع من الخف والتخلع وكل ذلك يكون بين أيدي المصلين والمجتمعين في البد ولكل بد من تلك الجواري عدة يأكلن ويلبسن من مال البد وذلك أن المرأة إذا ولدت بنتاً حسنة الصورة جميلة القد تصدقت بها على البد فإذا ترعرعت وشبت كستها من الثياب أبلغ ما تقدر عليه وتأخذ أمها بيدها وحولها أهلها نساءً ورجالاً وتصير بها إلى البد الذي تصدقت بها أمها عليه وتدفعها إلى خدامه وتنصرف فإذا صارت الطفلة بيد خدام البد دفعوها إلى نساء عارفات بالزفن والتخلع وجمل اللعب بما يحتاج إليه فإذا قبلت التعليم لبست أفضل الثياب وحليت بأرفع الحلي ولزمت البد ولم يكن لها خروج منه ولا زوال عنه وكذلك سنة الهنديين الذين يعبدون البدود وبهذه الجزائر شجر النارجيل كثير والموز المتناهي في الطيب أيضاً كثير عندهم وكذلك السر والأرز بها موجود وبجزيرة هزلج مهوأة كبيره لا يقف أحد على قعرها وهي من عجائب الأرض المريئة.
ويتصل بجزيرة جابة جزيرة مابط على قرب منها وهي تحت طاعة ملك جابة وفيها نارجيل وموز وقصب وأرز وبجزيرة سلاهط صندل كثير وسنبل وقرنفل وصفة شجر القرنفل شبه نبات شجر الحناء في دقة أغصانها وحمرتها ولها زهر يتفتح عن كمام شبيهة بزهر النارنج سواء فإذا سقط الزهر جنيت تلك الكمام ونقعت في مياه هناك إلى أن يصلح منها ما أرادوه ثم يخرجونه ويجففونه فقاحاً وخشباً ويبيعونه إلى التجار الواردين عليهم فيشترونه منهم ويتجهزون به إلى جميع الأقطار وفي آخر هذه الجزيرة بركان نار تتقد مقدار ارتفاعه مائة ذراع فهي بالنهار دخان وبالليل نار تشتعل.
وعلى يسار جزيرة مابط جزيرة تنومة وبينها وبين مابط يوم وهي جزيرة عامرة ولباس أهلها الأزر وبها مياه عذبة وأرز وقصب سكر ونارجيل وبها أيضاً مغائص اللؤلؤ وبجزيرة تنومة يوجد العود الهندي والكافور ونبات العود تكون أوراقه وأغصانه شبيهة بأوراق وأغصان النبات المسمى الصاص بالسواء والعود أصوله تستخرج في وقت لا يكون في غيره بعد أن يتقدم في قطع أغصانه قبل ذلك بأشهر ثم ينحت أعلاها ويزال رخوها وتوخذ قلوبها الصلبة فتجرد بالاسكرفاج وهو مبرد العود حتى تنقى ثم تجرد بالزجاج ثم توضع في أوعية خيش وتصقل صقلاً كثيراً ثم تخرج عن تلك الأوعية وتباع من التجار الواصلين هناك فتخرجه التجار إلى جميع البلاد ويصرفونه ومن جزيرة تنومة إلى جزيرة قمار خمسة أيام وإلى هذه الجزيرة ينسب العود القماري وبها يعرف وهو جيد لكن العود الصنفي أجود منه وبهذه الجزيرة الصندل والأرز وأهلها يلبسون الفوط ويجالسون التجار ويعاملون الجلة وفيهم عدالة ظاهرة وجودة مشهورة وإنصاف كامل وعبادتهم الأصنام والبدود وهم يحوقون موتاهم بالنار.
ويتصل بجزيرة قمار مما يلي الساحل جزيرة صنف وبينهما ثلاثة أميال وبها يوجد العود الصنفي وهو أفضل من العود القماري لأنه يغرق في الماء لجودته وثقله وبهذه الجزيرة بقر وجواميس لا أذناب لها وبها النارجيل والموز والقصب السكري والأرز وأهلها لا يذبحون شيئاً من الحيوان الماشي على أربع ولا غيره من الهوام والحشرات وإنما تؤكل البقر عندهم إذا ماتت بل يعافها أكثرهم ولا يأكلها ومن قتل بقرة لزمه القتل أو تقطع يده وإذا وقفت البقر عن الخدمة والتصرف وضعت في بيوت وتركت حتى يموتها موتها الطبيعي وبهذه الجزيرة ملك اسمه زنبد وأهلها سمر يلبس كل واحد منهم فوطتين فوطة يتزر بها وفوطة يلتحف بها ومياههما عذبة ومنها إلى جزيرة صندى فولات عشرة أيام.

ومن جزيرة الصنف إلى مدينة لوقين ثلاث مراحل وهي أول مراقي الصين وبها طرز الديباج والحرير الصيني ومنها يخرج إلى جميع الجهات وبها يعمل الغضار الصيني ومنها يتجهز به أيضاً إلى سائر البلاد المتصلة بها والمتباعدة عنها وبها أرز وحبوب ونارجيل وقصب ولباس أهلها الفوط وهم يجالسون التجار ويداخلون الناس ولهم همم عالية ونفوس أبية ويستعملون أنواع الطيب أكثر من سائر بلاد الهند.
ومن مدينة لوقين إلى مدينة خانافو مسيرة أربعة أيام في البحر وعشرين يوماً في البر وهي أعظم مراقي الصين وبها ملك مهاب له مملكة شامخة وفيلة كثيرة وأجناد وأسلحة وأهلها يأكلون الأرز والألبان والنارجيل وقصب السكر والمقل وهي على خور تطلع فيه المراكب مسافة شهرين إلى مدينة باجه وهي مدينة البغبوغ والبغبوغ هو ملك الصين بأجمعها وإلى مدينته ينتهي مسافروا بلاد الغرب وبها جميع الفواكه والبقول والحنطة والشعير والأرز ولا يوجد بجميع بلاد الهند والصين عنب ولا تين البتة وإنما يوجد عندهم ثمار شجر يسمى الشكي والبركي وأكثر ما يكونان ببلاد الفلفل وهو شجر له ساق غليظة وورق شبيه بورق الكرنب أخضر ما هو وله ثمر طول الثمرة أربعة أشبار مستدير شبيه بالدلاع له قشرة حمراء وفي جوفها حب مثل حب البلوط يشوى في النار ويؤكل مثل ما يؤكل القسطل وطعمهما سواء ولحم هذا الثمر إذا أكل وجد له آكله طعماً شهياً لذيذاً يجتمع فيه طيب التفاح وطيب الكمثرى وبعض طعم الموز والمقل وهو ثمر بديع الصفة شهي الطعم وهو أجل ما يؤكل ببلاد الهند وقد يوجد ببلاد الهند نبات يسمى العنبا وهو شجر كبير يشبه شجر الجوز وودقه كودقه وله ثمر مثل ثمر المقل حلو إذا عقد في أوله ويجمع في ذلك الحين فيعمل بالخل فيكون طعمه كطعم الزيتون سواء وهو عندهم أيضاً من الكوامخ الشهية ومن مدننة خانفو إلى مدينة خانكو مسيرة ثمانية أيام وسنذكرها في موضعها من الجزء العاشر بعد هذا بيمن الله وعونه.
ومن مدينة الصنف الساحلية إلى جزيرة شامل أربعة أيام وهي في آخر البحر الصنفي معمورة القطر مجتمعة الأهل وفيها حنطة وأرز وموز كثير وقصب سكر وبها سمك كبير العظم لذيذ الطعم يغني آكله عن أكل اللحم ومن جزيرة شامل إلى جزيرة عاشورا أربعة أيام وهي جزيرة قليلة العامر وأرضها أرض حرشاء كثيرة العقارب والأفاعي وجبالها متصلة ومنها إلى جزيرة ملاي يوم خفيف وهي جزيرة كبيرة ممتدة من المغرب إلى المشرق وفيها مدينة يسكنها ملك الجرز ودراهمه فضة تسمى بالدراهم الطاطرية وله أجناد وفيلة ومراكب كثيرة وفيها موز ونارجيل وأرز وقصب وهذه الجزيرة فيما يزعم أهلها أنها تتصل بالبحر الزفتي من آخر الصين وقد يوجد في هذا البحر المسمى بحر الصنف أنواع من الحيتان وضروب من السمك وجمل من العجائب يستدلون بها على السلامة أو العطب وسنذكر أكثر ذلك فيما يلي آخر هذا الجزء من الإقليم الثاني ونأتي منه بما ذكره المتجولون ونقله المسافرون واتفقت عليه أقاويل الناقلين حسب الطاقة ومبلغ الجهد بحول الله سبحانه وعونه وتأييده.
نجز الجزء التاسع من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء العاشر منه إن شاء الله.
الجزء العاشر إن هذا الجزء العاشر من الإقليم الأول وهو نهاية المعمور من جهة المشرق ولا يعلم أحد ما خلفه تضمن البحر الصيني المسمى بحر صنخى ومن الناس من يسميه بحر الصنف ورأسه ومبدؤه من البحر المحيط المسمى هناك البحر الزفتي لأن ماءه كدر وريحه عاصفة والظلمة لا تزال واقعة عليه في أكثر الأوقات ويتصل هذا البحر الزفتي بالبحر المحيط المتصل ببلاد ياجوج وماجوج إلى ما تحتها مما يلي الأرض الحالية في جهة الشمال ويتصل ببحر الظلمات المتصل أيضاً بجهة المغرب كما قد رسمناه ويتصل هذا البحر أيضاً من جهة الجنوب على جزائر الواق واق وبحر الحيات إلى البحر المحيط بالأرض في جهة الجنوب كما قد حكيناه وجئنا به مرسوماً بحول الله ومعونته.
وهذا البحر عاصف الرياح كثير الأمطار وريحه بحرية تجري ستة أشهر دائماً ثم تنقلب إلى ريح أخرى وفيه عدة جزائر فمنها ما يصل إلى التجار ومنها ما لا يصلون إليها لتعذر السلوك وهول البحر وتقلب الرياح وتوحش أهلها وانقطاعهم عن مجاورة الأمم المعلومة.

فأما الجزيرة المسماة بالموجه التي ببحر دارلارومى ففيها عدة ملوك إلا أنهم بيض غير مخرمي الآذان يشبهون أهل الصين في اللباس والزي ولهم خيل كثيرة يقاتلون عليها ملوكاً حولهم وهذه الجزيرة تتصل بمشارق الشمس وتوجد عندهم دابة المسك ودابة الزبادة ونساؤهم من أجمل نساء الأمم ولهم شعور طوال والنساء بها لا يتوارين ولا يستترن بشيء ويمشين مكشوفات الرؤوس ويكللن رؤوسهن بعصائب فيها أنواع من الودع الملون والأصداف المجزعة.
ومن هذه الجزيرة إلى جزيرة سبومة مجريان وهذه الجزيرة جزيرة عظيمة كثيرة الزروع والحبوب وبها أنواع من الطيور المأكولة التي ليست في بلاد الهند وبها نارجيل كثير وتتصل بهذه الجزيرة جزائر كثيرة صغار ولكنها معمورة وملكها يسمى قامرون وبلاده كثيرة المطر والرياح وبحرها مهول وعمق الماء به من أربعين باعاً إلى أكثر وأقل وفي جبال هذه الجزيرة يوجد الكافور الجيد كثيراً أكثر مما يكون في بلاد غيرها وفي بعض هذه الجزائر قوم يسمون القنجت مفلفلوا الشعور سود يخرجون إلى المراكب بالعدد والأسلحة والسهام المسمومة ولا ترد شوكتهم وقليلاً ما ينجو منهم من مر بهم أو سقط في أيديهم وفي أرنبة أنف كل واحد من هؤلاء المذكورين حلقة حديد أو نحاس أو ذهب.
وعلى رأس هذا البحر إلى جهة الصين جزيرة المايد وبينهما أربعة مجار وكذلك من جزيرة سبومة إلى جزيرة الأيام ومنها يخرج إلى بر الصنف وليس في كل البحار التي ذكرنا أكثر منه مطراً ولا أعصب منه رياحاً وربما أقامت السحابة تمطر اليوم واليومين لا تنقطع ويخرج من هذه الجزائر التي ببحر الصنف العود وغيره من الأفاويه وليس لهذا البحر غاية تعرف لسعته وساحله عليه بلاد الملك المسمى المهرج.
وجزائر هذا الملك كثيرة الخيرات متصلة العمارات بها الزرع والضرع والفيلة والكافور والجوزبوا والسباسة والقرنفل والعود والقاقلة والكبابة وسائر الحبوب في بلاده موجودة ممكنة وبلاده كثيرة الوارد والصادر وليس بيد ملك من ملوك الهند ما بيده من هذه البضائع الموصوفة والتجارات الكثيرة المعروفة ومن الجزائر الموصوفة جزيرة المايد وهي جزيرة فيها عدة مدائن وهي أكبر من جزيرة الموجه طولاً وأوسع عرضاً وأخصب أرضاً وأهلها أشبه بأهل الصين من غيرهم أعني كل من جاور الصين من الأمم ولملوكها عبيد خصيان حسان وخدم بيض وبلادهم وجزيرتهم تتصل بأرض الصين وهم يراسلون ملك الصين ويهادونه ويهادنونه وبهذه الجزيرة تجتمع مراكب الصينيين الخارجة من جزائر الصين وإليها تقلع وبها تحط ومنها تخرج إلى سائر النواحي.
ومن جزيرة صنف إلى جزيرة صندى فولات عشره أيام وجزيرة صندى فولات جزيرة عظيمة فيها مياه عذبة وزروع وأرز ونارجيل وملكهم يقال له زنبد وأهلها يلبسون الفوط تأزراً وتوشحاً وجزيرة صندى فولات تحيط بها من جهة الصين جبال وعرة والرياح بها عاصفة وهي باب من أبواب الصين ومنها يركب إلى مدينة خانفو أربعة أيام وأبواب الصين اثنا عشر باباً وهي جبال في البحر بين كل جبلين فرجة يسار منها إلى موضع بعينه من مدائن الصين المقصودة بالساحل وجميع مراقي الصين لا يكون منها شيء إلا على خور تصعد فيه المراكب الشهر والأكثر والأقل بين جنات وغياض وناس ولهم أغنام وأموال زاكية ومياه جميع الأخوار حلوة لكن المد يدخلها من البحر والجزر يكون منها أيضاً في كل يوم وليلة مرتين وفي هذه المراقي أسواق وتجار وخرج ودخل ومراكب وبضائع تحمل وأخرى تحط وبهذه البلاد الأمن المتصل وفي ملوكها العدل وهو سنتهم وعليه يعولون فلذلك اتصلت عمارتهم وحسنت بلادهم وقل جزعهم وكثر أملهم واتسعت أيديهم في الأموال والحالات الحسنة وجميع أهل الهند والصين يقتلون السارق ويؤدون الأمانة وينصفون من أنفسهم من غير احتياج إلى حاكم أو مصلح كل ذلك منهم طبعاً وسجية وأخلاقاً خلقوا بها وطبعوا عليها وللملك قامرون في طاعتة جزيرتان تنسبان إلى بلاده واسم إحداهما جزيرة بوصا واسم الثانية جزيرة لاسية وفيها قوم ألوانهم إلى البياض وفي نسائهم جمال بارع وفيهم نجدة وبأس شديد وربما قطعوا على الناس في مراكب لهم سابقة الجري وإنما يفعلون ذلك إذا كانوا مع الصينيين في خلاف ولم تكن بينهم هدنة.

ومن جزيرة الموجه إلى جزيرة السحاب مسير أربعة مجار أو أكثر من ذلك وجزيرة السحاب سميت بهذا الاسم لأنه ربما طلع من ناحيتها سحاب أبيض يظل المراكب فيخرج منها لسان رقيق طويل مع الريح العاصفة حتى يلتصق ذلك اللسان بماء البحر فيغلي له ماء البحر ويضطرب مثل الزوبعة الهائلة فإن أدركت المركب ابتلعته ثم ترتفع تلك السحاب فتمطر مطراً فيه قذى البحر ولا يدرى أاستقت السحاب ذلك من البحر أم كيف هذا وهي جزيرة بها تلول رمل إذا مستها النار انسكبت وعادت فضة خالصة وفيما يليها من جهة جزائر الواق واق مواضع مقطوعة بالجبال والجزائر فلا يصل السالك إليها لامتناع بلادها وصعوبة مسالكها وسكانها مجوس لا يعرفون ديناً ولا اتصلت بهم شريعة ونساؤهم يكشفن رؤوسهن ويجعلن فيها الأمشاط المتخذة من العاج المكللة بالصدف وربما كان في رأس المرأة منهن عشرون مشطاً وغير ذلك ورجالهم يغطون رؤوسم بشبه القلانس وتسمى بلغة الهند البعارى وهم متحصنون بجبالهم لا يصلون إلى أحد ولا يتصل بهم أحد ولكنهم يشرفون على البحر ويتطلعون إلى المراكب وربما تكلموا معهم بكلام لا يفهم منهم وهم مقيمون في بلادهم بهذه الحالة التي وصفناهم بها وتتصل بهذه الجزائر جزائر الواق واق ولا يعرف ما بعدها وربما وصل أهل الصين إليها في الندرة وهي جزائر عدة ولا عامر بها إلا الفيلة وطيرها كثير جداً وبها شجر حكى المسعودي عنها أموراً لا تقبلها العقول من جهة الأخبار عنها لكن الله على ما شاء قدير.
ومن جزيرة صنف إلى جزيرة ملاي مسافة اثني عشر يوماً بين جزائر وجبال شارعة في البحر وهذه الجزيرة معترضة من المغرب إلى المشرق ولكنها تتصل مع جهة المغرب بساحل الزنوج وتمر مع المشرق وفي جهة الشمال معترضة اعتراضاً مؤرباً إلى أن تماس ساحل الصين وهي أطول الجزائر قطراً وأكثرها عمارةً وأخصبها جبالاً وأوسعها مملكةً وأنفعها تجارةً وبها الفيلة والكركدن وضروب الأفاويه والعطر مثل القرنفل والقاقلة والسنبل والهرنوة والجوزبوا وفيها جبال فيها معادن ذهب عجيب بالغ الطيب وهو أفضل ذهب يكون ببلاد الصين ولأهل هذه الجزيرة بيوت وقصور يتخذونها على الخشب على مراكب تعوم على وجه الماء وهم ينقلونها حيث أرادوا ولهم أرحاء تدور بالرياح وفيها يطحنون الأرز والحنطة وسائر ما يتخذونه لمعايشهم.
ومن جزيرة المايد في الشرق إلى جزيرة صنجى مسير ثلاثة أيام خفاف وهي جزيرة عامرة فيها خصب ومياه عذبة وأهلها ألوانهم بين البياض والسمرة يحملون في آذانهم أقراط النحاس للرجل قرط واحد وللمرأة قرطان وأكلهم الأرز والقصب كثير عندهم والنارجيل وفي بلادهم معادن الذهب المذكورة في الكثرة والجودة وبهذه الجزيرة أيضاً أصنام عدة على ضفة البحر كل صنم منها رافع يده اليمنى كأنه يشير إلى الناظر إليه أن ارجع إلى حيث جئت فليس خلفي أرض تسير إليها ومن هذه الجزيرة يسار إلى جزائر السيلا وهي كثيرة متقاربة بعضها من بعض وفيها مدينة تسمى الكيوه من دخلها من المسافرين استوطنها ولم يرد الخروج عنها لطيب ثراها وكثرة خيرها والذهب بها كثير جداً حتى أن أهلها يتخذون سلاسل كلابهم وأطواق قرودهم من الذهب ويأتون بالقمص المنسوجة فيبيعونها وكذلك في جزائر الواق واق مثل ذلك أعني من الذهب الكثير وإن التجار يدخلون إليها مع الطلاب ويسبكون الذهب فيها ويخرجونه من هناك مسبوكاً وقد يخرجون ترابه فيذيبونه في بلادهم على الصنعة المعروفة بينهم وفي جزائر الواق واق الأبنوس الذي لا يفوقه شيء في الجودة.

وأيضاً فإن هذا البحر الصيني مع ما يليه من بحر الصنف وبحر دارلاروى وبحر هركند وبحر عمان يوجد بها المد والجزر وقد حكوا عن بحر عمان وبحر فارس أن المد والجزر يكونان فيهما مرتين في اليوم والليلة وحكى ربانيو البحر الهندي والبحر الصيني أن المد والجزر يكونان مرتين في السنة فمرة يمد في شهور الصيف شرقاً ويجزر ضده البحر الغربي ثم يرجع المد غرباً ستة أشهر وقد ذكر في المد والجزر أقوال كثيرة وجب لنا أن نذكر بعضها بالوجيز من القول مع استيفاء المعنى فأما أرسطوطاليس وأرشميدس فإنهما قالا في ذلك إن المد والجزر يحدثان عن الشمس إذا حركت الريح البحار وموجها فإذا انتهى ذلك إلى البحر المسمى أطلنطيقس وهو البحر المحيط كان عنه المد وإذا صارت هذه الريح في النقصان والسكون كان عنها الجزر وأما ساطوطس فإنه يرى أن علة المد والجزر تكون بامتلاء القمر وزيادته وأن الجزر يكون بنقصانه وهذا كلام يحتاج إلى الزيادة فيه والبيان عما أتى به الفلاسفة مجملاً فنقول إن المد والجزر الذي رأيناه عياناً في بحر الظلمات وهو البحر المحيط بغربي الأندلس وبلاد برطانيه فإن المد يبتدئ فيه في الساعة الثالثة من النهار إلى أول الساعة التاسعة ثم تأخذ في الجزر ست ساعات مع آخر النهار ثم يمد ست ساعات ثم يجزر ست ساعات هكذا يمد في اليوم مرة وفي الليل مرة ويجزر في اليوم مرة وفي الليل مرة أخرى وعلة ذلك أن الريح تهيج هذا البحر في أول الساعة الثالثة من النهار وكلما طلعت الشمس في أفقها كان المد مع زيادة الريح ثم تنقص الريح عند آخر النهار لميل الشمس إلى الغروب فيكون الجزر أيضاً وكذلك الليل أيضاً تهيج الريح في صدره وتركد مع آخره وزيادة الماء في المد يكون في ليلة ثلاث عشرة وليلة أربع عشرة وليلة خمس عشر وليلة ست عشرة ففي هذه الليالي المذكورة يفيض المد فيضاً كثيراً ويصل إلى أمكنة لا يصل إليها إلا إلى مثل تلك الليالي من الشهر الآتي وهذا من آيات الله المبصرة في هذا البحر يراه أهل المغرب مشاهدة لا امتراء فيه ويسمى هذا المد فيضاً.

وكل ما في بحر الهند والصين من المراكب السفرية صغاراً كانت أو كباراً فإنها منشأة من الخشب المحكم نجره وقد حمل أطراف بعضه على بعض وهندم وخرز بالليف وجلفط بالدقيق وشحم البابة والبابة دابة كبيرة تكون في بحر الهند والصين منها ما يكون طوله نحواً من مائة ذراع في عرض عشرين ذراعاً ينبت على سنام ظهرها حجارة صدفية وربما تعرضت للمراكب فكسرتها وحكى أيضاً الربانيون أنهم يرشقونها بالسهام فتتنحى عن طريقهم وذكروا أيضاً أنهم يتصيدون ما صغر منها فيطبخونها في القدور فيذوب جميع لحمها ويعود شحماً مذاباً وهذا الدهن مشهور ببلاد اليمن في عدن وغيرها من المدن الساحلية وفي بلاد فارس وساحل عمان وبحر الهند والصين وهو عمدتهم في سد خروق المراكب بعد خرزها ومن العجايب التي في بحر الهند والصين مما أخبر به تجار الناحية أن في هذا البحر جبال ومضائق تجري معهما المراكب وربما تطاير من البحر إلى المراكب صبيان صغار مثل صبيان الزنج سود طول أحدهم نحو من أربعة أشبار يدورون في المراكب ولا يؤذون أحداً ثم يعودون إلى البحر وهذا عندهم مشهور فإذا رأى هذا أهل المراكب علموا أنها علامة لقدوم الريح التي تسمى ريح الخب وهي ريح خبيثة مخوفة فيستعدون لذلك ويأخذون أهبتهم لقدومها فيخففون الأمتعة عن المراكب ويلقون بها في البحر ويلقون أيضاً بما معهم من السمك والملح حتى لا يتركون منه شيئاً ويقطعون من طول الصواري ذراعين وأكثر مخافة أن تنكسر فتهب الريح المذكورة قولاً وفعلاً في حين هبوبها ويصابرها من قدر الله له بالخلاص حتى ينجو أو يتلف كيف شاء الله له وعندهم علامة أخرى للخلاص إذا قضى الله بذلك وهي أن يرى أهل المركب على صاريهم طائراً ذهبي اللون كأنه شعلة نار ويسمى البهمن فإذا رأوه علموا أنه من علامات التخلص وهذا مما قد أبصر عياناً وتواترت الأخبار عنه حتى لا يقدر على إنكاره وفي بحر الصين دابة تعرف بالغيدة لها جناحان كالقلاعين تشيلهما في الجو وتحمل على المراكب فتقلبها ويكون طول هذه الدابة مائة ذراع أو نحوها وإذا رأى أهل المراكب هذه الدابة ضربوا الخشب بعضها ببعض فتنفر منها تلك الدابة وتخرج لهم عن الطريق وقد قيض الله سبحانه لهذه الدابة سمكة صغيرة تسمى الهيدة فإذا رأتها هذه الدابة الكبيرة نفرت منها ومرت على وجهها فلا تستقر بمكان من البحر ما دامت الهبيدة تتبعها.
وملوك الهند والصين ترغب في ارتفاع ظهور الفيلة وتزيد في أثمانها الذهب الكثير وأرفعه تسعة أذرع إلا فيلة الأخوار فإنها عشرة أذرع وأحد عشر ذراعاً وأعظم ملوك الهند بلهرا وتفسير هذا الاسم ملك الملوك ويتلوه الكمكم وبلاده بلاد الساج وبعده ملك الطافن وبعده ملك جابة وبعده ملك الجرز وبعده غابة وبعده دهمى ويحكى أن له خمسين ألف فيل وله الثياب المخملة ومن بلده العود الهندي ثم يتلوه الملك المسمى قامرون ويتصل ملكه بالصين.
وأهل الهند سبعة أجناس أحدها الساكهرية وهم الأشراف منهم والملك يكون فيهم ولا يكون في غيرهم وجميع الأجناس يسجدون لهم عند اللقاء وهم لا يسجدون لأحد ثم البراهمة وهم عباد الهند ولباسهم جلود النمور أو غيرها من الجلود وربما وقف الرجل منهم وبيده عصا ويجتمع إليه الناس فيقف على رجليه يوماً إلى الليل يخطب عليهم ويذكرهم الله عز وجل ويصف لهم أمور من هلك من سائر الأمم الماضية وهؤلاء البراهمة لا يشربون الخمر ولا شيئاً من الأنبذة وعبادتهم الأصنام على جهة التوسط إلى الله تعالى وبعدهم الجنس الثالث وهم الكسترية يشربون من الخمر ثلاثة أقداح فقط ولا يسرفون في شربها مخافة أن يفارقوا عقولهم وهذه الطبقة يتزوجون في البراهمة والبراهمة لا تتزوج فيهم وبعد هؤلاء الشوذرية وهم الفلاحون وأصحاب الزراعات وبعدهم الفسية وهم أصحاب الصناعات والمهن ومنهم السندالية وهم أصحاب اللحون في نسائهم جمال مشهور ومنهم الركية وهم سمر أصحاب لهو ولعب ومعازف وأنواع من الآلات.

ومذاهب أكثر أهل الهند اثنتان وأربعون ملة فمنهم من يثبت الخالق والرسل ومنهم من يثبت الخالق وينفي الرسل ومنهم ينفي الكل ومنهم من يتوسط بالأحجار المنحوتة ومنهم من يتوسط بالأحجار المكدسة يصب عليها الدهن والشحم ويسجد لها ومنهم من يعبد النار ويحرق نفسه بها ومنهم من يعبد الشمس ويسجد لها ويعتقد أنها الخالقة المدبرة للعالم ومنهم من يعبد الشجر ومنهم من يعبد الثعابين يحوطونها بحظائر ويطعمونما أرزاقاً مقدرة وهم يتوسلون بها ومنهم من لا يتعب نفسه بعبادة ولا غيرهما وينكر الكل وسنذكر أمور الهندية: وحداً فواحداً بعد هذا بيمن الله وتسديده.
ولما تكلمنا على هذا الجزء بره وبحره وجزائره وجئنا من ذلك بما تيسر للذكر رأينا أن نكمل القول فيما بقي من مراقي الصين التي على الساحل حسب ما تقدم رسمه قبل هذا بعون الله تعالى فأول مراقي الصين كما قدمناه مدينة خانفو وهي المرقى الأعظم وهي على خور يصعد فيه إلى كثير من بلاد البغبوغ وهو ملك الصين بأسره لا ملك فوقه بل كل ملوك ذلك المكان تحت طاعته والذكر له ومن مدينة خانفو إلى مدينة خانكو وهي مدينة جليلة بديعة البناء بهجة الأسواق حسنة البساتين والرياضات كثيرة الفواكه ويصنع بها الغضار الصيني وثياب الحرير وبالجملة إن فيها جميع ما في مدينة خانفو وهي على خور كبير يحيط بها ويصعد في هذا الخور إلى عدة من بلاد الصين كما قلناه أيضاً وفيما يذكر أن في الصين ثلاث مائة مدينة كلها عامرة وفيها عدة ملوك لكنهم تحت طاعة البغبوغ والبغبوغ يقال له ملك الملوك كما قدمنا ذكره وهو ملك حسن السيرة عادل في رعيته رفيع في همته قادر في سلطانه مصيب في آرائه حازم في اجتهاده شهم في إرادته لطيف في حكمته حليم في حكمه وهاب في عطائه ناظر في الأمور القريبة والبعيدة بصير بالعواقب تصل أمور عبيده المستضعفين إليه من غير منع ولا توسط من ذلك أن له في قصره مجلساً قد اتقن بنيانه وأحكم سمكه وأبدعت محاسنه له فيه كرسي ذهب يجلس فيه ووزراؤه حوله في كل جمعة مرتيين وعلى أعلى رأسه جرس معلق تمتد منه سلسلة ذهب إلى خارج القصر مهندمة الوضع ويتصل طرف السلسلة إلى أسفل القصر فإذا جاء المظلوم بكتاب مظلمته جاء إلى طرف السلسلة فاجتذبها فيتحرك الجرس فيخرج وزير الملك يده من الطاق وذلك علامة يفهم بها أنه يقول له اصعد إلينا فيصعد المظلوم هناك إلى المجلس على درج مختص بصعود المظلومين عليه حتى يقف بين يدي الملك فيسجد المظلوم ثم يقف فيمد الملك يده إلى المظلوم ويأخذ الكتاب منه وينظر فيه ثم يدفعه إلى وزرائه ويحكم له بما يجب الحكم به بما يقتضيه مذهبه وشرعه من غير تسويف ولا تطويل ولا وساطة وزير ولا حاجب ومع ذلك فإنه مجتهد في دينه مقيم لشريعته ديان محافظ كثير الصدقة على الضعفاء ودينه عبادة البدود وبين مذهبه ومذهب الهندية انحراف يسير وأهل الهند والصين كلهم لا ينكرون الخالق ويثبتونه بحكمته وصنعته الأزلية ولا يقولون بالرسل ولا بالكتب وفي كل حال لا يفارقون العدل والإنصاف.
وأهل الإقليم الأول كلهم حمر أو سود فأما أهل الهند والسند والصين وكل من احتضن منهم البحر فألوانهم سمر وأما أهل الصحارى من الزنج والحبشة والنوبة وسائر السودان الذين سبق ذكرهم فلقلة الرطوبة البحرية وتوالي إحراق الشمس لهم وممرها عليهم دائماً تفلفلت شعورهم واسودت ألوانهم وأنتنت أعراقهم وتقشفت جلود أقدامهم وتشوهت خلقهم وقلت معارفهم وفسدت أذهانهم فهم في نهاية الجهالة واقعون وإليها ينسبون وقلما أبصر منهم عالم أو نبيل وإنما يكتسب ملوكهم السياسة والعدل بالتعليم من أقوام يصلون إليهم من أهل الإقليم الرابع أو الثالث ممن قرأ السير وأخبار الملوك وقصصها.
وفي هذا الإقليم الأول من الحيوانات التي لا توجد بغيره من الأقاليم الستة الباقية الفيلة والكركدنات والزرائف والقردة ذوات الأذناب والبقر والجواميس التي لا أذناب لها والنسانس وهم صنف من الخلق وقد تقدم ذكرهم قبل هذا وأنهم يتعلقون بالشجر فلا يلحقون والثعابين الرانجية التي ذكرها ابن خرداذبه وحكاها صاحب كتاب العجائب وأخبر أيضاً عنها جماعة من المؤلفين والكل منهم باتفاق يقولون إن في جبال جزيرة الرانج ثعابين تلتقم الفيل والجاموس ولا يفوتها إذا ظفرت به.

وبهذا الإقليم أيضاً معدن الزمرد ولا يوجد على الأرض إلا في المعدن المذكور قبل هذا والياقوت بأنواعه لا يوجد إلا بجزيرة سرنديب وكذلك الدابة التي في بحر اليمن وبحر هركند المسماة بالبابة لا توجد إلا في هذا البحر دون غيره وكذلك الدابة المسماة بالغيدة لا تكون إلا في هذا البحر وسمكة الغرا توجد به كثيراً وأيضاً السمكة المسماة سقنقورا لا تكون إلا في هذا النيل من هذا الإقليم لا في غيره وفي هذا الإقليم من الطيب القرنفل والصندل والكافور والعود وكل هذه لا يوجد شيء منها في سائر الأقاليم ولا يكون إلا في هذا الإقليم بعينه والليل والنهار فيه متكافيان في حال الاعتدال متساويان في تقدير الساعات وإن كان في آخره من جهة العرض نقص يسير فلا يتبين ذلك إلا عن بحث وعناء كل ذلك قسمة حكيم وتدبير خلاق عليم وفيما ذكرناه من الأخبار من هذا الإقليم الأول بلغة وكفاية لأهل الطلب والعناية والحمد لله أولاً وآخراً لا رب غيره ولا معبود سواه ولا مرجو إلا هو.
نجز الجزء العاشر من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء الأول من الإقليم الثاني إن شاء الله.
الإقليم الثاني
الجزء الأول
إنا لما رسمنا الإقليم الأول وما احتوى عليه في عشرة الأجزاء التي قسمناه بها وذكرنا في كل جزء منه حصته الواجبة له من الأمصار والقرى والجبال والأرضين المعمورة والمغمورة وما بها من الحيوانات والمعادن والبحور والجزائر والملوك والأمم وما لهم من السير والزي والأديان وجب علينا أن نذكر في هذا الإقليم الثاني ما فيه من البلاد والقلاع والمدن والأمصار والبراري والقفار والبحار وجزائرها وأممها ومسافات طرقها حسبما سبق لنا من ذكر ذلك في الإقليم الأول ونبتدئ الآن بذكر الجزء الأول من الإقليم الثاني بحول الله وعونه.
فنقول إن هذا الجزء الأول من الإقليم الثاني مبدؤه من المغرب الأقصى حيث بحر الظلمات ولا يعلم ما خلفه وفي هذا الجزء من الجزائر جزيرة مسفهان وجزيرة لغوس وهما من الجزائر الستة المتقدم ذكرها وتسمى الخالدات ومنها بدأ بطلميوس بالتعديل وأخذ أطوال البلاد وعروضها وإلى هتين الجزيرتين وصل ذو القرنين أعني الإسكندر ومنها رجع.
فأما جزيرة مسفهان فحكى صاحب كتاب العجائب أن في وسطها جبلاً مدوراً عليه صنم أحمر بناه أسعد أبو كرب الحميري وهو ذو القرنين الذي ذكره تبع في شعره ويسمى بهذا الاسم كل من بلغ طرفي الأرض وإنما نصب أبو كرب الحميري ذلك الصنم هناك ليكون علامة لمن قصد تلك الناحية من البحر ليعرفه أنه ليس خلافه ملسك يسلكه ولا موضع يخرج إليه وأيضاً أن في جزيرة لغوس المذكورة صنم وثيق البناء لا يمكن الصعود إليه وفي هذه الجزيرة يقال مات الذي بناه وهو تبع ذو المراثد وقبره هناك في هيكل مبني من المرمر والزجاج الملون وحكى صاحب كتاب العجائب أن في هذه الجزيرة دواب هائلة وأن فيها أموراً تطول أوصافها وتمتنع العقول عن قبولها.
وفي سواحل هذا البحر الصادر عن هذه الجزائر وغيرها يوجد العنبر الجيد ويوجد أيضاً في ساحله حجر البهت وهو مشهور عند أهل المغرب الأقصى ويباع الحجر منه بقيمة جيدة لا سيما في بلاد لمتونة وهم يحكون عن هذا الحجر أن من أمسكه وسار في حاجة قضيت له بأوفى عناية وشفع فيها وهو جيد عندهم في عقد الألسنة على زعمهم ويوجد أيضاً بساحل هذا البحر أحجار كثيرة ذات ألوان شتى وصفات مختلفة يتنافسون في أثمانها ويتوارثونها بينهم ويذكرون أنها تتصرف في أنواع من العلاجات الطبية الفاعلة بالخاصية فمن ذلك أحجار تعلق على الثدي الموجعة فتبرأ من وجعها مسرعاً ومنها أحجار تعلق للولادة فتسهل وأحجار يمسكها الماسك بيده ويشير على من شاء من النساء والأطفال فيتبعه ومثل هذه الأحجار عندهم كثيرة وهم بالرقى عليها مشهورون وبه معروفون.
وفيما تضمنه هذا الجزء بقية من أرض مقزارة السودان وماؤها قليل ولا عمارة بها ولا سالك فيها إلا في النادر لقلة وجود الماء كما قلنا وسالكها لا يمكنه سلوكها إلا أن يعد مع نفسه الماء لدخول هذه الأرض مع بعض ما يليها من أرض قمنورية.

وأرض قمنورية منها في جهة الشمال متصلة من غربيها بالبحر المظلم وتتصل من جهة شرقيها بصحراء نيسر وعلى هذه الصحراء طريق تجار أهل أغمت وسجلماسة ودرعة والنول الأقصى إلى بلاد غانة وما اتصل بها من أرض ونقارة التبر وأما أرض تنورية المذكورة فكانت بها مدن للسودان مشهورة وقواعد مذكورة لكن أهل زغاوة وأهل لمتونة الصحراء الساكنون من جهتي هذه الأرض طلبوا هذه الأرض أعني أرض قمنورية حتى أفنوا أكثر أهلها وقطعوا دابرهم وبددوا شملهم على البلاد وأهل بلاد قمنورية فيما يذكره التجار يدعون أنهم يهود وفي معتقدهم تشويش وليسوا بشيء ولا على شيء ولا ملك فيهم ولا ملك عليهم بل هم ممحونون من جميع الطوائف المجاورين لهم المحدقين بأرضهم وكانت في القديم من الزمان السالف لأهل قمنورية مدينتان عامرتان اسم إحداهما قمنورى واسم الأخرى نغيرا وكانت هتان المدينتان تحتويان على أمم من القمنورية وبشر كثير وكان لهم رؤوس وشيوخ يدبرون أمرهم ويحكون في مظالمهم وما وقع بينهم فأفنتهم الأيام وتوالت عليهم الفتن والغارات من جميع الجهات فقلوا في تلك الأرض وفروا عنها واعتصموا في الجبال وتفرقوا في الصحارى ودخلوا في ذمة من جاورهم وتستروا في أكنافهم فلم يبق من أهل قمنورية إلا قوم قلائل متفرقون في تلك الصحارى وبمقربة من الساحل عيشهم من الألبان والحوت وهم في نكد من كد العيش وضيق الحال وهم ينتقلون في تلك الأرض مع مهادنة من جاورهم ويقطعون أيامهم مسالمة إلى حين.
وبين بلاد قمنورية وبلد سلى وتكرور طرق مجهولة الآثار دارسة المسالك قليلة السالك ماؤها غائر وعلامتها خفية وبين قمنورية وسلى وتكرور مسير ستة عشر يوماً ومن نغيرا إلى سلى نحو من اثني عشر يوماً وكذلك منها إلى بلد ازقي من بلاد لمتونة اثنتا عشرة مرحلة وماؤها قليل يتزود لقلته من حفر يحتفرها السالكون المجتازون بتلك الأرض وفي بلاد قنورية جبل مانان ويتصل بالبحر المحيط وهو جبل منيع عالي الذروة أحمر التربة وفيه أحجار لماعة تعشي البصر إذا طلعت عليها الشمس لا يكاد الناظر ينظر إليها لشعاعها وبريق حمرتها وفي أسفله ينابيع بالماء العذب يتزود ويحمل في الأوعية إلى كل جهة.
ومما يلي مدينة نغيرا وفي شرقيها مع ميل إلى الجنوب جبل بنبوان وهو من أعلى جبال الأرض أجرد أبيض التربة لا ينبت فيه شيء من النبات إلا ما كان من الشيح والغاسول المسمى الحرض ومن علو هذا الجبل في الهواء حكى صاحب كتاب العجائب عنه أن السحاب تمطر المطر دونه ولا تصيب رأسه.
ويلي هذه الأرض المذكورة صحراء نيسر وهي الصحراء التي قدمنا ذكرها وعليها يدخل المسافرون إلى اودغست وغانة وغيرهما من البلاد كما قلناه قبل وهذه الصحراء قليلة الإنس ولا عامر بها وبها الماء قليل ويتزود به من مجابات معلومة ومنها مجابة نيسر التي ذكرنا أنها أربعة عشر يوماً لا ماء بها ولا يوجد له أثر فيها وهي مشهورة بذلك وفي هذه الصحراء المعروفة بصحراء نيسر حيات كثيرة طوال القدود غلاظ الأجسام والسودان يصيدونها ويقطعون رؤوسها ويرمون بها ويطبخونها بالملح والماء والشيح ويأكلونها وهي عندهم أطيب طعام يأكلونه وهذه الصحراء يسلكها المسافرون في زمان الخريف وصفة السير بها أنهم يوقرون أجمالهم في السحر الأخير ويمشون إلى أن تطلع الشمس ويكثر نورها في الجو ويشتد الحر على الأرض فيحطون أحمالهم ويقيدون أجمالهم ويعرسون أمتعتهم ويخيمون على أنفسهم ظلالاً تكنهم من حر الهجير وسموم القائلة ويقيمون كذلك إلى أول وقت العصر وحين تأخذ الشمس في الميل والانحطاط في جهة المغرب يرحلرن من هناك ويمشون بقية يومهم ويصلون به المشي إلى وقت العتمة ويعرسون أينما وصلوا ويبيتون بقية ليلهم إلى أول الفجر الأخير ثم يرحلون وهكذا سفر التجار الداخلين إلى بلاد السودان على هذا الترتيب لا يفارقونه لأن الشمس تقتل بحرها من تعرض للمشي في القائلة عند شدة القيظ وحرارة الأرض وبهذا السبب يلزمون النقلة على هذه الصفة التي ذكرنا.
وفي هذا الجزء أيضاً قطعة من شمال أرض غانة وفيها مدينة اودغست وهي مدينة صغيرة في صحراء ماؤها قليل وهي في ذاتها بين جبلين شبه مكة في الصفة وعامرها قليل وليس بها كبير تجارة ولأهلها جمال ومنها يتعيشون.

ومنها إلى مدينة غانة اثنتا عشرة مرحلة وذلك من اودغست إلى مدن وارقلان إحدى وثلاثون مرحلة ومن اودغست أيضاً إلى مدينة جرمة نحو من خمس وعشرين مرحلة وكذلك من اودغست أيضاً إلى جزيرة اوليل معدن الملح شهر واحد.
وأخبر بعض الثقات من متجولي التجار إلى بلاد السودان أن بمدينة اودغست ينبت بأرضها بقرب مناقع المياه المتصلة بها كمأة يكون في وزن الكمء منها ثلاثة أرطال وأزيد وهو يجلب إلى اودغست كثيراً يطبخونه مع لحوم الجمال ويأكلونه ويزعمون أن ما على الأرض مثله وقد صدقوا.
نجز الجزء الأول من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء الثاني منه إن شاء الله.
الجزء الثاني
إن هذا الجزء الثاني من الإقليم الثاني تضمن في حصته من الأرضين بقية صحراء نيسر وجملة أرض فزان بما فيها من المدن وكذلك أيضاً تحصل فيه جملة بلاد من أرض زغاوة السودان وأكثر هذه الأرضين صحار متصلة غير عامرة وجهات وحشة وجبال حرش جرد لا نبات فيها والماء بها قليل جداً لا يوجد إلا في أصل جبل أو في ما اطمأن من سباخها وبالجملة إنه هناك قليل الوجود يتزود به من مكان إلى مكان وأهل تلك الأرضين يدلون في أكنافها وطرقاتها ويجولون في ساحاتها ووهادها وجبالها.
وفي هذه الصحاصح المذكورة يقع أقوام رحالة ينتقلون في أكنافها ويرعون مواشيهم في أدانيها وأطرافها وليس لهم ثبوت في مكان ولا مقام بأرض وإنما يقطعون دهرهم في الرحلة والانتقال دائماً غير أنهم لا يخرجون عن حدودهم ولا يفارقون أرضهم ولا يمتزجون بغيرها ولا يطمئنون إلى من جاورهم بل كل أحد منهم يأخذ حذره وينظر لنفسه قدر جهده وأهل المدن الذين يجاورونهم من أجناسهم يسرقون أبناء هولاء القوم الرحالة الذين يعمرون هذه الصحارى ويسرون بهم في الليل ويأتون بهم إلى بلادهم ويخفونهم حيناً من الدهر ثم يبيعوهم من التجار الداخلين إليهم بالبخس من الثمن ويخرجونهم إلى أرض المغرب الأقصى ويباع منهم في كل سنة أمم وأعداد لا تحصى وهذا الأمر الذي جئنا به من سرقة قوم أبناء قوم في بلاد السودان طبع موجود فيهم لا يرون به بأساً.
وهم أكثر الناس فساداً ونكاحاً وأغزرهم أبناء وبنات وقلما توجد منهم المرأة إلا ويتبعها أربعة أولاد وخمسة وهم في ذاتهم كالبهائم لا يبالون بشيء من أمور الدنيا إلا بما كان من لقمة أو نكحة وغير ذلك لا يخطر لهم ذكره على بال.
وفي بلاد زغاوة من المدن والقواعد سغوة وشامة وبها قوم رحالة يسمون صدراتة يقال إنهم برابر وقد تشبهوا بالزغاويين في جميع حالاتهم وصاروا جنساً من أجناسهم وإليهم يلجؤون فيما عن لهم من حوائجهم وبيعهم وشرائهم ومن مدن زغاوة شامة وهي مدينة صغيرة شبيهة بالقرية الجامعة وأهلها في هذا الوقت قليلون وقد انتقل أكثر أهلها إلى مدينة كوكو وبينهما ست عشرة مرحلة وأهل شامة يشربون الألبان ومياههم زعاق وعيشهم من اللحوم الطرية والمقددة والأحناش يتصيدونها كثيراً ويطبخونها بعد سلخها وقطع رؤوسها وأذنابها وحينئذ يأكلونها والجرب لا يفارق أعناق هؤلاء القوم بل هو فيهم موجود وهم به مشهورون وبه يعرف الزغاويون في جميع الأرض وقبائل السودان ولولا أنهم يأكلون الأحناش لتقطعوا جذاماً وهم عراة يسترون عوراتهم فقط بالجلود المدبوغة من الإبل والبقر ولهم في هذه الجلود التي يستترون بها ضروب من القطع وأنواع من التشريف يحكمونها.
ولهم في أعلى أرضهم جبل يسمى جبل لونيا وهو عالي الارتقاء صعب لكنه ترب وترابه أبيض رخو وفي أعلاه كهف لا يقربه أحد إلا هلك ويقال إنه فيه ثعبان كبير يلتقم من اعترض مكانه على غير منه بذلك وأهل تلك الناحية يتحامون ذلك الكهف وفي أصل هذا الجبل مياه نابعة تجري غير بعيد ثم تنقطع وعليه أمة تسمى سغوة من قبائل زغارة وهم قوم ظواعن رحالة والإبل عندهم كثيرة اللقاح حسنة النتاج وهم ينسجون المسوح من أوبارها والبيوت التي يعمرونها ويأوون إليها ويتصرفون في ألبانها وأسمانها ويتعيشون من لحومها والبقول عندهم قليلة وهم يزوعونها وينتجونها وأكثر ما يزرعه أهل زغاوة الذرة وربما جلبت الحنطة إليهم من بلاد وارقلان وغيرها.

وفي جهة الشمال وعلى ثماني مراحل من موضع قبيلة سغوة مدينة خراب تسمى نبرنته وكانت فيما سلف من المدن المشهورة لكن فيما يذكر أن الرمل تغلب على مساكنها حتى خربت وعلى مياهها حتى نشفت وقل ساكنها فليس بها في هذا الزمان إلا بقايا قوم تشبثوا بمقامهم في بقايا خرابها حناناً للموطن وبهذه المدينة في جهة شمالها جبل يسمى غرغة حكى صاحب كتاب العجائب أن فيه نملاً على قدر العصافير وهي أرزاق لحيات طوال غلاظ تكون في هذا الجبل ويحكى أن هذه الحيات قليلة الضرر والسودان يقصدون إلى هذا الجبل فيصيدون به هذه الحيات ويأكلونها كما قدمنا ذكره قبل هذا.
ومن مدينة نبرنته إلى مدينة تيرقى من بلاد ونقارة التبر سبع عشرة مرحلة.
ويلي أرض زغاوة أرض فزان وبها من البلاد مدينة جرمة ومدينة تساوة والسودان يسمون تساوة جرمى الصغرى وهاتان المدينتان يقرب بعضهما من بعض وبينهما نحو مرحلة أو دونها وقدرهما في العظم وكثرة العامر سواء ومياههم من الآبار وعندهم نخيلات ويزرعون الذرة والشعير ويسقونهما بالماء نكلاً بآلات يسمونها انجقة وتسمى ببلاد المغرب هذه الآلة بالخطارة وعندهم معدن فضة في جبل يسمى جبل جوجيس وفائده قليل وقد ترك الطالبون عمله واستخراجه لمن قصده ومن تساوة إلى هذا المعدن نحو من ثلاث مراحل لمن قصده ومن مدينة تساوة إلى قبيل من البربر في جهة المشرق نحو من اثني عشر يوماً ويسمون آزقار وهم قوم رحالة وإبلهم كثيرة وألبانهم غزيرة وهم أهل نجة وقوة وبأس ومنعة لاكنهم يسالمون من سالمهم ويميلون على من حاولهم وهم يصيفون ويربعون حول جبل يسمى طنطنه وفي محيطه من أسفله ينابيع وعيون مياه جارية ومناقع كثيرة تجتمع بها المياه وينبت عليها الحشيش كثيراً وإبلهم ترعى هناك وينتقلون منه إلى أمكنة عن عاداتهم المقام بها.
ومن هذا الجبل الذي يستدير حوله آزقارة إلى أرض بغامة عشرون مرحلة في أرضين خالية من الأنيس قليلة المياه منحرقة الهواء دارسة المسالك دائرة المعالم ومن قبيلة آزقار إلى مدينة غدامس ثماني عشرة مرحلة ومن آزقار أيضاً إلى مدينة شامة نحو من تسع مراحل وبينهما مجابتان مياههما قليلة وربما أفرطت الريح بهما مع حر الهواء فنشفت المياه حتى لا توجد البتة.
وأهل آزقار فيما يذكره أهل المغرب الأقصى أعلم الناس بعلم الخط الذي ينسب إلى دنيال النبي عليه السلام وليس يدرى بجميع بلاد البربر على كثرة قبائلها قبيلة أعلم بهذا الخط من أهل آزقار وذلك أن الرجل منهم صغيراً كان أو كبيراً إذا تلفت له ضالة أو عدم شيئاً من أموره خط لها في الرمل خطاً فيعلم بذلك موضع ضالته فيسير حتى يجد متاعه كما أبصره في خطه وربما سرق الرجل منهم متاع صاحبه ويدفنه في الأرض بعيداً أو قريباً فيخط الرجل الذي فقد متاعه ويقصد موضع الخبية ويخط بإزائها خطاً ثانياً ويقصد بعلمه إلى موضع الخبية فيستخرج منها متاعه وما ضاع له ويعلم مما خطه الرجل الذي تعدى على أخذ متاعه ويجمع أشياخ القبيلة فيخطون له خطاً فيعلمون من ذلك البرئ من الفاعل وهذا عند أهل المغرب مشهور مذكور ولقد أخبر بعض المخبرين أنه رأى رجلاً من هذه القبيلة في مدينة سجلماسة وقد خبيت له خبية بحيث لا يعرف فخط لها خطاً وقصد موضعها فاستخرجها وأعيد عليه العمل بذلك ثلاث مرات فاستخرجها في الثانية والثالثة مثل ما فعل في المرة الأولى وهذا شيء عجيب من قوتهم على هذا العلم على كثرة جهلهم وغلظ طبعهم وفيما جئنا به في ذلك كفاية والحمد لله على ذلك.
نجز الجزء الثاني من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء الثالث منه إن شاء الله.
الجزء الثالث
إن الذي تضمن هذا الجزء الثالث من الإقليم الثاني من الأرضين بعض أرض ودان وأكثر بلاد كوار وبعض بلاد التاجوين المجوس وأكثر بلاد فزان.

وأما أرض ودان فإنها جزائر نخل متصلة بين غرب وشمال إلى ناحية البحر وكانت فيما سلف أكثر الأرض عمارة وكان الملك في أهلها ناشئاً متوارثاً إلى أن جاء دين الإسلام فخافوا من المسلمين فتوغلوا هرباً في بلاد الصحراء وتفرقوا ولم يبق بها الآن إلا مدينة داود وهي الآن خراب ليس بها إلا بقايا قوم من السودان معايشهم كدرة وأمورهم نكدة وهم في سفع جبل طنطنة وإبلهم قليلة وأكثر أهلها يحفرون أصول نبات يسمى أغرسطس وهو النجيل وهو عندهم من نبات الرمال فيجففونه ويدقونه بالحجر ويخبزونه خبزاً يتقوتون به ويأكلون منه ويأكل جلتهم وخيارهم اللحوم الجمالية مقددة ويشربون ألبان الإبل وأكثر نيرانهم يقدونها في بعر الجمال وبعض الشوك والحطب عندهم قليل.
وفي جهة الشمال من هذه المدينة مدينة زويلة بناها عبد الله بن خطاب الهوري وسكنها هو وبنو عمه في سنة ست وثلاث مائة وهي منسوبة إلى هذا الرجل وبه اشتهر اسمها وهي الآن عامرة وسنأتي بذكرها في موضعها من الإقليم الثالث بعون الله.
وفي جبل طنطنة معدن حديد جيد وفي جنوب هذه الأرض مسارح ومرابع لازقار وهم قوم من البربر رحالون في هذه الأرض منتجعون بابلهم وقد ذكرنا لمعاً من أخبارهم.
ومما جاء في جنوب هذا الجزء بقية من أرض كوكو والدمدم وهناك بقية من جبل لونيا وترابه أبيض رخو ويقال إن به حيات قصار الطول في رأس كل حية منها قرنان ويقال أيضاً إن به حيات ذوات رأسين.
وقد اختلف قوم كثير من السودان في نهر كوكو فبعض قال إنه يخرج من جبال لونيا ويمر في جهة الجنوب حتى يمر بكوكو ثم يجوز بها ويمر في الصحراء وبعض قالوا إنما هو نهر يمد نهر كوكو وإن نهر كوكو على الصحة يخرج من أسفل جبل يتصل رأسه بالنيل وزعموا أن النيل يغوص تحت ذلك الجبل ويخرج من طرفه الآخر حيث يظهر خروجه ويمر حتى يتصل بكوكو ثم يمر مغرباً في الصحراء فيغوص في الرمال.
ويتصل بهذه الأرض من جهة المشرق أكثر كوار وهي أرض مشهورة وبلادها مقصودة ومنها يخرج الشب المعروف بالشب الكواري ولا يعدله شيء في الطيب وبلاد كوار يحويها بطن واد يأتي من جهة الجنوب ماراً إلى الشمال لا ماء به إلا أن الماء إذا حفر عليه وجد به معيناً بهيراً وعلى هذا الوادي من البلاد مدينة صغيرة تسمى القصبة وهي مدينة حسنة البناء يحيط بها من جميع جوانها نخل وأنواع من الشجر البري وأهلها متحضرون يلبسون الفوط والأزر والقنادير المتخذة من الصوف وأهلها مياسير وتجولهم وسفرهم إلى سائر البلاد كثير وشربهم من آبار فيها ماء كثير حلو.
ومن هذه المدينة إلى مدينة أخرى تليها في جهة الجنوب يومان واسمها قصر أم عيسى وليست بالمدينة الكبيرة لكن أهلها مياسير ولهم إبل يسافرون بها شرقاً وغرباً وأكبر بضاعتهم الشب وهو رأس أموالهم وحول هذه المدينة نخيلات وآبار ماء حلوة ومنها يشربون.
ومنها إلى مدينة انكلاس أربعون ميلاً في بطن الوادي وهي مدينة من أكبر بلاد كوار قطراً وأكثرها تجارةً وعندهم معادن الشب الخالص المتناهي في الطيب ويوجد في أجبلها كثيراً لكنه يتفاضل في الجودة والطيب وأهل هذه المدينة يتجولون حتى ينتهوا في جهة المشرق بلاد مصر ويتصرفون في جهة المغرب فيصلون بلاد وارقلان وسائر أرض المغرب الأقصى وأهلها يلبسون المقندرات من الصوف ويربطون على رؤوسهم كرازي الصوف ويتلثمون بفواضلها ويسترون أفواههم وهي عادة من عوائدهم توارثها الأبناء عن الأباء لم ينتقلوا عنها ولا تتحولوا منها وفي هذه المدينة في هذا الوقت رجل ثائر من أهل البلد وله عصبة وقرابة يقوم بهم وهم يعضدونه وله كرم مشهور وسيرة حسنة وأحكامه شرعية وهو مسلم.
ومن مدينة انكلاس إلى مدينة صغيرة تسمى ابزر مسافة يومين وابزر هذه على تل تراب وحولها نخيل ومياهها عذبة وبالقرب من هذه المدينة معدن شب فائق الجودة لكنه يتجرف كثير الرخاوة ولباس أهل هذه المدينة الفوط ومآزر الصوف وهم يتجرون بالشب.
ومن ابزر إلى مدينة تلملة يوم وهي أيضاً مدينة صغيرة ومياهها قليلة ونخلها أيضاً قليل وتمرها طيب جليل وبها معدن شب قليل الفائد لأن معدنه يخالطه عروق تراب كثيرة وإنما يخلط بغيره ويباع من التجار وهي من مدن كوار ومدينة تلملة قد ذكرناها فيما سلف من الإقليم الأول.

وهذا الشب الذي يكون في بلاد كوار بالغ في نهاية الجودة وهو كثير الوجود ويتجهز منه في كل سنة إلى سائر البلاد بما لا يحصى كثرةً ولا يقاوم وزناً ومعادنه لا تنقص كبير نقص وأهل تلك الناحية يذكرون أنه ينبت نباتاً ويزيد في كل حين بمقدار ما يؤخذ منه مع الساعات ولولا ذلك لأفنوا الأرض كلها لكثرة ما يخرج منه ويتجهز به إلى جميع الأرض.
وعلى مقربة من ابزر وفي جهة المغرب بحيرة كبيرة عميقة القعر طولها اثنا عشر ميلاً وعرضها ثلاثة أميال وفيها حوت كبير كثير شبيه بالبوري له شحم عذب المأكل يسمونه البقق ويستخرج منه من هذه البحيرة كثير ويملح ويحمل إلى جميع بلاد كوار وهو بها رخيص موجود.
وأما ما حاز هذا الجزء من أرض التاجوين وهم السودان الذين ذكرناهم قبل هذا في الإقليم الأول وقلنا إنهم مجوس لا يعتقدون شيئاً فإنهم بشر كثير وجمع غزير ولهم إبل كثيرة وفي بلادهم مراع كثيرة وهم رحالة لا يقيمون في مكان واحد من جاورهم يغزوهم ويغير عليهم ويتحيل على أخذهم وليس لهم مدن إلا مدينتان وهما تاجوة وسمية وقد تقدم ذكرهما في الإقليم الأول ويحيط بشمال هذه الأرض جبل مقور وهو جبل أغبر إلى البياض وفيه عروق ترابية لينة تنفع من أوجاع العين الرمدة مثل ما ينفع رهج الغار الذي بقفر مديبة طلبيرة من بلاد الأندلس النافع من جرب العين ويأكل ما فيها وهو غبار وجد هناك لونه أخضر ما هو وهذا الغبار هو مشهور المنفعة في جميع بلاد الأندلس معروف بالتجربة.
وأيضاً إن هذه الأرض تتصل بها أرض الواحات الخارجة وهي الآن تعرف بأرض سنترية وسنترية هذه محدثة قريية العهد سنأتي بذكرها بعد هذا وفيها مما يلي جنوبها مدينة هي الآن خراب وقد كانت فيما سلف عامرة بالخلق آهلة بالناس وتسمى هذه المدينة تثرو وقد تهدم بناؤها وغارت مياهها وتشرد حيوانها وتنكرت معالمها فلم يبق منها إلا طلل دارس واثر طامس وبها بقايا نخل ماحلة وربما بلغتها العرب عند تصرفها في أكناف هذه الأرض وبشرقي هذه المدينة مع الشمال جبل وعر ليس بكثير العلو لكنه ممتنع الصعود إليه لانقطاع أحجاره وفي أسفله بحيرة كبيرة دورها نحو من عشرين ميلاً ماؤها عذب لكنه قليل العمق وفي وسطها نبات وبها حوت كثير الشوك سهك الطعم ويمد هذه البحيرة عين ماء تأتيها من جهة الجنوب وتقع فيها وعلى هذه البحيرة ينزل رحالة أهل كوار وربما زاحمهم العرب عليها فأوقعوا الضرر بهم وبهذه الأرض في وقتنا هذا مدينة مرندة وهي مدينة عامرة بأهلها والداخل إليها قليل لقلة بضاعاتهم واختصار صنائعهم وعدم الخيرات لديهم لكنها ملجأ وسكن للوارد والصادر من رحالتهم وظواعنهم.
وبشمال هذه الأرض يتصل بها مدينة زالة وزالة هذه بها حصن منيع فيه رجل ثائر بنفسه وبين هذه المدينة وبلد سرت تسعة أيام بين غرب وشمال إلى ناحية البحر ومن زالة أيضاً إلى أرض ودان ثمانية أيام ومن زالة إلى زويلة عشرة أيام متحرفة إلى الجنوب مع الغرب وقد ذكرنا في هذا الجزء ما يحتاج إليه مستقصى بحمد الله وتأييده.
نجز الجزء الثالث من الإقليم الثاني والحمد الله ويتلوه الجزء الرابع منه إن شاء الله.
الجزء الرابع
إن هذا الجزء الرابع من الإقليم الثاني تضمن بقية من أرض الواحات الخارجة بما اتصل بها في جنوبها من أرض التاجوين وأكثر بلاد الجفار والبحرين راجعاً أرض سنترية التي عرضنا بذكرها قبل هذا وذاهباً في مساكن بني هلال نازلاً مع الجبل المسمى جبل جالوت البربري وإنما سمي به لأن جالوت هزم عسكره به ولجأ هو وجملة من خيله إلى هذا الجبل فسمي بذلك إلى الآن وفي الشرق من هذا الجبل جملة من بلاد مصر على ضفة النيل النازل إليها من أعلى بلاد النوبة وسنذكر هذه البلاد عند وصفنا لها بلداً بلداً وقطراً قطراً مع ذكر ما يليق بها من الأخبار الكائنة بها بعون الله وما خلف النيل من العمارات المتصلة من أرض مصر إلى نواحي أهريت وشرونة وبياض التي تلي منازل بلي وجهينة وصفارة إلى أقصى الصعيد مع اتصاله بالعلاقي وأيضاً ما يلي أسفل الجزء من منازل التيم والنجوم والقبط.

فنقول إن أعلى هذا الجزء من ناحية المغرب حيث بقية أرض التاجوين كله خلاء صحار متصلة وإن كانت المياه بها كثيرة والغدر موجودة فليس بما ساكن لأن بها رمالاً سائلة تنقلها الرياح من مكان إلى مكان وليس لأحد بها مستقر لاعتداء الرمال عليها وكثرة جري الرياح بها وكذلك يتصل هذا الرمل بأعلى أرض الواحات فيعدو عليها ويغير ما فيها من الآثار وتتصل هذه الرمال بالغرب إلى أرض سجلماسة إلى البحر.
وبلاد الواحات الخارجة الآن صحراء لا أنيس بها بلقع لا عامر لها والمياه بها موجودة وكانت على القدم معمورة متصلة الثمار والعمارات وكان فيما سبق من الزمان الدخول عليها ومنها إلى مدينة غانة في طرق مسلوكة ومناهل معروفة لكنها انقطت ودرست وبالواح الخارجة أغنام وبقر متوحشة كما قدمنا ذكره فيما سبق وبين الواحات وحد النوبة مسير ثلاثة أيام في مفاوز غير عامرة وفي أرض الواحات الخارجة جبل علساى المعترض بها وهو جبل سامي الذروة عالي القمة متساو عرضه أسفل وفوق وفيه معدن يستخرج منه حجر اللازورد ويحمل إلى أرض مصر فيصنع بها ويصرف وفي أرض الواحات يكون الثعبان ولا يكون البتة في غيرها من الأرضين والثعبان على ما يحكيه أهل تلك النواحي يرى كالتل الكبير يلتقم العجل والكبش والإنسان وهو حيوان على صورة الحية ينساب على بطنه وله أذنان بارزتان وأنياب وأسنان وحركته بطيئة ويأوي إلى الكهوف والدهاس فمن قصده أو اعترضه بمساءة التقمه وأمضى عليه ولا يخرج عن هذه الأرض إلا ويموت وهذا مشهور الذكر شائع الخبر.
وأما الواحات الداخلة فإن بها قوماً من البربر وعرباً متحضرين يرعون هناك حيث المياه النيلج كثيراً والنيلج المعروف بها يفوق كثيراً من النيلج في الطيب والجودة وإليها ينسب النيلج اللواحي وهو بها معروف وتنتج بهذه الأرض مع ما اتصل بها من أعلى أرض أسوان حمير صغار المقادير في مقدار الكباش ملمعة بسواد في بياض لا تحمل الركوب عليها وإذا أخرجت عن أرضها هلكت لا محالة وبأعلى صعيد مصر حمير ليست بكثيرة اللحم لكنها في غاية من السير وسرعة المشي وبرمال الواحات وما اتصل بها من أرض الجفار حبات كثيرة تستتر في الرمل فإذا مرت بها الجمال ثارت من الرمل ورمت بأنفسها حتى تقع في المحامل فتنهش هناك من وافقته فيموت في الحال وأيضاً إن أرض الجفار بأسفل الواحات وهي أرض خالية قفرة وكانت فيما سلف من الزمان متصلة العمارات كثيرة البركات مشهورة بالخيرات وكان أكثر زراعة أهلها الزعفران والعصفر والنيلج وقصب السكر وأما الآن فإن بها مدينتين معمورتين اسم إحداهما الجفار والثانية البحرين وهما قريتان كالحصنين قد أحدقت النخل بهما من كل النواحي وماؤهما غزير عذب ومن البحرين إلى الجفار يومان ومن الجفار إلى الواح ثلاثة أيام لا ماء فيها والواح هذه المذكورة الآن في وقتنا هذا قرى كثيرة صغار وفيها ناس أخلاط يزرعون النيلج وقصب السكر وهي في ضفة الجبل الكبير الحاجز بين أرض مصر والصحارى المتصلة بأرض السودان.
ومن البحرين إلى مدينة سنترية أربع مراحل ومدينة سنترية صغيرة وبها منبر وقوم من البربر وأخلاط من العرب المتحضرة وهي على أول الصحراء ومنها إلى البحر الشامي في جهة الشمال تسع مراحل وهناك تكون لكة الساحلية وشرب أهل سنترية من آبار وعيون قليلة وبها نخل كثير ومنها إلى جبل قلمرى أربعة أيام وفي هذا الجبل معدن حديد جيد ومن سنترية يسير من أراد الدخول إلى أرض كوار وسائر بلاد السودان وكذلك من سنترية إلى أوجلة مغرباً عشرة أيام وفي هذه الناحية جبل بريم الأحمر ويقال إن مسلتي الإسكندرية نحتتا منه.
وأما مدينة القيس التي على ضفة النيل وبغربيه فهي مدينة قديمة حسنة البناء جميلة الجهات فيها قصب السكر الكثير وأنواع التمور والخيرات الكثيرة وبينها وبين دهروط في جهة الشمال مخوض ثمانية عشر ميلاً.
ومن مدينة القيس إلى منية ابن الخصيب مقدار نصف يوم وهي قرية عامرة حولها جنات وأراض متصلة العمارات وقصب وأعناب كثيرة ومتنزهات ومبان حسان وهي في الضفة الشرقية من النيل.
ومن منية ابن الخصيب إلى مدينة الأشمونى مسافة نصف يوم أو أكثر قليلاً وهي مدينة صغيرة حسنة عامرة بها جنات وبساتين ونخيل وزروع وضروب من الحبوب والفواكه والنعم السابغة ويعمل بها ثياب معروفة كثيرة.

وأمامها من شمال النيل بوصير وهي مدينة صغيرة القدر والعمارات بها متصلة وفيما يحكى أن أكثر سحرة فرعون كانوا من هذه المدينة وبها الآن بقية من طلاب السحر.
ومن بوصير إلى أنصنا بشرقي النيل ستة أيام وهي مدينة قديمة البناء حسنة البساتين والمتنزهات كثيرة الثمار غزيرة الخصب والفواكه وهي المدينة المشهورة بمدينة السحرة ومنها جلبهم فرعون في يوم الموعد للقاء موسى النبي عليه السلام.
وهناك بلاد صغار يكون بينها وبين النيل ميلان وأكثر وأقل ومنها النجاشية وهي قرية عامرة جامعة كثيرة الخصب والثمار ومنها مما يقابلها في الغربي من النيل بلد يسمى منساوة لها نخل وزروع وضرع وبساتين وجنات.
ومنها مدينة طحا وهي أسفل من مدينة الأشمونى وهي مدينة مشهورة يعمل بها وفي طرزها ستور صوف وأكسية صوف منسوب إليها ويقال إن التمساح يضر في عدوة الأشمونى ولا يضر بعدوة أنصنا ويقال إنها مطلسمة.
ومن مدينة أنصنا المتقدم ذكرها إلى بلد صغير يسمى المراغة به نخل وقصب سكر وزراعات وجمل بساتين وبينهما نحو من خمسة أميال والمراغة بغربي النيل.
ومنها إلى مدينة تزمنت نحو من خمسة أميال وهي بغربي النيل كثيرة البساتين والجنات متصلة العمارات.
ومنها إلى قرية صول نحو من يوم وهي قرية كبيرة بها أسواق وجماعات من الناس ونخيل وثمار ومنافع وهذه القرية على فم الخليج المسمى بخليج المنهى وهو الخليج الذي يتصل بشرقي أرض الواحات ويصرف في سقي كثير من الأرضين هناك ومن هذا الخليج احتفرت خلجان الفيوم وسنأتي بذكر ذلك في موضعه بحول الله وقوته.
ومن مدينة صول إلى أخميم يوم ومدينة أخميم في شرقي النيل وتبعد.
وفي الضفة الغربية من النيل وفوق فم خليج المنهى مدينة تسمى زماخر وهي مدينة حسنة البناء كثيرة البساتين غزيرة المياه تحتوي على ضروب من الفواكه وجمل من أنواع الحبوب وهي في ذاتها جميلة حسنة.
ومنها مع ضفة غربي النيل إلى جبل الطيلمون مقدار خمسة أميال وهذا الجبل يأتي من جهة المغرب بتأريب فيعترض مجرى النيل والماء ينصب إليه بقوة جري ويخرج عنه بقهر وانضغاط يمنع المراكب الصاعدة من مصر إلى أسوان وغيرها لأن صب النيل وقوة جريه هناك يمنع الصعود في وجهه ويذكر أهل زماخر أن بأعلى هذا الجبل كانت دهية الساحرة ساكنة في قصر لم يبق منه الآن إلا رسم محال ويشيعون من أمرها أنها كانت تتكلم على المراكب فلا تقدر على الجواز علها البتة مع عون قوة جري الماء وانصبابه وانزعاج قوته عند الجبل وهذا المكان من النيل إلى الآن صعب المجاز جداً وهو معروف.
ومن هذا الجبل إلى جبل تانسف نحو مرحلتين وهذا الجبل المسمى تانسف في جانبه حافة ملساء فيها شق صغير ضيق يجتمع إليه في يوم من السنة جمل من الطير المسمى بوقير وهو طير ملون من طيور الماء فيأتي كل طائر منها فيدخل رأسه في ذلك الشق من الجبل ويخرجه ويمضي طائراً على حاله إلى أن ينطبق ذلك الشق على رأس أحدها فيبق مضطرباً حتى يموت ويتساقط ريشه وتطير الباقي من الطير فلا تعود إلا لمثل ذلك اليوم من السنة وهذا مشهور معلوم في ديار مصر وقد أثبت ذلك في كثير من الكتب.
ومن جبل الطيلمون المتقدم ذكره إلى مدينة أسيوط وهي على الضفة الغربية من النيل مجرى يوم ومدينة أسيوط مدينة كبيرة عامرة آهلة جامعة لضروب المحاسن كثيرة الجنات والبساتين مدخرة لضروب الحبوب واسعة الأرضين جميلة حسنة.
ومن مدينة أسيوط إلى أخميم صاعداً مع النيل نصف مجرى ومن مدينة أخميم إلى مدينة قفط مجرى نصف يوم بالقلاع ومدينة قفط متباعدة عن ضفة النيل من الجهة الشرقية وأهلها شيعة وهي مدينة جامعة متحضرة بها أخلاط من الناس وفيها بعض بقايا من الروم وبها مزارع كثيرة للبقول مثل اللفت والخس وذلك لأنهم يجمعون بذورها ويطحنونها ويستخرجون أدهانها ويصنعون منها أنواعاً من الصابون يتصرفون به في جميع أرض مصر ومنها يتجهز به إلى كل الجهات وصابونها معروف النظافة.

ومنها إلى مدينة قوص بالجهة الشرقية من النيل سبعة أميال ومدينة قوص مدينة كبيرة بها منبر وأسواق جامعة وتجارات ودخل وخرج والمسافر إليها كثير والبضاعات بها نافقة والمكاسب رابحة والبركات ظاهرة وشرب أهلها من ماء النيل ولها بقول طيبة وضروب من الحبوب كثيرة ممكنة ولحوم سدفة حسنة المنظر طيبة المأكل ولكثرة نعمها كان هواؤها وبائياً وأهلها مصفرة ألوانهم وقليلاً ما دخلها غريب وسلم من المرض إلا نادراً.
ومن مدينة قوص إلى دماميل بشرقي اليل نحو من سبعة أميال ومدينة دماميل محدثة حسنة البناء طيبة الهواء كثيرة الزراعات ممكنة الحنطة وسائر الحبوب وأهلها أخلاط والغالب عليهم أهل المغرب والغريب عندهم مكرم محفوظ مرعى الجانب وفي أهلها مواساة بالجملة.
ومنها إلى قرية قمولة خمسة أميال وهي كالمدينة جامعة متحضرة مكتنفة لكل نعمة وفضيلة وأخبر بعض الثقات في هذا العصر فقال رأيت بها أنواعاً من الفواكه وضروباً من الثمر من جملتها عنب ما توهمت أن على الأرض مثله طيباً وحسناً وكبراً حتى إنه دعتني نفسي إلى أن وزنت منه حبه فوجدت في زنتها اثني عشر درهماً وفي هذه القرية من الدلاع وأنواع الموز ما يجل عن المقدار المعهود وكذلك من الرمان والسفرجل والإجاص وسائر الفواكة ما لا يكون إلا بمثلها وكل شيء من ذلك كثير يباع بأيسر الأثمان.
وبشمال هذه القرية جبل يمر من الجنوب إلى الشمال إلى أن يقارب مدينة أسيوط وهذا الجبل يقال له بران يقال إن فيه كنوز ولد أشمون بن مصرايم وفيه مطالب وطلاب إلى الآن.
ومن هذه القرية إلى مدينة إسنا بغربي النيل مجرى يوم وهي من المدن القديمة من بناء القبط الأول وبها مزارع وبساتين حسنة وبما رخاء شامل وأمن وادع وبها أعناب كثيرة ولكثرته هناك يعمل منه زبيب كثير ويحمل إلى جميع أرض مصر فيعمها وهو بالغ في الطيب وجودة الحلاوة وبها بقايا بنيان للقبط وآثار عجيبة.
ومنها إلى أرمنت في الضفة الشرقية مجرى يوم وهي مدينة من بناء القبط حسنة وبها نخيل وثمر تحمل أنواعاً من الثمر المعلومة المحمودة القليل الوجود مثلها في كثير من الأقطار طيباً وحسناً ومن مدينة أرمنت إلى مدينة أسوان مجرى يوم في النيل وقد ذكرنا مدينة أسوان فيما صدر من ذكر الإقليم الأول في موضعه من الكتاب.
ولنرجع الآن إلى ذكر الخليج الخارج من معظم النيل كما قدمنا القول فيه بعون الله فنقول إن هذا الخليج يخرج إلى جهة المغرب عند مدينة صول ويسمى هناك المنهى فيمر جارياً نحو المغرب فيصل إلى مدينة البهنسا على أربع مراحل وهي بالجهة الغربية من هذا الخليج وهي مدينة عامرة بالناس جامعة لأمم شتى ومن هذه المدينة إلى مصر سبعة أيام كبار وبهذه المدينة كانت وإلى الآن طرز ينسج بها للخاصة الستور المعروفة بالبهنسية والمقاطع السلطانية والمضارب الكبار والثياب المتخيرة وبها طرز كثيرة للعامة يقيم بها التجار الستور الثمينة طول الستر منها ثلاثون ذراعاً وأزيد وأنقص مما قيمة الزوج منها مائتا مثقال وأكثر من ذلك وأقل ولا يصنع من شيء من الستور والأكسية وسائر الثياب المتخذة من الصوف والقطن إلا وفي اسم الطرز المتخذة بها كانت من طرز الخاصة أو من طرز العامة سمة مكتوبة فعلها الجيل المتقدم وتبعهم على ذلك من خلفهم من الصناع إلى حين وقتنا هذا وهذه الستور والفرش والأكسية مشهورة في جميع الأرض.
وينزل هذا الخليج مع الشمال إلى مدينة اهناس وذلك مرحلتان وهي مدينة صغيرة متحضرة كثيرة الأهل واسعة الخيرات جامعة لبركات نامية الزراعات وكل شيء من المأكول بها كثير رخيص ومتاجرها نافقة وأسواقها مربحة.
ومنها إلى اللاهون مرحلتان.
ومنها إلى مدينة دلاص وهي في الضفة الشرقية من معظم النيل وعلى بعد ميلين منه نحو من مسير يومين وبمدينة دلاص هذه تصنع اللجم الدلاصية المنسوبة صنعتها إليها وهي مدينة صغيرة عامرة جليلة وصناعة الحديد بها قائمة الذات كثيرة المصنوعات ومدينة دلاص كانت في أيام القبط كثيرة الديار مثبتة في ذكر الأمصار إلا أنها الآن في وقتنا هذا ليست بالكبيرة لأن البرابر من لواتة وشرار العرب تسلطوا على أطراف عمارات هذه البلاد فأفسدوها فقل ساكنوها لذلك وينتهي هذا الخليج إلى الفيوم ويصل إلى بحيرة أقنى وتيهمت وسنستقصي ذكر ذلك في موضعه من الإقليم الثالث بحول الله.

وأما ترفة وسمسطا فضياع وقصور بعيدة من معظم النيل على مسافة ميلين منه وهما عامرتان بالناس وفيهما مزارع للقصب السكري ويعمل بها من السكر والفانيذ ما يقوم بأكثر ديار مصر ويستغنى به عن غيره وجميع بلاد مصر تتقارب مسافاتها فلا يكون بين البلد والبلد أكثر من يوم أو يومين وهي لا تفارق ضفتي النيل من كلتا الناحيتين وعماراتها متصلة ومن مصر إلى أسوان مسافة خمس وعشرين مرحلة وقد ذكرنا في هذا الجزء ما فيه كفاية وبلاغ.
نجز الجزء الرابع من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء الخامس منه إن شاء الله تعالى.
الجزء الخامس
إن هذا الجزء الخامس من الإقليم تضمن من البلاد التي على ساحل بحر القلزم مدينة عيذاب وما اتصل بها قبلها من الصحراء المنسوبة إلى عيذاب وليس بها طريق معروف ولا يستدل عليها إلا بالجبال والكدى الناتئة لأنها رمال سائلة وضحاضح غامرة وربما أخطأ بها الدليل الماهر وأكثر الاستدلال بها بالنجوم ومسير الشمس من المشرق إلى المغرب وفي هذا الجزء قطعة من بحر القلزم وجملة من جزائره العامرة والخالية ومراسيه المشهورة المذكورة والكور الصغار مثل السرين والسقية وجدة والجحفة والجار وفيه من البلاد البرية صنكان ومكة والطائف وقديد والمدينة وعيذاب ونحن واصفون الآن جميع ما ذكرناه من ذلك وصفاً ناماً باستقصاء وشرح متقن بفضل الله تعالى وقوته.
فنقول إن جبل المقطم الذي أوله من ديار مصر يأخذ من مصر فيمر في الصحراء إلى أن ينتهي إلى قرب أسوان وهو جبل مشهور بالطول وأما علوه فإنه يعلو في مكان وينخفض في مكان وينقطع منه مواضع تسمى اليحاميم سود وتحفر منه المغرة والكلس وفيه ذهب كثير وكذلك في تربته إذا دبرت استخرج منها ذهب صالح وتتصل منه قطع بديار مصر الداخلة إلى البحر الملح بناحية القلزم وهو بحر الحجاز وفي هذا الجبل وما اتصل به كثير من الكنوز مما خبأته ملوك مصر في العصر الأول وفيه كثير من هياكل الكهنة وعجائبهم ومما يلي البحر منه الجبل المنحوت المدور الذي لا يستطيع أحد أن يصعده ولا يجد سبباً للطلوع إليه وذلك لملاسته وارتفاع علوه ويذكر أن فيه كنوزاً عظيمة لمقطام الكاهن وإليه ينسب هذا الجبل بأسره وفيه أيضاً كنوز كثيرة لبعض ملوك مصر من المال والجوهر وتربة الصنعة والتماثيل العجيبة وأصنام الكواكب وقد كانوا رأوا في علومهم أن ملكاً من ملوك الإفرنجة يقصدهم لما كان اتصل به من كثرة أموالهم والصنعة التي كانوا يدبرونها لعمل الذهب فكان ما خافوه من ذلك حقاً وقصدهم الملك الإفرنجي وغزا ديار مصر في ألف مركب فهرب أكابرهم إلى هذا الجبل وتستروا في الأماكن الخفية فيه وبعضهم أمعن في الهروب حتى لحق بالواحات فلم يوصل إليهم ونجا أكثرهم بأموالهم وكان السبب في مجيئ هذا الملك الإفرنجي إلى ديار مصر أن كاهناً من الكهنة وصل إليه ملك مصر بأذى فهرب الكاهن أمامه إلى ملك الإفرنجة ولم يزل يرغبه في غزوهم وأخذ أموالهم وانتهاك حرمهم حتى غزاهم ومضى بهم الكاهن إلى هذا الجبل الأملس الذي ذكرناه قبل فحاول الصعود إليه فلم يصله ولا قدر على شيء مما أمله فيهم فدله الكاهن على كنوز لأهل مصر في غير ذلك الجبل فأخذها ورجع إلى بلده.
وبالغربي من هذا الجبل تكون نواحي أهريت وبشرونة وبياض وصول.
وبشرقيه أيضاً أرض فيها بعض منازل بلي وجهينه وصفارة ويلي هؤلاء في جهة الشمال مما يلي القلزم قوم من العرب أنذال الأفعال خسيسو الهمم ناقضو العهود فساق لئام أنكاد يعرفون ببني بجرية لا يرجعون عن محرم ولا يخيفهم سفك دم إن استنصر بهم خذلوا وإن اطمئن إليهم قتلوا لا أمانة لهم ولا رعاية ولا ديانة وقد أعطاهم الله جل جلاله أوفر حظ من الفقر وابتلاهم بأنواع من الأسقام وهم مع ذلك عن الإضرار لا ينتقلون وعن الأذى لا يتحولون.

وفي أعلى الأرض من هذا الجزء صحارى عيذاب وهي متصلة الخلاء ليس بها ساكن ولا ينزلها قاطن إلا قوم من البجة رحالة قليلو الإقامة فيها لعدم الماء بأمكنتها وقلة وجوده بها وعرض هذه الصحراء يقطعه السالك من قوص إلى عيذاب في عشرين يوماً إلى ما دونها وفي هذه الصحراء يكون جب حميرة وهو من أعجب العجب وذلك أن ماءه لا ينزل به من شربه من حيث تنزل المياه من الإنسان ولا يقيم بالمعدة شيئاً وإنما هو إذا شربه الإنسان لم يلبث أن ينزل به من مقعدته مسرعاً من غير تأخير ولا إقامة وهذه الصحراء لا تسلك في اشتداد الحر وحموم القيظ لجفوف الماء بها ورياحها المنشفة وأرضها النارية المهلكة وإنما يمر بها السالكون في آخر أيام الخريف.
وفي أعلى هذه الصحراء في ضفة البحر الملح مدينة عيذاب وأهلها سود وشربهم من آبار وليست بالكبيرة القطر ولا بالآهلة العامرة بالخلق ومنها المجاز إلى جدة وعرضه هناك مجرى يوم وليلة ومدينة عيذاب ينزلها عامل من قبل رئيس البجة وعامل من قبل ملك مصر يقتسمون جبايتها بنصفين وعلى عامل صاحب مصر القيام بجلب الأرزاق والمعيشة إلى عيذاب وعلى رئيس البجة القيام بحمايتها من الحبشة والرئيس المقيم بعيذاب من قبل ملك البجة ينزل الصحارى ولا يدخل المدينة إلا غبا وأهل عيذاب يتجولون في كل النواحي من أرض البجة يشترون ويبيعون ويجلبون ما هنالك من السمن والعسل واللبن وبالمدينة زوارق يصاد بها السمك الكثير اللذيذ الطعم الشهي المأكل وبها يؤخذ المكس في وقتنا هذا من حاج الإسلام القاصدين من بلاد المغرب وهذا المكس مبلغه على كل رأس ثمانية دنانير من أي الذهب كان مسبوكاً أو مكسوراً أو مسكوكاً ولا يعبر أحد من حاج المغرب إلى جدة إلا أن يظهر مكسه ومتى جوزه رباني بحر القلزم ولم يكن عنده مكس غرمه الرباني فلذلك لا يجوز أحد من عيذاب إلى جدة حتى يظهر الرباني البراءة مما يلزمه فإذا جاز المركب البحر وسهل الله عليه الوصول إلى جدة أرسى على بعد ودخل الثقات من ناحية والي جدة فحرزوا ما هنالك من الموجودات الممكسة اللازمة وأثبتوها في دواوينهم ثم نزلوا ونزل الناس بجملتهم فتقتضى منهم المكوس اللازمة لهم الواجبة عليهم فإن عثروا على رجل منهم لا مكس معه لزم حقه على الرباني الذي جوزه وربما سجن الرجل الحاج حتى يفوته الحج وربما قيض الله له من يفرج عنه بما لزمه من المكس وهذا المكس يأخذه الهاشمي صاحب مكة فينفقه في أرزاق أجناده إذ منافعه قليلة وجباياته لا تفي بلوازمه ورزق من معه.
وهذا البحر الذي ضمه هذا الجزء بحر صعب المجاز كثير القالات والتروش والجبال الناتئة وفيه عدة جزائر خالية في زمن الشتاء وفي مدة خوض البحر وركوبه في أيام السفر فيه قوم يعمرون هذه الجزائر حمر الألوان يأتون إليها في زوارقهم فيتصيدون فيها السمك الكثير ويجففونه في الشمس ثم يطحنونه ويخبزونه ويتعيشون منه أكثر دهرهم ولزومهم في هذه الجزائر لصيد الحوت واستخراج اللؤلؤ الدقيق منه وأخذ السلاحف البحرية التي يكون على ظهورها الذبل وهو بها كثير حسن الصفة.
وأكبر جزيرة فيه من هذا الجزء جزيرة النعمان وبها قوم لازمون لها ساكنون بها ومنها جزيرة السامري يسكنها قوم يهود سامرية وعلامتهم أن يقول أحدهم إذا لقي إنساناً " لا مساس " وبهذه اللفظة يعرف أنهم من اليهود المنسوبين إلى السامرى صاحب العجل في زمن موسى عليه السلام.
وفي هذا البحر من السمك حوت مربع عرضه قريب من طوله يقال له اليهار وربما بلغ وزن الحوت منه نصف قنطار أو نحوه وهو حوت أحمر شهي الطعم حسن الذوق ولا سهك به وفيه سمك آخر طوله شبر ونصف له رأسان رأس في موضع رأسه ورأس في موضع ذنبه وفي كل رأس من هذين الرأسين عينان وفم وتصرفه في البحر يزج مرة إلى أمامه وتارة إلى خلفه ويسمى هذا السمك الخنجر وفي هذا البحر أيضاً سمك يقال له القرش وهو نوع من كلاب البحر في فمه سبعة صفوف أضراس ويكون منه ما طوله عشرة أشبار وأكثر وأقل من ذلك وضرره بمن أمكنه في البحر كثير جداً.

ومراكب هذا البحر كلها مؤلفة بالدسر ومخروزة بحبال الليف مجلفطة بدقيق اللبان ودهن كلاب البحر المعد لذلك والربانيون في هذه المراكب لهم آلات متخذة بحكمة مهندسة موضوعة في أعلى الصاري الذي يكون في مقدمة المركب فيجلس به الرباني ويبصر ما لاح أمامه من التروش التي تحت الماء مخفية فيقول للماسك على المركب " خذ إليك " و " ادفع عنك " ولولا ذلك ما عبره أحد وآفاته كثيرة في المراكب والمسافرون في هذا البحر يأوون منه في كل ليلة إلى مواضع يسكنون فيها ويلجأون إليها خوفاً من معاطبه وينزلون بها نهاراً ويقلعون عنها نهاراً حالاً دائماً سير النهار وإقامة الليل.
وهو بحر مظلم كريه الروائح وحش الجزائر لا خير في ظاهره ولا في باطنه وليس كبحر الهند والصين الذي في بطنه اللؤلؤ النفيس وفي جباله الجواهر وفي مدنه أصناف الطيب وفي سواحله محلات الملوك ومدنها وفي جزائره منابت الأبنوس والبقم والخيزران وشجر العود والكافور والأفاويه وفي أرضه دواب المسك وظباؤه وجميع ما يقع إلى بحر القلزم من العنبر فإنما هو مما شذ إليه من بر الهند وقد ذكرنا مسافة طوله وعرضه فيا سبق من ذكر جملة البحور المذكورة في صدر الكتاب.
وعلى ساحل هذا البحر الواقع في هذا الجزء في الجهة الشرقية حصن حلي والسرين والسقية وجدة والجحفة والجار وكل هذه معاقل ومواطن يسافر إليها ويتجهز منها وفي كل واحدة منها وال وعامل.
فأما حلي فإنها مدينة صغيرة وواليها منها وهو من قبل صاحب تهامة وهي فرضة من جاء من اليمن وفرضة لمن صعد من القلزم وبها جبايات على الداخل والخارج وكل شيء إليها جلب ومنها على البرية إلى مدينة عثر جنوباً خسة أيام.
ومنها أيضاً إلى مدينة ضنكان مرحلتان خفيفتان وضنكان بلد صغير فيه أهله مقيمون به لا يتحولون عنه إلى غيره وربما مات الرجل منهم والرجال الكثيرة ولم يخرجوا منه لرؤية غيره لا ارتحالاً ولا نزهة والناس واردون عليها وصادرون عنها وبضائع أهلها قليلة وأموالهم يسيرة وصنائعها نزرة حقيرة وضياعها ضيقة وثمارها قحطة وجملتها غير حسنة لكن البارئ جل وعز حبب أرضها لأهلها.
وعلى الساحل مدينة السرين وينها وبين حلي خمسة أيام في جهة الشمال والسرين حصن حصين حسن موضعه كثيرة مياهه ولواليه وجابيه شيء معلوم ورسم ملزوم على المراكب الصاعدة والنازلة من اليمن بالتجارات والمتاع والرقيق وجباياته المحصلة يصل نصفها إلى صاحب تهامة ونصفها الثاني يصل إلى الهاشمي بمكة وكذلك من السرين إلى ضنكان مرحلتان.
ومن السرين إلى مرسى السقية ثلاث مراحل وهي قرية عامرة وبها مستراح للمراكب.
ومنها إلى جدة على الساحل ثلاث مراحل وهي فرضة لأهل مكة وبينهما أربعون ميلاً وهي مدينة كبيرة عامرة تجاراتها كثيرة وأهلها مياسير ذوو أموال واسعة وأحوال حسنة ومرابح ظاهرة ولها موسم قبل وقت الحجيج مشهود البركة تنفق فيه البضائع المجلوبة والأمتعة المنتخبة والذخائر النفيسة وليس بعد مكة مدينة عن مدائن الحجاز أكثر من أهلها مالاً ولا أحسن منهم حالاً وبها وال من ناحية الهاشمي صاحب مكة يقبض صدقاتها ولوازمها ومكوسها ويحرس عمالتها ولها مراكب كثيرة تتصرف إلى جهات كثيرة وبها مصائد للسمك الكثير والبقول بها ممكنة وبهذه المدينة فيما يذكر أنزلت حوا من الجنة وبها قبرها.

ومدينة مكة قديمة أزلية البناء مشهورة الثناء معمورة مقصودة من جميع الأرض الإسلامية وإليها حجهم المعروف وهي مدينة بين شعاب الجبال وطولها من المعلاة إلى المسفلة نحو ميلين وهو من حد الجنوب إلى جهة الشمال ومن أسفل جبل أجياد إلى ظهر جبل قعيقعان ميل والمدينة مبنية في وسط هذا الفضاء وبنيانها حجار وطين وحجارة بنيانها من جبالها وأسواقها قليلة وفي وسط مكة مسجدها الجامع المسمى بالحرم وليس لهذا الجامع سقف وإنما هو دائر كالحظيرة والكعبة وهو البيت المسقف في وسط الحرم وطول هذا البيت من خارجه من ناحية الشرق أربعة وعشرون ذراعاً وكذلك طول الشقة التي تقابلها في جهة الغرب وبشرقي هذا الوجه باب الكعبه وارتفاعه على الأرض نحو قامة وسطح الكعبة من داخل مساو لأسفل الباب وفي ركنه الحجر الأسود وطول الحائط الثاني الذي من جهة الشمال وهو الشامي ثلاثة وعشرون ذراعاً وكذلك الشقة الأخرى التي تقابلها في جهة اليمن ومع أصل هذه الشقة موضع محجوز في دائر وطوله خمسون ذراعاً وفيه حجر أبيض يقال إنه قبر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام وفي الجهة الشرقية من الحرم قبة العباس وبئر زمزم وقبة اليهودية وما استدار بالكعبة كله حطيم يوقد فيه بالليل مصابيح ومشاعل وللكعبة سقفان وماء السقف الأعلى يخرج عنه إلى خارج البيت في ميزاب من خشب وذلك الماء يقع على الحجر الذي قلنا إنه قبر إسماعيل والبيت كله من خارج على اتدارته مكسو بثياب الحرير العراقية لا يظهر منه شيء وارتفاع سمك البيت المذكور سبعة وعشرون ذراعاً وهذه الكسوة معلقة فيه بأزرار وعرى وصاحب بغداد المسمى بالخليشة يرسلها في كل سنة إليها فتكسى بها وتزال الأخرى عنها ولا يقدر أحد يكسوها غيره وفيما يذكر أهل الخبر أن الكعبة كانت خيمة آدم عليه السلام وكانت مبنية بالطين والحجارة فهدمها الطوفان وبقيت مهدمة إلى مدة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فيقال إن الله أمرهما ببنيانها فنهض إبراهيم عليه السلام إلى ابنه إسماعيل وتعاونا في بنيانها بالحجر والطين وليس بمكة ماء جار إلا شيء أجري إليها من عين على بعد من البلد ولم يستتم فلما كانت أيام المقتدر من بني العباس استتم بناؤه.
ومياه مكة زعاق لا تسوغ لشارب وأطيبها ماء بئر زمزم وماؤه شروب غير أنه لا يمكن إدمان شربه وليس بجميع مكة شجر مثمر إلا شجر البادية ويسكن صاحب مكة في قصر له بالجهة الغربية بموضع يعرف بالمربعة على ثلاثة أميال من مكة وهو قصر مبني من الحجارة وتجاوره حديقة قريبة العهد فيها نخيلات وكثير من المقل وبها جملة شجر منقولة إليها وليس للهاشمي صاحب مكة معسكر خيل وإنما معسكره رجالة لا خيل لهم وتسمى رجالته الحرابة ولباسه البياض والعمائم البيض ويركب الخيل وسياسته حسنة وحكمه عدل وإنصافه ظاهر وإحسانه غدق على قدر إمكانه ولمكة موسمان ينفق فيهما كل ما جلب إليها أحدهما في أول رجب والثاني موسم الحجيج ولأهلها أموال صامتة وأحوال فاشية ودواب وجمال ولا زرع بها ولا حنطة إلا ما جلب إلها من سائر البلاد والتمر يأتي إليها كثيراً مما حولها والعنب يجلب إليها من الطائف وهو بها قليل جداً والغالب على ضعفاء أهلها الجوع وسوء الحال وإذا خرج أحد عن مكة في كل جهة تلقاه أودية هناك جارية وعيون مطردة وآبار غدقة وحوائط كثيرة ومزارع متصلة.
ومن مكة إلى المدينة التي تسمى يثرب على طريق الجادة نحو من عشر مراحل وذلك أن من مكة إلى بطن مر ستة عشر ميلاً وهو منزل فيه عين ماء في مسيل رمل وحوله نخيلات يأوي إليه قوم من العرب.
ومن بطن مر إلى عسفان ثلاثة وثلاثون ميلاً وعسفان حصن بينه وبين البحر نحو من عشرة أميال وبه آبار ماء عذبة ويسكنه قوم من جهينة.
ومنه إلى قديد أربعة وعشرون ميلاً وقديد حصن صغير فيه أخلاط من العرب سمة الشقاء عليهم بادية ولهم نخيلات يتعيشون منها وبين قديد والبحر خمسة أميال.
ومن قديد إلى الجحفة ستة وعشرون ميلاً والجحفة منزل عامر آهل فيه خلق كثير لا سور عليه وهو ميقات أهل الشام ومنه إلى البحر نحو أربعة أميال.
ومن الجحفة إلى الأبواء سبعة وعشرون ميلاً والأبواء منزل فيه آبار.
ومنه إلى السقيا سبعة وعشرون ميلاً والسقيا منزل على نهر جار وبه بستان وحدائق نخل وفيه قوم من طي وسائر قبائل العرب.

ومن السقيا إلى الرويثة ستة وثلاثون ميلاً وفيها برك ماء أربع وليس بها عامر.
ومنها إلى سيالة أربعة وثلاثون ميلاً وهو منزل قليل العامر فيه آبار ماء شروبة.
ومنها إلى ملل سبعة عشر ميلاً وهو منزل وبه آبار غدقة كثيرة الماء.
ومنها إلى الشجرة وهو ميقات أهل المدينة اثنا عشر ميلاً وهو منزل به قوم من العرب قلة ومنها إلى المدينة ستة أميال الجملة مئتان وسبعون ميلاً.
وطريق آخر من مكة إلى المدينة وهو طريق الجبال وفيه تحليق وذلك أن يأخذ المار من مكة في طريق الساحل إلى بطن مر ثم إلى عسفان ثم إلى قديد إلى الخرار إلى ثنية المرأة إلى مدلجة مجاح إلى بطن مرجح إلى بطن ذات كشد إلى الأجدد إلى ذي شمر إلى بطن أعداء إلى مدلجة يعفر ثم إلى العينا إلى أذان القاحة إلى طرف جبل العرج إلى ثنية الأعيار إلى رثما إلى حي عمرو بن عوف إلى المدينة.
والمدينة في مستو من الأرض حارة سبخية كان عليها سور قديم وبخارجها خندق محفور وهي الآن في حين تأليفنا لمذا الكتاب عليها سور حصين منيع من التراب بناه قسيم الدولة الغازي ونقل إليها جملة من الناس ورتب المير إليها وأهلها فقراء قليلو المال لا صنع لهم ولا ضياع عندهم وحولها نخل كثير وتمرها حسن وبها يتقوتون في معايشهم وليس لهم زرع ولا ضرع وشرب أهلها من نهر صغير يأتي إليها من جهة المشرق جلبه عمر بن الخطاب وجاء به إليها من عين كبيرة إلى شمال المدينة وأجراه بالخندق المحتفر بها ومقدار مدينة يثرب على قدر نصف مكة ومياه نخيلهم وزروعهم من الآبار يقيها العبيد وبقيع الغرقد خارج باب البقيع في شرقي المدينة.
وقباء خارج المدينة على نحو ميلين مما يلي القبلة وكانت به بيوت يجتمع إليها الأنصار وهي الآن قرية معمورة وبها عين ماء جارية وجبل أحد في شمال المدينة على مقدار ستة أميال وهو أقرب الجبال إليها وهو جبل مطل على أرض فيها مزارع وضياع كثيرة لأهل المدينة وعلى أربعة أميال من المدينة في جنوبها وعلى طريق مكة واد يسمى بوادي العقيق وعليه مزارع ونخل وقبائل من العرب ومن المدينة إلى البحر ثلاثة أيام وفرضتها الجار والجار قرية آهلة عامرة وكانت قبل هذا مدينة قريبة من جدة.
والطريق من المدينة إليها تخرج من المدينة إلى (ذو) خشب مرحلة ومنه إلى عذيب مرحلة في حضيض جبل وبه بئر معينة الماء عذبة المشرب ومنه إلى الجار مرحلة والجار على ضفة البحر الملح والمراكب إليها قاصدة ومقلعة وليس بها كبير تجارات وكذلك من الجار إلى جدة نحو من عشرة أيام في البر بطول الساحل والبحر يبعد تارةً ويقرب أخرى وأكثر هذه المراحل في رمال ناشفة وطرق دارسة يستدل فيها بالبحر والجبال وفي شرقي مكة الطائف وبينهما ستون ميلاً والطائف من أرادها من مكة سار منها إلى بئر بن المرتفع وهي قرية عامرة فيها عرب بادية ثم إلى قرن المنازل وهو حصن عامر بأهله على قارعة الطريق ومنه إلى الطائف ومن أراد من مكة إلى الطائف على طريق العقيق يأتي عرفات على ثلاثة أميال ثم إلى بطن نعمان وهو موضع فيه نخيلات ثم يصعد عقبة كرى ثم يشرف على الطائف.
ثم ينزل ثم يصعد عقبة خفيفة ثم يدخل الطائف والطائف منازل ثقيف وهي مدينة صغيرة متحضرة مياهها عذبة وهواؤها معتدل وفواكهها كثيرة وضياعها متصلة وبها العنب كثير جداً وزبيبها معروف يتجهز به إلى جميع الجهات وأكثر فواكه مكة تصدر عنها وبالطائف تجار مياسير وجل بضائعهم صنع الأديم وأديمها عالي الجودة رفيع القيمة وبالنعل الطاثفي يضرب المثل هذا مشهور والطائف على ظهر جبل غزوان وعلى ظهر جبل غزوان ديار بني سعد المضروب بهم المثل في كثرة العدد وبه جملة من قبائل هذيل وليس في بلاد الحجاز بأسرها جبل أبرد من رأس هذا الجبل وربما جمد به الماء في الصيف لشدة برده والغالب على نواحي مكة مما يلي المشرق بنو هلال وبنو سعد في قبائل من هذيل ومن غربيها قبيلة مدلج وغيرها من قبائل مضر.

ولمكة مخاليف وهي الحصون فمنها بنجد الطائف ونجران وقرن المنازل والعقيق وعكاظ وليمة وتربة وبيشة وكتنه وجرش والسراة ومن حصونها بتهامة ضنكان والسرين والسفيه وغشم وبيش وعك ومن مخاليف المدينة المنسوبة إليها تيماء ودومة الجندل والفرع وذو المروة ووادي القرى ومدين وخيبر وفدك وقرى عربية والوحيدة والسيارة والرحبة والسيالة وسبابه وراهط وغراب والأكحل والحمية.
والطريق من مكة إلى صنعاء يخرج من مكة إلى بئر بن المرتفع وفيه بئر ثم إلى قرن المنازل وهي قرية كبيرة ثم إلى صفر وهي قرية صغيرة وبصفر بئران ماؤهما غدق عذب يشرب منهما ثم إلى كرى وهي قرية عامرة كثيرة النخل بها عيون مطردة ثم إلى الرويثة وهي قرية كبيرة وهي حصن منيع وفيها بركتان للماء وأهلها أخلاط من العمريين وفيها كروم تحمل عنباً كبير الحب جداً ويصنع منه زبيب طيب الذوق جليل المقدار ويحمل إلى البلاد المجاورة لها والبعيدة منها ومنها إلى صنعاء اثنان وسبعون ميلاً وكذلك من خيوان إلى صعدة ثمانية وأربعون ميلاً وبخيوان قرى وعمارات ومزارع ومياه معمورة بأهلها وبها أصناف من بطون غسان وجمل من قبائل العرب وبقرب من خيوان بلاد الإباضية وبلادهم عامرة وحصونهم مانعة وزراعاتهم كثيرة وعماراتهم متصلة.
ومنها إلى اثافت وهي مدينة فيها كروم كثيرة وقليل نخل وشرب أهلها من بركة كبيرة فيها ينابيع ماء ومنها إلى ريدة وهي مدينة صغيرة كالحصن حفت بها كروم كثيرة وزروع متصلة وعيون دافقة ولأهلها مواش وجمال وفي الريدة البئر المعطلة والقصر المشيد الذي ذكر في الكتب ومنها إلى صنعاء مرحلة وقد ذكرنا مدينة صنعاء فيما تقدم من ذكرها في موضعها من الإقليم الأول وهذا الطريق الذي ذكرناه تأخذه القوافل في عشرين مرحلة.
والطريق من مكة إلى ذي سحيم من خولان تخرج من مكة إلى ملكان وهو ماء ينزل به المسافرون ومنه إلى يلملم مرحلة وهو جبل معترض من المشرق إلى المغرب وبه ميقات أهل تهامة ثم إلى منزل في قفر به عين ماء مرحلة ومنه إلى قينة وهي قرية صغيرة فيها بئران مرحلة ومنه إلى دوقه وعليب وهما قريتان عامرتان بأهلهما مرحلة ومنهما إلى الحسبة وهي قرية صغيرة فيها ماء كثير مرحلة ومنها إلى قنونا مرحلة وقنونا منزل فيه بئر مرحلة ثم إلى بيشة حاران وهو منزل فيه بقايا عرب وبه بئر عذبة مرحلة ومنها إلى مدينة حلي وهي على البحر صغيرة مرحلة وقد ذكرناها في مكانها ومن حلي الساحلية إلى وادي ضنكات الواصل إلى مدينة ضنكان مرحلة ومنه إلى مدينة ضنكان التي ذكرناها في طريق صنعاء مرحلة ثم إلى حاران القرين وهي قرية صغيرة لكنها عامرة وفيها مياه جارية ونخلات قليلة مرحلة ومنها إلى خولان ذي سحيم وهي قلعة حصينة ولأهلها منعة وفيهم عزة.
وجميع هذه البلاد التي ذكرناها هي في أرض تهامة وتهامة قطعة من اليمن وهي جبال مشتبكة أولها من البحر القلزمي ومشرفة عليه وتمر منها قطائع في جهة المشرق وحدود تهامة في غربيها بحر القلزم وفي شرقيها جبال متصلة من الجنوب إلى الشمال وطول أرض تهامة من الشرجة إلى عدن على الساحل اثنتا عشرة مرحلة وعرض أرض تهامة اليمن من الجبال إلى عمل غلافقة يكون مسير أربعة أيام وفي شرقيها أيضاً مدينة صعدة وجرش ونجران وفي شمالها مكة وجدة وفي جنوبها صنعاء على نحو عشر مراحل وبأرض تهامة صراح العرب من جميع القبائل ومكة قطب ومقصد لأهل جزيرة عربة وهي بلاد اليمن ومن مكة إلى صنعاء عشرون مرحلة ومن مكة إلى زبيد عشرون مرحلة ومن مكة إلى اليمامة إحدى وعشرون مرحلة ومن مكة إلى دمشق ثلاثون مرحلة ومن مكة إلى البحرين خمس وعشرون مرحلة وسنأتي بهذه الطرقات المذكورة في أمكنتها بعون الله تعالى.
نجز الجزء الخامس من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء السادس منه إن شاء الله تعالى.
الجزء السادس

إن هذا الجزء السادس من الإقليم الثاني تحصل فيه من البلاد المعمورة والكور المشهورة ما نذكره الآن مجملاً ثم نفسره بعد ذلك باستقصاء من القول على حسب ما سبق لنا في ذلك بعون الله ففي هذا الجزء من قواعد البلاد المعلومة جرش وبيشة وتبالة وعكاظ ونجران وعلو يحصب وظفار ومأرب والشحر وسفل يحصب وشبام وحضرموت وصور وقلهات ومسقط وصحار والعفر وسعال ومنح وسرعمان وبثرون وحجر وحضرمة والقريتين ووجرة ورامة ومعدن النقرة وسلمية وبرقة واضح وهجر وبيرمان والجيل وجلفار.
وفي البحر الفارسي مما تضمنته حصته جزيرة ابرون وجزيرة خير وجزيرة كيش وجزيرة ابن كاوان والدردور وجبلا كسير وعوير وفيه من بلاد كرمان السبرين وجبال مسكن وهذه البلاد كلها قواعد وبلاد يعمرها طوائف وأمم نذكرهم الآن بحول الله.
فنقول إن مدينة جرش ومدينة خيوان ومدينة نجران كلها بلاد تتقارب في المقدار والعمارة وبها تدبغ الجلود اليمانية التي لا يبلغها شيء في الجودة كما سبق ذكره ولها مزارع وضياع ومكاسب وتجارات يتقلبون فيها ويتعيشون منها وبين جرش وخيوان أربع مراحل وبين خيوان ونجران ست مراحل وكذلك من جرش إلى نجران مثل ذلك.
وأما تبالة فإنها من مخاليف مكة وبينهما أربع مراحل ومدينة تبالة صغيرة بها عيون متدفقة ومزارع ونخل وهي في أسفل أكمة تراب ولها وليها الحجاج بن يوسف من قبل عبد الملك بن مروان (و) صار إليها وبلغ إليها لم يرها فسأل عنها فقيل له إنها في أسفل هذه الأكمة التي بين يديك فقال إن بلدة تسترها أكمة لخليق أن يقال فيها أهون بها ثم انصرف عنها فصار ذلك مثلاً فيقال أهون من تبالة على الحجاج.
ومن تبالة إلى بيشة خمسون ميلاً وكذلك من بيشة إلى جرش أربع مراحل ومن تبالة إلى سوق عكاظ ثلاث مراحل وسوق عكاظ قرية كالمدينة جامعة لها مزارع ونخل ومياه كثيرة ولها سوق يوماً في الجمعة وذلك يوم الأحد يقصد إليها في ذلك اليوم بأنواع من التجارات المحوج إليها أهل تلك الناحية فإذا أمسى المساء انصرف كل أحد إلى موضعه ومكانه ومن سوق عكاظ إلى مدينة نجران خمس مراحل.
وظفار هي قصبة يحصب وكانت ظفار فيما سلف من البلاد الكبار المشهورة وكان بها قصر ريدان المشهور وبه كانت تنزل ملوك اليمن وهي الآن خراب أكثرها قد تهدم بناؤها وقل ساكنها لكن بها في هذا الوقت بقايا من أهلها ساكنون بها ولهم فضول أموال وبضائع ولهم مزارع قليلة ونخل فيه كفاية لأهله.
ومن مدينة يحصب التي اسمها ظفار إلى ذمار ستة وثلاثون ميلاً وكذلك من ذمار إلى صنعاء أربعون ميلاً ومن علو يحصب إلى حصن الثجة ستة وثلاثون ميلاً ومن الثجة إلى الجند سبعة وعشرون ميلاً والجند حصن عامر وبه قوم من خولان وبه آبار ماء وهو على تل كبير ومن الجند إلى صنعاء مائة وأربعون ميلاً ومن ظفار إلى حصن علق أربعة عشر ميلاً وهو حصن يحصب وبه جلة من العرب القديمة وبه مياه جارية وقليل نخيلات ومنه إلى حصن سفل يحصب ستة عشر ميلاً وبه نخل ومياه جارية من عيون عذبة.

ومن ظفار إلى قرية مأرب ثلاث مراحل وهذه القرية كانت في القدم مدينة كبيرة عامرة بالخلق مشهورة في بلاد العرب وبها قصر سليمان بن داود ويسمى هذا القصر صرواح ولم يبق منه الآن إلا طلل دارس وأثر غابر وبمأرب قصر القشيب وهو قصر بلقيس زوج سليمان وبها كان السد المسمى بالعرم وهذا السد ذكره مشهور وخبره معلوم في جميع الأمم وذلك أن هذه المدينة المسماة مأرب كان أكثر أهلها سبأ من قبائل العرب الحميرية وكان لهم من التيه والعجب والكبر على سائر الأمم ما قد شاع ذكره وكانوا مع ذلك يكفرون بأنعم الله سبحانه وكان لهم بهذه المدينة في مجرى الماء سد عظيم البناء وثيق الصنعة قد أمنوا من خلله وكان الماء يرتدع فيه نحو من عشرين قامة وكان الماء محصوراً من جوانبه قد أتقنوه وأوثقوا صناعته وكانت مساكنهم عليه وكان لكل قبيلة شرب معلوم ينصب إليهم فيسقون منه ويصرفونه في مزارعهم بقسمة عدل وكان السد يعلو هذه المدينة كالجبل المنيف فلما أراد الله انقطاع دولهم وتشتت جماعتهم وانصرام أيامهم أرسل عليهم السيل الكبير فجاءهم وهم نائمون فرفع السد ومر بالمدينة وما جاورها من القرى والأمم والبهائم والبناءات وقتل الكل بالكل وفرقهم شذر شذر وتفرقت العرب وتبلبلت الألسن وصاروا في المشارق والمغارب وبقي من المدينة آثار تراجع إليها قوم من حضرموت فعمروها إلى الآن.
ومن مأرب إلى مدينة شبام من بلاد حضرموت أربع مراحل ومدينتا حضرموت إحداهما تريم والثانية شبام فأما تريم فقد تقدم ذكرها وأما شبام فهو حصن منيع جامع بأهله في قنة جبل شبام وهو جبل منيع جداً لا يرتقى إلى أعلاه إلا بعد جهد وفي أعلاه قرى كثيرة عامرة ومزارع ومياه جارية وغلات ونخل وخصب زائد ويوجد في هذا الجبل أحجار العقيق وأحجار الجمست وأحجار الجزع وهي في ذاتها عند وجودها أحجار مغشاة بأغشية ترابية لا يعرفها إلا طلابها بعلاماتها المشهورة لها فتعمل هذه الأحجار فإذا عملت وصقلت ظهر حسنها وصفاء جوهرها ويحكي طلابها ومستخرجوها أنهم يجدون هذه الأحجار في أودية محصاة وحصاها ملون بأنواع من الألوان الحسنة فيلقطون هذه الأحجار من بينها ويأتون بها إلى صناعها فيحكمونها ويتجهز بها التجار من هذه البلاد.
وتتصل بأرض حضرموت من جهه شرقيها أرض الشحر وبها قبائل مهرة وهم عرب صرح والإبل المنتجة عند هؤلاء العرب لا يعدل بها شيء في سرعة جريها ومن غريب ما ينسب إليها أنها تفهم الكلام وتعلم ما يراد منها بأقل أدب تعلمه ولها أسماء إذا دعيت بها جاءت وأجابت من غير تأخير ولا توان في ذلك وقصبة أرض مهرة تسمى الشحر ولسان أهل مهرة مستعجم جداً لا يكاد يفهم وهو اللسان الحميري القديم وأكثر هذه الأرض قفر لا يعمرها إلا رواحل مهرة وجل مكاسبهم الإبل والمعز وجملة دوابهم التي في بلادهم تعتلف السمك المعروف بالوزق يصاد في ذلك البحر من بلاد عان وهو حوت صغير جداً يصاد ويشمس وتعلف به الدواب والإبل وأهل مهرة لا يعرفون الحنطة ولا خبزها وإنما أكلهم السموك والتمور وشربهم الألبان وقليل الماء قد اعتادوه وألفوه فلا يعولون على غيره من الأغذية ومتى دخل أحدهم البلاد المجاورة لهم وأكل شيئاً من الحنطة وجد لذلك ألماً وربما مرض لذلك ويقال إن طول بلاد مهرة تسع مائة ميل وعرضها في جميع طولها من خمسة وعشرين ميلاً إلى خمسة عشر ميلاً إلى ما دون ذلك وهذه الأرض كلها رمل سيال والرياح لاعبة به تنقله من مكان إلى مكان ومن آخر بلاد الشحر إلى عدن ثلاث مائة ميل.
ويتصل بأرض مهرة بلاد عمان وهي مجاورة لها في جهة الشمال وبلاد عمان مستقلة بذاتها عامرة بأهلها وهي كثيرة النخل والفواكه الجرومية من الموز والرمان والتين والعنب ونحو ذلك ومن بلاد عمان مدينتا صور وقلهات وهما على ضفة البحر الملح الفارسي وهما مدينتان صغيرتان لكنهما عامرتان وشربهما من الآبار ويصاد بهاتين المدينتين اللؤلؤ قليلاً وبين صور وقلهات مرحلة كبيرة في البر وفي البحر دون ذلك.
ومن صور إلى رأس المحجمة خمسة أيام في البر وفي البحر مجريان ورأس المحجمة هو جبل عال على ضفة البحر يمر في شرقي غب الحشيش ويندفن في الماء فلا يعلم حيث يصل وربما تكسرت المراكب عليه وفي رأس المحجمة مغايص لؤلؤ.

ومن قلهات على الساحل إلى مدينة صحار مئتا ميل وبقرب منها على الساحل قرية دما وهي قرية يكون في الشتاء عامرها قليلاً ومعايشها كاسدة وتصرف أهلها قليل وأما في الصيف فإنها تكون كالمدينة العامرة لأن بها مغاص اللؤلؤ الجيد جداً وهي مشهورة بجيد اللؤلؤ المستخرج بها.
ومن مسقط إلى صحار وهما مدينتا عمان أربع مائة وخمسون ميلاً لا ساكن بها ومدينة صحار على ضفة البحر الفارسي وهي أقدم مدن عمان وأكثرها أموالاً قديماً وحديثاً ويقصدها في كل سنة من تجار البلاد ما لا يحصى عددهم وإليها يجلب جميع بضائع اليمن ويتجهز منها بأنواع التجارات وأحوال أهلها واسعة ومتاجرهم مربحة وبها نخل كثير ومن الفواكه الموز والرمان والسفرجل وكثير من الثمار العجيبة الطيبة وكان في القديم من الزمان تسافر منها مراكب الصين فانقطع ذلك وسبب انقطاع السفر من مدينة عمان أن في وسط بحر فارس مما يقابل مسقط جزيرة تسمى جزيرة كيش وهي جزيرة مربعة طولها اثنا عشرة ميلاً في عرض اثني عشرة ميلاً وفيها مدينة كيش فوليها عامل من اليمن فحصنها وأحسن إلى أهلها وعمرها وأنشأ بها أسطولاً فغزا به يلاد اليمن الساحلية فأضر بالمسافرين والتجار ولم يترك لأحد مالاً وأضعف البلاد وانقطع بذلك السفر من عمان وعاد إلى عدن وصاحب جزيرة كيش يغزو بهذا الأسطول مدينة الرانج ويصل إلى بلاد القامرون وأهل الهند يخافونه ويهابون شره ويواسونه بالمراكب المسماة المشعيات وقد ذكرناها في بلاد الهند وحكينا عمن أخبرنا بها أن هذه المشعيات يكون طول المركب منها طول الغراب الكامل من عود واحد يجذف فيه مائتا رجل وأخبر مخبر في وقت هذا التأليف أن عند صاحب مدينة كيش من هذه المراكب المسماة بالمشعيات خمسون مركباً كل واحد منها من قطعة واحدة وعنده من سائر المراكب الملفقة جملة عديدة وهو الآن على هذه الحال يغزو ويسبي وعنده أموال كثيرة وليس لأحد به طاقة وبمدينة كيش زروع وأغنام وأبقار وكروم وفيها مغايص اللؤلؤ الجيد ومن صحار إلى هذه الجزيرة مجريان ويحاذي هذه الجزيرة من بلاد اليمن مسقط وبينهما مجرى ومن ساحل كرمان التيزوشط.
ويقابل صحار في البرية على مسير يومين بلدان متصلان بينهما واد يسمى وادي الفلح واسم أحد البلدين سعال والأخر العفر وهما مدينتان صغيرتان عامرتان بهما نخل كثير ومزارع وحدائق نخل وتمر وهما متقاربتان في القدر وشربهما من نهر الفلح وتسمى الأرض التي هما فيها نزوة ويتصل بهاتين المدينتين على قدر نصف يوم مدينة منح وهي مدينة صغيرة في أسفل جبل يسمى جبل شرم بها نخيل وعيون ماء وهي على ضفة نهر الفلح ومن منح إلى سر عمان غرباً مرحلتان وهي في أسفل جبل شرم حيث منبعث نهر الفلح وهو نهر كبير عليه قرى وعمارات متصلة إلى أن يصب في البحر بمقربة قرية جلفاره.
والغالب على أهل بلاد عمان الشراة وأكثر الشراة في وقتنا هذا منحشرون عامرون بلدة تسمى بثرون في غربي بلاد عمان ولهم هناك قرى وعمارات وهم متحصنون بجبل لهم وبثرون في أسفله.
وفيما يقال إن حدود بلاد عمان دوراً تكون تسع مائة ميل وهي بالجملة بلاد حارة ويذكر بأن جبل شرم ينزل بأعلاه ثلج قليل وبين نجد وبلاد عمان برار متصلة وفي بلاد عمان حية تسمى العربد وإليها ينسب السكران المعربد وهي حية تنفخ ولا توذى وهي كثيرة التقافز ويحكى أنها متى أخذت ووضعت في آنية زجاج وتوثق من رأسها ووضعت في وعاء وأخرجت عن بلاد عمان ثم تفقدت الآنية لم توجد الحية فيها بوجه وهذا مثبوت في هذه الحية والإخبار بها شائع وفي بلاد عمان أيضاً دويبة صغيرة تسمى القراد إذا ظفرت بجارحة من الإنسان عضته فلا تزال عضتها تربو وتتزايد إلى أن تقيح وتتذود ولا يزال ذلك الدود يسعى في جوف الإنسان حتى يموت وبجبال عمان قردة كثيرة تضر بأهلها إضراراً كلياً وربما اجتمع منها العدد الكثير حتى لا يطاق دفاعها إلا بالخروج إليها بالقسي والسهام والسلاح العام وحينئذ يقدر على دفاعها.

ومن مدينة صحار إلى بلاد البحرين نحو من عشرين مرحلة وطريق عمان في البرية إلى مكة أو غيرها صعبة جداً لكثرة القفار وقلة السكان وإنما يسافرون في المراكب على البحر إلى مدينة عدن ومن عدن يسافرون إن شاؤوا براً أو بحراً وكذلك من صحار التي من أرض عمان إلى البحرين في جهة الشمال طرق متعذرة السلوك لتنازع العرب بها ومحاربتهم وغاراتهم بعضهم على بعض فليس لمسافر معهم أمان في نفسه ولا في شيء من ماله.
ويتصل بأرض عمان من جهة الغرب ومع الشمال أرض اليمامة وهي بلاد الزرقاء اليمامة وكانت هذه الزرقاء اليمامة في عهد الجاهلية ولها أخبار مشهورة مذكورة في الكتب وتولى قتلها وسبيها وأخذ أموالها وال من قبل عمر بن الخطاب وبلادها محدقة بواد يسمى افنان وعلى هذا الوادي عماراتهم وقراهم ومدينتهم المعروفة تسمى الحضرمة وهي مدينة عامرة بها مزارع ونخيل وتمر كثير وتمرها أكثر من سائر التمر ببلاد الحجاز.
ومن مدنها حجر وهي الآن خراب وبها كانت اليمامة الملكة ساكنة في وقتها ويتصل بها برقة وسلمية وهما مدينتان متقاربتان في القدر والعمارة والصغر من البلاد.
ومن اليمامة إلى مكة طريق وهو من اليمامة إلى العرض مرحلة ثم إلى الحذيقة مرحلة ثم إلى الثنية مرحلة ثم إلى السفرا مرحلة ثم إلى صدا مرحلة ثم إلى حصن القريتين الذي في طريق البصرة مرحلة وبالقريتين تجتمع الطرق ومن القريتين إلى رامة مرحلة ثم إلى طقجة مرحلة ثم إلى صربة مرحلة ثم إلى جديلة مرحلة ثم إلى قلجة مرحلة ثم إلى الرقيبة مرحلة ثم إلى قباء مرحلة ثم إلى مران مرحلة ثم إلى وجرة مرحلة ثم إلى اوطاس مرحلة ثم إلى ذات عرق مرحلة وهي بتهامة ثم إلى بستان ابن عامر إلى مكة مرحلة وسنذكر هذه المراحل من هذه الحصون والقرى والأماكن في مواضعها ذكراً شافياً بحول الله.
ومن بلاد اليمامة وأعراضها حجر التي ذكرناها وبين الحضرمة وحجر مرحلتان ومعنى العرض في هذه الأرض هو وادي افنان وهو يشق اليمامة من أعلاط إلى أسفلها وعليه قرى عامرة ومزارع متصلة ونخل وحدائق أشجار.
وهذه القرى هي منفوخة ووبرة والقرفة وعبرا وبهيشة والسال والعامرية ونيسان وبرقة ضاحك وسلمية وتوضح والمقراة والمجازة.
وبين هذه القرى مسافات متقاربة لتجاورها بعضها ببعض وبين سلمية والسال مرحلة وبين السال وحضرمة اليمامة مرحلة وسلمية قرية حسنة عامرة قد أحدقت بها حدائق النخل وفيها تمور حسنة الألوان شهية المأكل وكذلك السال قرية صغيرة بها قوم من العرب مستضعفون قليلون وبها آبار وعين ماء خوارة.
ومن أراد المسير من اليمامة إلى البصرة سار من حضرمة إلى السال مرحلة ثم إلى سلمية مرحلة ثم يمر في صحراء متصلة إلى المراب وهي قرية صغيرة بها قوم من العرب ثلاث مراحل ينزل على مياه آبار في مواضع قفرة ثم يسير ثلاث مراحل أخرى إلى الصمان وهي قرية عامرة يسكنها قوم من العرب جياع عراة قد كتب الفقر لهم بأمان ومن الصمان إلى طقجة مرحلة وهي قرية صغيرة يتصل أرضها بأرض البحرين ومنها إلى المدينة المسماة كاظمة أربع مراحل وكاظمة حصن منيع على جبل عالي الذروة وهذه الأربع مراحل ينزلها المسافرون مع العرب على مياه وآبار وعيون ومن كاظمة إلى قرية دهمان مرحلة ثم إلى البصرة مرحلة فجملة هذا الطريق من اليمامة إلى البصرة خمس عشرة مرحلة ومن اليمامة إلى البحرين نحو ثلاث عشرة مرحلة وكذلك من اليمامة إلى عمان نحو ثلاث عشرة مرحلة.
ومن عمان الطريق على الساحل إلى بلاد البحرين وذلك من صحار ودما إلى مسقط إلى الخيل إلى جلفار وهاتان قريتان بهما مغايص اللؤلؤ ويقابلهما في البحر طرف جبل كبير غائص في البحر يظهر منه القليل في بعض الأماكن ويغيب في غيرها فإذا وصلت المراكب الصاعدة من البصرة إلى عمان ووصلت إلى هذا الحد فرغت في الساحل ما فيها من الأمتاع حتى تخف السفينة وتجوز ذلك الطرف ثم توسق بعد ذلك وتسير إلى عمان.
ومن جلفار وأنت نازل إلى البحرين تصير إلى مرسى السبخة وهو مرسى فيه عين نابعة عذبة ومنه إلى شقاب وبوار وبحر عويص صعب السلوك وتسمى هذه الأمكنة ببحر قطر وفي هذا البحر عدة جزائر خالية لا عامر بها يأوي إليها أجناس من الطير البحري والبري فيجتمع بها

من زبولها المقادير الكثيرة فإذا طاب ماء هذا البحر للسفر قصدت إليها المراكب فتوسق تلك الزبول التي قد كومتها الطير في تلك الجزائر وتصير بها إلى البصرة وغيرها فيببعونها هناك بالثمن الكثير وتلك الزبول تصرف في عمارات الكروم والنخل والجنات والبساتين وليس على بحر قطر ساكن ولا يأوي إليه أحد وهو مكان مخوف براً وبحراً ومنه يسار إلى مرسى المفقود وهو مرسى جليل مكن من رياح شتى وبه عين ماء غزير عذب ومنه إلى ساحل هجر وهو أول بلاد البحرين ومن ساحل هجر إلى البصرة طريق على الساحل غير معمورة وسنذكره إذا جاء موضع ذكره في الإقليم الثالث بعون الله تعالى.
وأما معدن النقرة فهو قرية كبيرة عامرة يجتمع بها حاج البصرة وحاج الكوفة ومن أراد المسير إلى المدينة سار ذات اليمين إلى الغسيلة وهو منزل فيه أعراب وبها آبار ملحة ستة وأربعين ميلاً ومنها إلى بطن نخل وهي قرية كثيرة الماء والنخل ستة وثلثون ميلاً ثم إلى الطرف وهو منزل خلا وربما قصده بعض العرب فنزله وعمره وبه برك يجتمع بها ماء السماء اثنان وعشرون ميلاً ثم إلى المدينة خمسة عشر ميلاً وأما الطريق من مكة إلى بغداذ على القريتين فسنذكره في موضعه بعد هذا بعون الله تعالى.
وأما بحر فارس فإنا قد ذكرنا أنه خليج مبدؤه من البحر الكبير الهندي وأنه يخالف سائر البحور والخلجان في بحره وموجه وفيه مما يلي شط اليمن جبلاً كسير وعوير ويحاذي هذين الجبلين المكان المسمى دردوراً ويسمى بحر موضعه بحر عزرة والدردور موضع يدور فيه الماء كالرحى دوراناً دائماً من غير فترة ولا سكون فإذا سقط إليه مركب أو غيره لم يزل يدور حتى يتلف وهذا الماء موضعه يكون في جنوب جزيرة ابن كاوان وجزيرة ابن كاوان بينها وبين جزيرة كيش اثنان وخمسون ميلاً وهو نصف مجرى وجزيرة ابن كاوان مقدارها اثنان وخمسون ميلاً في عرض تسعة أميال وأهلها شراة اباضية وفيها عمارة وزروع ونارجيل وغير ذلك وترى منها جبال اليمن وعندها الدردور المذكور وهو مضيق على مقربة من جبلي كسير وعوير تسلكه السفن الصغار ولا تسلكه السفن الصينية وهذان الجبلان غائران تحت الماء لا يظهر منها شيء والماء يكسر على أعلاهما والربانيون يعرفون مكانيهما فيجنبونهما وهذه الدردورات الثلاثة منها هذا الواحد والثاني بمقربة جزيرة قمار والدردور الثالث منها هو في آخر الصين وفيما بين سيراف ومسقط سيف بن الصفاق وهو أنف قائم في البحر وبإزائه جزيرة صغيرة.
وفي هذا البحر سمك يسمى الدفسين له رأس مربع فيه قرنان في طول الاصبع إلى الدقة ما هي وجسد هذا السمك قليل وفمه شبيه بالقمع لا يفتحه ولا يغلقه وداخل فمه شيء أشبه بالقمع أحمر غض وفي فمه شق ذو أسنان به يقطع ويبلع ويقال إن هذا السمك إذا أكله الأجذم ودام على أكله برئ من علته وهذا مشهور في أرض فارس وفي أرض كرمان.
نجز الجزء السادس من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء السابع منه إن شاء الله تعالى.
الجزء السابع
إن المدائن التي في هذا الجزء السابع من الإقليم الثاني هي كيه وكيز وأرمابيل وبند وقصرقند وفيربوز والحور وقنبلي ومنجابرى والديبل والنيرون والمنصورية ووندان وأصقفه ودزك وماسورجان وقزدار وكيزكانان وقديرا وبسمد والطويران والملتان والجندور والسندور والرور وأتري وقالري وبثرا ومسوام وسدوسان وبانيه ومامهل وكنبايه وسوباره وسندان وسيمور وأساول وفلفهره وراسك وشروسان وكوشه وكشد وسوره ومنهه ومحياك ومالون وقاليرون وبلين.
وفي بحر هذا الجزء جزيرة ثارة وجبلا كسير وعوير والدردور وجزيرة الديبل وفيها مدينة كسكهار وجزيرة اوبكين وجزيرة المند وجزيرة كولم ملى وجزيرة سندان.
وفي كل هذه الأقاليم أمم وعالم مختلفو الأديان واللباس والعادات وها نحن لكل ذلك واصفون وعنه بما صح من ذلك مخبرون وبالله التوفيق.
فنقول إن أول هذا الجزء يأخذ من شرقي البحر الفارسي.
فأما جنوبه ففيه مدينة الديبل ومدينة الديبل كثيرة الناس جدبة الأرض قليلة الخصب ليس بها شجر ولا نخل وجبالها جرد وسهولها قشفة عديمة النبات وأكثر بنيانهم بالطين والخشب وإنما سكنها أهلوها بحسب أنها فرضة لبلاد السند وغيرها وتجارات أهلها من وجوه شتى وأسباب متفرقة يتصرفون فيها.

وأيضاً أن مراكب العمانيين تقصدها بأمتعتها وبضائعها وقد ترد عليها مراكب الصين والهند بالثياب والأمتاع الصينية والأفاويه العطرية الهندية فيشترون من ذلك جزافاً لأنهم أهل يسار وأموالهم كثيرة ويمسكونا حتى إذا سارت المراكب عنهم وخلت السلع أخرجوا أمتعتهم وباعوا وسافروا إلى البلاد وقارضوا وتصرفوا في أموالهم كيف شاءوا.
وبين الديبل وموقع نهر مهران الأعظم ستة أميال في جهة المغرب منها.
ومن الديبل إلى النيرون في غربي مهران ثلاث مراحل وهي في وسط الطريق إلى المنصورة وبها يجوز نهر مهران من جاء من الديبل يريد المنصورة.
والنيرون مدينة ليست بالكبيرة ولا بالصغيرة الأهل وعليها حصن حصين وأهلها مياسير ولهم قليل شجر وفيها إلى المنصورة ثلاث مراحل وبعض مرحلة.
والمنصورة مدينة يحيط بها ذراع من نهر مهران ويبعد عنها وهي على معظم مهران من الجانب الغربي.
ومهران يأتي من منبعه حتى إذا وصل إلى مدينة قالري التي هي في غربي النهر وبينهما وبين المنصورة مرحلة انقسم قسمين وسار معظمه إلى المنصورة ومر الذراع الثاني منه آخذاً مع الشمال إلى ناحية سدوسان ثم أخذ راجعاً في جهة المغرب إلى أن يلتصق بصاحبه وهو القسم الثاني من النهر وذلك أسفل مدينة المنصورة وعلى نحو اثنى عشر ميلاً منها فيصيران واحداً ويمر منما إلى النيرون ثم إلى البحر.
ومقدار المنصورة في الطول نحو ميل في عرض ميل وهي مدينة حارة بها نخل كثير وقصب سكر وليس لهم شيء عن الفواكه إلا نوع من الثمر على قدر التفاح يسمونه الليمونه وهو حامض شديد الحموضة ولهم فاكهة أخرى تشبه الخوخ وتقاربه في الطعم.
ومدينة المنصورة محدثة بناها المنصور من بني العباس في صدر ولايته فنسبت إليها وبنا هذا الملك الملقب بالمنصور أربع مدن بأربعة طوالع وقد رأى في علمه في ذلك أنها لا تخرب أبداً وأحد هذه البلاد الأربعة بغداذ في العراق وهذه المنصورة في السند والمصيصة عل بحر الشام والرافقة بأرض الجزيرة.
والمنصورة مدينة كبيرة فيها بشر كثير وتجار مياسير وأموال ماشية وزروع وحدائق وبساتين وبناءها باللبن والآجر والجص وهي فرجة المساكن ولأهلها نزاهات وأيام راحات والتجار بها كثيرون والأسواق قائمة والأرزاق دارة وزيهم ولباس عامتهم زي العراقيين وملوكهم يتشبهون بملوك الهند في لباس القراطق وإسبال الشعور.
ودراهمهم فضة ونحاس ووزن الدرهم عندهم خمسة دراهم وربما جلبت إليهم الدراهم الطاطرية فيتعاملون بها.
ويصاد بهذه المدينة حوت كثير واللحم بها رخيص والفواكه مجلوبة إليها وبها أيضاً فواكه.
واسم المنصورة بالسندية باميرمان.
وهي والديبل والنيرون وبانية وقالري وأتري وسدوسان والجندور والسندور ومنجابرى وبسمد والملتان كل هذه المدن من السند ومحسوبة فيها.
فأما بانية فهي مدينة صغيرة كثيرة النعم رخيصة الأسعار وأهلها أخلاط ولهم رفاهة عيش ولهم كثرة خصب على أنفسهم وأكثرهم مياسير.
ومن هذه المدينة إلى المنصورية ثلاث مراحل ومنها إلى مامهل ست مراحل ومن الديبل إلى هذه المدينة مرحلتان.
ومنها إلى مامهل إلى كنبايه على البحر مفازة متصلة لا عامر بها ولا أنيس وماؤها قليل وليس لأحد بها سلوك لوحشة أرضها وبعد أقطارها.
ومدينة مامهل هي بين الهند والسند.
وفي أطراف هذه المفازة قوم يسمون المند والمند قوم رحالة ينتجعون إلى أطراف هذه المفازة وتتصل مراعيهم وجولانهم إلى مامهل وهم قوم عددهم كثير وجمعهم غزير ولهم إبل وأغنام وقد ينتهون في أكثر الأوقات في مسارحهم إلى الرور على شط نهر مهران وربما زادوا فوصلوا قرب حدود مكران.
والرور مدينة حسنة كثيرة الناس حفيلة كثيرة الجمع عامرة الأسواق نافقة التجارات وهي حصينة عليها سوران ويمر النهر بها من جهة المغرب وأهلها في رفاهة وخصب عيش وهي في قدرها تضاهي الملتان.
ومن الرور إلى بسمد ثلاث مراحل وكذلك من الرور أيضاً إلى أتري أربع مراحل.
وتصل بمدينة أتري مدينة قالري وبينهما مرحلتان.
ومدينة قالري على شط نهر مهران السند وفي غربيه وهي مدينة حسنة حصينة محاصنها ظاهرة وخيراتها وافرة ومتاجرها رابحة.

وعلى قرب منها بجهة الغرب ينقسم نهر مهران قسمين فيمر معظمه غرباً حتى يصل ظهر المدينة المسماة بالمنصورة وهي في غربيه وينزل القسم الثاني مع الشمال وأكثره في جهة المغرب ثم يمر آخذاً في جهة الشمال ثم في جهة الغرب حتى يتصل بصاحبه أسفل المنصورة على نحو اثني عشر ميلاً.
ومدينة قالري مدينة متنحية عن الطريق وقاصدها كثير لحسن معاملات أهلها ومنها إلى المنصورة مرحلة كبيرة يكون عدد أميالها أربعين ميلاً ومن قالري إلى مدينة شروسان ثلاث مراحل.
ومدينة شروسان جليلة المقدار كثيرة العيون والأنهار أسعارها رخيصة ونعمها ممكنة وأهلها كفاف مال وتجارتهم حسنة والقاصد إليهم كثير والبضائع عندهم نافقة.
ومنها إلى مدينة منجابري ثلاث مراحل غرباً ومدينة منجابرى مدينة في وطاء من الأرض حسنة البناء بهيجة الأرجاء ولها مزارع وبها جنات وشرب أهلها من العيون والأنهار ومن هذه المدينة إلى مدينة فيربوز ست مراحل وكذلك من مدينة منجابري إلى الديبل مرحلتان والطريق من الديبل إلى فيربوز على منجابري.
وبين فيربوز ومنجابري مدينة تسمى الحور وهي مدينة صغيرة عامرة.
وأما مدينة فيربوز فمدينة عامرة بالناس والتجار وأهلها أصحاب أموال وفيهم حسن معاملة وسلامة واجتناب الريب وهم في ذاتهم أعفاء نبلاء ومدينة فيربوز من بلاد مكران.
ومن مدنها أيضاً كيز ودزك وراسك وهي مدينة الخروج ومدينة به وبند وقصرقند وأصقفه وفلفهره ومشكى والتيز والبلين وهذه كلها من مدن مكران وهي بلاد متصلة ونواح واسعة عريضة والغالب عليها المفاوز والقحط والضيق.
وأكبر مدنها مدينة كيز وهي تقارب الملتان في مقدارها وبها نخيل كثير ومزارع متصلة وأسعار موافقة وتجارات كثيرة.
وبقربها في جهة المغرب مدينة التيز والتيز على البحر مدينة صغيرة مشهورة عامرة تقصدها مراكب فارس ويسافر إليها من مدينة عمان ومن جزيرة كيش في وسط بحر فارس إليها نحو مجرى وافر ومن التيز إلى كيز نحو من خمس مراحل ومن كيز إلى فيربوز مرحلتان كبيرتان.
وبين مدينة كيز ومدينة أرمابيل إقليمان متجاوران يسمى أحدهما الراهون والآخر كلوان فأما كلوان فهي من مكران وتنضم إلى أعمالها والإقليم الثاني المسمى بالراهون من حد المنصورة وهذان الإقليمان بهما زروع كثيرة ومكاسب جليلة وثمارهما قليلة وإنما عمدة أهلهما على المواشي من الأبقار والأغنام.
ومن أراد النهوض من فيربوز إلى أرض مكران فطريقه على كيز ومن مدينة كيز إلى مدينة أرمابيل من مكران مرحلتان.
وهي مدينة على قدر فيربوز أو نحوها وبها عمارات وحدائق ومتنزهات وأهلها مياسير.
ومن مدينة أرمابيل إلى مدينة قنبلي مرحلتان ومدينة قنبلي تقابل أرمابيل في القدر وحسن المباني وكثرة العمارات واتساع الأحوال والمال وبين قنبلي والبحر نحو ميل ونصف ميل وأرمابيل وقنبلي مكانهما بين الديبل ومكران.
ومن مدينة فيربور إلى دزك ثلاث مراحل ودزك مدينة جليلة كبيرة عامرة وبها تجارات كثيرة وبضائع نافقة وأقاليم متصلة وشرب أهلها من عيون وآبار وفي جهة الغرب مائلاً مع الجنوب جبل كبير منيع ويسمى الجبل الملح وإنما سمى بذلك لأن أكثر مياهه ملحة وبه عمارات وقرى. ومن دزك إلى راسك ثلاث مراحل ومدينة راسك أهلها خوارج ولها إقليمان يدعى أحدهما الخروج والثاني يدعى كيركايان وبهذه المدينة وأقاليمها قصب السكر كثير والفانيذ يعمل بها كثيراً ويتجهز به إلى سائر الآفاق.
وقد يعمل بناحية ما سكان أيضاً سكر كثير وفانيذ وكذلك إقليم قصران يزرع به قصب السكر كثيراً فيحمل منه السكر والفانيذ كثيراً شرقاً وغرباً وقصران وفاسكان يجاوران الطويران وعامة أهلها والغالب عليهما الشراة.
ويتصل بنواحي كرمان مدينة مشكي وهي عامرة بالناس وفي أهلها منعة وشدة بأس وبها نخل وزروع وإبل وجمل من الفواكه الصرودية.
ولسان أهل مكران فارسي ومكراني وبهما يتكلموق ولباس عامتهم القراطق ولباس التجار والجلة منهم القمص المكممة والأردية ويتعممون بالفوط والمناديل المصفحة بالذهب مثل زي تجار أهل العراق وفارس.
ومن بلاد مكران مدينة فلفهرة وأصقفه وبند وقصرقند وهذه البلاد كلها بلاد تتقارب في القدر وتشتبه أحوال أهلها وبها تجارات وعمارات ومقاصد رابحة.

ومن فلفهرة إلى راسك مرحلتان ومن فلفهرة إلى أصقفه مرحلتان ومن أصقفه إلى بند مرحلة غرباً ومن أصقفه إلى دزك ثلاث مراحل ومن بند إلى قصرقند مرحلة ومن قصرقند إلى كيه أربع مراحل.
ومن المنصورة إلى مدينة طويران نحو خمس عشرة مرحلة والطويران مدينة مجاورة للفهرج من بلاد كرمان.
والطويران واد فيه مزارع وعمارات وقصبته تدعى طويران منسوبة إلى الوادي وهي مدينة حصينة لها فرج ومتنزهات وزراعات متصلات.
ومنها إلى قزدار أربع مراحل وهي مدينة عامرة كبيرة صالحة القدر بها أسواق وتجارات وأحوال حسنة ولها أقاليم وقرى عامرة.
وبغربيها مدينة كيزكانان وبها ينزل والي الطويران ومدينة كيزكانان متحضرة كثيرة الناس رخيصة الأسعار ولها بساتين وحدائق وأعناب وفواكه ولا نخل بها.
ومن مدينة الطويران إلى مدينة مستنج في وسط المفازة ثلاث مراحل وهي مدينة صغيرة قليلة الفواكه كثيرة نتاج الإبل والأغنام.
ومنها إلى مدينة الملتان في آخر بلاد السند عشر مراحل ومدينة الملتان مجاورة لبلاد الهند وهي مدينة نحو المنصورة في الكبر وبعض الناس يجعلها من بلاد الهند وتسمى فرج بيت الذهب.
وبها صنم يعظمه أهل الهند ويحجون إليه من أقاصي بلدانها ويتصدقون عليه بأموال جمة وحلي كثير وطيب وشيء يقصر الوصف عنه تعظيماً له وإجلالاً وله خدام وعباد يأوون إليه وينفقون ويلبسون من ماله المتصدق به عليه.
وسميت الملتان باسم الصنم.
والصنم على صورة الإنسان مربع على كرسي من جص وآجر قد البس جميع جسده جلداً يشبه السختيان أحمر لا يتبين من جسده شيء إلا عيناه فمنهم من يزعم أن بدنه من خشب ومنهم من يدفع ذلك القول عنه وينكره غير أنه لا يترك بدنه مكشوفاً وعيناه جوهرتان وعلى رأسه إكليل من ذهب مرصع والصنم قد تربع ومد ذراعيه على ركبتيه كأنه يحسب أربعة وهو معظم عندهم جداً.
وبيت هذا الصنم في وسط الملتان وبأعمر سوق فيها وهي قبة عظيمة مزخرفة منمقة قد أتقن بنيانها وشيدت عمدها ولونت صنعها وأوثقت أبوابها والصنم فيها.
وحول القبة بيوت مبنية يسكنها خدام هذا الصنم ومن يعتكف عليه.
وليس بالملتان من الهند والسند قوم يعبدون الأوثان إلا هولاء الذين في هذا القصر مع هذا الصنم وغير ذلك من أهل الهند والسند إنما يحجون إليه تعظيماً له ولما عاينوه من أمره وذلك أن ملوك الهند المجاورون الملتان إذا قصدوا إليها وأرادوا خربها وانتزاع هذا الصنم منها تبادر خدامه فأخفوا الصنم وأظهروا كسره وإحراقه فيرجع القاصدون إليها عن خربها ولولا ذلك لخربت الملتان فيقول المضلون بهذا الصنم إنه نصرة الله في هذا المكان فيعظمونه تعظيماً كثيراً.
ولا يعرف من صنع هذا الصنم ولا يحدون لصنعه أولاً وهو غريب.
والملتان مدينة كبيرة عامرة عليها حصن منيع ولها أربعة أبواب وبخارجها خندق محفور ونعمها كثيرة وأسعارها رخيصة ولأهلها أموال طائلة.
وإنما سميت الملتان فرج بيت الذهب لأن محمد بن يوسف أخا الحجاج أصاب بها أربعين بهار ذهب والبهار ثلاث مائة وثلاثة وثلاثون مناً وكلها في بيت فسميت بذلك فرج الذهب والفرج الثغر.
وللملتان نهر صغير عليه أرحاء ومزارع ويصب في نهر مهران السند.
ومنها إلى جندور وهي قصور مجتمعة ميل ونصف وهذه القصور محكمة البناء شاهقة الذرى وتخترقها مياه عذبة كثيرة.
والوالي ينزلها في أيام الربيع وفي أيام فرجه وحكل الحوقلي أن والي هذه المدينة كان على عهده ير كب من هذه القصور إلى الملتان في يوم كل جمعة على فيل له سيرة متوارثة عن آبائه.
والغالب على أهل الملتان أنهم مسلمون والحكم فيها للإسلام ورئيسهم مسلم.
وبجهة الجنوب من مدينة الملتان إلى مدينة الندور ثلاثة أيام وهي مدينة عامرة جامعة للخيرات مشهورة البركات وبها تجار وناس نظاف ولباسهم الثياب المحكمة وزيهم حسن ومعايشهم خصبة ويقال إنها من بلاد الهند.
وهي على ضفة نهر عذب يمد نهر مهران ويفرغ فيه قبل أن يتصل بسمد وبعد الملتان.
ومن مدينة الملتان إلى جهة الشمال برية متصلة بشرقي الطويران.

ومنها أيضاً إلى حد المنصورة قوم رحالة يسمون البدهة وهم قبائل وبشر كثير متفرقون متقلبون ما بين حدود الطويران ومكران والملتان ومدن المنصورة وهم كالبادية من البربر لهم أخصاص وآجام يأوون إليها وبطائح مياه يعيشون فيها وهي في غربي نهر مهران.
ولهم إبل فارهة حسنة وبها تنتج الفالج وهي إبل يرغب فيها أهل خراسان وغيرهم من أهل فارس وأشباهها لنتاج البخت البلخية والنوق السمرقندية وذلك أن هذه الجمال لها خلق حسان ولكل بختي منها سنامان بخلاف هذه الإبل التي عندنا في بلادنا.
ومن المنصورة إلى أول حدود البدهة ست مراحل ومن آخر حدود البدهة إلى مدينة كيز نحو عشر مراحل ومن أول البدهة إلى التيز التي بآخر مكران ست عشرة مرحلة.
والمدينة التي يلجأ إليها أهل البدهة في بيعهم وشرائهم وقضاء حوائجهم مدينة قندابيل.
وبين كيزكانان وقندابيل إقليم يعرف بإيل وفيه مسلمون وغيرهم من البدهة المقدم ذكرهم ولهم غلات وزروع وأحوال واسعة وكروم مثمرة وخصب وإبل وغنم وبقر وإنما سمي هذا الإقليم بإيل لأنه تغلب على هذه الناحية رجل كان اسمه إيلا وظهرت البركة فيهم أيام مدته فسموا هذا الإقليم بإيل على اسمه إلى الآن.
ومن قندابيل إلى المنصورة نحو عشر مراحل.
ومن بلاد السند أيضاً مدينة خوكخليا وكوشه وقديرا وهما مدينتان مكاربتان في القدر وبهما عمارات ومتاجر للبدهة.
ومن مدن الطويران محياك وكيزكانان وسورة وقزدار وكشدان وماسورجان.
وبين مدن الطويران إلى بلاد المنصورة مفاوز وبرار متصلة ومنها أيضاً في جهة الشمال إلى ناحية سجستان مفاوز وعشار معطلة متصلة ومدينة ماسورجان مدينة كبيرة عامرة بها متاجر ومكاسب ولها عمارات وقرى كثيرة وهي على نهر الطويران.
ومنها إلى قصبة الطويران اثنان وأربعون ميلاً.
ومن ماسورجان إلى درك يامونه مائة وأحد وأربعون ميلاً.
ومن درك يامونه إلى فيربوز ويقال فيربوس بالسين مائة ميل وخمسة وسبعون ميلاً.
فهذه جملة بلاد مكران والسند والطويران.
وكذلك من الطويران إلى المنصورة ألف ميل وسبعون ميلاً.
فأما ما اتصل بالسند من بلاد الهند فمدينة مامهل وكنباية وصوبارة وخابيرون وسندان وماسويا وصيمور.
ولها من الجزائر البحرية أوبكين وجزيرة المند وجزيرة كولم ملى وجزيرة سندان.
ومدن الهند كثيرة منها مامهل وكنباية وموبارة وأساول وجنارل وسندان وصيمور والجندور والسندور وزويلة في المفازة ولمطة وأودغست ونهروارة ولهاور وغيرها مما سنأتي بذكره في أمكنته بعون الله تعالى.
فأما مدينة مامهل فقوم يحسبونها من الهند وقوم يجعلونها من السند وهي على رأس المفازة المتصلة بينها وبين كنباية والديبل وبانيه.
وهي مدينة جامعة عامرة وهي طريق الداخلين من السند إلى بلاد الهند وبها تجارات وحولها عمارات وهي قليلة الفواكه كثيرة الكسب والمواشي ومنها إلى المنصورة تسع مراحل على مدينة بانيه.
ومن مامهل إلى مدينة كنباية خمس مراحل ومدينة كنباية على ثلاثة أميال من البحر وهي في ذاتها حسنة الشكل وبها الإقلاع والحط وبها جمل بضائع وتجارات من كل الآفاق ويخرج منها إلى كل الجهات.
وهي أيضاً على خور تدخله المراكب وترسي به وماؤها كثير.
وعلى هذه المدينة حصن منيع بنته ولاة الهند عند ما تغلب عليها صاحب جزيرة كيش.
ومن مدينة كنباية في البحر إلى جزيرة أوبكين مجرى ونصف.
وكذلك من جزيرة أوبكين إلى جزيرة الديبل مجريان وهي أول بلاد الهند وينبت في أرضها الزروع والأرز وفي جبالها تنبت القنا الهندية وأهلها عباد بدود.
ومنها إلى جزيرة المند ستة أميال وأهلها لصوص.
وفها إلى كولي ستة أميال.
ومن كولي على الساحل إلى مدينة سوبارة نحو خمس مراحل وهي تبعد عن البحر نحو ميل ونصف وهي مدينة متحضرة عامرة كثيرة الساكن ولها تجارات ومرافق وهي فرضة من فرض البحر الهندي وبها مصائد ومغايص اللؤلؤ.
وعليها جزيرة ثارة وهي صغيرة وفيها قليل نارجيل وقسط.
ومن مدينة سوبارة إلى مدينة سندان نحو خمس مراحل وبينها وبين البحر ميل ونصف ميل وهي مدينة متحضرة الأهل وسكانها أهل حذق ونبالة وهم تجار مياسير متجولون وهي كبيرة القدر والمسافر إليها كثير والخارج عنها كثير.

وفي جانب الشرق منها جزيرة تسمى بها وتنسب إليها وهذه الجزيرة واسعة القطر كثيرة الزرع والنخل والنارجيل وبها تنبت القنا والخيزران وهي في عداد بلاد الهند.
ومن مدينة سندان إلى صيمور خمس مراحل وصيمور مدينة واسعة حسنة جليلة المباني حسنة الجهات وبها نارجيل كثير وقنا وبجبالها كثير من النبات العطر المحمول إلى سائر الآفاق.
وفي البحر منها على خمسة أيام جزيرة تسمى ملي وهي جزيرة كبيرة حسنة البقاع قليلة الجبال كثيرة النبات وبجزيرة ملي ينبت شجر الفلفل ولا يكون إلا بها أو بفدرينة أو بجرباتن ولا يوجد منه شيء إلا بهذه البلاد الثلاثة.
وهو نبات له ساق أشبه شيء بساق شجرة العريش وورقه كورق النبات اللبلاب فيه طول ولا تشريف له وله عناقيد مثل عناقيد الشبوقة وكل عنقود منها تكنه ورقه من المطر ويجنى إذا بلغ والفلفل الأبيض منه هو ما كان جنى منه في أول بلوغه وقبل ذلك.
وحكى ابن خرداذبه أن هذه العناقيد إذا كان المطر انحنت ورقاتها عليها وأكنتها من المطر فإذا ارتفع المطر ارتفعت الورقة عن العناقيد فما تعاودها إلا في حين المطر فإن عاد المطر عادت الورقة عليها وهذا غريب.
وأما كنباية وسوبارة وسندان وصيمور فكلها من بلاد الهند.
وصيمور بلدة من بلاد الملك المسمى بلهرا.
وملكه عظيم وبلاده واسعة العمارات كثيرة التجارات جامعة الخيرات وجباياته وافرة وأمواله مقنطرة وببلاده أيضاً أنواع وصنوف من أفاويه العطر.
وتفسير بلهرا مالك الملوك وهذا الاسم يتوارثه الملوك المستأخذة عن الملوك الماضية وكذلك سائر الملوك بالهند إذا صار الملك لملك منهم تسمى باسم الملك الذي كان قبله وأسماؤهم متوارثة بينهم لا ينتقلون عنها وقد صار ذلك بينهم سيرة يتبعونها.
وكذلك أيضاً ملوك النوبة وملوك الزنج وملوك غانة وملوك الفرس وملوك الروم يتوارثون الأسماء وقد ذكر أبو القاسم عبيد الله بن خرداذبه في كتابه من هذا ما يجب ذكره في هذا المكان الذي بدأنا به فقال إن للملوك ألقاباً متوارثة بينهم مثل ملوك الصين لا يسمى أحد منهم إلا البغبوغ والبغبون أيضاً بالنون من آلاف السنين إلى اليوم أمم توورث وتدول بين الصينيين.
ومن ملوك الهند بلهرا وجابة والطافن والجرز وعابة ودمى وقامرون وكل واحد من هذه الأسماء لا يسمى بها إلا ملك يملك بلاداً وناحية لا يشركه في ذلك الاسم مشارك ولا ينتقل عنه وإنما يسمى بذلك الاسم من ملك ذلك المكان بعينه.
وكذلك ملوك الترك والتبت والخزر أسماؤهم خاقان إلا الخرلخ فإنه يسمى جبغويه وهو اسم متوارث يسمى به من ملك ترك الخرلخ وكذلك ملوك الزابج يسمى الملك فيهم الفنجب اسماً متوارثاً.
وملوك الروم يسمون بالقياصرة وقيصر اسم متوارث واقع بمن ملك الرومية كلها والأغزاز يسمى ملكها بشاه شاه أي ملك الملوك وهو اسم يتوارثه ملوكهم بينهم لا ينتقلون عنه وكذلك الفرس تسمى ملوكهم بالأكاسرة وأما السودان فإنما تنسب ملوكها إلى بلادها فاسم صاحب غانة غانة وملك كوغة اسمه كوغة وفيما جئنا به من هذا الفن إقناع وكفاية.
ومن بلاد الهند المضمنة في هذا الجزء خابيرون وأساول وهما مدينتان عامرتان بالناس والتجار والفعلة وأموالهم وافرة وصنعهم حسنة وبضاعاتهم نافقه.
وقد وصل المسلمون إلى أكثر هذه البلاد وتغلبوا على أطرافها في هذا الوقت وسنذكر ما اتصل بهذه البلاد من غيرها بحول الله وقوته.
نجز الجزء السابع من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء الثامن منه إن شاء الله تعالى.
الجزء الثامن
إن هذا الجزء الثامن من الإقليم الثاني تضمن في حصته من البلاد الهندية بلاداً ساحلية على بحر الهند.
منها بروج وسندابور وتانه وفندرينه وجرباتن وكلكيان وضنجى وكلكسار ولولوا وكنجه وسمندر.
ومن البلاد البرية مدينة دولقه وجناول ونهروارة والقندهار وزويلة ولمطة وأودغست وكل هذه على رأس المفازة وكابل وخراش وحسك وموريدس وماديار وتته ودده ومنيبار ومالوه ونياست وأطراسا ونجه وقشمير السفلى وميدره وكارموت وقشمير العليا والقنوج وأسناند.
وفي بحره من الجزائر الهندية جزيرة ملي وجزيرة بليق وتروي بليخ وجزيرة المسخا وجزيرة سمندر وها نحن لأوصافها ذاكرون ولغرائب احتوائها واصفون بمن الله وقوته.

فأما مدينة بروج فإنها مدينة كبيرة جليلة جميلة حسنة البناء بناؤها بالآجر والجص ولأهلها همم عالية وأحوال وافرة وأموال صامتة وتجارات معروفة وهم وقف على الإغتراب والجول وكثرة الأسفار وهي فرضه من جاء من الصين وفرضة لمن جاء من الهند ومنها إلى صيمور يومان.
ومن بروج إلى مدينة نهروارة ثماني مراحل في بر متصل لا جبل به والسفر بينهما يكون على العجل.
وليست ببلاد نهروارة كلها ولا ما جاورها من البلاد للمسافرن سفر إلا على العجل يحملون عليها أمتعتهم والبقر تجرها وتسير بهم حيث شاؤوا ولكل عجلة سائق وقائد.
وبين بروج ونهروارة مدينتان اسم إحداهما جناول واسم الثانية دولقه وهما متقاربتان في القدر وبين الواحدة والأخرى أشف من مرحلة.
ومدينة دولقه على نهر يصل إلى البحر ويكون خوراً وعلى غربيه مدينة بروج وتروي بروص.
وجناول ودولقه في أسفل جبل معترض من جهة شمالهما يسمى جبل أوندرن وترابه أبيض إلى الصفرة وينبت فيه القنا وقليل نارجيل.
وبالقرب من مدينة جناول مدينة أساول.
وكل هذه الثلاثة بلاد يشبه بعضها بعضاً في الصفات والقدر وأحوال أهلها واشتباه زيهم ولكل واحدة منها تجارات ومقاصد أرباح ممكنة.
فأما مدينة نهروارة فملكها ملك عظيم يسمى بلهرا وله جيوش وفيلة وعبادته صنم البد وهو يحمل تاج الذهب على رأسه ويلبس الحلل المنسوجة من الذهب ويركب الخيل في سائر الأيام.
وقد يركب في كل جمعة مرة ويركب حوله نحو مائة امرأة ولا يمشي معه أحد سواهن وقد لبسن القراطق المذهبة وتحلين بأحسن الحلية واحتملن الأساور من الذهب والفضة في أيديهن وأرجلهن واسبلن شعورهن على أردافهن وهن يتلاعبن ويتدافعن والملك يقدمهن وأما جملة وزرائه وعظماء رجاله فلا يركبون معه إلا إذا خرج محارباً لمن قام عليه أو لمن اهتضم شيئاً من عمالاته أو إلى من قصد بلاده من الملوك المجاورين له وله من الفيلة كثير وهي عمدة حربه.
وهذا الملك متوارث الذات والاسم لا ينتقل عنهم وبلهرا تفسيره ملك الملوك كما قدمناه.
ومدينة نهروارة يصلها كثير من تجار المسلمين وبها تجولهم وللمسافرين بها إكرام من ملكها وضبط لما بأيديهم.
وبسط العدل في أهل الهند طبيعة هؤلاء لا يعولون شيء سواه ولفضل عدالتهم وحفظ عقودهم وحسن سيرهم ذكروا أنهم وجملة أهل تلك البلاد في خير وكثر.
القاصد إليهم وبلادهم عامرة وأحوالهم راجحة وادعة.
ومن انقياد عوامها للحق وأتباعهم له وكراهتهم للباطل أن الرجل يكون له عند أحد منهم حق فيلقاه حيث ما لقيه فيخط له خطا في الأرض كالحلقة ويدخله الطالب في تلك الحلقة فيدخلها المطلوب طائعاً من ذاته ولا يبرح منها إلا بإنصاف عنه وأداء ما لزمه أو يعفو عنه الذي له الحق فيخرج عن الحلقة.
وطعام أهل نهروارة الأرز والحمص والباقلي واللوبيا والعدس والماش والسمك والحيوانات التي تموت موتا طبيعياً.
ولا يذبحون طائراً ولا حيواناً لا كبيراً ولا صغيراً وأما البقر فإنها محرمة عندهم البتة فإذا ماتت دفنت وهذا فعلهم في البقر خاصة دون سائر البهائم وإذا ضعفت البقر عن الخدمة والتصرف رفعت عن التعب وأمر بالنظر إليها وبالعلف من غير أن تستخدم ظهورها إلى أن تموت.
وأهل الهند يحرقون موتاهم ولا قبور لم.
وإذا مات الملك صنعت له عجلة على قدره عريضة ارتفاعها عن الأرض مقدار شبرين أو نحوهما وتوضع على الحجلة قبة مكللة ويوضع الملك بحلية كفنه على تلك العجلة ويطاف به على المدينة كلها يجره عبيده ورأسه مكشوف لمن يراه وشعره ينجر على تراب الأرض وينادي على مناد بلسان الهندية بكلام تفسره بالعربية أيها الناس هذا ملككم فلان بن فلان عاش في ملكه فارحا قادرا كذا وكذا سنة وها هو قد مات وفتح يده بما معه لا يملك من ملكه شيئا ولا يدفع عن جسمه أذى ففكروا فيما أنتم إليه صائرون وإليه راجعون وكل هذا باللغة الهندية فإذا فرغ من الطواف به أخرج إلى مكان النار التي من عاداتهم أن يحرقوا بها موتى ملوكهم فيلقونه في النار حتى يحترق.
وأهل الهند لا يحزنون كثيرا ولا يقولون بالهموم جملة.
وجملة البلاد الهندية المجاورة للسند الذين قد مازجهم المسلمون يدفنون موتاهم في بيوتهم بالليل تسترا ويسوون التراب عليهم ولا يبكون ميتا ولا يحزنون عليه كثرا كما قدمناه.

والزنا في جميع بلاد بلهرا مباح إلا في المزوجات.
والرجل إن ارتضى نكاح بنته أو أخته أو خالته أو عمته ما لم تكن مزوجات فعل ذلك والأخ يفعل بأخته مثل ذلك.
ويقابل مدينة بروج الساحلية في البحر جزيرة ملي وفيها الفلفل كثيرا.
ومنها إلى جزيرة سندان مجريان.
ومن هذه الجزيرة إلى جزيرة بليق يومان: هي جزيرة عامرة كبيرة بها نارجيل كثير وموز. وأرز وبها تفترق الطرق إلى جزائر الهند ومن هذه الجزيرة ومن هذه الجزيرة إلى اللجة العظمى مسيرة يومين ومن هذه الجزيرة أيضا إلى جزيرة سرنديب مجرى وزائد.
ومن مدينة بروج الساحل إلى مدينة سندابور وهو أربع ومدينة سندابور على خور كبير ترسى به المراكب وهي مدينة تجارات وبها عمارات ومقاصد أرزاق.
ومنها إلى مدينة تانه على الساحل أربعة أيام ومدينه تانه مدينة جليلة على ضفة خور كبير تدخله السفن وتحط به الأرحال.
وبجبالها وأرضها تنبت القنا والطباشير يتخذ فيها من أصول القنا ومنها يحمل إلى سائر البلاد من المشارف والمغارب.
والطباشير يغش بعظام الفيل المحرقة والصافي منه ما كان من أصول هذا القصب الهندي الشركي كما ذكرناه.
ومن تانه إلى مدينة فندرينه على الساحل أربع مراحل ومدينة فندرينة على خور واد يأتي من ناحية منيبار وتحط به مراكب التجار من جزائر الهند ومراكب السند أيضا ولأهلها أموال ياسرة وأسواق عامرة ومتاجر ومكاسب.
وبشمال هذه المدينة وعليها جبل كبير سامي العلو كثير الشجر عامر بالقرى المواشي وتنبت في حوافيه القاقلة ومنها تحمل إلى سائر أقطار الأرض.
ونبات القاقلة تكون أشبه الأشياء بنبات الشهدانج ولها مزاود فيها بزرها.
ومن مدينة فندرينة إلى جرباتن خمس مراحل وهي مدينة عامرة على خور صغير وهي بلد أرز كثير وحبوب كثيرة ويذكر أن منها ميرة سرنديب وينبت بجبالها شجر الفلفل كثيرا.
ومن جرباتن إلى ضنجى وكلكسار مسير يومين وهما مدينتان على البحر عامرتان متقاربتان وفيهما أرز وحبوب كثيرة ومنها إلى كلكيان يوم.
ومن كلكيان إلى اللولوا وكنجة مسيرة يومين وفيهما أرز وحنطة وينبت بأرضهما البقم كثيراً و نبات البقم شبيه بنبات الدفلى وبها نارجيل وفاكهة كثيرة.
ومن كنجه إلى مدينة سمندر ثلاثون ميلا.
وهي مدينة واسعه المتاجر كثيرة المنافع لأهلها بضائع وأموال كثيرة والإقلاع منها والحط بها كثير وهي من أعمال القنوج وهو ملك تلك البلاد.
وهي أيضا على خور يصل إلها من مدينة قشمير.
وفي هذه المدينة حبوب وأرز كثير وحنطة ممكنة ويحمل إليها العود من مسيره خسة عشر يوما في ماء عذب من بلاد كارموت وهناك منابت عود جيد طيب في بخوره ويجلب هناك من جبال قامرون.
ولهذه المدينة جزيرة كبيرة تسامتها وبينهما مجرى ساعة وهذه الجزيرة عامرة بالناس والتجار من كل الآفاق رمنها إلى جزيرة سرنديب أربعة مجار.
وبالشمال من مدينة سمندر مدينة قشمير الداخلة وبينهما سبع مراحل ومدينة قشمير مدينة مشهورة بين بلاد الهند في طاعة الملك القنوج وكذلك من قشمير إلى كارموت أربع مراحل ومن مدينة قشمير الداخلة إلى القنوج نحو سبع مراحل وهي مدينة كبيرة حسنة كثيرة التجارات وبها يسمى الملك المسمى القنوج.
وهي على نهر كبير يمد نهر مسلى بالهند ونهر مسلى ذكره صاحب كتاب العجائب فقال هو النهر المسمى نهر الطيب ومخرجه من جبال قامرون ويمر بركن مدينة اسناند ثم يمر حتى ينتهي إلى سفح جبل لونيا فيمر من تحته إلى ركن مدينة كليكان ويصب في البحر وينبت بضفتي هذا النهر أنواع من الطيب وبذلك سمي.
ومن مدينة أسناند إلى مدينة قشمير الخارجة أربع مراحل وقشمير مدينة من مدن الهند المشهورة.
وأهلها يحاربون كافر ترك وربما بلغت مضرة الترك الخرلخية إليها.
ومن مدن القنوج مدينه أطراسا وبينها وبين مدينة. قشمير الخارجة ست مراحل وهي مدينة على نهر جنجس الهند وهي حسنة كثيرة المباني كثيرة المياه وهي ثغر من ثغور القنوج تتاخم كابل إلى أرض لهاور.
وهذا الملك القنوج كثير الرجال والفيلة عظيم المملكة شامخ الملك وليس في ملوك الهند البرية ملك عنده من الفيلة ما عنده منها وله همة عالية وعنده عدد وأسلحة وأموال وسطوته مهابة على من يليه.

ومن مدينة أطراسا إلى مدينة نياست خمس مراحل وهي على نهر جنجس الهند وهي مدينة عامرة كثيرة الساكن بها وبها حنطة وأرز وحبوب كثيرة.
ومنها إلى مدينة ماديار على ضفة جنجس سبع مراحل ومدينة ماديار واسعة العمارات كثيرة القرى والديار وبها تجارات وأهلها أصحاب أموال طائلة.
ومنها إلى مدينة نهروارة سبع مراحل ونهروارة في غرب نهر جنجس وقد سبق ذكرها.
ومن مدينة ماديار المذكورة إلى مدينة مالوه خمس مراحل ومالوه مدينة حسنة كثيرة الوارد والصادر ولها قرى وعمارات وعمالات.
ومن مدنها مدينتا دده وتته.
وبين مالوه ودده أربع مراحل وبين دده وتته مرحلتان.
ولهاور أرض هذه البلاد المذكورة.
وكذلك من موريدس إلى دده ثلاث مراحل ومدينة موريدس حصينة الحصن عامرة الأهل بها تجار وجيوش تحرس ثغر كابل.
وهي في حضيض جبل عظيم صعب الصعود إلى أعلاه وتنبت به قنا كثيرة وخيزران.
ومن مدينة موريدس إلى مدينة القندهار ثماني مراحل وهي في بعض الجبل الذي قدمنا ذكره والطريق بينهما مع ذيله.
ومدينة القندهار مدينة كبيرة القطر كثيرة الخلق وهم قوم يمتازون بلحاهم عن غيرهم وذلك أنهم يتركون لحاكم تطول حتى يصل الأكثر من لحاهم إلى الركب ودونها وهي عراض كثيرة الشعر ووجوههم مدورة والمثل يضرب بهم بكبر لحاهم وطولها وزيهم زي الأتراك وعندهم وفي بلدهم حنطة وأرز وحبوب وأغنام وأبقار.
وهم يأكلون الأغنام الميتة ولا يأكلون البقر البتة كما قد ذكرناه قبل هذا.
ومن مدينة القندهار إلى مدينة نهروارة خمس مراحل بسير العجل وأهل القندهار يحاربون ملك كابل.
وكابل من مدن الهند المجاورة لبلاد طخارستان وهي مدينة جليلة المقدار حسنة البنية: بجبالها عود جيد وبها النارجيل والإهليلج الكابلي المنسوب إليها وينبت في جبالها ويزرع بأباطحها بصل الزعفران ويرفع منه بها الكثير ويتجهز به منها إلى ما جاورها من البلاد وحي من غرر البلاد وأحسنها هواء وبها حصن موصوف بالتحصن ولا يوجد الصعود إليه إلا من طريق واحد وفيها مسلمون كثيرون ولها ربض فيه الكفار من اليهود.
ولا يتم لملك من ملوك الشاهية عقد بيعة إلا بمدينة كابل يعقد بها عليه شروط قديمة تتم بها البيعة والقصد إليها من الآفاق القريبة والبعيدة.
ويزرع بسواد أرض كابل كلها النيلج الذي لا يوجد نظيره في سائر البلاد المحيطة بها كثرة وطيبا ويحمل منها إلى كل الآفاق ويعرف بها.
ويتجهز أيضا من مدينة كابل بثياب تصنع من القطن حسان تحمل إلى الصين تخرج إلى بلاد خراسان وقد يسافر بها إلى السند وأعمالها ويتصرف بها كثير.
وفي جبال كابل معادن حديد مشهورة كثيرة النفع وحديدها قاطع حسن.
ولكابل بلاد كثيرة منها أرزلان وخواش وخير ولها قلاع وقرى وعمارات متصلة.
ومن مدينة كابل إلى أربع مراحل.
ومن خواش إلى حسك خمس مراحل ومن حسك إلى كابل ثلاث مراحل.
وهذه البلاد متساوية المقادير وبها متاجر ومتصرفات.
ومن مدينة كابل إلى مدينة لمطة أربع مراحل ومدينتا لمطة وزويلة هما على طرف المفازة المتصلة بين الملتان وبلاد سجستان.
ولمطة وزويلة بلدان قدرهما قدر متوسط وبهما جمل الناس من السندية وبعض أهل الهند وقليل من أهل سجستان وبهما مزارع حنطة أرز وقليل فواكه وشرب أهل هذه البلاد من عيون وأنهار صغار وجباب وآبار ويعمل بها ثياب قطن حلوة يتجهز بها منها إلى ما جاورها من البلاد.
ومن البلاد التي بشرقي الملتان مدينة أودغست ومنها إلى القندهار أربع مراحل ومن أودغست أيضا إلى الملتان أربع مراحل وبأودغست ينبت شيء من القنا وأهلها قليلو التجارات والتصرف في الأسفار لكن أهلها مياسير لهم أموال كثيرة.
ومن مدينة أودغست إلى مدينة زويلة عشر مراحل.
ومن مدينة زويلة إلى لمطة ثلاث مراحل.
ومن مدينة أودغست إلى مدينة السندور ثلاث مراحل.
فهذه جملة صفات البلاد التي تضمنها هذا الجزء وأما بحره أيضا فقد ذكرنا ما قبله من الجزائر مما فيه كفاية وقصد معنى.
وأما جزيرة سرنديب التي سبق لنا ذكرها في الإقليم الأول فإن الخارج منها إذا أراد ذلك قصد أقرب بر لها وهو أرض مدينة جرباتن وبينهما أقل من نصف مجرى.

وإن أخذ المشرق بتأريب فإنما تقع تصفيته إلى مدينه كلكسار أو يصل آخر جبل الامرى وهذا الجبل هو جبل عال كثير العلو جدا يخرج عن البحر في جهة الشرق ويتجون البحر عليه جونا كبيرا ومن طرف هذا الجون إلى جزيرة سرنديب نحو من أربعة مجار وجميع نبات هذا الجبل إنما هو نبات البقم ومنه يتجهز به ويخرج إلى سائر الأقطار وهذا الجبل جبل مشهور وعروق البقم تنفع من نهش الحيات بلا تأخير كما قدمنا ذكره فيما سبق والحمد لله أولا وآخراً.
نجز الجزء الثامن والحمد لله رب العلمين ويتلوه الجزء التاسع منه إن شاء الله تعالى.
الجزء التاسع
إن الذي تضمن هذا الجزء التاسع من الإقليم الثاني من المدن الهندية والصينية منها مدن الهند وهي أوريسين على ضفة البحر الملح ولوقين وقاقلا وأطراغا.
وفيه من بلاد الصين طريغيوقن وقطيغورا وكاشغرا وخيغون وإسقيريا وإشقيرا وبورا وطوخا وأطراغن وقرنابول.
وفي حصة بحره جزيرة أوريسين وجزيرة سناسا وفي كل بلد منها، أمور مختصة بها لا توجد بغيرها وها نحن لكل ذلك ذاكرون بحول الله وعونه.
فأما مدينة أوريسين فإنها مدينة صغيرة على الساحل.
وإنما المذكور منها جزيرتها لأنها عظيمة المقدار كثيرة الجبال والأشجار وفيها فيلة كثيرة وبها تصاد ويتجهز منها بأنيابها.
وقد اختلف في صيد الفيلة وأكثر القول في ذلك فمن الناس من قال إن الصائدين للفيلة يقصدون إلى مواضع مبيتها والأماكن التي تألفها فيحفرون لها حفائر مثل ما تحقره البرابر لصيد الأسود وصفة هذه الحفرة يكون أعلاها واسعا وأسفلها ضيقا ويسترونها بالخشب الرقاق والحشيش ويسوون بالتراب فوق ذلك حتى تخفى الحفرة فإذا جاءت الفيلة إلى مواضعها التي من عادتها المبيت فيها أو في طرق مائها التي تعودت الشرب منه فإذا وافت الحفرة سقط منها واحد على رأسه وفر الباقي من الفيلة على وجوهها وصائدوها يكونون هنالك في أماكن لهم ينظرون منها إلى سقوط الفيلة فإذا نظروا إليها أسرعوا بالجري إلى ما سقط في الحفرة وفتحوا خواصرها وفتقوا بطونها وتركوها إلى أن تموت ثم يتعاونون على تجزيرها وإخراجها عن الحفر قطعاً قطعاً ويخرجون أنيابها ويأخذون كعوبها.
وفي كثير من أخبار الهند أن الفيلة في بلادها تمشى قطارا وتبيت في الغياض اثنين في واحد وثلثة وأربعة في واحد ورقادها هو أن تقصد الشجر فتورك على أصولها ويورك بعضها على بعض وتنام وقوفا لغلظ وطول مفاصلها فيقصد الصائدون إلى تلك الأشجار بالنهار فيقطعون أكثرها ويتركون الشجرة قائمة مستهلكة فإذا جن الليل وأتت الفيلة على جري العادة إلى الأشجار التي من عادتها الرقاد بالاعتماد عليها فلا يزال يثقل بعضها على بعض إلى أن تمر الشجرة على أوائلها وتسقط الفيلة مع سقوط الشجر فلا تقدر أن تقوم فيثب الصائدون إليها بالخشب ويضربون رؤوسها إلى أن تموت وتستخرج أنيابها وتباع من التجار بأموال كثيرة وتحمل إلى الآفاق وتصرف في كثير من الأعمال المرصعة وأخبر غير واحد أن النابين الكبيرين من الفيلة يكون وزنهما ستة عشر قنطار إلى ما فوقها أو دونها.
مما يحكي التجار المسافرون إلى الهند عن ولادة الفيلة أن الإناث منها تلد أولادها في المياه الراكدة فتخرج أولادها عند الوضع فتسقط في الماء فتسرع الأمهات إليها فتقيمها في الماء سوقها وتخرجها عنه وتديم لعقها إلى أن تجف وتستدرجها مشيا إلى أن يكمل خلقها فتبارك الله أحسن الخالقين.
ولا يدرى فيما خلق الله من البهائم ذوات الأربع أفهم من الفيل ولا أقبل منه للتعليم ومن خواص الفيل أنه لا ينظر في عورة الإنسان.
وملوك الهند تتنافس في اكتساب الفيلة وتتغالى في أثمانها وتنظر الملوك إليها بعين المحافظة عليها وتجلب إلى مرابطها عندهم صغارا فتنشأ على التأنس بالناس.
ويصادر بها في القتال لأن الفيل الكبير المجفف يقاتل على ظهره اثنا عشر رجلا بالحجف والسيوف والدبابيس المتخذة من الحديد ويقف على رأس كل فيل منها رجل يسوقه بمخطاف يجر به خطمه ويضرب أعلى رأسه بخشبة أو بمصفع متخذ لذلك وبه يدار الفيل وأمر الفيلة في القتال أنها يحمل بعضها على بعض فيمر الأقوى على الأضعف ولها كرات ورجعات وكل ذلك مشهور من أمر الفيلة مشهود في بلاد الهند.
وبهذه االجزيرة معادن حديد.

وينبت في أكثر جبالها الراوند الذي يجلب من الصين أفضل لأنه أصلب جسما وأصبغ لونا وأبلغ فيما يراد منه في إصلاح الكبد وجملة منافعه.
وفي هذه الجزيرة شجر على صفة الخروع إلا أنه كثير الشوك وشوكه بارز يمنع من لمسه ويسمى الشهكير وله عروق سود وملوك الصين والهند تقتنيه لأنهم يدبرون منه سم ساعة وهو مشهور الذكر.
وأهل الهند والصين لا يقتلون أحدا من ذوي محارمهم ولا من خدامهم ولا ممن يمكنهم التحيل عليه إلا بالسم.
وفي كل خور من أخوار الهند وأخوار الصين يظهر منها في البحر مما يقابل كل خور أحناش ملمعة بأنواع ألوان وصفات مختلفة من الترقيط وأهل البحر يعلمونها ويميزونها ويعلمون أحناش كل خور مها وأين هي من الأرض بما يعرفون من صفاتها وبها يستدلون وهذا أيضا مذكور وتسمى هذه الأحناش باللسان الهندى الميزرة.
ومن أوريسين إلى لوقين ثلاث مراحل على الساحل وهي مدينة حسنة على البحر وعلى ضفة خور عذب والمراكب تدخله.
ومنها إلى المدينة طريغيوقن أربع مراحل وهي مدينة عامرة على ضفة البحر الملح.
ويقبل هذه المدينة في البحر جزيرة سناسا وهي جزيرة عامرة كثيرة الصادر والوارد وبينها وبين الساحل أقل من نصف مجرى وفيما يذكر أن في هذه الجزيرة بئرا تخرج منها في بعض الأوقات نار محرقة ثم تخمد ثم تخمد في بعض الأوقات.
ومنها إلى قطيغورا ست مراحل ومدينة قطيغورا على البحر وهي على خور ماء حلو وهي مدينة جليلة فيها مكاسب ومتاجر وهي محسوبة في بلاد الصين.
ومنها إلى الصنف ثلاث مراحل والصنف من بلاد الصين وقد ذكرناها وجزيرتها فيما سلف وتقدم من ذكر الإقليم الأول.
ومن قطيغورا إلى كاشغرا أربع مراحل ومدينة كاشغرا من بلاد الصين وهي مدينة عامرة كثيرة الخيرات مشتملة البركات فجها متاجر وبضائع وأسفار وحركات منجحة وهي على نهر صغير يأتي إليها من جهة شمالها من جبل قطيغورا وفي هذا الجبل معادن فضة طيبة فائقة الجودة سهلة التخليص من خبثها.
ومن مدينة كاشغرا إلى مدينة خيغون ثماني مراحل ومدينة خيغون مدينة عامرة من مدن الصين والقاصد إليها كثير وبها التجارات الكثيرة.
وبأرضها توجد دواب المسك والزباد أما دواب المسك فهي صنف من أصناف المعز بل هي أشبه بالغزلان لكنها صغار وألوانها صهب إلى الحمرة وجلودها لدنة المجسة ورعيها أنواع نبات الطيب ولها صرر يجتمع فيها دم يكون دمها أول شيء أحمر ثم لا يزال يتغير إلى السواد حتى يكون لونه أسود إلى الشقرة فتقلق بها الظباء فتحكها وتقرضها تارة بأضلافها وتارة بالعض بأفواها إلى أن تسقط وحكى صاحب كتاب العجائب أن في برية بلاد التبت جبلان خلف مدينة وحلان يمر بينهما نهر عذب الماء وفي هذين الجبلين ينبت سنبل الطيب كثيرا أو ضرب منه فترعاهما الظباء المسكية وتأتي إلى ذلك الماء فتنتفخ صررها وتمتلئ دما فتحكها بأظلافها حتى تنقطع وهذه الدواب تصاد في وقت معلوم لصيدها فتمسك إلى أن تؤخذ منها تلك الصرر ثم تحمل إلى المواضع التي صيدت فيها فتطلق بها وهي بها مستأنسة لا تنفر كثيرا.
وأما دابة الزباد فهي في هذا الإقليم الثاني من أوله إلى آخره موجودة به وهي دابة تشبه القط بالسواء لا فرق بينهما لكنها كبيرة وتمسك في أقفاص كبار وتطعم اللحم فإذا كان في أول الصيف وآخر الربيع ابتدأ الرشح في أخصيتها فمتى نظر إليها وقد اجتمع من الزباد فيها شيء قبض عليها وكبست في أوعية الخيش وجرد منها ما اجتمع على خصاها من الدرن فذلك الزباد المحض ثم تعاد إلى أقفاصها فتكون بالحالة الأولى إلى أن يجتمع بها الدرن ثانية وثالثة ثم تعاود إلى الجرد والأخذ هكذا من أول الربيع إلى آخر الخريف وهذا الحيوان يكون بالغرب الأقصى كثير في بلاد الملثمين وهو مشهور قد رأيناه عيانا.
ومدينة خيغون عليها حصن حصين وجنات محدقة بها وبساتين لا عنب بها ولا تين البتة ومدينة خيغون على ضفة نهر يصب في نهر خمدان الصين ومن مدينة خيغون إلى مدينة إسقيريا أربع مراحل ومدينة إسقيريا مدينة من مدن الصين على نهر يمد نهر خمدان وهي عامرة وبها ملوك وسادات وجلة وعمال وبها تجتمع أموال الصين التي تصل إلى ملكها الأكبر بعد تخليصها من جميع النوائب وذلك أن جميع الجبايات المجموعة في بلاد الصين براً أو بحراً يصير بها عمالها إلى مدينة إسقيريا

فيدفعونها هناك إلى عمال وأمناء يحصلونها ويحاسبون بها وعليها ثم ينصرف العمال إلى بلادهم فإذا اجتمعت الأموال بإسقيريا وكان الوقت المعلوم من العام المؤرخ عندهم لحمل المال جمعت تلك الأموال بأسرها ورفعت إلى مدينة تاجه وهي مدينة الملك العظمى فيستودع هناك المال الذي جيئى به في خزائن الملك البغبوغ وهذه دائمة لا تنقطع ولا يصل إلى بيت مال الملك شيء يحتاج فيه إلى الإخراج منه وإنما يوصل إليه ما كان مخلصا من جميع النوائب وأهل إسقيريا يرمون موتاهم في النهر ولا يدفنون ميتا البتة وسنذكر نهر خمدان وما يصنع به من أهل الصين.
ومن مدينة إسقيريا إلى مدينة طرخا ستة أيام ومدينة طوخا على نهر كلهى الصيني الكبير وهي عامرة بالناس وفيها تجار وبضائع وذخائر ويصنع بها الثياب الطوخية من الحرير القسي ولها قيمة وافره ويتجهز منها إلى سائر البلاد وهي ثياب مطرفة كالثياب العتابية ومنها ثياب مريشة ويعمر الثوب منها كثيرا.
ومن مدينة طوخا إلى مدينة بورا يومان انحدارا في نهر كلهى وفي البر أربعة أيام وبورا كثيرة الخلق والتجارات متصلة العمارات وافرة النعم بها حنطة وأرز وشجر مقل شهي الأكل.
ومن مدينة بورا إلى مدينة كاشغرا السابق ذكرها ثماني مراحل ومن مدينة بورا إلى مدينة إسقيرا سبع مراحل ومن مدينة إسقيرا إلى مدينة كاشغرا ثماني مراحل.
ومدينة إسقيرا على نهر يمد نهر بهنك وأهلها يعبدون الأصنام وهم كفرة.
ومنها إلى طريغيوقن سبع مراحل ومن إسقيرا أيضاً إلى أطراغن أربع مراحل وهي مدينة على بركة ماء كبيرة عذبة الماء ولا يوجد لوسطها قعر وماؤها مائل إلى الدكنة وبها سمك وجوهها كوجوه البومة على رؤوسها شبه قلانس الديكة ويزعم أهل كفران ترك أنها تفعل بالرجال ما يفعل الإسقنقور من كثرة الإنعاظ وغزر الباه.
ومن مدينة أطراغن إلى مدينة قرنابول أربع مراحل وهي مدينة صغيرة في سفح جبل لكنها عامرة: وربما طرقتها الترك فأضرت بأهلها وسبت بعض قراها ومواشيها لأنها متاخمة للأتراك الخرلخية وهي مدينة على نهر صغير ونهرها يصب في نهر كلهى الصين ومن قرنابول إلى طوخا ست مراحل وطوخا أيضا قد تقدم ذكرها.
ومن لوقين التي على الساحل من بلاد الهند إلى قاقلا سبعة أيام .
وهي على ضفة نهر صغير يصب في نهر بهنك الهند.
وبمدينة قاقلا حرير كثير وأهلها يربون دود الحرير كثيرا وإليها تنسب الثياب القاقلية والحرير القاقلي.
ومن مدينة قاقلا إلى مدينة قشمير عشر مراحل.
ومن قاقلا أيضاً إلى مدينة أطراغا أربع مراحل وأطراغا مدينة كبيرة لملك من ملوك الهند على ضفة نهر بهنك.
وبها جيوش كثيرة ورجال وأسلحه وهم يحاربون الأتراك وبها أرز وخصب ومن أطراغا إلى أطراغن عشر مراحل.
وبهذا الجزء من الأنهار الهندية نهر بهنك ونهر كلهى وبعض نهر خمدان الصين الكبير فأما نهر بنهك الهند فإنه يخرج من الجبل المحيط بأقصى شمال الهند ويمر إلى شرقي مدينة أطراغا إلى موقع نهر قاقلا إلى أن يتصل بالبحر فيصب فيه وذلك عند مدينة طريغيوقن.
ومن أهل الهند قبيلة تسمى الجلهكتية تزعم أن هذا النهر غاص به الملك جلهكت وأنه يتراءى لهم فيه في أكثر الأوقات.
فإذا أذنب الرجل منهم ذنبا أتى إلى هذا النهر فيدخل فيه إلى وسطه ويقيم فيه ساعة وأكثر وبيده أنواع الرياح ثم يقطعها صغارا ويلقي بعضها إثر بعض على ماء النهر ويسبح ويقرأ فإذا أراد الانصراف حرك الماء بيديه أخذ منه بكلتي يديه وصبه على رأسه وظهره ثم يسجد وينصرف.
ومن أنهار الصين نهر كلهى وأهل الصين الساكنون بضفتيه لهم سنة معتادة في هذا النهر إذا أذنب الرجل منهم ذنبا وأراد تكفير ذلك سار إلى هذا النهر وحوله جماعات الناس يدعون له بالطوبى ويدعونه بالكرامة والخلود فإذا وصل إلى هذا النهر أغرق نفسه فيه حتى يموت.
نجز الجزء التاسع من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء العاشر منه إن شاء الله تعالى.
الجزء العاشر

إن هذا الجزء العاشر من الإقليم الثاني وبه تمام الإقليم الثاني تضمن من البلاد الصينية الشرقية مدينة سوسة الصين وسعلا وطوغما وصينية الصين واسنخوا وشذخو وباجة وبشهيار وقاشا وسارخا وبه من الجزائر التي في البحر الشرقي جزيرة النمنج وجزيرة السبارة وفيه من الأنهار الكبار نهر خمدان الصين وهو من الأنهار الكبار المشهورة التي نطقت بما التواريخ وأثبتت ذكرها الكتب.
وها نحن نبتدئ الآن بشرح معلوماتها ونوضح صفاتها بحول الله وعونه فنقول إن مدينة سوسة مدينة مشهورة معلومة مذكورة كثيرة التجارات متصلة العمارات جامعة الخيرات وأموال أهلها كثيرة وتجاراتهم مباركة موفورة وقراضهم مفترق في الآفاق ومتصل بكل الأمصار.
ويصنع بها الغضار الصيني الذي لا يعدله شيء من فخار الصين جودة وبها طرز كثيرة مشهورة بعمل الحرير الصيني الرفيع القيمة المحكم الصنعة الذي لا يقرن به غيره وسوسة الصين على شرقي نهر خمدان الكبير ومنها إلى مدينة قابطوا أربع عشرة مرحلة وكذلك سوسة أيضاً إلى مدينة صينية الصين ست عشرة مرحلة ومن سوسة أيضا إلى مدينة سعلا ثمانية أيام.
ومدينة سعلا على ضفة نهر وهي عامرة بالساكن حسنة المساكن كثيرة التجارات موفورة العمارات وإليها مقصد التجار من كل الأقطار المجاورة لها والمتباعدة عنها بضروب البضائع نوافق الأمتعة وأنواع من التجارات وليست بكبيرة القطر لكنها مجتمعة متحضرة ويعمل بها ثياب حرير كثيرة وفخار.
ومنها إلى مدينة صينية الصين سبع عشرة مرحلة ومن سعلا إلى طوغما ثماني مراحل ومدينة طوغما مدينة كبيرة لا حصن عليها لكنها عامرة وبها جمل بضائع ويتجهز منها بأصناف من التجارات.
ومنها إلى صينية الصين ثماني مراحل وصينية الصين في أقصى الصين ولا تعدلها مدينة في الكبر وكثرة العامر وسعة التجارات وكثرة البضائع واجتماع التجار إليها من سائر الأقطار ومن بعض المدن الهندية المجاورة للصين وبهذه المدينة ملك من ملوك الصين من أهل الملك لكنه تحت يد البغبوغ وهذا الملك الأعظم كما حكينا عنه.
ومن مدينة الصينية إلى مدينة اسنخوا ثماني مراحل وهي على بطحاء أرض ممتدة لا ينبت بها شيء إلا الزعفران غرسا ومن ذات نفسه بريا ومنها يتجهز بالزعفران إلى سائر أقطار الصين ويباع بها منه ما يعم الكل كثرة وطيبا وقد يعم بهذه المدينة الحرير والغضار وليس في هذه البلاد التي ذكرنا صنعة أجل عند أهلها من الفخار والرسم ولا فوق الرسم عندهم صنعة.
ومما يحكى في الكتب الصحيحة الأخبار أن ملوك الصين وأكثر ملوك الهند لا يتركون الرسم بل يقولون به ويتعلمونه ويتكلفون منه أكثر مما يتكلفه المتعلمون له حتى أنه لا يولي الملك من أبنائه إذا كان عنده كثرة أولاد إلا أرسمهم وأمهرهم في صنعة الرسم.
ولم تزل ملوك الهند تعمل مثل هذا ولا تقدم على الرسم أيضاً والتصوير صنعة وإنما يلحق بها فالفضل صنعة الفخار وذلك أنهم يسمون صانع الفخار خالقاً صغيراً والمصور خالقاً كبيراً.
وكذلك من مدينة اسنخوا إلى باجة أربع مراحل وهي مدينة الملك المسمى البغبوغ وبهذه المدينة دار ملكه وموضع رجاله وخزائن أمواله ومصون حرمه وعياله.
ومما حكى صاحب كتاب الأخبار عن ملوك الأمصار أن هذا الملك له أبدا مائة زوجة بمهور أنقاد ومتى لم يملك الملك منهم هذه العدة لا يسمى عندهم بملك الملوك وله من الفيلة أيضا المعدة للحرب ألف فيل مجففة برجالها وأسلحتها وأمتعها ومتى لم تكمل له هذه العدة فليس بملك الملوك عندهم وبهذين الشيئين من النساء والفيلة يفتخرون على غيرهم من الملوك.
ولا يلي الملك بالصين إلا من ورثه عن آبائه أو إخوته أو أقاربه هم جارون على سنن العدل وطريق الأمان وسيرهم حميدة مبنية على الحق.
وهذه المدينة على ضفة نهر خمدان وعلى هذا النهر يصعد إلى هذه المدينة من خانفوا وخانكو وغيرهما من مراقي الصين المشهورة ومن مدينة باجة إلى مدينة شذخو أربع مراحل ومدينة شذخو على نهر صغير يقع في البحر الشرقي وبين مدينة شذخو والبحر أربع مراحل ومن مدينة شذخو إلى مدينة بشهيار تسع مراحل.

ومدينة بشهيار مدينة فيها رئيس من قبل البغبوغ له خيول ورجال وحشم وعبيد وملك عظيم وهو يقاتل الترك الداخلين إليه ممن يجاوره منهم وهم الترك المسمون بالخاقانية والخزلجية ولهذا الملك خيول مندوبة لحراسة أبواب هناك في الجبل العظيم الحاجز بينهم وبين الترك وزيهم وزي الأتراك سواء لا فرق بينهم في ذلك.
ومن مدينة بشهيار إلى مدينة قاشا ثماني مراحل وهي مدينة أهلها خوارج عن مذهب أهل الصين وهم يحرقون موتاهم بالنار على مذهب الهندية ومن مدينة قاشا إلى مدينة شارخيا أربع مراحل وهي مدينة عامرة ومن قاشا إلى مدينة باجة عشر مراحل كذلك من مدينة شارخيا إلى مدينة باجة عشر مراحل.
فأما نهر خمدان الصين فإنه نهر عظيم وعليه عمارات وحكى صاحب كتاب العجائب أن في هذا النهر شجرة عظيمة باسقة يقال إنها من حديد وتسمى باللسان الهندية برشول وهي مبنية قي قعر النهر مثبتة وطولها من فوق الماء نحر من عشرة أذرع في غلط ذراع وكسر.
وفي رأسها ثلاث شعب غلاظ مسنونة محدودة كالنار وعندها رجل قاعد يقرأ كتابا ويقول للنهر يا عظيم البركة وسبيل الجنة أنت الذي خرجت من عيني الجنة ودللت، الناس عليها فطوبى لمن صعد هذه الشجرة وألقى بنفسه على هذا العمود فينتدب لذلك واحد أو عدة ممن حوله فيصعدون إلى الشجرة ويلقون أنفسهم على العمود فيسقطون ويموتون في ماء النهر والحاضرون هناك من الناس يدعون لهم بالطوبى والمسير إلى الجنة واللذة الدائمة ويقال إن نهر كنك يقع فيه.
وأما جزيرة النمنج التي في البحر الشرقي فإن مجرمي الصين يجمعون عليها ويدخلون إليها وحكى صاحب كتاب العجائب أن في هذه الجزيرة قوما لهم أذناب ولهم ملك منهم.
وفيما ذكرناه كفاية لذوي العناية وإلى هاهنا انتهى آخر الإقليم الثاني والحمد لله كثيرا.
نجز الجزء العاشر من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء الأول من الإقليم الثالث إن شاء الله.
الإقليم الثالث
الجزء الأول
إنا لما تكلمنا فيما سبق من ذكر المدن الواقعة في الإقليمين المتقدمين قبل هذا رأينا أن نأتي بمثل ذلك في هذا الإقليم الثالث ونذكر ما فيه من المدن والأكور والقرى والأمصار ونأتي بمسافاتها وطرقاتها على ما هي عليه من الأميال والمراحل ونذكر كل بلد من ذلك ذكرا مفردا وكيف هو في حاله وداخله وخارجه وما جاوره من البحار والأودية والمناخ والبرك ونأتي بصفات الجبال الواقعة فيه وأطوالها وعروضها وما تحتوي عليه من النبات والأشجار والمعادن والحيوانات ونصف مبادئ الأنهار ومواقعها وحدود مساقطها حسب ما سبق ذكره وتقدم الأخبار عنه ونأتي بكل ذلك في موضعه مينا ملخصا رؤية ورسم وأخبار على توال ونسق بعون الله فنقول إن هذا الجزء الأول من هذا الإقليم الثالث مبدؤه من البحر الكبير المحيط بالجهة الغربية من كرة الأرض وفيه من الجزائر جزيرة ساوة قرب البحر المظلم يقال إن ذا القرنين نزلها قبل أن تدخلها الظلمة وبات بها وكانوا يرمون بالحجارة وأوذي

بذلك جماعة من أصحابه وجزيرة السعالي فيها خلق كخلق النساء لهم أنياب بادية وعيونهم كالبرق وسوقهم كالخشب المحرق يتكلمون بكلام لا يفهم ويحاربون الدواب البحرية ولا فرق بين الرجال منهم والنساء إلا بالذكور والفروج لا غير ورجالهم لا لحى لهم ولباسهم ورق الشجر ومنها جزيرة حسران وهي أرض واسعة وفيها جبل عال في سفحه ناس سمر قصار ولهم لحى تبلغ ركبهم ووجوههم عراض ولهم آذان كبيرة وطعامهم وعيشهم مما تنبته الأرض هناك من الحشيش وموافق النبات مثل ما تأكله البهائم وعندهم نهر صغير عذب يجري من تحت الجبل وفيه جزيرة الغور وهي كبيرة الطول والعرض كثيرة الأعشاب والنبات وفيها أنهار وغدران وآجام تأوي إليها حمر وبقر لها قرون طوال جدا وفيه جزيرة المستشكين يذكر أنها جزيرة عامرة فيها جبال وأنهار وأشجار وثمار وزروع وعلى المدينة حصن عال وفيما يحكى من أمر هذه الجزيرة أنه كان فيها فيما سلف من قبل عهد الإسكندر تنين عظيم يبتلع كل من مر به من إنسان أو ثور أو حمار أو ما أشبهها فيقال إن الإسكندر لما دخلها استغاث به أهلها وشكوا إليه أضرار التنين بهم وإنه قد أتلف مواشيهم وأبقارهم حتى أنهم جعلوا له ضريبة في كل يوم ثورين ينصبونهما بمقربة من موضعه فيخرج إليهما فيبتلعهما ثم يعود إلى موضعه وكذلك يأتي من الغد فيفعلون له ذلك فقال لهم الإسكندر يأتيكم هذا التنين من مكان واحد أو من أمكنة كثيرة قالوا من مكان واحد قال لهم أروني مكانه فانطلقوا به إلى قرب من موضعه ثم نصبوا له الثورين فأقبل التنين كالسحابة السوداء وعيناه تلمعان كالبرق والنار تخرج من جوفه فابتلع الثورين وعاد إلى موضعه فأمرهم الإسكندر أن يجعلوا له في اليوم الثاني عجلين وفي اليوم الثالث مثل ذلك فاشتد جوعه فأمر الإسكندر عند ذلك بثورين عظيمين فسلخا وحشيت جلودهما زفتا وكبريتا كلسا وزرنيخا وجعلهما في ذلك المكان المعلوم فخرج التنين إليهما على حسب عادته فابتلعهما ومضى فاضطرمت تلك الأشياء في جوفه فلما أحس باشتعالها وكان قد جعل في تلك الأخلاط كلاليب حديد فذهب ليتقيأ ذلك من جوفه فتشبكت الكلاليب في حلقه فخر واقعاً وفتح فمه ليستروح فأمر عند ذلك الإسكندر فحميت قطع الحديد وحملت على ألواح حديد وقذفت في حلق التنين فاشتعلت الأخلاط في جوفه فمات ففرج الله بذلك من أهل تلك الجزيرة فشكروا الإسكندر عند ذلك والطفوه ووهبوه من طرائف ما عندهم وكان فيما حملوه إليه من طرائف ما عندهم دابة في خلق الأرنب يبرق شعره في صفرة كما يبرق الذهب يسمى بغراج وفي رأسه قرن واحد أسود إذا رأته الأسود وسباع الوحش والطير وكل دابة هربت عنه.
وفي هذا البحر جزيرة قلهان فيها أمة مثل خلق الناس إلا أن رؤوسهم مثل رؤوس الدواب يغوصون في البحر ويخرجون ما قدروا عليه من دوابه فيأكلونها وفي هذا البحر أيضا جزيرة الأخوين الساحرين اللذين يسمى أحدهما شرهام والثاني شرام ويقال إنهما كانا بهذه الجزيرة يقطعان على المراكب المحط التي تمر بها ويهلكان جميع أهلها ويأخذان أموالهم فمسخ الله بهما لظلمهما وبقيا حجرين على ضفة البحر قائمين ثم عمرت هذه الجزيرة بالناس وهي تقابل مرسى آسفى ويقال إن الصفاء إذا عم البحر ظهر دخانها من البر وكان أخبر بذلك أحمد بن عمران المعروف بدقم الإوز وكان والياً لأمير المسلمين على بن يوسف بن تاشفين على جملة من أسطوله فعزم على الدخول إليها بما معه من المراكب فأدركه قبل الدخول إليها الموت ولم يبلغ أمله في ذلك ولهذه الجزيرة قصة غريبة أخبر عنها المغررون من أهل مدينة اشبونة بالأندلس حين أسقطوا إليها بمراكبهم وكيف سميت آسفى بهم وهي مرسى وحديثها طويل وسنأتي به في موضعه عند ذكرنا لمدينة اشبونة إن شاء الله.

وفي هذا البحر جزيرة الغنم وهي جزيرة كبيرة والظلمات بها وفيها من الغنم ما لا يحصى عددها وهي صغار ولا يقدر أحد أن يأكل لحومها لمرارتها وقد أخبر بذلك أيضا المغررون منها وتليها جزيرة راقا وهي جزيرة الطيور ويقال إن فيها جنسا من الطير في خلق العاقبان حمراء ذوات مخالب تصيد دواب البحر وتأكلها ولا تبرح من هذه الجزيرة ويقال إن بها ثمرا يشبهه التين الكبير وأكله ينفع من جميع السموم وحكى صاحب كتاب العجائب أن ملكا من ملوك افرنجة أخبر بذلك فوجه إليه بمركب معد ليجلب له من ذلك الثمر ويصاد له من تلك الطيور لأنه كان له علم في دمائها ومراراتها فتلف المركب الذي أنفذه ولم يعد إليه ومنها جزيرة الشاصلند طولها خمسة عشر يوما في عرض عشرة أيام وكان فيها ثلاث مدن كبار وبها قوم يسكنونها وكانت المراكب تجتاز بهم وتحط عليهم وتشتري منهم العنبر والحجارة الملونة فوقعت بين أهل تلك البلاد شرور وطلب بعضهم بعضا حتى فني أكثرهم وانتقل جماعات منهم إلى عدوة البحر الأرض الكبيرة ة للروم وبها ألان من أهلها خلق كثير وسنذكر هذه الجزيرة عند ذكرنا جزيرة ارلاندة وفي هذا البحر جزيرة لاقة ويقال إن فيها شجر العود كثير ولكنه لا رائحة له فإذا أخرج عنها وحمل في البحر طابت روائحه وهو في ذاته أسود رزين وكان التجار يقصدونها ويستخرجون العود منها وكان يباع بأرض الغرب الأقصى من ملوكها بتلك النواحي ويذكر أيضا أنها كانت مسكونة عامرة بالناس لكنها خربت وتغلبت الحيات على أرضها فلا يمكن الآن دخولها لهذا السبب وفي هذا البحر من الجزائر على ما ذكره بطلميوس الأقلودي سبعة وعشرون ألف جزيرة ما بين عامرة وغامرة وإنما ذكرنا منها قليلا من كثير مما قرب مكانها من البر ووصلت العمارات إليه وأما غير ذلك فلا حاجة بنا إلى ذكرها هنا.
وأيضا إن في هذا الجزء من بلاد الصحراء نول لمطة وتازكغت واغرنوا وفيه من بلاد السوس الأقصى مدينة تارودنت وتيويوين وتامامت وهي بلاد السوس وفيه من بلاد البربر سجلماسة ودرعة وداى وتادلة وقلعة مهدى بن توالة وفاس ومكناسة وسلا وسائر المراسي التي على البحر الأعظم.
ومدينة تلمسان وتطن وقرى وصفروى ومغيلة واقرسيف وكرنانطة ووجدة ومليلة ووهران وتاهرت وأشير وفيه من بلاد الغرب الأوسط تنس وبرشك وجزائر بني مزغنا وتدلس وبجاية وجيجل ومليانة والقلعة والمسيلة والغدير ومقرة ونقاوس وطبنة والقسنطينة وتنجس وباغاي وتيفاش ودار مرين وبلزمة ودار ملول وميلة والغالب على ما ذكرناه من البلاد البرابر وكانت ديار البرابر فلسطين وكان ملكهم جالوت بن ضريس بن جانا وهو أبو زناتة المغرب وجانا هو ابن لواء بن بر بن قيس بن الياس بن مضر فلما قتل داود عليه السلام جالوت البربري رحلت البربر إلى المغرب حتى انتهوا إلى أقصى المغرب فتفرقت هناك ونزلت مزاتة ومغيلة وضريسة الجبال نزلت لواتة أرض برقة ونزلت طائفة من هوارة بجبال نفوسة ونزل الغير منهم بأرض الغرب الأقصى ونزلت معهم قبائل مصمودة فعمروا تلك البلاد وقبائل البربر زناتة وضريسة ومغيلة ومقدر وبنو عبد ربه وورفجوم ونفزة ونفزاوة ومطماطة ولمطة وصنهاجة وهوارة وكتامة ولواتة ومزاتة وصدراتة ويصلاسن ومديونة وزبوجة ومداسة وقالمة وأوربة وهطيطة ووليطة وبنو منهوس وبنو سمجون وبنو وارقلان وبنو يسدران وبنو زيرجى وورداسا وورهون وسائر قبائل البربر ممن سنأتي بذكرهم في عمارات بلادهم بحول الله.

فأما بلاد نول الأقصى وتازكاغت فهي بلاد لمتونة الصحراء ولمتونة قبيل من صهاجة وصنهاجة ولمطة أخوان لأب واحد وأم واحدة وأبوهم لمط بن زعزاع من أولاد حمير وأمهم تازكاى العرجاء وأبوها زناتى وهوار أيضا أخ لصنهاج ولمط من أم وأبوه المسور بن المثنى بن كلاع بن أيمن بن سعيد بن حمير وإنما قيل له هوار لكلمة تقولها فسمي بها هوارا وذلك أن قبائل العرب نزلت على قبائل البربر فنقلوهم إلى لسانهم بطول المجاورة لهم حتى صاروا جنسا واحدا وأن أميرا من أمراء العرب يسمى المسور كان ساكنا مع قومه في بلاد الحجاز فضاعت له إبل فخرج يطلبها ويبحث عنها إلى أن عبر النيل بمصر وسار في بلاد المغرب طالبا لها فمر بجبال طرابلس فقال لغلامه أين نحن من الأرض فقال له الغلام نحن بأرض إفريقية فقال له لقد تهورنا والتهور عند العرب هو الحمق فسمي بهذه اللفظة هوارا ونزل المسور المذكور بقوم من زناتة فحالفهم ورأى بأرضهم تازكاي أم صنهاج ولمط التي ذكرناها آنفا وكانت جميلة حسنة بدنة تليعة بارعة الكمال فولع بها المسور فسأل عنها ورغب في زواجها فتزوجها وكانت تازكاي يومئذ خلوا من زوج ومعها أبناها صنهاج ولمط وهما أبنا لمط الأكبر فولد للمسور منها ولد سماه المثنى ثم مات المسور عنها وبقي ولده المثنى مع أخويه لمط وصنهاج عند أمهم تازكاي وعند أخواله من زناتة فولد للمط أولاد كثيرة وولد لصنهاج مثل ذلك فكثر نسلهم وتسلطوا على الأمم فاجتمع عليهم قبائل البربر فأزعجوهم إلى الصحارى المجاورة للبحر المظلم فنزلوها وبها قبائلهم إلى الآن متفرقة بنواحيها وهم أصحاب إبل ونجب عتاق رحالة لا يقيمون بمكان واحد ولباس الرجال منهم والنساء أكسية الصوف ويربطون رؤوسهم عمائم الصوف المسماة بالكرازي وعيشهم من ألبان الإبل ولحومها مقددة مطحونة وربما جلبت إليهم الحنطة والزبيب لكن الزبيب أكثر لأنهم كثيرا ما ينقعون الزبيب في الماء بعد الدق ويشربون صفوه نقيعا حلوا وفي بلادهم العسل كثير وجل طعامهم وأحفله الطعام المسمى بالبربرية آسلوا وهو أنهم يأخذون الحنطة فيقلونها قليا معتدلا ثم يدقونها حتى تعود جريشا ثم يمزجون العسل بمثله سمنا ويعجنون به تلك الحنطة على النار ويضعونه في مزاود ثم فيأتي طعاماً شهياً وذلك أن الإنسان منهم إذا أخذ من هذا الطعام ملء كفه وأكله وشرب عليه اللبن ثم مشى بقية يومه ذلك لم يثسته طعاماً إلى الليل.
وليس لهم مدينة يأوون إليها إلا مدينة نول لمطة ومدينة آزقى للمطة أيضاً فأما مدينة نول الغربية فمنها إلى البحر ثلاثة أيام ومنها إلى سجلماسة ثلاث عشرة مرحلة ومدينة نول مدينة كبيرة عامرة على نهر يأتي إليها من جهة المشرق وعليه قبائل لمتونة ولمطة وبهذه المدينة تصنع الدرق اللمطية التي لا شيء أبدع منها ولا أصلب منها ظهراً ولا أحسن منها صنعاً وبها يقاتل أهل المغرب لحصانتها وخفة محملها وبهذه المدينة قوم يصنعون السروج واللجم والأقتاب المعدة لخدمة الإبل وتباع بها الأكسية المسماة بالسفسارية والبرانس التي يساوي الزوج منها خمسين دينارا وأقل وأكثر وعند أهلها البقر والغنم كثير جدا والألبان والسمن عندهم موجود وإلى هذه المدينة يلجأ أهل تلك الجهات فيما يعن لهم من مهم حوائجهم وفنون مطالبهم.
ومن قبائل لمطة مسوفة ووشان تمالتة ومن قبائل صنهاجة بنو منصور وتمية وجدالة ولمتونة وبنو إبراهيم وبنو تاشفين وبنو محمد وجمل من صنهاجة وأما مدينة آزكى فإنها من بلاد مسوفة ولمطة وهي أول مراقي الصحراء ومنها إلى سجلماسة ثلاث عشرة مرحلة ومنها نول سبع مراحل وهذه المدينة ليست بالكبيرة لكنها متحضرة وأهلها يلبسون منقدرات ثياب الصوف ويسمونها بلغتهم القداور وقد أخبر بعض من دخل هذه المدينة أن النساء اللواتي لا أزواج لهن بها إذا بلغت المرأة منهن أربعين سنة تصدقت بنفسها على من أرادها من الرجال فلا تدفع عن نفسها ولا تمنع من يريدها وتسمى هذه المدينة بالبربرية آزقى وبالجناوية قوقدم ومن أراد الدخول إلى بلاد سلى وتكرور وغانة من بلاد السودان فلا بد له من هذه المدينة

وأما مدينة سجلماسه فمدينة كبيرة كثيرة العامر وهي مقصد للوارد والصادر كثيرة الخضر والجنات رائقة البقاع والجهات ولا حصن عليها وإنما هي قصور وديار وعمارات متصلة على نهر لها كثير الماء يأتي إليها من جهة المشرق من الصحراء يزيد في الصيف كزيادة النيل سواء ويزرع بمائه حسبما يزرع فلاحو مصر ولزراعته إصابة كثيرة معلومة وفي أكثر الأعوام الكثيرة المياه المتواترة عن خروج هذا النهر ينبت لهم ما حصدوه في العام السابق من غير بذر وفي الأكثر من السنين إذا فاض النهر عندهم ثم رجع بذروا على تلك الأرض زرعهم ثم حصدوه عند تناهيه وتركوا جذوره إلى العام القادم فينبت ذلك من غير حاجة إلى بذر زراعة وحكى الحوقلي أن البذر بها يكون عاما والحصاد فيه في كل سنة إلى تمام سبع سنين لكن تلك الحنطة التي تنبت من غير بذر تتغير عن حالها حتى تكون بين الحنطة والشعير وتسمى هذه الحنطة يردن تيزواو وبها نخل كثير وأنواع من التمر لا يشبه بعضها بعضا وفيها الرطب المسمى بالبرني وهي خضراء جداً وحلاوتها تفوق كل حلاوة ونواها صغار في غاية الصغر ولأهل هذه المدينة غلات القطن وغلات الكمون والكروياء والحناء ويتجهز منها إلى سائر بلاد المغرب وغيرها وبناءاتها حسنة غير أن المخالفين في زماننا هذا أتوا على أكثرها هدما وحرقا وأهل سجلماسة يأكلون الكلاب والحيوان المسمى الحرذون ويسمونه بلسان البربر اقزيم ونساؤهم يستعملنه في السمن وخصب البدن وكذلك هن في نهاية السمن وكثرة اللحم وقل ما يوجد من أهلها صحيح العينين بل أكثرهم عمش.
ومن مدينة سجلماسة إلى مدينة اغمات وريكة نحو من ثماني مراحل ومن مدينة سجلماسة إلى مدينة درعة ثلاث مراحل كبار ودرعة ليست بمدينة يحوطها سور ولا حفير وإنما هي قرى متصلة وعمارات متقاربة ومزارع كثيرة يتناول ذلك فيها جمل وأخلاط من البربر وهي على نهر سجلماسة النازل إليهم وعليه يزرعون غلات الحناء والكمون والكروياء والنيلج ونبات الحناء يكبر بها حتى يكون في قوام الشجر يصعدون إليه ومنها يؤخذ بذره ويتجهز به إلى كل الجهات ونبات الحناء لا يؤخذ بذره إلا في لحذا الإقليم فقط ولا يؤخذ بغيره من الأقاليم البتة وأما النيلج المزروع في مدينة درعة فليس طيبه مناك ولكنه يتصرف به في بلاد الغرب لرخصه وربما خلط مع غيره من النيلج الطيب ويباع معه.

ومن أرض درعة إلى بلاد السوس الأقصى أربعة أيام ومدينته هي تارودنت وبلاد السوس قرى كثيرة وعماراتها متصلة بعضها ببعض وبها من الفواكه الجليلة أجناس مختلفة وأنواع كثيرة كالجوز والتين والعنب العذاري والسفرجل والرمان الإمليسي وألاترج الكبير المقدار الكثير العدد وكذلك المشمش والتفاح المنهد وقصب السكر الذي ليسن على قرار الأرض مثله طولا وعرضا وحلاوة وكثرة ماء ويعمل ببلاد السوس من السكر المنسوب إليها ما يعم أكثر الأرض وهو يساوي السكر السليماني والطبرزد بل يشف على جميع أنواع السكر في الطيب والصفاء ويعمل ببلاد السوس من الأكسية الرقاق والثياب الرفيعة ما لا يقدر أحد على عمله بغيرها من البلاد ورجالها ونساؤها سمر الألوان وفي نسائهم جمال فائق وحسن بارع وجمال ظاهر وحذق صناعات بأيديهن وهي بلاد حنطة وشعير وأرز ممكن بأيسر قيمة وأسعارها رخيصة والغالب على أهلها الجفاء وغلظ الطبع وقلة الانقياد وهم أخلاط من البربر المصامدة وزيهم لباس الأكسية من الصوف التفافا وعلى رؤوسهم الشعور الكثيرة ولهم بها اهتمام وحفظ وذلك أنهم يصبغونها في كل جمعة بالحناء ويغسلونها في كل جمعة مرتين برقيق البيض والطين الأندلسي ويحتزمون في أوساطهم بمآزر صوف ويسمونها سفاقس ولا يمشي الرجل مهم أبدا إلا وفي يده رمحان قصار العصى طوال الأسنان رقاقها وينتخبونها من أطيب الحديد ويأكلون الجراد أكلا كثيرا مقلواً ومملوحاً وأهل السوس فرقتان فأهل مدينة تارودنت يتمذهبون بمذهب المالكية من المسلمين وهم حشوية وأهل بلد تويوين يقولون بمذهب موسى بن جعفر وبينهم أبدا القتال والفتنة وسفك الدماء وطلب الثأر غير أنهم أرفه الناس عيشا وأكثرهم خصبا وشرابهم المسمى آنزيز وهو حلو يسكر سكرا عظيما ويفعل بشاربه ما لا تفعله الخمر لمتانته وغلظ مزاجه وذلك أنهم يأخذون من عصير العنب الحلو فيطبخونه بالنار إلى أن يذهب منه الثلث ويزال عن النار ويرفع ويشرب ولا سبيل إلى شربه إلا أن يخلط بمثله ماء وأهل السوس الأقصى يرون شربه حلالا ما لم يتعد به إلى حد السكر.
وبين مدينتي السوس أعنى تارودنت وتويوين يوم في جنات وبساتين وكروم وأشجار وأنواع من الفواكه واللحوم عندهم ممكنة رخيصة جدا والغالب عليهم الشرة والبطر ومن بلاد السوس إلى مدينة اغمات ست مراحل في بلاد وقبائل من البرابر المصامدة يقال لهم انتى نتات وبنو واسنو وانكطوطاون وانسطيط وارعن واكنفيس وانتوزكيت وكل هذه القبائل من البرابر المصامدة العامرين لهذه البلاد والجهات ومنهم نافيس الجبل ونفيس مدينة صغيرة حولها عمارات وطوائف من قبائلها المنسوبين إليها وبها من الحنطة والفواكه واللحوم ما لا يكون في كثير من البلاد غيرها وبها جامع وسوق نافقة وبها من أنواع الزبيب كل عجيبة من جمال المنظر وحلاوة الذوق وكبر المقدار وهو مع ذلك كثير جدا مشهور العين في بلاد الغرب الأقصى.
والطريق من تارودنت السوس إلى مدينة اغمات وريكة مع أسفل جبل درن الأعظم الذي ليس جبل مثله إلا القليل في السمو وكثرة الخصب وطول المسافة واتصال العمارات ومبدؤه من البحر المحيط في أقصى السوس.

ويمر مع المشرق مستقيما حتى يصل إلى جبال نفوسة فيسمى هناك بجبل نفوسة ويتصل بعد ذلك بجبال طرابلس ثم يدق هناك ويخفى أثره وقد حكى غير واحد من الفيوج أن طرف هذا الجبل يصل إلى البحر حيث الطرف المسمى أوثان وفي كل هذا الجبل كل طريفة من الثمار وغرائب من الأشجار والماء يطرد منه وبوسطه وحوافيه يوجد النبات أبدا مخضرا في كل الأزمان وعلى أعلاه جمل من قلاع وحصون تشف على نيف وسبعين حصنا ومنها الحصن المنيع القليل مثله في حصون الأرض بنية وتحصنا ومنعة وهو في أعلى الجبل ومن حصانته وثقافة مكانه أن أربعة رجال يمسكونه ويمنعون الصعود إليه لأن الصعود إليه على مكان ضيق وعر المرتقى لأنه يشبه الدرج الحرج ولا ترتقي إليه دابة البتة إلا بعد جهد ومشقة واسم هذا الحصن تانملت وهو كان عمدة المصمودي محمد بن تومرت حين ظهر بالمغرب وهو الذي زاد في تشييده ونظر في تحصينه وجعله مدخرا لأمواله وبه الآن قبره لأنه أمر بذلك فلما مات بجبل الكواكب احتمله المصامدة إليه وحموه ودفنوه بهذا الحصن وقبره في هذا الوقت بيت جعله المصامدة حجا يقصدون إليه من جميع بلادهم وعليه بناء متقن كالقبة العالية لكنها غير مزخرفة ولا مزينة كل ذلك على طريق الناموس.
وفي هذا الجبل من الفواكه التين الكثير الكبير الطيب المتنامي في الطيب البالغ الحلاوة وفيه العنب المستطيل العسلي الذي لا يوجد في أكثره نوى ومنه يتخذ الزبيب الذي عليه يتنقل ملوك المغرب لرقة قشرته وعذوبة طعمه واعتدال غذائه وفيه الجوز واللوز وأما السفرجل والرمان فيكون به منهما ما يباع الحمل منه بقيراط واحد وبه من الإجاص والكمثرى والمشمش كل غريبة وكذلك الأترج والقصب الحلو حتى أن أهل هذا الجبل لا يبيعونه بينهم ولا يشترونه لكثرته وعندهم شجر الزيتون والخرنوب والمشتهى وسائر الفواكه وبهذا الجبل شجر كبير يسمى بالبربرية ارقان وهي تشبه شجر الإجاص أغصاناً وفروعاً وأوراقاً ولها ثمر شبيه بثمر العيون في أول نباته قشرته العليا رقيقة خضراء فإذا تناهت اصفرت لكنها في نهاية العفوصة والحموضة وداخله نرى شبيه بالزيتونة المحدودة الرأس صلب ولا يطيب طعم هذا الثمر البتة فإذا كان في آخر شهر شتبر جمع ووضع بين يدي المعز فتبتلعه بعد أن تأكل قشرته العليا ثم تلقميه بعد فيجمع ويعسل ويكسر ويدق لبه ويعصر فيخرج منه دهن كثير صافي اللون عجيب المنظر إلا أنه ليس بعذب الطعم فيه أدنى حرافة وهذا الزيت كثير جداً معروف ببلاد الغرب الأقصى ولكثرته يسرجون به قناديلهم ويقلى به الدخانيون الإسفنج في الأسواق وله إذا مسته النار رائحة كريهة حريفة ولكنه يعذب طعمه في الإسفنج ونساء المصامدة يدهن رؤوسهن به على المشط فتحسن شعورهن بذلك وتطول وتتكسر ويمسك الشعر على لونه من السواد.
ومدينة اغمات وريكة أسفل هذا الجبل من جهة الشمال في فحص أفيح طيب التراب كثير النبات والأعشاب والمياه تخترقه يمينا وشمالا وتطرد بساحاته ليلا ونهارا وحولها جنات محدقة وبساتين وأشجار ملتفة ومكانها أحسن مكان من الأرض فرجة الأرجاء طيبة الثرى عذبة الماء صحيحة الهواء وبها نهر ليس بالكبير يشق المدينة ويأتيها من جنوبها فيمر إلى أن يخرج من شمالها وعليه أرحاؤهم التي يطحنون بها الحنطة وهذا النهر يدخل المدينة يوم الخميس ويوم الجمعة والسبت والأحد وباقي أيام الجمعة يأخذونه لسقي جناتهم وأرضيهم ويقطعونه عن البلد فلا يجري منه إليه شيء.

ومدينة اغمات مدينة تكنفها جبل درن كما قلناه فإذا كان زمن الشتاء تحللت الثلوج النازلة بجبل فيسيل ذوبانها وربما إلى نهر اغمات وربما جمد في داخل المدينة حتى يجتاز الأطفال عليه وهو جامد فلا يتكسر لشدة جموده وهذا شيء عايناه بها غير مرة ومدينة اغمات أهلها هوارة من قبائل البربر المتبربرين بالمجاوره وهم أملياء تجار مياسير يدخلون إلى بلاد السودان بأعداد الجمال الحاملة لقناطير الأموال من النحاس الأحمر والملون والأكسية وثياب الصوف والعمائم والمآزر وصنوف النظم من الزجاج والأصداف والأحجار وضروب من الأفاويه والعطر وآلات الحديد المصنوع وما منهم رجل يسفر عبيده ورجاله إلا وله في قوافلهم مائة جمل والسبعون والثمانون جملا كلها موقرة ولم يكن في دولة المتلثم أحد أكثر منهم أموالا ولا أوسع منهم أحوالا وبأبواب منازلهم علامات تدل على مقاديرهم وذلك أن الرجل منهم إذا ملك أربعة آلاف دينار يمسكها مع نفسه وأربعة آلاف يصرفها في تجارته أقام على يمين بابه وعن يساره عرصتين من الأرض إلى أعلى السقف وبنيانهم بالآجر وبالطوب والطين أكثر فإذا مر الخاطر بدار ونظر إلى تلك العرص مع الأبواب قائمة عدها فيعلم من عددها كم مبلغ مال صاحب الدار لأنه قد يكون من هذه العرص خلف الباب أربع وست مع كل عضادة اثنتان وثلاث وأما الآن في وقت تأليفنا هذا الكتاب فقد أتي على أكثر أموالهم وغيرت المصامدة ما كان بأيديهم من نعم الله ولكنهم مع هذا أملياء مياسير أغنياء لهم نخوة واعتزاز لا يتحولون عنه وبمدينة اغمات عقارب كثيرة وكثيراً ما تلسب الناس فتؤذيهم وربما مات من لسبته وبمدينة اغمات ضروب من الفواكه وأنواع من النعم وكل شيء من المأكول بها رخيص ممكن.
وبشمال هذه المدينة وعلى اثني عشر ميلا منها مدينة بناها يوسف بن تاشفين في صدر سنة سبعين وأربع مائة بعد أن اشترى أرضها من أهل اغمات بجملة أموال واختطها له ولبني عمه وهي في وطاء من الأرض ليس حولها شيء من الجبال إلا جبل صغير يسمى ايجليز ومنه قطع الحجر الذي بني منه قصر أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين وهو المعروف بدار الحجر وليس في موضع مدينة مراكش حجر البتة إلا ما كان من هذا الجبل وإنما بناؤها بالطين والطوب والطوابي المقامة من التراب وماؤها الذي تسقى به البساتين مستخرج بصنعة هندسية حسنة استخرج ذلك عبيد الله بن يونس المهندس وسبب ذلك أن ماءهم ليس ببعيد الغور موجود إذا احتفر قريباً من وجه الأرض وذلك أن هذا الرجل المذكور وهو عبيد الله بن يونس جاء إلى مراكش في صدر بنائها وليس بها إلا بستان واحد لأبي الفضل مولى أمير المسلمين المقدم ذكره فقصد إلى أعلى الأرض مما يلي البستان فاحتفر فيه بئراً مربعة كبيرة التربيع ثم احتفر منها ساقية متصلة الحفر على وجه الأرض ومر يحفر بتدرج من أرفع إلى أخفض متدرجا إلى أسفله بميزان حتى وصل الماء إلى البستان وهو منسكب مع وجه الأرض يصب فيه فهو جار مع الأيام لا يفتر وإذا نظر الناظر إلى مسطح الأرض لم ير بها كبير ارتفاع يوجب خروج الماء من قعرها إلى وجهها وإنما يميز ذلك عالم بالسبب الذي به استخرج ذلك الماء والسبب هو الوزن للأرض فاستحسن ذلك أمير المسلمين من فعل عبيد الله بن يونس والمهندس وأعطاه مالا وأثوابا وأكرم مثواه مدة بقائه عنده ثم إن الناس نظروا إلى ذلك ولم يزالوا يحفرون الأرض ويستخرجون مياهها إلى البساتين حتى كثرت البساتين والجنات واتصلت بذلك عمارات مراكش وحسن قطرها ومنظرها ومدينة مراكش في هذا الوقت من أكبر مدن المغرب الأقصى لأنها كانت دار إمارة لمتونة ومدار ملكهم وسلك جميعهم وكان بها أعداد قصور لكثير من الأمراء والقواد وخدام الدولة وأزقتها ورحابها فسيحة ومبانيها سامية وأسواقها مختلفة وسلعها نافقة.
وكان بها جامع بناه أميرها يوسف بن تاشفين فلما كان في هذا الوقت وتغلب عليها المصامد وصار الملك ثم تركوا ذلك الجامع عطلا مغلق الأبواب لا يرون الصلاة فيه وصنعوا لأنفسهم مسجدا جامعا يصلون فيه بعد أن نهبوا الأموال وسفكوا الدماء وباعوا الحرم كل ذلك بمذهب لهم يرون ذلك فيه حلالاً وشرب أهل مراكش من الآبار ومياهها كلها عذبة وآبارهم قريبة معينة وكان علي بن يوسف قد جلب إلى مراكش ماء من عين بينها وبين المدينة أميال ولم

يستتم ذلك فلما تغلب المصامده على الملك وصار لهم وبأيديهم تمموا جلب ذلك الماء إلى داخل المدينة وصنعوا به سقايات بقرب دار الحجر وهي الحظيرة التي فيها القصر منفرداً متحيزاً بذاته والمدينة بخارج هذا القصر وطول المدينة أشف من ميل وعرضها قرب ذلك وعلى ثلاثة أميال من مراكش نهر لها يسمى تانسيفت وليس بالكبير لكنه دائم الجري وإذا كان زمن الشتاء حمل بسيل كبير لا يبقى ولا يذر وكان أمير المسلمين علي بن يوسف بنى على هذا النهر قنطرة عجيبة البناء متقنة الصنع بعد أن جلب إلى عملها صناع الأندلس وجملا من أهل المعرفة بالبناء فشيدوها وأتقنوا بنيانها حتى كملت ثم لم تلبث غير أعوام يسيرة حتى أتى عليها السيل فاحتمل أكثرها وأفلت عقدها وهدمها ورمى بها في البحر الزخار وهذا الوادي يأتي إليه الماء من عيون ومياه منبعثة من جبل درن من ناحية مدينة اغمات ايلان.
واغمات ايلان مدينة صغيرة في أسفل جبل درن المذكور وهي في الشرق من اغمات وريكة السابق ذكرها وبينهما ستة أميال وبهذه المدينة يسكن يهود تلك البلاد وهي مدينة حسنة كثيرة الخصب كاملة النعم وكانت اليهود لا تسكن مدينة مراكش عن أمر أميرها علي بن يوسف ولا تدخلها إلا نهارا وتنصرف عنها عشية وليس دخولهم في النهار إليها إلا لأمور له وخدم تختص به ومتى عثر على واحد منهم بات فيها استبيح ماله ودمه فكانوا ينافرون المبيت بها حياطة على أموالهم وأنفسهم.
وأهل مراكش يأكلون الجراد ويباع منه بها كل يوم الثلاثون حملا فما دونها وفوقها بقبالة عليه وكانت أكثر الصنع بمدينة مراكش متقبلة عليها مال لازم مثل سوق الدخان والصابون والصفر والمغازل وكانت القبالة على كل شيء يباع دق أو جل كل شيء على قدره فلما ولي المصاميد وصار الأمر إليهم قطعوا القبالات بكل وجه وأراحوا منها واستحلوا قتل المتقبلين لها ولا تذكر الآن القبالة ذكرا في شيء من بلاد المصامدة ويسكن بقبلة مراكش من قبائل البربر ايلان وهم مصاميد وحولها من القبائل نفيس وبنو يدفر ودكال ورجراجة وزودة وهسكورة وهزرجة ويسكن بغربي اغمات وشرقيها مصاميد وريكة.
ومن مدينة مراكش إلى مدينة سلا على ساحل البحر تسع مراحل أولها تونين وتونين قرية على أول فحص أفيح لا عوج به ولا أمتا وطول هذا الفحص مرحلتان ويسكنه من قبائل البربر قزولة ولمطة وصدرات ومن تونين إلى قرية تيقطين مرحلة إلى قرية غفسيق مرحلة وهي قرية على أخر الفحص المذكور وصحن هذا الفحص كله نبات الشوك المسمى بالسدرة المثمرة بالنبق وفيه السلاحف البرية التي تفوق السلاحف البحرية كبراً وعظماً وأهل تلك النواحي يتخذون من جلودها دساتى للغسل ومعاجن لدقيق الحنطة وغيره.
ومن قرية غفسيق إلى قرية أم ربيع مرحلة وهي قرية كبيرة جامعة وبها أخلاط من برابر رهونة وبعض زناتة وتامسنا وقبائل تامسنا شتى مفترقة فمنهم برغواطة ومطماطة وبنو تسلت وبنو اويقمران وزقارة وبعض من زناتة وبنو يجفش من زناتة وكل هذه القبائل أصحاب حرث ومواش وجمال والغالب عليهم الفروسية وآخر سكناهم مرسى فضالة ومرسى فضالة على البحر المحيط الغربي وبينه وبين وادي أم ربيع ثلاث مراحل.
وأم ربيع على واد كبير خرار يجاز بالمراكب سريع الجري كثير الانحدار كثير الصخور والجنادل وبهذه القرية ألبان وأسمان ونعم رغدة وحنطة في نهاية الرخص وبها بقول ومزارع القطاني والقطن والكمون وهي في جنوب الوادي ويجاز هذا الوادي إلى غيضة كبيرة من الطرفاء والأنشام وكثير العليق وهي غابة كبيرة ملتفة والأسد بها كثيرة وربما أضرت بالمار والجائي غير أن أهل تلك النواحي لا يهابونها وقد تمهروا في مقاتلتها بأنفسهم من غير سلاح وإنما يلقونها بأنفسهم عراة يلقون أكسيتهم على أذرعهم ويمسكون معهم قنات من شوك السدرة وسكاكينهم بأيديهم لا غير وقد لقيت الأسود منهم هناك نكايات فلا مهابة بذلك لها عندهم بل تخاف ضرهم وتجتنب طرقهم وربما هجمت على الضعفاء من الناس ممن يقتاد حماراً أو غير ذلك.
ومن أم ربيع إلى قرية ايغيسل مرحلة وهي قرية حسنة وبها عيون كثيرة دفاعة بالماء بين صخور صلدة وهذا الماء يتصرف في سقي كثير من زروعهم.

ومن هذه القرية إلى قرية انقال مرحلة ويقال لها دار المرابطين أيضاً وبها عين عليها أقباء وماؤها معين وهي حسنة في موضعها كثيرة الزروع والمواشي والإبل والبقر وقبالتها فحص طويل قد انحشرت إليه طيور النعام فهي في أكنافه سارحة وعلى مراقبه دارجة وهي آلاف لا تحد ولا تعد وأهل تلك النواحي يصيدونها طرداً بالخيل فيقبضون منها جملاً كباراً وصغاراً وأما بيضها الموجود في هذا الفحص فلا يحاط به كثرة ولا يحصل ومنه يحمل إلى كل البلاد وطعامها وخيم يفسد المعد وأما لحوم النعام فلحوم باردة يابسة وشحومها نافعة عندهم من الصمم تقطيرا ومن سائر الأوجاع البدنية.
ومن انقال إلى قرية مكول مرحلة وقرية مكول على أبطح ويتصل بها فحص يقال له فحص خراز وطوله اثنا عثر ميلا لا ماء به وقرية مكول كالحصن الكبير عامرة بالبربر ولها سوق نافقة بما يجلب إليها من جميع المجلوبات من السلع والمتاجر التي يضطر الأحتياج إليها وبها زروع كثيرة ومواش وأنعام ومن مكول إلى قرية اكسيس مرحلة صغيرة والطريق على فحص خراز وفي آخر الفحص واد فيه ماء جار دائما وعليه غابات ثمار والأسود فيها ظاهرة للناس عادية عليهم بالليل والنهار ظاهرة لا تستتر في غياضها وبهذه القرية المسماة اكسيس بيت متخذ لصيد الأسود حتى أنه ربما صيد منها في الجمعة الثلاثة والأربعة والأكثر من ذلك والأقل والأسود تفر من النار إذا رأتها ولا سبيل لها على صاحب نار.
ومن قرية اكسيس إلى مدينة سلا مرحلة ومدينة سلا الحديثة على ضفة البحر وكانت في القديم من الزمان مدينة شالة على ميلين من البحر وموضعها على ضفة نهر اسمير الذي يتصل الآن بمدينة سلا الحديثة وهناك مصبه في البحر وأما شالة القديمة فهي الآن خراب وبها بقايا بنيان قائم وهياكل سامية ويتصل بخرابها عمارات متصلة وزروع ومواش لأهل سلا الحديثة وسلا الحديثة على ضفة البحر الملح منيعة من جانب البحر لا يقدر أحد من أهل المراكب على الوصول إلها من جهته وهي مدينة حسنة حصينة في أرض رمل ولها أسواق نافقة وتجارات ودخل وخرج وتصرف لأهلها وسعة أموال ونمو أحوال والطعام بها كثير رخيص جدا وبها كروم وغلات وبساتين وحدائق ومزارع ومراكب أهل اشبيلية وسائر المدن الساحلية من الأندلس يقلعون عنها ويحطون بها بضروب من البضائع وأهل اشبيلية يقصدونها بالزيت الكثير وهو بضاعتهم ويتجهزون منها بالطعام إلى سائر بلاد الأندلس الساحلية والمراكب الواردة عليها لا ترسى منها في شيء من البحر لأن مرساها مكشوف وإنما ترسى المراكب بها في الوادي الذي قدمنا ذكره.
وتجوز المراكب على فمه بدليل لأن في فم الوادي أحجار وتروش تنكسر عليها المراكب وفيه أعطاف لا يدخلها إلا من يعرفها وهذا الوادي يدخله المد والجزر في كل يوم مرتين وإذا كان المد دخلت المراكب به إلى داخل الوادي وكذلك تخرج في وقت خروجها وفي هذا الوادي أنواع من السمك وضروب من الحيتان والحوت بها لا يكاد يباع ولا يشترى لكثرته وجودته وكل شيء من المأكولات في مدينة سلا موجود بأيسر القيمة وأهون الثمن.
ومن مدينة سلا مع البحر الملح إلى جزائر الطير اثنا عشر ميلا ومنها في جهة الجنوب إلى مرسى فضالة اثنا عشر ميلا ومرسى فضالة ترده المراكب من بلاد الأندلس وحائط البحر الجنوبي فتحمل منها أوساقها طعاماً حنطة وشعيراً وفولاً وحمصاً وتحمل منها الغنم أيضاً والمعز والبقر.
ومن فضالة إلى مرسى آنفا أربعون ميلاً وهو مرسى مقصود تأتي إليه المراكب وتحمل منه الحنطة والشعير ويتصل به في ناحية البر عمارات من البرابر من بني يدفر ودكال وغيرهما.

ومن آنفا إلى مرسى مازيغن خمسة وستون ميلاً روسية ومن مازيغن إلى البيضاء جون، وهو ثلاثون ميلا ومن البيضاء إلى مرسى الغيط خمسون ميلاً وهو جون ثان ومن الغيط إلى آسفي خمسون ميلا ومن آسفي إلى طرف جبل الحديد ستون ميلا ومن طرف جبل الحديد إلى الغيط التي في الجون خمسون ميلا وكذلك من طرف مازيغن إلى آسفي روسية خمسة وثمانون ميلا وتقويرا مائة وثلاثون ميلا ومرسى آسفي كان فيما سلف آخر مرسى تصل إليه المراكب فأما الآن فهي تجوزه بأكثر من أربعة مجار وآسفي عليه عمارات وبشر كثير من البرابر المسمين رجراجة وزودة وأخلاط من البرابر والمراكب تحمل منه أوساقها في وقت السفر وسكون حركة البحر المظلم وإنما سمي هذا المرسى بآسفي لأمر سنأتي به عند ذكرنا لمدينة اشبونة بغربي الأندلس وذكر الشيء في موضعه أليق وأوفق والحمد لله كثيرا.
ومن مرسى آسفي إلى مرسى ماست في طرف الجون مائة وخمسون ميلا ومرسى الغيط مرسى حسن مكن من بعض الرياح والمراكب تصل إليه فتخرج منه الحنطة والشعير ويتصل به من قبائل البربر دكالة وأرض دكاله كلها منازل وقرى ومناهل ومياهها قليلة وتتصل دكالة إلى مرسى ماست إلى تارودنت السوس ويسكنها قوم من المصاميد لهم حرث وزرع ومواش كثيرة وقد ذكرنا ذلك قبل هذا.
ومن مدينة اغمات مع الشرق والشمال إلى مدينتي داي وتادلة أربعة أيام وبين داي وتادلة مرحلة ومدينة داي في أسافل جبل خارج من جبل درن وهي مدينة بها معدن النحاس الخالص الذي لا يعدله غيره من النحاس بمشارق الأرض ومغاربها وهو نحاس حلو لونه إلى البياض يتحمل التزويج ويدخل في لجام الفضة وهو إذا طرق جاد ولم يتشرح كما يتشرح غيره من أنواع النحاس وهذا المعدن ينسبه العوام إلى السوس وليست مدينة داي من بلاد السوس لان بينهما مسافات أيام كثيرة ومن هذا المعدن يحمل إلى سائر البلاد ويتصرف به في كثير من الأعمال ومدينة داي صغيرة لكنها كثيرة العامر والقوافل عليها صادرة وواردة ويزرع بها وبأرضها كثير القطن ولكنه بمدينة تادلة يزرع أكثر مما يزرع بمدينة داي ومن مدينة تادلة يخرج القطن كثيرا ويسافر به إلى كل الجهات ومنه كل ما يعمل من الثياب القطنية ببلاد المغرب الأقصى ولا يحتاجون مع قطنها إلى غيره من أنواع القطن المجلوب من سائر الأقطار وبهاتين البلدتين أرزاق ومعايش وخصب ونعم شتى وأهلها أخلاط من البربر.
وفي شرقي تادلة وداى من البرابر بنو وليهم وبنو ويزكون ومنداسة ويسكن بهذا الجبل النازل إلى داي قوم من صنهاجة يقال لهم املو.
ومن مدينة تادلة إلى مدينة تطن وقرى أربع مراحل وهي مدينة صغيرة لكنها متحضرة يسكنها قوم من أخلاط البرابر وبها مزارع وحنطة كثيرة ولها مواش وأغنام ومن مدينة تطن وقرى إلى مدينة سلا التي على الساحل يومان وقد ذكرنا مدينة سلا قبل هذا.
ومن مدينة سلا إلى مدينة فاس أربع مراحل ومدينة فاس مدينتان بينهما نهر كبير يأتي من عيون تسمى عيون صنهاجة وعليه في داخل المدينة أرحاء كثيرة تطحن بها الحنطة بلا ثمن له خطر والمدينة الشمالية منهما تسمى القرويين وتسمى الجنوبية الأندلس والأندلس ماؤها قليل لكن يشقها نهر واحد يمر بأعلاها وينتفع منه ببعضها وأما مدينة القرويين فمياهها كثيرة تجري منها في كل شارع وفي كل زقاق ساقية متى شاء أهل الموضع فجروها فغسلوا مكانهم منها ليلا فتصبح أزقتهم ورحابهم مغسولة وفي كل دار منها صغيره كانت أو كبيرة ساقية ماء نقيا كان أو غير نقي وفي كل مدينة منهما جامع ومنبر وإمام وبين المدينتين أبدا فتن ومقاتلات وبالجملة إن أهل مدينة فاس يقتل فتيانها بعضهم بعضاً وبمدينة فاس ضياع ومعايش ومبان سامية ودور وقصور ولأهلها اهتمام بحوائجهم ومبانيهم وجميع آلاتهم ونعمها كثيرة والحنطة بها رخيصة الأسعار جدا دون غيرها من البلاد القريبة منها وفواكهها كثيرة وخصبها زائد وبها في كل مكان منها عيون نابعة ومياه جارية وعليها قباب مبنية ودواميس محنية ونقوش وضروب من الزينة وبخارجها الماء مطرد نابع من عيون غزيرة وجهاتها مخضرة مؤنقة وبساتينها عامرة وحدائقها ملتفة وفي أهلها عزة ومنعة.

ومنها إلى سجلماسة ثلاث عشرة مرحلة والطريق على صفروي إلى قلعة مهدي إلى تادلة إلى داي إلى شعب الصفا ويشق الجبل الكبير إلى جنوبه ومن هناك إلى سجلماسة فأما مدينة صفروي فمنها إلى فاس مرحلة وكذلك منها إلى قلعة مهدي مرحلتان وصفروي مدينة صغيرة متحضرة بها أسواق قليلة وأكثر أهلها فلاحون وزروعهم كثيرة ولهم جمل مواش وأنعام ومياههم عذبة غدقة.
وأما قلعة مهدي فهي حصن حصين فوق جبل شامخ ولها أسواق وعمارات ومزارع وغلات وبقر وغنم وأحوال واسعة ومن قلعة مهدي إلى مدينة تادلة مرحلتان ويسكن في قبلة قلعة مهدي قبائل زناتة من بني سمجون وبني عجلان وبني تسكدلت وبني عبد الله وبني موسى وبني ماروى وتكلمان واريلوشن وانتقفاكن وبني سامرى وكذلك بين مدينة فاس ومكناسة أربعون ميلا في جهة المغرب ومكناسة مدائن عدة وهي في طريق سلا والطريق إليها من فاس إلى مدينة مغيلة.
ومدينة مغيلة كانت قبل هذا الوقت متحضرة كثيرة التجارات متصلة العمارات وهي في فحص أفيح كثير الأعشاب والخضر والنواوير والأشجار والثمار وهي الآن فيها بقايا عمارات وخراباتها متصلة والمياه تخترق في كل جانب منها ومكانها حسن وهواؤها معتدل.
ومن مغيلة إلى وادي سنات إلى فحص النخلة إلى مكناسة ومدينة مكناسة هي المسماة تاقررت وهي الآن باقية على حالها لم يدركها كبير تغير وهي مدينة حسنة مرتفعة على الأرض يجري في شرقيها نهر صغير عليه أرحاء وتتصل بها عمارات وجنات وزروع وأرضها طيبة للزراعات ولها مكاسب وأحوال طائلة ومكناسة سميت بإسم مكناس البربري لما نزلها مع بنيه عند حلولهم بالمغرب وأقطع لكل ابن من بنيه بقعة يعمرها مع ولده وكل هذه المواضع التي أحلهم فيها تتجاور وتتقارب أمكنتها بعضها من بعض وبلاد مكناسة منها التي تعرف ببني زياد وهي مدينة عامرة لها أسواق عامرة وحمامات وديار حسنة والمياه تخترق أزقتها ولم يكن في أيام الملثم بعد تاقررت أعمر قطرا من بني زياد وبينهما نحو من ربع ميل.
ومنها إلى بني تاورة نحو ذلك وبين تاورة وتاقررت نحو ذلك وكانت مدينة تاورة متحضرة جامعة عامرة وأسواقها كثيرة والصناعات بها نافقة والنعم والفواكه لا تقضى بها حاجة والماء يأتيها من جنوبها من نهر كبير فينقسم في أعلاها ويمر ما انقسم هناك من المياه فيخترق جميع أزقتها شوارعها وأكثر دورها.
وبين تاورة وبني زياد مدينتان صغيرتان إحداهما القصر وهي مدينة صغيرة في الطريق من تاقررت إلى السوق القديمة على رميتي سهم وهذه المدينة بناها أمير من أمراء الملثمين وجعل لما سورا حصينا وبنى بها قصرا حسنا ولم تكن بها أسواق كثيرة ولا طائل تجارات وإنما كان ذلك الأمير يسكنها مع جلة بني عمه والمدينة الأخرى في شرقي هذه المدينة تعرف ببني عطوش وهي ديار متصلة وعمارات في بساتين لهم هناك ولهم أشجار وغلات وزيتون كثير وشجر تين وأعناب وفواكه جمة وكل ذلك بها ممكن رخيص.
ومن أسفا هذه المنازل إلى قبيلة من مكناسة على مجرى الماء الذي يأتي من بني عطوش وتسمى هذه القبيلة بني برنوس وهي منازل وديار لهم وبها مزارع وكروم وعمارات وشجر زيتون كثيرة وفواكههم موجود تباع بالثمن اليسير وفي شمال قصر أبي موسى سوق تقصد إليها في يوم كل خميس يجتمع إليه جميع قبائل بني مكناس وهي سوق نافقة لما جلب إليها ويقصد إليها من بعيد وقريب وتسمى السوق القديمة ومن قبائل بني مكناس المجاورة لهذه البلاد بنو سعيد وبنو موسى ويسكنها من غير قبائل مكناسة بنو بسيل ومغيلة وبنو مصعود وبنو علي وورياغل ودمر وواربة وصبغاوة وهي من أخصب البقاع أرضاً وأنماها زرعاً وأكثرها خيراً وأنجبها نتاجاً وهم برابر يلبسون الأكسية ويربطون العمائم.
ومن بلاد مكناسة في جهة الغرب إلى قصر عبد الكريم ثلاث مراحل وقصر ابن عبد الكريم يسكنه قوم من البربر يسمون دنهاجة وهي مدينة صغيرة عامرة بأخلاط دنهاجة وهي على نهر اولكس ويجري منها في جهة الجنوب وبينها وبين البحر نحو من ثلاثة أميال في أرض أكثرها رمل ولما مزارع وخصب وصيود بر وبحر وبها سوق عامرة وجمل صناعات ومن قصر عبد الكريم إلى مدينة سلا التي على البحر الملح مرحلتان من القصر إلى المعمورة ومن المعمورة إلى سلا ونهر اولكس نهر كبير من أنهار المغرب المشهورة وتمده أنهار كثيرة وعيون نابعة وعليه عمارات وقرى وديار.

ومدينة فاس قطب ومدار لمدن المغرب الأقصى ويسكن حولها قبائل من البربر ولكنهم يتكلمون بالعربية وهم بنو يوسف وفندلاوة وبهلول وزواوة ومجاصة وغياتة وسلالحون وفاس هذه هي حضرتها الكبرى ومقصدها الأشهر وعليها تشهد الركائب وإليها تقصد القوافل ويجلب إلى حضرتها كل غريبة من الثياب والبضائع والأمتعة الحسنة وأهلها مياسير ولها من كل شيء حسن أكبر نصيب وأوفر حظ ومن مدينة فاس إلى مدينة سبتة على بحر الزقاق شمالاً سبع مراحل.
ومن فاس إلى تلمسان تسع مراحل والطريق بينهما هو أن تخرج من فاس إلى نهر سبو وهو نهر عظيم يأتي من نواحي جبل القلعة لابن توالة ويمر حتى يحاذي فاس من جهة شرقيها وعلى ستة أميال منها وهناك يقع نهر فاس مع ما اجتمع معه من سائر العيون والأنهر الصغار وعليه قرى وعمارات ويمر الطريق منه إلى تمالتة مرحلة وهي قرية وعمارات على نهر لها يأيها من جهة الجنوب يقال له وادي ايناون.
ومنها إلى كرانطة مرحلة وكانت أيضاً فيما سلف من الزمان مدينة لها كروم كثيرة وفواكه ومزارع على السقي ومنها إلى باب زناتة نحو من عشرة أميال وهو واد عليه حرث يسقى به وبه أغنام وأبقار وزروع كثيرة تقرب من نهر ايناون.
ومنها إلى قلعة كرمطة مرحلة وبها سوق وزروع وضرع وهذه القلعة مطلة على نهر ايناون ومن كرمطة في أسفل الجبل إلى مراوز وهي قلعة صغيرة أكثرها خلا مرحلة وبها القمح والشعير كثيراً.
ومنها إلى وادي مسون مرحلة والطريق إليه على تابرندا وهو حصن منيع على أكمة مطلة على وادي ملوية ووادي ملوية يقع إلى وادي صاع فيجتمعان معا ويصبان في البحر ما بين جراوة ابن قيس ومليلة.
ومنها إلى صاع مرحلة وهي مدينة لطيفة صغيرة بأسفل كدية تراب مطلة على نهر كبير يشق أرباضها ويخترق ديارها وهي الآن مهدمة خربها المصاميد ومنها إلى جراوة مرحلة وبين جراوة والبحر ستة أميال وكانت عامرة.
ومنها إلى برقانة مرحلة وهي قلعة عليها حصن منيع ولها سوق عامرة وبها مياه كثيرة ولها جنات وكروم ومنها إلى العلويين مرحلة وهي قرية كبيرة على نهر يأتها من القبلة وفواكهها فاضلة وخيراتها شاملة.
ومنها إلى تلمسان مرحلة لطيفة وتلمسان مدينة أزلية ولها سور حصين متقن الوثاقة وهي مدينتان في واحدة يفصل يينهما سور ولها نهر يأتيها من جبلها المسمى بالصخرتين وعلى هذا الجبل حصن بناه المصمودي قبل أخذه تلمسان ولم تزل المصامدة قاطنين به إلى أن فتحوا تلمسان وهذا الوادي يمر في شرقي المدينة وعليه أرحاء كثيرة وما جاورها من المزارع كلها مسقي وغلاتها ومزارعها كثيرة وفواكهها جمة وخيراتها شاملة ولحومها شحيمة سمينة وبالجملة إنها حسنة لرخص أسعارها ونفاق أشغالها ومرابح تجاراتها ولم يكن في بلاد المغرب بعد مدينة اغمات وفاس أكثر من أهلها أموالاً ولا أرفه منهم حالا ومدينة فاس أكبر من تلمسان قطرا وأجل منها قدرا وأكثر خيراً ومالاً وأعلى همة في المباني واتخاذ الديار الحسنة.
والطريق من مدينة فاس إلى بني تاودا مرحلتان وهذه المدينة بناها أمير من قبل الملثم وكانت مدينة قائمة بذاتها لكثرة زروعها ومفيد غلاتها وغزر ألبانها وسمنها وعسلها وأسواقها عامرة وخيراتها وافرة وكانت على مقربة من جبل غمارة وكانت بمكانها شبه الثغر سداً مانعاً من طغاة غمارة العابثين بتلك النواحي المغيرين على جوانبها وبينها وبين طرف جبل غمارة ثلاثة أميال وبين بني تاودا وفاس برية يشق في وسطها وادي سبو وبين وادي سبو في طريق بني تاودا وبين فاس عشرون ميلا ويسكن هذه البرية قبائل من البربر يسمون لمطة وحد عمارتهم من مدينة تاودا إلى وادي سبو المذكور ويمتدون بالعمارة إلى قرية عكاشة وبين هذه القرية وبني تاودا يوم وبينها وبين مدينة فاس يومان وهي أول مدينة من مدن الغرب التي حل بها الفساد ونزل بها التغيير واستأصلها المصامدة وهدموا أسوارها وصيروا قائم مساكنها أرضا ولم يبق من هذه المدينة المنسوبة لبني تاودا إلا مكانها وقد تراجع إلى مكانها نحو من مائة رجل فعمروها وزرعوا في أرضها لطيب ترابها ونمو زروعها وجودة حنطتها.
وأما من أراد الطريق إلى تلمسان من سجلماسة فالقوافل تسير من تلمسان إلى فاس ومن فاس إلى صفروى إلى تادلة إلى اغمات إلى بني درعه إلى سجلماسة.

والطريق الآخر تأخذه القوافل أيضاً لكن في النادر لأنه مفازة فمن شاء ذلك سار من مدينة تلمسان إلى قرية تارو مرحلة ومنها إلى جبل تامديت مرحلة ومنها إلى غايات وهي قرية خراب وبها بئر ماء معينة مرحلة ومنها إلى صدرات وهي أرض قوم من البربر مرحلة ومنها إلى جبل تيوى مدينة خراب وبها عين ماء خرارة وهي في أسفل جبل مرحلة ومنها إلى فتات بئر في وسط صحراء مرحلة ومنها إلى شعب الصفا مرحلتان وهذا الشعب هو بين جبال درن ومجرى نهر يأتي من هناك والطريق بينهما مرحلة ومنه إلى تندلى وهي قرية عامرة مرحلة ومنها إلى قرية تمسنان مرحلة ومنها إلى تقربت مرحلة ومنه إلى سجلماسة.
ثلاث مراحل وهذا الطريق قليل سالكوه إلا ندرة في الدهر.
ومدينة تلمسان قفل بلاد المغرب وهي على رصيف للداخل والخارج منها لا بد منها والاجتياز بها على كل حالة والطريق من تلمسان إلى مدينة تنس سبع مراحل تخرج من تلمسان إلى قرية العلويين وهي قرية كبيرة عامرة على ضفة نهر ولهم بها جنات ومياه جارية من عيون.
ومنها إلى قرية بابلوت مرحلة وهي قرية جليلة كثيرة الأهل والعمارة على نهر ليس به أرحاء وتسقى منه مزارع ومن بابلوت إلى قرية سنى التي على نهر مرغيت مرحلة وهو صغير والعيون بها والمياه تطرد في كل وجهة.
ومنها إلى رحل الصفاصف مرحلة وهو رحل عامر آهل على نهر يأتي من افكان من جهة المشرق ومن الرحل إلى افكان مرحلة وافكان هذه مدينة كانت لها أرحاء وحمامات وقصور وفواكه كثيرة وكان عليها سور تراب لكنه الآن تهدم وبقي أثره وواديها يشقها نصفين ويمضي منها إلى تاهرت.
ومنها إلى المعسكر مرحلة والمعسكر قرية عظيمة لها أنهار وثمار ومنها إلى جبل فرحان ماراً مع أسفله إلى قرية عين الصفاصف وبها فواكه كثيرة وزروع ونعم دارة مرحلة.
ومنها إلى مدينة يلل مرحلة ومدينة يلل بها عيون ومياه كثيرة وفواكه وزروع وبلادها جيدة للفلاحه وزروعها نامية.
ثم إلى مدينة غزة وهي مدينة صغيرة القدر فيها سوق مشهورة لها يوم معلوم وبها حمام وديار حسنة ولها مزارع.
ومنها إلى مدينة سوق إبراهيم مرحلة وهي على قدر غزة وموضعها على ضفة نهر شلف.
ومن سوق إبراهيم إلى باجة مرحلة وهي مدينة حسنة صغيرة لها إقليم به شجر التين كثير جدا ويعمل بها من التين شرائح على مثال الطوب وبذلك تسمى وتحمل منها إلى كثير من الأقطار.
ومنها إلى مدينة تنس مرحلة ومدينة تنس على مقربة من ضفة البحر الملح وعلى ميلين منه وبعضها على جبل وقد أحاط بها السور وبعضها في سهل الأرض وهي مدينة قديمة أزلية عليها سور حصين وحظيرة مانعة دائرة بها وشرب أهلها من عين ولها جهة الشرق واد كثير الماء وشربهم منه في أيام الشتاء والربيع وبها فواكه وخصب وبها إقلاع وحط ولها أقاليم وأعمال ومزارع وبها الحنطة ممكنة جداً وسائر الحبوب موجودة وتخرج منها إلى كل الآفاق في المراكب وبها من الفواكه كل طريفة ومن السفرجل الطيب المعنق ما يفوت الوصف في كبره وحسنه.
والطريق من تلمسان إلى مدينة وهران الساحلية وهما مرحلتان كبيرتان وقيل بل هي ثلاث مراحل وذلك أنك تخرج من تلمسان إلى وادي وارو فتنزل به وبينهما مرحلة ومنها إلى قرية تانيت فتنزل بها وهي مرحلة ومن هذه القرية إلى مدينة وهران ووهران على مقربة من ضفة البحر الملح وعليها سور تراب متقن وبها أسواق مقدرة وصنائع كثيرة وتجارات نافقة وهي تقابل مدينة المرية من ساحل بحر الأندلس وسعة البحر بينهما مجريان ومنها أكثر ميرة ساحل الأندلس ولها على بابها مرسى صغير لا يستر شيئاً ولها على ميلين منها المرسى الكبير وبه ترسى المراكب الكبار والسفن السفرية وهذا المرسى يستر من الريح وليس له مثال في مراسي حائط البحر من بلاد البربر وشرب أهلها من واد يجري إليها من البر وعليه بساتين وجنات وبها فواكه ممكنة وأهلها في خصب والعسل بها موجود وكذلك السمن والزبد والبقر والغنم بها رخيصة بالثمن اليسير ومراكب الأندلس إليها مختلفة وفي أهلها دهاقنة وعزة أنفس ونخوة.

والطريق من مدينة تنس إلى المسيلة من بلاد بني حماد بالغرب الأوسط تخرج من مدينة تنس إلى بني وازلفن مرحلة لطيفة في جبال وعرة وشواهق متصلة وبنو وازلفن قرية كبيرة لها كروم وجنات ذوات سوان يزرعون عليها البصل والشهدانج والحناء والكمون ولها كروم كثيرة ومعظمها على نهر شلف ومن تنس إلى شلف مرحلتان.
ومن بني وازلفن إلى الخضراء مرحلة وهي مدينة صغيرة حصينة على نهر صغير عليه عمارات متصلة وكروم وبها من السفرجل كل بديع ولها سوق وحمام وسوقها يجتمع إليه أهل تلك الناحية.
ومن الخضراء إلى مدينة مليانة مرحلة وهي مدينة قديمة البناء حسنة البقعة كريمة المزارع وهما نهر يقي أكثر حدائقها وجناتها وجانبي مزارعها ولها أرحاء بنهرها المذكور ولأقاليمها حظ من سقي نهر شلف وعلى ثلاثة أيام منها وفي جنوبها الجبل المسمى بجبل وانشريس يسكنه قبائل من البربر منها مكناسة وحرسون واوربة وبنو أبي خليل وكتامة ومطماطة وبنو مليلت وبنو وارتجان وبنو أبي خليفة ويصلاتن وزولات وبنو واتمشوس وزواوة ونزار ومطغرة ووارترين وبنو أبي بلال وايزكروا وبنو أبي حكيم وهوارة وطول هذا الجبل أربعة أيام وينتهي طرف هذا الجبل إلى قرب تاهرت.
ومن مدينة مليانة إلى كزناية مرحلة وهو حصن أزلي له مزارع وأسواق وهو على نهر شلف وله سوق يوم الجمعة يقصده بشر كثير.
ومن سوق كزناية إلى قرية ريغة مرحلة ولهذه القرية أرض متسعة وحروث ممتدة وفواكه وبساتين ولها سوق صالحة تقصد في يوم معلوم في كل جمعة يباع بها ويشترى ويقضى منها حوائج وبهذه القرية المذكورة مياه كثيرة وعيون مطردة ومنها إلى ماورغة مرحلة وهي قرية حسنة لكنها لطيفة القدر وبها زراعات وخصب ومياه جارية ومنها إلى اشير زيري مرحلتان وهو حصن حسن البقعة كثير المنافع وله سوق يوم معروف يجلب إليه كل لطيفة ويباع به كل طريفة ومنه إلى تامزكيدة مرحلة.
ثم إلى المسيلة مرحلتان وهي مستحدثة استحدثها علي بن الأندلسي في ولاية إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وهي عامرة في بسيط من الأرض ولها مزارع ممتدة أكثر مما يحتاج إليه ولأهلها سوائم خيل وأغنام وأبقار وجنات وعيون وفواكه وبقول ولحوم ومزارع قطن وقمح وشعير ويسكنها من البربر بنو برزال ودنداح وهوارة وصدراتة ومزاتة وهذه المدينة أيضاً عامرة بالناس والتجار وهي على نهر فيه ماء كثير مستنبط على وجه الأرض وليس بالعميق وهو عذب وفيه سمك صغير فيه طرق حمر حسنة ولم ير في بلاد الأرض المعمورة سمك على صفته وأهل المسيلة يفتخرون به ويكون مقدار هذا السمك من شبر إلى ما دونه وربما اصطيد منه الشيء الكثير فاحتمل إلى قلعة بني حماد وبينهما اثنا عشر ميلاً.
ومدينة القلعة من أكبر البلاد قطراً وأكثرها خلقاً وأغزرها خيراً وأوسعها أموالاً وأحسنها قصوراً ومساكن وأعمها فواكه وخصباً وحنطتها رخيصة ولحومها طيبة سمينة وهي في سند جبل سامي العلو صعب الارتقاء وقد استدار سورها بجميع الجبل ويسمى تاقربست وأعلى هذا الجبل متصل ببسيط من الأرض ومنه ملكت القلعة وبهذه المدينة عقارب كثيرة سود تقتل في الحال وأهل القلعة يتحرزون منها ويتحصنون من ضررها ويشربون لها نبات الفوليون الحراني ويزعمون أنه ينفع شرب درهمين منه لعام كامل فلا يصيب شاربها شيء من ألم تلك العقارب وهذا عندهم مشهور وقد أخبر بذلك من يوثق به في وقتنا هذا وحكى عن هذه الحشيشة أنه شربها وقد لسبته العقرب فسكن الوجع مسرعاً ثم إنه لسبته العقارب في سائر العام ثلاث مرات فما وجد لذلك اللسب ألماً وهذا النبات ببلد القلعة كثير.
والطريق من مدينة تلمسان إلى مدينة المسيلة من تلمسان إلى مدينة تاهرت أربع مراحل تخرج من تلمسان إلى تادرة وهي قرية في حضيض جبل فيها عين ماء خرارة مرحلة ومنها إلى قرية نداى مرحلة وهي قرية صغيرة في فحص أفيح بها بئران ماؤهما معين ومنها إلى مدينة تاهرت مرحلتان.

وبين مدينة تاهرت والبحر أربع مراحل ومدينة تاهرت كانت فيما سلف من الزمان مدينتين كبيرتين إحداهما قديمة والأخرى محدثة والقديمة من هاتين المدينتين ذات سور وهي على قنة جبل قليل العلو وبها ناس وجمل من البرابر ولهم تجارات وبضائع وأسواق عامرة وبأرضها مزارع وضياع جمة وبها من نتاج البراذين والخيل كل حسن وأما البقر والغنم بها فكثيرة جداً وكذلك العسل والسمن وسائر غلاتها كثيرة مباركة وبمدينة تاهرت مياه متدفقة وعيون جارية تدخل أكثر ديارهم ويتصرفون بها ولهم على هذه المياه بساتين وأشجار تحمل ضروباً من الفواكه الحسنة وبالجملة إنها بقعة حسنة.
ومن تاهرت إلى قرية اعبر مرحلة وهي قرية صغيرة على نهر صغير ومنها إلى قرية دارست مرحلة وهي قرية صغيرة جداً وزراعاتها كثيرة ومواشيها عامة ومنها إلى مدينة ماما مرحلتان وهي مدينة صغيرة لها سور من تراب وأكثره طوب ولها بما استدار بسورها خندق محفور ولها واد عذب عليه مزارع وغلات وإصابتها في الحنطة كثيرة ومن مدينة ماما إلى قرية ابن مجبر مرحلة وهي قرية كبيرة كثيرة الزروع عذبة المياه وشربهم من العيون وسكانها زناتة ومنها إلى اشير زيري التي قدمنا ذكرها مرحلة ومن اشير زيري إلى قرية سطيت مرحلة وبها عين ماء جارية ومنها إلى قرية هان في فحص رمل مرحلة وإليها مياه عيون وهي الآن خراب ومنها إلى المسيلة مرحلة.
وبين مدينة تلمسان وتاهرت يسكن بنو مرين وورتطغير وزير وورتيد ومانى واومانوا وسنجاسة وغمرة ويلومان وورماكسين وتجين وورشفان ومغراوة وبنو راشد وتمطلاس ومنان وزقارة وتيمنى وكل هذه القبائل بطون زناتة وهم أصحاب هذه الفحوص وهم قوم رحالة ظواعن ينتجعون من مكان إلى مكان غيره لاكنهم متحضرون وأكثر زناتة فرسان يركبون الخيل ولهم عادية لا تؤمن ولهم معرفة بارعة وحذق وكياسة ويد جيدة في علم الكتف ولا يدرى أن أحداً من الأمم أعلم بعلم الكتف من زناتة وهم منسوبون إلى جانا وهو أبو زناتة كلها وهو جانا ابن ضريس وضريس هو جالوت الذي قتله داود عليه السلام وضريس ابن لوى بن نفجاو ونفجاو هو أبو نفزاوة كلها ونفجاو ابن لوى الأكبر في برا بن قيس بن الياس بن مضر وزناتة في أول نسبهم عرب صرح وإنما تبربروا بالمجاورة والمحالفة للبرابر من المصاميد.
ولنرجع الآن إلى ذكر مدينة وهران فنقول إن من مدينة وهران السابق ذكرها إلى مدينة تنس مجريان وهي من الأميال مائتا ميل وأربعة أميال ومن مدينة تنس إلى برشك على الساحل ستة وستون ميلاً ومن مدينة تنس إلى مدينة مليانة في البر مرحلتان وبين مليانة وتاهرت ثلاث مراحل.
ومدينة برشك مدينة صغيرة على تل وعليها سور تراب وهي على ضفة البحر وشرب أهلها من عيون وماؤها عذب وافتتحها الملك المعظم رجار في سنة ( - ) وخمس مائة وبها فواكه وجمل مزارع وحنطة كثيرة وشعير.
ومنها إلى شرشال عشرون ميلاً ويصل بينهما جبل منيع يسكنه قبيلة من البربر تسمى ربيعة ومدينة شرشال صغيرة القدر لاكنها متحضرة وبها مياه جارية وآبار معينة عذبة وبها فواكه حسنة كثيرة وسفرجل كبير الجرم ذو أعناق كأعناق القرع الصغار وهو من الطرائف غريب في ذاته وبها كروم وبعض شجر تين وما دار بها بادية لأهلها مواش وأغنام كثيرة والنحل عندهم كثير والعسل بها ممكن وأكثر أموالهم الماشية ولهم من زراعة الحنطة والشعير ما يزيد على الحاجة.
ومن شرشال إلى الجزائر لبني مزغنا سبعون ميلاً ومدينة الجزائر على ضفة البحر وشرب أهلها من عيون على البحر عذبة ومن آبار وهي عامرة آهلة وتجاراتها مربحة وأسواقها قائمة وصناعاتها نافقة ولها بادية كبيرة وجبال فيها قبائل من البربر وزراعاتهم الحنطة والشعير وأكثر أموالهم المواشي من البقر والغنم ويتخذون النحل كثيراً فلذلك العسل والسمن كثير في بلدهم وربما يتجهر بهما إلى سائر البلاد والأقطار المجاورة لهم والمتباعدة عنهم وأهلها قبائل ولهم حرمة مانعة.
ومن الجزائر إلى تامدفوس شرقاً ثمانية عشر ميلاً وتامدفوس مرسى حسن عليه مدينة صغيرة خراب وأكثر سورها قد تهدم وقل أهلها وبها بقايا بناء قديم وهياكل وأصنام حجارة ويذكر أنها كانت من أعظم البلاد كبراً وأوسعها قطراً.

ومن تامدفوس إلى مرعى الدجاج عشرون ميلاً ومدينة مرسى الدجاج كبيرة القطر لها حصن دائر بها وبشرها قليل وربما فر عنها أكثر أهلها في زمن الصيف ومدة السفر خوفاً من قصد الأساطيل إليها ولها مرسى مأمون ولها أرض ممتدة وزراعات متصلة وإصابة أهلها في زروعهم واسعة وحنطتهم مباركة وسائر الفواكه واللحوم بها كثيرة وتباع بالثمن اليسير والتين خاصة يحمل منها شرائح طوباً ومنثوراً إلى سائر الأقطار وأقاصي المدائن والأمصار وهي بذلك مشهورة.
ومن مدينة مرسى الدجاج إلى مدينة تدلس أربعة وعشرون ميلاً وهي على شرف متحصنة لها سور حصين وديار ومتنزهات وبها من رخص الفواكه والأسعار والمطاعم والمشارب ما ليس يوجد بغيرها مثله وبها الغنم والبقر موجودة كثيراً وتباع جملتها بالأثمان اليسيرة ويخرج من أرضها إلى كثير من الآفاق.
ومن تدلس إلى مدينة بجاية في البر سبعون ميلاً وفي البحر تسعون ميلاً ومدينة بجاية على البحر لاكنها على جرف حجر ولها من جهة الشمال جبل يسمى مسيون وهو جبل سامي العلو صعب المرتقى وفي أكنافه جمل من النبات المنتفع به في صناعة الطب مثل شجر الحضض والسقول وفند وريون والبرباريس والقنطوريون الكبير والرزاوند والقسطون والإفسنتين أيضاً وغير ذلك من الحشائش وفي هذا الجبل كثير من العقارب صفر الألوان لاكن ضررها قليل ومدينة بجاية في وقتنا هذا مدينة الغرب الأوسط وعين بلاد بني حماد والسفن إليها مقلعة وبها القوافل منحطة والأمتعة إليها براً وبحراً مجلوبة والبضائع بها نافقة وأهلها مياسير تجار وبها من الصناعات والصناع ما ليس بكثير من البلاد وأهلها يجالسون تجار المغرب الأقصى وتجار الصحراء وتجار المشرق وبها تحل الشدود وتباع البضائع بالأموال المقنطرة ولها بواد ومزارع والحنطة والشعير بها موجودان كثيران والتين وسائر الفواكه منها ما يكفي لكثير من البلاد وبها دار صناعة لإنشاء الأساطيل والمراكب والسفن والحرابي لأن الخشب في جبالها وأوديتها كثير موجود ويجلب إليها من أقاليمها الزفت البالغ الجودة والقطران وبها معادن الحديد الطيب موجودة وممكنة وبها من الصناعات كل غريبة ولطيفة وعلى بعد ميل منها نهر يأتيها من جهة المغرب من نحو جبل جرجرة وهو نهر عظيم يجاز عند فم البحر بالمراكب وكلما بعد عن البحر كان ماؤه قليلاً ويجوز من شاء في كل موضع منه.
ومدينة بجاية قطب لكثير من البلاد وذلك أن من بجاية إلى اتكجان يوم وبعض يوم ومن بجاية إلى بلزمة مرحلتان وبعض ومن بجاية إلى سطيف يومان وبين بجاية وباغاية ثمانية أيام وبين بجاية وقلعة بشر خمسة أيام وهي من عمالة بسكرة وبين بجاية وتيفاش ست مراحل وبين بجاية وقالمة ثماني مراحل وبين بجاية وتبسة ستة أيام وبين دور مدين وبجاية إحدى عشرة مرحلة وبين بجاية والقصرين ستة أيام وبين بجاية وطبنة سبع مراحل.
وأما مدينة بجاية في ذاتها فإنها عمرت بخراب القلعة التي بناها حماد بن بلقين وهي التي تنسب دولة بني حماد إليها والقلعة كانت في وقتها وقبل عمارة تجارية دار الملك لبني حماد وفيها كانت ذخائرهم مدخرة وجميع أموالهم مختزنة ودار أسلحتهم والحنطة تختزن بها فتبقى العام والعامين لا يدخلها الفساد ولا يعتريها تغيير وبها من الفواكه المأكولة والنعم المنتخبة ما يلحقه الإنسان بالثمن اليسير ولحومها كثيرة وبلادها وجميع ما ينضاف إليها تصلح فيها السوائم والدواب لأنها بلاد زرع وخصب وفلاحتهم إذا كثرت أغنت وإذا قلت كفت فأهلها أبد الدهر شباع وأحوالهم صالحة وقد ذكرنا حالها وصفتها في ذات بنائها فيما تقدم لنا وهي متعلقة بجبل عظيم مطل عليها وقد احتوى سورها المبني على جميع الجبل المذكور طولاً وعرضاً وأمامها في جهة الجنوب أرض سهلة متصلة الانفراج لا يرى الناظر فيها جبلاً عالياً ولا شرفاً مطلاً إلا على بعد منها وعلى مسير أربع مراحل يرى جبالاً لا تبين.

وعلى اثني عشر ميلاً منها المسيلة التي تقدم ذكرها غرباً والمسيلة في أرض طبنة وفي جهة المغرب من مدينة القلعة ومن القلعة أيضاً في جهة المشرق مدينة محدثة تسمى الغدير وبينها وبين القلعة ثمانية أميال والغدير مدينة حسنة وأهلها بدو ولهم مزارع وأرضون مباركة والحرث بها قائم الذات والإصابة في زروعها موجودة والبركات في معاملاتهم كثيرة وبين المسيلة والغدير ثمانية عشر ميلاً.
والطريق من مدينة بجاية إلى القلعة تخرج من بجاية إلى المضيق إلى سوق الأحد إلى وادي رهت إلى حصن تاكلات وبه المنزل وحصن تاكلات حصن منيع وهو على شرف مطل على وادي بجاية وبه سوق دائمة وبه فواكه ولحوم كثيرة رخيصة وبحصن تاكلات قصور حسان وبساتين وجنات ليحيى بن العزيز.
ومن حصن تاكلات إلى تادرفت إلى سوق الخميس إلى حصن بكر وبه المنزل وحصن بكر حصن حصين على مراع ممتدة والوادي الكبير يجري مع أصلها وبجنوبها وفيه سوق وبيع وشراء ومن حصن بكر إلى حصن وارفو ويسمى أيضاً رافو إلى القصر وهو أيضاً قرية وهناك تترك وادي بجاية غرباً وتمر في جهة الجنوب إلى حصن الحديد مرحلة إلى الشعراء إلى قبور بني تراكش إلى تاورت وهي قرية كبيرة عامرة على نهر ملح وبها المنزل وشرب أهلها من عيون محتفرة ببطن واد يأتيها من جهة المشرق وهذا الوادي لا ماء به.
ومن تاورت إلى الباب وهي جبال يخترق بينها الوادي الملح وهناك مضيق وموضع مخيف وإلى هاهنا تصل غارات العرب وضررها ومنه إلى السقائف وهو حصن.
ثم إلى حصن الناظور إلى سوق الخميس وبه المنزل وهذه الأرض كلها تجولها العرب وتضر بأهلها وسوق الخميس حصن في أعلى جبل وبه مياه جارية ولا تقدر العرب عليه لمنعته وبه من المزارع والمنافع قليل.
ومنه إلى الطماطة وهو فحص في أعلى جبل ومنه إلى سوق الاثنين وبه المنزل وهو قصر حصين والعرب محدقة بأرضه وفيه رجال يحرسونه مع سائر أهله.
ومنه إلى حصن تافلكايت وهو حصن إلى تازكا وهو حصن صغير ومنه إلى قصر عطية وهو حصن على أعلى جبل ثم إلى حصن إلى حصن إلى حصن القلعة مرحلة وجميع هذه الحصون أهلها مع العرب في مهادنة وربما أضر بعضهم ببعض غير أن أيدي الأجناد فيها مقبوضة وأيدي العرب مطلقة في الإضرار وموجب ذلك أن العرب لها دية مقتولها وليس عليها دية فيمن تقتل.
ومن المسيلة إلى طبنة مرحتان وطبنة مدينة الزاب وهي مدينة حسنة كثيرة المياه والبساتين والزروع والقطن والحنطة والعير وعليها سور من تراب وأهلها أخلاط وبها صنائع وتجارات وأموال لأهلها متصرفة في ضروب من التجارات والتمر بها كثير وكذلك سائر الفواكه.
وتخرج من المسيلة إلى مقرة مرحلة وهي مدينة صغيرة وبها مزارع وحبوب وأهلها يزرعون الكتان وهو عندهم كثير ومن مقرة إلى طبنة مرحلة وبين طبنة ومدينة بجاية ست مراحل وكذلك من طبنة إلى باغاي أربع مراحل.
ومن طبنة شرقاً إلى دار ملول مرحلة كبيرة وكانت فيما سلف من الدهر مدينة عامرة وأسواقها قائمة ولها مزارع وغلات جمة وفيها حصن مطل فيه مرصد من البلد ينظر إلى مجال العرب في بلادهم ويتطلع منه إلى ما بعد من الأرض وشربهم من ماء عيون بها جارية وبين دار ملول ونقاوس ثلاث مراحل وجبل اوراس منها على مرحلة وزائد وكذلك من دار ملول إلى الضلعة ثلاث مراحل وجبل اوراس قطعة يقال إنها متصلة من جبل درن المغرب وهو كالام محني الأطراف وطوله نحو من اثني عشر يوماً ومياهه كثيرة وعماراته متصلة وفي أهله نخوة وتسلط على من جاورهم من الناس.
ومن مدينة طبنة إلى مدينة نقاوس مرحلتان ومدينة نقاوس مدينة صغيرة كثيرة الشجر والبساتين وأكثر فواكهها الجوز ومنها يتجهز به إلى ما جاورها من الأقطار وفيها سوق قائمة ومعايش كثيرة ومن نقاوس إلى المسيلة أربع مراحل وقيل ثلاث ومن مدينة نقاوس أيضاً إلى حصن بسكرة مرحلتان وهو حصن منيع في كدية تراب عال وبه سوق وعمارة وبه أيضاً من التمر كل غريبة وطريفة.
ومنه إلى حصن بادس وهو في أسفل طرف جبل اوراس ثلاث مراحل وهو حسن عامر بأهله والعرب تملك أرضه وتمنع أهله من الخروج عنه إلا بخفارة رجل منهم ومنه إلى مدينة المسيلة أربعة أميال.

وفي الشرقي من مدينة قلعة بني حماد مدينة مسيلة وهي على أربع مراحل منها ومدينة مسيلة حسنة كثيرة الأشجار ممكنة الثمار وفواكهها كثيرة ومحاسنها ظاهرة ومياهها غدقة وأهلها من أخلاط البرابر جملة والعرب تحكم بخارجها وكانت في طاعة يحيى بن العزيز صاحب بجاية.
ومنها في الشرق إلى مدينة قسنطينة المراء ثمانية عشر ميلاً ويصل بينهما جبل والطريق به ومدينة القسنطينة عامرة وبها أسواق وتجار وأهلها مياسير ذوو أموال وأحوال واسعة ومعاملات للعرب وتشارك في الحرث والأدخار والحنطة تقيم بها في مطامرها مائة سنة لا تفسد والعسل بها كثير وكذلك السمن يتجهز به منها إلى سائر البلاد ومدينة القسنطينة على قطعة جبل منقطع مربع فيه بعض الاستدارة لا يتوصل إليه من مكان إلا من جهة باب في غربيها ليس بكثير السعة وهناك مقابر أهلها حيث يدفنون موتاهم ومع المقابر أيضاً بناء قائم من بناء الروم الأول وبه قصر قد تهدم كله إلا قليلاً منه وبه دار ملعب من بناء الروم شبيه بملعب ثرمة من بلاد صقلية.
وهذه المدينة أعني القسنطينة يحيط بها الوادي من جميع جهاتها كالعقد مستديراً بها وليس للمدينة من داخلها سور يعلو أكثر من نصف قامة إلا من جهة باب ميلة وللمدينة بابان باب ميلة في الغرب وباب القنطرة في الشرق وهذه القنطرة من أعجب البناءات لأن علوها يشف على مائة ذراع بالذراع الرشاشي وهي من بناء الروم قسي عليا على قسي سفلى وعددها في سعة الوادي خمس والماء يدخل على ثلاث منها مما يلي جانب الغرب وهي كما وصفناها قوس على قوس والقوس الأولى يجري بها الماء أسفل الوادي والقوس الأخرى فوقها وعلى ظهرها المشي والجواز إلى البر الثاني وباقي القوسين اللتين من جهة المدينة فإنما هما مفردتان على الجبل وبين القوس والقوس أرجل تدفع مضرة الماء ومصادرة الماء عند حمله بسيوله وعلى رقاب الأرجل قسي فارغة كالبنات صغار فربما زاد الماء في بعض الأوقات عند سيله فعلا الأرجل ومر في تلك الفرجات وهي من أعجب ما رأيناه من البناء.
وليس في المدينة كلها دار كبيرة ولا صغيرة إلا وعتبة بابها حجر واحد وكذلك جميع عضادات الأبواب فمنها ما يكون من حجرين ومنها ما يكون من أربعة أحجار وبناؤها من التراب وأرضها كلها حجر صلد وفي كل دار منها مطمورتان وثلاث وأربع منقورة في الحجر ولذلك تبقى بها الحنطة لبرودتها واعتدال هوائها وواديها يأتي من جهة الجنوب فيحيط بها من غربيها ويمر شرقاً مع دائر المدينة ويستدير في جهة الشمال ويمر مغرباً إلى أسفل الجبل ثم يسير شمالاً إلى أن يصب في البحر في غربي وادي سهر والقسنطينة من أحصن بلاد الله وهي مطلة على فحوص متصلة ولها مزارع الحنطة والشعير ممتدة في جميع جهاتها ولها في داخل المدينة ومع سورها مسقى يستقون منه ويتصرفون به عند أوقات الحصار لها ممن طرقها.
وبين القسنطينة وباغاي ثلاث مراحل وكذلك من القسنطينة إلى مدينة بجاية ستة أيام أربعة منها إلى جيجل ومن جيجل إلى بجاية خمسون ميلاً وكذلك من القسنطينة إلى اربس خمس مراحل ومنها إلى بجاية أربع مراحل ومنها إلى قلعة بشر يومان ومنها إلى تيفاش يومان كبيران ومنها إلى قالمة يومان كبيران ومنها إلى القصرين ثلاثة أيام ومنها إلى دور مدين ستة أيام ومنها إلى مرسى القل يومان في أرض العرب.
والطريق من القسنطينة إلى بجاية من القسنطينة إلى النهر إلى فحص فارة إلى قرية بني خلف إلى حصن كلديس وكلديس حصن منيع جداً ومنه إلى القسنطينة عشرون ميلاً وليس بينهما جبل ولا خندق وكلديس على جرف مطل على نهر القسنطينة.
ومن حصن كلديس إلى جبل سحاو ثمانية أميال وهو من أعظم الجبال علواً وأسماها ارتقاءً وأصعبها مسلكاً وعلى أعلاه حصن يسمى ( - ) ويصعد إلى أعلاه نحو من خمسة أميال ويسار في أعلاه أيضاً نحو من ثلاثة أميال وهذا الجبل لا تتعداه العرب إلى غيره ولا تجوزه وينحدر منه إلى أسفل واد هناك يسمى وادي شال ويمر معه إلى سوق يوسف وهي قرية في سند جبل ممتنع السلوك اثني عشر ميلاً وهو جبل تخترقه مياه عذبة.

ومنه إلى سوق بنى زندوي وهو حصن في بسيط قليل الحصانة وهي سوق لها يوم في الجمعة وأهل تلك الناحية يقصدونها في ذلك اليوم وهذه القبيلة من البربر قوم يعمرون هذه الجهات ولهم منعة وتحصن وهم أهل خلاف وقيام بعض على بعض والجبايات التي تلزمهم لا تؤخذ منهم إلا بعد نزل الخيل والرجال عليهم في تلك النواحي ومن عوائدهم التي هم عليها أن صغيرهم وكبيرهم لا يمشي من موضعه إلى موضع غيره إلا وهو شاكي السلاح بالسيف والرمح والدرقة اللمطية.
ومن هذا الحصن إلى تالة وهو حصن خراب وبه المنزل ومنه إلى المغارة إلى ساحل البحر إلى مسجد بهلول إلى المزارع إلى مدينة جيجل وهي مدينة على ضفة البحر والبحر يحيط بها ولها ربض ولما ظفر بها أسطول الملك المعظم رجار ارتفع أهلها عن المدينة إلى جبل على بعد ميل منها وبنوا هناك مدينة حصينة فإذا كان زمن الشتاء سكنوا المرسى والساحل وإذا كان زمن الصيف ووقت سفر الأسطول نقلوا أمتعتهم وجملة بضائعهم إلى الحصن الأعلى البعيد من البحر وبقي الرجال باليسير من التجائر في الضفة يتجرون وهي إلى الآن خراب مهدمة الديار مثلمة الأسوار ليس بها ساكن ولا بقربها قاطن وهي مدينة حسنة بها الألبان والسمن والعسل والزروع الكثيرة وبها الحوت الكثير العدد المتناهي في الصيب والقدر ومن مدينة جيجل إلى طرف مزغيطن إلى جزائر العافية إلى فج الزرزور إلى حصن المنصورية على البحر إلى متوسة وهي قرية عامرة وبها معادن الجص ومنها يحمل إلى بجاية وبينهما اثنا عشر ميلاً وكذلك من جيجل إلى بجاية الناصرية خمسون ميلاً.
ومدينة جيجل لها أيضاً مرسيان مرسى منهما في جهة جنوبها وهو مرسى وعر الدخول إليه صعب لا يدخل إلا بدليل حاذق وأما مرساها من جهة الشمال ويسمى مرسى الشعراء فهو ساكن الحركة كالحوض حسن الإرساء به لاكنه لا يحتمل الكثير من المراكب لصغره وهو رمل.
ومن جيجل إلى مدينة القل سبعون ميلاً وهو آخر مدن هذا الجزء المرسوم والقل قرية عامرة وكانت في سالف الدهر مدينة صغيرة عامرة والآن هي مرسى وعليه عمارات والجبال تكنفه من جهة البر ومن القل إلى مدينة القسنطينة مرحلتان جنوباً والطريق في أرض تغلبت العرب عليها.
وعلى مقربة من مدينة بجاية إلى جهة الجنوب حصن سطيف وبينهما مرحلتان وحصن سطيف كبير القطر كثير الخلق كالمدينة وهو كثير المياه والشجرة المثمرة بضروب من الفواكه ومنها يحمل الجوز لكثرته بها إلى سائر الأقطار وهو بالغ الطيب حسن ويباع بها رخيصاً وبين سطيف وقسنطينة أربع مراحل.
وبقرب سطيف جبل يسمى ايكجان وبه قبائل كتامة وبه حصن حصين ومعقل منيع وكان قبل هذا من عمالة بني حماد ويتصل بطرفه من جهة الغرب جبل يسمى جلاوة وبينه وبين بجاية مرحلة ونصف.
وقبيلة كتامة تمتد عمارتها إلى أن تجاوز أرض القل وبونة وفيهم كرم وبذل طعام لمن قصدهم أو نزل بأحدهم وهم أكرم الرجال للأضياف حتى استسهلوا مع ذلك بذل أولادهم للأضياف النازلين بهم ولا تتم عندهم الكرامة البالغة إلا بمبيت أبنائهم من الأضياف ليتلقوا منهم الإرادة ولا ترى كتامة بذلك عاراً ولا ترجع عن ذلك البتة وقد أصابتهم الملوك بذلك وأبلغت في نكاياتهم فما أقلعوا ولا امتنعوا عن عادتهم في ذلك ولا تحولوا عن شيء منه ولم يبق من كتامة في وقت تأليفنا لهذا الكتاب إلا نحو أربعة آلاف رجل وكانوا قبل ذلك عدداً كثيراً وقبائل وشعوباً وأعف قبائل كتامة وأقلهم فعلاً منهم لهذا العمل من كان في جهة سطيف لأنهم من القدم لا يرون ذلك ولا يستجيزونه ولا يستحسنون فعل شيء من هذه المنكرات التي تأتيها قبائل كتامة الساكنون بجهة القل وبأجبلها المتصلة بأقاليم قسنطينة الهواء.
وبمقربة من قسنطينة حصن يسمى بلزمة وبينهما يومان وهو حصن لطيف وفي أهله عزة ومنعة ولها ربض وسوق وبها آبار طيبة وماؤها أيضاً غدق وهو في وسط فحص أفيح وبناؤه الحجارة الكبار القديمة ويذكر أهل تلك الناحية أنه من أيام السيد المسيح وهذا السور يراه الراؤون من خارج عالياً جداً والمدينة في ذاتها مردومة بالزاب والأحجار فإذا نظر الناظر إلى السور من خارج رأى سوراً كاملاً وإذا دخل المدينة لم يجد لها سوراً لأن أرض الحصن مساو للشرفات وهي مردومة كما ذكرنا وهذا غريب في الباء.

وأما حصن بشر فهو قلعة عامرة من أعمال بسكرة وهو في ذاته حصن جليل ومعقل جميل وله عمارات هي الآن في أيدي العرب وبينها وبين بجاية أربعة أيام وهي إلى قسنطينة أقرب وبينهما مرحلتان وقد ذكرنا من صفات البلاد وغرائب البقاع مما تضمنه هذا الجزء ما فيه كفاية.
وبقي علينا أيضاً أن نذكر سواحل البحر بهذا الجزء وأجوانه وجباله وعدد أمياله تقويراً وروسية إذ ليس يمكننا هاهنا ذكر سواحل هذا البحر على جملته لأنه منه ما يأتي في الإقليم الثالث ومنه ما يأتي في الإقليم الرابع فوجب لذلك أن نذكر منه ما تحصل في كل جزء من هذه الأجزاء المرسومة ونأتي بذلك كله على توال ونسق بحول الله وعونه.
فمن ذلك أن وهران من هذا الجزء على ضفة البحر الملح كما قدمنا ذكرها ومنها إلى طرف مشانة روسية خمسة وعشرون ميلاً وعلى التقوير اثنان وثلاثون ميلاً ومن طرف مشانة إلى مرسى ارزاو ثمانية عشر ميلاً وهي قرية كبيرة تجلب إليها الحنطة فيسير بها التجار ويحملونها إلى كثير من البلاد ومنها إلى مستغانم على البحر مع الجون وهي مدينة صغيرة لها أسواق وحمامات وجنات وبساتين ومياه كثيرة وسور على جبل مطل إلى ناحية الغرب وهذا الجون تقويره أربعة وثلاثون ميلاً تقويراً وروسية أربعة وعشرون ميلاً.
ومن مستغانم إلى حوض فروح تقويراً أربعة وعشرون ميلاً وروسية خمسة عشر ميلاً وهو مرسى حسن وعليه قرية عامرة ويلي حوض فروح في البر مع الشرق مدينة مازونة على ستة أميال من البحر وهي مدينة بين أجبل وهي أسفل خندق ولها أنهار ومزارع وبساتين وأسواق عامرة ومساكن مونقة ولسوقها يوم معلوم يجتمع إليه أصناف من البربر بضروب من الفواكه والألبان والسمن والعسل كثير بها وهي من أحسن البلاد صفة وأكثرها فواكه وخصباً.
ومن حوض فروح إلى طرف جوج وهو أنف خارج في البحر تقويراً أربعة وعشرون ميلاً وفي البر اثنا عشر ميلاً ومن هذا الطرف تأخذ جونا إلى جهة الجنوب فمن هذا الطرف مع الجون إلى جزائر الحمام أربعة وعشرون ميلاً تقويراً وثمانية عشر ميلاً روسية ومن جزائر الحمام إلى مصب وادي شلف اثنان وعشرون ميلاً ومنه إلى قلوع الفراتين في وسط الجون اثنا عشر ميلاً والقلوع جباة بيض ومن القلوع إلى مدينة تنس اثنا عشر ميلاً مع الجون ومنها إلى طرف الجون ستة أميال فذلك من طرف جوج إلى طرف الجون تقويراً ستة وستون ميلاً وروسية أربعون ميلاً.
ومن الطرف إلى مرسى امتكوا عشرة أميال ومن امتكوا طالعاً في الجون إلى مرسى وقور تقويراً أربعون ميلاً وروسية ثلاثون ميلاً وهو مرسى ضيق يستر من الريح الشرقية ولا يستر من غيرها ووقور في آخر الجون.
ومن وقور إلى مدينة برشك عشرون ميلاً وقد ذكرنا شرشال فيما تقدم وبين برشك وشرشال عشرون ميلاً على البحر يتصل بينهما جبل كبير منيع يسكنه قوم من البربر يسمون ربيعة ومن شرشال إلى طرف البطال وهو خارج في البحر اثنا عشر ميلاً ويقابل هذا الطرف جزيرة صغيرة في البحر ومن طرف البطاك ابتداء جون هور وهذا الجون يقطع روسية أربعين ميلاً وتقويره ستون ميلاً وهور قرية صغيرة في وسط الجون وعلى بعد من البحر وبها قوم صيادون للحوت ومكانها أقصار لا يسقط فيه أحد ويتخلص منه البتة.
ومنه آخر جون هور إلى جزائر بني مزغنا ثمانية عشر ميلاً وقد ذكرناها فيما مضى من الذكر في صفات البلاد أولاً ومنها إلى تامدفوس ثمانية عشر ميلاً وهو مرسى وعليه عمارة ومزارع متصلة ومنه إلى مرسى الدجاج عشرون ميلاً ومرسى الدجاج قد ذكرناه قبل هذا.
ومنه إلى طرف بني جناد وهو أنف يدخل البحر اثنا عشر ميلاً ومن طرف بني جناد إلى مدينة تدلس اثنا عشر ميلاً وقد ذكرناها قبل هذا.
ومن مدينة تدلس إلى طرف بني عبد الله أربعة وعشرون ميلاً تقويراً وروسية عشرون ميلاً ومن طرف بني عبد الله إلى جون زفون روسية عشرون ميلاً وتقويراً ثلاثون ميلاً ومن زفون إلى الدهس الكبير تقويراً ثلاثون ميلاً وروسية خمسة وعشرون ميلاً ومنه إلى الدهس الصغير ثمانية أميال ومن الدهس إلى طرف جرية خمسة أميال وهي مزارع كثيرة.

ومن طرف جربة إلى مدينة بجاية في البر ثمانية أميال وفي البحر اثنا عشر ميلاً ومدينة بجاية في جون ينظر إلى الشرق ومن مدينة بجاية إلى متوسة اثنا عشر ميلاً على التقوير وروسية ثمانية أميال ومن متوسة إلى المنصورية في وسط الجون على التقوير عشرة أميال ومن المنصورية إلى فج الزرزور اثنا عشر ميلاً ومنه إلى مزغيطن وهو طرف خارج في البحر أحد عشر ميلاً فمن هذا الطرف إلى بجاية خمسة وأربعون ميلاً.
ومن مزغيطن إلى مدينة جيجل خمسة أميال.
ومن متوسة إلى فج الزرزور روسية خمسة وعشرون ميلاً ومن فج الزرزور إلى جيجل على التقوير عشرون ميلاً.
ومن جيجل إلى وادي القصب عشرون ميلاً وهناك مسقط واد يأتي من ظهر ميلة مع الجنوب.
ومن وادي القصب إلى مرسى الزيتونة على التقوير ثلاثون ميلاً وروسية عشرون ميلاً ومرسى الزيتونة أول جبال الرحمان وهي جبال وجبأة عالية مشرفة على البحر ومنها إلى القل وبه ديار وناس ساكنون بها وهم الآن في أيام سفر الأسطول يرحلون إلى الجبال ولا يبقون بها شيئاً من آثارهم وإنما يبقى بالقل في زمن الصيف الرجال فقط.
ومن القل إلى مرسى استورة عشرون ميلاً.
ومن استورة إلى مرسى الروم ثلاثون ميلاً تقويراً وروسية ثمانية عشر ميلاً.
ومن مرسى الروم إلى تكوش ثمانية عشر ميلاً وهي رابطة وبها قوم ساكنون ومنها إلى رأس الحمراء ثمانية عشر ميلاً.
ومن رأس الحمراء إلى بونة في قاع الجون ستة أميال وسنذكر مدينة بونة فيما يأتي بعد هذا إن شاء الله فمن بجاية إلى بونة روسية مائتا ميل وقد أتينا بما ذكرناه من وضع هذه البلاد بما فيه كفاية حسب الطاقة والحمد لله على ذلك كثيراً كما هو أهله ومستحقه.
نجز الجزء الأول من الإقليم الثالث والحمد لله ويتلوه الجزء الثاني منه إن شاء الله تعالى.
الجزء الثاني
إن الذي وقع بهذا الجزء الثاني من الإقليم الثالث جمل من مدن وأقاليم وحصون وقلاع وأجناس وأمم فأما البلاد فمنها قمودة وباغاي ومسكيانة ومجانة وباجة وبونة ومرسى الخرز وبنزرت والاربس ومرماجنة وقسطيلية وبيلقان وتقيوس وزرود وقفصة ونفطة والحمة وتونس واقليبية وهرقلية وسوسة والمهدية وسفاقس وقابس ورغوغا وصبرة واطرابلس ولبدة وعلى ساحل هذا البحر بهذا الجزء حصون ومحارس وعمارات نذكرها فيما يأتي بعد هذا بعون الله.
فأما مدينة باغاي فمدينة كبيرة عليها سوران من حجر وربض عليه سور وكانت الأسواق فيه وأما الآن فالأسواق في المدينة والأرباض خالية بإفساد العرب لها وهي أول بلاد التمر ولها واد يجري إليها من جهة القبلة وشربهم منه ولهم أيضاً شرب من آبار عذبة وكانت لها بواد وقرى وعمارات والآن كل ذلك قليل فيها وحولها عمارات برابر يعاملون العرب وأكثر غلاتهم الحنطة والشعير وقبض معاوينها وتصرف أحوالها لأشياخها.
ويتصل بها وعلى أميال منها جبل اوراس وطوله نحو من اثني عشر يوماً وأهله مسلطون على من جاورهم.
ومن مدينة باغاي إلى قسنطينة ثلاث مراحل ومن باغاي إلى طبنة الزاب أربع مراحل ومن باغاي إلى مدينة قسطيلية أربع مراحل.
وهي تسمى توزر ولها سور حصين وبها نخل كثير جداً وتمرها كثير يعم بلاد إفريقية وبها الأترج الكبير الحسن الطيب وأكثر الفواكه التي بها في حال معتدلة وبقولها كثيرة موجودة متناهية في الكثرة والجودة وماؤها غير طيب ولا مرو وسعر الطعام بها في أكثر الأوقات غال لأنه يجلب إليها وزروع الحنطة والشعير بها قليل يسير.
ويتصل بها جنوب منها وشرق مدينة الحمة وبينهما مرحلة صغيرة وماء الحمة ليس بطيب لكنه شروب قنع به أهلها وبها نخل كثير وتمر غزير.
ومنها إلى تقيوس نحو من عشرين ميلاً وهي مدينة حسنة تقع بينها وبين قفصة وهي مدينة عامرة لها غلات الحناء والكمون والكروياء وبها نخل وتمر حسن وجملة بقول طيبة ناعمة ومن تقيوس إلى مدينة قفصة مرحلة.
ومدينة قفصة مدينة حسنة ذات سور ونهر جار ماؤه أطيب من ماء قسطيلية ولها في وسطها العين المسماة بالطرميذ ولها أسواق عامرة ومتاجر كثيرة وصناعات قائمة ويطيف بها نخل كثير يشتمل على ضروب من أنواع التمر العجيب ولها جمل جنات وبساتين وقصور قائمة معمورة يزرع بها ضروب من غلات الحناء والقطن وأهلها متبربرون وأكثرهم يتكلم باللسان اللطيني الإفريقي.

ومن مدينة قفصة إلى جهة الغرب ومع الجنوب يتصل بها هناك مدينة قاصرة وهي مدينة مذكورة ومدينة نقاوس ومدينة جمونس في الشرق منها وهذه البلاد كلها تتقارب في حالاتها وتتدانى في صفاتها ونخيلها ومياهها وغلاتها والحنطة بها أبداً قليلة لأنها في الأغلب تجلب إليها.
ومدينة قفصة مركز والبلاد بها دائرة فمن قفصة إلى مدينة القيروان شمالاً مع شرق أربع مراحل وعلى جهة المغرب مع الجنوب مدينة بيلقان على خمس مراحل وهي الآن خراب أفسدتها العرب واستولت على منافعها وعلى جميع أرضها ومياهها كثيرة ومنها إلى قفصة أربع مراحل ومن قفصة في جهة الجنوب إلى ناحية جبل نفوسة مدينة زرود وبينهما خمس مراحل ومن مدينة قفصة إلى مدينة نفطة مرحلتان صغيرتان وهي مدينة متحضرة عامرة بأهلها لها أسواق وتجارات ونخل وغلات ومياه جارية ومن قفصة إلى نفزاوة جنوباً يومان وبعض يوم ومن توزر إلى نفزاوة يوم ونصف يوم كبير.
ومن مدينة قفصة إلى جبل نفوسة في جهة الجنوب نحو من ستة أيام وهو جبل عال يكون نحواً عن ثلاثة أيام طولاً أو أقل من ذلك وفيه منبران لمدينتين تسمى إحداهما شروس في الجبل ولها مياه جارية وكروم وأعناب طيبة وتين وأكثر زروعهم الشعير الطيب المتناهي طيباً مما إذا خبز كان أطيب من سائر الطعام في سائر الأقاليم ولأهله في صنعة الخبز حذق وتمهر فاقوا في ذلك كل الناس ومن مدينة قفصة إلى مدينة سفاقس ثلاثة أيام.
وفيما بين جبل نفوسة ومدينة نفزاوة مدينة لوحقة ويتصل بها غرباً مدينة بسكرة وبادس.
وكل هذه البلاد تتقارب في مقاديرها وصفاتها وفي متاجرها وأسواقها.
ومن جبل نفوسة إلى وارقلان اثنتا عشرة مرحلة ومن نفطة إلى مدينة قابس ثلاث مراحل وبعض من مرحلة.
وقابس مدينة جليلة عامرة حفت بها من نواحيها غابات جنات ملتفة وحدائق مصطفة وفواكه عامة رخيصة وبها من التمر والزروع والضياع ما ليس بغيرها من البلاد وفيها زيتون وزيت وغلات وعليها سور منيع يحيط به من خارجه خندق ولها أسواق وعمارات وتجارات وبضاعات وكان بها فيما سلف طرز يعمل بها الحرير الحسن وبها الآن مدابغ للجلود ويتجهز بها منها ولها واد يأتيها من غدير كبير وعلى هذا الغدير قصر سجة وبينه وبين قابس ثلاثة أميال وهي مدينة صغيرة متحضرة وبها من ناحية البحر أيضاً سوق وباعة وحريريون كثيرون وشربهم من وادي قابس وماء مدينة قابس غير طيب لكنه شروب وأهلها يستسيغونه ومدينة قابس بينها وبين البحر ستة أميال من جهة الشمال وتصل بآخر غابة أشجارها إلى البحر رملة متصلة مقدار ميل وهذه الغابة أشجار وجنات وكروم وزيتون كثير يستعمل منه زيت كثير يتجهز به إلى سائر النواحي وبها أيضاً نخل ملتف به من الرطب الذي لا يعدله شيء في نهاية الطيب وذلك أن أهل قابس يجنونها طرية ثم يودعونها في دنانات فإذا كان بعد مدة من ذلك خرجت لها عسلية تعلو وجهها بكثير ولا يقدر على التناول منها إلا بعد زوال العسل عنها من أعلاها وليس في جميع البلاد المشهورة بالتمر شيء من التمر يشبهه ولا يحاكيه ولا يطابقه في علوكته وطيب مذاقته.
ومرساها في البحر ليس بشيء لأنه لا يستر من ريح وإنما ترسى القوارب بواديها وهو نهر صغير يدخله المد والجزر وترسى به المراكب الصغار وليس بكثير السعة وإنما يطلع المد للإرساء نحواً من رمية سهم وفي أهلها قلة دماثة ولهم زي ونظافة وفي باديتها عتو وفساد وقطع سبل.
ومن مدينة قابس إلى مدينة سفاقس نازلاً مع الجون سبعون ميلاً ومدينة سفاقس بينها وبين قفصة بين جنوب وغرب ثلاثة أيام.

ومدينة سفاقس مدينة قديمة عامرة لها أسواق كثيرة وعمارة شاملة وعليها سور من حجارة وأبواب عليها صفائح من حديد منيعة وعلى أسوارها محارس نفيسة للرباط وأسواقها متحركة وشرب أهلها من المواجل ويجلب إليها من مدينة قابس نفيس الفواكه وعجيب أنواعها ما يكفيها ويربى كثرة ورخص قيمة ويصاد بها من السمك ما يعظم خطره ويكثر قدره وأكثر صيدهم بالزروب المنصوبة لهم من الماء الميت بضروب حيل وجل غلاتها الزيتون والزيت وبها منه ما ليس يوجد بغيرها مثله وبها مرسى من ميت الماء وبالجملة إنها من عز البلاد وأهلها لهم نخوة وفي أنفسهم عزة وافتتحها الملك المعظم رجار في عام ثلاثة وأربعين وخمس مائة من سني الهجرة وهي الآن معمورة وليست مثل ما كانت عليه من العمارة والأسواق والمتاجر في الزمن القديم.

ومن سفاقس إلى مدينة المهدية مرحلتان ولها عامل من قبل الملك المعظم رجار والمهدية مدينة لم تزل ذات إقلاع وحط للسفن الحجازية القاصدة إليها من بلاد المشرق والمغرب والأندلس وبلاد الروم وغيرها من البلاد وإليها تجلب البضائع الكثيرة بقناطير الأموال على مر الأيام وقد قل ذلك في وقتنا هذا ومدينة المهدية كانت مرسى وفرضة للقيروان واستحدثها المهدي عبيد الله وسماها بهذا الاسم وهي في نحر البحر ترحل من سفاقس إلى رقادة القيروان ثم ترحل إليها من مدينة رقادة ومدينة المغدية من مدينة القيروان على مرحلتين وكانت فيما سلف المسافر إليها كثير والبضائع إليها مجلوبة من سائر البلاد والأقطار والأمتعة والمتاجر بها نافقة وفيها بائعة والهمم على أهلها موقوفة وإليهم راجعة ولها حسن مبان لطيفة نظيفة المنازل والمتبوات وديارها حسنة وحماماتها جليلة وبها خانات بهيرة وهي في ذاتها حسنة الداخل والخارج بهية المنظر وأهلها حسان الوجوه نظاف الثياب ويعمل بها من الثياب الحسنة الدقيقة الجيدة المنسوبة إليها ما يحمل ويتجهز به التجار إلى جميع الآفاق في كل وقت وحين ما ليس يقدر على عمل مثله في غيرها من البلاد والأمصار لجودته وحسنه وشرب أهلها من المواجل وآبارها غير عذبة ويحيط بالمهدية سور حسن مبني من الحجارة وعليها بابان من حديد لفق بعضه على بعض من غير خشب وليس يدرى في معمور الأرض مثلهما صنعة ووثاقة وهما من عجائبها الموصوفة وليس لها جنات ولا بساتين نخل وإنما يجلب إليها شيء من الفواكه من قصور المنستير وبينهما في البحر ثلاثون ميلاً والمنستير قصور ثلاثة يسكنها قوم متعبدون والأعراب لا تضرهم في شيء من ضجرهم ولا من عماراتهم وبهذا المكان أعني المنستير يدفن أهل المهدية موتاهم يحملونهم في الزوارق إليها فيدفنونهم بها ثم يعودون إلى بلدهم وليس بالمهدية جبانة تعرف في وقتنا هذا والمهدية في حين تأليفنا هذا الكتاب مدينتان إحداهما مدينة المهدية والثانية مدينة زويلة ومدينة المهدية يسكنها السلطان وجنوده وبها قصره الحسن البناء العجيب الاتقان والارتقاء وكان بها قبل أن يفتحها الملك المعظم رجار في سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة طيقان الذهب وكانت مما يفتخر به ملوكها واستفتحت المهدية وسلطانها يومئذ الحسن بن علي بن يحيى بن تميم بن المعز بن باديس بن المنصور بن بلقين ابن زيرى الصنهاجي وبمدينة زويلة الأسواق الجميلة والمباني الحسنة والشوارع الواسعة والأزقة الفسيحة وأهلها تجار مياسير نبلاء ذوو أذهان ثاقبة وأفهام ذكية وجل لباسهم البياض ولهم همم في أنفسهم وملابسهم وفيهم الجمال ولهم معرفة زائدة في التجارات وطريقتهم حميدة في المعاملات ولهذه المدينة أسوار عالية حصينة جداً تطيف بها من سائر جهاتها ونواحيها البرية والبحرية وجميعها مبني بالحجر وفيها فنادق كثيرة وحمامات جمة ولهذه المدينة من جهة البر خندق كبير تستقر به مياه السماء وبخارجها من جهة غربيها حمى كان قبل دخول العرب أرض إفريقية وإفسادهم لها فيه جنات وبساتين بسائر الثمار العجيبة والفواكه الطيبة ولم يبق الآن منها بهذا الحمى المذكور شيء وعلى مقربة من هذه المدينة قرى كثيرة ومنازل وقصور يسكنها قوم بواد ثم زروع كثيرة ومواش وأغنام وأبقار وإصابات كثيرة في القمح والشعير وبها زيتون كثير يعتصر منه زيت طيب عجيب يعم سائر بلاد إفريقية ويتجهز به إلى سائر بلاد المشرق وبين هاتين المدينتين أعني المهدية وزويلة فضاء كبير يسمى الرملة مقداره أشف من رمية سهم والمهدية قاعدة بلاد إفريقية وقطب مملكتها.
وإذ قد انتهى بنا القول في ذكر بلاد إفريقية فلنرجع الآن إلى ذكر بلاد نفزاوة فنقول إن مدينة سبيطلة كانت مدينة جرجيس ملك الروم الأفارقة وكانت من أحسن البلاد منظراً وأكبرها قطراً وأكثرها مياهاً وأعدلها هواء وأطيبه ثرى وكانت بها بساتين وجنات وافتتحها المسلمون في صدر الإسلام وقتلوا بها ملكها العظيم المسمى جرجيس ومنها إلى مدينة قفصة مرحلة وبعض ومنها أيضاً إلى القيروان سبعون ميلاً.

ومدينة القيروان أم أمصار وقاعدة أقطار وكانت أعظم مدن الغرب قطراً وأكثرها بشراً وأيسرها أموالاً وأوسعها أحوالاً وأتقنها بناء وأنفسها همماً وأربحها تجارة وأكثرها جباية وأنفقها سلعة وأنماها ربحاً وأجهزهم عصياناً وأطغاهم أغماراً والغالب على فضلائهم التمسك بالخير والوفاء بالعهد والتخلي عن الشبهات واجتناب المحارم والتفنن في محاسن العلوم والميل إلى القصد فسلط الله سبحانه عليها العرب وتوالت الجوائح عليها حتى لم يبق منها إلا أطلال دارسة وآثار طامسة وهي الآن في وقتنا هذا على جزء منها سور تراب وولاة أمورها العرب وهم يقبضون ما يتوفر من جباياتها وبها أقوام قليلون تجاراتهم يسيرة ومنافعها نزرة وفيما يذكر أهل النظر أنها عما قريب ستعود إلى ما كانت عليه من العمارة وغير ذلك ومياهها قليلة ومشرب أهلها من ماء الماجل الكبير الذي بها وهذا الماجل من عجيب البناء لأنه مبني على تربيع وفي وسطه بناء قائم كالصومعة وذرع كل وجه منه مائتا ذراع وهو كله مملوء ماء والقيروان كانت مدينتين إحداهما القيروان والثانية صبرة وصبرة كانت دار الملك وكان فيها أيام عمارتها ثلاث مائة حمام وأكثرها للديار وباقيها مبرز للناس كافة وصبرة الآن في وقتنا هذا خراب ليس بها ساكن وعلى ثلاثة أميال منها قصور رقادة الشاهقة الذرى الحسنة البناء الكثيرة البساتين والثمار وبها كانت الأغالب تربع في أيام دولتهما وزمان بهجتها وهي الآن خراب لا ينتظر جبرها ولا يعود خيرها.
ومن مدينة القيروان إلي مدينة تونس مرحلتان وبعض بسير القوافل وهي مدينة حسنة يحيط بها من جميع جهاتها فحوص ومزارع للحنطة والشعير وهي أكبر غلاتها وجل معاملات أهلها مع ثقات العرب وأمرائها وهي الآن في حين تأليفنا لهذا الكتاب معمورة موفورة الخيرات يلجأ إليها القريب والبعيد وعليها سور تراب وثيق ولها أبواب ثلاثة وجميع جناتها ومزارع بقولها في داخل سورها وليس لها خارج السور شيء يعول عليه والعرب تجاور أرضها وتأتي بأنواع الحبوب إليها والعسل والسمن ما يكفي أهلها غدقاً ويعمل بها من الخبز وأنواعه ما لا يمكن عمله في غيرها من البلاد ومدينة تونس في ذاتها قديمة أزلية حصينة اسمها في التواريخ ترشيش ولما افتتحها المسلمون وأحدثوا البناء بها سموها تونس وشرب أهلها من آبار شتى لكن أعظمها قدراً وأحلاها ماءً بئران احتفرتهما بعض سيدات الإسلام ابتغاء الثواب وهما في نهاية من سعة القدر وكثرة الماء وهذه المدينة مصاقبة لقرطاجنة المشهورة بالطيب وكثرة الفواكه وحسن الجهة وجودة الثمار واتساع الغلات ومن غلاتها القطن والقنب والكروياء والعصفر وقرطاجنة في وقتنا هذا خراب لا ساكن بها.
ومدينة تونس في وسط جون خارج عن البحر وهي على بحيرة محتفرة وعرضها أكثر من طولها وذلك أن طولها ستة أميال وعرضها ثمانية أميال ولها فم يتصل بالبحر وهو المسمى فم الوادي وذلك أن هذه البحيرة لم تكن قبل وإنما حفر في البر حفر انتهي به إلى مدينة تونس لأن بين تونس والبحر ستة أميال كما وصفناه قبل وسعة هذا النهر المحفور نحو من أربعين ذراعاً وعمقه من أربع قيم إلى ثلاث وقعره طين وطول هذا الحفر المسمى نهراً أربعة أميال ثم أجروا ماء البحر في ذلك النهر المحفور فعلا على الحفر حتى جاور أعلاه بربع قامة وأقل وأكثر إلى أن بلغ الماء خده فوقف وعند آخر هذا الحفر يتسع فيه الماء ويعمق واسمه وقور وإليه تصل المراكب الحمالة والنواشي والحرابي وترسى هناك واتصل فيض الماء الطافي في هذا النهر المحفور إلى مدينة تونس فهي على نحر البحيرة وأوساق المراكب تنفرغ بوقور في زوارق صغار تعوم في أقاصير المياه إلى مدينة تونس ودخول المراكب من البحر إلى النهر حتى تصل إلى وقور واحداً بعد واحد لأن سعة النهر لا يحتمل أكثر من ذلك ويتصل بعض من هذه البحيرة في جهة المغرب حتى يكون بينها وبين قرطاجنة ميلان ومن فم هذه البحيرة إلى مدينة قرطاجنة ثلاثة أميال ونصف.

وهي الآن خراب وإنما يعمر منها قطيعة مرتفعة تسمى المعلقة يحيط بها سور تراب ويسكنها رؤساء من العرب يعرفون ببني زياد ومدينة قرطاجنة كانت في وقت عمارتها من غرائب البلاد المذكورة بما فيها من عجائب البناء وإظهار القدرة في ذلك وبها الآن بقايا من بنيان الروم المشهور بها مثل الطياطر التي ليس لها نظير في مباني الأرض قدرة واستطاعة وذلك أن هذه الطياطر هي بناء في استدارة وهي نحو من خمسين قوساً قائمة في الهواء سعة كل قوس منها أزيد من ثلاثين شبراً وبين كل قوس وأختها سارية وعظمها وسعة السارية والعضادتين أربعة أشبار ونصف ويقوم على كل قوس من هذه الأقواس خمسة أقواس قوس على قوس صفة واحدة وبناء واحد من الحجر الكذان الذي لا يجانسه شيء في الجودة وعلى أعلى كل قوس من هذه القسي بحر دائر وقد صور في البحر الدائر على القسي السفلى أنواع من الصور وضروب من التماثيل العجيبة الثابتة في الصخر من صفات الناس والصناع والحيوانات والمراكب وكل ذلك قد أتقن بأبدع صنعة وأحدث حبكة وسائر البناء الأعلى أملس لا شيء به ويقال إن هذا البناء كان ملعباً ومجتمعاً في فصل ما ويوم ما من السنة ومن عجائب البناء بقرطاجنة الدواميس التي يبلغ عددها أربعة وعشرين داموساً في سطر واحد طول كل داموس مائة وثلاثون خطوة في عرض ست وعشرين خطوة ولكل داموس منها أقباء في أعلاه وبين كل داموس منها وصاحبه أثقاب وزراقات تصل منها المياه من بعض إلى بعض كل ذلك بهندسة وحكمة وكان الماء يجري إلى هذه الدواميس من عين شوقار التي هي بقرب القيروان وطول مسافة جري هذا الماء من العين إلى الدواميس ثلاث مراحل وكان جري الماء من هذه العين إلى هذه الدواميس على عدة قناطر لا يحصى لها عدد وجري الماء بوزنة معتدلة وهذه القناطر قسي مبنية بالصخر فما كان منها في نشز الأرض كان قصيراً وما كان منها في بطن الأرض وأخاديدها كان في نهاية العلو وهذا من أغرب شيء أبصر على وجه الأرض والماء في وقتنا هذا مقطوع عن هذه الدواميس لا يصل إليها منه شيء كل ذلك أوجبه خراب مدينة قرطاجنة ومع ذلك إنها من يوم خرابها إلى الآن يحفر على ما تهدم من قصورها وأصول بنائها فيتخرج منه من أنواع الرخام ما يكل عنه الواصف ولقد أخبر خبير بها أنه رأى ألواحاً استخرجت من الرخام طولها أربعون شبراً في عرض سبعة أشبار فما دونها والحفر في خرابها دائماً لا ينقطع وإخراج الرخام منها لا ينقضي ورخامها يحمل إلى جميع أقطار الأرض ولا سبيل إلى أن يخرج أحد منها في مركب أو غيره إلا ويحمل معه من رخامها الشيء الكثير حتى اشتهر ذلك وقد يوجد بها من أعمدة الرخام ما يكون محيط دور الواحدة منها أربعين شبرا فما دونه.
ويحيط بمدينة قرطاجنة أوطية من الأرض وسهول ولها مزارع وضروب غلات ومنافع جمة ويتصل بأرض قرطاجنة من جهة المغرب إقليم مدينة سطفورة وهو إقليم جليل به ثلاث مدائن فأقربها إلى تونس اشلونة وتينجة وبنزرت وهي مدينة على البحر حصينة أصغر من مدينة سوسة في ذاتها وبين تونس وبزرت يوم كبير في البر ومدينة بنزرت صغيرة عامرة بأهلها وبها مرافق وأسواق قائمة بذاتها وبالجهة الشرقية منها بحيرتها المعروفة بها والمنسوبة إليها وطولها ستة عشر ميلاً وعرضها ثمانية أميال وفمها متصل بالبحر وكلما أخذت في البرية اتسعت وما قربت من البحر ضاقت وانخرطت.
وهذه البحيرة من أعاجيب الدنيا وذلك أن بها اثني عشر نوعاً من السمك يوجد منها في كل شهر نوع واحد لا يمتزج بغيره من أصناف السمك فإذا تم الشهر لم يوجد شيء من ذلك النوع في الشهر الآتي ثم يوجد في الشهر الآتي صنف من السمك آخر غير الصنف الأول لا يمتزج بغيره هكذا لكل شهر نوع من السمك لا يمتزج بسمك غيره إلى كمال السنة هكذا في كل عام وهذه الاثنا عشر نوع من الحوت التي ذكرناها هي البوري والقاجوج والمحل والطلنط والاشبلينيات والشلبة والقاروض واللاج والجوجة والكحلاء والطنفلو والقلا.

ويتصل بهذه البحيرة من جهة الجنوب مع انحراف إلى الغرب بحيرة ثانية تسمى بحيرة تينجة وطولها أربعة أميال في عرض مثلها وبينهما فم تتصل منه مياه بعضها ببعض وفي أمر هاتين البحيرتين عجيب وذلك أن ماء بحيرة تينجة عذب وماء بحيرة بزرت ملح وكل واحدة من هاتين البحيرتين تصب في أختها ستة أشهر ثم ينعكس جريهما فتمسك الجارية عن الجري وتصب البحيرة الثانية إلى هذه الأولى ستة أشهر أخرى فلا بحيرة تينجة يتملح ماؤها ولا يعذب ماء بحيرة بنزرت وهذا أيضاً عجب آخر من عجائب هذا الصقع والسمك ببنزرت وبتونس أيضاً كثير رخيص جداً.
ومن بنزرت إلى مدينة طبرقة سبعون ميلاً وطبرقة حصن على البحر قليل العمارة وحوله عرب لا خلاق لهم ولا يحفظون في أحد من الناس إلا ولا ذمة وبها مرسى للمراكب ومراكب الأندلس تصفي إليها وتأخذها في قطعها روسية.
وعلى بعض الطريق من طبرقة إلى تونس مدينة باجة وهي مدينة حسنة في وطاء من الأرض كثيرة القمح والشعير ولها من غلات ذلك ما ليس بالمغرب مثله كثرة وجودة في المواضع المضاهية لباجة وهي صحيحة الهواء كثيرة الرخاء واسعة الدخل على وإليها والعرب مالكة لخراج قطرها ومتصل أرضها وبها عين في وسطها ينزل إليها بأدراج ومنها شرب أهلها وليس لها في خارجها عود نابت إلا فحوص ومزارع وبين باجة وطبرقة مرحلة وبعض ويقابل باجة في جهة الشمال وعلى نحر البحر الملح مدينة مرسى الخرز وبينهما مرحلة كبيرة.
وهي مدينة صغيرة عليها سور حصين ولها قصبة وحولها عرب كثير وعمارة أهلها لها على صيد المرجان والمرجان يوجد بها كثيراً وهو أجل جميع المرجان الموجود بسائر الأقطار مثل ما يوجد منه بمدينة سبتة وصقلية وسنذكر سبتة التي على مجاز البحر المسمى بالزقاق المتصل ببحر الظلمات ويقصد التجار من سائر البلاد إلى هذه المدينة فيخرجون منه الكثير إلى جميع الجهات.
ومعدن هذا المرجان في هذه المدينة مخدوم في كل سنة ويعمل به في كل الأوقات الخمسون قارباً والزائد والناقص وفي كل قارب العشرون رجلاً وما زاد ونقص والمرجان ينبت كالشجر ثم يتحجر في نفس البحر بين جبلين عظيمين ويصاد بآلات ذوات ذوائب كثيرة تصنع من القنب تدار هذه الآلة في أعلى المراكب فتلتف الخيوط على ما قاربها من نبات المرجان فيجذبه الرجال إلى أنفسهم ويستخرجون منه الشيء الكثير مما يباع بالأموال الطائلة وعمدة أهلها على ذلك وشرب أهلها من الآبار وهي قليلة الزرع وإنما يجلب إليها قوتها من بوادي العرب المجاورة لها وكذلك الفواكه ربما جلبت إليها من بونة وغيرها.
وبين مدينة مرسى الخرز ومدينة بونة مرحلة خفيفة وفي البحر أربعة وعشرون ميلاً روسية.
ومدينة بونة وسطة ليست بالكبيرة ولا بالصغيرة ومقدارها في رقعتها كالاربس وهي على نحر البحر وكانت لها أسواق حسنة وتجارة مقصودة وأرباح موجودة وكان فيها كثير من الخشب موجود جيد الصفة ولها بساتين قليلة وشجر وبها من أنواع الفواكه ما يعم أهلها وأكثر فواكهها من باديتها والقمح بها والشعير في أوقات الإصابات كما وصفنا كثير جداً وبها معادن حديد جيد ويزرع بأرضها الكتان والعسل بها موجود ممكن وكذلك السمن وأكثر سوائمهم البقر ولها أقاليم وأرض واسعة تغلبت العرب عليها وافتتحت بونة على يدي أحد رجال الملك المعظم رجار في سنة ثمان وأربعين وخمس مائة وهي الآن في ضعف وقلة عمارة وبها عامل من قبل الملك المعظم رجار من آل حماد وعلى مدينة بونة وبجنبيها جبل يدوغ وهو عالي الذروة سامي القمة وبه معادن الحديد التي ذكرناها آنفاً.
ومن مدينة باجة المتقدم ذكرها إلى مدينة الاربس مرحلتان ومن الاربس إلى مدينة القيروان ثلاث مراحل وكذلك بين باجة والبحر مرحلتان خفيفتان.

ومدينة الاربس مدينة في وطاء من الأرض عليها سور تراب جيد وفي وسطها أعين ماء جارية لا تجف وشرب أهلها الآن من ماء تلك العيون واسم العين الواحدة منها عين رباح والأخرى عين زياد وماء عين زياد أطيب من ماء عين رباح وماؤها صحيح ولها معدن حديد وليس حولها من خارج شجرة نابتة البتة وهي على مزارع الحنطة والشعير ويدخر بها منهما الشيء الكثير ومنها على اثني عشر ميلاً مدينة ابة وهي بغربي الاربس وبها من الزعفران ما يضاهي الزعفران الأندلسي في الكثرة والجودة وأرضهما واحدة مختلطة وفي وسط مدينة ابة عين ماء جارية منها شرب أهلها وهي غدقة ماؤها غزير وكان على ابة فيما سلف من الزمان سور مبني من الطين وأسعارها رخيصة وأكثرها الآن خراب.
ومن مدينة الاربس إلى مدينة صغيرة تسمى تامديت مرحلتان وعليها سور تراب وشرب أهلها من عيون بها وغلات أهلها من الحنطة والشعير المقدار الكثير.
وبين الاربس وتامديت مدينة صغيرة تسمى مرماجنة وهي لأهلها وللعرب عليها ضريبة ويصيبون من القمح والشعير ما يعم بالكفاف وزيادة.
ومن تينجس إلى بونة الساحلية ثلاث مراحل ومن تينجس إلى مدينة المسيلة خمس مراحل وكذلك من مدينة الاربس إلى القيروان ثلاث مراحل ومن مدينة الاربس إلى تونس مرحلتان ومن تينجس إلى قسنطينة يومان وبين الاربس ومدينة بجاية اثنتا عشرة مرحلة ومن مرماجنة إلى مدينة مجانة مرحلتان خفيفتان بل هي مرحلة كبيرة.
وهي مدينة صغيرة عليها سور تراب وكان بها قديماً يزدرع بصل الزعفران كثيراً ولهم واد غزير الماء يأتي من جبل بمقربة منها يزرعون عليه غلاتهم وهو جبل شاهق ومنه تقطع أحجار المطاحن التي إليها الانتهاء في الجودة وحسن الطحين حتى أن الحجر منها ربما مر عليه عمر الإنسان فلا يحتاج إلى نقش ولا إلى صنعة هذا لصلابته ودقة أجزائه وأرض مجانة تغلبت العرب عليها وبها تخزن طعامها وبينها وبين القسنطينة ثلاث مراحل ومنها إلى بجاية الناصرية ست مراحل.
وبين تونس والحمامات مرحلة كبيرة وهذه المرحلة هي عرض الجزيرة المسماة بجزيرة باشو وهي أرض مباركة وطيبة ذات شجر زيتون وعمارات متصلات وبركات وخيرات وغلات ومياه ليست بكثيرة الجري على وجه الأرض لكنها ممكنة مياه الآبار وفيها بالجملة خصب زائد وهذه الجزيرة إقليم لها مدينة باشو ولم يبق الآن منها إلا مكانها وفيه قصر معمور ومنها قصر على البحر يسمى نابل وكان بالقرب من هذا القصر في أيام الروم مدينة عامرة فخربت وبقي الآن مكانها وهو قصر صغير معمور وكذلك قصر توسيهان بالقرب منها أثر مدينة كانت عامرة في أيام الروم فخربت وبقي مكانها.
وبين تونس ومدينة القيروان جبل زغوان وهو جبل عال جداً تقصد إليه المراكب من ظهر البحر لعلوه وارتقائه في الجو وهو أكثر الجبال ماء وفيه خصب ومزارع وعمارة ويعمر منه في أماكن قوم عباد مسلمون متفردون وكذلك جبل واسلات وطوله يومان ومنه إلى تونس يومان وبينه وبين القيروان خمسة عشر ميلاً وفيه عمارات كثيرة ومياه جارية وفيه من الحصون حصن الجوزات وحصن تيفاف وحصن القيطنة ودار إسماعيل ودار الدواب وكل هذه البلاد يعمرها قبائل من البربر وهم أهل هذه الناحية وهم في خصب ولهم مواش أبقار وأغنام وبغال ورماك والعرب متغلبون على سهول هذه الأرض كلها.
ولنذكر الآن الطرقات المسلوكة بين هذه البلاد فمن ذلك الطريق من القيروان إلى تاهرت.
فمن القيروان إلى الجهنيين وهي قرية مرحلة.
إلى مدينة سبيبة مرحلة وهي مدينة أزلية كثيرة المياه والجنات وعليها سور من حجارة حصين ولها ربض فيه الأسواق والخانات وشربهم من عين جارية كبيرة عليها جناتهم وبساتينهم وغلاتهم من الكمون والكروياء والبقول.
ومنها إلى مرماجنة وهي قرية لهوارة مرحلة.
ومنها إلى مدينة مجانة التي قدمنا ذكرها مرحلة.
ثم إلى مسكيانة مرحلة وهي قرية عامرة قديمة وبها زروع ومكاسب وعيون ولها سوق ممتدة كالسماط وهي أكبر من مرماجنة.
ومنها إلى باغاي وهي مدينة عامرة وقد قدمنا ذكرها فيما سلف من هذا الجزء والطريق يتمادى من مدينة باغاي إلى المسيلة كما قدمناه فيما سلف.

وطريق ثان ياخذ من القيروان إلى المسيلة على غير الطريق الذي قدمنا ذكره وهو يخرج من القيروان إلى جلولة مرحلة خفيفة وهي مدينة صغيرة عليها سور وبها عين ماء جارية عليها بساتين كثيرة ونخل كثير.
ومنها إلى احرى مرحلة وهي قرية حسنة ماؤها من الآبار وفيها زروع وحنطة وشعير كثير.
ومنها إلى قرية طامجنة مرحلة ولها فحص كبير وحنطتها وشعيرها ممكن كثير رخيص جداً.
ومنها إلى مدينة الاربس مرحلة.
ومن الاربس إلى تيفاش مرحلة وهي أيضاً مدينة أزلية قديمة عليها سور قديم بالحجر والجيار وبها عين ماء جارية ولها بساتين ورياضات وأكثر غلاتها الشعير.
ومن تيفاش إلى قصر الإفريقي مرحلة ولا سور لها وبها مزارع وإصابات جمة في الحنطة والشعير.
ومنها إلى قرية ازكو مرحلة ولها جنات وعيون ومياه وبساتين وغلات قمح وشعير وخير واسع.
ومنها إلى قرية البردوان مرحلة وكانت قرية كبيرة وهي من أقاليم القمح والشعير.
ومنها إلى قرية النهرين مرحلة وهي في وطاء من الأرض وفيها آبار ماء عذبة وكان لها سوق والغالب عليها البربر من كتامة ومزاتة.
ومنها إلى قرية تامسيت كتامة مرحلة وبها أشجار وعمارات.
ومنها إلى دكمة مرحلة وهي قرية لها سوق وأهلها من كتامة.
ومنها إلى اوسحنت مرحلة وهي قرية للبربر وبها مياه جارية ومزارع حنطة وشعير.
ومنها إلى المسيلة أقل من مرحلة.
ومن مدينة المسيلة إلى وارقلان اثنتا عشرة مرحلة كبار وهي مدينة فيها قبائل مياسير وتجار أغنياء يتجولون في بلاد السودان إلى بلاد غانة وبلاد ونقارة فيخرجون منها التبر ويضربونه في بلادهم باسم بلدهم وهم وهبية إباضية نكار خوارج في دين الإسلام.
ومن وارقلان إلى غانة ثلاثون مرحلة ومن وارقلان إلى كوغة نحو من شهر ونصف ومن وارقلان إلى قفصة ثلاث عشرة مرحلة.
فلنرجع الآن إلى ذكر مدينة قابس التي في نحر البحر الملح وهي مدينة الأفارقة التي تقدم ذكرها وذلك أن من مدينة قابس إلى الفوارة ثلاثون ميلاً وكانت فيما سلف قرية وهي الآن خراب ومنها إلى آبار خبت ثلاثون ميلاً ومن آبار خبت إلى قصر الدرق ثمانية وعشرون ميلاً ومن قصر الدرق إلى بئر الجمالين ثلاثون ميلاً ومنها إلى صبرة أربعة وعشرون ميلاً ومن قصر صبرة إلى اطرابلس مرحلة وكل هذه المنازل التي ذكرناها في هذا الطريق خلاء بلقع قد أتت العرب على عمارتها وطمست آثارها وأخربت عشارها وأفنت خيراتها فليس بها الآن أنيس قاطن ولا حليف ساكن وهي مستباحة لقبيلة من العرب تسمى مرداس ورياح.
وطريق آخر من قابس إلى وادي احناس ثم إلى بئر زناتة ثم إلى تامدفيت إلى آبار العباس إلى تافنات إلى بئر الصفاء إلى اطرابلس.
ومدينة اطرابلس مدينة حصينة عليه سور حجارة وهي في نحر البحر بيضاء حسنة الشوارع متقنة الأسواق وبها صناع وأمتعة يتجهز بها إلى كثير من الجهات وكانت قبل هذا مفضلة العمارات من جميع جهاتها كثيرة شجر الزيتون والتين وبها فواكه جمة ونخل إلا أن العرب أضرت بها وبما حولها من ذلك وأجلت أهلها وأقفرت بواديها وغيرت أحوالها وأبادت أشجارها وأغورت مياهها واستفتحها الملك رجار في سنة أربعين وخمس مائة فسبى حرمها وأفنى رجالها وهي الآن له في طاعته ومعدودة في جملة بلاده وأرض مدينة اطرابلس عديمة المثال في إصابة الزرع ولا يدرى أن على معمور الأرض مثلها في ذلك وهذا مشهور معلوم.
ومن مدينة اطرابلس في جهة المشرق إلى مدينة صرت مائتا ميل وثلاثون ميلاً وهي إحدى عشرة مرحلة وذلك أن السائر يخرج من مدينة اطرابلس إلى المجتنى عشرون ميلاً ومن المجتنى إلى ورداسا اثنان وعشرون ميلاً ومن ورداسا إلى رغوغا خمسة وعشرون ميلاً ومن رغوكا إلى تاورغا اثنان وعشرون ميلاً ثم إلى المنصف خمسة وعشرون ميلاً ثم إلى قصور حسان بن النعمان الغساني أربعون ميلاً ثم إلى الاصنام ثلاثون ميلاً ثم إلى صرت ستة وأربعون ميلاً وهذا الطريق يبعد عن الساحل تارة ويقرب أخرى وكل ذلك في ملك قبيلتين من العرب وهما عوف ودباب.

ومدينة صرت بينها وبين البحر ميلان وعليها سور تراب وما استدار بها رمل وبها بقايا نخيل ولا زيتون بها وبها كثير من شجر التوت وبقايا شجر التين أيضاً كثير غير أن العرب تأتي على أكثر ذلك بإفسادها وليس بها من العشب ما باوجلة ولا من التمر ما بودان وكان نخيلهم فيما سلف فوق الكفاف لهم وكانت لهم أعناب وفواكه إلا أنها قد تلفت في وقتنا هذا ولم يبق منها شيء إلا ما كان في بطون الأودية ورؤوس الجبال ومياهها من المطر في المواجل وآبارها قليلة وعليها قبائل من البربر.
وعلى مدينة اطرابلس جبل مقدة وبينهما ثلاث مراحل ومن مدينة اطرابلس إلى جبل نفوسة ست مراحل وكذلك من جبل نفوسة إلى سفاقس تسع مراحل ومن جبل نفوسة أيضاً إلى قسطيلية ست مراحل وأهل جبل نفوسة كلهم إسلام لكنهم خوارج نكار على مذهب ابن منبه اليماني وقد ذكرنا هذا المذهب في ذكرنا أهل جزيرة جربة.
ومن جبل نفوسة إلى جبل دمر ثلاث مراحل في رمل متصل وفي أطراف هذا الجبل قوم من البربر يسمون رهانة وهم قوم ينتجون الإبل ويركبون أمضاها واسرعها خطاء ويسيرون فرقاً إلى ما تباعد منهم من قبائل العرب فيضربون عليهم ويغيرون على إبلهم ويعودون بغنائمهم إلى جبلهم ومواضع مساكنهم التي يأوون إليها وليس لهم شغل إلا هذا وليس أحد من العرب المجاورين لهم إلا ويتشكى أذيتهم وقليلاً ما يظفر بأحد منهم لسرعة جري نجبهم ودلالتهم بتلك الأرض وتحصنهم في أمكنتهم كما قلناه وتتصل هذه البلاد في جهة الجنوب ببلاد ودان.
ونحن الآن ذاكرون ما تضمنه هذا الجزء الذي نحن في وصفه من مراسي البحر وقراطله وما عليه من القصور المعمورة والبلاد المقصودة حسبما وصل إليه الطلب والبحث وبلغه الجهد والطاقة وبالله الإرشاد.
فأقول إن من مدينة بونة الغربية إلى الطرف ستة أميال إلى جون الازقاق وهو جون صغير وفي آخره مرسى الخرز وهذا القرطيل داخل في البحر أربعون ميلاً.
ومن مرسى الخرز إلى طبرقة أربعة وعشرون ميلاً ومنها إلى طرف الجون خمسة عشر ميلاً روسية وعلى التقوير أربعة وعشرون ميلاً وهناك رملة تسمى المنشار ستة عشر ميلاً ومن طرف المنشار إلى قلعة ابي خليفة عشرة أميال ومنها قطع جون روسية عشرون ميلاً وتقويراً ثمانية وعشرون ميلاً وإلى رأس الطرف اثنا عشر ميلاً.
ومنها إلى بنزرت ثمانية أميال وقد سبق ذكرها.
ومنها إلى مرسى بني وجاص اثنا عشر ميلاً.
ومن طرف بني وجاص إلى رأس الجبل ثلاتلة عشر ميلاً جوناً وعلى هذا الجون قصور فمن أول رأس بني وجاص إلى قصر مرسى الوادي ثلاثة أميال وهو مسقط نهر صغير ومنه إلى قصر ترشة داود ثلاثة أميال ومنه إلى قصر صونين خمسة أميال ومنه إلى طرف الجبل ميلان وهذا الطرف يعرف بالكنيسة وهو أول الجون الذي في وسطه مدينة تونس وبحيرتها.
بحذاء طرف الجبل مع التقوير إلى موقع نهر بجردة ستة أميال ومن موقع الوادي إلى قصر جلة على مقربة منه نحو من أربعة أميال ومنه إلى قصر جردان ميلان ومنه إلى مدينة قرطاجنة ميلان ومدينة قرطاجنة خراب كما قدمنا ذكرها.
ومن قرطاجنة إلى حلق وادي تونس ثلاثة أميال وهذا الوادي هو في نصف الجون ومن فم الوادي إلى قصر جهم اثنا عشر ميلاً ومن قصر جهم إلى قصر قربص ستة عشر ميلاً ومن قصر قربص إلى طرف افران أربعة عشر ميلاً وهو قرطيل داخل في البحر فجميع تقوير هذا الجون أربعة وعشرون ميلاً وقطعه روسية من رأس الجبل إلى طرف افران ثمانية وعشرون ميلاً وكذلك من وسط الجون حيث فم وادي تونس إلى طرف افران إذا قطع روسية ثمانية وعشرون ميلاً وتقويراً ستة وخمسون ميلاً.
ومن طرف افران إلى مرسى قصر النخلة ستة أميال.
ومنه إلى قصر مينزت اثنا عشر ميلاً.
ومنه إلى قصر نوبة ثلاثون ميلاً فذلك من فم وادي تونس إلى نوبة سبعون ميلاً ويوازي نوبة في البحر الجامور الكبير والجامور الصغير وبينهما سبعة أميال ومن الجامور الكبير إلى نوبة اثنا عشر ميلاً.
ومن نوبة روسية إلى رأس الرخيمة ميل واحد بجون وهذا الجون على التقوير ستة أميال وهو قصير كله.
ومن رأس الرخيمة إلى طرف البقلة وهو طرف الجبل المسمى ادارو وهو من ناحية اقليبية في المشرق.
ومن رأس الرخيمة إلى الجامور الصغير ستة أميال وهذه الجوامير جبلان قائمان في البحر ويرسى بهما عند انقلاب الرياح.

فجميع ما بين نوبة واقليبية ثلاثون ميلاً ومن طرف اقليبية إلى المنستير مجرى فمن سار من اقليبية إلى قصر ابي مرزوق سبعة أميال ومنه إلى قصر لبنة ثمانية أميال ومن لبنة إلى قصر سعد أربعة أميال ومن قصر سعد إلى قصر قربة ثمانية أميال إلى طرف توسيهان عشرة أميال.
وطرف توسيهان يدخل في البحر ميلاً ونصفاً وهو كالضرس الخارج ومن هذا الضرس إلى قصر توسيهان في الجون أربعة أميال.
ومن توسيهان إلى قصر نابا ثمانية أميال ونابا كانت مدينة للروم كبيرة جداً عامرة فلما استفتحت الجزيرة في صدر الإسلام استبيحت مصالحها ومحاسنها حتى لم يبق لها رسم ولا أثر إلا مكان قصر فقط وبقيت بقايا خرابها دالة عليها.
ومن قصر نابل إلى قصر الخياط ثمانية أميال وبينه وبين البحر نحو من ميلين ومن قصر الخياط إلى قصر النخيل ستة أميال ثم إلى طرف الحمامات سبعة أميال.
ومن هذا الطرف راجعاً في البر إلى مدينة تونس مرحلة كبيرة وهذه المرحلة هي عرض الجزيرة المسماة بجزيرة باشو المتقدم ذكرها.
وهذا الطرف المسمى بطرف الحمامات هو قصر مشيد على طرف يدخل في البحر نحواً من ميل.
ومن الحمامات إلى المنار وهو قصر خمسة أميال وهذا القصر على بعد من البحر ومنه إلى قصر المرصد ثم إلى قصر المرابطين ستة أميال وهذا القصر في قاع جون المدفون ومنه إلى طرف قرطيل المدفون ستة أميال ومن طرف القرطيل المذكور إلى حصن اهرقلية ثمانية أميال.
ومن اهرقلية إلى مدينة سوسة ثمانية عشر ميلاً وهي مدينة عامرة بالناس كثيرة المتاجر والمسافرون إليها قاصدون وعنها صادرون بالمتاع الذي يعدم قرينه من أنواع الثياب والعمائم المنسوبة إليها وهو من جيد المتاع ونفيسه وبها أسواق عامرة ومياههم من المواجل وعليها سور من حجر حصين.
ومن سوسة إلى قصر شقانس ثمانية أميال ومن شقانس إلى قصر ابن الجعد أربعة أميال ومنه إلى قصور المنستير ميلان فذلك من حصن اقليبية إلى المنستير قطع روسية مائة ميل وهو مجرى وعلى التقوير مائة وعشرون ميل.
ويقابل المنستير في البحر جزيرة قورية ومنها إلى المنستير تسعة أميال ومن هذه الجزيرة إلى لمطة عشرة أميال ومنها إلى الديماس اثنا عشر ميلاً ومنها إلى المهدية عشرون ميلاً.
وكذلك أيضاً من المنستير إلى المهدية ثلاثون ميلاً ومن المنستير إلى قصر لمطة سبعة أميال ومن قصر لمطة إلى الديماس ثمانية أميال ومن الديماس إلى المهدية ثمانية أميال.
والمهدية يحيط بها البحر كما قدمنا ذكره ومنها يبدأ البحر يتجون في جهة الجنوب.
ومن المهدية إلى قصر سلقطة ستة أميال ومنه إلى قصر العالية ستة أميال إلى قبوذية ثلاثة عشر ميلاً.
وقبوذية قصر حسن ويصاد به من الحوت كل طريفة وهو بها كثير رخيص.
ومن قبوذية إلى قصر مليان ثمانية أميال ومن قصر مليان إلى قصر الريحانة أربعة أميال إلى قصر قناطة أربعة أميال ويعمل بقصر قناطة فخار كثير ساذج يتجهز به إلى المهدية وغيرها وطينه أحمر.
ثم إلى قصر اللوزة أربعة أميال إلى قصر زياد ستة أميال ومن قصر زياد إلى قصر مجدونس ثمانية أميال ومن قصر مجدونس إلى قصر قاساس ثمانية أميال ومن قصر قاساس إلى قصر قزل ميلان فذلك من قصر زياد إلى طرف قزل ثمانية عشر ميلاً.
ومن طرف قزل إلى قصر حبلة ميلان في جون ومنه إلى مدينة سفاقس في الجون خمسة أميال الجميع من ذلك من قبوذية إلى سفاقس ثمانية وأربعون ميلاً تقويراً وروسية ثلاثون ميلاً.
وقبالة قصر زياد في البحر مع المشرق جزيرة قرقنة ومكانها وموضعها بين قصر زياد وسفاقس وذلك لأن من قرقنة إلى قبوذية عشرون ميلاً ومن قرقنة إلى سفاقس نحو من خمسة عشر ميلاً وهي جزيرة حسنة عامرة بأهلها وليس بها مدينة وإنما سكناهم في أخصاص وهي خصيبة كثيرة الكروم والأعناب وغلات الكمون والانيسون وهي الحبة الحلوة واستفتحها الملك المعظم رجار في سنة ثمان وأربعين وخمس مائة وفي الطرف الغربي منها كهوف وغيران يتحصنون فيها ممن يريدهم وتسمى القربدي والقربدي هناك يتصل به حجر قصير عشرون ميلاً ومن القربدي إلى بيت القصير خمسة وثلاثون ميلاً وطول هذه الجزيرة ستة عشر ميلاً وعرضها ستة أميال.

ثم نرجع الآن إلى ذكر سفاقس فنقول إن منها إلى طرف الرملة أربعة أميال ومن طرف الرملة راجعاً في جهة الجنوب وهو أول الجون إلى قصر المجوس أربعة أميال ومنه إلى قصر بنقة عشرة أميال ومن قصر بنقة إلى قصر تنيذة ثمانية أميال ومنه إلى قصور الروم أربعة أميال ومنه إلى مدينة قابس خمسة وسبعون ميلاً وقد وصفنا قابس فيما تقدم ذكره بما هي عليه من الصفة.
فمن قابس مع الساحل إلى قصر ابن عيشون ثمانية أميال إلى قصر زجونة ثمانية أميال ومن قصر زجونة إلى قصر بني مأمون عشرون ميلاً ومن قصر بني مأمون إلى امرود أحد عشر ميلاً ومنه إلى قصر الجرف ثمانية عشر ميلاً فذلك من قرطيل رأس الرملة إلى هذا الطرف المسمى بالجرف على التخلية خمسون ميلاً وعلى التقوير مائة وخمسون ميل.
ومن طرف الجرف إلى جزيرة جربة في البحر أربعة أميال وهي جزيرة عامرة بقبائل من البربر والسمرة تغلب على ألوان أهلها والشر والنفاق موجود في جبلتهم وكلامهم بالبربرية خاصهم وعامهم وهم أهل فتنة وخروج عن الطاعة وافتتحها الملك المعظم رجار باسطول بعثه إليها وذلك في آخر سنة تسع وعشرين وخمس مائة ثم استقر من بقي فيها إلى سنة ثمان وأربعين وخمس مائة ثم نافقوا وخرجوا عن طاعة الملك المعظم رجار فغزاهم في هذه السنة بالأسطول فاستفتحها ثانية ورفع جميع سبيها إلى المدينة وطول جزيرة جربة ستون ميلاً من المغرب إلى المشرق وعرض الرأس الشرقي خمسة عشر ميلاً ومن هذا الطرف إلى البر الكبير عشرون ميلاً ويسمى هذا الطرف الضيق رأس كرين ويسمى الطرف الواسع انتيجان.
ويتصل بهذه الجزيرة إلى جهة المشرق جزيرة زيزوا وهي صغيرة جداً وفيها نخل وكروم وبين جزيرة زيزوا والبر نحو من ميل ويقابلها قصر بني خطاب وهذه الجزيرة عامرة بأهلها وهم قوم نكار خوارج في الإسلام مذهبهم الوهبية وكذلك جميع الحصون والقصور التي تلي هاتين الجزيرتين يتمذهبون بمثل ذلك وذلك أنهم لا يماسح ثوب أحدهم ثوب رجل غريب ولا يمسه بيده ولا يؤاكله ولا يأكل له في آنية إلا أن تكون آنية محفوظة لا يقربها أحد سواه ورجالهم ونساؤهم يتطهرون في كل يوم عند الصباح ويتوضؤون ثم يتيممون لكل صلاة وإن استقى عابر سبيل شيئاً من مياه آبارهم وعاينوه طردوه واستخرجوا ذلك الماء عن البئر وثياب الجنب لا يقربها الطاهر وثياب الطاهر لا يقربها الجنب وهم مع ذلك كله ضيافون يطعمون الطعام ويندبون إلى طعامهم ويسالمون الناس في أموالهم وفيهم عدالة بينة لمن نزل بهم.
ومن طرف الجزيرة أعني جربة المسمى انتيجان إلى قصير البيث تسعون ميلاً وكذلك من طرف انتيجان إلى القنطرة التي في قرقنة اثنان وستون ميلاً.
ورجع بنا القول إلى طرف الجرف المتقدم ذكره فمنه إلى رأس الاودية على الساحل أربعة وعشرون ميلاً ومنها إلى قصور الزارات عشرون ميلاً وهذه القصور الثلاثة تلي طرف جزيرة جربة وبينهما في البحر عشرون ميلاً ومن قصور الزارات إلى قصر بني ذكومين خمسة وعشرون ميلاً ومن بني ذكومين إلى قصر الهرى ستة أميال ومنه إلى قصر جرجيس ستة أميال.
ومن قصر جرجيس إلى قصر بني خطاب خمسة وعشرون ميلاً وقصر بني خطاب هو على آخر سباخ الكلاب من جهة المغرب ويقابل قصر بني خطاب في البحر اسقالة جزيرة زيزوا وطولها أربعون ميلاً وعرضها نحو نصف ميل وبعضها معمور بالنخل والكروم وباقيها تحت الماء كما قدمنا ذكره والماء يشف على وجهها نحو قامة وأزيد من ذلك وأقل.
ومن قصر بني خطاب إلى قصر شماخ خمسة وعشرون ميلاً وبينهما جون صغير ويسمى جون صلب الحمار.
ومن قصر شماخ إلى قصر صالح عشرة أميال وقصر صالح على قرطيل يأخذ من المشرق إلى المغرب طوله خمسة أميال ويسمى رأس المخبز.
ومنه إلى قصر كوطين عشرون ميلاً ومن قصر كوطين إلى قصر بني ولول عشرون ميلاً ومن قصر بني ولول إلى مرسى مركيا عشرون ميلاً ومن قصر مركيا إلى قصر عفسلات عشرون ميلاً ومن قصر عفسلات إلى قصر سربة أربعة أميال ومنه إلى قصر سنان ميلان ومنه إلى قصر البنداري ثلاثة أميال ثم إلى قصر غرغرة عشرة أميال ومن قصر غرغرة إلى قصر صياد ستة أميال ثم إلى مدينة اطرابلس عشرون ميلاً وقد وصفنا مدينة اطرابلس فيما مر على استقصاء وصفها وحالها في ذاتها.

ومن مدينة اطرابلس إلى قصر على رأس قاليوشا أربعة عشر ميلاً ومنه إلى قصر الكتاب ثمانية أميال ومنه إلى قصر بني غسان اثنا عشر ميلاً إلى مصب وادي لادس ثمانية عشر ميلاً ومنه إلى طرف رأس الشعراء أربعة عشر ميلاً فذلك من رأس قاليوشا إلى رأس الشعراء روسية أربعون ميلاً وعلى التقوير اثنان وخمسون ميلاً.
ومن رأس الشعراء إلى قصر شريكس أربعة عشر ميلاً إلى قرطيل المسن وهو طرف داخل في البحر أربعة أميال ومنه إلى لبدة أربعة أميال.
وكانت مدينة لبدة كثيرة العمارات مشتملة الخيرات وهي على بعد من البحر فتسلطت العرب عليها وعلى أرضها فغيرت ما كان بها من النعم وأجلت أهلها إلى غيرها فلم يبق الآن منها بها إلا قصران كبيران وعمارهما وسكانهما قوم من هوارة البربر ولها على نحر البحر الآن قصر كبير عامر آهل به صناعات وسوق عامرة وللبدة نخل كثير وزيتون يستخرجون زيته في وقته.
ومن لبدة إلى قصر بني حسن سبعة عشر ميلاً ومنه إلى مرسى باكروا ميل واحد وهو مرسى حسن يكن من كل الرياح.
ومنه إلى قصر هاشم إلى قصر سامية اثنا عشر ميلاً ومن قصر سامية إلى سويقة ابن مثكود اثنا عشر ميلاً ومن السويقة إلى طرف قانان المشهور عشرون ميلاً فذلك من اطرابلس إلى طرف قانان على التخلية مائة ميل وثمانون ميلاً وعلى التقوير مائتان وعشرة أميال.
وهنا انقضى ذكر ما تحصل في هذا الجزء من ساحل البحر الشامي حسبما أوجبته القسمة له وسنأتي بذكر ما بقي منه فيما يأتي بحول الله تعالى والسويقة التي ذكرناها تنسب إلى ابن مثكود ويسكن حولها وبها قبائل من هوارة برابر تحت طاعة العرب وبها سوق مشهودة وهي قصور كثيرة وأهلها يحرثون الشعير على السقي والعرب يخزنون بها طعامهم.
نجز الجزء الثاني من الإقليم الثالث والحمد لله ويتلوه الجزء الثالث منه إن شاء الله تعالى.
الجزء الثالث
إن الذي تضمنه هذا الجزء الثالث من الإقليم الثالث من الأرضين أكثرها خلاء وعامرها قليل وأهلها عرب مفسدة في الأرض مغيرة على من جاورها.
وفيها من البلاد زويلة ابن الخطاب ومستيح وزالة وأوجلة وبرقة.
وعلى ساحل البحر المحيط قصور جمل يحيط بها التفصيل وفيها من البلاد المشهورة صرت وأجدابية أما وإن كانتا في زماننا هذا في نهاية ضعف وقلة عامر فقد بقي لهما ومنهما توهم رسم مع حلية اسم والمراكب ترد عليهما بالأمتعة النافقة فيهما ومنافعهما على قدرهما وها نحن ذاكرون هذه المدن والأرضين والقصور والبحور واصفون بحالاتها والحول والقوة لله سبحانه. فأما مدينة برقة فمدينة متوسطة المقدار ليست بكبيرة القطر ولا بصغيرة غير أنها في هذا الوقت عامرها قليل وأسواقها كاسدة وكانت فيما سلف على غير هذه الصفة وهي أول منبر ينزله القادم من بلاد مصر إلى القيروان ولها كور عامرة بالعرب وهي في بقعة فسيحة يكون مسيرها يوماً وكسراً في مثله ويحيط بهذه البقعة جبل وأرضها حمراء خلوقية التراب وثياب أهلها أبداً حمر وبذلك يعرف أهلها في سائر البلاد المحيط بها والصادر عنها والوارد إليها كثير في الأحايين لأنها بعيدة عن البلاد المجاورة المقاومة لها في جميع حالاتها وهي برية بحرية وكان لها من الغلات في سالف الزمان القطن المنسوب إليها الذي لا يجانسه صنف من أصناف القطن وكان بها وإلى الآن ديار لدباغ الجلود البقرية والنمور الواصلة إليها من أوجلة وهي الآن يتجهز منها المركب والمسافرون الواصلون إليها من الإسكندرية وأرض مصر بالصوف والعسل والزيت وتخرج منها التربة المنسوبة إليها فينتفع بها الناس ويتعالجون بها مع الزيت للجرب والحكة وداء الحية وهي تربة غبراء وإذا ألقيت في النار فاحت لها رائحة كرائحة الكبريت وهي فظيعة الدخان كريهة الرائحة والطعم.
ومن برقة إلى مدينة أوجلة في البرية عشر مراحل بسير القوافل وكذلك من برقة إلى أجدابية ست مراحل وهي من الأميال مائة واثنان وخمسون ميلاً ومن برقة إلى الإسكندرية إحدى وعشرون مرحلة وهي من الأميال خمس مائة ميل وخمسون ميلاً والأرض التي بينهما يقال لها أرض برنيق.

وأجدابية مدينة في ضحضاح من حجر مستو كان لها سور فيما سلف وأما الآن فلم يبق منها إلا قصران في الصحراء والبحر منها على أربعة أميال وليس بها ولا حولها شيء من النبات وأهلها الغالب عليهم يهود ومسلمون تجار ويطوف بها من أحياء البربر خلق كثير.
وليس بأجدابية ولا ببرقة ماء جار وإنما مياههم من المواجل والسواني التي يزرعون عليها قليل الحنطة والأكثر الشعير وضروب من القطاني والحبوب ومن أجدابية إلى أوجلة خمس مراحل.
ومدينة أوجلة مدينة صغيرة متحضرة فيها قوم ساكنون كثيرو التجارة وذلك على قدر احتياجهم واحتياج العرب وهي في ناحية البرية يطيف بها نخل وغلات لأهلها ومنها يدخل إلى كثير من أرض السودان نحو بلاد كوار وبلاد كوكو وهي في رصيف طريق والوارد عليها والصادر كثير وأرض أوجلة وبرقة أرض واحدة ومياهها قليلة وشرب أهلها من المواجل.
ومن أوجلة إلى مدينة زالة عشر مراحل غرباً وهي مدينة صغيرة ذات سوق عامرة وبها أخلاط من البربر من هوارة وتجارات وفي أهلها حماية ومروة.
ومن زالة يدخل إلى بلاد السودان أيضاً وكذلك من مدينة زالة إلى مدينة زويلة عشرة أيام وبين زالة وزويلة مدينة صغيرة تسمى مستيح ومن زالة إلى أرض ودان ثلاثة أيام.
وودان جزائر نخل متصلة وعمارات كثيرة ومن زالة إلى مدينة صرت تسعة أيام ومن مدينة صرت إلى أرض ودان خمس مراحل وودان هذه ناحية في جنوب مدينة صرت وهما قصران بينهما مقدار رمية سهم والقصر الذي يلي الساحل خال والذي مع البرية مسكون ولها آبار كثيرة ويزرعون بها الذرة وبغربيها غابات وحولها شجر التوت كثير وشجر تين ذاهب ونخل كثير وتمور لينة حلوة أما وإن كانت تمور أوجلة أكثر فتمور ودان أطيب ومنها يدخل إلى بلاد السودان وغيرها.
وأما مدينة زويلة ابن خطاب فمنها إلى صرت خمس مراحل كبار ومنها إلى السويقة المسماة بسويقة ابن مثكود ست عشرة مرحلة ومدينة زويلة ابن خطاب في صحراء وهي مدينة صغيرة وبها أسواق ومنها يدخل إلى جمل من بلاد السودان وشرب أهلها من آبار عذبة ولها نخل كثير وتمرها حسن والمسافرون يأتونها بأمتعة من جهازها وجمل من أمور يحتاج إليها والعرب تجول في أرضها وتضر بأهلها قدر الطاقة.
وكل هذه الأرضين التي ذكرناها ملك بأيدي العرب فمن قصر العطش إلى قافز هي لناصرة وعميرة وهما قبيلتان من العرب.
ومن قافز إلى طلميثة إلى لك هي لقبيلة من البربر متعربين يقال لهم مزاتة وزناتة وفزارة وهم يركبون الخيول ويعتقلون الرماح الطوال ويحمون تلك الأرض عن العرب إن تدوس ديارهم ولهم عزة ونخوة وجلادة.
فأما البحر الذي تضمنه هذا الجزء فهو لمن قطعه روسية سبع مجار وأمياله سبع مائة ميل وهذا الجون على تقويره ثلاث عشرة مجرى وأمياله ألف ميل وثلاث مائة ميل وذلك لأن من طرف قانان إلى مدينة صرت ثلاث مجار وقد ذكرنا مدينة صرت فيما سلف.
ومن مدينة صرت إلى قصر مغداش مجرى ونصف ومنه إلى الجزيرة البيضاء مجرى ونصف إلى قصر سربيون مجرى ومن قصر سربيون إلى قصر قافز نصف مجرى إلى برنيق نصف مجرى إلى الأربعة بروج مجرى ثم إلى توكرة خمسون ميلاً ثم إلى طلميثة خمسون ميلاً ثم إلى الطرف مجريان وهذا ذكر مجمل.
ونريد أن نذكر ما عليه من القصور فإذا خرج الخارج من طرف قانان صار إلى قصور حسان قطعاً في البرية أربع مراحل كبار ليس بها شيء من الماء وهو وطاء ولا عوج به ولا أمت وقصور حسان لا عامر بها وإنما هي الآن في وقتنا هذا خراب لم يبق منها إلا أثر غابر وبها ماء يشرب من بئرين قريبتي القعر ومنهما يتزود بالماء المار بها والجائي ويأخذ منهما ما يكفيه لشربه في مسافة سفره ومنها إلى الأصنام ثلاثون ميلاً ويسمى هذا الجون جون زديف والماء يوجد بها في خروق أحساء محفورة في الرمل على ضفة البحر الملح وسميت الأصنام لأن بالقرب منها في البرية عدة أصنام وهي من بناء الروم الأول.

ومن الأصنام إلى القرنين وهو قصر كبير عامر وفي وسطه بئر عميقة وإليه تصب مياه الأمطار في زماننا ومنه إلى صرت ثلاثة عشر ميلاً ومدينة صرت ذكرناها قبل هذا بما فيه كفاية ومنها إلى قصر العبادى على البحر أربعة وثلاثون ميلاً ومن قصر العبادى إلى اليهودية أربعة وثلاثون ميلاً وهو قصر عامر وفيه زراعات على مياه تستخرج بالسواقي من آبار ومن اليهودية إلى قصر العطش أربعة وثلاثون ميلاً وهو قصر عامر وفيه زراعات وفيه ثلاث جباب.
ومن قصر العطش إلى منهوشة ثلاث مراحل لا ماء فيها وهي سباخ وطيئة ومنهوشة على البحر ومياهها في أحساء تحتفر في الرمل على البحر وسميت منهوشة لأن في رمالها أفاع صغار طول الواحدة شبر لا زائد وهي تضر وتنهش من لا يعلم أمرها ومن أسرى بالليل في تلك الأرض وبها قطائع بقر وحشية وكذلك بها ذئاب كثيرة وضباع تفترس السالك إذا تبين الضعف فيه.
ومن منهوشة إلى بئر الغنم نحو من ثلاثة عشر ميلاً وهي على آخر السبخة المنسوبة إلى منهوشة ومنها إلى الفاروخ مرحلة وهي من الأميال ثلاثون ميلاً ومن الفاروخ إلى حرقرة خمسة وعشرون ميلاً ثم إلى بوسمت عشرون ميلاً ثم إلى سلوق أربعة وعشرون ميلاً ثم إلى اويرار ثلاثون ميلاً ثم إلى قصر العسل اثنا عشر ميلاً ثم إلى مرينة سبعة وعشرون ميلاً ثم إلى برقة خمسة عشر ميلاً والطريق من سلوق إلى قافز مرحلة.
وقافز قصر في وسط وطاء برنيق وفي شرقيها غابة متصلة إلى البحر وبينها وبين البحر أربعة أميال وبمقربة من قافز في جهة الشرق بحيرة مع طول البحر يحجزها تل رمل وماؤها عذب وطولها ستة عشر ميلاً وفي سعتها نحو من نصف ميل ومن نصف هذه البحيرة تبتدئ الغابة وبهذه الأرض قبائل رواحة.
ومن قافز إلى قصر توكرة مرحلتان وهو قصر كبير عامر آهل وفيه قوم من البربر وحوله أرض عامرة وسوان يزرع عليها القطاني والشعراء محيطة بها.
ومنها إلى قمانس وهو قصر عشرة أميال ومنه إلى اوطليط وهو قصر عامر بالناس نصف يوم ومنه إلى الأربعة بروج وهو قصر يوم ومنه إلى قصر العنين عشرة أميال.
ومنه إلى قصر طلميثة وهو حصن جيد عليه سور حجارة عشرة أميال وهو عامر بالناس والمراكب تقصد إليه بالمتاع الحسن من القطن والكتان ويتجهز منه بالعسل والقطران والسمن في المراكب الواصلة إليه من الإسكندرية وحوله قبائل رواحة من جهة المغرب ومن طلميثة إلى جهة المشرق قبائل هيب وسنأتي بما اتصل بهذه البلاد والأرضين بعد هذا إن شاء الله تعالى.
نجز الجزء الثالث من الإقليم الثالث والحمد لله ويتلوه الجزء الرابع منه إن شاء الله.
الجزء الرابع
إن الذي تضمن هذا الجزء الرابع من الإقليم الثالث من البلاد البرية سنتريه وصحار متصلة إلى أعمال الإسكندرية ومع ذلك ديار مصر وبعض بلادها العليا وبلاد أسفل الأرض منها متصلة بمعظم النيل وبلاد الفيوم والريف ثم أسفل الأرض وما تحويه من الأقاليم والبلاد المعمورة التي هي من أعمال مصر ومنسوبة إليها ونذكر ذلك ذكراً متصلاً شافياً ونذكر من أخبار مصر وعجائب بنيانها ومشاهير عجائبها والداخل فيها والخارج عنها ومقاييس مياهها كل ذلك على توال ونسق إن شاء الله تعالى.

فنقول إن من مدينة برقة إلى الإسكندرية على طريق مستقيم إحدى وعشرون مر حلة وذلك من مدينة برقة إلى قصر الندامة ستة أميال ومنها إلى تاكنست ستة وعشرون ميلاً إلى مغار الرقيم خمسة وعشرون ميلاً وهنا يجتمع هذا الطريق بالطريق الأعلى ومن مغار الرقيم إلى جب حليمة خمسة وثلاثون ميلاً ومن جب حليمة إلى وادي مخيل خمسة وثلاثون ميلاً ومن وادي مخيل إلى جب الميدان خمسة وثلاثون ميلاً ومن جب الميدان إلى جناد الصغير خمسة وثلاثون ميلاً إلى حب عبد الله ثلاثون ميلاً ثم إلى مرج الشيخ ثلاثون ميلاً ثم إلى العقبة عشرون ميلاً ثم إلى حوانيت أبي حليمة عشرون ميلاً ومن حوانيت أبي حليمة إلى خربة القوم خمسة وثلاثون ميلاً ثم إلى قصر الشماس خمسة عشر ميلاً ومن قصر الشماس إلى سكة الحمام خمسة وعشرون ميلاً ومن سكة الحمام إلى جب العوسج ثلاثون ميلاً ومن جب العوسج إلى كنائس الحرير إلى الطاحونة أربعة وعشرون ميلاً ومن الطاحونة إلى حنية الروم ثلاثون ميلاً ومن حنية الروم إلى ذات الحمام أربعة وثلاثون ميلاً ومن ذات الحمام إلى ثونية ثمانية عشر ميلاً ومن ثونية إلى الإسكندرية عشرون ميلاً وهذه الطريق هي الطريق العليا في الصحراء وأما طريق الساحل فإنه من الإسكندرية إلى رأس الكنائس ثلاثة مجار ومن رأس الكنائس إلى مرسى الطرفاوى مجرى ومن مرسى الطرفاوى إلى أول جون رمادة خمسون ميلاً ومنه إلى عقبة السلم ومن عقبة السلم إلى مرسى عمارة عشرة أميال ومن مرسى عمارة إلى الملاحة ثلاثون ميلاً ومن الملاحة إلى لكة عشرة أميال ومما يلي لكة في البرية قصران يسمى أحدهما كيب والثاني قمار ومن لكة إلى مرسى طبرقة خمسون ميلاً ومن طبرقة إلى مرسى رأس تينى مجرى ونصف ومن رأس تينى إلى البندرية مجريان ومن البندرية ينعطف البحر ماراً جهة المغرب على استواء طرف التعدية مجريان لا عمارة بهما وإنما هناك مما يلي البحر جبال وشعاب لا يقدر أحد على سلوكها لصعوبة مراقيها وخشونة طرقاتها وتعذر منافذها ومن طرف التعدية يأخذ جون درين في الابتداء إلى آخره وهذا الجون الذي تأتي البندرية في أوله إلى أن ينتهي إلى الإسكندرية قطعة روسية ستة مجار وهو ستمائة ميل وطول هذا الجون على التقوير إلى الإسكندرية أحد عشر مجرى ونصف وهي من الأميال ألف ميل ومائة وخمسون ميلاً ومن آخر عمالة طلميثة المتقدم ذكرها يكون أول عمالة هيب ورواحة وهم قبائل من العرب أهل إبل وأغنام وثروة وبلادهم آمنة وادعة وبجبال أوثان حروث كثيرة وأهلها يتصيدون فيها وينبت بها البطم والعرعر والصنوبر كثيراً وفي هذه الجبال زراعات ومعائش ونخل كثير وعسل عجيب وآخر عمل هيب لكة وبعد البندرية على نحو عشرة أميال قصر كبير يسكنه قوم من لخم ويسمى القصر بهم وأهله كلهم عسالة يتخذون النحل ويشتارون عسلها وأكثرهم يستعملون قطع العرعر ثم يستخرجون منه القطران ويسافرون به إلى ديار مصر.

وأما الإسكندرية فهي مدينة بناها الإسكندر وبه سميت وهي مدينة على نحر البحر الملح وبها آثار عجيبة ورسوم قائمة تشهد لبانيها بالملك والقدرة وتعرب عن تمكن وبصر وهي حصينة الأسرار نامية الأشجار جليلة المقدار كثيرة العمارة رائجة التجارة شامخة البناء رائعة المغنى شوارعها فساح وعقائد بنيانها صحاح وفرش دورها بالرخام والمرمر وحنايا أبنيتها بالعمد المشمر وأسواقها كثيرة الاتساع ومزارعها واسعة الانتفاع والنيل الغربي منها يدخل تحت أقبية دورها كلها وتتصل دواميس بعضها ببعض وهي في ذاتها كثيرة الضياء متقنة الأشياء وفيها المنارة التي ليس على قرار الأرض مثلها بنياناً ولا أوثق منها عقداً أحجارها من صميم الكدان وقد أفرغ الرصاص في أوصالها فبعضها مرتبط ببعض معقود لا ينفك التئامها والبحر يصدم أحجارها من الجهة الشمالية وبين هذه المنارة وبين المدينة ميل في البحر وفي البر ثلاثة أميال وارتفاع هذه المنارة ثلثمائة ذراع بالرشاشي وهو ثلاثة أشبار وذلك أن طولها كله مائة قامة منها ست وتسعون قامة إلى القبة التي في أعلاها وطول القبة أربع قامات ومن الأرض إلى الحزام الأوسط سبعون قامة سواء ومن الحزام الأوسط إلى أعلاها ست وعشرون قامة ويصعد إلى أعلاها من درج عريض في وسطها كالعادة في أدراج الصوامع ومنتهى الدرج الأول إلى نصفها ثم ينقبض البناء في نصفها من الأربعة أوجه وفي جوف هذا البناء وتحت أدراجه بيوت مبنية ومن هذا الحزام الأوسط يطلع بناؤها إلى أعلاها مقبوضاً عن مقدار البناء الأسفل بمقدار ما يستدير به الإنسان من كل ناحية ويصعد أيضاً إلى أعلاها من هذا الحزام في أدراج أقل أبنية من الأدراج السفلى وفيه زراقات أضواء في كل وجه منها يدخل الضوء عليها من خارج إلى داخل بحيث يبصر الصاعد فيها حيث يضع قدميه حين يصعد فيها وهذه المنارة من عجائب بنيان الدنيا علواً ووثاقة والمنفعة فيها أنها علم توقد النار بها في وسطها بالليل والنهار في أوقات سفر المراكب فيرى أهل المراكب تلك النار بالليل والنهار فيعملون عليها وترى من بعد مجرى لأنها تظهر بالليل كالنجم وبالنهار يرى منها دخان وذلك أن مدينة الإسكندرية في قعر الجون متصلة بها أوطئة وصحار متصلة لا جبل بها ولا علامة يستدل بها عليها ولولا تلك النار لضلت أكثر المراكب عن القصد إليها وهذه النار تسمى فانوساً ويقال إن الذي بنى هذه المنارة هو الذي بنى الأهرام التي في حد مدينة الفسطاط من غربي النيل ويقال أيضاً إنها من بنيان الإسكندر عند بنيان الإسكندرية والله أعلم بصحيح ذلك وبالإسكندرية المسلتان وهما

حجران على طولهما مربعان وأعلاهما أضيق من أسفلهما وطول الواحدة منهما خمس قيم وعرض قواعدها في كل وجه عشرة أشبار محيط الكل أربعون شبراً وعليها كتابات بالخط السرياني وحكى صاحب كتاب العجائب أنهما منحوتان من حجر جبل بريم في بلاد مصر وعليها مكتوب انا يعمر بن شداد بنيت هذه المدينة حين لا هرم فاش ولا موت ذريع ولا شيب ظاهر وإذ الحجارة كالطين وإذ الناس لا يعرفون لهم رباً إلا يعمر فأقمت أسطواناتها وفجرت أنهارها وغرست أشجارها وأردت أن أطول على الملوك الذين كانوا بها بما أجعله فيها من الآثار المعجزة فأرسلت الثبوت بن مرة العادي ومقدام بن الغمر بن أبي رغال الثمودي إلى جبل بريم الأحمر فاقتطعا منه حجرين وحملاهما على أعناقهما فانكسرت ضلع الثبوت فوددت أن أهل مملكتي كانوا فداء له وأقامهما لي الفطن بن جارود المؤتفكي في يوم السعادة وهذه المسلة الواحدة في ركن البلد من الجهة الشرقية والثانية من هذه المسلات أيضاً في بعض المدينة وقيل إن المجلس الذي بجنوب الإسكندرية المنسوب إلى سليمان بن داود أن يعمر بن شداد بناه ويقال أيضاً إن سليمان بن داود بناه وأسطواناته وعضاداته باقية إلى الآن وصفته أنه مجلس مربع الطول في كل رأس منه ست عشرة سارية وفي الجانبين المتطاولين منه سبع وستون سارية وفي الركن الشمالي منه اسطوانة عظيمة ورأسها عليها وفي أسفلها قاعدة رخام في محيط تربيع وجوهها ثمانون شبراً في عرض كل وجه عشرون شبراً في ارتفاع ثمانين شبراً ودور محيط هذه السارية أربعون شبراً وطولها من القاعدة إلى رأسها تسع قيم والرأس منقوش مخرم بأحكم صنعة وأتقن وضع ولا أخت لها ولا يعلم أحد من أهل الإسكندرية ولا من أهل مصر ما المراد بوضعها مفردة في مكانها وهي الآن مائلة ميلاً كثيراً لكنها ثابتة آمنة من السقوط والإسكندرية من عمالة مصر وقاعدة من قواعدها.
وأرض مصر تتصل حدودها من جهة الجنوب ببلاد النوبة ومن جهة الشمال بالبحر الشامي ومن جهة الشام بفحص التيه ومن جهة الشرق ببحر القلزم ومن جهة المغرب بالواحات.
وأما طول النيل فمن ساحل بحر الروم حيث ابتداؤه إلى أن يتصل بأرض النوبة من وراء الواحات نحو خمس وعشرين مرحلة ومن حد النوبة مما يلي الجنوب مصاقباً لبلاد النوبة نحو ثماني مراحل ويمتد من هناك إلى أول الحد الذي ذكرناه نحو اثنتي عشرة مرحلة.
ومدينة الفسطاط هي مصر سميت بذلك لأن مصرام بن حام بن نوح عليه السلام بناها في الأول وكانت مدينة مصر أولاً عين شمس فلماش نزل عمرو بن العاصي والمسلمون معه في صدر الإسلام وافتتحها اختط المسلمون حول فسطاطه فعمروا مكان مصر الآن وهو المكان الذي هي الآن فيه ويقال إنما سميت بالفسطاط لأن عمرو بن العاصي لما استفتح مصر وأراد المسير إلى الإسكندرية أمر بالفسطاط أن يحط ويسار به أمامه فنزلت حمامة في أعلاه وباضت بيضتها فأخبر بذلك عمرو فأمر أن يترك الفسطاط على حاله إلى أن تخلص الحمامة فرخيها فعل وقال والله ما كنا لنسيء لمن ألفنا واطمأن بجانبنا حتى نفجع هذه الحمامة بكسر بيضها فترك الفسطاط وأقام بمصر إلى أن تخلص فرخ الحمامة ثم ارتحل وتسمى مدينة مصر باللسان اليوناكا ببيلونة وهي الآن مدينة كبيرة على غاية من العمارة والخصب والطيب والحسن فسيحة الطرقات متقنة البناءات قائمة الأسواق نافقة التجارات متصلة العمارات نامية الزراعات لأهلها همم سامية ونفوس نقية عالية وأموال مبسوطة نامية وأمتعة رائقة لا تشتغل نفوسهم بهما ولا تعقد قلوبهم على غم لكثرة أمنهم ورفاهة عيشهم وانبساط العدل والحماية فيهم وطول المدينة ومقدارها ثلاثة فراسخ والنيل يأتيها من أعلى أرضها فيجتازها من ناحية جنوبها وينعطف مع غربيها فينقسم قدامها قسمين يعدى في المدينة من الذراع الواحد إلى الآخر.
وفي هذه الجزيرة مساكن كثيرة جليلة ومبان متصلة على ضفة النيل وهذه الجزيرة تسمى دار المقياس وسنصفه بعد هذا بحول الله وهذه الجزيرة يجاز إليها على جسر فيه نحو ثلاثين سفينة ويجاز القسم الثاني وهو أوسع من الأول على جسر آخر وسفنه أكثر من الأول أضعافاً مضاعفة وطرف هذا الجسر يتصل بالشط المعروف بالجيزة وهناك مبان حسنة وقصور شاهقة العلو وسوق وعمارة.

وأرض مصر شبخة غير خالصة التراب وبنيان دورها كلها وقصورها طبقات بعضها فوق بعض والأعم من ذلك تكون طباقها في العلو خمسه وستة وسبعة وربما سكن في الدار المائة من الناس وأكثر وأخبر الحوقلي في كتابه أنه كان بمصر على عهد تأليفه لكتابه دار تعرف بدار عبد العزيز في الموقف يصب لمن فيها في كل يوم أربعمائة راوية ماء وفيها خمسة مساجد وحمامان وفرنان ومعظم بنيان مصر بالطوب وأكثر سفل ديارهم غير مسكون ولها مسجدان جامعان للجمعة والخطبة فيهما أحدهما بناه عمرو بن العاصي في وسط أسواق تحيط به من كل جهة وكان هذا الجامع في أوله كنيسة للروم فأمر به عمرو فقلب مسجداً جامعاً والمسجد الجامع الثاني هو بأعلى الموقف بناه أبو العباس أحمد بن طولون ولابن طولون أيضاً جامع آخر بناه في القرافة وهو مكان يسكنه المتعبدون وجمل من أهل الخير والعفاف وبالجزيرة التي بين ذراعي النيل جامع وكذلك في الضفة الغربية المسماة بالجيزة.
ومصر بالجملة عامرة بالناس نافقة بضروب المطاعم والمشارب وحسن الملابس وفي أهلها رفاهة وظرف شامل وحلاوة ولها في جميع جوانبها بساتين وجنات وشجر ونخل وقصب سكر وكل ذلك يسقى بماء النيل ومزارعها ممتدة من أسوان إلى حد الإسكندرية ويقيم الماء في أرضهم بالريف منذ ابتداء الحر إلى الخريف ثم ينضب فيزرع عليه ثم لا يسقى بعد ذلك ما زرع عليه ولا يحتاج إلى سقي البتة وأرض مصر لا تمطر ولا تثلج البتة وليس بأرض مصر مدينة يجري فيها الماء من غير حاجة إلا الفيوم.
وأكثر جري النيل في جهة الشمال وعرض العمارة عليه من حد أسوان ما بين نصف يوم إلى يوم إلى أن ينتهي إلى الفسطاط تم تعرض العمارة وتتسع فيكون عرضها من الإسكندرية إلى الحوف الذي يتصل بعمارة القلزم نحو ثمانية أيام وليس في أرض مصر مما يحوز ضفتي النيل شيء قفر وإنما هو كله معمور بالبساتين والأشجار والمدن والقرى والناس والأسواق والبيع والشراء وبين طرفي النيل فيما ثبت في الكتب خمسة آلاف وست مائة وأربعة وثلاثون ميلاً وفي كتاب الخزانة أن طوله أربعة آلاف وخمس مائة وخمسة وتسعون ميلاً وعرضه في بلاد النوبة والحبشة ثلاثة أميال فما دونها وعرضه ببلد مصر ثلثا ميل وليس يشبه نهراً من الأنهار.
وأما الجزيرة التي تقابل مصر وهي التي قدمنا ذكرها حيث المباني والمتنزهات ودار المقياس فإنها جزيرة عرضها بين القسمين من النيل مارة مع المشرق إلى جهة المغرب وطولها بالضد وهو من الجنوب إلى جهة الشمال وطرفها الأعلى - حيث المقياس - عريض ووسطها أعرض من رأسها والطرف الثاني محدود وطولها من رأس إلى رأس ميلان وعرضها مقدار رمية سهم ودار المقياس هي في الرأس العريض من الجهة الشرقية مما يلي الفسطاط وهي دار كبيرة يحيط بها من داخلها في كل وجه أقبية دائرة على عمد وفي وسط الدار فسقية كبيرة عميقة ينزل إليها بدرج رخام على الدائر وفي وسط الفسقية عود رخام قائم وفيه رسوم أعداد أذرع وأصابع بينها وعلى رأس العمود بنيان متقن من الحجر وهو ملون مرسم بالذهب واللازورد وأنواع الأصباغ المحكمة والماء يصل إلى هذه الفسقية على قناة عريضة تصل بينها وبين ماء النيل والماء لا يدخل هذه الجابية إلا عند زيادة ماء النيل وزيادة ماء النيل تكون في شهر أغشت والوفاء من مائه ستة عشر ذراعاً وهو الذي يروي أرض السلطان باعتدال فإذا بلغ النيل ثمانية عشر ذراعاً وروى جميع الأرضين التي هناك فإن بلغ عشرين ذراعاً فهو ضرر وأقل زيادته تكون اثني عشر ذراعاً والذراع أربعة وعشرون اصبعاً فما زاد على الثمانية عشر ضر لأنه يقلع الشجر ويهدم وما نقص عن اثني عشر كان بذلك النقص والحدب وقلة الزراعة.

ومما يلي جنوب الفسطاط قرية منف وبناحية شمالها المدينة المسماة عين شمس وهما كالقريتين مما يلي جبل المقطم ويقال إنهما كانتا متنزهين لفرعون لعنه الله فأما منف فهي الآن خراب أكثرها وأما عين شمس فهي الآن معمورة وهي أسفل جبل المقطم وعلى مقربة منها على رأس جبل المقطم مكان يعرف بتنور فرعون وكانت فيه مرآة تدور على لولب فكان إذا خرج من أحد الموضعين أعني منف أو عين شمس أصعد في هذا المكان الآخر من يعدله ليعاين شخصه ولا تفقد هيئته والتمساح لا يضر بشيء مما جاور الفسطاط ويحكى عنه أنه إذا انحدر من أعلى النيل أو صعد من أسفل وأتى قبالة الفسطاط انقلب على ظهره وعام كذلك حتى يجاوز الفسطاط وحماه ويقال إن ذلك بطلسم صنع له وكذلك أيضاً عدوة بوصير لا يضر بها ويضر بعدوة الأشموني وبينهما عرض النيل وهذا عجب عجيب وبعين شمس مما يلي الفسطاط ينبت البلسان وهو النبات الذي يستخرج منه دهن البلسان ولا يعرف بمكان من الأرض إلا هناك.
وبأسفل الفسطاط ضيعة سيروا وهي ضيعة جليلة يعمل بها شراب العسل المتخذ بالماء والعسل وهو مشهور في جميع الأرض ويتصل بأرض الفسطاط جبل المقطم وبه جمل من قبور الأنبياء عليهم السلام كيوسف ويعقوب والأسباط.
وعلى ستة أميال من مصر الهرمان وهما بناءان في مستو من الأرض ولا يعرف فيما جاورهما جبل يقطع منه حجر يصلح للبناء وطول كل واحد من هذه الأهرام ارتفاعاً مع الجو أربعمائة ذراع وعرضه في الدائر كارتفاع الكل مبني بحجارة الرخام التي ارتفاع كل حجر منها خمسة أشبار وطوله خمسة عشر ذراعاً إلى العشرة فزائداً وناقصاً على قدر ما توجبه الهندسة وموقع الحجر من جوار لصيقه وكلما ارتفع بناؤه على وجه الأرض ضاق حتى يصير أعلاه نحو مبرك جمل ومن شاء الخروج إليهما من البر جاز إلى الجيزة على الجسر ومر من الجيزة إلى قرية دهشور ثلاثة أميال وهناك سجن يوسف عليه السلام ومنها إلى الهرمين وبين الهرم والهرم نحو من خمسة أميال وبينهما وبين أقرب موضع إلى النيل خمسة أميال وفي بعض حيطانه كتابات قد درس أكثرها وفي داخل كل هرم منهما طريق يسير فيه الناس وبين هذين الهرمين طريق مخترق في الأرض واضح يفضي من أحدهما إلى الآخر ويحكى أنهما علامات على قبور ملوك ويذكر أنهما كانا قبل أن يكونا قبوراً أراء للغلات.

ويتصل بمصر في الجانب الغربي منها مدينة الفيوم وبينهما مرحلتان والفيوم مدينة كبيرة ذات بساتين وأشجار وفواكه وغلات ولها جانبان على وادي اللاهون وهو فيما يقال أن يوسف عليه السلام اتخذ له مجريان للماء في وقت الفيض ليدوم لهم الماء فيها وقومهما بالحجارة المنضدة ومدينة الفيوم في ذاتها مدينة طيبة كثيرة الفواكه والغلات وأكثر غلاتها الأرز وهو الأكثر في سائر حبوبها وهواؤها وبيء غير موافق منكر لمن دخلها من الطارئين والغرباء النازلين بها وبها آثار بنيان عظيم ونواحيها مسماة بها ومنسوبة إليها وكانت هذه العمارة المحيطة بها كلها تحت سور يجمع على جميع أعمالها ويحيط بجميع مدنها وبقاعها وما بقي منه الآن شيء إلا ما لا يرى بشيء ونهر اللاهون اخترقه وأجرى الماء فيه يوسف الصديق عليه السلام وذلك لما كبرت سنه وأراد الملك راحته وانتزاعه عن الخدمة وقد كثرت حاشيته وأهله من ذريته وذرية أبيه وأقطعه أرض الفيوم وكان الفيوم بحيرة تصب إليها المياه وكانت ذات آجام وقصب وكان الملك يكره ذلك منها لأنها كانت قريبة منه فلما وهبها ليوسف عليه السلام نهض إلى ناحية صول واحتفر الخليج المسمى بالمنهى حتى أتى به إلى موضع اللاهون ثم بنى اللاهون وأوثقها بالحصى والكلس واللبن والصدف كالحائط المرتفع وجعل على أعلاه في الوسط باباً وحفر من ورائه خليجاً يدخل إلى الفيوم شرقياً وعمل خليجاً غربياً متصلاً بهذا الخليج يمر به من خارج الفيوم يقال له تنهمت فخرج الماء من الجونة إلى الخليج الشرقي فجرى إلى النيل وخرج ماء الخليج الغربي يصب إلى صحراء تنهمت بالغرب فلم يبق من الماء شيء إلا وخرج وكل ذلك في أيام يسيرة ثم أمر الفعلة فقلموا القصب التي هناك والعصاب وعقد الأدياس والطرفاء وكان ذلك في وقت جري الماء في النيل فدخل في رأس الخليج المسمى بالمنهى فجرى حتى وصل اللاهون فقطعه إلى خليج الفيوم وسار الماء إليها وسقاها وعم جميعها وصارت لجة وكان ذلك في سبعين يوماً فلما نظر إليها الملك قال هذا عمل ألف يوم فسميت بذلك الفيوم ثم إن يوسف عليه السلام قال للملك إن عندي من الحكمة أن تعطيني من كل كورة من أرض مصر أهل بيت واحد فأعطاه ذلك فأمر يوسف القوم بأن يبني لكل بيت منهم قرية ففعلوا ذلك وكان عدد هذه البيوتات خمسة وثمانين بيتاً وكانت قراهم على عدد ذلك فلما فرغوا من بنيان القرى ضرب لكل قرية من الماء بقدر ما يصير إليها من الأرض لا يكون لها في ذلك زائد ولا ناقص ثم صير لكل قوم شرباً في زمان ما لا ينالهم الماء إلا فيه فهذه صفة الفيوم.
ومن خرج من مصر على معظم النيل يريد الصعيد سار من الفسطاط إلى منية السودان وهي منية جليلة تتصل بها عمارات بضروب من الغلات وهي في الضفة الغربية من النيل ومنها إلى مصر نحو من خمسة عشر ميلاً.
ومنها إلى بياض عشرون ميلاً وهي قرى وضياع عامرة وغلات حسنة وبساتين تشتمل على ضروب من الفواكه.
ومنها إلى الحمى الصغير عشرون ميلاً.
ثم إلى الحي الكبير في الجهة الشرقية عشرة أميال وهي قرية عامرة ولها بساتين وكروم ومزارع قصب.
ومنها إلى دير الفيوم في الجهة الشرقية عشرون ميلاً.
ثم إلى قرية تونس في الجهة الغربية ميلان وهي متنحية عن النيل ومنها إلى دهروط نصف يوم ودهروط في الجهة الغربية من النيل.
ومنها إلى مدينة القيس في الجهة الغربية نحو من عشرين ميلاً ومدينة القيس مدينة قديمة أزلية وقد تقدم ذكرنا لها فيما سلف من ذكر بلاد مصر في الإقليم الثاني قبل هذا والطريق منها إلى مدينة أسوان على النيل ولا حاجة بنا إلى إعادة ذكر ذلك.
وأما أسفل الأرض من مصر فمن أراد المسير إليها سار منحدراً مع النيل إلى المنية خمسة أميال ومنها إلى منية القائد خمسة أميال وهي مدينة كبيرة عامرة ذات مزارع وبساتين وخصب وقصب سكر.
ومنها إلى شبرة خمسة أميال وهي قرية وضياع كالمدينة يعمل فيها شراب العسل المفوه المشهور في جميع الأرض وبها خيمة البشنس.
ومنها إلى بيسوس خمسة أميال وهي قرية عامرة حسنة.
ومنها إلى قرية الخرقانية خمسة أميال وهي قرية عامرة لها مزارع وضياع وبساتين كثيرة للملك.
ومنها إلى قرية سرودس خمسة أميال.
ومنها إلى شلقان خمسة أميال وهي قرية كبيرة عامرة.

ومنها إلى قرية زفيتة خمسة عشر ميلاً وبها تجتمع المراكب التي يصاد بها الحوت بأسرها وهذه القرية على رأس الجزيرة حيث ينقسم النيل خلجاناً.
وهذه القرية تصاقب مدينة شنطوف التي على رأس الخليج الذي ينزل إلى تنيس ودمياط.
وفي أعلى شنطوف ينقسم النيل على قسمين ينزلان إلى أسفل ويتصلان بالبحر ويتفرع من كل واحد من هذين القسمين خليجان يصلان البحر فأما الخليجان الكبيران فإن مبدأهما من شنطوف فيمر الواحد في جهة المشرق حتى يصل تنيس ويتفرع من هذا الخليج ثلاثة خلجان فأحدها يخرج عند أنتوهى من جهة المغرب فيمر بتقويس إلى إن يرجع إلى معظمه عند دمسيس ويتفرع أسفل ذلك منه خليج في جهة الغرب فيمر حتى يصل دمياط وأما الخليج الآخر فإنه يمر من نحو شنطوف في جهة المغرب إلى قرب قيس أنمار فينقسم منه قسم يمر في جهة المغرب فينعطف إلى قرية ببيج ثم ينزل ويتفرع هناك منه خليج يصل إلى الإسكندرية وهذا الخليج يسمى خليج شابور وفمه وابتداء مخرجه من أسفل ببيج ولا يكون الماء فيه في كل السنة وإنما يكون فيه الماء مدة خروج النيل فإذا رجع ماء النيل جف ماؤه حتى لا ينحدر أحد فيه ويخرج من معظم هذا القسم المتصل برشيد أسفل سنديون وسمونس أسفل فوه وفوق رشيد ذراع من النيل فيمر إلى مستقر بحيرة تتصل بقرب الساحل ثم تمر ممتدة مع الغرب إلى أن يكون بينها وبين الإسكندرية نحو من ستة أميال ومن هناك تتحول الأمتعة من المراكب في البر إلى الإسكندرية وعلى هذه الخلجان كلها مدن كثيرة متحضرة وقرى عامرة متصلة وها نحن لأكثرها ذاكرون وبالله التوفيق.
فمن أراد النزول من مصر إلى تنيس وبينهما تسعة أيام ومن تنيس إلى دمياط مجرى ومن دمياط إلى رشيد يومان ومن رشيد إلى الإسكندرية مجرى ومن الإسكندرية إلى مصر ستة أيام ومن مصر إلى قرية زفيتة التي قدمنا ذكرها وقلنا إن بها تجتمع مراكب صيد السمك بأسرها ومبلغ مقدار عددها مائة مركب ونيف خمسون ميلاً ويقابلها من الضفة الغربية شنطوف وهي مدينة حسنة.
ومن شنطوف إلى شنوان خمسة وعشرون ميلاً ينزل منها إلى قرية الشاميين عشرة أميال وهذه القرية يزرع فيها قصب السكر والبصل والقثاء وهذه أكبر غلاتها وأكثرها وهي بذلك مختصة وهي في الضفة الشرقية ويقابلها في الضفة الغربية طنت وهي قرية حسنة كثيرة المزارع والغلات.
ومن طنت إلى شنوان وهي مدينة صغيرة خمسة عشر ميلاً.
ومن منحدرا إلى قشيرة الأبراج نحو من اثني عشر ميلاً وهي قرية عامرة وفيها غلات وعمارات كثيرة.
وتقابلها قرية سيوجة.
ومنها منحدراً إلى الصالحية نحو عشرة أميال وهي مدينة متحضرة وفيها عمارات وزراعات وأهلها لصوص لهم أذية فاشية وهم بالشر موسومون.
وأسفل الصالحية منية العطف في الغربية وهي قرية كثيرة الخيرات ومنها إلى شيرجة عشرة أميال.
ومنها منحدراً إلى مدينة جدوة خمسة عشر ميلاً وهي مدينة صغيرة متحضرة لها أسواق عامرة وزراعاتها متصلة وخيراتها كثيرة وفي هذه المدينة مراكب كثيرة معدة لتعدية العساكر مختصة بذلك.
ومن جدوة عشرون ميلاً إلى منية العطار وهي قرية صغيرة وبها بساتين وجنات وغلات.
ويقابلها من الضفة الغربية مدينة أنتوهى وهي مدينة صغيرة وبها بساتين وجنات وزراعات وغلات معلومة ولها سوق في يوم معلوم.
ومن منية العطف السابق ذكرها إلى قرية شميرق عشرة أميال بالجهة الغربية ومن قرية شميرق وهي تقابل جدوة وبأسفلها قليلاً إلى قرية أنتوهى السابق ذكرها نحو من عشرة أميال.
وأسفل أنتوهى ينقسم الذراع من النيل على قسمين فيمر منه القسم الواحد إلى ناحية الغرب والقسم الثاني يمر بالجهة الشرقية فيكون بينهما جزيرة ثم يجتمعان بشبرة ودمسيس ثم يمران غير بعيد فينقسمان قسمين ويمر القسم الشرقي إلى تنيس ويمر القسم الثاني وهو الغربي إلى دمياط.
ثم نرجع بالقول إلى مدينة أنتوهى حيث ينقسم النيل فمن انحدر على الذراع الشرقي صار من أنتوهى إلى منية العطار وهما متقابلتان فانحدر إلى بنة العسل وهي منية جليلة كثيرة الأشجار والفواكه وتتصل بها عمارات وتقابلها في الضفة الغربية منيتها الكبرى المنسوبة إلى بنة.
ومنها إلى قرية أتريب في الشرقية وهي قرية لها سوق عامرة.
ومنها إلى قرية جنجر وهي كثيرة الغلات والمزارع.
ويقابلها في الجهة الغربية منية الحوفي وهي قرية ومنية كبيرة.

ومنها إلى قرية سنيت في الشرقي ويقابلها من الجهة الغربية قرية وروده وهي قرية كثيرة الخصب عامرة بالناس ولها سوق حسنة.
ومنها إلى قرية الخمارية ويقابلها في الغربية منية الحرون.
وينحدر منها إلى قرية صحرشت الكبرى في الجهة الشرقية.
ومنها إلى صحرشت الصغرى في الجهة الغربية وهي قرية عامرة وبها من غلات السمسم والقنب وأنواع الحبوب كل حسن.
ومنها إلى قرية منية غمر بجهة الشرق وهي قرية لها سوق ومتاجر ودخل وخرج قائم.
ويقابلها في الجهة الغربية منية زفته.
ومن منية زفتة إلى منية الفيران في الجهة الغربية وهي قرية يزرع بها غلات الكمون والبصل والثوم برسم قصر الملك.
ويحاذيها في الشرق قرية قدقوس وهي قرية كبيرة جداً ذات بساتين وزروع ولها سوق نافقة وهي يوم الأربعاء.
ومنها ينحدر إلى منية فيماس وهي قرية حسنة كثيرة الخيرات كثيرة الغلات.
ويقابلها في الجهة الغربية قرية حانوت وهي قرية ذات مياه جارية وعمارات وهي برسم زراعة الكتان وهو غلتها وعليها يعول أهلها ونبات الكتان يجود فيها.
ومنها إلى منية إسنا بالشرقي من الخليج وهي قرية حسنة ولها سوق في يوم معلوم.
ومنها إلى قرية دمسيس المقدم ذكرها وهي قرية عامرة آهلة ولها سوق وهو يوم السبت وسوقها يباع بها ويشترى من الثياب والأمتعة كل طريفة والتجار يقصدونها لنفاقها.
ومن أراد النزول إلى الخليج الغربي من أنتوهى سار من أنتوهى إلى مدينة مليج عشرين ميلاً وهي مدينة عامرة ولها أسواق وتجارات ويقابلها في الضفة الشرقية منية عبد الملك وهي قرية عامرة كبيرة كثيرة الخيرات مفيدة الزراعات.
ومن مليج نازلاً إلى طنطنة في جهة الغرب خمسة عشر ميلاً وهي مدينه متحضرة صغيرة لكنها ذات سوق وأرزاق دارة وأحوال صالحة وأهلها في رفاهة وخصب ومن طنطنة إلى مدينة طلطى في الضفة الغربية خمسة عشر ميلاً ويقابلها في الجهة الشرقية الجعفرية وهي قرية ذات مزارع وغلات ومن مدينة طلطى إلى قرية بلوس في الضفة الغربية ويقابلها في الضفة الشرقية قرية السنطة وهي قرية جليلة عامرة.
ومن قرية بلوس إلى مدينة سنباط في الغربي ومزارعها كتان وفيها سوق عامرة وتجارات وأرباح وأموال ممدودة ونعم ومنها بالمحاذاة في الضفة الشرقية إلى مدينة ونعاصر ومن مدينة سنباط إلى مدينة شبرة التي على فم الخليج المقابل لدمسيس المتقدم ذكرها قبل ذلك.
فمن أراد المسير من دمسيس إلى تنيس على النيل نزل في النيل إلى منية بدر نحو ميلين ومنها يخرج خليج شنشا في الجهة الشرقية فيمر إلى مدينة شنشا وهي مدينة حسنة كثيرة الأشجار والمزارع وبها معاصير لقصب السكر وخيرات شاملة وينحدر منها إلى مدينة البوهات في الشرقي أربعة وعشرون ميلاً وهي مدينة عامرة ذات أسواق ومنافع جمة وعليها سور قديم مبني بالصخر ومنها إلى سفناس ثمانية عشر ميلاً وهي مدينة متحضرة صغيرة ومنها إلى جهة الغرب في البر إلى مدينة طناح التي على خليج تنيس في الضفة الشرقية منه خمسة وعشرون ميلاً ثم إلى بحيرة الزار وهي على مقربة من الفرما.
وبحيرة الزار متصلة ببحيرة تنيس وبيها وبين البحر الملح ثلاثة أميال وهذه البحيرة التي ذكرناها بحيرة كبيرة واسعة القطر وفيها من الجزائر غير مدينة تنيس جزيرة حصن الماء وهي مما يلي ناحيه الفرما وبقرب منها وإليها وصل الملك بردوين الذي استفتح بلاد الشام بعد الإسلام وغرق بفرسه بقربها ومنها انصرف إلى ما خلفه وبالشرق من تنيس ومع الجنوب قليلاً جزيرة تونة وهي في بحيرة تنيس وفي جنوب تنيس وببحيريها جزيرة نبلية.
وفي غربي خليج شنشا الذي ذكرناه آنفاً قرى وضياع وشوارع متصلة بضروب من الغلات وجمل من المنافع ومن أحب النزول من دمسيس على معظم الخليج إلى تنيس صار من دمسيس إلى منية بدر التي قدمنا ذكرها قبل ذلك ومنها إلى بنا في الضفة الغربية عشرة أميال وهي قرية حسنة لها بساتين وفدادين غلاتها وافرة.

وفوقها ينقسم النيل على فرقتين فتصير بينهما جزيرة صغيرة على غربيها قرية بوصير وهي عامرة وعلى الذراع الثاني مما يلي المشرق رحل جراح وهي مدينة صغيرة عامرة ولها دخل وخرج ومنافع وغلل وبين رحل جراح وبين فم خليج شنشا أربعون ميلاً وكذلك بين بوصير وبنا ومن منية ابن جراح نازلاً في النيل إلى سمنود اثنا عشر ميلاً وهي في الضفة الشرقية ويقابلها في الجهة الغربية مدينة سمنود وهي مدينة حسنة كثيرة الداخل والخارج عامرة آهلة وبها مرافق واسعار رخيصة ومن مدينة سمنود في البرية في جهة الغرب بالمقابلة إلى مدينة سندفة التي على خليج بلقينة ثمانية أميال ومن مدينة سمنود إلى مدينة الثعبانية ثمانية عشر ميلاً وهي مدينة عامرة وبها أسواق وعمارات وتجارات وهي في الغربي من الخليج ومنها إلى منية عساس اثنا عشر ميلاً وهي قرية كثيرة البركات جامعة لضروب من الغلات ومنها نازلاً إلى جوجر اثنا عشر ميلاً ويقابلها في الضفة الشرقية ويش الحجر وهي مدينة صغيرة بها بساتين وأشجار ومن ويش الحجر إلى مدينة سمنود المقدم ذكرها ستة وثلاثون ميلاً ومن ويش الحجر نازلاً إلى مدينة طرخا وهي بالضفة الغربية من النيل وبينها وبين جوجر اثنا عشر ميلاً.
وأسفل طرخا ينقسم هذا الخليج قسمين يصل أحدهما إلى بحيرة تنيس شرقاً والثاني يصل غرباً إلى مدينة دمياط فمن شاء أن ينزل إلى تنيس ينزل من طرخا إلى منية شهار في الغربي وهي مدينة صغيرة عامرة بها تجارات وأموال قائمة ويقابلها في الضفة الشرقية محلة دمينة وبينهما خمسة أميال ومنية دمينة أسفل من مدينة شهار ومن محلة دمينة إلى قباب البازيار اثنا عشر ميلاً وهي قرية كبيرة ومنها نازلاً إلى قباب العريف ستة عشر ميلاً ومنها إلى قرية دمو خمسة عشر ميلاً ومن دمو إلى مدينة طماخ ميلان في الضفة الشرقية وهي مدينة حسنة كثيرة العامر فيها أسواق ومتاجر قائمة ومنها إلى شمون عشرة أميال وهي قرية عامرة ومنها إلى قرية الأنصار في الضفة الغربية عشرون ميلاً ومنها إلى قرية وبيدة عشرون ميلاً في الضفة الشرقية ومنها إلى برنبلين عشرون ميلاً وهي في الضفة الغربية ثم إلى شنيسة أربعون ميلاً ثم غرباً إلى بحيرة تنيس خمسة عشر ميلاً.
وبحيرة تنيس إذا امتد النيل في الصيف عذب ماؤها وإذا جزر في الشتاء إلى أوان الحر غلب ماء البحر عليها فملح ماؤها وفيها مدن مثل الجزائر تطيف البحيرة بها وهي نبلى وتونة وسمناة وحصن الماء ولا طريق إلى واحدة منها إلا بالسفن وبمدينة تنيس وذمياط يتخذ رفيع الثياب من الدبيقي والشروب والمصبغات من الحلل التنيسية التي ليس في جميع الأرض ما يدانيها في الحسن والقيمة وربما بلغ الثوب من ثيابها إذا كان مذهباً ألف دينار أو نحو ذلك وما لم يكن فيه ذهب المائة والمئتين ونحوها وأصولها من الكتان أما وان كانت شطا ودبقو ودميرة وما قاربها من ذلك الجزائر يعمل بها الرفيع من الأجناس فليس ذلك بمقارب للتنيسي والذمياطي وفيما يذكر أن بحيرة تنيس بها كانت الجنتان التي ذكرت في الكتب وكانت لرجلين من ولد أتريب بن مضر وكان أحدهما مؤمناً والآخر كافراً فافتخر الكافر بكثرة ماله وولده فقال له أخوه المؤمن فما أراك شاكراً على ما رزقت فنزع ذلك منه ويقال إنه دعا عليه فغرق الله جميع ما كان للكافر في البحر حتى كأنها لم تكن في ليلة واحدة وهذه البحيرة قليلة العمق يسار في أكثرها بالمعادي وتلتقي فيها السفينتان فتجانب إحداهما الأخرى هذه صاعدة وهذه نازلة برج واحدة وكلاهما مملوء القلاع بالريح وسيرهما في السرعة سواء.
وأما ذمياط فإنها مدينة على ضفة البحر وبينهما مسافة وبذمياط يعمل من غريب الصنع في الثياب الدبيقية وغيرها ما يقارب الثياب التنيسية سواء وذراع النيل ينصب إليها من الذراع النازل إلى مدينة تنيس وخروجه أسفل طرخا التي قدمنا ذكرها.

فمن شاء النزول إليها من مصر سار على ما وصفناه من القرى والمدن والعمارات حتى يصل طرخا فيأخذ في الذراع الغربي الواصل إلى ذمياط فينحدر إلى مدينة دميرة عشرة أميال وهي في غربي الخليج وهي مدينة صغيرة ويعمل بها ثياب حسنة يتجهز بها إلى كثير من البلاد وبها صناع كثيرة وتجار قاصدون وبيع وشراء ومن دميرة نازلاً مع الخليج إلى شرنقاش في الضفة الغربية سبعة عشر ميلاً وهي مدينة صغيرة عامرة حسنة ذات مزارع وغلات وصناعات ومنها إلى مدينة شرمساح في الضفة الشرقية عشرون ميلاً وهي مدينة جليلة لكنها ليست بالكبيرة ولها سوق جامعة لضروب بيع وشراء وأخذ وعطاء ومنها إلى منية العلوق عشرون ميلاً وهي قرية متحضرة لها معاصر قصب وغلات قائمة نامية وهي في الضفة الشرقية من الخليج ومنها إلى قرية فارسكور عشرة أميال في الضفة الشرقية من الخليج ومن فارسكو إلى بورة وهي قرية جامعة ذات زراعات وغلات وجنات وبساتين وخيرات خمسة عشر ميلاً ومن بورة إلى ذمياط ثلاثة عشر ميلاً وكذلك من طرخا إلى ذمياط مائة ميل وخمسة أميال وكذلك من طرخا إلى منية دمسيس مائة ميل وعشرة أميال ومن دمسيس إلى أنتوهى نحو من تسعين ميلاً ومن فم أنتوهى إلى قرية شنطوف مائة ميل ومن شنطوف إلى الفسطاط خمسون ميلاً.
ونرجع بالقول إلى خليج المحلة وفوهته تخرج من أسفل طنطى فيمر في جهة الغرب نازلاً حتى يحاذي شرمساح التي على خليج دمياط ومن فوهته إلى منية غزال في الشرق عشرون ميلاً وهي قرية جامعة لمحاسن شتى وضروب غلات مختلفة وتقابلها محلة أبي الهيثم في الضفة الغربية ومنها إلى ترعة بلقينة خمسة عشر ميلاً وهي قرية كثيرة البساتين والجنات متصلة العمارات والغلات ومنها يخرج أيضاً خليج آخر يأخذ في الغرب مستقيماً إلى صخا وعليه من أوله قرية دار البقر في الغرب وأسفلها في الغرب أيضاً قرية المعتمدية ومنها إلى متبول في الغرب وهي قرية عامرة لها سوق في يوم معلوم ومنها إلى صخا وصخا في البرية وبها إقليم متصل ومنها في جهة الجنوب في البرية إلى محلة صرت ومنها إلى منوف العليا وهي قرية صغيرة عامرة ولها إقليم معمور وبها غلات وخير كثير ومن منوف العليا إلى سكاف وهي قرية حسنة شاملة لأهلها محدقة بخيرها متصلة عماراتها ومنها إلى شنطوف. ونرجع بالقول إلى ترعة بلقينة السابق ذكرها فمنها منحدراً إلى المحلة وهي مدينة كبيرة ذات أسواق عامرة وتجارات قائمة وخيرات شاملة وبها يقرب من المحلة على خمسة وأربعين ميلاً في البرية مدينة صنهور وإليها تصل ترعة بلقينة ويقابلها في جهة الشرق مدينة سندفة وبينهما نحو ميل ونصف وهي مدينة جليلة جميلة كثيرة الفواكه والنعم وبين سندفة ومدينة سمنود في البرية خمسة عشر ميلاً ومدينة سمنود على خليج تنيس ودمياط ومن سندفة إلى مدينة المحلة ومنها إلى محلة الداخل وهي قرية حسنة لها بساتين وجنات في غربي الخليج ومنها إلى دميرة التي ترسم بها الثياب الشروب وهما مدينتان كبيرتان فيهما طرز للخاصة وطرز للعامة ومنها يخرج إلى ذمياط كما قدمنا.

وقد ذكرنا من أوصاف الخلجان الشرقية وتشعبها على ما هي عليه ما فيه كفاية وبقي علينا أن نذكر الخليجين الغربيين حسب ما يجب ونأتي بما عليهما من البلاد وكيفية تشعبهما فنقول من ذلك: من شاء الانحدار من مصر إلى الإسكندرية خرج من مصر منحدراً إلى جزيرة أنقاش ونبابة وهما مدينتان بين شطي النيل كانتا برسم تربية الوحوش فيهما في مدة أيام الأمير صاحب مصر عشرة أميال ومنها إلى الأخصاص وهي قرية حسنة لها بساتين وجنات وروضات ومبان ومنتزهات عشرون ميلاً ومنها منحدراً في النيل إلى ذروة خمسة أميال ومنها إلى شنطوف عشرون ميلاً وشنطوف مدينة صغيرة متحضرة لها مزارع وخصب ومنها في الضفة الغربية إلى قرية تسمى أم دينار وهي قرية حسنة ومن أم دينار إلي أشمن جريش خمسة عشر ميلاً وهي مدينة صغيرة في الغرب كثيرة العمارات والبساتين والجنات ومنها إلى مدينة الجريش ثمانية عشر ميلاً وهي في الضفة الشرقية وهي مدينة حسنة على إقليم جليل كبير وهي كثيرة التجارات والعمارات والكروم والأشجار ومنها إلى رمال الصنيم وبها آية من آيات الله سبحانه وذلك أنه يؤخذ العظم فيدفن في هذه الرمال سبعة أيام فيعود حجراً صلداً بإذن الله ومن رمال الصنيم إلى أبي يجنس وهي قرية كبيرة عامرة لها سوق وحولها بساتين وغراسات وكذلك منها إلى ترنوط وهي مدينة صغيرة متحضرة لها سوق وتجار مياسير ومن ترنوط هذه إلى شنطوف خمسون ميلاً وبمدينة ترنوط معدن النطرون الجيد ومنه يحمل إلى جميع البلاد ومدينة ترنوط على بر شابور وذلك أن هذا الذراع من النيل إذا وصل إلى رمال الصنيم انقسم قسمين فيمر القسم الأول إلى ناحية المغرب إلى أن يصل إلى ترنرط ثم إلى بستامة إلى طنوب ومنها إلى شابور وهي مدينة كالقرية الجامعة ومنها إلى محلة السيدة ثم إلى دنشال ثم إلى قرطسا ثم إلى سوق أبي منى ومنها إلى قرنفيل ثم إلى الكريون ومنها إلى قرية الصير ثم إلى الإسكندرية.
وهذا الخليج لا يدخله الماء لا يسافر فيه إلا عند زيادة النيل لأن فوهته مرتفعة على مجرى النيل فلا يصل إليه الماء إلا في الوقت الذي ذكرناه وذلك أن فوهة هذا الخليج إذا وصل إلى ترنوط انعطف إلى جهة المشرق حتى يجتمع بأخيه عند ببيج وتصير بينهما جزيرة بيار وفم الخليج الشرقي يخرج من نحو رمال الصنيم فيمر في جهة الشمال إلى أن يتصل بصاحبه عند ببيج وعلى فوهته وأسفل منه مزارع وقرى متصلة في ضفة المشرق تتصل بأعلى منوف السفلى.
ومنها إلى قرية تتا ومن قرية تتا إلى فيشة إلى البندارية ويقابلهما المنار وفي الضفة الغربية ببيج وهناك يجتمع الخليجان فيصيران واحداً وفوق ببيج قرية قليب العمال وينزل النيل مع الشمال إلى صاه في الضفة الشرقية ويقابلها من الجهة الشرقية محلة نكلا خمسة عشر ميلاً ومن صاه إلى قرية إصطافية في الضفة الشرقية عشرون ميلاً وهي قرية حسنة عامرة ومنها إلى محلة العلوي خمسة عشر ميلاً وهي قرية كبيرة ذات بساتين وضياع ويقابلها في الضفة الغربية سرنبى وهي قرية عامرة ومن محلة العلوي إلى فوة خمسة عشر ميلاً وهي مدينة حسنة كثيرة الفواكه والخصب وبها أسواق وتجارات.
وينقسم النيل أمامها قسمين فتكون بينهما جزيرة الراهب وعلى آخرها مدينة سنديون وكانت قبل ذلك مدينة لكنها دثرت وبقي منها معالم وقرى متصلة ومن فوة إلى سنديون في الضفة الشرقية نحو من خمسة عشر ميلاً ويحاذيها في الجهة الغربية قرية سمديسي وبين سمديسي وسرنبى خمسة عشر ميلاً.
وعلى مقربة من أسفل سمديسى يخرج ذراع من النيل ليس بالكبير فيتصل ببحيرة مارة ما بين غرب وشمال طولها أربعون ميلاً في عرض ميلين أو نحوهما وماؤهما ليس بعميق حتى تأتي ساحل البحر الملح وتنعطف هذه البحيرة مع الساحل على بعد ستة أميال من رشيد ثم ترجع إلى فم ضيق في أعلى سعتها مقدار عشرة أبواع في طول رمية حجر.

ثم تتصل هذه البحيرة ببحيرة أخرى طولها عشرون ميلاً وسعتها أقل من سعة الأخرى وماؤها أيضاً ليس بعميق فيسار فيها إلى أعلاها ومن هناك إلى الإسكندرية ستة أميال ثم يتحول الناس عن المراكب إلى البر فيسيرون على الدواب إلى الإسكندرية وأما النزول إلى رشيد فعلى معظم الخليج فيسار من سمديسى إلى قرية الحافر عشرون ميلاً ويقابلها في الضفة الشرقية قرية نطوبس الرمان ومن الحافر إلى الجديدية خمسة عشر ميلاً وهي قرية عامرة.
ومن الجديدية إلى رشيد وهي مدينة متحضرة بها سوق وتجار ونفقة ولها مزارع وغلات حنطة وشعير وبها جمل بقول حسنة كثيرة ولها نخل كثير وأنواع من الفواكه الرطبة وبها من الحيتان وضروب السمك من البحر الملح والسمك النيلي كثير وبها يصاد الدليس ويملحونه ويسافرون به إلى كل الجهات وهو من بعض تجاراتهم.
وأكثر رساتيق مصر وقراها في الجوف والريف والريف هو ما كان من النيل جنوباً وأكثر أهل هذه القرى قبط نصارى يعقوبية ولهم الكنائس الكثيرة وفيهم قلة شر وهم أهل يسار وأخبر الحوقلي في كتابه أن المرأة العظيمة من نساء القبط ربما ولدت الاثنين والثلاثة في بطن واحد وبحمل واحد ولا يجدون لذلك علة إلا ماء النيل.
ومن رشيد إلى مدينة الإسكندرية ستون ميلاً وذلك أنك تسير من رشيد إلى الرمال إلى بوقير ثلاثين ميلاً إلى القصرين إلى الإسكندرية ثلاثين ميلاً ولأهل الإسكندرية في بحرهم سمكة مخططة لذيذة الطعم تسمى العروس إذا أكلت مشوية أو مطبوخة رأى آكلها في نومه كأنه يؤتى إن لم يتناول عليها شيئاً من الشراب أو يكثر من أكل العسل.
فأما الطريق من مصر إلى أسوان وأعلى الصعيد فقد ذكرناه وكذلك الطريق من مصر إلى إفريقية قد ذكرناه على مسافة فنريد الآن أن نذكر الطريق من مصر إلى البهنسا ثم إلى مدينة سجلماسة مرحلة مرحلة وهو الطريق الذي أخذه المرابطون في سنة ثلاثين وخسمائة تخرج من مصر إلى البهنسا سبعة أيام ومن البهنسا إلى جب مناد مرحلة ثم إلى فيدلة مرحلة ثم مرحلة بلا ماء ثم مرحلة بلا ماء ثم إلى عين قيس مرحلة ثم إلى غيات مرحلة إلى جبل أمطلاس مرحلة إلى نسنات مرحلة إلى وادي قسطرة مرحلة إلى جبل سرواي مرحلة إلى صحراء تيديت ثلاث مراحل بلا ماء إلى غدير شناوة وماؤه شروب مرحلة إلى جبل تاتى مرحلة إلى ساملا مرحلة إلى سيرو في الجبل مرحلة إلى صحراء متالاوت وهي ست مراحل لا ماء فيها ثم إلى نقاو مرحلة ثم إلى سلوبان جبل مرحلة ثم إلى جبل وجاد مرحلة ثم إلى ندرمسة ثم إلى جبل قزول مرحلة ثم إلى جبل أيدمر ثلاث مراحل صحراء بلا ماء إلى سلكايا مرحلتان ثم إلى تساممت مرحلة إلى سجلماسة مرحلة وهذا الطريق قليلاً ما يسلكه أحد وإنما يسلكه الملثمون بدليل.
وكذلك من مصر إلى بغداد خمسمائة وسبعون فرسخاً تكون ألف ميل وسبعمائة ميل وعشرة أميال.
والطريق من مصر إلى مدينة يثرب تخرج من مصر إلى الجب إلى البويب ثم إلى منزل ابن صدقة ثم إلى عجرود ثم إلى الدوينة ثم إلى الكرسي ثم إلى الخفر ثم إلى منزل ثم إلى أيلة ثم إلى حقل ثم إلى مدين ثم إلى الأعراء ثم إلى منزل ثم إلى الكلاية ثم إلى شعب ثم إلى البيضاء ثم إلى وادي القرى ثم إلى الرحيبة ثم إلى ذي المروة ثم إلى مر ثم إلى السويداء ثم إلى ذي خشب ثم إلى المدينة يثرب.
وطريق آخر على ساحل البحر القلزمي من مصر إلى عين شمس إلى قرية المطرية إلى بركة الجب وهو غدير يفرغ فيه خليج القاهرة إلى جب عجرود ثم إلى جب العجوز إلى القلزم ثم إلى بطن مغيرة وهو مرسى عليه بركة ماء ثم إلى جون فاران ثم إلى مزيد ثم إلى تيران وهو مكان خبيث تعطب فيه المراكب عند الهول وذلك أنه جون على ضفته جبل قائم فالريح إذا هبت عليه تلوت ونزلت إلى البحر فهاجت موجه أتلفت ما لقيت هناك من السفن وإذا هبت الريح الجنوب فلا سبيل إلى سلوكه ومقدار هذا المكان الصعب نحو من ستة أميال ويقال إن في هذا الموضع غرق فرعون لعنه الله وبالقرب من فاران موضع صعب إذا سلك والريح الصبا مغرباً أو الدبور مشرقاً ويسمى جبيلات ومن جبيلات إلى جبل الطور إلى الأيلة إلى الحقل إلى مدين إلى الحوراء إلى الجار إلى قديد إلى عسفان إلى بطن مر إلى مكة.

والطريق من مصر إلى الفرما من مصر إلى بلبيس مرحلة إلى فاقوس مرحلة وهي مدينة ثم إلى جرجير مرحلة وسنذكر حال الفرما بعد هذا إن شاء الله تعالى.
نجز الجزء الرابع من الإقليم الثالث والحمد لله ويتلوه الجزء الخامس منه إن شاء الله تعالى.
الجزء الخامس
إن هذا الجزء الخامس من الإقليم الثالث تضمن قطعة من بحر القلزم وفحص التيه وبعض البحر الشامي بما عليهما من المدن والمراسي والحصون العامرة وأرض فلسطين والشام وأسفل أرض الحجاز مع قطعة من غربي البادية وفيها من البلاد المشهورة القلزم وفاران والأيلة ومدين وخيبر ووادي القرى والحجر وتبوك ودوما ومعدن النقرة والعادي والسيالة وراهط ثم الفرما وعسقلان وغزة والرملة وبيت المقدس وطبرية ونابلس ودمشق وبعلبك وحمص ويافا وقيسارية وأرسوف وعكة وصور وبيروت والناعمة وجبيل واطرابلس وانطرطوس وبيسان وجبلة واللاذقية والسويدة وأنطاكية ونحن ذاكرون لما في كل واحدة منها من المباني والعجائب والطرق والمصنوعات وما يجلب إليها وما يخرج عنها وما بينها من الأميال والفراسخ وأمكنتها على التقصي بحول الله.
فأما بحر القلزم فإنه كما قدمنا ذكره طوله نحو ثلاثين مرحلة وعرضه أوسع ما يكون قدر ثلاثة مجار ثم لا يزال يضيق حتى يرى من بعض جوانبه الجانب الآخر وأوسع مكان فيه حيث القلزم.
وبحر القلزم في ذاته كالنهر وفيه جبال عادية فوق الماء وفيه تروش وقالات ظاهرة ومخفية وطرق السفن فيما بينها معلومة لا يدخل بينها إلا الربانيون وأولو المعرفة بالبحر والتمهر في الرياسة فيه العالمون بطرقاته المجترئون على مجالاته والسير في هذا البحر بالنهار فقط وأما بالليل فلا يسير أحد فيه لصعوبة طرقه وتعاريج مسالكه وكثرة معاطبه.
والقلزم كانت مدينتين وهما الآن أكثرهما خراب لتسلط العرب عليهما وأخذهم ما بأيدي أهليها والتضييق الدائم عليهم حتى قلت عمارتهما وخاف قاصدهما وانقطعت طرق تجاراتهما وفنى ما بأيدي أهليهما وضاقت معايشهم وشرب أهلهما من عين السويس وهي عين ناشعة في وسط الرمل وماؤها ماء زعاق لا يسيغه شارب.
وبين القلزم ومصر تسعون ميلاً وكذلك من القلزم إلى الفرما في البر مما يلي الشمال سبع مرحل وهو ما بين البحر القلزمي والبحر الشامي من المسافة وما بينهما يسمى فحص التيه وهناك تاهت بنو اسرائيل في زمن موسى عليه السلام.
وبالقلزم تنشأ السفن السائرة في هذا البحر وإنشاؤها شيء طريف وذلك أن الكلكل ينبسط على الأرض عريضاً ثم لا يزال اللوح يتركب منه على ما لصق به حتى يتهندم ثم يجوز بحبال الليف والدسر ويوصل بينهما بالجسور الماسكة فإذا كمل ذلك بأسره جلفط بالشحم المتخذ من دواب البحر ودقاق اللبان وقيعان مراكبه عراض دون تعميق في تركيبها لتحمل بذلك كثير الوسق ولا تدرس على كبير عمق.
ومن القلزم على الساحل إلى فاران أربعون ميلاً ومدينة فاران في قعر جون وهي قرية صغيرة يأوي إليها بعض عرب تلك الناحية.
وإزاء فاران موضع متجون من قبل البحر وعلى ضفته جبل من حجر صلد والماء يتردد معه ويستدير وسلوكه عند هيجان الريح به صعب لا يقدر أحد على جوازه إلا بعد جهد وربما تلف السالك فيه إلا ما دفع الله وفيما يذكر أن بهذا البحر غرق فرعون لعنه الله.
ومنه إلى جبل الطور وهو على مقربة من البحر ويمتد معه وبينه وبين البحر طريق مسلوك وهو جبل عال يصعد إليه على مدارج وفي أعلاه مسجد وله بئر ماء ناشعة ومنها يشرب من هناك من الصادرين والواردين.
ومن الطور إلى المصدف وهو مكان حسن رمل وماؤه صاف ويصاد به اللؤلؤ.
ومن هذا المصدف إلى شرم البيت وهو مرسى لا ماء فيه.
ومنه إلى شرم البئر وهو مرسى لا ماء فيه.
ومنه إلى رأس أبي محمد وهو مرسى لا ماء فيه وهو رأس عقبة أيلة.
وأيلة مدينة صغيرة والعرب يأوون إليها ويتصرفون فيها.
ثم إلى العونيد وهو مرسى فيه الماء وتقابله جزيرة النعمان وبينها وبين البر عشرة أميال وجزيرة النعمان معمورة فيها قوم من العرب أشقياء عيشهم من صيد الحوت.
ومنها إلى مرسى ظبا فيه ماء.

ومنه إلى العطوف ثم إلى الحوراء وهي قرية عامرة وأهلها أشراف وعندهم معدن يقطعون فيه الأبارم ومنها يتجهز بها إلى سائر الأقطار المصاقبة والمتباعدة ويتصل بها في جهة الجنوب وعلى قرب منها جبل رضوى وفيه حجر المسن الذي يحمل إلى جميع أقطار الأرض من بلاد المشرق والمغرب وشرب أهل الحوراء من آبار عذبة وبها إرساء وقصر.
ومنه إلى وادي الصفراء وهو مرسى حسن.
ومنه إلى القويعة وهو مرسى عامر وماؤه يجلب من بعيد.
ومنها إلى الجار ثم إلى الجحفة ثم إلى قديد ثم إلى عسفان ثم إلى جدة وقد سبق لنا ذكر هذه الحصون والمعاقل فيما سبق من ذكر الإقليم الثاني حيث جاء ذكر الجحفة وقديد وعسفان والجار والسقيا ولا حاجه بنا إلى إعادة ذكر ذلك.
وعلى ساحل بحر القلزم مدينه مدين وهي أكبر من تبوك وبها البئر التي استقى منها موسى عليه السلام لسائمة شعيب ويحكى أنها بئر معطلة وقد عمل عليها بيت وماء أهلها من عين تجري إليهم وسميت مدين بالقبيلة التي كان منها شعيب وبها معايش ضيقة وتجارات كاسدة.
ومن مدينة مدين إلى أيلة خمس مراحل.
ومن أيلة إلى الجار نحو من عشرين مرحلة.
ومن مدين إلى تبوك في البرية شرقاً ست مراحل.
ومدينة تبوك بين الحجر وبين أول الشام وأول الشام منها على أربع مراحل في نحو نصف طريق الشام ولها حصن يطيف بها وشرب أهلها من عين ماء خرارة وبها نخيل كثير ويقال إن أصحاب الأيكة الذين بعث الله إليهم شعيباً كانوا بها وكان شعيب من مدين.
والحجر من وادي القرى على مرحلة وهو حصن نظيف الحال بين الجبال وبها كانت ديار ثمود وبها بيوت منقورة في الصخر وأهل الحجر وتلك النواحي يسمونها الأثالب وهي جبال في ذاتها متصلة في العيان حتى إذا توسط المار بها كانت كل قطعة منها قائمة بذاتها يطاف بكل واحدة منها من غير أن يمازج بعضها بعضاً أو يختلط بعضها ببعض وبها الآن بئر ثمود ويحيط بالحجر من كل ناحية جبال ورمال لا يكاد أحد يرتقي إلى ذراها إلا بعد جهد ومشقة.
ومن الحجر إلى تيماء أربع مراحل ومن تيماء إلى خيبر أربع مراحل.
ومدينة خيبر مدينة صغيرة كالحصن منيعة ذات نخيل وزروع وكانت في صدر الإسلام داراً لبني قريظة والنضير وكان بها السموءل بن عاديا المضروب به المثل في الوفاء.
ومنه إلى المدينة أربع مراحل.
وبقرب خيبر جبل رضوى وهو جبل منيف ذو شعاب وأودية ورأسه من ينابيع الماء به كخضرة البقل وفيه مياه كثيرة وأشجار ومنه تحمل أحجار المسن إلى سائر الآفاق.
وفيما بينه وبين ديار جهينة وساحل البحر ديار يسكنها قوم من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب وهم يسكنون بيوت الشعر وهم خلق كثير زيهم زي الأعراب ينتجعون المراعي والمياه كانتجاع العرب لا فرق بينهم وبين العرب في خلق ولا خلق وتتصل ديارهم مما يلي المشرق بوادي أرادان وهو عن الجحفة على مرحلة وبينها وبين الأبواء التي في طريق الحاج ستة أميال.
ومن تيماء إلى دومة الجندل أربع مراحل.
ودومة الجندل حصن منيع ومعقل حصين وبه عمارة وتتصل به عين التمر وبرية خساف من بادية السماوة وبريه خساف وهي ما بين الرقة وبالس عن يسار الذاهب.
وتيماء حصن عامر وبنية أزلية وهو أعمر من تبوك وبينهما أربع مراحل وبين تيماء وأول الشام ثلاثة أيام وبتيماء مياه ونخيل ومنه تمتار البادية وبه تجارات قلائل ويسكن بين أيلة وتبوك إلى وادي القرى قبائل لخم وجذام وجهينة وبلي وبلادهم بلاد إبل وألبان وأسمان وهم ينتجعون مراعي هذه الأرض ولهم كرم وبذل لما في أيديهم وهم يسكنون بيوت الشعر وينتقلون من موضع إلى موضع لا يقيمون بمكان ولهم مصايف ومرابع يدورون عليها وينتقلون إليها مع الدهر وهم مترددون إليها.

وأما جبل اللكام فإنا ذكرناه لأنه ليس بمعمور الأرض أطول منه فإنه يبتدئ من بحر القلزم فيمتد إلى نواحي الشام فيسمى هناك جبل لبنان ثم ينتهي إلى حمص فيجاورها ويسمى هناك جبل بهرا وتنوخ ثم يمر إلى أن يجاور اللاذقية وثم يسمى اللكام وينتهي إلى عين زربة والهارونية ثم إلى مرعش إلى أن يصل شمشاط وهي عليه ثم يتصل بأعمال آمد ويسمى هناك جبل السلسلة ثم ينقسم فتمر منه شعبة مع المشرق إلى حصن منصور إلى الباب والأبواب ويتعلق به جبل القبق وتمر الشعبة الثانية منه مع آمد إلى أحواز ميافارقين ويمر مع الجنوب إلى حدود بارما ويسمى هناك جبل الكرد إلى أن ينتهي إلى شهرزور إلى أحواز حلوان إلى الجبال من أحواز الصيمرة إلى جنوب إصبهان ثم يعطف إلى أن يأتي قاشان إلى قم ثم يصل إلى الري ويتصل به هناك جبال الديلم ويمر مع ساحل البحر الخزري إلى أن ينتهي إلى بحيرة خوارزم ثم يمر متصلاً بجنوب الغزية حتى يتصل بفاراب ثم يمر في شرقي بلاد الشاش وينتهي إلى أقصى بلاد فرغانة فيتصل هناك بجبال فردحس الخارجة من البحر الصيني المحيط على وخان فيقطع بلاد التبت لا في وسطها بل على غربيها ومشارق بلاد الخرلخية إلى أن يأتي من حدود الإسلام إلى فرغانة.
فتمر منه قطعة إلى الجنوب من فرغانة إلى جبال البتم وبها يسمى هناك على جنوب أشروسنة ومياه سمرقند تنبعث منه وتنفذ قطعة منه إلى نسف على جنوب الصغد إلى كش ونسف ونواحي زم على جيحون ثم تصل شعبتان منه فتمر إحداهما شمالاً إلى الجوزجان ويمتد على الجوزجان ويأخذ على الطالقان إلى مرو الروذ إلى طوس آخذاً على نيسابور فتكون نيسابور في سفحه وهو في شرقها ويمتد سائراً إلى الري فيكون عن يمين القاصد من خراسان إلى العراق وينجر مع معظمه كما قدمناه فيما سلف.
وأما حدود فلسطين وهي أول أحواز الشام وحدودها مما يلي المغرب مقدار أربعة أيام وذلك من رفح إلى اللجون وعرضه من يافا إلى ريحا مسيرة يومين وزغر وديار قوم لوط والبحيرة المنتنة وجبال الشراة مضمومة إليها وهي منها في العمل إلى حمود أيلة.
وديار قوم لوط والبحيرة المنتنة وزغر إلى بيسان وطبرية تسمى الغور لأنها بقعة بين جبلين وسائر مياه الشام تنحدر وتجتمع فيكون منها نهر زخار أوله من بحيرة طبرية فيأخذ من طبرية وجميع الأنهار تصب إليه مثل نهر اليرموك والحد وأنهار بيسان وما ينصب من كوش مآب وجبال بيت المقدس وجبال قبر إبراهيم عليه السلام وجميع ما ينصب أيضاً من نابلس فإنه يجتمع الكل منها حتى يقع في بحيرة زغر وتسمى بحيرة سادوم وغاموراء وهما كانتا مدينتين لقوم لوط فغرقهما الله تعالى فعاد مكانهما بحيرة منتنة وسميت البحيرة الميتة لأن ما فيها شيء له روح لا حوت ولا دابة ولا شيء متكون مثل ما ييكون في سائر المياه الراكدة والمتحركة وماؤها حار كريه الرائحة وفيه سفن صغار يسافر بها في تلك الناحية وتحمل عليها الغلات وصنوف التمر من زغر والدارة إلى ريحا وسائر أعمال الغور وطول هذه البحيرة ستون ميلاً وعرضها اثنا عشر ميلاً.
ومن ريحا إلى زغر يومان.
ومن زغر إلى جبال الشراة ومن جبال الشراة إلى آخر الشراة يومان.
ومن ريحا إلى بيت المقدس مرحلة.
ومن بيت المقدس إلى عمان والبلقاء يومان.
ومن الرملة إلى قيسارية مرحلة كبيرة.
وريحا المذكورة من أجمل بقاع الغور وعمتا وبيسان وأكثر غلات بلاد الغور النيلج وأهله سمر بل إلى السواد أقرب.
والجي بلد من بلاد فلسطين صغير ماؤه حار وهواؤه وخيم.
وأما مدينة بيسان فصغيرة جداً وبها نخل كثير وينبت بها السامان الذي يعمل منه الحصر السامانية ولا يوجد نباته البتة إلا بها وليس في سائر الشام شيء منه.
وفلسطين ماؤها من الأمطار والسيول وأشجارها قليلة وديار فلسطين حسنة البقاع بل أزكى بلاد الشام ومدينتا الشام هما الرملة ثم بيت المقدس.
فأما الرملة فهي مدينة حسنة عامرة وبها أسواق وتجارات ودخل وخرج ومنها إلى يافا التي على ساحل البحر الملح نصف يوم.
ومن الرملة إلى نابلس يوم.
ومن الرملة إلى قيسارية مرحلة كبيرة.
ونابلس مدينة السامرية وبها البئر التي حفرها يعقوب عليه السلام وبها جلس السيد المسيح وطلب من المرأة السامرية الماء ليشرب وعليه الآن كنيسة حسنة ويزعم أهل بيت المقدس أن السامرية لا يوجد أحد منهم إلا بهذه المدينة.

وبآخر مدن فلسطين مما يلي الجفار وطريق مصر مدينة غزة وبينهما من الأميال ثلاثون ميلاً.
ومن فلسطين إلى مدينة عسقلان مرحلة كبيرة.
وبين عسقلان وغزة نحو من عشرين ميلاً وهي الآن عامرة بأيدي الروم ومرسى غزة تيدا.
ومن ميماس إلى عسقلان شرقاً عشرون ميلاً.
والعريش مدينة كانت ذات جامعين مفترقة المباني والغالب على أرض الرمال ولها ثمار وجمل فواكه وهي على مقربة من البحر.
وأيضاً فإن الطريق من الرملة إلى يبنى نصف مرحلة ومنها إلى يزدود في البر مرحلة ومن يزعود إلى غزة وقد تقدم ذكرها مرحلة.
ومن غزة إلى مدينة رفح وهي مدينة صالحة مرحلة ومنها إلى العريش مرحلة ومن العريش إلى الورادة وهي منزل قرب البحر مرحلة.
ومن الورادة إلى الفرما وهي مدينة على بحر الشام مجاورة لبحيرة تنيس مرحلة.
وأما مدينة عسقلان فهي مدينة حسنة ذات سورين وبها أسواق وليس لها من خارجها بساتين وليس بها شيء من الشجر واستفتحها صاحب القدس بعساكر الروم من الإفرنج وغيرهم في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة وهي الآن بأيديهم وعسقلان معدودة في أرض فلسطين ويقابلها في جهة الجنوب ناحيتان جليلتان وهما جبال وشراة فأما جبال فمدينتها تسمى دراب وشراة أيضاً مدينتها تسمى أذرح وهما في غاية الخصب وكثرة أشجار الزيتون واللوز والتين والكروم والرمان وعامة سكانها من قيس.
وكذلك بين جنوب منها وشرق قرية مؤتة ومنها إلى عمان تمر فيما بين شعبي جبل يقال له الموجب وهو واد عظيم عميق القعر ويمر فيما بين هذين الشعبين وليسا بمتباعدين وذلك يمكن أن يكون بمقدار ما يمكن أن يكلم إنسان إنساناً وهما واقفان على ضفتي النهر فيسمع بعضهما بعضاً ينزل فيه السالك ستة أميال ويصعد ستة أميال أيضاً.
ومن عسقلان الساحلية المتقدم ذكرها إلى حصن الماحوز الأول على البحر خمسة وعشرون ميلاً ويقابله في البرية كوم زنجل وبيت جبريل وهما محلان ينزل بهما ثم إلى الماحوز الثاني خمسة وعشرون ميلاً ومنها إلى مدينة يافا وهي فرضة بيت المقدس وبينهما مرحلتان خفيفتان.
وبيت المقدس مدينة جليلة قديمة البناء أزلية وكانت تسمى إيلياء وهي على جبل يصعد إليها من كل جانب وهي في ذاتها طويلة وطولها من المغرب إلى المشرق وفي طرفها الغربي باب المحراب وهذا الباب عليه قبة داؤود عليه السلام وفي طرفها الشرقي باب يسمى باب الرحمة وهو مغلق لا يفتح إلا من عيد الزيتون لمثله ولها من جهة الجنوب باب يسمى باب صهيون ومن جهة الشمال باب يسمى باب عمود الغراب وإذا دخل الداخل من باب المحراب وهو الباب الغربي كما قلناه يسير نحو المشرق في زقاق شارع إلى الكنيسة العظمى المعروفة بكنيسة القيامة ويسميها المسلمون قمامة وهي الكنيسة المحجوج إليها من جميع بلاد الروم التي في مشارق الأرض ومغاربها فيدخل من باب في غربها فيجد الداخل نفسه في وسط القبة التي تشمل على جميع الكنيسة وهي من عجائب الدنيا والكنسية أسفل ذلك الباب ولا يمكن أحداً النزول إليها من هذه الجهة ولها باب في جهة الشمال ينزل منه إلى أسفل الكنيسة على ثلاثين درجة ويسمى هذا الباب باب شنت مرية وعند نزول الداخل إلى الكنيسة تلقاه المقبرة المقدسة المعظمة ولها بابان وعليها قبة معقودة قد أتقن بنيانها وحصن تشييدها وأبدع تنميقها وهذان البابان أحدهما يقابل الشمال حيث باب شنت مرية والباب الآخر يقابله من جهة الجنوب ويسمى باب الصلوبية وعلى هذا الباب قنبنار الكنيسة ويقابلها من جهة الشرق كنيسة عظيمة كبيرة جداً يقدس فيها إفرنج الروم ويتقربون.

وفي شرقي هذه الكنيسة منحرفاً بشيء لطيف إلى الجنوب الحبس الذي حبس فيه السيد المسيح ومكان الصلوبية وأما القبة الكبيرة فهي قوراء مفتوحة للسماء وبها دار بها الأنبياء مصورون والسيد المسيح والسيدة مريم والدته ويوحنا المعمدان وعلى المقدسة من القناديل المعلقة على المكان خاصة ثلاثة قناديل ذهب وإذا خرجت من هذه الكنيسة العظمى وقصدت شرقاً ألفيت البيت المقدس الذي بناه سليمان بن داؤود عليه السلام وكان مسجداً محجوجاً إليه في أيام دولة اليهود ثم انتزع من أيديهم وأخرجوا عنه إلى مدة الإسلام فكان معظماً في ملك المسلمين وهو المسجد المعظم المسمى بالمسجد الأقصى عندهم وليس في الأرض كلها مسجد على قدره إلا المسجد الجامع الذي بقرطبة من ديار الأندلس وفيما يذكر أن مسقف جامع قرطبة أكبر من مسقف الجامع الأقصى وصحن المسجد الأقصى هو في تربيع طوله مائتا باع في عرض مائة وثمانين باعا نصفه مما يلي المحراب مسقف بأقباء صخر على عمد كثيرة صفوفاً والنصف الثاني صحن لا سقف له وفي وسط الجامع قبة عظيمة تعرف بقبة الصخرة وهذه القبة مرصعة بالفص المذهب والأعمال الحسنة من بناء خلفاء المسلمين وفي وسطها الصخرة المسماة بالواقعة وهو حجر مربع كالدرقة في وسط القبة رأسها الواحد مرتفع عن الأرض مقدار نصف قامة أو أشف من ذلك ورأسها الثاني لاصق بالأرض وطول هذه الصخرة مقارب لعرضها يكون بضعة عشر ذراعاً في مثلها وينزل من باطنها وأسفلها إلى سرداب كالبيت المقلم طوله عشرة أذرع في عرض خمسة وارتفاع سمكه يشف على القامة ولا يدخل إلى هذا البيت إلا بمصباح يستضاء به ولهذه القبة أربعة أبواب والباب الغربي منها يقابله مذبح كان بنو إسرائيل يقربون عليه القرابين وبالقرب من الباب الشرقي من أبواب هذه القبة الكنيسة المسماة بقدس القدس وهي لطيفة القدر والقبلي منها يقابله المسقف الذي كان مصلى للمسلمين فلما استفتحها الروم وبقي بأيديهم إلى وقت تأليفنا لهذا الكتاب صيروا هذا المسقف من المسجد بيوتاً يسكنها الجيل المعروفون بالداوية ومعناه خدام بيت الله ويقابل الباب الشمالي بستان حسن مغروس بأنواع الأشجار ودائر هذا البستان أعمدة رخام مضفورة بأبدع ما يكون من الصنعة وفي آخر البستان مجلس برسم الغذاء للقسيسين والمدرجين.
وتخرج من هذا المسجد أيضاً شرقاً فتصل إلى باب الرحمة المغلوق كما قدمنا وبالقرب من هذا الباب باب آخر مفتوح يعرف بباب الأسباط عليه الدخول والخروج وإذا خرجت من باب الأسباط سرت في حدود مقدار رمية سهم فتجد كنيسة كبيرة حسنة جداً على اسم السيدة مريم ويعرف المكان بالجسمانية وهناك قبرها يبصر جبل الزيتون وبينه وبين باب الأسباط نحو ميل.
وفي طريق الصعود إلى هذا الجبل كنيسة عظيمة حسنة متقنة البناء تسمى كنيسة باتر نصتر وعلى أعلى الجبل كنيسة أخرى حسنة معظمة وفيها رجال ونساء محبوسون يبتغون بذلك أجر الله سبحانه وفي شرقي هذا الجبل المذكور منحرفاً قليلاً إلى الجنوب قبر العازر الذي أحياه السيد المسيح وعلى ميلين من جبل الزيتون القرية التي جلب منها الأتان لركوب السيد المسيح عند دخوله إلى أورشليم وهي الآن خراب لا ساكن بها.
وعلى قبر العازر يؤخذ طريق وادي الأردن وبين وادي الأردن وبيت المقدس مسافة يوم واحد ومن قبل أن تصل إلى وادي الأردن مدينة ريحا السابق ذكرها وبينها وبين الوادي ثلاثة أميال وعلى الوادي المسمى الأردن كنيسة عظيمة على اسم شنت يوحنا يسكنها رهبان الإغريقيين ووادي الأردن يخرج من بحيرة طبرية ويصب في بحيرة سادوم وغاموراء اللتين كانتا مدينتي قوم لوط فغرقهما الله بذنوب أهلهما ومما يلي قبلة وادي الأردن برية متصلة.

وأما ما يلي بيت المقدس في ناحية الجنوب فإنك إذا خرجت من باب صهيون وسرت مقدار رمية حجر وجدت كنيسة صهيون وهي كنيسة جليلة حصينة وفيها العلية التي أكل عليها السيد المسيح مع التلاميذ وفيها المائدة باقية إلى الآن ولها ميعاد في يوم الخميس ومن باب صهيون تنزل في خندق يعرف بوادي جهنم وفي طرف الخندق كنيسة على اسم بطرس وفي هذا الخندق عين السلوان وهي العين التي أبرأ بها السيد المسيح الضرير الأعمى ولم تكن له قبل ذلك عينان ومن هذه العين المذكورة إلى الجنوب الحقل الذي يدفن فيه الغرباء وهي أرض اشتراها السيد لذلك وبقربها بيوت كثيرة منقورة في الصخر وفيها رجال قد حبسوا أنفسهم فيها عبادة.
وأما بيت لحم وهو الموضع الذي ولد فيه المسيح فبينه وبين القدس ستة أميال وفي وسط الطريق قبر راحيل أم يوسف وأم ابن يامين ولدي يعقوب عليهم السلام وهو قبر عليه اثنا عشر حجراً وفوقه قبة معقودة بالصخر وبيت لحم هناك كنيسة حسنة البناء متقنة الوضع فسيحة مزينة إلى أبعد غاية حتى إنه ما أبصر في جميع الكنائس مثلها بناء وهي في وطاء من الأرض ولها باب من جهة المغرب وبها من أعمدة الرخام كل مليحة وفي ركن الهيكل من جهة الشمال المغارة التي ولد بها السيد المسيح وهي تحت الهيكل وداخل المغارة المذود الذي وجد به وإذا خرجت من بيت لحم نظرت في الشرق منه كنيسة الملائكة الذين بشروا بولادة السيد المسيح. ومن بيت لحم إلى مسجد إبرهيم في الجنوب نحو من ثمانية عشر ميلاً وهي قرية ممدنة وفي مسجدها قبر إبراهيم وإسحق ويعقوب عليهم السلام وكل قبر من قبورهم تجاه قبر امرأة صاحبه وهذه المدينة في وهدة بين جبال كثيفة الأشجار أعني شجر الزيتون والتين والجميز وفواكه كثيرة.
وليس بشمال بيت المقدس شيء من البناء ومن مدينة بيت المقدس شمالاً إلى مدينة نابلس يومان وكذلك من نابلس إلى الرملة يوم كبير.
ومن بيت المقدس إلى عمان والبلقاء يومان وبعض يوم.
ومن بيت المقدس إلى طبرية تسعون ميلاً وكذلك من طبرية إلى الرملة ثلاث مراحل وطبرية مدينة الأردن الكبرى وهي قصبتها فمنها إلى صور يومان كبيران ومنها إلى عقبة افيق نحو يوم ومنها إلى بيسان بعض يوم ومنها إلى عمتا مدينة الغور إلى آخر عمل الأردن ومنها إلى موضع يعرف بالجميلة يوم.
ومن طبرية إلى عكة يومان خفيفان وهي مدينة جليلة على جبل مطل طويلة في ذاتها قليلة العرض وطولها نحو من ميلين وأسفلها من جهة المشرق بحيرة عذبة الماء طولها اثنا عشر ميلاً في عرض مثلها وبها مراكب سامحة تحمل فيها الغلات إلى المدينة ولها سور حصين ويعمل بها من الحصر السامانية كل عجيبة وقليلاً ما يصنع مثلها في بلد من البلاد المعروفة وفي هذه المدينة حمامات حامية من غير نار توقد لها فهي حارة في الشتاء والصيف وفيها حمام يعرف بحمام الدماقر وهو كبير عظيم وماؤه في أول خروجه حار تسمط فيه الجداء والدجاج ويسلق فيه البيض وماؤه ملح وبها حمام اللؤلؤ وهو أصغر من حمام الدماقر وماؤه حار عذب وهذا الماء الحار يخترق في الدور المجاورة له وبه يغتسلون ويتصرفون ومن حماماتها حمام المنجدة وماؤه حار عذب وليس فيها حمام ترقد له النار إلا الحمام الصغير الذي بها وذلك أنه بناه أحد الملوك الإسلامية في داره ليدخله هو ومن له من أهل وولد وحاشية فلما مات أخرج وجعل للناس عامة فهم يدخلونه وماؤه يسخن بالنار وحده وفي جهة الجنوب منها حمامات كثيرة مثل عين موقعين وعين الشرف وغيرهما تصب إليها عيون مياهها حارة مدى الدهر ويقصد إليها من جميع النواحي أهل البلايا من الناس مثل المقعدين والمفلوجين والمرياحين وأصحاب القروح والجرب فيقيمون بها في الماء ثلاثة أيام فيبرؤون بإذن الله من ذلك.
ومدن سواحل فلسطين منها عسقلان وأرسوف ويافا وهذه كلها مدن تتقارب مقاديرها وصفاتها وأحوال أهلها مع أنها لطاف حصينات كثيرة العمارات وبها شجر الزيتون والكروم كثيرة جداً ويافا في ذاتها مدينة ساحلية وهي فرضة لبيت المقدس وبينهما ثلاث مراحل خفاف.
وبين يافا والرملة عشرون ميلاً.
وقيسارية بلد كبير عظيم له ربض عامر وحصن منيع حسن.
وبين يافا وقيسارية ثلاثون ميلاً ومن قيسارية إلى نابلس مرحلة وكذلك من قيسارية إلى الرملة مرحلتان خفيفتان ومن قيسارية إلى مدينة حيفا على الساحل يومان.

وحيفا تحت طرف الكرمل وهو طرف خارج في البحر وبه مرسى حسن لإرساء الأساطيل وغيرها ومدينة حيفا هي فرضة لطبرية وبينهما ثلاث مراحل خفاف.
ومن حيفا إلى مدينة عكة مرحلة في البر وهي من الأميال ثلاثون ميلاً وفي البحر رؤوسية ثمانية عشر ميلاً ومدينة عكة كبيرة واسعة الأرجاء كثيرة الضياع ولها مرسى حسن مأمون وناسها أخلاط فمن طبرية إلى عكة يومان ومن عكة إلى حصن الزيب اثنا عشر ميلاً وهو حصن حسن على ضفة البحر الملح.
ومنه إلى االنواقير وهي ثلاثة جبال بيض شواهق مطلة على ضفة البحر نحو من ثمانية عشر ميلاً ومن وسط النواقير إلى مدينة الإسكندرية خمسة أميال.
ومن الإسكندرية إلى مدينة صور خمسة عشر ميلاً وهي مدينة حسنة على ضفة البحر وبها للمراكب إرساء وإقلاع وهو بلد حصين قديم والبحر قد أحاط به من ثلاثة أركانه ولهذه المدينة ربض كبير ويعمل بها جيد الزجاج والفخار وقد يعمل بها من الثياب البيض المحمولة إلى كل الآفاق كل شيء حسن عالي الصفة والصنعة ثمين القيمة وقليلاً ما يصنع مثله في سائر البلاد المحيطة بها هواء وماء.
ومن صور إلى طبرية يومان كبيران ومنها إلى عدلون وهو حصن منيع على البحر ومنه إلى صرفند عشرون ميلاً وهو حصن حسن ومنه إلى صيداء عشرة أميال وبين صور وصرفند يقع نهر ليطقة ومنبعه من الجبال ويقع هناك في البحر ومن مدينة صور في البر إلى طبرية يومان كبيران ومن صور إلى دمشق أربعة أيام.
ومدينة دمشق من أجمل بلاد الشام وأحسنهما مكاناً وأعدلها هواء وأطيبها ثرىً وأكثرها مياهاً وأغزرها فواكه وأعمها خصباً وأوفرها مالاً وأكثرها جنداً وأشمخها بناءً ولها جبال ومزارع تعرف بالغوطة وطول الغوطة مرحلتان في عرض مرحلة وبها ضياع كالمدن مثل المزة وداريا وبرزة وحرسة وكوكبا وبلاس وكفرسوسية وبيت الأهواء وبها جامع قريب الشبه بجامع دمشق ومن باب دمشق الغربي وادي البنفسج وطوله اثنا عشر ميلاً وعرضه ثلاثة أميال وكله مغروس بأجناس الثمار تشقه خمسة أنهار وغير ذلك ويكون في كل واحدة من هذه الضياع من ألفي رجل إلى ألف وأقل وأكثر والغوطة أيضاً هي أشجار وأنهار ومياهها مخترقة تشق البساتين والديارات وبها من أنواع الفواكه ما لا يحيط به تحصيل ولا يأتي به تمثيل كثرةً وخصباً وطيباً ودمشق أنزه بلاد الله من خارج.
ومياه الغوطة الجارية بها تخرج من عين الفيجة وهذه العين في أعلى جبل وينصب ماؤها من أعلى هذا الجبل كالنهر العظيم له صوت هائل ودوي عظيم يسمع على بعد ويرى نزول الماء من أعلى الجبل على قرية ابل حتى ينتهي إلى المدينة فتتفرع منه الأنهار المعروفة بها منها نهر يزيد ونهر ثورة ونهر بردى ونهر قناة المزة ونهر باناس ونهر سقط ونهر يشكور ونهر عادية وهذا النهر ليس بمشروب منه لأن عليه مصبات أوساخ المدينة وأوذار غسالاتها وقنوات صغار ويشق لهذا النهر وسط المدينة وعليه قنطرة يجتاز عليها الناس وكذلك أيضاً سائر الأودية التي ذكرناها تخرج منها سواق تخترق المدينة وتجري إلى دورها وحماماتها وبساتينها وأسواقها.

وبها المسجد الجامع الذي ليس على الأرض مثله بناء ولا أحسن منه صفة ولا أتقن منه إحكاماً ولا أوثق منه عقداً ولا أغرب منه رسماً ولا أبدع منه تلميعاً بأنواع الفصفص المذهب والآجر المحكوك والمرمر المصقول وهو في مربعة تعرف بالميزاب فمن جاءه من ناحية باب جيرون صعد إليه في درج رخام كبير واسع نحو من ثلاثين درجة ومن قصده من ناحية باب البريد والقبة الخضراء وقصر اليتيمين وحجر الذهب وباب الفراديس كان مدخله مع الأرض بغير عرج وفيه آثار عجيبة فمنه الخوان والقبة التي فوق المحراب عند المقصودة ويقال إنها بناء الصابئة وكان مصلاهم بها ثم صار في أيدي اليونانين فكانوا يعظمون فيه دينهم ثم صار من بعدهم لملوك من عباد الأوثان فكان لهم موضعاً لأصنامهم ثم انتقل إلى اليهود فقتل في ذلك الزمان يحيى بن زكرياء فنصب رأسه على باب المسجد المسمى باب جيرون ثم تغلبت عليه النصارى فصار ملكاً بأيديهم فحولته بيعة يقيمون بها دينهم ثم استفتحها الإسلام فصار لهم فاتخذوه جامعاً فلما كان في أيام الوليد بن عبد الملك من بني أمية عمره فجعل أرضه رخاماً ومعاقد رؤوس أساطينه ذهباً ومحرابه مذهباً وسائر حيطانه مرصعة بأشباه الجوهر ودور السقف كله مكتباً كما يدور بترابيع جدران المسجد مذهباً بأحسن صنعة وأبدع تنميق ويقال إنه جعل بأعلى السقف حصر رصاص محكة التأليف وثيقة الصنعة والماء يصل إليه في قنوات رصاص فمتى احتاج ذلك المسجد إلى الغسل فتح إليه الماء وغسل جميع صحنه بأهون سعي ويقال إن الوليد بن عبد الملك المقدم ذكره أنفق في إتقان هذا المسجد الجامع خراج الشام كله سنتين.
ومدينة دمشق محدثة وإنما كان القديم من موضعها موضعاً يسمى الجابية وذلك في أيام الجاهلية وبنيت دمشق عليها ولها أبواب شتى فمنها باب الجابية وعرض الأرض المعمورة أمامه ستة أميال طولاً في عرض ثلاثة أميال كل ذلك أشجار وعمارات ويشقها خمسة أنهار ومن أبوابها باب توما وباب السلامة وباب الفراديس ودير مران يقابله والباب الصغير.
ومدينة دمشق جامعة لصنوف من المحاسن وضروب من الصناعات وأنواع من الثياب الحرير كالخز والديباج النفيس الثمين العجيب الصنعة العديم المثال الذي يحمل منها إلى كل بلد ويتجهز منها به إلى كل الآفات والأمصار المصاقبة لها والمتباعدة منها ومصانعها في كل ذلك عجيبة يضاهي ديباجها بديع ديباج الروم ويقارن ثياب تستر وينافس أعمال إصبهان ويشف على أعمال طرز نيسابور من جليل ثياب الحرير المصمتة وبدائع ثياب تنيس وقد احتوت طرزها على أفانين من أعمال الثياب النفيسة ومحاسن جمة فلا يعادلها جنس ولا يقاومها مثال ولدمشق في داخلها على أوديتها أرحاء كثيرة والحنطة فيها كثيرة جداً وأنواع الفواكه وأما الحلاوات فيها فمنها ما لا يوجد بغيرها ولا يوصف كثرة وطيباً وجودة وأهلها في خصب عيش واتصال أمن وصناعاتها نافقة وتجاراتها رابحة وهي من أعز البلاد الشامية وأكملها حسناً.
ومنها إلى مدينة بعلبك في جهة الشمال مرحلتان وهي مدينة خصيبة على سفح جبل وعليها سور حصين مبني بالحجارة وسعته عشرون شبراً والماء يشق في وسطها ويدخل كثيراً من ديارها وعلى هذا النهر أرحاء ومطاحن وهي كثيرة الغلات نامية الإصابات وافرة الفواكه والطرف غزيرة الكروم والأشجار خصيبة المآكل والأسعار وفيها من عجيب البناء المذكور آثار يجب ذكرها لشماختها ووثاقة صنعها وذلك أن بها من عجيب البنيان الملعبين وهما الصغير والكبير فالكبير يحكى أنه بني في أيام سليمان بن داؤود وهو عجيب المنطر فيه حجارة يكون طول الحجر منها عشرة أذرع وأقل وأكثر ومنه شيء مبني على عمد شاهقة يروع منظرها والملعب الصغير قد تهدم أكثره وذهبت محاسنه وبقي منه الآن حائط قائم طوله عشرون ذراعاً وارتفاعه على الأرض عشرون ذراعاً وليس فيه إلا سبعة أحجار حجر واحد في أسفله وحجران فوقه وأربعة أحجار فوق الحجرين وفي هذه المدينة من البناء كل شيء عجيب.
ومن مدينة دمشق إلى بيروت يومان كبيران ومنها إلى مدينة صيداء مثل ذلك ومن دمشق إلى أذرعات وهي البثنية أربع مراحل ومن دمشق إلى نابلس ست مراحل غرباً ومن دمشق إلى اطرابلس الساحلية خمس مراحل.

فأما مدينة صيداء فهي على ساحل البحر الملح وعليها سور حجارة وهي تنسب إلى امرأة كانت في الجاهلية وهي مدينة كبيرة عامرة الأسواق رخيصة الأسعار محدقة بالبساتين والأشجار غزيرة المياه واسعة الكور لها أربعة أقاليم وهي متصلة بجبل لبنان لإقليم يعرف بإقليم جزين وفيه مجرى وادى الحر وهو مشهور بالخصب كثير الفواكه وإقليم السربة وهو إقليم جليل وإقليم كفر قيلا وإقليم الرامي وهو نهر يشق جبالها ويصب إلى البحر وجميع هذه الأربعة أقاليم تشتمل على نيف وستمائة ضيعة وشرب أهلها من ماء يجري إليها من جبلها في قناة وبهذه المدينة أعني صيداء عينها المعروفة وذلك أنه ينشأ بها في أيام الربيع سميكات على طول الإصبع سواء منها ذكور ومنها إناث ولها علامات تعرف بها إناثها وذكورها فإذا كان وقت سفادها أخذت صيداً ثم تجفف فإذا احتيج إليها أخذت منها واحدة فتسحق وتستف بالماء فإن الرجل ينعظ إنعاظاً قوياً ويجامع ما شاء ولا يصيبه عن ذلك عجز ولا فتور وهذه السميكات صغار على هيئة الوزغ لها أيد وأرجل خفية صغار وقد رأيناها غير ما مرة.
ومن صيداء إلى الجية وهو حصن على البحر ثمانية أميال ومنه إلى حصن القلمون على البحر خمسة أميال وهذا الحصن على قنطرة والقنطرة على واد وهي عريضة جداً وقد بني الحصن عليها وهو حصن منيع في عطفة جون.
ومنه إلى حصن الناعمة وهو كالمدينة الصغيرة سبعة أميال والناعمة مدينة حسنة وأكثر نبات أرضها شجر الخرنوب التي لا يعرف في معمور الأرض مثله قدراً ولا طيباً ومنها يتجهز به إلى الشام وإلى ديار مصر وإليها ينسب الخرنوب الشامي أما وإن كان الخرنوب في الشام كثيراً طيباً فهو بالناعمة أكثر وأطيب.
ومن حصن الناعمة إلى طرف بيروت أربعة وعشرون ميلاً ومدينة بيروت أيضاً مدينة على ضفة البحر الملح على سور حجارة كبيرة واسعة ولها بمقربة منها جبل فيه معدن حديد طيب جيد القطع ويستخرج منه الكثير ويحمل إلى بلاد الشام ولها غيضة أشجار صنوبر مما يلي جنوبها تتصل إلى جبل لبنان وتكسير هذه الغيضة اثنا عشر ميلاً في مثلها وشرب أهلها من الآبار.
ومنها إلى دمشق يومان ومن مدينة بيروت إلى حصن المزداسية ثمانية أميال ومنه إلى نهر الكلب ستة أميال وهو على البحر حصن صغير ومنه إلى جونية أربعة أميال وجونية حصن كبير على البحر وأهله نصارى يعاقبة ومنه إلى عطفة سلام وهو جون كبير طوله عشرة أميال ومنه إلى ماحوز جبيل وهو حصن حصين ثم إلى موقع نهر إبراهيم ثلاثة أميال.
ومن النهر إلى مدينة جبيل خمسة أميال وهي مدينة حسنة على البحر لها سور من حجر حصين ولها كورة واسعة وأشجار وفواكه وكروم وليس لها ماء جار وإنما يشرب أهلها من مياه الآبار وبها إرساء وحط ومن مدينة جبيل على البحر إلى حصن بثرون عشرة أميال وهو حصن حسن ومنه إلى أنف الحجر على البحر خمسة أميال ومن حصن أنف الحجر إلى مدينة اطرابلس الشام ثمانية أميال.
ومدينة اطرابلس الشام مدينة عظيمة عليها سور من حجر منيع ولها رساتيق وأكوار وضياع جليلة وبها من شجر الزيتون والكروم وقصب السكر وأنواع الفواكه وضروب الغلات الشيء الكثير والوارد والصادر إليها كثير والبحر يأخذها من ثلاثة أوجه وهي معقل من معاقل الشام مقصود إليها بالأمتعة وضروب الأموال وصنوف التجارات وينضاف إليها عدة حصون وقلاع معمورة داخلة في أعمالها مثل أنف الحجر المتقدم ذكرها وحصن القالمون وحصن أبي العدس وأرطوسية ولها من أمهات الضياع المشهورة المذكورة أربعة فمنها الضيعة المعروفة بالشفيقية والزيتونية والراعبية والحدث وأميون وبها من شجر الزيتون وأنواع الفواكه أكثر مما في غيرها ومنها في جهة الجنوب حصن بناه ابن صنجيل الإفرنجي ومنه افتتح اطرابلس وبينهما أربعة أميال وهو حصن منيع جداً وهو بين واديين.
ويقابل مدينة اطرابلس أربع جزائر في صف فأولها مما يلي البر جزيرة النرجس وهي صغيرة خالية وإليها جزيرة العمد ثم إليها جزيرة الراهب ثم إليها جزيرة أرذقون.

ومن مدينة اطرابلس على الساحل إلى رأس الحصن وهو مدينة صغيرة عامرة آهلة وهي على طرف جون وهذا الجون طوله رؤوسية خمسة عشر ميلاً وتقويراً مع الساحل ثلاثون ميلاً ويسمى جون عرقة وفي وسط هذا الجون ثلاثة حصون تتقارب بعضها من بعض اسم أحدها مما يلي اطرابلس لوتورس والآخر بابيية وهو على نهر جار يسمى نهر بابيية والحصن الثالث يسمى حصن الحمام وهي تتقارب بعضها من بعض ومنه إلى عرقة وهي مدينة عامرة حسنة في سفح جبل قليل العلو ولها في وسطها حصن على قلعة علية ولها ربض كبير وهي عامرة بالخلق كثيرة التجارات وأهلها مياسير وشربهم من ماء يأتيهم في قناة مجلوبة من نهرها ونهرها جار ملاصق لها وبها بساتين كثيرة وفواكه وقصب سكر وبها مطاحن على نهرها المتقدم ذكره وبينها وبين البحر ثلاثة أميال وحصنها كبير وعيش أهلها خصيب رغد وبناؤها بالجص والتراب والخير بها كثير.
وأما أرض حمص فإن مدينتها حمص وهي مدينة حسنة في مستو من الأرض وهي عامرة بالناس والمسافرون يقصدونها بالأمتعة والبضائع من كل فن وأسواقها قائمة ومسرات أهلها دائمة وخصبهم رغد ومعايشهم رفيقة وفي نسائها جمال حسن بشرة وشرب أهلها من ماء يأتيهم في قناة من قرية بقرب جوسية والمدينة منها على مرحلة مما يلي دمشق ونهر الأرنط المسمى المقلوب يجري على بابها بمقدار رمية سهم أو أشف قليلاً ولهم عليه قرى متصلة وبساتين وأشجار وأنهار كثيرة ومنها تجلب الفواكه إلى المدينة وكانت في مدة الإسلام من أكثر البلاد كروماً فتلف أكثرها وثراها طيب للزراعات واقتناء الغلات وهواؤها أعدل هواء يكون بمدن الشام وهي مطلسمة لا تدخلها حية ولا عقرب ومتى أدخلت على باب المدينة هلكت على الحال وبها على القبة العالية الكبيرة التي في وسطها صنم نحاس على صورة الإنسان الراكب يدور مع الريح حيث دارت وفي حائط القبة حجر عليه صورة عقرب فإذا جاء إنسان ملدوغ أو ملسوع طبع في ذلك الحجر الطين الذي يكون معه ثم يضع الطين على اللسعة فتبرأ للحين وجميع أزقتها وطرقها مفروشة بالحجر الصلد وزراعاتها مباركة كثيرة وزروعها تكتفي باليسير من السقي وبها مسجد جامع كبير من أكبر جوامع مدن الشام.
ومن مدينة حمص إلى حلب خمس مراحل.
ومن حمص إلى انطرطوس على البحر مرحلتان والطريق من عرقة إلى انطرطوس على الساحل تخرج من مدينة عرقة إلى الحصن المسمى شنج ثم إلى مدينة انطرطوس وهي في آخر جون كبير وعلى أكثره جبال ممتدة ويقطع هذا الجون رؤوسية خمسة عشر ميلاً ومدينة انطرطوس مدينة صغيرة على البحر لها سور حصين وعلى مقربة منها في البحر جزيرة أرواد وهي جزيرة كبيرة فيها كنيسة كبيرة معمورة متقنة البناء شاهقة منيعة ذات أبواب حديد وهي كالمحرس.
ومن انطرطوس في جهة الجنوب من البر إلى حصن الخوابي على أعلى الجبل خمسة عشر ميلاً وهذا الحصن حصن منيع وأهله حشيشية خوارج في الإسلام لا يعتقدون شيئاً من البعث ولا القيامة من بعد الموت لعنوا بمذهبهم.
وانطرطوس فرضة حمص ومن حمص إلى دمشق خمس مراحل وكذلك من اطرابلس الشام إلى دمشق خمس مراحل.
والطريق من دمشق إلى مدينة يثرب تخرج من دمشق إلى منزل على نهر صغير ومنه إلى دمة مرحلة ومنه إلى ذات المنازل وهي قرية عامرة ومنها إلى ينوع مرحلة ومنها إلى البثنية مرحلة ومنها إلى دمة مرحلة وهي قرية ومنها إلى مدينة تبوك ثم إلى المحدثة ثم إلى الاقرع ثم إلى الحنيفية ثم إلى الحجر مرحلة وهو حصن منيع بين جبال في ديار ثمود ومنه إلى وادي وهي مدينة صغيرة جداً على نهر صغير ومنه إلى الرحبة ثم إلى ذي المروه ثم إلى المر ثم إلى السويدة ثم إلى ذي خشب ثم إلى المدينة يثرب.
والطريق من دمشق إلى الرقة نحو من ثماني عشرة مرحلة.
والشام اسم لجملة بلاد وأكوار مثل بلاد فلسطين التي منها أطباق القدس وكورة عمواس وكورة لد وكورة يبنا وكورة يافا وكورة قيسارية وكورة نابلس وكورة سبسطة وكورة عسقلان وكورة غزة وكورة بيت جبرين.
وفي جنوب هذه البلاد فحص التيه وهي الأرض التي هام فيها بنو إسرائيل أربعين سنة لم يدخلوا مدينة ولا أووا إلى بيت ولا بدلوا ثوباً ولا ازداد أحد منهم في قدره وطول هذا الفحص الذي هو أول أرض التيه نحو من ستة أيام.

ويلي كورة فلسطين من جهة المشرق كورة الأردن وأكبر بلادها مدينة طبرية ومنها اللجون ومنها كورة السامرية وهي نابلس وبيسان وريحا وزغر وعمتا وحبيس وجدر وابل وسوسية وكورة عكة وكورة ناصرة وكورة صور ويليها من جهة المشرق أرض دمشق ومن كورها الغوطة وأرض بعلبك والبقاع وإقليم لبنان وكورة حولة وكورة اطرابلس وكورة جبيل وكورة بيروت وكورة صيداء وكورة البثنية وكورة حوران وكورة جولان وكورة ظاهرة وكورة البلقاء وكورة جبرين الغور وكفرمآب وكورة عمان وكورة الشراة وبصرى والجابية.
ويلي هذه الأرض من جهة المشرق أرض البادية ويليها من ناحية الجنوب أرض السماوة وأرض عاد ويلي أرض دمشق أرض العواصم وأرض قنسرين وسنذكرها أيضاً في أمكنتها عند اتصالها بالمصورة الآتية من الإقليم الرابع.
ومدينة دمشق قطب ومدار لمدنها فمنها إلى بعلبك مرحلتان ومنها إلى حمص خمسة أيام ومن دمشق إلى طبرية أربع مراحل ومن دمشق إلى اطرابلس على بحر الروم مسيرة خمسة أيام ومن دمشق إلى أقصى الغوطة يوم وهناك تتصل بطرف البادية ومن دمشق إلى بيروت يومان ومن دمشق إلى صيداء يومان ومن دمشق إلى أذرعات وهي البثنية أربعة أيام ومن دمشق إلى الجولان يومان.
والشام أول طوله من ملطية إلى رفح والطريق من ملطية على منبج وبينهما أربع مراحل ومن منبج إلى حلب يومان ومن حلب إلى حمص خمسة أيام ومن حمص إلى دمشق خمسة أيام ومن دمشق إلى طبرية أربعه أيام ومن طبرية إلى الرملة ثلاثة أيام ومن الرملة إلى رفح يومان فذلك خمس وثلاثون مرحلة.
نجز الجزء الخامس من الإقليم الثالث والحمد لله ويتلوه الجزء السادس منه إن شاء الله تعالى.
الجزء السادس
إن الذي تضمن هذا الجزء السادس من الإقليم الثالث في غربيه قطعة من أطراف البادية فيها من البلاد مدينة فيد والثعلبية وزبالة والحيرة والقادسية والصمان وطخفة والقرعاء وكاظمة وهناك من بلاد شمال أرض البحرين القطيف والزارة والأحساء والعقير والخرج وبيشة وجزيرة أوال وسائر ما بين بلاد البحرين وعمان صحراء تسكنها العرب وهي قليلة الماء.
وفيه انتهى البحر الفارسي وعليه من البلاد عبادان والأبلة ومهروبان وسينيز وجنابا ونجيرم وصحار وسيراف وحصن ابن عمارة وهذه كلها من أرض فارس ويتلوها على البحر من بلاد كرمان مثورة وهرمز وبوادي جبال القفص وفي هذا البحر من الجزائر جزيرة خارك وجزيرة لافت وهي تصاقب سيراف وطرف بني الصفار وجزيرة أوال.
وفيه من بلاد سواد العراق الحيرة والقادسية والكوفة وسورا والقطر ونهر الملك وكوثاربا وواسط والبطائح وفم الصلح والمذار والمفتح وبيان وسليمانان والأبلة والبصرة وعبادان وجرجراي.
وفيه من حدود خوزستان مدينة الباسيان وجبى والدورق وديرا وآسك وأزم وسنبيل وايذج ورام هرمز وسوق الأربعاء وهرمز وهي الأهواز وعسكر مكرم وجندي سابور وتستر وكرخة والسوس وقرقوب والطيب ومتوث وبردون وبصنا وفيه من بلاد إصبهان البندجان والبيضاء وإصبهان وفيه من بلاد فارس أرجان وكازرون والنوبندجان وجور وشيراز وهزار ومايين وكيسا وجم وجهرم ونحن لهذه البلاد ذاكرون ولما فيها واصفون بحول الله ومعونته.
فنقول إن مدينة فيد من بلاد البادية وهي في نصف الطريق ما بين بغداد ومكة وأما البادية فإنها دار لفزارة وجهينة ولخم وبلي وقبائل مختلطة من اليمن وربيعة ومضر وأكثرها يمن وبنو أسد والرمل المعروف بالهبير هو الرمل الذي بالشقوق إلى الأجفر عرضاً وطوله من وراء جبلي طيء إلى أن يتصل شرقاً بالبحر الفارسي ويمضي من وراء جبلي طيء إلى أن يرد الجفار من أرض مصر.
ومن مدن البادية مدينة الثعلبية وبها مجتمع للعرب وبها سوق عامرة ومنها مدينة زبالة وكانت من قبل مدينة فأما الآن فما بقي منها إلا رسم مجير وموضع يأوي إليه المسافرون وليس بمدينة ولا حصن وأما القادسية فهي مدينة على جنب البادية بنتها الأكاسرة من ملوك فارس وهي الآن مدينة صغيرة ذات نخيل ومياه عذبة وأكثر زراعاتها الرطبة ويتخذ منها القت علفاً للجمال الصادرة والواردة في طريق الحجاز ومنها يتزودون علوفاتهم ومدينة القادسية غرب مدينة بغداد وهي ثغر من ثغور العراق ومن القادسية إلى الكوفة مرحلتان ومن القادسية إلى مدينة السلام بغداد أحد وستون فرسخاً.

ومدينة الكوفة على شاطئ نهر الفرات ذات بناء حسن وأسواق عامرة وحصن حصين ولها ضياع ومزارع ونخل كثير وأهلها مياسير وتشبه مبانيها أبنية البصرة في الإتقان والنفاسة ومياهها عذبة وهواؤها صحيح وأهلها من صرح العرب لكنهم الآن متحضرون وعلى ستة أميال من الكوفة قبة عظيمة مرتفعة الأركان من كل جانب لها باب مغلق وهي مستورة من كل ناحية بفاخر الستور وأرضها مفروشة بالحصر السامانية ويذكر أن بها قبر علب بن أبي طالب وما استدار بالقبة مدفن لآل أبي طالب وهذه القبة بناها أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان في دولة بني العباس وكان قبل في دولة بني أمية مخفياً لو يوبه به.
والقادسية والحيرة على خط البادية وحاشيتها مما يلي المغرب ويحيط بهما مما يلي المشرق المياه الجارية والبساتين المتصلة والنخل الكثير التمر العذب المذاق وهذان البلدان ومدينة الكوفة في أقل من مرحلة والحيرة مدينة صغيرة جاهلية البناء طيبة الثرى مفترشة البناء وكانت فيما سلف أكبر من قطرها الآن لكن أكثر أهلها انتقلوا إلى الكوفة وخف أهل القادسية والحيرة لذلك والكوفة والقادسية والحيرة كلها داخلة في أعمال العراق وجباياتها مرتفعة إلى ديوان بغداد وكذلك عمالها والناظرون في جميع أعمالها من قبل عمال بغداد.
ومدينتا واسط على جانبي دجلة وبينهما قنطرة كبيرة مصنوعة على جسر سفن يعبر عليها من أراد الاجتياز من إحدى المدينتين إلى الأخرى وفي كل مدينة منهما جامع يختطب فيه والمدينة الغربية تسمى كسكر وهي من بنيان الحجاج بن يوسف الثقفي وبها مزارع ونخيل وبساتين وعمارات متصلة والمدينة الأخرى التي في الضفة الشرقية تسمى واسط العراق وهي أيضاً مثل أختها حسنة البناء فسيحة الأرجاء مبانيها سامية وسموكها عالية وبساتينها وأموالها كثيرة وناسها حسان الزي وملابسهم البياض والعمائم الكبار وأهلها أخلاط من أهل العراق وغيرها وليس بها بطائح وأرضها واسعة وطينتها ممتدة وهواؤها أصح من هواء البصرة وهي من أعمر بلاد العراق وعليها معول ولاة بغداد وبها قوامها ونواحي واسط عمل مفرد عن أعمال العراق وأموالها ترتفع إلى مدينة السلام ومن مدينة السلام عامل واسط أبداً.
ومن مدينة واسط إلى بغداد ثماني مراحل وكذلك منها إلى البصرة سبع مراحل وكذلك من واسط أيضاً إلى مدينة الكوفة ست مراحل على طريق البطائح ومن الكوفة إلى البصرة نحو اثنتي عشرة مرحلة ومن الكوفة إلى المدينة نحو عشرين مرحلة ومن الكوفة إلى بغداد خمس مراحل ومن الكوفة إلى القادسية مرحلتان ومن القادسية إلى العذيب وهي أول خط البادية ستة أميال ومن واسط تنزل مع دجلة إلى نهر أبان في النهر نصف يوم وفي البر مرحلة ومنها إلى دجلة العوراء ثم إلى نهر معقل ثم تنحدر في فيض البصرة.
والبصرة مدينة عظيمة لم تكن في أيام العجم وإنما اختطها المسلمون في أيام عمر ومدنها عتبة ابن غزران وبغربيها البادية وبشرقيها مياه الأنهار منفرشة وهي نيف على مائة ألف نهر يجري في جميعها السماريات ولكل نهر منها اسم ينسب إلى صاحبه الذي احتفره أو إلى الناحية التي يصب فيها وهي في استواء من الأرض لا جبال فيها ولا بحيث يقع البصر منها على جبل وفيما حكى أحمد بن أبي يعقوب صاحب كتاب المسالك والممالك أن البصرة كان فيها سبعة آلاف مسجد ونيف وأما الآن فأكثرها خلاء وما بقي منها إلا عمارة ما دار بالمسجد الجامع الذي فيها وحكى بعض التجار المسافرين إليها أنه اشترى التمر بها في عام ستة وثلاثين وخمسمائة خمسمائة رطل بدينار.

وبها نهر يعرف بنهر الأبلة طوله اثنا عشر ميلاً وهو مسافة ما بين البصرة والأبلة وعن جانبي هذا النهر قصور وبساتين متصلة كأنها بستان واحد ويحويها حائط واحد وينصب إلى هذا النهر عدة أنهار كثيرة مما تقاربه أو تقاومه في الكبر وجميع نخلها في اعتداد قدوده ونضارة فروعه كأنما أفرغ في قالب واحد أو غرس سائره في يوم واحد وجميع أنهار البصرة المحيطة بشرقيها يصب بعضها في بعض ويتشعب بعضها من بعض وأكثرها يدخله المد والجزر من البحر فإذا كان المد دخل الماء من البحر وتراجعت مياه الأنهار فصبت في البساتين والمزارع وسقتها وإذا كان الجزر انحجزت وعادت الأنهار جارية على حسب عادتها ومنها انهار كثيرة محتفرة لا يجري بها ماء وإنما يدخلها ردع المياه الواصلة إليها مع المد والغالب على مياه هذه الأنهار الملوحة.
والأبلة مدينة على هذا النهر من إحدى جهاتها بل هو منها في شمالها وجانبها الآخر وهو الشرقي على غربي دجلة وهي صغيرة المقدار حسنة الديار واسعة العمارة متصلة البساتين والضياع عامرة بالناس وأهلها مياسير وعندهم خصب من العيش ورفاهة ودعة ومن أسفل الأبلة المفتح والمذار على ضفة دجلة وهي مدن متقاربة القدر متشابهه العظم عامرة بالأسواق والتجارات والأبلة أكبر منها قدراً وأكثر خلقاً وأغنى أهلاً وأوسع عمارة.
وفي حدود البصرة وبين عماراتها وقراها آجام كبيرة وبطائح ماء سورة وتسير عليها السماريات والزوارق بالمدافع لقرب قعرها وارتدام مجاريها بالتراب وربما زادت الأمطار في أوقات الشتاء فحملت دجلة والفرات وصبت في هذه الأنهار سيولها فحفرت منها موضعاً وردمت آخر.
ومن البصرة إلى عبادان مرحلتان وهي ستة وثلاثون ميلاً وعبادان حصن صغير عامر على شط البحر وإليه يصل جميع مياه دجلة وهو رباط ومحرس لطراق هذا البحر وعبادان في الضفة الغربية من دجلة ودجلة هناك تتسع على وجه الأرض كثيراً ومن عبادان إلى الخشبات ستة أميال وهذه الخشبات على متصل بحر فارس بمصب دجلة وهي خشبات مغروزة في قعر البحر عليها مناصب من ألواح مهندمة ويجلس عليها حراس البحر ومعهم زورق يركبون فيه إلى هذه الخشبات وبه ينزلون إلى الساحل.
وهذا البحر الفارسي شطه الأيمن للعرب والأيسر لفارس وعرضه مائتا ميل وعشرة أميال وعرضه من سبعين باعا إلى ثمانين باعا ومن الخشبات إلى هجر مدنية البحرين في شط العرب مائتا ميل وعشرة أميال ومن البصرة إلى البحرين على الجادة إحدى عشرة مرحلة وليس في طريق الساحل ماء وهو نحو من ثماني عشرة مرحلة في قبائل العرب مياههم محمولة معهم وهو سلوك غير أنه مخوف ومن البصرة إلى المدينة نحو من عشرين مرحلة ويلتقي الطريق مع طريق الكوفة بقرب معدن النقرة ومن البحرين إلى المدينة نحو من خمس عشرة مرحلة.
والطريق من البصرة إلى البحرين من عبادان إلى مرحلة لا ماء فيها ولا عامر بها ثم إلى الحدوثة مرحلة ثم إلى عرفجا مرحلة ثم إلى حنيان مرحلة ثم إلى القرى مرحلة ثم إلى مسلحة مرحلة ثم إلى الأحساء مرحلة ثم إلى حمص مرحلة ثم إلى ساحل هجر مرحلة وهذه المراحل كلها مراس ومواضع لا ماء فيها وعامرها قوم من العرب رحالة لا يستقرون في مكان واحد. فأما الأحساء فهي مدينة على البحر الفارسي تقابل أوال وهي بلاد القرامطة وهي مدينة حسنة لكنها صغيرة وبها أسواق تقوم بها في تصرفها.
وأما مدينة القطيف فإنها مجاورة للبحر وهي في ذاتها كبيرة وبين القطيف والأحساء مرحلتان ومن القطيف إلى حمص يومان وهي على البحر الفارسي ومن مدينة القطيف إلى بيشة مرحلة كبيرة ويتصل بالقطيف إلى ناحية البصرة بر متصل لا عمارة فيه أي ليس به حصن ولا مدينة وإنما به أخصاص لقوم من العرب يسمون عامر ربيعة.
ومدن البحرين منها هجر وحمص والقطيف والأحساء وبيشة والزارة والخط التي تنصب إليها الرماح الخطية وسميت البحرين بجزيرة أوال وذلك أن جزيرة أوال بينها وبين بر فارس مجرى ومنها إلى بر العرب مجرى وهي ستة أميال طولاً وستة أميال عرضاً ومنها إلى البصرة خمسمائة ميل وأربعون ميلاً لأن أيضاً من جزيرة أوال إلى جزيرة خارك مئتان وأربعون ميلاً.
وجزيرة خارك ثلاثة أميال في ثلاثة أميال وبها زروع وأرز كثير وكروم ونخل وهي جزيرة حسنة كثيرة الأعشاب خصيبة.

وجزيرة أوال جزيرة حسنة بها مدينة كبيرة تسمى البحرين وهي عامرة حسنة خصيبة كثيرة الزروع والنخل وفيها عيون ماء كثيرة ومياهها عذبة منها عين تسمى عين بو زيدان ومنها عين مريلغة ومنها عين غذار وكلها في وسط البلد وفي هذه العيون مياه كثيرة نابعة مترعة دفاعة تطحن عليها الأرحاء فالعين المسماة عين غذار فيها عجب لمبصرها وذلك أنها عين كبيرة قدراً مستديرة الفم في عرض ستين شبراً والماء يخرج منها وعمقها يشف على خمسين قامة وقد وزن المهندسون وحذاق العلماء علو فمها فوجدوه مساوياً لسطح البحر وعامة أهل البلاد التي في هذه الجهة يزعمون أنها متصلة بالبحر ولا اختلاف بينهم في ذلك وهذا غلط ومحال لا يشك فيه لأن لعين ماؤها حلو عذب لذيذ شهي بارد وماء البحر حار زعاق ولو كانت كما زعموا لكان ماؤها ملحاً كماء البحر.
وفي هذه الجزيرة أمير قائم بنفسه وقد رضيه أهل الساحلين لعدله ومتانة دينه ولا يلي مكانه إذا مات إلا من هو مثله في العدل والقيام بالحق.

وفي هذه الجزيرة رؤساء الغواصين في البحر ساكنون بهذه المدينة والتجار يقصدون إليها من جميع الأقطار بالأموال الكثيرة ويقيمون بها الأشهر الكثيرة حتى يكون وقت الغوص فيكترون الغواصين بأسوام أجر معلومة تتفاضل على قدر تفاضل الغوص والأمانة وزمان الغوص في شهر أغشت وشتنبر فإذا كان أوان ذلك وصفا الماء للغطاص وأكرى كل واحد من التجار صاحبه من الغواصين خرجوا من المدينة في أزيد من مائتي دونج والدونج أكبر من الزورق وفي إنشائه وطاء ويقطعها التجار أقساماً في كل دونج منها خمسة أقسام وستة وكل تاجر منهم لا يتعدى قسمه من المركب وكل غواص له صاحب يتعاون به في عمله وأجرته على خدمته أقل من أجرة الغطاس ويسمى هذا المعاون المصفي ويخرج الغواصون من هذه المدينة وهم جملة في وقت خروجهم ومعهم دليل ماهر ولهم مواضع يعرفونها عياناً بوجودهم صدف اللؤلؤ فيها لأن للصدف مراعي تجول فيها وتنتقل إليها وتخرج عنها في وقت آخر إلى أمكنة أخر معلومة بأعيانها فإذا خرج الغواصون عن أوال تقدمهم الدليل والغواصون خلفه في مراكبهم صفوفاً لا تتعدى جريه ولا تخرج عن طريقه فكلما مر الدليل بموضع من تلك المواضع التي يصاد بها صدف اللؤلؤ تنحى عن ثيابه وغطس في البحر ونظر فإن وجد ما يرضيه خرج وأمر بحط قلاع دونجه وأرسى وحطت جميع المراكب حوله وأرست وانتدب كل غواص إلى غوصه وهذه المواضع يكون عمق الماء فيها من ثلاث قيم إلى قامتين فدونها وصفة غوصهم أن الغواص يتجرد عن ثيابه ويبقى بسترة تسار عورته لا غير ويضع في أنفه الخلنجل وهو شمع مذاب بدهن الشيرج يسد به أنفه ويأخذ مع نفسه سكيناً ومشنة يجمع فيها ما يجده هناك من الصدف ومع كل غواص منهم حجر وزنه من ربع قنطار إلى ما نحوه مربوط بحبل رقيق وثيق فيدليه في الماء جع جنب الدونج ويمسك الحبل صاحبه بيده إمساكاً وثيقاً ويتخلى الغواص بنفسه في الماء فيجعل رجليه على الحجر ويمسك الحبل بيديه ثم يرسل صاحبه الحبل من يده دفعة واحدة فينزل الحجر مسرعاً حتى يصل قعر البحر والغائص عليه يمسك الحبل بيديه فإذا استقر في قعر البحر نزل إلى قعر البحر وجلس وفتح عينيه في الماء ونظر إلى ما أمامه وجمع ما وجد هناك من الصدف في عجل وكر فإن امتلأت مشنته كان وإلا اندرج إلى ما قاربه والحجر لا يفارقه ولا يترك يده عن إمساك حبله فإن أدركه الغم كثيراً صعد مع الحبل إلى وجه الماء واسترد نفسه حتى يستريح ويرجع إلى غوصه وطلبه فإذا امتلأت مشنته اجتذبها صاحبه من أعلى الدونج وفرغ المشنة مما فيها من الصدف في قسمه من المركب وأعادها في البحر إلى الغواص إن كان الصدف هناك كثيراً وعلى قدر الوجود له يكون طلبه فإذا تم الغواصون في البحر مقدار ساعتين صعدوا ولبسوا ثيابهم وتدثروا وناموا وانتدب المصفي وهو صاحب الغواص فيشق ما معه من الصدف والتاجر ينظر إليه حتى يأتي على آخره فيأخذه التاجر منه ويصره عند نفسه بعدد مكتوب فإذا كان عند العصر انتدبوا إلى طعامهم فصنعوه وتعشوا وناموا ليلتهم إلى الصباح ثم يقومون وينظرون قي أغذية يأكلونها إلى أن يحين وقت الغوص فيتجردون ويغوصون هكذا كل يوم وكلما فرغوا من مكان أفنوا صدفه انتقلوا إلى غيره ولا يزالون بهذه الحال إلى آخر أغشت ثم ينصرفون إلى جزيرة أوال في الجمع الذي خرجوا فيه وما معهم من الجوهر في صررهم وعلى كل صرة منها مكتوب اسم صاحبها وهي مطبوعة بطابع فإذا نزلوا أخذت تلك الصرر من التجار وصارت في قبض الوالي وفي ذمته فإذا كان في يوم البيع اجتمع التجار في موضع البيع فأخذ كل واحد مكانه وأحضرت الصرر ودعي باسم كل واحد من أصحابها وفضت خواتمها واحدة بعد واحدة وصب ما في الصرة من لؤلؤ في غربال موضوع تحته ثلاثة غرابيل وتلك الغرابيل لها أعين بمقادير يترك منها الدقيق والمتوسط ويمسك كل نوع منها في صحن غربال فلا يبقى على وجه الغربال الأول الأعلى إلا ما غلظ من الجوهر ويبقى على وجه الغربال الثاني اللؤلؤ المتوسط ويستقر على الغربال الثالث اللؤلؤ الدقيق ثم يعزل كل صنف منها وينادى عليه بأسوامه ومستحق أثمانه فإن أحب التاجر سلعته كتبت عليه وإن شاء بيعها من غيره باع وقبض ماله والتاجر إذا اشترى متاعه إنما يكون عليه أن يؤدي اللوازم التي وجبت عليه وينتصف التجار من الغواصين والغواصون من التجار وينفصل كل أحد من كل أحد

وينصرف الناس ثم يعودون إلى هناك في العام القابل هكذا أبداً.رف الناس ثم يعودون إلى هناك في العام القابل هكذا أبداً.
ولصاحب جزيرة كيش التي ذكرناها في الإقليم الثاني وموضعها في بحر فارس على التجار الذين يعاملون الغواصين شيء معلوم يقبض له في ديوان البيع منهم ويبعث إليه بذلك ضريبة وما وجد من الجوهر الغالي النفيس أمسكه الوالي وكتبه على نفسه باسم أمير المؤمنين والعدل لا يفارقهم في البيع والشراء حتى لا يضام منهم أحد ولا يشكو ظلماً.
والجوهر يتكون حبه خلقاً في هذا الصدف على ما يصفه أهل بحر فارس من ماء مطر نيسان وإن لم يمطر مطر نيسان لم يجد الغواصون منه شيئاً في سنتهم تلك وهذا عندهم شيء مشهور صحيح متفق عليه بينهم.
والغوص في بلاد فارس صنعة تتعلم وينفق عليها الأموال في تعليمها وذلك أنهم يتدربون في رد أنفاسهم على آذانهم حتى أن الرجل منهم في أول تعليمه تتزكم أذناه وتتسلط وتسيل منهما المادة ثم يتعالجون من ذلك فيبرؤون منه وأعلاهم أجرة أصبرهم تحت الماء وكل واحد منهم يميز صاحبه ولا يتعدى طوره ولا ينكر فضل من تقدمه وفاقه في المعرفة والصبر.
وفي هذا البحر الفارسي جميع مغايص اللؤلؤ وأمكنته ثم إن أمكنته نحو من ثلثمائة مكان مقصودة كلها مشهورة بالغوص وقد ذكرنا منها أكثرها عند ذكر أمكنتها في مواضعها من سواحل البحور والجزائر ومغايص بحر فارس أكثر نفعاً وأمكن وجوداً للطلب من سائر البحور الهندية واليمنية وقد ذكرنا من ذلك ما فيه بلغة بل كفاية.
ولنرجع الآن إلى ما كنا فيه من ذكر البلاد وصفاتها وطرقاتها على الكمال بحول الله فمن ذلك صفة الطريق من البصرة إلى البحرين ثم إلى اليمامة على البادية وهو طريق العرب وقليلاً ما يسلكه التجار فمن ذلك أن الخارج عن البصرة يسير إلى منزل في الصحراء فيه عين ماء مرحلة ثم إلى كاظمة مرحلة ثم إلى منزل في الصحراء ثم إلى منزل ثم إلى منزل ثم إلى القرعاء وهو منزل فيه عرب ومنه إلى طخفة منزل عرب مرحلة ومنه إلى الصمان مرحلة وهو منزل فيه عرب ثم إلى منزل فيه ماء ثم إلى منزل لا ماء فيه ثم إلى منزل فيه ماء ثم إلى اليراني من غربي بلاد البحرين ومنها إلى منزل ثم إلى منزل ثم إلى منزل ثم إلى سلمية ثم إلى السيال ثم إلى حضرمة اليمامة وقد ذكرنا هذه البلاد فيما سلف.
وفي شرقي موضع دجلة في بحر عبادان أرض خوزستان ومنها الأهواز ومدينة الأهواز تعرف بهرموزشهر وهي القطر الكبير والقطر المعمور والناحية الحسنة التي ينسب إليها سائر الكور وبها أسواق وتجارات وعمارات متصلة وأرزاق دارة وخيرات جمة وفيها ناس أخلاط من قبائل فارس والعرب المتحضرة بها مياسير لهم أموال كثيرة وبضائع وافرة ومصانع مكسبة وعيش ممكن وخصب رغد.
والأهواز هي قاعدة بلاد خوزستان وأرض خوزستان هذه أرض وطيئة حسنة ثرية موضعها فسيح وهواؤها صحيح وهي سهلة الأرجاء كثيرة المياه وبلادها كثيرة عامرة منها الأهواز وعسس مكرم وتستر وجندي سابور والسوس ورام هرمز والمسرقان وسرق واسمها دورق الفرس وايذج وبيان وجبى وبصنا وسوق سنبيل ومناذر الكبرى ومناذر الصغرى وقرقوب والطيب وكليوان ونهر تيرى ومتوث وبردون وكرخة وأزم وسوق الأربعاء وحصن مهدي على البحر والباسيان وسليمانان.

وبأرض خوزستان مياه جارية وأودية غزيرة وأنهار سائلة وأكبر أنهارها نهر تستر ويسمى دجيل الأهواز وهو نهر عجيب منبعه من جبال من ناحية اللور وعليه الشاذروان الذي أمر بعمله سابور الملك وهو من العجائب المشهورة وذلك أنه بنى أمام تستر من الضفتين بنياناً وثيقاً عالياً وأقام في صدر مجرى الماء سداً موثقاً بالحجر العظيم والعمد الحجازية حتى ساواه مع ضفتي بنائه وارتدع به الماء حتى صار بإزاء تستر وذلك أن تستر في نشز من الأرض عال والماء مرتدع بين يديها ويجري هذا النهر من وراء عسكر مكرم ويمر بالأهواز حتى ينتهي إلى نهر السمرة إلى حصن مهدي ويقع هناك في البحر ويخرج من نهر تستر نهر يسمى نهر المسرقان فيمر مغرباً حتى ينتهي إلى مدينة عسكر مكرم وعليه هناك جسر كبير نحو من عشرين سفينة وتجري فيه السفن الكبار ويتصل بالأهواز وبين عسكر مكرم والأهواز ثلاثون ميلاً في الماء فإذا كان الماء في المد وزيادته في أول الشهر عبر هناك بالمراكب وإن كان الجزر لم يمكن المراكب السير فيه لأن الماء به يجف ولا يبقى منه إلا عدد منقطعة عن اتصال الجري وهذا النهر لا يضيع من مائه شيء وإنما يتصرف كله في سقي الأرضين هناك تسقى به غلات القصب وضروب الحبوب والنخل والبساتين وسائر المزارع المعمورة ويجري في جنوب خوزستان نهر طاب وهو الحد المميز بين خوزستان وفارس وجميع مياه خوزستان كلها تتألف وتنصب في البحر عند حصن مهروبان وبضفة حصن مهدي وليس بأرض خوزستان بحر إلا ما ينتهي إليها عن زاوية من حد مهروبان إلى قرب سليمانان بحذاء عبادان وهو شيء يسير من بر فارس وأرض خوزستان كلها سهول وأرضها رمل وليس بها شيء من الجبال إلا ما كان بنواحي تستر وبالجملة إنها كلها سهول وفجاج غير عالية.
ومدينة المسرقان مدينة عامرة بأهلها والصادرون عنها والواردون عليها كثير ولهم معايش وأرزاق كثيرة وأكثر شجرهم النخل وفيها الرطب الموصوف المسمى الطن إذا أكله الإنسان وشرب عليه ماء المسرقان وجد عليه رائحة الخمر سواء وعندهم من الحنطة والشعير الشيء الكثير وسائر أنواع الحبوب موجودة بها وأكثر الحبوب عندهم الأرز وهم يطحنونه ويتخذون منه خبزاً يأكلونه ويفضلونه على الحنطة وبالمسرقان من غلات القصب الشيء الكثير الذي يفوق ما بسائر الآفاق من ذلك.
والسوس مدينة جليلة حاضرة بكل خير جامعة لكل فضل وأهلها أخلاط وهي من بلاد السكر يصنع بها منه كل شيء كثير ويتجهز به إلى كل الآفاق ويصل فاضله إلى أقصى خراسان وينسب إليها ويصنع بها من الخز العتيق كل جليلة وبها فواكه كثيرة.
ومدينة عسكر مكرم مدينة كبيرة حسنة على نهر المسرقان ولها جسر قدمنا وصفه وهي عامرة بالتجار وأخلاط الناس وبها أسواق وأرزاق وصناعات ولها مزارع متصلة وبها صنف من العقارب على قدر ورقة الأنجذان وصفرتها تسمى الجرارة إذا لسبت أحداً مات لحينه وقل ما يسلم من لسبته وبين عسكر مكرم وتستر مرحلة ومن عسكر مكرم إلى رام هرمز مرحلتان وهي مدينة عامرة جليلة وبها أسواق ومتاجر ويصنع بها من ثياب الإبريسم ما يحمل إلى كثير من المواضع وكذلك من مدينة عسكر مكرم إلى الدورق نحو أربع مراحل ومن الدورق إلى الأهواز أربع مراحل خفاف.
والدورق مدينة عامرة بأهلها وبها من أخلاط الناس جمل ومتاجرها كثيرة وتسمى مدينة الرستاق وبغربيها مدينة باسيان على مرحلتين منها.
وباسيان مدينة وسطة في الكبر عامرة يشقها نهر فيصير نصفين وهي فرجة حسنه من داخلها وخارجها وبين باسيان وحصن مهدي مرحلتان غرباً.

ومدينة تستر هي كما قدمنا ذكره مرتفعة عن وجه الأرض والماء يرتفع في الشاذروان إلى بابها وفي تستر فيما يقال تابوت دانيال وقال الحوقلي في كتابه إن أبا موسى الأشعري وجد بها القبر المذكور وكان أهل الكتاب يديرونه على مجامعهم ويتبركون به ويستسقون به المطر إذا أجدبوا فأخذه أبو موسى وشق من النهر الذي على باب السوس خلجاناً وجعل فيه ثلاث قبور مطوية بالآجر ودفن ذلك التابوت في أحد القبور ثم استوثق منها كلها وعماها ثم فتح إليها الماء حتى قلب ذلك الثرى الكثير على ظهر تلك القبور والنهر يجري عليها إلى يومنا هذا ويقال إن من نزل إلى قعر النهر وجد القبور هناك ومما يتاخم آسك في جهة حد فارس جبل أذروان وهو بركان نار يقذف بها ليلاً ونهاراً والدخان لا يطفأ أبداً فيه وهذا الجبل شبيه بجبل النار الذي في جزيرة صقلية ويصنع بتستر الديباج العجيب المنظر المتقن الصنعة وكان قبل هذا يعمل بها كسوة الكعبة فأما الآن فإن الكسوة تعمل بالعراق ومنها تحمل كل سنة ومن العسكر إلى ايذج في جهة المشرق أربع مراحل وهي مدينة عجيبة فرجة الرقعة بسيطة المكان متاخمة للجبل المتصل بإصبهان وبها متاجر وصنائع وأموال متصرفة وأسواق نافقة مما جلب إليها ومن مدينة تستر إلى مدينة جندي سابور مرحلة كبيرة.
ومدينة جندي سابور في نشز من الأرض حسنة حصينة منيعة وهي تمير من جاورها بخيرها وبها نخل وزروع كثيرة ومياه ولها عمارات وخصب وفواكه وأسواق جامعة لضروب من البضائع نافقة المتصرفات ومن جندي سابور إلى السوس مرحلة.
والسوس مدينة ليست بالكبيرة جداً لكنها متحضرة ولها بساتين وجنات ونخل وقصب كثير يعمل منه السكر الكثير كما قدمنا وصفها.
ومنها إلى قرقوب مرحلة وهي المدينة التي ينسب إليها الرقم القرقوبي في جميع الأرض ويعمل بها ديباج معين بالذهب يسمى خرد وقليلاً ما يوجد مثله بآفاق الأرض وهو الديباج القرقوبي وبمدينه قرقوب مثل ما بمدينة السوس من الطرز للسلطان لنسيج الحلل والديباج والخزوز وسائر الثياب النفيسة الغالية الثمن.
ويتصل بمدينة قرقوب في جهة الشمال مدينة الطيب على مرحلة وليست بكبيرة وإنما هي حسنة الذات كثيرة الخيرات جامعة لأشتات البركات ويصنع بها تكك تشبه التكك الأرمينية لا يوجد في بلاد الإسلام مثلها بعد تكك أرمينية حسان وبركانات ثمينة محكمة ويصنع بها كثير من الصنائع لا يجارى صناعها فيها ولهم كيس في الأمور وحذق ومنها إلى واسط مرحلتان. ويتصل بها في جهة الشرق مدينة صغيرة تسمى متوث وهي في مستو من الأرض حسنة الجهات كثيرة المتنزهات خيرها عام وشكلها تام وبين متوث والسوس مرحلة ومتوث منها غرباً.
ويتصل بمدينة السوس في جهة الغرب مدينة برذون وهي صغيرة القدر كثيرة الأهل وبها مزارع وعمارات.
ومنها مدينة بصنا أيضاً وبين بصنا والسوس مرحلة وكذلك من السوس إلى بردون مرحلة ومدينة بصنا مدينة صغيرة الجرم خلقها كثير وبها طرز للسلطان يعمل بها الستور المنسوبة إليها المشهورة في جميع الآفاق المكتوب على تطريزها مما عمل ببصنا وقد يعمل ببرذون وكليوان وغيرهما من المدن ستور يكتب عليها بصنا ويدلس بها في ستور بصنا.
ومن السوس إلى الأهواز ثلاثة أيام والأهواز وعسكر مكرم في سمت واحد والأهواز من عسكر مكرم جنوباً ورام هرمز منهما كأحد الأثافي شكلاً مثلثا متساوي الأضلاع.
ومن عسكر مكرم إلى سوق الأربعاء وهو السوق المسمى بسوق الأهواز مرحلة وهي مدينة حسنة ولها سوق مشهورة في يوم معلوم وبها فواكه ونعم كثيرة ومتاجر ودخل وخرج وجباية طائلة.
ومن سوق الأهواز إلى دورق في الماء ثمانية وأربعون ميلاً وعلى الظهر في البر اثنان وسبعون ميلاً.
ومن سوق الأربعاء إلى حصن مهدي على البحر الفارسي مرحلة وهو حصن منيع حسن البنية متقن وبه يجتمع مصب مياه هذه البلاد ويتسع هناك حتى يكون عرضه نحو ثلاثة أميال.
ومن سوق الأهواز إلى أزم مرحلة وأزم على نهر يقع في نهر تستر وهي متحضرة ولها سوق متحركة وبها بيع وشراء وهي رصيف متوسط لمن جاء من فارس يريد العراق.
ويحاذيها من خلف النهر قرية آسك وهي قرية عامرة وعلى طريق من جاء من فارس.

ومن مدينة الأهواز إلى نهر تيرى مرحلة ونهر تيرى مدينة صالحة القدر عامرة بالديار والأسواق كثيرة الخيرات والأرزاق بها طرز يتخذ فيها ثياب حسنة ويذكر أنها من أرض فارس وسنذكرها في تخوم فارس بحول الله ومن مدينة نهر تيرى إلى مدينة بيان مرحلتان.
ومدينة بيان على الدجلة من الضفة الشرقية وهي مدينة صغيرة حسنة الداخل والخارج وبها منبر ولأهلها حرص على طلب الآداب والعلوم وفيهم اعتلاء على من ساواهم من أهل البلاد وأخبر أحمد بن يعقوب في كتاب المسالك الذي ألفه أن بنهر تيرى داراً لا تعمر وكل من يسكنها لا يلبث أكثر من يوم ولا يجاوز الليلة إلى الغد ومن مدينة بيان إلى الأبلة مرحلة ومن بيان إلى حصن مهدي مرحلة.
ويتصل بالأبلة المفتح والمذار وهما مدينتان على مجاري الدجلة والمفتح مدينة صغيرة المقدار عامرة القطر حسنة البناء متحركة الأسواق وليست من أمهات البلاد والداخل إليها والخارج منها كثير ولها بساتين ومزارع ومتنزهات ومنها إلى مدينة المذار مرحلة خفيفة والمذار مدينة صغيرة تشبه مدينة المفتح في مقدارها وتجانسها في مبانيها وآثارها وبها من الأسواق والمصانع ما بالمفتح وأشف من ذلك وأهلها متنافسون فيما بينهم ولهم اهتمام بالأمور وصيانة لما بين أيديهم من أموالهم وشح بين ولها مزارع كثيرة وعمارات جليلة وغلات رابحة.
ومن الباسيان إلى جبى اثنا عشر ميلاً وجبى مدينة ورستاق عريض مشتبك العمارة بالنخل وقصب السكر وغيرهما من الفواكه ولأهلها رفاهة وخصب ومنها أبو علي الجبائي إمام المعتزلة ورئيس المتكلمين في عصره.
ومن جبى إلى مدينة سليمانان خمسة عشر ميلاً وهي مدينة على ضفة نهر الدجلة حسنة المطلع بهية النواحي مفيدة الزراعات والغلات وبها حوت كثير ولحوم وأرزاق ومنها مع الدجلة إلى مدينة بيان ثمانية عشر ميلاً.
ومن مدن خوزستان المتاخمة لأرض فارس مدينة اللور وهي مدينة حسنة صغيرة ولها إقليم بذاته خصيب والغالب عليه هواء الجبل وكان من خوزستان فصير إلى أعمال الجبل ولها بادية وإقليم ورستاق والغالب على سكانه الأكراد وبهم كثر خصبه وكثرت غلته ومن اللور إلى مدينة تستر مرحلتان.
ومن أكوار الخوزستان المجاورة لأرض فارس كورة سنبيل وهي كورة متاخمة لفارس وكانت أيضاً معدودة في أرض فارس فحولت إلى أرض خوزستان وهي عامرة وبها سوائم ونتاج.
ومن تلك الأكوار المجاورة لأرض فارس كورة الزها والجايزان وهما كورتان عامرتان متجاورتان كثيرتا الخير متاخمتان للسردن من أرض فارس وحد إصبهان وهواؤها هواء الصرود وهي باردة ويقع الثلج بها في إبان سقوطه والألبان بها والسمن كثير جداً وبها قوم يتخذون النحل للعسل وهو بها كثير موجود.
وآسك أيضاً قريه كبيرة عامرة ولا منبر بها ولها حدائق نخل كثيرة وزراعات وغلات جمة ومن قرية آسك إلى أرجان مرحلتان خفيفتان ومن آسك أيضاً إلى الدورق مرحلتان ومن قرية آسك تحمل الأدياس المنسوبه إلى آسك ويعمل منها الحصر بالعراق وهذا الديس مفضل على كل ديس ينبت في بلاد أرجان وغيرها وبهذه القرية كانت وقيعة الأزارقة المذكورة في الكتب وذلك أن الأزارقة كان عددهم أربعين رجلاً من الشواة امتنعوا في مكان منها فخرج إليهم من الجند ألفا رجل في بعثتين فقتلهم الأزارقة حتى أتوا على آخرهم.
وأما مناذر الكبرى ومناذر الصغرى فقريتان عامرتان لا منابر بهما وكورهما عامرة وأرزاقهما دارة ونواحيها متسعة ومياههما كثيرة وبهما من حدائق النخل كثير ومزارعهما كثيرة وافرة النفع.
وبقي أن نذكر الأرض وحدودها بعد هذا إن شاء الله تعالى وأرض خوزستان كما قدمنا وصفها حسنة البقع كثيرة الخيرات متصلة العمارات وأهلها يتكلمون بالفارسية والعربية ولسان آخر ليس بعربي ولا بسرياني يستعملونه بينهم وزيهم زي أهل العراق يلبسون القمص والطيالسة والعمائم وعوامهم يلبسون الأزر والمآزر وفي أنفسهم وأطباعهم الشر والتنافي بعضهم على بعض وفي ألوانهم تغيير بصفرة وسمرة وفواكههم كثيرة إلا الجوز فهو عندهم قليل وفيما ذكرناه بلاغ ونريد الآن أن نذكر من طرقها المشهورة المسلوكة ما لا بد من ذكره والعون بالله.

فالطريق من أرجان إلى قرية آسك مرحلتان ومن آسك إلى ديرا مرحلة وديرا قرية ثم منها إلى الدورق مرحلة ثم من الدورق إلى خان تنزله السابلة يعرف بالخان ثم إلى مدينة الباسيان مرحلة ومن الباسيان إلى حصن مهدي مرحلتان وبها منبر ويسلك منها في الماء وهو أيسر من البر ومن حصن مهدي إلى بيان مرحلة على الظهر وبيان على الدجلة فتركب منها إن شئت إلى الأبلة في الماء وإن شئت على الظهر إلى أن تحاذي الأبلة فتركب منها إلى العراق.
وطريق آخر على واسط إلى بغداد من أرجان إلى سوق سنبيل مرحلة ثم إلى رام هرمز مرحلتان ثم إلى عسكر مكرم مرحلتان ومن عسكر مكرم إلى تستر مرحلة ومن تستر إلى جندي سابور مرحلة ومن جندي سابور إلى السوس مرحلة ومن السوس إلى قرقوب مرحلة ومن قرقوب إلى مدينة الطيب مرحلة ثم إلى واسط مرحلتان وقد يكون طريق آخر من عسكر مكرم إلى مدينة واسط أقرب من هذا وهو على عبر يسير.
الطريق من ايذج إلى مدينة إصبهان من ايذج إلى جواردان اثنا عشر ميلاً ثم إلى رستاجرد اثنا عشر ميلاً ثم إلى سليدست وهي قرية ثمانية عشر ميلاً ثم إلى بوين خمسة عشر ميلاً ثم إلى قرية سوجر ثمانية عشر ميلاً ثم إلى الرباط ثمانية عشر ميلاً ثم إلى خان الأبرار أحد وعشرون ميلاً ثم إلى إصبهان ثمانية عشر ميلاً.
والطريق من سوق الأهواز إلى شيراز من سوق الأهواز إلى أزم ثمانية عشر ميلاً ثم إلى عبدين وهي قرية خمسة عشر ميلاً ثم إلى الزط ثمانية عشر ميلاً ثم إلى قنطرة على وادي الملح ثمانية عشر ميلاً ثم إلى أرجان ثمانية عشر ميلاً وهي من أرض فارس ومنها إلى اصفن خمسة عشر ميلاً وهي قرية ثم إلى الدرخويذ ثمانية عشر ميلاً ثم إلى مدينة النوبندجان أربعة وعشرون ميلاً ثم إلى قرية جويم خمسة عشر ميلاً ثم إلى شيراز خمسة عشر ميلاً وأيضاً فإن من مهروبان التي على ساحل بحر فارس إلى حصن ابن عمارة وهو طول فارس على البحر أربعمائة ميل وثمانون ميلاً ومن حصن ابن عمارة إلى سيراف مرحلتان ومن سيراف إلى نجيرم ستة وثلاثون ميلاً.
وفي هذا الجزء المرسوم من أرض فارس قطعة كبيرة فيها من بلاد فارس سينيز وجنابا ونجيرم وسيراف وحصن ابن عمارة وجهرم وجور وفسا ودارابجرد وسابور والزنجان وتارم ورستاق الرستاق والفستجان وخورستان وكازرون وكران وجرمق وإصطخر ورباط السرمقان وجور واقليد وميبذ ونايين وكثة والروذان وصاهك ويزد وعقدة وسردن وتوج والبيضاء ومايين وسوران وكثير من قلاعها مما سنأتي بأسمائه وسائر صفاته وأوصافه وهيآته بعد هذا بحول الله.
فنقول إن أرض فارس يحيط بها من ناحية الشرق المفازة الكبيرة المتصلة بأرض السند من أعلاها وتتصل بالري من أسفلها ويحيط بها من جهة المغرب بر فارس ومن جهة الجنوب أرض مكران ومن جهة الشمال أرض خوزستان وكور فارس خمس كور.
فمنها كور أرجان وهي أصغر كور فارس وقاعدتها سابور كما قلناه وبهذه الكورة مدينة منذ والنوبندجان وكازرون ولكن هذه كورة تنسب إلى سابور وهو الذي ابتنى المدينة المسماة بسابور وإليها تنسب الثياب السابورية ومنها سينيز واسلجان والملجان وفرزك وباش.
ومنها كورة دارابجرد ومدينتها دارابجرد وفسا وهي أكبر وأعم غير أن الكورة منسوبة إلى دارا الملك وطمستان وكردبان ونيريز والفستجان والابجرد والانديان وجويم وماذوان وخسوا وفرج وتارم.
وإصطخر أكبر بلادها ومن كور إصطخر مدينتها البيضاء ونهران وابرج ومايين والبرانجان والميادوان والكاسكان وكرم والهزار وناحية الروذان والأذركان وابرقويه.
ومن الكور أيضاً بفارس كورة سابور وهي كورة حسنة ومدنها كثيرة فمنها النوبندجان وبندرمان ودشت بارين والهنديجان وجنجان وتنبوك والدرخويذ وملتون ودربختجان والخوبذان والكيمارج وماهان والراميجان والديبنجان والشاهجان والشادروذ ومور وخمايجان العليا وخمايجان السفلى.
ومن كور فارس أيضاً كورة أردشير خرة ومن مدنها شيراز وجور ونابند وميمند والصيمكان والبرجان والكربنجان والخواروستان وكوار وسيراف ونجيرم وسينيز وجه وكير وكبرين وكران وكام فيروز والرويجان.

وقاعدة فارس مدينة شيراز وهي دار مملكة فارس وينزلها الولاة والعمال وبها الديوان والمجبى وهي مدينة إسلامية بناها محمد بن القاسم بن أبى عقيل ابن عم الحجاج وتفسير شيراز جوف الأسد وإنما سميت بذلك لأنها مدينة يجلب إليها المير من سائر البلاد ولا يخرج منها ميرة البتة ولما وصل عسكر الإسلام إلى فارس عرس المعسكر بمكانها وأقام به إلى أن استفتحت إصطخر وجميع كردها فتبرك المسلمون بفلك فبنوا شيراز هناك في موضع المعسكر وهي مدينة جليلة المقدار حسنة النواحي والأقطار طولها نحو من ثلاثة أميال في مثلها وهي متصلة البناء لا سور لها شبيهة بمصر وبها أسواق وعمارة وهي قرارة الجيوش وأولي الحرب والدواوين والجبايات وشرب أهلها من الآبار.
ومدينة إصطخر مدينة جليلة كبيرة جميلة كثيرة الأسواق والمتاجر وبناؤها بالطين والحجارة والجص ومدينة إصطخر أقدم مدن فارس وأشهرها اسماً وكانت مداراً لملكها وملوكها إلى أن ولي أردشير الملك فنقل ملكه إلى جور وجعلها داراً لملكه ويروى في الأخبار أن سليمان بن داؤود كان يسير من طبرية إليها من غدوة إلى عشية وبها مسجد يعرف بمسجد سليمان وإصطخر على نهر فرواب ولها قنطرة تسمى بقنطرة خراسان وهي قنطرة حسنة وخارج القنطرة أبنية ومساكن بنيت في عهد الإسلام ومن إصطخر إلى شيراز ستة وثلاثون ميلاً وهواء إصطخر هواء فاسد وخيم وبإصطخر تفاح عجيب تكون التفاحة منه نصفها حلو صادق الحلاوة ونصفها حامض صادق الحموضة ومن شيراز إلى جور ستون ميلاً.
ومدينة جور بناها أردشير وكان مكانها فيما يحكى منقع مياه تجتمع به فاحتال لخروج ذلك الماء وبنى مدينة جور بها وهي مدينة جليلة لها سور من طين وخلفه خندق ولها أربعة أبواب ومقدارها نحو إصطخر وسابور ودارابجرد كثيرة البساتين والجنات رحيبة الأبنية والجهات غدقة الفواكه والثمرات نزيهة جداً فرجة من جميع جهاتها الأربع يسير السائر بها بين قصور عالية ومتنزهات سامية كاملة الحسن طيبة الهواء وكان في وسطها فيما سلف من الزمان بنيان يسمى الطربال بناه أردشير الملك وجعل له من العلو مقدار ما إذا صعد الإنسان إلى أعلاه أشرف على جميع المدينة ورساتيقها وكان له في أعلى هذا البناء بيت نار فهدمت الإسلامية أكثره ولم يبق منه الآن إلا رسم داثر ويعمل بمدينة جور ماء الورد الكثير الخالص البالغ في الطيب والصفاء وعبق الرائحة وقلة التغيير في المدة الكثيرة وإليها ينسب ماء الورد الجوري.
ومن مدينة شيراز إلى مدينة دارابجرد مائة وخمسون ميلاً ودارابجرد ابتناها دارا الملك ونسبها إلى نفسه وتفسير بجرد بالعربية عمل وهي لفظة فارسية فكأنه قال عمل دارا وهي مدينة كبيرة عامرة آهلة فرجة وبها تجار وأسواق وبيع وشراء وهي مقصد ومجمع للتجار المتصرفين في ديار فارس وعليها سور حصين كسور جور ويدور بسورها خندق تجتمع إليه فضول المياه التي يبقى بها النخل ومسالات مياه عيون جمة وفي هذا الماء حشائش وغدران تمنع من خوضه وبه سمك كثير لا شوك فيه ولا عظم ولا له فقار ولا على جسمه فلوس وهو من ألذ السمك طعماً ويصرف فيما يصرف فيه اللحم ولهذه المدينة أربعة أبواب وفي وسطها جبل عال كالقبة ليس يتصل بشيء من الجبال وبنيان أهلها بالحجارة والطين والجص ومن مدينة دارابجرد إلى مدينة فسا أربعة وخمسون ميلاً.

ومدينة فسا مدينة مفترشة البناء واسعة الشوارع وأبنيتها أفسح وأشمخ من أبنية شيراز وبنيانهم بالطين وخشبها كثير والغالب عليه خشب الصنوبر والسرو وهي عامرة بالناس والجلة والتجار المياسير وهي تقارب شيراز في كبر مقدارها وكثره عمارتها وهواؤها أصح من هواء شيراز وعليها حصن حصين وأبواب خشب محددة وحولها في الدائر خندق واسع عميق ولها ربض كبير وأكثر أسواقها في ربضها ذلك وبها من غلات الرطب والبلح والجوز والأترج والسفرجل والقصب الحلو ما يقوت ويكفي ويشف على الحاجة إليه ومن مدينة فسا إلى مدينة شيراز ستون ميلاً ولدارابجرد من الرساتيق رستاق كرم ورستاق جهرم ورستاق نيريز ورستاق الفستجان ورستاق الابجرد ورستاق الانديان ورستاق جويم ورستاق فرج ورستاق تارم ورستاق طمستان وهذه الرساتيق بها مدن وقرى كالمدن عامرة آهلة وبها أسواق وتجارات وبقرية من قرى دارابجرد الموميا الذي يحمل إلى الآفاق وهي ملك للسلطان ولا نظير لها وهي في غار في جبل وقد وكل بها حفظة والغار مسدود الباب مطبوع على غلقه بعلامات كثيرة ويفتح في كل سنة مرة فيوجد قد اجتمع في قعره حجر على قدر الرمانة فيطبع عليه بمحضر من ثقات السلطان ويحمل إلى شيراز ويباع هناك وهو الصحيح وما سواه من الموميا فليس بشيء.
ومن فسا إلى كازرون ستة وخمسون ميلاً وهي مدينة حسنة لها سور وحصن وأبواب خشب وحديد ولها قلعة داخلها حصينة ولها ربض عامر فيه أسواق ومتاجر وصناعات وبها فواكه عامة وخير كثير ومن كازرون إلى جور ثمانية وأربعون ميلاً.
والجنجان تتاخم كازرون وهي مدينة عامرة آهلة من كورة سابور وعليها سور منيع وبها تجارات وبيع وشراء.
والراميجان ميدينة حسنة من كور سابور ولها سور تراب حصين ولها رستاق خصيب ويسمى بها وينسب إليها.
والخوبذان أيضاً مدينة صغيرة عامرة بالناس كثيرة الخلق ولها سوق وتجار وصناعات وبيوع وأشرية ولها رستاق كبير وجانب متسع وينضاف إليها عمل المورستان وبها منبر وبشر كثير وفواكه ونعم دارة.
ومن كورة سابور مدينة جرة وهي عامرة عليها سور من طين حصين ولها رستاق آهل كثير العمارة وأفضيتها واسعة والدرخويذ وتنبوك رستاقان متقاربان في الكبر عامران ولهما مزارع ومناخ وغلات وكذلك رستاق الكيمارج حسن الموضع واسع الجهات ممتد مستغل لكل فائدة وأما الرامجان والشاهجان وابنوران والشادروذ وخمايجان العليا والسفلى وتيرمردان فهذه كلها رساتيق وحصون وقرى كالمدن متقاربة الأقدار واسعة الأقطار خيراتها عامة وأموالها وافرة وخلقها كثير وجملتها من كورة سابور المتقدم ذكرها.
ويتصل بما ذكرناه من جهة الجنوب مع الغرب من هذا الجزء المرسوم مدن وقلاع ورساتيق من كورة أردشير مثل جور وقد تقدم ذكرها ولها رستاق جليل عامر ونابند ورستاقها ممتد متسع الأرجاء وكذلك الصيمكان وهو حصن منيع وله عمارات ورستاقه منسوب إليه وخورستان مدينة حسنة عامرة بسوق وحصن منيع ولها رستاق كبير عامر له غلات مفيدة وكذلك الفوشجان مدينة صغيرة وأهلها بشر كثير وبها صناعات وتجارات ولها رستاق يسمى باسمها ومن كورة أردشير مدينة كران وهي مدينة صغيرة حصينة ولها رستاق معروف باسمها وبها طين أخضر كالسلق يؤكل لا نظير له.
ومن مدنها مدينة سيراف وهي على ساحل البحر الفارسي وهي مدينة كبيرة وبها تجار مياسير وأهلها مولعون بكسب المال واستجلابه على أي وجه أمكن وهم أكثر عباد الله تغرباً وتجولاً في الآفاق حتى إن الرجل منهم يتجول العام والعشرين ولا يرجع إلى أهله ولا يكترث بمن خلفه وسيراف فرضة فارس ومبانيها بالساج وأبنيتهم طبقات مشتبكة البناء كثيرة الأهل ولأهلها همم في نفقات الأبنية وضروب التحسين والتحصين وفواكههم ومياهم تصل إليهم من جبل مشرف عليهم يسمى جم وهذا الجبل مطل على البحر وليس به زرع ولا ضرع وهي شديدة الحر جداً ولها منبران أحدهما نجيرم وهي مدينة على البحر وكذلك مدينة الغندجان ورستاقها يسمى دشت بارين وفيه حصن به منبر وسوق.
ومدينة صفارة صغيرة على البحر وبها سكان وهم مياسير ولهم رستاق معمور يسمى الرستقان.

ومن كورة أردشير توج وهو حصن عامر بأهله منيع وكذلك الجرمق أيضاً قصبة حسنة حصينة عامرة آهلة وكذلك كير قصبة معمورة كبيرة ولها رستاق حسن جليل مفيد ومنها أبزر وهو قصبة جامعة وملجأ وبها أسواق وكذلك سميران مدينة صغيرة لها رستاق جليل متسع العمارات كثير العامر وأيضاً مدينة كوار متوسطة عليها سور تراب وفيها أسواق وتجار مياسير وهي مقصد لأنواع تجارات ولها رستاق كبير فيه عمارات وخير وافر ومستغلات جمة والرستاق بلسان الفرس معناه الإقليم أي عمل بجهة.
وفي البحر جزيرة ابن كاوان وفيها مدينة وجامع آهل ومي من كورة أردشير وبقربها جزيرة أوال وبها أيضاً مدينة ولها جامع وفيها أسواق صالحة وكلا هاتين الجزيرتين على مقربة من البر ويتصل بهذه الأكوار كورة أرجان المتقدم ذكرها وفيها مدن كثيرة كبار وصغار يجب ذكرها هاهنا وسنأتي بمسافاتها في الطرقات المتصلة بالبلاد.
فأما أرجان فإنها حد بين فارس وخوزستان وهي مدينة حسنة في غاية الطيب ولها رساتيق وخصب ونخيل وكروم وفواكه عامة مثل الجوز والأترج والخوخ والزيتون الكثير والزيت وماؤها غير طيب ولا شروب وعلى باب أرجان مما يلي خوزستان على نهر طاب قنطرة تنسب إلى الديلمي طبيب الحجاج بن يوسف وهي طاق واحد سعة ما بين عموديها على وجه الأرض ثمانون خطوة وارتفاعها ما يحمل ذلك.
ومدينة سابور مدينة بناها سابور الملك وهي تباهي إصطخر في هيآتها وأبنيتها لكن مدينة سابور أكثر بشراً وعمارة وأهلاً وأوفر حالاً وبها جامع ومنبر.
وأما مدينة ريشهر فإنها صغيرة لكنا عامرة ولها جامع ورستاق كبير منسوب إليها وبه عمارات وقرى ومزارع وكذلك.
وايج حصن جامع ومعقل مانع وبه منبر وله عمالة وقرى.
وجنابة مدينة كبيرة عامرة آهلة ذات أسواق عامرة و طرز يصنع بها ثياب الكتان الفاخرة على ضروب وبها أنواع من التجارات ولها رستاق وعمالة.
ومنها مدينه سينيز وهي بقرب البحر وبها منبر وينسب إليها الكتان السينيزي المجمع عليه بالقول العام أنه ليس بجميع أقطار الأرض كتان يعدله ولا يقاومه قوة وليناً ومن شأنه أنه لا يتعلق بالثياب كفعل الكتان في ذاته وحاله في التعليق بالثياب الملامسة له ومن رساتيقها العامرة اسلجان وبها منبر ومنها الملجات وفرزك وباش كلها حصون ومواطن معمورة تتقارب في أقدارها وتتشابه في عماراتها وفي كل واحدة منها منبر وجمالات ومن أرض فارس بلاد كثيرة بقي علينا ذكرها وسنأتي بها في الجزء الآتي إثر هذا الجزء بحول الله.
وفي هذا الجزء الذي نحن في ذكره قطعة من أرض كرمان وفيها من بلادها سوروا وهرمز وجبال القفص نأتي بذكرها بعد ذكرنا لطرقات بلاد فارس ومشهورها إلى ما يليها من قواعد الأمصار المصاقبة لها إن شاء الله.
فمن ذلك صفة الطريق من شيراز إلى سيراف ومن شيراز إلى قرية كفرة خمسة عشر ميلاً ومن كفرة إلى قرية نخذ خمسة عشر ميلاً ومن نخذ إلى مدينة كوار ستة أميال ومدينة كوار تقسم ما بين نخذ والبيمجان لأن من نخذ إلى قرية البيمجان اثني عشر ميلاً ومن البيمجان إلى مدينة جور السابق ذكرها ثمانية عشر ميلاً ومن جور إلى رستاق دشت شوراب خمسة عشر ميلاً ومنها إلى خان آزاذمرد وهي قرية في صحراء قدر تسعة أميال وهذه الصحراء كلها تنبت نرجساً مضاعفاً ومن حار إلى خان آزاذمرد وهي قرية ثمانية عشر ميلاً ومن خان آزاذمرد إلى قرية كيرند ثمانية عشر ميلاً ومن كيرند إلى قرية مي ثمانية عشر ميلاً ومن مي إلى رأس العقبة وهناك منزل يسمى اذركان ثمانية عشر ميلاً ومن اذركان إلى خان بركانة اثنا عشر ميلاً ومن بركانة إلى مدينة سيراف نحو أحد وعشرين ميلاً يكون الجميع مائة وثمانين ميلاً.
والطريق من شيراز إلى جنابة على البحر من شيراز إلى خان الأسد وهو على نهر السكان ثمانية عشر ميلاً ومن خان الأسد إلى خان دشت أرزن اثنا عشر ميلاً ومن دشت أرزن إلى قرية تيرة اثنا عشر ميلاً ومن تيرة إلى مدينة كازرون السابق ذكرها ثمانية عشر ميلاً ومن كازرون إلى قرية دريز اثنا عشر ميلاً ومنها إلى مدينة توج أربعة وعشرون ميلاً ومن توج إلى جنابة ستة وثلاثون ميلاً فذلك مائة واثنان وثلاثون ميلاً.

والطريق من شيراز إلى إصبهان من شيراز إلى مدينة الهزار اثنا عشر ميلاً ومنها إلى مايين مدينة أحد وعشرون ميلاً ومن مايين إلى مدينة كسنا ثمانية عشر ميلاً ومنها إلى كنار وهي قرية اثنا عشر ميلاً ومن كنار إلى قرية قصر ابن أعين أحد وعشرون ميلاً ومنها إلى قرية إصطخران أحد وعشرون ميلاً ومنها إلى خان روشن وهي قرية عامرة أحد وعشرون ميلاً ومنها إلى قرية كرد أحد وعشرون ميلاً ومنها إلى قرية دزة أربعة وعشرون ميلاً ومن دزة إلى خان لنجان أحد وعشرون ميلاً ومنه إلى إصبهان أحد وعشرون ميلاً فذلك من شيراز إلى خان روشن اثنان وسبعون ميلاً ومن خان روشن إلى إصبهان ثلاثة وتسعون ميلاً الجملة من ذلك مائتان وخمسة وعشرون ميلاً.
والطريق من شيراز إلى خوزستان من شيراز إلى جويم وهي مدينة حسنة نبيلة متقنة خمسة عشر ميلاً ومن جويم إلى خلار اثنا عشر ميلاً وخلار قرية كبيرة ومنها إلى قرية الخرارة خمسة عشر ميلاً وهي قرية عامرة قليلة الماء ومن الخرارة إلى قرية الكركان خمسة عشر ميلاً ومن الكركان إلى النوبندجان وهي مدينة كبيرة عامرة ذات أسواق وتجارات وقد ذكرناها فيما سلف ثمانية عشر ميلاً ومنها إلى قرية الخوبذان اثنا عشر ميلاً ومنها إلى قرية زايدق اثنا عشر ميلاً ومنها إلى خان حماد وهي قرية عامرة اثنا عشر ميلاً ومنها إلى راسين اثنان وعشرون ميلاً ومنها إلى أرجان أحد وعشرون ميلاً ومنها إلى بيذك وهي قرية تسعة أميال ومنها إلى قرية العقارب وتعرف بهبر اثنا عشر ميلاً ومن أرجان أيضاً إلى سوق سنبيل ثمانية عشر ميلاً والحد قنطرة ثكان من أرجان على غلوة سهم فالجملة من ذلك من شيراز إلى أرجان مائة وثلاثون ميلاً.
والطريق من شيراز إلى يزد ويزد في جهة الشرق وهي على جانب المفازة في طريق خراسان ونحن نذكر هذا الطريق مجرداً على حاله وسنذكر البلاد التي تأتي هناك على استقصاء في موضعها إن شاء الله فمن ذلك تخرج من شيراز إلى الزرقات ثمانية عشر ميلاً والزرقان منازل على واد عذب إلى مدينة إصطخر ثمانية عشر ميلاً ومن إصطخر إلى قرية تير اثنا عشر ميلاً ومن تير إلى قرية كمهنك أربعة وعشرون ميلاً ومن كمهنك إلى قرية بيذ أربعة وعشرون ميلاً ومن بيذ إلى مدينة ابرقريه ستة وثلاثون ميلاً ومن ابرقويه إلى قرية الأسد تسعة وثلاثون ميلاً ومن قرية الأسد وهي قرية ذات حصن منيع إلى قرية الجوز ستة فراسخ ومن قرية الجوز إلى قلعة المجوس ثمانية عشر ميلاً ومن قلعة المجوس إلى مدينة كثه من حومة يزد خمسة عشر ميلاً ومن كثه إلى يزد ثلاثون ميلاً وسنذكر هذه البلاد بعد هذا في الجزء الآتي بعون الله.
والطريق من شيراز إلى السيرجان والسيرجان مدينة كرمان من شيراز إلى إصطخر ستة وثلاثون ميلاً ومن إصطخر إلى زياداباذ وهي قرية من رستاق خفرز أربعة وعشرون ميلاً ومن زياداباذ إلى كلودر أربعة عشر ميلاً ومن كلودر إلى جوبانان وهي قرية عامرة على بحيرة ثمانية عشر ميلاً ومن الجوبانان إلى قرية عبد الرحمن ستة فراسخ وهي مدينة تسمى اباذة وسنذكرها ومنها إلى مدينة البوذنجان ثمانية عشر ميلاً ومنها إلى صاهك وهي مدينة عامرة أربعة وعشرون ميلاً ومن صاهك إلى رباط السرمقان مفازة أربعة وعشرون ميلاً ومنه إلى رباط بشت خم سبعة وعشرون ميلاً ومنها إلى السيرجان سبعة وعشرون ميلاً ورباط السرمقان المتقدم ذكره من حد فارس وما بعده من حد كرمات فجميع ذلك من حد السرمقان إلى شيراز مائة وثمانون ميلاً ومنه إلى مدينة السيرجان أربعة وعشرون ميلاً.

والطريق من شيراز إلى تارم من جروم كرمان من شيراز إلى خان ميم أحد وعثسرون ميلاً وخان ميم قرية من رستاق الكهركان ومنه إلى مدينة خورستان أحد وعشرون ميلاً ومن خورستان إلى منزل يعرف بالرباط اثنا عشر ميلاً ومنه إلى قرية كرم اثنا عشر ميلاً ومن كرم إلى مدينة فسا المتقدم ذكرها خمسة عشر ميلاً ومن فسا إلى طمستان وهي مدينة اثنا عشر ميلاً ومن طمستان إلى ناحية الفستجان وهي مدينة ثمانية عشر ميلاً ومنها إلى الدراكان اثنا عشر ميلاً ومنها إلى مدينة مريزجان اثنا عشر ميلاً وهي مدينة عامرة كثيرة التجارات عامرة الأسواق حسنة المباني ومنها إلى سنان اثنا عشر ميلاً وهي مدينة عامرة ومنها إلى دارابجرد ثلاثة أميال ومنها إلى رم المهدي وهي مدينة حسنة بهية المنظر ذات حصن حصين خمسة عشر ميلاً ومنها إلى رستاق الرستاق خمسة عشر ميلاً ومنها إلى فرج وهي مدينة جليلة كاملة أربعة وعشرون ميلاً ومنها إلى تارم وهي مدينة اثنان وأربعون ميلاً فالجميع من شيراز إلى تارم مائتان وستة وأربعون ميلاً.
وبقي أن نذكر شيئاً من مسافات بلاد فارس ومن شيراز إلى كوار ثلاثون ميلاً وهي قرية حسنة عامرة وبها معدن طين أخضر كالسيف كالسلق أشد خضرة منه وهو شهي للأكل ولا يعدله شيء في ذلك ومن شيراز إلى البيضاء أربعة وعشرون ميلاً ومن شيراز إلى توج ستة وتسعون ميلاً ومن شيراز إلى خرمة اثنان وأربعون ميلاً ومن سيراف إلى نجيرم ستة وثلاثون ميلاً ومن روذان إلى أنار أربعة وخمسون ميلاً ومن أنار إلى الكهرج خمسة وسبعون ميلاً ومن الفهرج إلى مدينة كثة ستة وثلاثون ميلاً ومن كثة إلى ميبذ عشرة فراسخ ومن ميبذ إلى عقدة ثلاثون ميلاً ومن عقدة إلى نايين خمسة وسبعون ميلاً.
ولأرض فارس أربعة رموم وتفسير الرموم محال الأكراد ولكل رم منها قرى ومدن مجتمعة وفيها رئيس من الأكراد التزم درك النوائب الكائنة في ناحيته وحفظ الطرق حتى لا يصيب أحداً في أرضه مكروه.
فمنها رم الحسن بن جيلويه ويسمى الرميجان وهو مما يلي إصبهان ويأخذ طرقاً من كورة سابور وطرقا من كورة أرجان فحد منه ينتهي إلى البيضاء وحد منه ينتهي إلى إصبهان وكل ما وقع فيه من المدن والقرى فإنه من عمل إصبهان ويتاخمهم من عمل إصبهان المازنجان الذين هم من بر شهريار وبعده عن شيراز على اثنين وسبعين ميلاً.
والرم الثاني منها هو رم الديوان المعروف برم الحسين بن صالح ويسمى السوران وهو من كور سابور وحد منه يلي أردشير خرة والثلاثة حدود الباقية منه تنعطف بها كورة سابور وكل ما كان من المدن والقرى في أصقابه فهو منها وأقرب حده إلى شيراز على أحد وعشرين ميلاً.
والرم الثالث منها هو رم اللوالجان لأحمد بن الليث وهو من كورة أردشير خرة فحد منه يلي البحر ويلي ثلاثة حدوده أردشير وما وقع في أصقابه من المدن والقرى فهو منها وهو من شيراز على ثمانية وأربعين ميلاً وأما رم الكاريان فإن حداً منه إلى سيف بني الصفار وحد منه إلى المازنجان وحد منه إلى حدود كرمان وحد منه إلى حدود أردشير فحدودها كلها مجتمعة في أردشير خرة.
ويزيد هؤلاء الأكراد الذين هم في هذه الرموم على خمسمائة بيت ويخرج من الحي الواحد ألف فارس وأقل من ذلك وأكثرهم ينتجعون في الشتاء والصيف إلى المراعي وكل واحد من أهل هذه الرموم لا يتحول عنها ولا ينتقل منها بل ينتقل جميعهم فيما لهم من النواحي المختصة بهم لا يدخلون أرض غيرهم وحكى ابن دريد أنهم من العرب من ولد كرد بن مرد بن عمرو بن عامر وللأكراد في بلاد فارس أغنام ورماك وإبل وليس لهم خيل عتاق بل أكثرها هجن وفيها بحومة المازنجان خيل عتاق ولها عندهم أثمان غالية لحسن خلقها وكريم خلقها.
وبأرض فارس قلاع منيعة وحصون حصينة في جبال شاهقة الذرى لا يقدر أحد من الملوك على فتح شيء منها عنوة البتة فمنها قلعة داكباياه وهي جبال ثلاثة كالأثافي القائمة على رأس كل شعبة منها حصن لا يقدر أحد أن يرقى إليه بنفسه إلا أن يرقى به في شيء من البحر وهي مراصد لآل عمارة على البحر تقصد إليها المراكب لأنها ترى من بعد في البحر يستدل بها على فرضات فارس ويذكر أنها من بنيان الجلندى بن كنعان.
ومنها قلعة الكاريان وهي على جبل طين وليس لأحد ارتقاء إليها إلا على طريق مثل مدرج النمل حرج.

ومنها قلعة اسفندياذ من كورة إصطخر في أعلى جبل شاهق والارتقاء إليها في طريق صعب ثلاثة أميال ولا يقدر أحد على من تحصن فيها وامتنع بنفسه ومياهها من الأمطار وإنما تؤخذ بالقعود عليها ومنع الميرة عنها.
ومنها قلعة اشكنوان وهي من رستاق مايين في نهاية من العلو وامتناع من الصعود إليها وفيها عين ماء جارية.
ومنها قلعة جوذرز ومكانها بموضع يعرف بالسويقة من كام فيروز وهي قلعة لا يبصرها الناظر إليها إلا عن جهد وطريقها صعب وقلعة الجص بناحية أرجان وسكانها قوم مجوس وتسمى قلعة بندارس وهي قلعة منيعة جداً لا يستطاع التغلب عليها لامتناع الارتقاء إليها وفيها عين ماء جارية وقلعة ابرج مثلها في المنعة وصعوبة الارتقاء وبها عين ماء جارية.
وفي بلاد فارس أنهار كثيرة كبار وأودية صغار تمد الأنهار ونريد الآن أن نذكر أكثرها حسب ما تبلغه الطاقة وتمكنه القوة والحمد والقوة لله وجميع أنهار فارس تخرج من الجبال المتاخمة لأرض إصبهان وتصب في البحر الفارسي ومياهها كلها عذبة طيبة.
فمنها نهر مسن وهذا النهر الخارج من نواحي إصبهان إلى نواحي السردن يجتمع بنهر طاب عند قرية تسمى مسن ولا يزال فاضلها عن حاجتهم جارياً إلى باب أرجان تحت قنطرة ثكان ويمر قنطرة بين فارس وخوزستان قليلة النظير وهي تضاهي قنطرة قرطبة الأندلس وهي من عجائب البناء وغريبة ويمر هذا النهر حتى يأتي رستاق ريشهر ثم يقع في البحر عند سينيز.
ومن أنهار فارس نهر شيرين ومخرجه من جبل دينان الذي من ناحية بازرنج فيسقي رستاق فرزك والجلادجان ثم يمر فيخترق رستاق ثم يمر فيصب في البحر نحو جنابه.
وأما نهر الشاذكان فإنه يخرج من بازرنج وجبالها حتى يدخل تنبوك وهو رستاق ثم يمر بخان حماد ويسقي رستاق زيداياذ ونابند والكهركان ثم يمتد إلى دشت الرستقان ثم يدخل البحر.
وأما نهر درخيذ فإنه يخرج من الجويخان فيقع في بحيرة درخيذ ونهر الخوبذان فيخرج بالخوبذان فيسقي نواحيها ثم يمر بأبنوران ثم يصب إلى الجلادجان متفرقاً ويتساقط في البحر.
ونهر رس يخرج من الخمايجان العليا حتى يصير بالزيزيان فيسقط في نهر سابور فيمضي إلى توج فيمضي ماراً ببابها ومنها إلى البحر.
ومنها نهر اخشين يخرج من خلاق داذين فإذا بلغ الجنقان وقع نهر توج.
ونهر سكان يخرج من رستاق الرويجان من قرية تدعى شاذفزى فيسقي زرعها ثم ينحدر إلى رستاق سياه فيسقيه ومنها إلى كوار فيسقيها ثم يمر إلى قرية سك وهذا النهر منسوب إلى سك ثم يقع في البحر وليس في أنهار فارس نهر أكثر عمارةً وانتفاعاً من هذا النهر لأن ماءه يخرج عنه فيسقي الرساتيق والعمارات.
وأما نهر جرشيق فإنه يخرج من رستاق ماصرم ونجيرم فيمر برستاق المشجان حتى يخرج تحت قنطرة عادية تعرف بقنطرة سيول حتى يدخل رستاق جرة فيسقيه ثم إلى رستاق داذين ويقع في نهر اخشين.
فأما نهر كر فإنه يخرج من كروان من حد الارد وينسب إلى الكروان وهو من شعب بوان المذكور المشهور ويسقط كام فيروز وينحدر فيسقي قرية رامجرد وكاسكان والطسوج فينتهي إلى بحيرة البختكان.
وأما نهر فرواب فإنه يخرج من الجوبرقان ويعرف بفرواب فيخرج على باب إصطخر تحت قنطرة خراسان حتى يسقط في ناحية الكر.
ونهر برزة يخرج من ناحية دارجان سياه فيسقي رستاق الخنيفغان وجور حتى يخترق رستاق أردشير خره ثم يقع في البحر.
وبأرض فارس من الأودية الصغار كثير أضربنا الآن عن ذكرها خوفاً من السآمة والملل وبالله التوفيق.
وبأرض فارس بحيرات كثيرة عليها عمارات وقرى مسكونة ومزارع ومستغلات فنذكر منها أكبرها قطراً وأكثرها عمارةً وخيراً فمنها بحيرة البختكان التي يقع فيها نهر كر وهي بناحية خفرز وتتصل إلى قرب صاهك كرمان وطولها يكون نحو ستين ميلاً وعرضها في أماكن ستة أميال وأكثر من ذلك وهي ملحة الماء وتعقد أطرافها في حمائم الصيف ملحاً كثيراً يتصرف به وحواليها رساتيق وقرى وعمارات متصلة ويتصل طرفها بكورة إصطخر.

ومن البحيرات الفارسية بحيرة بدشت أرزن من كورة سابور وطولها نحو ثلاثين ميلاً وماؤها عذب ويجف أكثرها في سمائم الصيف وحميم القيظ حتى لا يبقى منها إلا الشيء اليسير وربما امتلأت فكان عمقها نحو من قيم وأقل وأكثر وفي زوارق كثيرة يصاد فيها السمك العجب الكثير العدد الكبير القدر وعامة سموكها تحمل إلى شيراز وتشف كثرتها على ما يحتاج إليه.
وبحيرة مور من كورة سابور بموضع يعرف بكازرون وطولها نحو ثلاثين ميلاً وتتصل إلى قرب مورق وماؤها ملح وفيها زوارق وعامة الساكنين بها يتصيدون السمك ويسيرون به إلى تلك الأقطار المدانية المجاورة لها.
وأما بحيرة الجنكان فماؤها ملح وطولها ستة وثلاثون ميلاً ويرتفع منها ملح كثير وبها مصايد للسمك ومعايش وحولها قرى الكهرجان وهي من أردشير خرة وأولها من شيراز على ستة أميال وآخرها حد الخوزستان.
وبحيرة الباسفرية التي عليها دير الباسفرية طولها نحو من أربعة وعشرين ميلاً وماؤها ملح وسمكها كثير ومع أطرافها آجام كثيرة فيها قصب وبردي وحلفاء وغير ذلك مما ينتفع به أهل تلك النواحي وهي من إصطخر متاخمة للمزرقان من رستاق هزار وبها من البرك والمناقع كثير ولا حاجة بنا إلى ذكرها.
وبجميع أرض فارس وفي كل مكان منها بيوت نيران وهي كثيرة يفضلون بعضها على بعض فمنها بيت الكاريان وهو بيت معظم لناره موقده منذ ألف سنة ونيف ومنها بيت نار بجرة وهي منسوبة إلى دارا بن دارا وهو بيت معظم عند الفرس وبه يقسمون وهي أعظم أيمانهم التي يحلفون بها وبحقها ومنها بيت بارين وموضعها عند بركة جور ومنها بيت نار عند باب سابور وتعرف بسيوخشين ومنها بيت نار آخر على باب سابور أيضاً ومحاذياً لباب ساسان ويسمى بجنبذ كاوسن ومنها بيت نار بكازرون أيضاً وهو معظم عندهم ومنها بيت شيراز وهو كبير عند أهله معظم يقسمون به ومنها بيت نار يسمى بهرمزد وعلى مقربة من شيراز بالقرية المعروفة بالسوكان وهو على شرف عال وأهل شيراز يرونه من قطرهم وقرية السوكان في شمال شيراز وعن يسار طريق يزد الآخذ إلى خراسان وبينها وبين شيراز نحو ميل وكان بأرض فارس بيوت نيران كثيرة تعطلت برجوع أكثر الفرس إلى دين الإسلام وبقي أكثر أماكنها إلى الآن بلاقع.
وأرض فارس مربعة الطول والعرض وطولها أربعمائة وخمسون ميلاً في أربعمائة وخمسين ميلاً وأرض فارس مستوية على خط من لدن أرجان إلى النوبنجان إلى كازرون إلى جرة ثم تمتد على الرموم ودارابجرد إلى فرج وتارم فما كان مما يلي الجنوب فجروم وما كان مما يلي الشمال فصرود.
ويقع في جرومها أرجان والنوبنجان ومهروبان وسينيز وجنابة وتوج ودشت الرستقان وجرة وداذين ومور وكازرون ودشت بارين وجينزير ودشت البوشقان ورم اللوالجان وكير وكبرين وابزر وسميران وخمايجان وكران وسيراف ونجيرم وحصن ابن عمارة وما في أضعاف ذلك.
ويقع في الصرود إصطخر والبيضاء ومايين وابرج وكام فيروز وكرد وخلار وسروستان والاوسبنجان والارد والرون وصرام وبازرنج والسردن والخرمة والنيريز والماشكانات والايج والاصطهبانات وبرم ورهنان وبوان وطرخيشان والجوبرقان واقليد والسرمق وابرقويه ويزد وجارين ونايين وما في أضعاف ذلك من البلاد وهواء بلاد الصرود صحيح معتدل وهواء الجروم وخيم فاسد وفيما ذكرناه من أخبار فارس كفاية لذوي التفهم والدراية.
وبهذا الجزء من بلاد كرمان مدينة هرمز والمنوجان وقرية سوروا على البحر وجبال البلوص وسنذكر أرض كرمان بذاتها وجميع بلادها على التقصي عند ذكرنا ما في الصورة التي تأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى.
نجز الجزء السادس من الإقليم الثالث والحمد لله ويتلوه الجزء السابع منه إن شاء الله.
الجزء السابع
إن الذي تضمن هذا الجزء السابع من الإقليم الثالث في حصة من البلاد المعمورة كورة إصطخر ومدها مثل كثة وميبذ ونايين والفهرج والروذان على أنها كانت فيما يذكر من أعمال كرمان فقلبت في دواوين فارس وامتداد هذه الناحية نحو مائة وثمانين ميلاً ومن مدنها ابرقويه واقليد والسرمق والجوبرقان ومشكان والارجمان وبرم ومدينة عبد الرحمن وميرزنجان وصاهك الكبرى وهراة والأذركان والخيرة وابرج وخرمة والسرداب وكمين وبجة وكرد واللورجان.

وفي هذا الجزء أيضاً يتصل بجنوب هذه البلاد بلاد كرمان وفيها من المدن المنوجان ورويست وولاشجرد و الخبروقان والروذان ورستاق الرستاق والسيرجان وبردسير وزرند وماهان وخبيص وخناب وجيرفت وهرمز وسوروا وقفيز والريقان وبم والفهرج ونرماشير وسبيج وكل هذه مدن كرمان.
ويتصل بكلتا الناحيتين من أرض فارس وأرض كرمان في جهة الشرق المفازة العظيمة التي ليس في معمور الأرض مثلها وفيها جمل قرى وبضفاتها مدن سنأتي بذكرها في موضعها ويتصل بهذه المفارة أكثر أرض سجستان وفيها من المدن المشهورة مدينة زرنج والطاق والقرنين وخواش وسروان وبست وانزالقان وبنجواي واسفنجاي وسيوي وبشلنك وبغنين وجزة وفره ودزة ودزق وقلائي وكركوية وهيشوم وباشورد.
ويتصل بهذه المدن من جهة الشمال من بلاد خراسان قطعة فيها بعض بلاد خراسان المعمورة المشهورة منها قاين وزوزن وسلومك وينابذ ومالن والواديقان وسرخس وبوزنجان ومنها من بلاد قوهستان باشين وكرين وطبس وخاسكين وبشتاذران وكل هذه البلاد المذكورة نريد أن نذكرها بلداً بلداً وقطراً قطراً على ما هي عليه من الصفات المختلفة والكور المؤتلفة والأقاليم والرساتيق حسب ما جرت به عادتنا فيما سلف قبل هذا بحول الله تعالى وحسن معونته وتوفيقه.
فنقول إن كورة إصطخر من أرض فارس أعظم كورها وأكثرها بلاداً وأوسعها عمارة وأكثرها جهات وأزكاها غلات ومدينة إصطخر هي كما قدمنا ذكرها أكبر هذه البلاد قطراً وأكثرها عمارةً وخلقاً ومنها إلى ابرقويه ستة وتسعون ميلاً ومدينة ابرقويه مدينة حصينة خصيبة كثيرة العامر مقصودة بالتجارات عليها سور تراب والغالب على أبنيتها لبن الطين وليس بها ماء جار ولا حولها شيء من الشجر ولا عمارة بما استدار بها لكن بها مزارع الحنطة والحبوب وأسعارها رخيصة وبقرب ابرقويه تلال رمال وجبال عظام طولها أكثر من ميلين وبين إصطخر وابرقويه مدينة بجة وهي متوسطة بين إصطخر وابرقويه وهي مدينة صغيرة عامرة ولها رستاق يسمى الأرد كثير العمارة والقرى.
ومن ابرقويه إلى كثة مائة وثلاثة وعشرون ميلاً وكثة هي مدينة جليلة عامرة آهلة كثيرة التجارات متصلة العمارات على طرف المفازة لها طيب هواء البرية وصحته وهي من أخصب البلاد وأكثرها أرزاقاً ولها رستاق يشتمل على ربض والغالب على أبنيتها لبن الطين ولها مدينة محصنة بحصن وللحصن بابان من حديد يسمى أحدهما باب اندور والباب الثاني باب المسجد وإنما سمي بباب المسجد لقربه من المسجد الجامع وجامعها في الربض ومياهها من القنوات لا نهر لها وماء قنواتها يأتي من ناحية القلعة غرباً وبينهما ثمانية عشر ميلاً وعلى قرب من هذا الحصن قرية تعرف بدنج وفيها معدن الآنك ومنها يتجهز به إلى سائر الأقطار وهذه القرية نزيهة جداً ولهذه المدينة المقدم ذكرها رساتيق ممتدة عريضة خصيبة وهي ورساتيقها كثيرة الشجر طيبة الثمر وربما كثرت فيجفف أكثرها ويحمل إلى سائر الأقطار والأكثر إلى أرض إصبهان وما جاورها وجبالها كثيرة الشجر والنبات وخارج المدينة ربض يشتمل على أبنية وأسواق قائمة العمارة وأهلها متأدبون طالبون للعلوم.
ومن كثة إلى يزد شرقاً ثلاثون ميلاً ومدينة يزد مدينة متوسطة المقدار رخيصة الأسعار عامرة وانجيرة بينها وبين يزد أربعة وعشرون ميلاً وانجيرة موضع فيه قباب وعين ماء عليها أصول شجر تين ومنها تأخذ الطريق إلى خراسان وهي على رأس المفازة.
ومن مدينة كثة إلى عقدة ثلاثون ميلاً وعقدة مدينة صغيرة عامرة قائمة الأسواق وأهلها مياسير وكرد تتاخم ابرقويه وهي أكبر من ابرقويه وبنيانها كبناء ابرقويه بلبن الطين وفيها خصب ورخص أسعار.
ومن عقدة إلى نايين خمسة وسبعون ميلاً ونايين مدينة حسنة ذات سور من طين ولها أسواق ومتاجر وأموال متصرفة ومن نايين إلى إصبهان ثمانية وسبعون ميلاً.
ومن كثة إلى الفهرج في جهة الجنوب خمسة عشر ميلاً والفهرج مدينة صغيرة متحضرة لها سوق عامرة وأهلها أكياس ومن الفهرج إلى أنار وهي مدينة صغيرة لا سور لها خمسة وسبعون ميلاً ومن أنار إلى الروذان أربعة وخمسون ميلاً وكذلك من قرية أنار إلى المريزجان مرحلة خفيفة وهي متاخمة للمفازة وهي حصينة كثيرة الأهل وبها أجناد وأعمال وجبايات.

والروذان مدينة كبيرة كثيرة الخيرات متصلة العمارات لها أسواق ومكاسب وأهلها مياسير ولها رستاق عامر ممتد فيه من المنابر كثير والروذان في ذاتها قريبة من ابرقريه في الشبه وقدر الكبر وحسن المباني.
وأما مدينة خرمة فقريبة الشبه من ابرقويه كبراً وعمارةً وتصرف تجارات ومنها إلى مدينة شيراز ستة وثلاثون ميلاً ولمدينة خرمة رستاق يعرف بالطسوج وكذلك مدينة ميبذ واحدة من كورة كثة وكذلك مدينة نايين والفهرج اللتين قدمنا ذكرهما فهذه البلاد الأربعة كورة واحدة وليس في جميع النواحي ناحية بها أربعة منابر غير هذه الناحية.
ومما يجاور ابرقويه مدينة اقليد والسرمق مدينة خصيبة جليلة رخيصة الأسعار كثيرة الأشجار عامرة القطر كثيرة التجارات قائمة الأسواق ولها رستاق واسع كثير الزراعات خصيب والجوبرقان رستاق كبير ومدينة مشكان وهي مدينة متوسطة المقدار خصيبة أسواقها عامرة وأحوالها حسنة.
ومن مدن كورة إصطخر مدينة صاهك وهي مدينة لها سور تراب وهي عامرة وأهلها يتجولون ويسافرون وأموالهم كثيرة وأحوالهم صالحة ومنها إلى شيراز مائة وثمانية وثلاثون ميلاً وصاهك على الطريق بين شيراز وكرمان ومن صاهك أيضاً إلى السيرجان من كرمان تسعون ميلاً وكذلك من شيراز إلى السيرجان على صاهك مائتان وثمانية وعشرون ميلاً.
وأما مدينة البيضاء فهي مدينة كبيرة لها حصن وربض عامر وهي أكبر مدن كورة إصطخر وإنما سميت البيضاء لأن قلعتها بيضاء يرى بياضها من بعد واسمها بالفارسية نسايك وهي في الكبر تضاهي إصطخر وبناؤها من طين ولها حروث متشعبة وخصب زايد وأكثر ميرة شيراز منها وأهلها مياسير وزيهم زي العراقيين في اللباس والعمائم ومن البيضاء إلى شيراز أربعة وعشرون ميلاً.
والأرجمان مدينة ولها رستاق متسع الطنب يسمى المريزجان.
وأما إقليم السرداب وحومتها وكمين فلهما منبران وجماعات وعمارات.
ومدينة بجة لها رستاق يسمى الأرد وهي مدينة صغيرة ومثلها في القدر مدينة كرد وهي متحضرة ولها منبر ولها رستاق صغير وأما مدينة اللورجان فهي صغيرة حسنة ورستاقها السردن فهذه جملة ما في كورة إصطخر من أرض فارس بها بأرض كرمان.
وأرض كرمان متوسطة بين أرض فارس وأرض مكران وأعظم مدنها السيرجان والسيرجان ينزلها العمال والولاة وبها الدواوين وعليها سور تراب حصين وأبنيتها بشتى حجر لقلة الخشب بها وبها أسواق كثيرة عامرة بالناس وبها مياسير ذوو أموال كثيرة وأحوال حسنة وشرب أهلها من الآبار وهي أكبر مدينة بكرمان وفي أهلها عفة وخير ظاهر وفي تجارتهم حسن معاملة وانقياد ورجوع إلى الحقائق وفيهم نزاهة عن كثير من أخلاق السوقة والفعلة بسائر البلاد ومنها إلى جيرفت ست مراحل والطريق على باختة.
ومدينة جيرفت كبيرة طولها نحو ميلين وهي ممدنة آهلة عامرة ولها غلات وزروع كثيرة وزروعهم على السقي وماؤهم الذي يسقون به ويشربون منه هو من واديها المسمى هري روذ وهو نهر صغير شديد الجري له وجبة رخرخرة زائدة وجريه على الصخور لا يستطيع أحد أن يجوزه راكباً بل يجوزه على رجليه لكثرة أحجاره وملاستها ومقدار ما يدور به خمسون رحى ويقرب من مدينة جيرفت جبل يعرف بالميزان وفيه جنات لها فواكه جمة وفواكه جيرفت وحطبها أكثره يجلب من هذا الجبل إليها ومن موضع يعرف بدرفارد وبجيرفت من الفواكه ما يجلب إليها من الصرود والجروم كالبلح والرطب والجوز والأترج والأعناب والقصب الحلو ولأهلها زي حسن وعيش خصيب وبها متاجر خراسان وسجستان وتجلب إليها الخيرات والبضائع والتجارات وهي مدينة حسنة كاملة من كل شيء وبسائر جروم جيرفت التمر مائة منه بدرهمين ولهم في تمرهم سيرة حسنة وهي أنهم لا يرفعون منه ما تسقطه الريح وأن السابلة يأخذونه دون أربابه.

ومن مدينة كرمان مدينة بيمند وبينها وبين السيرجان خمسة عشر ميلاً وهي مدينة متوسطة متحضرة لها سوق نافقة وفواكه تجلب إليها من بساتينها وجناتها وبها عيون وماء كثير ومن مدن كرمان مدينة باختة وهي صغيرة حسنة صالحة العمارة وبها أسواق وبها صناعات ومنها إلى السيرجان شمالاً مائة ميل وميلان ومنها إلى جيرفت جنوباً ستون ميلاً وبجنوب باختة مدينة خبر وهي مدينة صغيرة متحضرة ومنها إلى جيرفت اثنان وسبعون ميلاً ومنها إلى باختة ثمانية عشر ميلاً وهي مدينة جليلة الزراعات والأشياء إليها تجلب من المدن.
ومن المدن التي بين جيرفت والفهرج مدينة هرمز الملك المسماة في هذا الوقت قرية الجوز وهي كانت مدينة هرمز وفيها كانت مملكته إلى أن هلك وانفصل الملك عنها إلى السيرجان فهرمز الآن مدينة صغيرة وساكنوها من أهلها وأخلاط من الناس وهي مدينة حسنة الداخل والخارج كثيرة المياه وبها أسواق وتجارات بقدرها وبينها وبين جيرفت غرباً مرحلة ومنها إلى مدينة بم مرحلة.
ومدينة بم مدينة كبيرة ذات أسواق عامرة وأموال كثيرة ولها نخل وكروم وقرى كثيرة وهي أصح هواء من جيرفت ولها قلعة منيعة حصينة مشهورة بالتحصين مذكورة في جميع بلاد كرمان وفي أهلها تجار مياسير وبها صناعات قائمة وطرز منصوبة لعمل ثياب القطن الحسنة يصنع بها منها المتاع الكثير ويتجهز به إلى سائر الأقطار وكذلك تصنع عندهم الطيالسة الفاخرة المقورة التي يساوي الطيلسان الرفيع منها ثلاثين ديناراً فما فوقها وما تحتها ويتجهز به التجار إلى سائر الأرض من العراقات والشامات وديار مصر وكذلك يصنع بها من العمائم الرفيعة كل شيء بديع وثيابهم حسنة الصنعة ثابتة الأصول تبقى مع الدهر ولا تفنى إلا بعد مدد وأزمان طويلة والملوك يتنافسون في ثيابها وجيد متاعها ويقتنونه ادخاراً في خزائنهم.
ومن بم إلى جيرفت مرحلتان كبيرتان وهما ستون ميلاً ومن بم إلى نرماشير مرحلة ونرماشير مدينة متوسطة على قارعة المفازة وهي مدينة فيها أسواق وعمارة وتجارات داخلة وخارجة.
ومن مدن كرمان مدينة هرمز الساحلية التي على بحر فارس وهي فرضة مدن كرمان وهي في ذاتها مدينة كبيرة كثيرة العمارة كثيرة الدخل حارة جداً ويزرع بنواحها الكمون الكثير والنيلج الذي إليه المنتهى في الطيب المضروب به المثل ويتجهز به منها إلى كل الآفاق وأهل مدينة مغون وأهل مدينة ولاشجرد ليس لهم غلة إلا هو ولهم بغرسه اهتمام لكثرة فائدته وعموم منفعته وجودته عندهم وقد يصل في هذه البلاد من قصب السكر السكر الكثير والفانيذ والغالب على طعام هؤلاء الساكنين بهذه البلاد الشعير وهو أكثر زراعاتهم وجل حبوبهم وفي هذه البلاد النخل الكثير الطيب التمر ومدينة هرمز على خليج يسمى الجيز يخرج من بحر فارس تدخل فيه السفن من البحر إلى المدينة.
وأما الفهرج فهي مدينة على رأس المفازة المتصلة بسجستان بها أسواق عامرة ولها سور تراب ومنها إلى سجستان مائتان وعشرة أميال وذلك عرض المفازة بينهما ومن الفهرج إلى نرماشير السابق ذكرها مرحلة وأما ما بقي من سائر بلاد كرمان فأكثرها حواضر صغار المقادير ونحن الآن نذكر ما بقي منها على طرقاتها المشهورة إن شاء الله.
فمن ذلك الطريق من السيرجان إلى رستاق الرستاق من حد فارس وذلك أربع مراحل تخرج من السيرجان إلى مدينة كاهون مرحلتين وكامون بلد حسن كثير النخل مليح الجهات به سوق نافقة وربح كثير ومن كاهون إلى بلد خشناباذ مرحلة ومن خشناباذ إلى رستاق الرستاق من فارس مرحلة.
والطريق من السيرجان إلى الروذان من حدود فارس أربع مراحل تخرج من السيرجان إلى مدينة بيمند اثني عشر ميلاً وهي مدينة لها سور تراب وبها مساكن عامرة وأسواق قائمة وصناعات دائمة ومن بيمند إلى مدينة كردكان ستة أميال وهي مدينة خصبة كثيرة الخصب والزراعات ومنها إلى اناس مرحلة كبيرة واناس مدينة متوسطة القدر حسنة الأسواق فسيحة الطرق وبها عمارات ومن اناس إلى مدينة الروذان من حد فارس مرحلة خفيفة.
وكذلك الطريق من السيرجان إلى رباط السرمقان من حد فارس مرحلتان كبيرتان وليس بينهما منزل يعول عليه والسرمقان قرية صغيرة ولا منبر بها.

والطريق من مدينة السيرجان إلى مدينة البم المتقدم ذكرها تخرج من السيرجان إلى الشامات مرحلة وبينهما رستاق كبير ويعرف بقوهستان وهو رستاق عامر وفيه قرية سلطانية ومن الشامات إلى مدينة بهار مرحلة وهي مدينة صغيرة عامرة ومنها إلى خناب وهي مدينة صغيرة مرحلة خفيفة ومنها إلى مدينة غبيرا مرحلة خفيفة وغبيرا مدينة صغيرة لكنها ذات سوق وتجار وصناع ومعارف ومن غبيرا إلى جوين وهي مدينة ثلاثة أميال وهي في وطاء من الأرض حسنة الجهات والمقابلات ومن جوين إلى راين مرحلة وراين مدينة متوسطة المقدار تشبه جون في ذاتها وجميع أحوالها ومعايش أهلها ومنها إلى سروستان مرحلة وسروستان مدينة عامرة حسنة البقع كثيرة المزارع رائعة الجهات كثيرة الخيرات وبها سوق ومنها إلى دارجين مرحلة ودارجين حسنة كاملة بديعة المصانع والمباني ومن دارجين إلى بم المدينة مرحلة فالجملة تسع مراحل.
والطريق من سروستان إلى جيرفت وبينهما مرحلتان وكذلك من مدينة السيرجان إلى مدينة جيرفت قصداً على باختة من السيرجان إلى باختة أربع مراحل وقد تقدم ذكر مدينة باختة ومنها إلى خبر مرحلة ومن مدينة خبر السابق ذكرها إلى جبل الفضة مرحلة ومن هذا الجبل إلى درفارد مرحلة ودرفارد عمارة ومكان خصيب ومنه إلى جيرفت مرحلة خفيفة.
والطريق من السيرجان إلى مدينة خبيص ست مراحل ترحل من السيرجان إلى قرية كرج مرحلة ومنها إلى مدينة فردين مرحلة وفردين مدينة ذات أسواق وسور تراب ولها قصبة ومنها إلى مدينة ماهان مرحلة وماهان مدينة صغيرة متحضرة لها مزارع وغلات وعيون جارية ومنها إلى ندغ مرحلة وهي قرية عامرة ومنها إلى قرية داروا مرحلة ومن داروا إلى مدينة خبيص مرحلة ومدينة خبيص على طرف المفازة الكبيرة وهي مدينة عامرة صغيرة من جروم كرمان وماؤها جار وبها نخيل كثير وهي حصينة رخيصة الأسعار.
والطريق أيضاً من مدينة السيرجان إلى زرند أربع مراحل وذلك أن من السيرجان إلى مدينة بردسير مرحلتان وهي مدينة حسنة عامرة كثيرة الخصب لها سور وخندق وأبواب وبها أسواق كثيرة وصناعات مفتعلة نافقة ومنها إلى جنزروذ مرحلة كبيرة ومدينة جنزروذ مدينة كبيرة عامرة بأسواق وصناع ومنها إلى مدينة زرند مرحلة ومدينة زرند مدينة متوسطة بسور تراب على ضفة المفازة الكبيرة وبها خصب وزراعات وإصابات وفوائد جمة وفيها مدابغ للجلود وبها تصنع البطائن الزرندية المعروفة والتجار يتجهزون بها إلى العراق وربما حملت إلى مصر.
والطريق من جيرفت إلى الرستاق بأرض فارس من جيرفت إلى قناة الشاه مرحلة وهي رستاق ومنها إلى مغون مرحلة ومغون مدينة صغيرة فيها أسواق ومنها إلى مدينة ولاشجرد ويقال ولاشكرد بالكاف مرحلة وهي مدينة عامرة صغيرة القدر كثيرة العامر ولها سوق ومنها تفترق طريق إلى هرمز.
والطريق من ولاشجرد إلى مدينة اذركان مرحلة وهي مدينة صغيرة متحضرة ومنها إلى خبروقان ثلاثة أميال وهي مدينة جيدة جامعة صغيرة ذات أسواق ومعايش ومنها إلى كشستان مرحلة خفيفة وهي مدينة متوسطة القدر متحضرة ومن كشستان إلى الرستاق مرحلتان.
والطريق من جيرفت إلى هرمز الساحلية تسير من جيرفت إلى قناة الشاه مرحلة إلى مغون مرحلة إلى ولاشجرد المتقدم ذكرها مرحلة ومن ولاشجرد المتقدم ذكرها مرحلة ومن ولاشجرد تعدل الطريق إلى جهة المغرب إلى مدينة كومين مرحلة وهي مدينة جيدة متوسطة المقدار حسنة المباني نزيهة فرجة ومنها إلى المنوجان مرحلتان مرحلة إلى نهر زنكان ومرحلة من نهر زنكان إلى المنوجان ومن المنوجان إلى هرمز قد تقدم لنا وصفها قبل هذا ولا يحتاج إلى إعادته .
والطريق من هرمز إلى فارس من هرمز إلى قرية سوروا على البحر وهي مدينة صغيرة لا سور لها وليس بها منبر وبها صيادون للسمك على البحر كثيرون ومن سوروا إلى مدينة رويست ثلاث مراحل ورويست مدينة حسنة عامرة ذات نخيل وبساتين.
ولسان أهل كرمان الفارسية إلا القفص فإن لهم لساناً آخر.
ومما يلي الجبال المتاخمة لمكران وهي الجبال المسماة بجبال البارز محال القوم الذين يسمون بالأخواش ويقال الخواش وهم بواد هناك أصحاب إبل ومواش ولهم أخصاص ينزلون فيها ولهم نخل كثير يرتفع بين خواش ونواحيها الفانيذ الذي يحمل إلى سجستان وغير ذلك.
ونقود أهل كرمان الدراهم والدنانير.

وبأرض كرمان جبال وعرة عالية منها جبال القفص وجبال البارز وجبال معدن الفضة وبين البلاد منها مفاوز متصلة وقفار عامرة وليست عمارة أرض كرمان متصلة مثل اتصال عمارة فارس لأن أرض فارس كلها متصلة غير منفصلة وكرمان بضد ذلك.
فأما جبال القفص فهي جبال تتاخم البحر الفارسي وشمالها بلاد نجيرمان وجنوبها البحر الفارسي وبعض مفاوز مكران وغربيها البحر الفارسي مع بعض البلوص وحدود نواحي المنوجان ونواحي هرمز ويقال إنها سبعة جبال ولكل جبل رئيس منهم وهم صف من الأكراد رحالة ولا دواب لهم وألوانهم سمر نحفاء الأبدان وهم أصحاب مواش ونخل ونحل وبين شمال هذه الجبال ومع المشرق قليلاً البلوص وهم قوم يسكنون في سفح الجبل بعينه وهم أولو نجدة وحدة شوكة وعرامة زائدة ومنة قائمة مع قلة أذيتهم وتأمينهم الطرق وهم أصحاب نعم وسوام ولهم بيوت شعر مثل بيوت العرب وأهل جبال القفص يخافون عاديتهم ويسالمونهم عن غلبة.
وأما جبال البارز فهي جبال متصلة ولها شعاب وهي بين غرب وشمال من جيرفت وهي في ذاتها خصيبة مشجرة كثيرة الخشب وهي بلد صرود والثلج يقع فيها دائماً وأهلها أهل عفاف لا يؤذون الناس ولا يقولون بشر وبها معادن حديد جيد القطع طيب بالغ الجودة في العمل ويتصل بهذا الجبل جبل به معادن الفضة وهو جبل يمتد على ظهر جيرفت ويتصل بكورة درفارد ودرفارد هذه شعب خصيب كثير الفوائد والقرى العامرة ومنه إلى جبل الفضة مرحلة.
وأما المفازة الكبيرة فإنها مفازة متصلة ببلاد كرمان وفارس والملتان وسجستان وبلاد قوهستان وطرف بلاد خراسان ويتصل أسفلها ببلاد قومس والري وهي مفازة قليلة العمارة متصلة المفاوز كثيرة اللصوص والقطاع وذلك لأنها ليست في إقليم قوم بأعيانهم فيحفظونها وهذه المفارة قد أحاطت بها أمم مختلفة الألسن والهيئات من أعمال خراسان وقومس وعمل سجستان وبعضها من عمل كرمان وفارس وإصبهان وقاشان والري ومع ذلك فإنها مفاوز يصعب سلوكها بالخيل وإنما تقطع منها طرق معلومة بالإبل دون الأحمال والسفار يقطعونها في مشقة وجهد على طرق معروفة ومياه معلومة إن نكب عنها قاصد ملك لكثرة شقائها ولكثرة عواديها وللصوص في هذه المفاوز مآو يعتصمون بها ويلجأون إليها وأمنعها مأوى وأكثرها منعاً جبل كركس كوه وجبل سياه كوه وبهما للصوص أموال مدفونة وذخائر مخفية فأما جبل كركس كوه فإنه جبل ليس بالكبير ولكنه منقطع عن الجبال تحيط به المفاوز ويذكر أن دور أسفله نحو من ستة أميال ومع أسفله مياه قليلة وفي وسطه مثل الساحة وهو بجملته وعر المسالك صعب الطرقات وشعابه وحشة من توارى فيها لا يظهر وكذلك جبل سياه كوه مأوى للصوص وليس فيه عمارة وبينهما مقدار يسير.
والطرق المعلومة المسلوكة بهذه المفازة هي طرق قليلة نذكرها على التوالي إن شاء الله فالأول منها تمر من الفهرج الذي من أرض كرمان إلى أرض سجستان من الفهرج إلى الأحساء والآبار أربعة وعشرون ميلاً ثم إلى جرج منارة أحد وعشرون ميلاً ثم إلى رباط معبد أحد وعشرون ميلاً ثم إلى اسبيذ سبعة وعشرون ميلاً ثم إلى كراغان أربعة وعشرون ميلاً ثم إلى بر القاضي أربعة وعشرون ميلاً ثم إلى راسك ثمانية عشر ميلاً ثم إلى كاونيشك اثنا عشر ميلاً ثم إلى برزذين أربعة وعشرون ميلاً ثم إلى جارون خمسة عشر ميلاً ثم إلى مدينة سجستان ثمانية عشر ميلاً.
والطريق الثاني من نرماشير إلى سجستان فمن نرماشير إلى بذجان مرحلة وهو ماء ينزل عليه في أصل جبل ومنه إلى مدراة ماء آخر ينزل عليه مرحلة ومنه إلى دمراه باذ مرحلة ومنه إلى رباط القاضي مرحلة ومنه إلى رباط القاضي مرحلة ومنه إلى كاونيشك مرحلة وهما رباطان ثم إلى برزذين وهو بئر ماؤها عذب مرحلة ومنه إلى دارك مرحلة ومنه إلى جاورن مرحلة ومن جاورن إلى سجستان مرحلة وهذه المراحل كلها خفاف.
وإن أخذت من نرماشير إلى كروة مرحلة ومنها إلى ندباه مرحلة ثم إلى شروه مرحلة ومنها إلى تمانيح مرحلة ثم إلى سبيج مرحلة وسبيج مدينة صغيرة عامرة في وسط المفازة وهي من عمالة كرمان غير أنها منقطعة عنها وهي عامرة بأهلها ولها زراعات يسيرة ونخل يقوتون به.
ومن مدينة سبيج تأخذ طريقين طريق ذات اليمين إلى سجستان وهي سبع مراحل وطريق ذات اليسار إلى هراة.

فمن شاء طريق سجستان سار من سبيج في المفاز إلى ديرن مرحلة وهي عين ماء ناشعة ومنه إلى بئر كردوج مرحلة ومنه إلى رباط نايرح مرحلة وهو خلاء لا عامر به ومنه إلى تارست باذ وهو ماء ينزل عليه موحلة ومنه إلى باسباد رباط خال مرحلة ومنه إلى سدح مرحلة ثم إلى سجتان.
ومن أراد المسير من سبيج إلى هراة سار ذات اليسار إلى منزل خلاء ثم إلى منزل آخر خلاء ثم إلى رباط عزة مرحلة وهذا الرباط ربما كان معموراً أو غير معمور ومنه إلى جبل مذر مرحلة ومنه إلى قرية سلم مرحلة وهي قرية عامرة كبيرة لها زراعات وحروث ومنها إلى رباط خسك مرحلة ثم إلى نذم مرحلة ثم إلى سمجان مرحلة ثم إلى حوض ناجة مرحلة ثم إلى مدجان مرحلة ثم إلى سردان مرحلة ثم إلى بست مرحلة ثم إلى كردرم مرحلة ثم إلى عطياه مرحلة ثم إلى فره مرحلة وفره من أعمال سجستان وبها تجمع هذه الطريق مع طريق سجستان إلى هراة ومن فره إلى دزة مرحلة ومن دزة إلى كويسان إلى خاشان مرحلة وهي من الاسفزار والاسفزار أول بلاد هراة ومن خاشان إلى قناة سري مرحلة ومن قناة سري إلى الجبل الأسود مرحلة ومن الجبل الأسود إلى جدمان مرحلة ثم إلى هراة مرحلة.
وطريق آخر من نرماشير إلى قرية سلم وهو الطريق الجديد تخرج من نرماشير إلى دارستان مرحلة وهي قرية عامرة فيها عيون ماء جارية ونخل كثير وليس وراءها عمارة ومنها إلى رأس الماء مرحلة ورأس الماء عين جارية يجتمع فاضل مائها إلى بركة كبيرة ومنها يقطع في عرض المفازة أربع مراحل إلى قرية سلم وهذه المراحل الأربع كبار كلها مفازة متصلة مخوفة ومن قرية سلم إلى سجستان عشر مراحل وكذلك منها إلى فره عشر مراحل وفرة قرية كبيرة بقرب البحيرة التي يقع فيها نهر الهيذمند وهو نهر سجستان.
والطريق من خبيص إلى خراسان وخبيص مدينة صغيرة على شفير المفازه من جروم كرمان ولها ماء جار ونخل كثير وأسعارها رخيصة فمن خبيص إلى مكان يسمى الدروازق مرحلة وهو موضع فيه أبنية مهدمة كثيرة ما مد البصر وبها تلال وعلى أنها كانت مسكونة ليس بها بئر ولا عين ولا نهر ولا علامة لماء ومنها إلى شورروذ مرحلة وشورروذ واد جاف أرضه سبخة وتجري فيه مياه السيول فقط وهذه المفازة مالحة التربة ومنها إلى جبل بارسك مرحلة ومنه إلى مكان يعرف بالحوض وهو موضع يجتمع فيه ماء المطر مرحلة ومنه إلى رأس الماء مرحلتان وهو عين ماء يجتمع في حوض يسقي زراعاتها وهو رباط يكون فيه الواحد والاثنان وقد لا يكونون به ومن رأس الماء إلى كركورة وهي قرية على شفير المفازة وهي من حد قوهستان ومن كركورة إلى خوسب مرحلتان وهو حصن صغير ومن خوصب إلى خور مرحتان ومن خور إلى قاين يوم وقاين قاعدة مدن قوهستان وهي من أرض خراسان.
وطريق آخر من راور إلى كرين من أرض خراسان وراور مدينه عامرة عليها حصنان ولها ماء جار وبها نخل وبعض زراعة وهي حدود كرمان فمنها إلى مكان يدعى دركرجوى مرحلة وهو منزل قفر لا بناء فيه وفيه عين ماؤها قليل ومنها إلى شور دوازده مرحلة وهناك رباط قفر قد خرب وفيه نخيل وهو مخوف وقلما يخلو من اللصوص ومنه إلى دير بردان قفر لا بناء فيه مرحلة ومنه إلى رند وهو منزل فيه حوض تجتمع فيه مياه الأمطار مرحلة وليس هناك بناء ومن هذا الحوض إلى رباط نابند ويسكنه مقدار عشرين بيتاً وفيه ماء وعليه رحى صغير ولهم زرع ونخل يسقى بماء عين لهم وقبل أن تصل إلى نابند بفرسخين تجد عين ماء وفيه نخيلات وبناء ليس فيه أحد وهو مأوى للصوص وأهل رباط نابند يتعاعهدون هذا المكان ويحمونه ويحمون ثمر ذلك النخل الذي هناك ومن نابند إلى اردغه منزل قفر مرحلة ومنه إلى بئر شك مرحلة وفيها ماء طيب ومن بئر شك إلى خوسب مرحلة ولا عامر بها ومنها إلى خور مرحلتان ومن خور أيضاً إلى كرين نحو ثلاث مراحل وكرين من بلاد نيسابور من خراسان.

وطريق آخر من يزد إلى ترشيز من يزد إلى انجيرة مرحلة وبها عين ماء وحوض يجتمع فيه ماء المطر وليس بينهما عمارة ومن انجيرة إلى خرانة مرحلة وليس بينهما عمارة وخرانة قرية عامرة تحتوي على أزيد من مائتي رجل وبها زرع وضرع وبساتين وعين جارية من تحت خرانة وعليها حصن منيع وهي على تل مرتفع جنب واد على ضفتيه البساتين والكروم وعندهم خصب على قدم الأيام ومن خزانة إلى تل سياه سبيذ مرحلة وليس بينهما عمارة وهو منزل قفر لا عامر به وفيه حوضان يجتمع بهما ماء الأمطار ومن تل سياه سبيذ إلى ساغند مرحلة وليس بينهما عمارة وهو حصن فيه نحو من مائة رجل وبه عين ماء جارية يزرع عليها قنوات ولها قنوات مياه وبساتين لكن خرانة السابق ذكرها أعمر من ساغند وأحصن بنية ومن ساغند إلى بشت باذام إلى رباط محمد مرحلة خفيفة وهو رباط فيه نحو ثلاثين رجلاً ولهم زروع وعيون ماء ومنه إلى الريك إلى المهلب مرحلة وهو خان وفيه عين ماء وليس بينهما عمارة ومنه إلى رباط خوران مرحلة ورباط خوران رباط من جص وحجارة يكون فيه ثلاثة نفر أو أربعة يحفظونه وبه عين ماء وليس له زرع ومن رباط خوران إلى زادخرة مرحلة وزادخرة بئر ماء وخان وليس فيه ساكن وليس بينهما عمارة ومنه إلى بشتاذرن مرحلة ومن بشتاذرن إلى بن مرحلة خفيفة وبن قرية عامرة فيها أشف من خمسمائة نفس وفيها ماء جار وزروع ومواش وخصب ومن بن إلى دارونة مرحلة وليس بينهما عمارة وريكن رباط فيه زرع وماء جار وهذا الرباط في أكثر الأوقات قفر ومنه إلى اسنيشت مرحلة ليس فيها عمارة ومن اسنيشت إلى ترشيز مرحلة وترشيز من حومة نيسابور.
وطريق آخر ثالث وهي التي من يزد وإصبهان ونايين وهذه الطرق الثلاث كلها تجتمع بكرين وكرين قرية كبيرة وما عليها سور وفيها نحو من ألفي رجل ولها رستاق كبير وبين طبس وكرين تسعة أميال.
فمن يزد إلى شور مرحلة وشور بئر على شفير المفازة فيه ماء ملح وليس بها قرية ولا عمارة ومنه إلى قرية بيرة وهي قرية صغيرة بها دون عشرة الأنفس وهي من حدود كرمان ومنها إلى عين مغول مرحلة ومنها إلى غمرسرخ مرحلة وغمرسرخ عين كبيرة في وهدة طين أحمر وعليه جبل أحمر مرحلتان ومنه إلى جاه بر مرحلة وهو عين ماء لا عمارة عليها ومنه إلى حوض هزار جوين مرحلة وهو حوض يجتمع فيه ماء المطر ومن حوض هزار جوين إلى شور وهو عين ماء ملح شروب ولا عامر عليه وبه قباب خالية مرحلة ومنه منه إلى عين ماء تسمى مغول مرحلة ولا عامر على هذه العين ومنها إلى كرين مرحلتان وعلى اثني عشر ميلاً منها بركة عظيمة يجتمع إليها مياه السيول والأمطار وهذه المراحل كلها مخوفة كبار والناس يقطعونها على وجل وحفز وفي المفازة التي بين شور وبيرة على يمين طريق الذاهب من خراسان إلى كرمان على نحو فرسخين منها صور أنواع الفواكه من اللوز والجوز والتفاح والكمثرى والأترج ونحو ذلك وكلها من الحجارة.
والطريق الثاني منها من نايين إلى دارمرد مرحلة وهو حوض يجتمع فيه ماء لا ساكن به ومنه إلى حوملة مرحلة وهو حوض يجتمع فيه ماء المطر ومنه إلى باذان مرحلة وباذان قباب خالية وبئر فيها ماء ومنها إلى دهك مرحلة ودهك رملة فيها تل من ترب أحمر صلب وبئر ماء ومنه إلى بغلكيك مرحلة وهو عين ماء قليل لا عامر به ومنه إلى سندبند مرحلة وسندبند رباط خال لا عامر به ومنه إلى رشداد مرحلة وهو جبل في أضله رباط فيه بئر ماء وهو خلاء لا عامر به ومنه إلى درنة مرحلة وهي قرية قليلة أهلها وموضعها على تل تراب محجوز ومنها إلى نيمكثروذ مرحلة وهو حوض تجتمع فيه مياه الأمطار ومنه إلى كرين مرحلة.
والطريق الثالث من إصبهان إلى كرين وهو طريق مخوف قليل العمارة وقليلاً ما يسلك لأنه كثير المفاوز متصل الجبال محجر واللصوص يأوون إلى تلك الشعاب الممتنعة السلوك يخرج من إصبهان إلى اندرة وهو جبل في وسط مفازة به بئر ماء مرحلة منه إلى ندرسار مرحلة وهو بئر ماء لا عامر عليه ومنه إلى افشوط وهو حوض تجتمع فيه مياه الأمطار مرحلة ومنه إلى زذران مرحلة وهو جبل في أصله عين ماء واللصوص يأوون إليه ومنه إلى بدخس باذ مرحلة وهو رباط خال لا ساكن به ومنه إلى خيدجين مرحلة وهي عين ماء لا ساكن به ومنه إلى دمندار وهي عين ماء خرارة ومنه إلى عران باذ مرحلة ومنه إلى كرين مرحلتان.

ومن شاء سار من خيدجين إلى مارسان مرحلة وهي شعبة من جبل فيها ماء في قفر ومنه إلى بغيس مرحلة ومنه إلى دمغدين مرحلة وهو رباط قفر ومنه إلى باذمة مرحلة وهو عين ومنه إلى خاسكين مرحلة ومنه إلى بدرست مرحلة ومنه إلى قبرسة مرحلة ومنه إلى نيسابور ثمانية عشر ميلاً.
وطريق من إصبهان إلى مدينة الري من إصبهان إلى دالجي مرحلة ودالجي قرية عامرة ومنها إلى رباط عابر مرحلة وهو رباط خال وكان فيه قبل ذلك قوم يحرسون الطريق على الحماية وبه حوض يجتمع إليه ماء عين يأتي إليه من جهة الغرب ومنها إلى رباط أبي علي بن رستم مرحلة ومن رباط أبي علي إلى حصن دزة مرحلة وهو حصن حصين لكنه صغير ومن حصن دزة إلى قاشان وهي مدينة مرحلتان في مفاوز وعشار معطلة ومن مدينة قاشان إلى قرية المجوس مرحلة وأهل هذه القرية مجوس ومنها إلى مدينة قم مرحلة ومدينة قم مدينة حسنة تحيط بها العمارات وأكثر هذه المفازة التي بينها وبين قرية المجوس عامرة بقرى وعمارات ومن مدينة قم إلى قرية كاج مرحلة وقرية كاج خربة وهي قليلة الساكن والمساكن ومياهها من الأمطار ومن كاج إلى دير الجص مرحلة في غير عمارة ودير الجص حصن حصين مبني بالجص والآجر آهل عامر بالناس والأجناد ومن دير الجص إلى مدينة دزة مرحلة وهي مدينة متوسطة القدر وبها منبر ولها عمارات ومزارع ولها ماء جار في نهير وهذه المرحلة محاذية لجبل كركس كوه وجبل سياه كوه ومن دزة إلى الري مرحلة والري مدينة كبيرة وسيأتي ذكرها في موضعها على التمام بحول الله تعالى.
وطريق آخر من إصبهان إلى الري على المفازة بين جبلي كركس كوه وسياه كوه تسير على الطريق الأول إلى دير الجص ثم تعرج على اليمين فتعدل بك الطريق إلى ما بين جبلي كركس كوه وسياه كوه ومن كركس كوه إلى دير الجص اثنا عشر ميلاً وبعد ما بين الجبلين سبعة وعشرون ميلاً ثم ترجع الطريق على اليسار إلى دزة وبينهما أحد وعشرون ميلاً ثم إلى الري فهذه جميع الطرقات التي في هذه المفازة وقد جئنا بها على الكمال والتمام حسب الجهد والطاقة وبالله التوفيق.
ولنذكر الآن ما في هذا الجزء من بلاد سجستان فنقول إن مدنها زرنج وكس ونه والطاق والقرنين وخواش وفره وجزة وبست وروذان وسروان وزالقان وبغنين ودرغش وتل وبشلنك وبنجواي وكهك وغزنة والقصر وسيوي واسفنجاى وجدمان.
ومدينتها العظمى تسمى زرنج وهي مدينة كبيرة عامرة الأسواق وأسواقها دائرة بالمسجد الجامع الذي بها ولها أرباض عامرة وفي كل مكان منها أسواق على غاية العمارة ولها سور حصين وخندق دائر بالحصن ولها على أرباضها حصون دائرة وخنادق وفي الخندق المستدير بسور الحصن ماء نابع ينبع من مكانه وتقع فيه جمل من فضول المياه التي في المدينة وللمدينة نفسها خمسة أبواب وللربض ثلاثة عشر باباً وبناؤها بالطين آزاج معقودة لأن الخشب بها يتسوس فلا يقيم ومسجدها الجامع في المدينة دون الربض وفي داخل المدينة نفسها ثلاثة أنهار منها نهر يدخل من الباب المسمى بالباب العتيق والنهر الثاني يدخل على الباب الجديد والنهر الثالث يدخل على باب الطعام وهي كلها صغار وهي مفرقة في دور المدينة وبساتينها وحماماتها وأرض زرنج سبخة رملية في سهل متصل لا يرى بها شيء من الجبال وهي حارة ولا يقع بها الثلج البتة وأكثرها بها الرياح العواصف الدائمة حتى إنهم قد صنعوا أرحاء تطحن بالريح لكثرة رياحهم والرمل في أكثر الأحوال يضر بهم.
وهذه الأنهار التي تأتي المدينة وتشق أعراضها هي مستخرجة من نهر هيذمند وهو نهر عظيم يخرج من ظهر الغور حتى يصل حد رخج وبلدي الداور ثم يجري على بست حتى ينتهي إلى سجستان ثم يقع في بحير ة زرة.
وزرة هذه بحيرة يتسع الماء فيها وينتقص بقدر زيادة الماء ونقصانه وعليها قرى ومزارع وطولها يكون نحو من تسعين ميلاً من ناحية كرين على طريق قوهستان إلى قنطرة كرمان على طريق فارس وهي عذبة الماء ويصاد فيها سمك كثير وهي عامرة من نواحيها إلا ما كان مما يلي المفازة فأما النهر الذي يخرج من هيذمند فيمر إلى ناحية نيشك فلا يصل منه شيء إلى هذه البحيرة.

وسجستان ناحية وفيها زرنج وغيرها وهي حصينة كثيرة الطعام والتمور والأعناب وأهلها مياسير ويقارضون التجار بفواضل أموالهم ويتصل بالجنوب من سجستان ناحية بالس وموضعها بين سجستان وناحية السند ومدينتها سيوي غير أن الوالي يسكن منها موضعاً يسمى القصر وبينهما نحو مرحلتين.
ورخج اسم الإقليم ومدينتاه بنجواي وكهك وموضع هذا الإقليم هو بين بلدي الداور وبالس والداور اسم إقليم خصيب وهو ثغر للغور وبغنين وخلج وبشلنك وبلد الداور اسم إقليم ومدينته تل وله من المدن أيضاً درغش وهما على ضفتي نهر هيذمند غير أن بغنين وخلج وبشلنك ناحية تتاخم الغور.
والخلج صنف من الأتراك وصلوا على قديم الزمان إلى تخوم الهند ونواحي سجستان والغور فنزلوا بها وعمروها واتخذوها أوطاناً وهم أصحاب أغنام وأبقار وخيل ونعم كثيرة وهم على زي الأتراك وحياتهم.
ومن المدن المجاورة لزرنج الطاق وهي على مرحلة من زرنج وهي على يمين المار إلى خراسان وهي مدينة صغيرة متحضرة ولها رستاق واسع كثير الخصب وبها أعناب كثيرة وفواكه ونعم يتسع فيها أهل سجستان.
ومنها القرنين وهي مدينة متوسطة ولها سور وأسواق وهي كانت في سالف الدهر دار رستم الشديد ودار ملكه وبها أثر مربط فرسه ولها قرى ورساتيق وهي على مرحلة من سجستان على يسار الذاهب إلى بست.
ثم مدينة خواش وهي أكبر من القرنين وأشمخ منهما ولها سور تراب وبها سوق نافقة وأمتعة وترف أحوال وهي من القرنين على مرحلة عن يسار الذاهب إلى بست وبينها وبين قارعة الطريق ميل ونصف ولها مزارع وعمارات ونخيل وأشجار وفواكه كثيرة ومياه جارية وقنوات وأهلها مياسير.
ومدينة جزة مدينة تتصل عماراتها بعمارة فره عن يمين الذاهب من سجستان إلى خراسان على نحو مرحلة وهي ناحية حسنة قدرها نحو القرنين ولها جمل قرى وعمارات ورساتيق خصيبة وبناؤها بالطين والحجارة وشرب أهلها من مياه تدخل إليها في قنى.
ومن جزة إلى سجستان ثلاث مراحل وبين جزة وفره مرحلة وجزة بين فره والقرنين.
ومدينة فره أكبر من القرنين ومن جزة وهي مدينة حسنة وعليها سور تراب وهي في أرض سهلية ومبانيها بالطين ولها رستاق يشتمل على نحو ستين قرية ولها نخيل كثير وفواكه جمة وأعناب وهي على نهرها المعروف بها وهو يسقي أكثر رساتيقها ويصل فضله فيقع في بحيرة زرة وبين زرة وفرة مرحلة.
ويتصل بمدينة فره مدينة نه وتعرف براجحة وهي صغيرة القدر متحضرة خصيبة كثيرة الفواكه والأعناب وبينها وبين فره مرحلة كبيرة وهي مما يلي المفازة وكذلك مدينة سروان مدينة صغيرة متحضرة شبيهة بالقرنين في قدرها وأبنيتها ولها أرض واسعة ومزارع ورساتيق وعمارات وقرى وفواكه عامة وأعنابها كثيرة وخيرها واسع وهي من بست على مرحلتين واسم المرحلة الأولى فيروزقند والثانية نهر سروان ويتصل بسروان بلاد الداور والرخج.
وأما مدينة الزالقان فهي مدينة من بست على مرحلة وهي مدينة متحضرة ذات سور وأسواق ومياه جارية ونخيل وكروم وزروع ومواش وتكون على قدر القرنين كبراً وأكثر أهلها حاكة وتجارها يتجرون بالثياب ويتجهزون بها من هذه المدينة ويمشون بها إلى جميع الأقطار لكثرتها ومبانيها بالآجر والطين.
وأما مدينة روذان فإنها صغيرة لكن عليها سوراً ومبانيها بالطين وهي أصغر من القرنين وهي بقرب فيروزقند وهي على يمين الذاهب إلى الرخج وبها فواكه وأعناب ولها مزارع وزروع وغلات وأكثرها المنج ولها مياه جارية تسقي أكثر رساتيقها.
وأما مدينة كس فهي صغيرة القدر لها سور وسوق عامرة وصناعات وأهلنها متحرفون متجولون وأكثرهم حاكة وبين كس وزرنج تسعون ميلاً وكس على شفير المفازة ويعبر إليها نهر الهيذمند ولها زروع وغلات.

والطريق من سجستان إلى هراة أول مرحلة منها تسمى كركوية ومن كركوية إلى بشتر اثنا عشر ميلاً والعبر على قنطرة يجري فيها فضل مياه هيذمند ومن بشتر إلى قرية جوين مرحلة ثم إلى البست مرحلة ومن البست إلى كنكرة مرحلة وكنكرة إلى سرشك مرحلة ومن سرشك إلى قنطرة وادي فره مرحلة ومن قنطرة وادي فره إلى حصن دزة مرحلة وهي على ضفة البحيرة التي يصب فيها نهر هيذمند ومن دزة إلى كويسان مرحلة ومن كويسان إلى خاشان مرحلة وخاشان من الاسفزار والاسفزار من بلاد هراة ومن خاشان إلى قناة سري مرحلة ومن قناة سري إلى الجبل الأسود مرحلة ومن الجبل الأسود إلى جدمان مرحلة ومن جدمان إلى هراة مرحلة.
والطريق من سجستان إلى بست أول مرحلة إلى زانبوق ومن زانبوق إلى شروزن وهي قرية عامرة سلطانية مرحلة ومن شروزن إلى حرورى وهي قرية عامرة سلطانية وبينهما نهر نيشك وعليه قنطرة من آجر ومن حرورى إلى دهك والمنزل في رباط من حد دهك ومن هذا الرباط المفازة فمنزل منها رباط يسمى آب شور مرحلة ومن آب شور إلى كرووين وهو رباط مرحلة ومن رباط كرووين إلى رباط هفشيان مرحلة ومنه إلى رباط عبد الله مرحلة ومن رباط عبد الله إلى مدينة بست مرحلة.
والطريق من بست إلى غزنة في جهة الشرق مع الجنوب من بست إلى رباط فيروز مرحلة ومن رباط فيروز إلى رباط ميغون مرحلة ومنه إلى رباط كثير مرحلة ومنه إلى الرخج وهي مدينة تسمى بنجواي مرحلة وبنجواي مدينة من مدن الداور وبالس وعامتها صواف ولها غلات وسوائم وأنعام كثيرة ويرتفع منها منافع جمة وبلاد الداور إقليم خصيب وهو ثغر للغور وبغنين وخلج وبشلنك ومن مدينة بنجواي إلى تكين آباذ مرحلة ومنه إلى الاوق مرحلة وهي قرية ومنها إلى رباط خنكل آباذ مرحلة ثم إلى قرية غرم مرحلة ثم إلى جابشت مرحلة وهو منزل ثم إلى قرية جومة مرحلة ثم إلى خابسان مرحلة وخابسان أول حد غزنة ثم إلى قرية خسراجى مرحلة ثم إلى رباط هذوا وهي قرية عامرة مرحلة ثم إلى غزنة مرحلة.
وغزنة مدينة جليلة عامرة كثيرة الأسواق ذات تجارات وتجار مياسير ومنها يدخل إلى بلاد الهند.
وفي هذا الطريق إذا جئت مدينة بنجواي فإن شثت أخذت ذات اليمين إلى مدينة بالس التي هي على شفير المفازة وصرت من مدينة بنجواي إلى رباط الحجرية منزل ثم إلى رباط كنكى منزل ثم إلى رباط بر منزل ثم إلى حصن اسفنجاي مرحلة فذلك من مدينة بنجواي إلى اسفنجاي أربع مراحل.
واسفنجاي حصن مانع وله زراعات وماشية وإلى جانبه حصن القصر وهو حصن كبير كثير العمارة وبينهما ثلاثة أميال ومن اسفنجاي إلى مدينة سيوي مرحلتان وهي متاخمة لمفاوز السند وهي مدينة حصينة عامرة ويجلب مما دار بأرضها الحلتيت الذي لا نظير له ويجنى منه الشيء الكثير الذي لا يتحصل لكثرته.
وبين مدينة بنجواي وبين كهك في جهة المشرق مقدار ثلاثة أميال ومن مدينة بست إلى مدينة سروان مرحلتان في جهة المشرق وسروان مدينة حسنة لها سور وأسواق حسان وتجارات وفوائد ومنها في جهة الشمال إلى ضفة نهر هيذمند مرحلة فتعبر هذا الوادي وتدخل مدينة درتل وهي على ضفة النهر وهي مدينة حسنة الصفة حصينة الوضع متقنة الأسواق وفيها تجارات وخيرات شاملة.
ومنها إلى مدينة درغش مرحلة والطريق على ضفة النهر ودرغش مدينة حسنة متقنة لها أسوار ومساكن عامرة وتجارات قائمة وهي على نهر هيذمند ودرغش ودرتل من بلاد الداور.
ومن درتل إلى بغنين يوم في قبائل بشلنك ومدينة خابين من بلاد بشلنك وهي عامرة كبيرة ولا سور عليها ولها قلعة حصينة.
ومن مدينة هراة التي يأتي رسمها وذكرها بعد هذا إلى مدينة بوزنجان ثمانية أيام وبوزنجان من بلاد خراسان وهي مدينة عامرة لها أسواق وحمامات وعمارة متصلة ومنها إلى نيسابور ست مراحل.
ونيسابور في أرض سهلة وليس لها ماء جار إلا نهر يخرج إليهم فضله في السنة ولا يدوم ماؤه وهو فضل مياه هراة وزروعهم بعلية وهي مدينة يكون قدرها نصف قدر مدينة مرو.
وأما سرخس فطيبة الثرى معتدلة الهواء وليس لها رساتيق ولا قرى كثيرة ولأهل بواديها همة في انتخاب الجمال وتنسيلها وشربهم من مياه الآبار وأرحاؤهم تديرها الدواب وبناؤها بالطين واللبن ومن مدينة سرخس إلى هراة خمس مراحل بين جنوب وشرق ومن سرخس إلى بوزنجان أربعة أيام.

ومن مدينة بوزنجان إلى مدينة ينابذ خمس مراحل ومن بوزنجان إلى مالن مرحلة وهي مدينة صغيرة عامرة ويقال لها مالن كواخرز وليست بمالن هراة ومن مالن إلى خايمند مرحلة وهو قطر كبير عامر ومن خايمند إلى سنكان مرحلة ثم إلى مدينة ينابذ مرحلتان ومدينة ينابذ أكبر في القدر من مدينة خور وهي مدينة صغيرة متحضرة بناؤها بالطين وفيها أسواق قائمة دائمة ولها قرى ومزارع وغلات وماؤهم من ماء يدخل البلد في قنوات.
ومن مدينة ينابذ إلى مدينة قاين مرحلتان وهي عامرة آهلة عليها سور تراب وبناؤها من طين ولها قصبة وعليها خندق ولها مسجد جامع ودار الإمارة منها في القصبة وشرب أهلها من ماء جلب إليهم في قنى وبساتينهم قليلة وقراها متفرقة وهي في القدر نحو سرخس وهي قصبة قوهستان ومن حومة قاين وعلى مرحلتين منها في طريق نيسابور يحمل الطين النجاحي الذي يحمل إلى سائر الآفاق للأكل وهو طين أبيض عجيب.
ومن قاين إلى الزوزن ثلاث مراحل والزوزن مدينة عامرة كثيرة التجارات قائمة الأسواق حسنة حصينة.
ومن الزوزن طريق إلى هراة وذلك أنك تخرج من الزوزن إلى مدينة خركرد يوم وهي مدينة صغيرة حسنة ومنها إلى مدينة فركود مرحلتان وفركود حصن عامر كبير به مسجد وسوق عامرة ومن فركود إلى بوشنج يومان وبوشنج مدينة متحضرة وهراة مرحلة وسنأتي بذكر هذه البلاد على التقصي بعد هذا إن شاء الله تعالى.
ومن قاين إلى الطبس ثلاث مراحل والطبس أكبر قطراً من ينابذ وهي أصغر من قاين وهي مدينة جرومية ولها نخيل وعمارات ولها سور تراب وبناؤها بالطين وماؤها من مياه مجلوبة إليهم في قنى ونخيلها وبساتينها أكثر من بساتين قاين ولا قصبة لها ومن الطبس إلى خور مرحلتان كبيرتان وخور مدينة صغيرة على شفير المفازة وتدعى بخوسب وبين خور وخوسب مرحلتان.
وكذلك من قاين إلى خور يومان وخور مدينة أصغر من الطبس وبناؤها بالطين وليس لها حصن ولا قصبة وبساتينها قليلة ونخلها قليل وماؤها يدخل البلد في قنى حجر مسربة إليهم وخوسب مدينة أكبر من خور وبها مسجد ومنبر وأسواق حسان وتجارات دائرة.
وكذلك من خوسب إلى مدينة كرين نحو ثلاث مراحل وكرين هذه قرية كبيرة مائجة لا سور لها ولها رستاق كبير وبين كرين وطبس اثنا عشر ميلاً.
ومن مدن نيسابور مدينة ترشيز وهي مدينة عامرة متحضرة ذات سور حصين وخندق وبساتين وتجارة وبينها وبين نيسابور أربع مراحل وبين ترشيز وينابذ المقدم ذكرها مرحلتان تخرج من ترشيز إلى كندر مرحلتان ثم إلى ينابذ مرحلة وكندر حصن متحضر لها سوق عامرة ومن الزوزن المتقدم ذكرها إلى سلومك مرحلتان وسلومك عن يسار سنكان ومن سنكان إلى ينابذ مرحلتان.
وجملة ما بين قاين ونيسابور عشر مراحل لأن من نيسابور إلى مالن أربع مراحل ومن ماين إلى سنكان مرحلتان ومن سنكان إلى ينابذ مرحلتان ومن ينابذ إلى قاين مرحلتان وكذلك من نيسابور إلى الزوزن عشر مراحل.
ومن نيسابور إلى مالن أربع مراحل ثم إلى سنكان يومان ومن سنكان إلى سلومك يومان ومن سلومك إلى الزوزن يومان.
وكذلك من ترشيز إلى خاسكين أربع مراحل وخاسكين مدينة صغيرة بها مسجد ومنبر ولها مزارع وعمارات متصلة ومنها إلى نيسابور ستة وستون ميلاً وبين قاين وترشيز خمس مراحل وكذلك من ترشيز إلى ينابذ ثلاث مراحل ومن ترشيز إلى قرية سلم ست مراحل وقرية سلم في المفازة وقد سبق ذكرها وهاهنا انقضى ذكر ما في هذا الجزء السابع والحمد لله على ذلك كثيراً دائماً ويتلوه الجزء الثامن من الإقليم الثالث وحسبنا الله وحده.
الجزء الثامن
إن الذي تضمن هذا الجزء الثامن من البلاد والأكوار بقية من أرض سجستان إلى ما يليها من بلاد الباميان وبلاد الغور قبلها ثم بلاد بذخشان ثم بلاد وخان وبلاد الختل وبلاد بلخ وبلاد هراة وبلاد مرو وسائر بلاد خراسان إلى ما عدا النهر المسمى بجيحون من بلاد بخارا وسمرقد ثم بلاد اشروسنة ثم بلاد فرغانة والتبت مع ما يليها من بلاد الشاس وفاراب وفي كل أرض من هده الأرضين التي سطرنا ذكرها عدة بلاد وقلاع معمورة مشهورة ونحن نريد أن نتكلم فيها حسب ما قدمناه في ذكر غيرها من الأرضين الكائنة في الإقليم الأول والثاني بحول الله تعالى.

فنقول إن شرق بلاد سجستان يتصل بالغور والإقليم الذي يلي الغور يسمى الداور وهو إقليم واسع كثير الخير خصيب وهو ثغل للغور وبغنين وخلج وبشلنك وخوابين وبغنين بلد حسن خصيب كثير الفواكه ومنه إلى درتل يوم في قبائل بشلنك ودرتل مدينة على ضفة نهر هيذمند وهي من قواعد بلاد الداور وبها عمارة ومزارع ولا سور لها ومن بلاد الداور أيضاً مدينة تل ومدينة درغش وقد سبق ذكرها ويعمر هذه الأرض قبيلة تسمى الخلج وهم صنف من الأتراك وقعوا إلى هذا المكان في قديم الدهر واتصلت عمارتهم إلى شمال الهند وظهر الغور وبعض بلاد سجستان الشرقية وهم أصحاب سوائم وأنعام وحرث وخير شامل وزيهم زي الأتراك في اللباس والهيئة وجميع أفعالهم وفي حروبهم وسلاحهم وهم مهادنون لا يقولون بشر ولا يرونه.
ويعبر النهر في درتل ويسار إلى مدينة سروان وبينهما مرحلة ومدينه سروان مدينة صغيرة القدر لكنها عامرة متحضرة ولها قرى ورساتيق وغلات ومنافع جمة وهي أكبر من القرنين وأكثر خيراً وبها فواكه ونعم عامة وأعناب تحمل منها إلى بست وغيرها وبين مدينة بست وسروان مرحلتان تخرج من سروان إلى منزل يسمى فيروزقند ومنه إلى بست وفيروزقند مدينة صغيرة متحضرة ولها سوق على قدرها وهي على يمين الطريق لمن سار إلى الرخج والرخج اسم إقليم ومدينتها بنجواي وقد سبق ذكر بنجواي في أول بلاد سجستان ويقابل مدينة درتل في الضفة الجنوبية من نهر هيذمند مدينة روذان وهى مدينة صغيرة خصيبة وأما مدينة تل فهي مدينة متاخمة لأرض الغور وهي صغيرة خصيبة.
والغور جبال عامرة ذات عيون وبساتين وأنهار وهى خصيبة منيعة كثيرة الزرع والمواشي ولسانهم غير لسان أهل خراسان وليسوا بمسلمين ويطيف بالغور مما يلي هراة والجوزجان بلد فراوة وبلد داؤود بن العباس ورباط كروان وغرجستان وهذه كلها بلاد خصيبة وأهلها مسلمون وأكثر رقيق الغور يقع إلى هراة وسجستان لأن أهل تلك النواحي المجاورين لهم يسرقون أبناءهم ونساءهم ويستخرجونهم إلى بلادهم.
ومن شاء أن يدخل من بنجواي إلى غزنة سار إليها عن تسع مراحل شرقاً فمن بنجواي إلى تكين اباذ مرحلة ثم إلى رباط الاوق مرحلة ثم إلى رباط خنكل اباذ مرحلة ثم إلى قرية غرم مرحلة ثم إلى خاست مرحلة ثم إلى قرية جومة مرحلة ثم إلى خابسان مرحلة وهي قرية وهو أول حد غزنة ثم إلى قرية خسراجى مرحلة ثم إلى رباط هذوا وهي قرية عامرة مرحلة ومنها إلى غزنة مرحلة خفيفة.
وغزنة مدينة كبيرة حسنة عليها سور تراب وخندق يستدير بها وهي كثيرة العمارة آهلة وبها أسواق دائمة وجبايات قائمة وتجارات وأموال ظاهرة وغزنة فرضة للهند.
ويتاخم مدينة غزنة مدينة كابل وبينهما تسع مراحل وكابل مدينة كبيرة في نحو الهند لها أسوار ومنعة ولها في داخلها قصبة حصينة ولها ربض خارج المدينة وملوك الشاهية لا تتم لهم الولاية إلا لمن عدت له بالملك في كابل وإن كان منها على بعد فلا بد له من المسير إليها حتى تعقد له الشاهية بالملك وكابل ولجرا وسكاوند كلها جروم حارة غير أنها لا نخيل بها ويقع في بعضها الثلوج وهي في حيز الصرود.
ومدينة سكاوند مدينة عامرة بأهلها وبها أسواق وتجارات وأموال حاضرة وبينها وبين مدينة كابل سبعة أيام وكذلك من سكاوند إلى مدينه لجرا سبع مراحل.
فالطريق من بلاد الغور إلى هراة تخرج من حدود الغور إلى مدينة جشت مرحلة خفيفة ومنها إلى مدينة اوفة مرحلتان واوفة مدينة حسنة لها سور تراب ومنها إلى ماراباذ مرحلة وهي مدينة جليلة قليلة البساتين صغيرة المقدار أصغر من مالن ولهم زروع ومن ماراباذ إلى استربيان مرحلة خفيفة وهي مدينة صغيرة خصبة وهي فيما بين جبال وهي أصغر من مالن ولها مياه كثيرة وبساتينها قليلة والزروع عندهم كثيرة وفيها جمل كروم على البعل ومن استربيان إلى مدينة خيسار مرحلة وخيسار مدينة كبيرة القطر كثيرة الخير ومنها إلى باشان مرحلة وباشان مدينة صغيرة حسنة بها أسواق وصناعات ومنها إلى هراة يوم.

وهراة مدينة عامرة لها ربض وفي مدينتها قصبة ولها أبواب كثيرة كلها خشب مصفحة بالحديد إلا باب سراي فإنه كله حديد والمسجد الجامع في المدينة والأسواق محيطة به والسجن في قبلته وهذا المسجد كبير الفناء حسن البناء به من فقهاء المسلمين وعلمائهم خلق كثير وهي فرضة لخراسان وسجستان وفارس والجبل من هراة على ستة أميال على طريق بلخ ومحتطبهم من مفازة بينها وبين اسفزار وليس لهذا الجبل محتطب ولا مرعى وإنما يرتفقون منه بالحجارة للأرحاء وفرش قيعان الديار وغير ذلك والبساتين متصلة على طريق سجستان مقدار مرحلة بضفة النهر ووالي هراة كان ينزل قبل هذا بمكان يسمى خراسان اباذ بينه وبين المدينة نحو من تسعة أميال على طريق بوشنج في غربي هراة وأبنيتها من طين وبها قصر ومسجد جامع وطول خراسان أباذ ميل ونصف في مثله.
ونهر هراة يخرج من جبال الغور من قرب رباط كروان فإذا خرج عن حد الغور خرجت منه أودية كثيرة يسقى بها ويزرع عليها فمنها نهر يعرف بوخوى يسقي رستاق سنداسنك ونهر آخر يسمى بارست ويسقى به رستاق سوسان ونهر آخر يسمى سكوسكان يسقي رستاق شغلة ونهر آخر يسمى كراغ يسقى به رستاق كوكان ونهر آخر يعرف بغوسجان يسقي رستاق كوك ونهر آخر يعرف كبك يسقي رستاق غوتان وكربكرد ونهر آخر يعرف بسبغر يسقي رستاق سرخس في حد بوشنج ونهر المدينة يسمى انجير.
ويلي مدينة هراة مدينة كروخ وبينهما ثلاثة أيام وهي مدينة متحضرة عليها سور حصين من تراب وبنيان المدينة بالطين وهي في شعب بين جبال كثيرة وبساتينها كثيرة عامرة كثيرة المياه والكروم والأشجار ويرتفع من كروخ الكشمش المجلوب إلى الآفاق وهو الزبيب العجيب المنظر الحسن الطعم الذي يحمل إلى العراق وغيرها لكثرته وطيبه وكذلك أكثر الزبيب العجيب المحمول إلى هذه الجهات يكون من مالن هراة.
ومالن هراة مدينة حسنة كثيرة البساتين والجنات والكروم التي تعد كثرة وبين مالن وهراة مرحلة وكذلك مدينة باشان مدينة كبيرة كثيرة الأسواق والصنائع وأهلها مياسير ولهم همم في ملابسهم وزيهم وهي قليلة الأشجار والمياه وقدرها أصغر من مالن وأهلها أهل جماعة وبينها وبين هراة مرحلة وكذلك من مدن هراة مدينة اوفة وهي أصغر قدراً من مدينة هراة ولها أسواق عامرة وتجارات كثيرة ولها بساتين وجنات وكروم ومنها إلى خيسار ثلاث مراحمل ومما يجاور هراة على طريق سجتان مدن اسفزار وهي أربعة منها كواسان وهي أكبرها وهي مدينة أصغر من كروخ ولها مياه وبساتين كثيرة ومنها مدينة كواران وهي مدينة متحضرة صغيرة وبها متاجر وصناعات ومنها كوشك وهي أيضاً مدينة حسنة تشبه كواسان في القدر والمباني ومنها اذرسكن وهي مدينة صغيرة حسنة لها بساتين وزراعات ومياه كثيرة عذبة وهذه المدن الأربع عامرة متقاربة الأقدار وهي كلها في أقل من مرحلة.
وبين اسفزار وهراة ثلاث مراحل ومن هراة إلى قاين من قوهستان ثمانى مراحل ومن هراة إلى مرو الروذ ست مراحل ومن هراة إلى سرخس خمس مراحل.
ومن مدن هراة أيضاً مدينة بوشنج وهي في القدر نحو نصف هراة وهي وهراة في مستو من الأرض ومن بوشنج إلى الجبل ستة أميال ولها سور وخندق وثلاثة أبواب وبناؤها بالآجر والجص ولهم في مبانيهم همة وهم أصحاب تجارات وأموال صامتة ولها مياه وأشجار كثيرة ولهم بهذا الجبل شجر عرعر كثير يفوق كل خشب جودة وكثرة ومنها يتجهز به إلى سائر الآفاق وشرب أهلها من النهر وهذا النهر الذي يصل إلى سرخس عليه القناطر المعقودة في وسط البلد ومن بوشنج في جهة المغرب خركرد وفركرد وبين بوشنج وفركرد مرحلتان وفركرد مدينة صغيرة متحضرة أصغر من كوسرى وبها مياه وزروع كثيرة ومن فركرد إلى مدينة خركرد يومان ومن خركرد إلى الزوزن يوم وخركرد مدينة صغيرة المقدار آهلة كثيرة الأهل وبها أسواق وعمارات وماؤها قليل الجري وأهلها أصحاب سوائم.

ومن مدينة بوشنج وأنت خارج إلى فركرد مدينة كرة وبينهم اثنا عشر ميلاً عن يسار الذاهب إلى نيسابور ومدينة كرة كثيرة المياه كثيرة المساكن لها بساتين وجنات وبين كرة وطريق الجادة نحو ثلاثة أميال وأكبر المدن بعد مدينة بوشنج كوسرى وهي حصينة لها سور حصين ومقدارها نحو الثلث من مدينة بوشنج وبناءها بالطين ولها مياه جارية وبساتين كثيره وبالشرق من بوشنج باذغيس ومدنها جبل الفضة وكوه وغناباذ وبست وجاذوا وكابرون وكالوون ودهستان ومدينة دهستان كبيرة طولها نحو من ميل ونصف ميل وبناؤها باللبن والطين وهي على ظهر جبل لا بساتين لأهلها ولا كروم ولهم أسراب كثيرة في الأرض ولهم ماء جار في حضيض الجبل قليل الجري وجبل الفضة على طريق سرخس من هراة وأما كوه فهو أكبر من جبل الفضة ويسمي بجبل الفضة لأنه كان في أعلى الجبل معدن عظيم الفائدة فانقطع لبعد غووه ولانقطاع الحطب الذي يسبك به وأما مدينة كوه فإنها في صحراء وهي صغيرة فيها سوق وعمارة وكذلك غناباذ وبست وجاذوا كلها تتقارب قدودها وأشكال أهلها ومتاجرها وبناؤها ولهم مياه وبساتين وأكثر زروعهم على المطر وكذلك كابرون وكالوون وهما متجاورتان في نحو ثلثة أميال وليس بينهما مياه جارية ولا بساتين عامرة وإنما مياههم من الآبار والأمطار وهم أصحاب زروع وأغنام وأبقار كثيرة.
وفي ناحية الشرق وإلى ناحية بلخ رستاق كنج وبه ثلاث مدن منها ببن وكيف وبغشور ومدينة ببن ينزلها سلطان تلك الناحية وهي أكبر من بوشنج وهي عامرة كثيرة التجارات وأهلها مياسير ولهم مياه وبساتين وبناؤها باللبن والطين وكذلك مدينة كيف مدينة حسنة عامرة بالوارد والصادر ولأهلها أحوال صالحة وأموال مدارة في أنواع التجارات وبناؤها بالطين ولها مياه جاريه كثيرة وبساتين وغلات وكروم وأما مدينة بغشور فمدينة حسنة عامرة كبيرة يكون مقدارها مثل بوشنج ونحو كيف وبها جنات وبساتين ومتنزهات ولأهلها أحوال صالحة وتجارات رابحة وتربتها صحيحة وهواؤها معتدل وأكثر زروعها على المطر ومياهها من الآبار والمطر.
ومن مدينة هراة إلى ببن مرحلة ومن ببن إلي كيف مرحلة ومن كيف إلى بغشور مرحلة.
وتتصل هذه البلاد بغربي بلاد مرو الروذ ولمرو الروذ بلاد كثيرة عامرة ومدينة مرو الروذ أكبرها وهي أكبر من بوشنج وهي على غلوة سهم من النهر.

ومرو مدينة قديمة في مستو من الأرض بعيدة عن الجبال أرضها سبخة كثيرة الرمل وأبنيته من الطين وفيها ثلاثة مساجد للجماعات ولها قصبة في نشز مرتفع وماء المدينة يجلب إليها في قنوات كثيرة وللمدينة أربعة أبواب ولمرو نهر عظيم تتشعب منه أنهار يسقى بها الرساتيق ومبدؤه من شمال جبل الباميان واسم هذا النهر نهر مرغاب ويجري هذا النهر على مرو الروذ وعليه ضياعهم وفي هذه الضياع مبان متقنة ومتنزهات حسنة ومساكن متحصنة ومدينة مرو معتدلة الهواء حسنة الثرى حكى الحوقلي أن البطيخ بها يقدد ويحمل إلى سائر الآفاق ويرفع من مرو الإبريسم والقز الكثير ويتجهز منها بالقطن العجيب الذي ينسب في سائر الأقطار إليها وهو الغاية في اللين ويعمل بها منه ثياب تحمل إلى كل الآفاق ولها منابر مضافة إليها ومعدودة منها مثل كشميهن وهي على مرحلة منها ولها منبر ويجري عليها نهر كبير ولها بساتين وأشجار وأسواق قائمة عامرة وبها فنادق وحمامات ومنها هرمزفرة على مقدار فرسخ من كشمين عن يسارها وعليها طريق مفازة سيفاية التي تؤدي إلى خوارزم وهي مدينة متوسطة ذات عمارات وأسواق ودخل وخرج ولها منبر ومنها سنج وهي مدينة مثل هرمزفرة وهي على مرحلة من مرو غرباً وبها منبر ولها بساتين وزروع ومن مدنها أيضاً جيرنج وهي مدينة صغيرة لها أسواق وتجار مياسير وبها منبر وهي على تسعة أميال من مرو قبل زرق بثلاثة أميال وهي على ضفة النهر وكذلك الدندقان على مرحلتين من مرو على طريق سرخس وهي مدينة حسنة لها سور وحصن وأسواق وحمامات وفنادق وبها مسجد جامع ومنبر ومن مدنها القرينين وهي مدينة حسنة حصينة خصبة بها سوق ومسجد جامع وخطبة قائمة ولها مياه جارية وبساتين ومنها إلى مرو أربع مراحل ومن مدنها باشان وهي مدينة عامرة حسنة المباني فرجة الأرجاء متقنة الأسواق وبها فنادق وحمامات ومسجد جامع ومنبر يمشى إليه وهي من هرمزفره على ثلاثة أميال ومن مدنها السوسقان وهي مدينة كبيرة عامرة رحبة المساكن فرجة كثيرة النزه لها مياه جارية وبساتين كثيرة وبها مسجد ومنبر ومدينة السوسقان يسرة زرق غير أنها أبعد منها بثلاثة أميال وزرق على نهر مرو وبينها وبين مرو اثنا عشر ميلاً بين طريق سرخس وأبيورد.
ومن مدن مرو الروذ قصر أحنف وهو على مرحلة من مرو الروذ في طريق بلخ وهي من الأميال خمسة عشر ميلاً وهي مدينة صغيرة بها سوق عامرة وعليها سور تراب ولها مياه جارية وبساتين وفواكه كثيرة ومن مدنها مدينة دزة وهي على اثني عشر ميلاً من قصر أحنف وهي مدينة صغيرة بها فواكه وبساتين وكروم وعمارات ونهر مرو يشقها نصفين وبينهما قنطرة يعبر عليها.
والطالقان مدينة كبيرة نحو من مرو الروذ في الكبر ولها مياه جارية وعمارات متصلة وبساتين قليلة وبناؤها بالطين وهي أصح هواء من مرو الروذ ومن مرو الروذ إليها اثنان وسبعون ميلاً والطالقان في جبل يتصل بجبال الجوزجان ولها رساتيق في الجبل ويعمل في طرزها اللبود المنسوبة إليها ويتجهز بها منها إلى كل الجهات وليس يصنع في بلد من البلاد مثلها إتقاناً وحصافة والطالقان على رصيف الطريق من مرو إلى بلخ ومن الطالقان إلى مدينة الفارياب ستون ميلاً.
والفارياب مدينة من الجوزجان أصغر من الطالقان قطراً وهي أكثر خلقاً وأوفر عمارةً وبساتين ومياهها جارية عذبة وفيها طرز وصنائع وتجار مياسير وبناؤها من طين ولها مسجد جامع وليس مع مسجدها منارة وبينها وبين الطالقان في جهة الغرب مرحلتان كبيرتان.
ومنها إلى اشبورقان شرقاً أربعة وخمسون ميلاً واشبورقان من مدن الجوزجان والجوزجان اسم الناحية وليس بمدينة واشبورقان مدينة عامرة بها مياه جارية قليلة وعليها زروع أهلها وبساتينها قليلة وفواكهها عديمة وإنما تجلب إليها مما جاورها من البلاد ومن اشبورقان إلى بلخ أربعة وخمسون ميلاً.
ومن مدن الجوزجان أنبار وبينها وبين اشبورقان مرحلة في ناحية بين الغرب والجنوب وهي مدينة كبيرة أكبر قطراً من مرو الروذ ولها مياه وخصب وكروم وبساتين وعمارتها متصلة وبها طرز ومصانع لجمل من الثياب يتجهز بها منها إلى كل الأقطار وبناؤها بالطين وهي مدينة جليلة وبها يقيم السلطان في الشتاء ومقامه في الصيف بالجرزوان ومن اشبورقان إلى اليهودية طريق مرحلتان وكسر ومن الفارياب إلى اليهودية مرحلة.

واليهودية مدينة مقتدرة جامعة ولها سور وأسواق وعمارة وصناعات وبها مسجد جامع ولجامعها منارتان ومن اليهودية إلى مدينة سان مرحلة وهي صغيرة لها مياه وبساتين وجنات وهي من مدن الجبل وكندرم أيضاً مدينة جليلة متحضرة كثيرة الكروم والفواكه المختلفة الأجناس وهي في ذاتها جامعة للخيرات وهي من مدن الجبل ومن اشبورقان إلى كندرم أربع مراحل ومن اليهودية إليها مرحلة بين شرق وجنوب ومدينة نريان مدينة عامرة موضعها بين اليهودية والفارياب.
وأما الجرزوان فهي مدينة بين جبلين أشبه بلد بمكة وشعابها كشعابها ومزارعها قليلة وبساتينها مثل ذلك وبها مياه جارية وعيون مطردة ومن اشبورقان إليها ثلاث مراحل خفاف ومن اشبورقان إلى اندخذ مرحلتان بين جنوب وشرق.
ويجلب من مدن الجوزجان الجلود المدبوغة التي يتجهز بها إلى سائر بلاد خراصان وبلادها بلاد خصب ودعة وفواكه كثيرة عامة وبها تجارات وتختلف إليها الرفق مارة وقادمة بضروب من التجارات والمجالب.
ويتصل بمرو من جهة المغرب بلاد الغرج وهما مدينتان إحداهما تعرف ببشين والأخرى شورمين وهما متقاربتان في الكبر وليس مقام سلطانهما في شيء منهما وإنما يقيم في الجبل المسمى بلكيان وبهما مياه جارية ومزارع ممتدة وغلات وفوائد ويرتفع من بشين أرز كثير يحمل إلى بلخ وسائر الجهات لكثرته وطيبه ويرتفع من شورمين زبيب كثير طيب جيد الطعم قليل النوى يتجهز به إلى كثير من الأقطار لكثرته وطيبه وبين بشين ودزة مرو الروذ مرحلة في المطلع وهي من نهر مرو الروذ على غلوة من شرقيه ودزة بمقربة من النهر ومن بشين إلى شورمين مرحلة مما يلي الجنوب وهي في الجبل المعروف ببلكيان.
وفي الشمال من مدينة مرو إلى مدينة أبيورد ست مراحل ومن مرو الروذ إلى مرو الشاهجان ست مراحل فذلك من مرو الشاهجان إلى هراة اثنتا عشرة مرحلة ومن هراة إلى مرو الروذ ست مراحل وكذلك من مرو الروذ إلى بلخ ست مراحل ومن مرو الروذ إلى سرخس خمس مراحل ومن مرو إلى آمل على شط نهر جيحون ست مراحل خفاف وهي من الأميال مائة وأربعة وعشرون ميلاً وآمل بينها وبين النهر المسمى جيحون ثلاثه أميال وآمل هذه مدينة حسنة متوسطة القدر ولها بساتين وعمارة وبها ناس وتجارة ومنافع وجبايات كافية وهي على شفير مفازة.
ومن آمل إلى مدينة خوارزم المسماة الجرجانية اثنتا عشرة مرحلة ومن الجرجاية إلى بحيرتها ست مراحل وكذلك من آمل إلى زم طالعاً مع النهر أربع مراحل ومن زم إلى الترمذ في النهر خمس مراحل ومن الترمذ مع النهر إلى بذخشان ثلاث عشرة مرحلة وهذا طول خراسان وخوارزم مع جرية النهر وجميع ذلك يكون أربعين مرحلة.
وأما مدينة زم فمدينة تقارب آمل في الكبر ولها ماء جار وبساتين وعمارات وزروع وتجارات وصنائع مكتفية بذاتها وهي وآمل يجتمع بها مسافرو خراسان وآمل أكثر معبراً إلى ما وراء النهر ويحيط بهما جميعاً مفاوز تتصل من حدود بلخ إلى بحيرة خوارزم والغالب على هذه المفازة الرمال ومن مدينة زم إلى الترمذ وهي في الضفة الشرقية من النهر المسمى بجيحون أربع مراحل في نفس جيحون.
وهذا النهر مخرجه من بلاد وخان في حدود بذخشان ويسمى هناك نهر جرياب ثم تجتمع إليه أنهار خمسة كبار في حدود الختل والوخش فيصير منها نهر عظيم لا نظير له في أنهار الأرض كثرة ماء وسعة مجرى وعمق قعر فأما نهر جرياب فيليه نهر يسمى باخشوا وهو نهر هلبك ويلي هذا النهر نهر ثان ويسمى نهر بلبان ويلي هذا النهر نهر فارغر ثم يليه نهر انديجاراغ ويليه أيضاً نهر وخشاب وقد يقع إلى هذا النهر أنهار كثيرة صغار تخرج من جبل البتم وغيره ومنها أنهار الصغانيان وأنهار القواذيان فتجتمع كلها قبل القواذيان وتقع في نهر جيحون ونهر وخشاب يخرج من بلاد الترك حتى يظهر في أرض الوخش ويسير تحت جبل كبير ويغور تحته ويعبر الجبل كالقنطرة ولا يعلم مقدار جريه تحت هذا الجبل ثم يخرج عن الجبل ويجري في حدود بلخ إلى أن يصل الترمذ وهذه القنطرة الحد بين الختل وواشجرد ثم يجري هذا النهر من الترمذ إلى كيلف إلى زم إلى آمل إلى أن ينتهي إلى بحيرة خوارزم وليس ينتفع أحد من الناس بماء هذا النهر من حيث خروجه من منبعه إلى أن يصل زم وآمل فينتفعون به قليلاً ثم يمنع خيره إلى أن يصل إلى بلاد الغزية فيسقى به هناك وينتفع بمائه.

والترمذ مدينة في نفس جيحون والنهر يضرب سورها ومدينتها على حجز طريق الصغانيان ولها ربض كبير ويحيط بها وربضها سور ودار الإمارة في قصرها ولها أسواق وعمارات وأسواقها في مدينتها وأبنيتها من طين وهي مدينة حسنة عامرة آهلة مفروشة الأزقة والشوارع بالآجر وهي فرضة لتلك النواحي التي على جيحون وشرب أهلها من جيحون ومن نهر كرى الجائي من الصغانيان فيمر تحتها ويقع هناك في نهر جيحون ومن مدنها صرمنجي وهاشم جرد ومن الترمذ إلى بلخ مرحلتان كبيرتان.
ومدينة بلخ في مستو من الأرض وأقرب الجبال إليها على اثني عشر ميلاً وهي دار مملكة الأتراك والملك بها لازم وبها العساكر والأجناد والملوك والقواد والعمال والأسواق العامرة والمتاجر المكسبة والأموال الواسعة والأحوال الصالحة وبناؤها بالطين واللبن ولها سبعة أبواب في محيط سورها وسورها من تراب ولها ربض عامر كثير الساكن وبه أسواق وصناعات ومسجد جامعها في المدينة في وسطها والأسواق دائرة به وهي على ضفة نهر متوسط مقدار ما يدير ماؤه عشر أرحاء وهو جار على باب النوبهار ويسقي رساتيقها وقد أحاط بجميع جوانبها الكروم والجنات والبساتين والمباني والمتنزهات وبها مدارس للعلوم ومقامات للطلاب والأرزاق جارية على من شاء شيئاً من ذلك وبهذه المدينة أموال وملوك مياسير وتجار وأحوال صالحة ومدينة بلخ يتصل بها من جهة جنوبها بلاد طخارستان وبذخشان وأعمال الباميان ومن جهة غربها ومع شمالها بلاد مرو وبلاد الجوزجان وهي قطب ومدار لما جاورها والطريق منها إلى طخارستان وبذخشان.
ومدن طخارستان هي خلم وصمنجان وبغلان وسكلند وورواليز وآرهن وراون والطايقان وسكيمشت وروا وسراي وخسب اندراب واندرابة ومذر وكه.
فمن بلخ إلى ورواليز يومان وورواليز أيضاً مدينة حسنة ذات أسوار وأسواق ومنافع ولها ربض عامر وبها تجارات ولها قرى وعمارات ومنها إلى مدينة الطايقان مرحلتان ومدينة الطايقان مدينة عامرة آهلة قدرها ربع بلخ ولها سور طين ومبانيها بالطين والجيار وهي في مستو من الأرض ولها نهر كبير وكروم وعمارات ولها أسواق وتجارات نافقة وكثير من الصناعات.
ومن شاء أخذ من بلخ إلى خلم يومان وخلم في غربي ورواليز وبينهما يومان وهي مدينة حسنة كثيرة الخيرات مشتملة على بركات ولها مزارع ومياه جارية ومنافع جمة ومن خلم إلى سمنجان يومان وسمنجان في غربي الطايقان وبينهما مرحلتان وهي في ذاتها مدينة حسنة آهلة عامرة بالتجار والناس والجلة ولها سور تراب ومن سمنجان إلى أندرابة خمسة أيام وهي مدينة في سفح جبل ومنها تجمع الفضة التي من جارباية وبنجهير ولمدينة أندرابة نهران أحدهما يسمى أندراب والآخر يسمى نهر كاسان ولها بساتين وحدائق ومتنزهات وأشجار كثيرة وكروم ومن الطايقان أيضاً إلى مدينة بذخشان سبع مراحل وكذلك من أندرابة إلى بذخشان شرقاً أربع مراحل ومن أندرابة إلى جارباية جنوباً ثلاث مراحل.
ومدينة جارباية مدينة صغيرة وهي في أسفل جبل على نهر يأتي إليها عن بنجهير فيشق المدينة ولا ينتفع بشيء من ماء النهر فيها وينتهي إلى أن يمر بفروان ويتصل بأرض الهند فيصب في نهر نهروارة وليس لأهل جارباية شيء من الشجر ولا بساتين إلا قليل مباقل وإنما يسكنونها على استخراج المعادن التي فيها ولا شيء أفضل من معدنها ومعادن بنجهير أيضاً مثلها وكلاهما على جبل وعر ومن جارباية إلى بنجهير يوم وبنجهير مدينة صغيرة على جبل وأهلها أشرار أسلاط فساد ولهم نهر يأتي من جبلهم ويصل إلى جارباية كما وصافناه قبل وكلا هاتين المدينتين أهلهما أصحاب طلب ومعرفة باستخراج المعادن وسبكها واستخراجها من أرضها وما لصق بها ومن بنجهير إلى فروان مرحلتان جنوباً ومدينة فروان مديمة صغيرة حسنة الجهات متحضرة الأسواق وبها تجارات وناس مياسير وبناؤها بالطين واللبن وهي على نهر بنجهير الواصل إلى الهند وفروان فرضة لدخول الهند.

ومن أندرابة السابق ذكرها إلى بغلان مرحلتان ومن بغلان إلى سمنجان مرحلتان ومن بغلان إلى بلخ ست مراحل ومدينة بغلان مدينة عامرة حسنة متحضرة ذات أنهار وأشجار وعمارات وقرى كثيرة ومتاجر وخيرات واسعة ومن بغلان إلى الباميان ثلاث مراحل غرباً ومدينة الباميان تكون على مقدار ثلث بلخ وهي على رأس جبل الباميان وليس بنواحي الباميان مدينة على جبل سواها وتنحدر من جبلها أنهار ومياه كثيرة تتصل بنهر أندراب ولها سور وقصبة ومسجد جامع وربض كبير لاصق بها ومن مدن الباميان بشغورقند وسكاوند وكابل ولجرا وفروان وغزنة وبشغورقند وسكاوند متقاربتان في الكبر والصفة وبهما عمارات وأصواق وتجارات وخيرات عامة وأما كابل وغزنة والفروان فقد تقدم ذكرها في غير هذا الموضع.
والطريق من بلخ إلى الباميان تخرج من بلخ إلى مذر ست مراحل وهي مدينة صغيرة عامرة في مستو من الأرض والجبل يبعد عنها يسيراً ومنها إلى مدينة كه مرحلة وهي مدينة صغيرة متحضرة لها سوق وعمارة ومنبر ومنها إلى الباميان ثلاث مراحل وكذلك من مدينة بلخ إلى بذخشان ثلاث عشرة مرحلة ومن بلخ إلى الطايقان أربع مراحل ومن الطايقان إلى بذخشان سبع مراحل وذكر الحوقلي في كتابه أن من بلخ إلى اشبورقان ثلاث مراحل ومن اشبورقان إلى الفارياب ثلاث مراحل ومن الفارياب إلى الطالقان ثلاث مراحل ومن الطالقان إلى مرو الروذ ثلاث مراحل وهذه المراحل مراحل صغار وقد ذكرنا فيما تقدم أن لهذه المراحل من الأميال التي بين مرو وبلخ ثلثمائة وثمانية وأربعين ميلاً.
ولنرجع الآن إلى ذكر مدينة بذخشان فنقول إن مدينة بذخشان مدينة صغيرة ولها رساتيق كثيرة خصبة ولها كروم وأشجار وعيون جارية وعليها سور تراب حصين وبها أسواق وفنادق وحمامات وتجار وأموال متصرفة وهي على نهر جرياب وفي غربيه ونهر جرياب هو معظم نهر جيحون الأعظم وبجبالها دواب كثيرة ونتاج كثير ويجلب منها الخيل والبغال والرماك المنتخبة وترفع منها الحجارة ذوات الجواهر النفيسة التي تشاكل الياقوت الأحمر والرماني وسائر أنواع الحجارة ويجلب منها اللازورد ويستخرج بها منه الشيء الكثير ويحمل إلى سائر أقطار الأرض فيعمها كثرة ولا شيء يفوقه ويقع إليها المسك من طريق وخان من أرض التبت ومدينة بذخشان هذه تتصل ببلاد القنوج من الهند.
وأول كورة على جيحون مما وراء النهر الختل والوخش وهما كورتان غير أنهما مجموعتان في عمل واحد ومكانهما هو بين نهر جرياب ونهر وخشاب وتتصل بالشرق من نهر جرياب بلاد الختل ثم الوخش المتقدم ذكرها فمدن الوخش هلاورد ولاوكند ومدن الختل كاربنك وتمليات وهلبك وسكندرة ومنك وانديجاراغ وفارغر ورستاق بيك والختل أكثره جبال إلا ناحية وخش وأكبر مدينة في الختل منك.
ومدينه هلاورد مدينة عامرة حسنة فيها أسواق وتجارات وداخل وخارج وكذلك مدينة لاوكند مثلها في الكبر والأسواق والتجارات وأما مدينة هلبك فهي مدينة حسنة البقعة رائعة الرقعة كثيرة البساتين والمتنزهات وبناؤها بالطين والجيار وبها أسواق كثيرة وقوم مياسير والسلطان ينزل بها وبين هلبك ومدينة منك مرحلتان ومدينة منك وسطة في الكبر ولها سور من حجارة وجص ولها عمارة وأسواق وبشر كثير وهلبك أصغر من منك ومنك تليها في الكبر وخان وكران وبهما أسواق وصناعات وعمارة كثيرة وكذلك من معبر آرهن وهي مدينة صغيرة إلى هلاورد مرحلتان ومن المعبر إلى هلبك مرحلتان وكاربنج أيضاً مدينة فوق معبر آرهن على نهر جرياب بنحو ثلاثة أميال ومدينة تمليات هي من قنطرة الحجر على اثني عشر ميلاً في طريق منك ومن معبر بذخشان إلى طريق منك مرحلتان ومن رستاق بيك تعبر نهر انديجاراغ ثم تدخلها وبين رستاق بيك وانديجاراغ مرحلة وانديجاراغ مدينة كبيرة حسنة الأسواق والمباني كثيرة الخيرات والمنافع ومن انديجاراغ تعبر نهر فارغر وبينهما يوم ثم تعبر نهر بلبان إلى منك وقد تقدم وصفها ومن الترمذ إلى القواذيان مرحلتان.
والقواذيان مدينة أصغر من الترمذ وعليها سور تراب وبها أسواق وتجار مياسير وضياع وفعلة ولها أكوار وقرى عامرة ومنافع وغلات ولها من المدن نودز وهي مدينة أصغر من القواذيان لكنها متحضرة ذات سوق عامر وتجارات وبضائع وبينهما مرحلة ومن القواذيان إلى الصغانيان ثلاث مراحل.

والصغانيان مدينة أكبر من الترمذ ولها ربض وعليه سور حصين ومساكنها وشوارعها فساح وأهلها قليلون والترمذ أكثر بشراً وأعظم أموالاً وأكثر تصرفاً وتجولاً وللصغانيان قهندز حصين حسن ولها مسجد جامع وخطبة وفقهاء وطلاب للعلم ولها رستاق وقرى وعمارات متصلة وبها مياه جارية وأنهار تتصل بجريها مع أنهار القواذيان وتجتمع بقرب القواذيان حتى تصل أسفل الترمذ.
والطريق من الترمذ إلى الصغانيان أربع مراحل ومن الترمذ إلى جرمنقان مرحلة وجرمنقان مدينة صغيرة ولها رستاق وقرى متصلة ومبان حسنة ولها سوق ومياه جارية ومن جرمنقان إلى صرمنجي مرحلة وهي مدينة صالحة القدر عامرة بالناس والتجار والأسواق والتجارات والصادر والوارد ولها منافع ومنها إلى دارزنجي مرحلة وهي من الأميال أحد وعشرون ميلاً وهي مدينة حسنة كاملة المنافع متقنة الأسواق والشوارع ولها رباطات عامرة ومساكن متقنة ولأهلها أموال وتجارات ومن دارزنجي إلى الصغانيان مرحلتان.
ومن الصغانيان إلى واشجرد تخرج من الصغانيان إلى نوندك تسعة أميال ثم إلى همواران أحد وعشرون ميلاً وبينهما وادي وخشاب وعرضه هناك يكون ثلاثة أميال وأقل من ذلك وأكثر وهمواران مدينة عامرة في غربي النهر متحضرة كثيرة الأهل غزيرة التجار والصنائع والأموال صالحة الأحوال ولها عمارة متصلة وبساتين ومتنزهات ومنها إلى ابات كسوان أربعة وعشرون ميلاً وهي قرية كبيرة عامرة ثم منها إلى شومان خمسة عشر ميلاً ومدينة شومان متوسطة المقدار كثيرة الساكنين والتجار وبها أسواق قائمة وخيرات دائمة وبناؤها بالطين ولها سور منيع ومن مدينة شومان إلى مدينة افديان يوم وهي مدينة صغيرة عامرة ومنها إلى واشجرد يوم خفيف وفي خمسة عشر ميلاً ومدينة واشجرد جيدة المقدار كثيرة العمارات واسعة التجارات بها مياسير وجلة ومسافرون وفي نساء أهلها جمال وبها صناعات وأحوال صالحة ويرتفع من شومان وواشجرد زعفران كثير يحمل إلى كثير من الآفاق والبلاد البعيدة وهو أجل غلة بواشجرد ويرتفع من القواذيان الكمون والقطن والفوة التي يصنع بها الخمرة ويجتمع بها منها الشيء الكثير ومنها تحمل إلى بلاد الهند وللسلطان فيها سهم ومن واشجرد إلى الجبل الذي يدخل نهر وخشاب تحته ويخرج في ناحيتها مرحلة خفيفة.
فمن أراد بلاد الراشت انحرف مع الشرق قليلاً وسار من مدينة واشجرد إلى مدينة دربند مرحلة وهي مدينة صغيرة متحضرة بأسواق وعمارات وناس مياسير ومنها إلى مدينة جاركان مرحلة وهي أيضاً مدينة تقارب دربند في الكبر وبها ما فيها من الصناع والفعلة والتجارات سواء ومن مدينة جاركان إلى مدينة القلعة مرحلة وهي مدينة عامرة منيعة في آخر الراشت مما يلي جبل الأتراك على جبل عال وهم من الأتراك متحذرون والراشت أقصى خراسان من ذلك الوجه وهي مدينة بين جبلين كان منها مدخل للترك إلى القارة فأغلق الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك هناك باباً وجعل عليه من يحرسه ثم تداولت الملوك حراسته إلى الآن.
ومما يلي الوخش والختل وخان والشقينة في بلاد الترك وبين وخان والتبت ثمانية عشر يوماً وبوخان معادن الفضة التي لا نظير لها في الكثرة والطيب وفي أوديتها ذهب تبر يسيل مع الماء في وقت جري السيول فيجمعونه هناك ويخرجرنه إلى البلاد ويقع منا المسك والرقيق والشقينة مدينة من مدائن الأتراك الخرلخية وبينها وبين وخان خمسة أيام وهي تتاخم الوخش.
وبجوار مدينة الصغانيان بلاد كثيرة عامرة فمنها مدينة باسند وبينهما مرحلتان وهي مدينة عامرة أقطارها زاهرة وعمارتها متصلة وخيراتها ومرافقها كثيرة ومن الصغانيان إلى بوراب مرحلة بين مشرق وجنوب وهي مدينة حسنة كثيرة التجارات والعمارات وأهلها مياسير وبها طرز وصناعات وبين بوراب وباسند مرحلة ومن الصغانيان أيضاً إلى ريكدشت ثلاثة أميال وهي مدينة صغيرة ومنها إلى زينور مرحلة شرقاً.

ومن الترمذ أيضاً الطريق إلى بخارا وهي إحدى عشرة مرحلة وذلك أنك تخرج من الترمذ إلى هاشم جرد وهي مدينة صغيرة مرحلة ومنها إلى رباط دارنك ومنها إلى باب الحديد وهي مدينة صغيرة متحضرة ومن باب الحديد إلى كندك مرحلة وكندك مدينة صغيرة متحضرة شبيهة بباب الحديد في الصنائع والأعمال والمتصرفات ومنها إلى الديذكي مرحلة ومنها إلى سوبخ مرحلة وسوبخ أيضاً مدينة حسنة نبيلة المباني والأسواق محتوية على منافع ومن سوبخ إلى نسف مرحلة.
ومدينة نسف كبيرة في مستو من الأرض لها سور وربض كبير عامر يحيط به السور ولها أربعة أبواب وفي المدينة قهندز ليس بالحصين ولها بالربض مسجد جامع وأسواقها في الربض مجتمعة متصلة بين دار الإمارة والمسجد الجامع وليس لها كثير قرى ونواح والجبال منها على نحو مرحلتين شرقاً مما يلي كش ومنها في الجانب الغربي مفازة متصلة بنهر جيحون لا جبل فيها ولها نهر واحد يجري في وسط المدينة ودار الإمارة عليه ويتصل هذا النهر بها من كش فإذا خرج عن المدينة سقى الزارع منها وليس بنسف ورساتيقها ماء جار إلا هذا النهر وينقطع جريه في السنين المحيلة ولهم مياه نابعة جارية تسقي الكثير من بساتينهم ومباقلهم والغالب على مدينة نسف الخصب والسعة والخفض والدعة وبها يجتمع طريق سمرقند بهذه الطريق ولها منبران سوى المدينة ويسمى أحدهما بزدة والثاني كسبة وهما مدينتان صغيرتان عامرتان فيهما مساجد ومنابر وجماعات ومن مدينة نسف إلى مايمرغ مرحلة ومنه إلى ميانكال مرحلة ومنه إلى فراجون مرحلة وهي قرية عامرة ومنها إلى بخارا مرحلة.
والطريق أيضاً من آمل إلى النهر ثلاثة أميال فتعبر في المراكب إلى مدينة فربر في الضفة الشرقية من النهر وهي مدينة عامره حسنة المباني ظريفة الشوارع والمسالك ولها زراعات وبساتين وهي في نفسها حصينة ومن فربر إلى مدينة بيكند مرحلة وهو متوسط الطريق إلى بخارا وهي مدينة متوسطة لها عمارات وسوق قائمة ومزارع وغلات ولها سور حصين ومسجد جامع مزخرف بنيانه وقبلته في تزخرفها وحسنها لا يعلم بناء مثلها وهي مدينة منفردة بذاتها ومن بيكند إلى بخارا مرحلة.

وبخارا مدينة تشف على المدن كبراً وتزهي على المحاسن نظراً فرجة الأرجاء والجهات كثيرة الأشجار والثمرات وهي مدينة في مستو من الأرض وبناؤها خشب مشبك ويحيط بهذا البناء المشبك من القصور والبساتين والمحال والسكك المفترشة والقرى المتصلة ما يكون طوله ستة وثلاثين ميلاً في مثلها ويحيط بها كلها سور يجمع هذه القصور والمساكن والمحال التي تعد من القصبة ويسكنها من يكون من أهل القصبة شتاءً وصيفاً وداخل هذا السور سور آخر يكون عرضه نحو ثلاثة أميال في مثلها وداخل هذا السور مدينة حسنة نحو ثلاثة أميال في مثلها وداخل هذا السور مدينة حسنة متقنة لها سور مجصص ولها قهندز خارج المدينة متصل بها ومقدار هذا القهندز يكون كالمدينة الصغيرة وفيه قلعة ومسكن حسن وقصور يروق الأبصار إطلاعها ويريع الألباب اختراعها وينزلها الولاة من ولد سامان لحسن مصانعها وغرائب اتقانها ووثاقة بنيانها ولمدينة بخارا ربض طويل عريض عامر الديار فسيح المجالات وأكثر أسواقها في هذا الربض وفيها مسجد جامع عديم المثال كثير الاحتفال وموضعه على باب القصبة في المدينة وببخارا من الخلائق ما لا يحصى لهم عدد ولا يحيط بهم خبر وجلة أهلها أملياء أغنياء مياسير أولو أموال طائلة وأحوال صالحة وتجارات واسمة ويشق ربضها نهر الصغد ويخترق أكثر أزقتها وشوارعها وأسواقها وهذا النهر هو فاضل نهر الصغد الجائي إليها من سمرقند ولأهل بخارا عليه طواحين أرحاء عدة وبضفتيه المنازه والبساتين والجنات والحدائق الملتفة الأشجار والمزارع الممتدة ويسقط فاضله في بركة كبيرة في ناحية بيكند وعلى قرب من فربر وتسمى هذه البركة بسامجن وللمدينة سبعة أبواب حديد ولبخارا رساتيق كثيرة وأعمال مشهورة وقرى جليلة وضياع وأكثرها بل كلها تحت الحائط الذي قدمنا ذكره وليس فيما يحيط به هذا الحائط من داخله جبل ولا مفازة ولا أرض غير عامرة وأقرب الجبال إليها جبل وركة وهو حجارة مصفحة ومنه يجلب إلى بخارا الحجر الكثير تفرش به سطوح الدور والشوارع وقد يجلب منه طين الأواني وأحجار الجص وقد يحرق ما صغر من حجره فيتخذ منه الجيار للبنيان والسطوح وفي بخارا بساتين وجنات يأتي منها ألوان الفواكه التي لا يعدلها شيء من الفواكه.

ولبخارا عدة مدن في داخل حائطها وفي خارجه فأما المدن التي في داخل الحائط فالطواويس وهي أكبر منبراً في هذه الناحية وبمجكث وزندنة ومغكان وخجادة وهذه كلها من داخل الحائط وأما المدن التي هي خارج الحائط فمنها بيكند وفربر وكرمينية وخديمنكن وخرغانكث ومذيامجكث وأكبر هذه المدن المذكورة الطواويس وهي مدينة عامرة لها سوق في وقت من السنة معلوم ويقصد إليه الناس والتجار من جميع أرض خراسان للبيع والشراء ويجلب إليه كثير من الأمتعة ويحمل منه الثياب المتخذة من القطن إلى سائر أرض العراق لكثرتها وبها صناعات وطرز لاتخاذ هذه الثياب وبها فواكه مختلفة الأجناس وبساتينها كثيرة ومرافقها موجودة والمياه تخترق طرقها وهي حصينة وفيها قهندز وسور يدور بها ومسجدها الجامع في المدينة ومنها إلى بخارا مرحلة وهي سبعة وعشرون ميلاً وبمجكث مدينة أصغر من الطواويس وهي عامرة متحضرة ولها سور تراب وصناعات كثيرة ولها بساتين وجنات وعمارة متصلة وبمجكث في شمال بخارا وبينهما أربعة وعشرون ميلاً وزندنة أيضاً تشبه مدينة بمجكث في حالها وعمارة قطرها ولها مياه جارية وبساتين وفواكه وهي على شمال المدينة على اثني عشر ميلاً وبينها وبين الطريق نحو ميل ونصف ومغكان أيضاً كذلك مدينة صغيرة فيها أسواق وتجارات قائمة بذاتها ولها بساتين وعمارتها متصلة وهي على يمين طريق بيكند وتنحرف عن الطريق نحو تسعة أميال وخجادة أيضاً مثل هذه المدينة قدراً وكبراً ولها أسواق وعمارات متصلة وهي عن يمين الذاهب من بخارا إلى بيكند على تسعة أميال وبينها وبين الطريق نحو ثلاثة أميال ومن الطواويس إلى كرمينية مرحلة في طريق سمرقند وكرمينية مدينة أكبر من الطواويس وأعمر وأكثر خلقاً وأخصب أرضاً وأكثر فواكه وألطف هواءً ولها مسجد جامع ومنبر ولها قرى كثيرة ومن كرمينية إلى خديمنكن ثلاثة أميال مما يلي بلاد الصغد وبين خديمنكن وطريق سمرقند غلوة سهم على يسار الذاهب إلى سمرقند ومدينة مذيامجكث خلف وادي الصغد أعلى من خديمنكن بمقدار ثلاثة أميال وهذه البلاد تتقارب أقدارها كبراً ويتوازى عمارها بشراً وفي كل واحدة منها مسجد ومنبر وخطبة قائمة وخرغانكث بحذاء كرمينية وعلى ثلاثة أميال من وراء الوادي.
ويتصل ببخارا من شرقيها مع الجنوب أرض الصغد وأولها إذا جزت كرمينية سرت إلى الدبوسية مشرقاً مرحلة وهي من الأميال أربعة وعشرون ميلاً والدبوسية مدينة حسنة كثيرة البساتين والثمار ولها قرى ومزارع وعمارات حسنة ولها سور تراب وبها مياه جارية ومن الدبوسية إلى أربنجن مرحلة خفيفة وهي من الأميال خمسة عشر ميلاً وأربنجن مدينة متوسطة المقدار فيها أسواق وعمارات وتجارات وصنائع وأحوال حسنة ولها مزارع متصلة وبساتين ومنها إلى زرمان ثمانية عشر ميلاً ومن زرمان إلى قصر علقمة خمسة عشر ميلاً ومنها إلى سمرقند ستة أميال.
ومدينة سمرقند مدينة حسنة كبيرة على جنوبي وادي الصغد وقصبة الصغد سمرقند وهي مدينة لها شوارع ومجالات متسعة ومبان وقصور سامية وفنادق وحمامات وخانات وعليها سور تراب منيع يطيف بها خندق وهي كثيرة الخصب والنعم والفواكه ولها أربعة أبواب ويدخل المدينة ماء جلب إليها على جهة الجنوب على باب كش وهو نهر قد بني له قنطرة عالية على الأرض في بعض المواضع إلى أن يدخل المدينة ويشق أسواقها ويعم أكثر قصور المدينة ولهذا النهر حفظة وحراس ونظر بالغ لئلا يصل إليه شيء من الفساد ولها قهندز حسن حصين والمسجد الجامع منها في المدينة أسفل القهندز وبينهما عرض المحجة الشارعة وفي المدينة ديار كثيرة غامرة وقصور شامخة وقليلاً ما يكون منها قصر ولا دار كبيرة إلا ويكون فيها بستان وأشجار ومياه متدفقة والولاة كانت تنزل قبل هذا بسمرقند إلى أن تحولت الولاة إلى بخارا وسمرقند في وقتنا هذا أكثرها خراب وقد صارت عمارتها منتقلة إلى بخارا بسبب الرياسة التي فيها وفيما حكاه أهل الخبر أن مدينة سمرقند ابتدأ بناءها تبع الأكبر واستتم ذلك ذو القرنين وسمرقند مجتمع رقيق ما وراء النهر.

ونهر الصغد الذي يصل إلى سمرقند وينفذ منها إلى بخارا أصل منبعه من جبل البتم على ظهر الصغانيان وينزل في أول من أعين تطرد من جبل البتم وتجتمع في منقع يسمى بورغسر ومنه تتشعب أنهار سمرقند كلها ومعظم الوادي يصل سمرقند ومن هذه الأنهار في جهةه المشرق عند مفارقة ورغسر نهر برش ثم من أسفله يخرج نهر بارمش ثم نهر بشمين فأما نهر برش فإنه يمر ويمتد على ظهر سمرقند ومنه أنهار المدينة والحائط والقرى التي تتصل بها من مبدئه إلى منتهاه وأما نهر بارمش فإنه يحاذي هذا النهر من جهة الجنوب ومقدار جريه يوم وعليه عمارات متصلة وقرى عامرة من أوله إلى آخره وأما نهر بشمين فإنه يلي نهر بارمش مما يلي الجنوب وعليه من القرى والعمارات نحو ما على نهر بارمش وأكبر هذه الأنهار نهر برش ونهر بارمش لأن السفن تجري فيهما وتتشعب من هذين النهرين أنهار عدة ويتصل بمنقع ورغسر إلى آخره حيث يخرج نهر بارمش رستاق يسمى رستاق الدرغم وطوله يكون ثلاثين ميلاً وعرضه في أوسع موضع اثنا عشر ميلاً وفي أضيق موضع ثلاثة أميال ويخرج من هذا النهر الوارد إلى سمرقند على مقربة منها وبأعلاها ثلاثة أنهار منها نهر بوزماجن يخرج عن النهر في جهة المشرق فيسقي رساتيق تلك الناحية إلى أن يتصل برستاق ويذار ومنها نهر اشتيخن ولا ينتفع بشيء منه عند خروجه إلى أن يمر له من مبدئه نحو اثني عشر ميلاً ثم يتشعب منه خليجان فيسقي مقدار سبعة وعشرين ميلاً حتى ينتهي إلى اشتيخن فيسقيها ويعم رساتيقها وهو أعظم هذه الأنهار ويتشعب أسفل هذا النهر نهر كينجكث فيمر هناك بقرى ودساكر فيسقي رستاق كينجكث ورستاق المرزبان وغير ذلك إلى أن ينتهي إلى الكشانية ويجاوزها إلى حدود حائط بخارا ومع ما يخرج من هذه الأنهار من نهر الصغد تصل فضلته بل أكثره إلى سمرقند فيجتاز منه تحت قنطرة جيرد على باب سمرقند الماء الكثير العمق الواسع العرض ويزيد ماؤه عند نزول الثلوج بجبال البتم وأشروسنة.
ولمدينة سمرقند عدة رساتيق ومن مدنها المنسوبة إليها الدبوسية واربنجن وكش ونسف واباركث وويار واشتيخن والكشانية وبنجيكث وخرغانكث وفرنكث وكبوذنجكث.
والطريق من سمرقند على طريق بلخ من مدينة سمرقند إلى مدية كش مرحلتان وكش مدينة جليلة كثيرة الأهل عامرة بالناس والتجار ولها ربضان وعليها سور ولها مسجد جامع وقهندز غير حصين وطولها نحو من تسعة أميال في مثلها وبناؤها بالطين والخشب ولها فواكه كثيرة يحمل فاضلها إلى سمرقند وبخارا وهي وبيئة وللمدينة الداخلية أربعة أبواب خشب مصفحة بالحديد ولها نهران كبيران أحدهما يعرف بنهر القصارين ويخرج من جبال سيام ويجري في جنوبي ا!لينة والثاني نهر أسروذ يخرج من رستاق كشك وجريه على شمال المدينة وتمده أنهار صغار فتجتمع فضول هذه المياه كلها حتى تصل إلى نسف ويرتفع من مدينة كش من الملح الذراني المعدني ما يحمل إلى سائر الآفاق ويقع بجبالها الترنجبين كثيراً.
ولمدينة كش أيضاً مدن كثرة منها نوقد قريش وسوبخ من رستاق خزار واسكيفغن ونوقد قريش مدينة صغيرة متحضرة ذات سور وعمارة كافية ومنها إلى كش مرحلة خفيفة ومن نوقد قريش إلى سوبخ مرحلة وهي مدينة متحضرة قائمة بما فيها وعليها سور تراب ولها عمارات متصلة ومن سوبخ إلى شف مرحلة ونوقد قريش على يسار الطريق من كش إلى نسف واسكيفغن على ثلاثة أميال من سوبخ وسوبخ أقرب إلى اسكيفغن من نسف ومن نسف إلى مدينة بزدة ثمانية عشر ميلاً وكذلك من نسف إلى كسبة وهي مدينة صغيرة اثنا عشر ميلاً وهما من بلاد نسف وقد ذكرنا نسف وما هي في ذاتها قبل هذا بحيث لا يجب لنا إعادة ذلك ومن كش إلى نسف ثلاث مراحل ومن كش إلى الصغانيان ست مراحل وكذلك الذي بين بخارا وسمرقند مائة ميل وأحد عشر ميلاً.

ومن سمرقند في جهة المشرق إلى اباركث مرحلة وهي أحد وعشرون ميلاً واباركث مدينة متاخمة لأشروسنة صغيرة لا منبر بها ومنها إلى مدينة ويذار مرحلة خفيفة ومدينة ويذار مدينة حسنة جليلة متحضرة متوسطة القدر ويعمل بها الثياب الويذارية المنسوبة إليها وهي قطن حسن الصنعة غريبة المثال تلبس خاماً غير مقصورة وليس بخراسان أمير ولا وزير ولا قاض إلا وهو يلبسها ظاهرة على ملابسه في الشتاء وجمالهم بها ظاهر وزينتهم بها فاشية لأنها ثياب يميل لونها إلى صفرة الزعفران لينة اللمس صفاق جداً ترفة ويعمر الثوب منها كثيراً ويستخدم المدة الطويلة ويبلغ ثمن الثوب منها من ثلاثة دنانير إلى عشرين ديناراً على قدر جودته أو رداءته وهي ثياب تفوق الثياب في جودتها وصحة عملها وحسن صنعتها ولها رساتيق وأعمال متصلة ويتصل ببعض رساتيقها رستاق المرزبان وبين مدينة ويذار ومدينة سمرقند ستة أميال ومن رساتيق سمرقند بنجيكث وبها منبر وهي مدينة عامرة حسنة البقعة ولها رستاق كبير ينسب إليها وهو في نهاية من الخصب وبينها وبين سمرقند سبعة وعشرون ميلاً وفيما بين بنجيكث وسمرقند مدينة ورغسر وهي مدينة صغيرة كثيرة المتنزهات غزيرة الفواكه ولها رستاق يخرج إليه خليج من نهر سمرقند فيسقي جميع مزارعه وغلاته وبينه وبين سمرقند اثنا عشر ميلاً ويلي بنجيكث جبال الشاوذار وهي فجاج ذات أنهار جارية تسقي ضياعاً ومزارع وبقفارها صيود عدة أجناس وبين الشاوذار وورغسر فيما يلي سمرقند رستاق مايمرغ ورستاق سنجرفغن وهذه كلها رساتيق مشتبكة الأشجار كثيرة القرى عذبة المياه ومن سمرقند أيضاً إلى كبوذنجكث ستة أميال وكبوذنجكث مدينة حسنة البقعة كثيرة الخصب طيبة المزارع.
ومن سمرقند إلى اشتيخن أحد وعشرون ميلاً على شمال سمرقند ومن اشتيخن إلى الكشانية مرحلة ومن الكشانية إلى اربنجن مرحلة واربنجن في شمال نهر الصغد على طريق سمرقند أسفل من بخارا والكشانية أيضاً في شمال النهر.
ومدينة اشتيخن مدينة مفردة على غاية النزهة وكثرة البساتين ولها قرى وزررع ومتنزهات وفرج وسعة أرجاء وحسن مبان ولها قهندز حسن وشرب أهلها من مياه الأنهار والعيون المطردة ولها ربض كبير عامر آهل ومنها إلى الكشانية سبعة وعشرون ميلاً وهي أيضاً من مدن الصغد وهي واشتيخن متقاربتان في الكبر غير أن قصبة الكشانية أكبرهما وأوفرهما جباية وأعمهما خلقاً واشتيخن أكثر رساتيق أيضاً وأعمر أرضاً لأن حد اشتيخن من ظهر جبل ساغرج إلى حد الكشانية وذلك مقداره مرحلتان وكلاهما من شمال وادي الصغد والدبوسية واربنجن فإنهما من جنوب الوادي على جادة طريق خراسان وفي الغرب من مدينة الكشانية مدينة خرغانكث على مرحلة وهي تتاخم حائط بخارا من جهة الشمال وهي مدينة صغيرة طيبة الثرى معتدلة الهواء حسنة البناء كثيرة الفواكه غزيرة العمارة والزروع.
ومن مدينة سمرقند إلى مدينة بونجكث مرحلة وهي من بلاد أشروسنة وأشروسنة اسم لأرض كما أن العراق اسم أرض والشام مثله وكذلك الصغد وفرغانة والشاش كهذه كلها أسماء أرضين ولكل أرض منها عدة بلاد وليس بإقليم أشروسنة مدينة اسمها أشروسنة وإنما هي اسم الأرض والذي يطوف بها من إقليم ما وراء النهر فمن شرقها بعض فرغانة وفامر ومن غربيها حدود خراسان وشمالها بلاد الشاش وبعض فرغانة وجنوبها شومان وواشجرد والراشت وأعظم مدنها بونجكث وهي مدينة كبيرة لها ربض كبير وعليها سور وعلى ربضها أيضاً مثل ذلك وبها مسجد جامع وحلقات علم وبناؤها بالطين وسقوفهم خشب ولها قهندز ولها بالمدينة أسواق عامرة وتجارات قائمة ومكاسب دائرة وصنائع منصرفة ولها بساتين وكروم وزروع كثيرة ويجري فيها نهر عليه رحى يطحن بها ولها مدن كثيرة منها خرقانة وأرسيانيكث وهي على حدود فرغانة وعلى سبعة وعشرين ميلاً من بونجكث ومن مدنها فغكث وهي على اثني عشر ميلاً من المدينة في طريق خجندة وغزق وبين خجندة وغزق ثمانية عشر ميلاً وبين غزق وفغكث ستة أميال وديزك ومرسمندة وخرقانة وزامين وكل هذه البلاد مشهورة.

فأما مدينة خرقانة فإنها مدينة جليلة صغيرة متحضرة ولها سوق وعمارة وافرة ومنها إلى سمرقند سبعة وعشرون ميلاً وكذلك من خرقانة أيضاً إلى زامين سبعة وعشرون ميلاً وزامين في طريق فرغانة من سمرقند وهي مدينة عامرة القطر كثيرة البشر حصينة لها سور وخندق وأرزاق كثيرة ومنها غرباً إلى اباركث تسعة وثلاثون ميلاً ومن اباركث إلى سمرقند اثنا عشر ميلاً وهي مرحلة خفيفة ومن خرقانة إلى ديزك خمسة عشر ميلاً وديزك مدينة في السهل ولها رستاق ويعرف بفكنان وهي في شمال أشروسنة وبها يرابط أهل سمرقند ولها برك ماء جار وبساتين وعمارات ومن زامين إلى خجندة مشرقاً على طريق خاوس وكركث في زامين إلى كركث تسعة وثلاثون ميلاً عن يسار الذاهب إلى فرغانة ومن خرقانة إلى أرسيانيكث على حدود فرغانة سبعة وعشرون ميلاً وأرسيانكث مدينة جليلة المقدار صغيرة حسنة البنيان والأسواق والديار ولها بساتين وعمارة وهي من بونجكث على سبعة وعشرين ميلاً ومن بونجكث إلى فغكث تسعة أميال وهي مدينة صغيرة لها سوق ولا منبر لها ومن فغكث إلى غزق وهي قرية عامرة تجارية ستة أميال ومن غزق إلى خجندة ثمانية عشر ميلاً.
ومدينة خجندة متاخمة لفرغانة وهي مدينة حسنة عامرة كثيرة الخيرات قائمة الأسواق فيها صنائع وجمل بضائع وأهلها مياسير وهي على غربي نهر الشاش لكنها منفردة في أعمالها وبها مزارع مشتبكة وخيرات وافرة ويلي مدينة بونجكث المتقدم ذكرها مدينة مرسمندة وهي حسنة البقعة جليلة المساكن كثيرة الخيرات وليس لها بساتين ولا كروم والأشجار بها قليلة لكثرة البرد ولها سوق في رأس كل شهر مرة مشهود يأتي إليه أهل تلك النواحي للبيع والشراء وهي سوق مشهورة وبين مرسمندة ونوجكث يومان وبين مرسمندة وحصن مينك مرحلة كبيرة وخرقانة وزامان وساباط هي كلها على طريق فرغانة إلى الشاش.
ويتصل بجنوب هذه البلاد أرض البتم وهي جبال شاهقة منيعة وطرقها متعذرة وفي هذه الجبال حصون منيعة وقرى عامرة وأغنام وأبقار وخيل وفيها معادن الذهب والفضة والزاج والنشاذر وفي جوانب هذا الجبل قرى كثيرة متفرقة يخرج منها بخار يشبه بالنهار الدخان وبالليل كالنار فيكون منه النشاذر الذي لا يعدله نشاذر والبتم ثلاث جهات أول ووسط وطرف ومياه الصغد كلها تجري من الجهة الوسطى من البتم بمكان يعرف بمجى وجريه نحو تسعين ميلاً ويجري هذا الماء إلى برغر ثم إلى برنجكث ثم إلى سمرقند وتخرج من مسخا مياه فتقع في برغر وتروي برغر وتختلط بماء سمرقند ونهر الصغانيان ونهر فرغانة في ظهر مسخا من قرب مجى وهو الموضع الذي قلنا إن منه يخرج نهر سمرقند ومينك حصن بشمال جبال البتم حصين منيع فرج البقعة مخضر الجوانب كثير الخيرات وبناحية مينك ومرسمندة تتخذ آلات الحديد التي تعم بلاد خراسان وما جاورها ويتجهز منها إلى أرض فارس والعراق.
ويتلو شرقي هذه البلاد بعض بلاد فرغانة وهي بلاد كثيرة منها نسيا العليا وهي أول كورة إذا دخلت إليها من ناحية خجندة ومن مدنها وانكث وسوخ وخواكند ورشتان ونسيا السفلى أيضاً ومن مدنها مرغينان واندكان وزندرامش ونجرنك واشتيقان وهلى وهاتان الكورتان سهول ومروج لا جبال فيها ومنها اسبرة وهي جبلية سهلية ومن مدنها طماخش وبامكاخش وقبا وهي من أنزه بلاد فرغانة وقدرها مثل قدر أخسيكث وهي مدينة عالية الأسوار حسنة الأقطار كثيرة التجار والعمار والمتجولين والسفار كثيرة البركات جامعة لأنواع الخيرات ولها ربض عامر كبير وأسواق هذه المدينة في ربضها ويحيط بالربض والمدينة سور حسن ولها مياه جارية كثيرة وعلى تلك المياه بساتين وجنات وحدائق مؤنقات وأبنية ومتنزهات ولها رستاق كبير عامر فيه قرى كثيرة تتصل بنهر الشاش وذلك مقدار مرحلة ومدينة قبا بناها أنوشروان ووصل إليها من كل بيت قوماً وسماها ازهرخانه أي من كل بيت.
وخجندة من فرغانة وهي على نهر يأتي من الجنوب وبين قبا وخجندة سبعة وخمسون ميلاً ومن باخسان إلى قبا ثلاثون ميلاً ومن قبا إلى مدينة سوخ مرحلتان وهي خمسة وأربعون ميلاً ومدينة سوخ مدينة متنحية عن الطرق منفردة بذاتها ولها ستون قرية في رستاق وهي عامرة كثيرة الخيرات ويرتفع منها الزئبق ومن سوخ أيضاً إلى رشتان مرحلة ومن رشتان إلى قبا مرحلتان خفيفتان وهي مدينة حسنة ومن قبا إلى اوش مرحلة كبيرة وهي ثلاثون ميلاً.

ومدينة اوش حسنة البقعة على ضفة نهر يعرف بها ولها ربض كبير عليه سور حصين متصل بسور المدينة ولها قهندز حصين وأسواق جامعة وهي في ذاتها على قدر قبا كبراً ولها ثلاثة أبواب من حديد محصنة ومدينة اوش ملاصقة للجبل المجاور للأتراك التبتية ولأهل المدينة على هذا الجبل مرقب للأتراك يحرس مغانيهم ومن مدينة أوش إلى مدينة أوزكند وهي آخر مدن فرغانة مما يلي دار الأتراك شرقاً مرحلة وهي مدينة كبيرة عامرة بالناس وفيها أجناد ولأهلها حزم ومنعة وعزة أنفس ولها قرى كثيرة وليس في عملها مدينة غيرها ويقرب منها كاسان شمالاً وهي مدينة حسنة كثيرة الخصب والعمارات وهي خصبة حصينة وكاسان اسم للمدينة واسم للناحية أيضاً ولها قرى كثيرة وجملة ما من فربر على نهر جيحون إلى اوزكند أربع وعشرون مرحلة.
وتتصل بهذه الكورة في جهة الشمال كورة ميان روذان وهي قرى كثيرة ومدينتها خيلام وسنذكر هذه الكورة فيما يأتي بعد إن شاء الله ومن مدينة اوزكند إلى العقبة من الجبل الكبير يوم ومن العقبة إلى مدينة اطباش مسيرة يوم ومن اطباش إلى التبت سبع مراحل بين شرق وجنوب واطباش على رأس جبل منيع ممتنع ممن قصدد ولأهله عدة واستعداد وحزم وجلادة وفيما ذكرناه من أوصاف بلاد هذا الجزء ما فيه كفاية والحمد لله على ذلك كثيراً.
نجز الجزء الثامن من الإقليم الثالث ويتلوه الجزء التاسع إن شاء الله.
الجزء التاسع
إن هذا الجزء التاسع من الإقليم الثالث تضمن أرض التبت وبعض أرض التغزغز وبعض أرض الخرلخية.
وفي أرض التبت من القواعد المشهورة مدينة التبت والثينخ ووخان والشقينة وبروان وأوج ورمحاخ وذالخوا.
ومن بلاد خاقان التغزغز مدينة خاقان وتسمى تنتبغ ومدينة ماشه وجرمق وباخوان.
ومن مدن الصين الخارجة كجا ودارخون.
ومن بلاد الخرلخية برسخان العليا ونواكت.
وبها بحيرات مياه عذبة وأودية جارية ومرابع ومصايف للأتراك ونريد أن نأتي بمواضع بلادها على مسافاتها وحدود أرضها ونتكلم في ذلك بما صح ذكره في الكتب المصنفة على الأخبار الصحاح من كلام الأتراك الذين سلكوا تلك الأرضين وجاوزوها وأخبروا أيضاً عنها.
فنقول إن بلاد الصين الخارجة يليها مما يلي البحر الشرقي من بلاد التغزغز ويلي بلاد التغزغز مما يلي بلاد فرغانة بلاد التبت وأرض التبت تجاور الصين وبعض بلاد الهند ويتصل بها من جانب الشمال أرض الخرلخية وفي شرقيها بلاد التغزغز.
ومدينتها العظمى المسماة تنتبغ لها اثنا عشر باباً من حديد وأهلها زنادقة ومن الأتراك التغزغزية قوم مجوس يعبدون النار والملك خاقان التغزغز مقيم في مدينة تنتبغ وهي مدينة عظيمه عليها سور منيع وهي على نهر كبير يجري إلى جهة المشرق ومن هذه المدينة إلى برسخان العليا من الأرض المجاورة لفرغانة مسيرة شهرين وتتصل أرض التغزغز إلى البحر الشرقي المظلم.
ومن مدينة تنتبغ إلى مدينة باخوان بين غرب وشمال اثنا عشر يوماً وهي مدينة من عمالة التغزغز وفيها ملك من أهل خاقان التغزغز له أجناد وحافظة وحصون وعمالة وهي ذات سور حصين وفيها أسواق يصنع بها من الحديد كل غريبة وكذلك من جميع الصنائع من أنواع العود والفخار وغير ذلك وهذه المدينة على ضفة نهر جار إلى جهة المشرق وحول هذه المدينة مزارع ومرابع للأتراك ومياه ينزلون عليها وينتقلون عنها ومن هذه المدينة تخرج أكثر مصنوعات الحديد إلى أرض التبت وأرض الصين وبجبال هذه المدينة دواب المسك وهي غير برية وقد ذكرنا أحوالها وكيف تكون المسك في أطباعها في ذكر الإقليم الثاني ولا حاجة بنا إلى ذكر ذاك الآن.
ومن مدينة باخوان إلى مدينة جرمق أربع مراحل بين قرى ومزارع وعمارة متصلة وهي منها بين جنوب وميل إلى غرب ومدينة جرمق مدينة صالحة القدر خصيبة لها سوران من تراب وبينهما خندق له عمق كثير وسعة هذا الخندق مقدار سبعين خطوة ولها أربعة أبواب حديد وليس بها سوق إلا ما كان من صناعات الأسلحة لا غير وواليها يسكنها ومعه عدة خيل ورجل وهو يحرس جانبه من الملوك التبتية.
ومن باخوان إلى مدينة التبت أربعة عشر يوماً.
ومن جرمق أيضاً إلى مدينة برسخان العليا عشر مراحل.

ومدينة التبت مدينة كبيرة وأرضها منسوبة إليها وهي بلاد الأتراك التبتية وأهلها قوم يداخلون أهل فرغانة والبتم وأرض وخان ويسافرون إلى أكثر هذه البلاد ويتجهزون بالحديد والفضة والحجارة الملونة والجلود النمرية والمسك التبتي المنسوب إليها وهي مدينة على نشز عال وفي أسفلها واد يمر إلى بحيرة بروان جنوباً ولها سور منيع وملكها ينزل فيها وهو ملك معد بالرجال والخيل والتجافيف وبها صناعات كثيرة ويتجهز منها بثياب تصنع فيها غلاظ الأجرام خشنة لدنة يباع الثوب منها بدنانير كثيرة لأنها حرير في قزي ويتجهز منها أيضاً بالرقيق والمسك أكثر إلى بلاد فرغانة وإلى بلاد الهند وليس على معمور الأرض أحسن ألواناً ولا أرق بشراً ولا أجمل خلقاً ولا أنعم أبداناً من رقيق الترك والترك يسرق بعضهم أبناء بعض ويبيعونهم من التجار وقد يبلغ ثمن الجارية منهم ثلثمائة دينار فما فوقها.
وأرض التغزغز هي بين التبت والصين ويجاورها من جهة الشمال الخرخير.
ومن بلاد التبت المدينة المسماة بثينخ وهي متوسطة الكبر في رأس جبل منيع وعليها سور وحجارة حصين ولها باب واحد وبها صناعات للترك وأعمال وتجارات كثيرة مع من جاورهم ويسافر إليهم من أرض كابل وأرض وخان وأرض الختل والوخش ومن بلاد الراشت ويجلب منها الحديد المنسوب إلى التبت والمسك ويحكى أن في هذا الجبل المتصل بثينخ ينبت السنبل كثيراً وفي غياضه دواب المسك كثيراً ورعي هذه الدواب غض نبات السنبل وتشرب من ماء الوادي الجاري إلى ثينخ فيكون عن غذائها هذا المسك وفي هذا الجبل كهف بعيد القعر يسمع في أصله خرير ماء جار ولا يدرك لهذه الهوة من هذا الكهف قعر البتة وصوت الماء وخريره مسموع سماعاً فاشياً ولا يعلم حقيقة ما هو إلا الله وحده وينبت بهذا الجبل كثيراً نبات الراوند الصيني وهو به كثير ومنها يتجهز به إلى كثير من الآفاق ويتصل بالمشرق والمغرب ويباع بها وهو معروف ويسمى نهر ثينخ نهر شرماخ.
ومن ثينخ في جهة الشرق إلى بحيرة بروان خمس مراحل في قرى وغياض للترك التبتية وبها قلاع وحصون منيعة وبحيرة بروان كبيرة يكون طولها أربعين فرسخاً وعرضها اثنان وسبعون ميلاً وماؤها حلو وبها سمك كثير ويصيده أهل بروان وأهل أوج وبروان وأوج مدينتان من أرض التبت على ضفة هذه البحيرة وبين أوج وبروان مسافة اثني عشر فرسخاً سندية وهي خمسة أميال وبروان وأوج قدرهما في الكبر سواء وهما في تلول على ضفة البحيرة ومنها شرب أهلهما وهما بلدان قائمان بأنفسهما وبهما أسواق وصناعات تكفيهما ولا يحتاجان مع ما فيهما من ذلك إلى ما في غيرهما من صنائع البلاد وتصب في بحيرة بروان أنهار كثيرة كبار في كل جهة منها.
وعلى مقربة من مدينة بروان وأوج وفي جنوبهما جيل معطوف على هيئة الدال لا يصل أحد إلى أعلاه إلا عن جهد وطرفاه يتصلان بجبال الهند وفي بحبوحته أرض وطيئة وفيها قصر مبني مربع لا باب له فمن قصده أو مشى نحوه وجد في نفسه فرحاً وطرباً مثل ما يجد شارب الخمر ويقال إن من تعلق بهذا القصر وصعد إلى أعلاه لم يزل ضاحكاً ثم يرمي بنفسه إلى داخل القصر فلا يرى وأظن أن هذا كلام مصنوع وليس بصحيح لكنه خبر مستفيض شائع في الناس.
ومدينة كجا من أرض الصين وخارجة من الجبال المكتنفة للصين وهي مدينة عامرة ليست بكبيرة وفيها تجارات وعمارات كثيرة.
وكذلك من مدينة أوج إلى كجا عشر مراحل بسير الإبل.
وبالشرقي من كجا مدينة دارخون وهي مدينة متوسطة القدر من بلاد الصين وهي آخر عمالة الصين في جهة الشمال وتتصل بها عمارات أرض الأتراك التغزغزية.
وأما مدينة اطباش فإنها على جبل منيع متحذرة من الأتراك ومنها إلى التبت عشر مراحل وكذلك من اطباش إلى برسخان العليا ستة أيام في أرض الترك.
وبرسخان العليا مدينة من بلاد الأتراك حصينة لها سوران منيعان وإليها يلجأ أكثر الأتراك الساكنين هناك فيما يحتاجون إليه من حوائجهم.
ومن برسخان إلى نواكت في ثغور أرض الخرلخية نحو عشر مراحل بسير القوافل ولبريد الترك خمس مراحل وسنأتي على أكثر ذلك بعد هذا بحول الله.

وأما مدينة ماشه فمنها إلى خاقان التغزغز خمسة أيام وماشه من بلاد خاقان التغزغز وهي مدينة عامرة وفيها صناعات كثيرة ومن ماشه إلى باخوان ثمانية أيام غرباً وهذه جملة ما في هذا الجزء التاسع من هذا الإقليم والحمد لله كثيراً.
نجز الجزء التاسع من الإقليم الثالث والحمد لله ويتلوه الجزء العاشر منه إن شاء الله.
الجزء العاشر
إن هذا الجزء العاشر من الإقليم الثالث وهو آخره من جهة المشرق تضمن جزءاً من بلاد الصين في جنوبه وهناك للصين أربع مدن إحداها سطرويا والثلاث منها خفيت أسماءها وفي هذا الجزء قطعة وسطى من بلاد التغزغزية وفيها من بلادها ثلاثة وفيها من بلاد خرخيز قطعة كبيرة وأهلها يجاورون البحر ولهم في هذا الجزء أربع مدن عامرة.
ونحن نريد أن نكمل أوصافها ونذكر ما هي عليه في حالاتها وهيئاتها ونصف مسافاتها إن شاء الله فنقول إن بلاد التغزغز قد ذكرنا حدها فيما تقدم قبل هذا ويتصل بها في جهة المشرق بلاد خرخيز مما يلي البحر الصيني وحد الصين فوقها في جهة الجنوب ويتصل بهم في جهة الشمال بلاد الكيماكية.
وجميع بلاد الأتراك تكون خلف النهر وفي أقصى بلاد فرغانة والشاش والطران وهم أمم لا يحصى لهم عدد لكثرتهم ولهم رؤوس يرجعون إليهم ويقومون بحمايتهم والنظر في مشكلات أمورهم.
وهم ظواعن رحالة منتقلون من مكان إلى مكان يطلبون الخصب حيث عرفوا به وهم أصحاب إبل وأغنام وأبقار كثيرة وبيوتهم شعر مثل بيوت العرب لا يقيمون في مكان بل هم مع الدهر منتقلون متحولون من موضع إلى موضع آخر ولهم حرث وحصاد وزرع وعندهم السمن والزبد والألبان كثيرة وينتجون الخيل كثيراً ويأكلون لحومها ولا يفضلون على طعامها شيئاً من اللحوم.
وملوكهم أهل عدة وشكة واحتفال ونظر وحزم وعدالة قائمة وسير حسنة ولهم قلوب جافية وطباع غليظة غشيمة.
والترك أصناف عدة فمنهم التبتية والتغزغزية والخرخيزية والكيماكية والخرلخية والجقر والبجاناك والتركش واذكش وخفشاخ والخلج والغزية وبلغارية وكلها من خلف النهر إلى جانب البحر الشرقي المظلم.
وأهلها متمذهبون بمذاهب شتى وهم يغزون المسلمين والأتراك المسلمون الذين بلغهم الإسلام وأسلموا يغزونهم ويسبونهم وجميع من وراء النهر من المسلمين يبلغهم النفير والإنذار بالعدو لكنهم أهل جلادة ونجدة وعزة وقوة ومنعة لا يهابون الترك بوجه ولا سبب فأما مدينة خاقان الخرلخية فإن فيها مصلحه للمسلمين ومصلحة للأتراك.
وجميع مداين الترك الذين ذكرناهم على ما حكاه أبو القاسم عبيد الله بن خرداذبه في كتابه إنها ست عشرة مدينة معمورة وهي بلاد عامرة عليها أسوار ولها حصون مانعة وما منها شيء إلا على جبل حصين منيع ولهم مزارع الحبوب ويتجهز منها بالجلود النمرية والسنجاب والببر والحديد والمسك والرقيق والحرير.
فأما بلاد الصين التي تجاور بلاد التغزغز فإن فيها ملوكاً من ملوك الصين لهم أجناد وعدد وأموال طائلة وحزم وجلادة على مكابدق الترك وغزوهم ومنعهم من أذية ديارهم وأهل الصين في هذه الجهة زيهم زي الأتراك من اللباس والركوب وآلات الحروب وعندهم الفيلة الكثيرة يصادررون بها في صدور مواكبهم.
والأتراك يهابون سطوتهم ويخافون شوكتهم فيمسكون عن أذية بلادهم ويحملون إلى الصين كثيراً مما عندهم من الصناعات والصوف والسمن والعسل وكثيراً من السلاح والشكة مثل الدروع والجواشن والأتراس والمقامع والثياب والمسك ونحو ذلك مما يحتاجون إليه ويتصرفون فيه وأهل الصين يهادونهم بسبب ذلك ويرفعون عن غزوهم لكنهم غير متغافلين عن جانبهم.
وأما بلاد خرخيز فبلاد كثيرة الخصب والمسافر ومياههم كثيرة وبها أنهار جارية تجري إليهم من ناحية تخوم الصين وأعظم أنهارهم نهر يسمى منخاز وهو كثير الماء عظيم الجري وجريه على الأحجار وقليلاً ما يكون فيه الماء راكداً كالعادة في سائر الأودية.
ولهم عليه أرحاء يطحنون بها الأرز والحنطة وسائر الحبوب كذلك يطحنونها ويخبزونها وقد يأكلونها طبيخاً دون طحن وهم يتقوتون بذلك.

وهذا الوادي ينبت على حافاته شجر العود والقسط الحلو وفيه سمك يسمى الشطرون يفعل في الجماع ما يفعل السقنقور الذي يوجد في نيل مصر ويذكر أن هذا السمك ليس له شوك كثير ولحمه مفصص ولا رائحة له مثل رائحة السمك والمدينة التي يسكنها ملك خرخيز هي مدينة حصينة لها سور منيع وخندق وفصيل كبير.
وبقربها جزيرة الياقوت ولها طريق يتصل بالبر غير أن هذه الجزيرة يحيط بها جبل مستدير صعب الصعود إلى أعلاه لا يقدر على الوصول إلى رأسه إلا بعد جهد ومشقة ولا يقدر أحد على النزول إلى أرض الجزيرة بوجه.
ويحكى أن بها حيات قتالة وبأرضها حصى الياقوت كثير وأهل تلك الناحية يتصيدون هذه اليواقيت على أصناف حيل يعرفون صنعها وبين هذه المدينة والبحر المحيط بهذه الجزيرة نحو من ثلاث مراحل ومدن الخرخيزية كلها مجتمعة في موضع واحد من الأرض في نحو من ثلاث مراحل وهي أربع مدن كبار لها أسوار وحصون منيعة.
وأهلها أهل عدة وقوة وحمية وأكثر ما يتحذرون من ملك الكيماكية لأنه جابر مطالب محارب لمن جاوره وبلاد الخرخيز أيضاً تنتج فيها الخيل والغنم والبقر وخيلهم قصار الرقاب سمان وهم يعلفونها للذبح والأكل وأكثر تصرفهم وانتقالهم على البقر.
ونساء الخرخيز يتصرفن في جميع الأشغال كتصرف الرجال وليس للرجال تصرف في أكثر من الحرث والحصاد لا غير والنساء بها يحجمن أطراف ثديهن لئلا تعظم وفيهن حصافة وشدة وجراءة مثل الرجال وهم يحرقون موتاهم ويلقون رمادهم في نهر منخاز ومن بعد منهم عن النهر يحرق ميته ثم يذريه على الأرض مع الريح حتى يذهب.
وأما بلاد التغزغز فمنها مدينة خزخراكث وبينها وبين مدينة خاقان ملكهم يوم خفيف وهي مدينة كثيرة الخيرات وفيها صنائع ويجلب إليها حديد كثير يتجهز به سائر الآفاق من بلاد الترك ومن خزخراكث إلى مدينة نضخو أربع مراحل ومدينة نضخو على بحيرة كبيرة وتسمى بحيرة كوارث.
وهذه البحيرة ماؤها حلو وبها طير كثير يبيض ويفرخ على الماء وهو شبيه بالطائر المسمى بالهدهد مبرقش بضروب الألوان وإلى هذه البحيرة ينتجع كثير من الأتراك لكثرة ربيعها وعشبها.
ومن مدينة نضخو إلى مدينة خاقان أربع مراحل خفاف في عمارة متصلة وقوم ظواعن رحالة ينتقلون من موضع إلى موضع ومنها إلى نشران وهي مدينة كبيرة في جهة الشمال ست مراحل وهي مدينة حسنة للتغزغز على نهر كبير خصيب الضفتين ومواشي أهل هذه المدينة تسرح في ناحيتيه وجانبيه وبها تجارات وصناعات ويوجد في هذا النهر أحجار اللازورد ويجمع بها منه جمل كثيرة فيحمل إلى خراسان والعراق وسائر بلاد الشامات وإلى هنا انتهى بنا القول في الإقليم الثالث بتمام هذا الجزء العاشر والحمد لله أولاً وأخيراً.
نجز الجزء العاشر من الإقليم الثالث... والحمد لله ويتلوه الجزء الأول من الإقليم الرابع إن شاء الله.
الإقليم الرابع
الجزء الأول
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وعلى آله رب يسر برحمتك.
إن هذا الجزء الأول من الإقليم الرابع مبدؤه من المغرب الأقصى حيث البحر المظلم ومنه يخرج خليج البحر الشامي ماراً إلى المشرق وفي هذا الجزء المرسوم بلاد الأندلس المسماة باليونانية اسبانيا وسميت جزيرة الأندلس جزيرة لأنها شكل مثلث وتضيق من ناحية المشرق حتى تكون بين البحر الشامي والبحر المظلم المحيط بجزيرة الأندلس خمسة أيام ورأسها العريض نحو من سبعة عشر يوماً وهذا الرأس هو في أقصى المغرب في نهاية إنتهاء المعمور من الأرض محصور في البحر المظلم ولا يعلم أحد ما خلف هذا البحر المظلم ولا وقف بشر منه على خبر صحيح لصعوبة عبوره وظلام أنواره وتعاظم موجه وكثرة أهواله وتسلط دوابه وهيجان رياحه وبه جزائر كثيرة ومنها معمورة ومغمورة وليس أحد من الربانيين يركبه عرضاً ولا ملججا وإنما يمر منه بطول الساحل لا يفارقه وأمواج هذا البحر تندفع منغلقة كالجبال لا ينكسر ماؤها وإلا فلو تكسر موجه لما قدر أحد على سلوكه.

والبحر الشامي فيما يحكى أنه كان بركة منحازة مثل ما هو عليه الآن بحر طبرستان لا يتصل ماؤه بشيء من مياه البحور وكان أهل المغرب الأقصى من الأمم السالفة يغيرون على أهل الأندلس فيضرون بهم كل الإضرار وأهل الأندلس أيضاً يكابدونهم ويحاربونهم جهد الطاقة إلى أن كان زمان الإسكندر ووصل إلى أهل الأندلس فأعلموه بما هم عليه من التناكر مع أهل السوس فأحضر الفعلة والمهندسين وقصد مكان الزقاق وكان أرضاً جافة فأمر المهندسين بوزن الأرض ووزن سطوح ماء البحربن ففعلوا ذلك فوجدوا البحر الكبير يشف علوه على البحر الشامي بشيء يسير فرفعوا البلاد التي على الساحل من بحر الشام ونقلها من أخفض إلى أرفع ثم أمر أن تحفر الأرض التي بين بلاد طنجة وبلاد الأندلس فحفرت حتى وصل الحفر إلى الجبال التي في أسفل الأرض وبنى عليها رصيفاً بالحجر والجيار إلى إفراغاً وكان طول البناء اثني عشر ميلاً وهو الذي كان بين البحرين من المسافة والبعد وبنى رصيفاً آخر يقابله مما يلي أرض طنجة وكان بين الرصيفين سعة ستة أميال فقط فلما أكمل الرصيفين حفر للماء من جهة البحر الأعظم فمر ماؤه بسيله وقوته بين الرصيفين ودخل البحر الشامي ففاض ماؤه عليه وهلكت بذلك مدن كثيرة كانت على الشطين معاً وفرق أهلها وطغا الماء على الرصيفين نحو إحدى عشرة قامة، فأما الرصيف الذي يلي بلاد الأندلس فإنه يظهر في أوقات صفاء البحر في جهة الموضع المسمى بالصفيحة ظهوراً بيناً طوله على خط مستقيم والربيع قد ذرعه وقد رأيناه عياناً وجريناً على أصوله بطول الزقاق مع هذا البناء وأهل الجزيرتين يسمونه القنطرة ووسط هذا البناء يوافق الموضع الذي فيه حجر الأيل على البحر وأما الرصيف الآخر الذي بناه الإسكندر في جهة بلاد طنجة فإن الماء حمله في صدره واحتفر ما خلفه من الأرض وما استقر ذلك منه حتى وصل إلى الجبال من كلتا الناحيتين.
وطول هذا المجاز المسمى بالزقاق اثنا عشر ميلاً وعلى طرفه من جهة المشرق المدينة المسماة بالجزيرة الحضراء وعلى طرفه من ناحية المغرب المدينة المسماة بجزيرة طريف ويقابل جزيرة طريف في الضفة الثانية من البحر مرسى القصر المنسوب لمصمودة ويقابل الجزيرة الحضراء في تلك العدوة مدينة سبتة وعرض البحر بين سبتة والجزيرة الخضراء ثمانية عشر ميلاً وعرض البحر بين جزيرة طريف وقصر مصمودة اثنا عشر ميلاً وهذا البحر قي كل يوم وليلة يجزر مرتين ويمتلىء مرتين فعلاً دائماً ذلك تقدير العزيز الحكيم.
فأما ما على ضفة البحر الكبير من المدن الواقعة في هذا الجزء المرسوم فهي طنجة وسبتة ونكور وبادس والمزمة ومليلة وهنين وبنو وزار ووهران ومستغانم.
فأما مدينة سبتة فهي تقابل الجزيرة الخضراء وهي سبعة جبال صغار متصلة بعضها ببعض معمورة طولها من المغرب إلى المشرق نحو ميل ويتصل بها من جهة المغرب وعلى ميلين منها جبل موسى وهذا الجبل منسوب لموسى ابن النصير وهو الذي كان على يديه إفتتاح الأندلس في صدر الإسلام وتجاوره جنات وبساتين وأشجار وفواكه كثيرة وقصب سكر وأترج يتجهز به إلى ما جاور سبتة من البلاد لكثرة الفواكه بها ويسمى هذا المكان الذي جمع هذا كله بليونش وبهذا الموضع مياه جارية وعيون مطردة وخصب زائد. ويلي المدينة من جهة المشرق جبل عال يسمى جبل المينة وأعلاه بسيط وعلى أعلاه سور بناه محمد بن أبي عامر عندما جاز إليها من الأندلس وأراد أن ينقل المدينة إلى أعلى هذا الجبل فمات عند فراغه من بنيان أسوارها وعجز أهل سبتة عن الإنتقال إلى هذه المدينة المسماة بالمينة فمكثوا في مدينتهم وبقيت المينة خالية وأسوارها قائمة وقد نبت حطب الشعراء فيها وفي وسط المدينة بأعلى الجبل عين ماء لطيفة لكنها لا تجف البتة وهذه الأسوار التي تحيط بمدينة المينة تظهر من عدوة الأندلس لشدة بياضها ومدينة سبتة سميت بهذا الأسم لأنها جزيرة منقطعة والبحر يحيط بها من جميع جهاتها إلا من ناحية المغرب فإن البحر يكاد يلتقي بعضه ببعض هناك ولا يبقى بينهما إلا أقل من رمية سهم واسم البحر الذي يليها شمالاً يسمى بحر الزقاق والبحر الآخر الذي يليها من جهة الجنوب يقال له بحر بسول وهو مرسى حسن يرسى به فيكن من كل ريح.

وبمدينة سبتة مصايد للحوت ولا يعدلها بلد في إصابة الحوت وجلبه ويصاد بها من السمك نحو من مائة نوع ويصاد بها السمك المسمى التن الكبير الكثير وصيدهم له يكون زرقاً بالرماح وهذه الرماح لها في أسنتها أجنحة بارزة تنشب في الحوت ولا تخرج وفي أطرافها عصيها شرائط القنب الطوال ولهم في ذلك دربة وحكمة سبقوا فيها جميع الصيادين لذلك.
ويصاد بمدينة سبتة شجر المرجان الذي لا يعدله صنف من صنوف المرجان المستخرج بجميع أقطار البحار وبمدينة سبتة سوق لتفصيله وحكه وصنعه خرزاً وثقبه وتنظيمه ومنها يتجهز به إلى سائر البلاد وأكثر ما يحمل إلى غانة وجميع بلاد السودان لأنه في تلك البلاد يستعمل كثيراً.
ومن مدينة سبتة إلى قصر مصمودة في الغرب اثنا عشر ميلاً وهو حصن كبير على ضفة البحر تنشأ به المراكب والحراريق التي يسافر منها إلى بلاد الأندلس وهي على رأس المجاز الأقرب إلى ديار الأندلس ومن قصر مصمودة إلى مدينة طنجة غرباً عشرون ميلاً.
ومدينة طنجة قديمة أزلية وأرضها منسوبة إليها وهي على جبل مطل على البحر وسكنى أهلها منه في مسند الجبل إلى ضفة البحر وهي مدينة حسنة لها أسواق وصناع وفعلة وبها إنشاء المراكب وبها إقلاع وحط وهي على أرض متصلة بالبر فيها مزارع وغلات وسكانها برابر ينسبون إلى صنهاجة.
ومن مدينة طنجة ينعطف البحر المحيط الأعظم آخذاً في جهة الجنوب إلى أرض تشمس وتشمس كانت مدينة كبيرة ذات سور من حجارة تشرف على نهر سفدد وبينها وبين البحر نحو ميل ولها قرى عامرة بأصناف من البربر وقد أفنتهم الفتنة وأبادتهم الحروب المتوالية عليهم.
ومن تشمس إلى قصر عبد الكريم وهو على مقربة من البحر وبينه وبين طنجة يومان وقصر عبد الكريم مدينة صغيرة على ضفة نهر لكس وبها أسواق على قدرها يباع بها ويشترى والأرزاق بها كثيرة والرخاء بها شامل.
ومن مدينة طنجة إلى مدينة أزيلا مرحلة خفيفة جداً وهي مدينة صغيرة وما بقي منها الآن إلا قدر يسير وفي أرضها أسواق قريبة وأزيلا هذه ويقال أصيلا علها سور وهي متعلقة على رأس الخليج المسمى بالزقاق وضرب أهلها من مياه الآبار.
وعلى مقربة منها في طريق القصر مصب نهر سفدد وهو نهر كبير عذب تدخله المراكب ومنه يشرب أهل تشمس التي تقدم ذكرها وهذا الوادي أصله من مائين يخرج أحدهما من بلد دنهاجة من جبلي البصرة والماء الثاني من بلد كتامة ثم يلتقيان فيكون منهما نهر كبير وفي هذا النهر يركب أهل البصرة في مراكبهم بأمتعتهم حتى يصلوا البحر فيسيروا فيه حيث شاؤوا. وبين تشمس والبصرة دون المرحلة على الظهر والبصرة كانت مدينة مقتصدة عليها سور ليس بالحصين ولها قرى وعمارات وغلات وأكثر غلاتها القطن والقمح وسائر الحبوب بها كثيرة وهي عامرة الجهات وهواؤها معتدل وأهلها أعفاء ولهم جمال وحسن أدب.
وعلى نحو ثمانية عشر ميلاً منها مدينة باباقلام وهي من بناء عبد الله بن إدريس بين جبال وشعار متصلة والمدخل إليها من مكان واحد وبالجملة إنها خصيبة كثيرة المياه والفواكه وعلى مقربة منها مدينة قرت وهي على سفح جبل منيع لا سور عليها ولها مياه كثيرة وعمارات متصلة وأكثر زراعاتهم القمح والشعير وأصناف الحبوب وكل هذه البلاد منسوبة إلى بلاد طنجة ومحسوبة منها.
وفي جنوب البصرة على نهر سبو الآتي من ناحية فاس قرية كبيرة كالمدينة الصغيرة يقال لها ماسنة وكانت قبل هذا مدينة لها سور وأسواق وهي الآن خراب.
وعلى مقربة منها مدينة الحجر وكانت مدينة محدثة لآل إدريس وهي على جبل شامخ الذرى حصينة منيعة لا يصل أحد إليها إلا من طريق واحد والطريق صعب المجاز يسلكه الرجل بعد الرجل وهي خصيبة رفهة كثيرة الخيرات وماؤها فيها ولها بساتين وعمارات.
ومن مدينة سبتة السابق ذكرها بين جنوب وشرق إلى حصن تطاون مرحلة صغيرة وهو حصن في بسيط الأرض وبينه وبين البحر الشامي خمسة أميال وتسكنه قبيلة من البربر تسمى مجكسة.

ومنه إلى انزلان وهو مرسى فيه عمارة نحو خمسة عشر ميلاً وانزلان مرسى عامر وهو أول بلاد غمارة وبلاد غمارة جبال متصلة بعضها ببعض كثيرة الشجر والغياض وطولها نحو من ثلاثة أيام ويتصل بها من ناحية الجنوب جبال الكواكب وهي أيضاً جبال عامرة كثيرة الخصب وتمتد في البرية مسير أربعة أيام حتى تنتهي قرب مدينة فاس وكان يسكنها غمارة إلى أن طهر الله منهم الأرض، والفنى جمعهم وخرب ديارهم لكثرة ذنوبهم: وضعف إسلامهم وكثرة جرأتهم وإصرارهم على الزناء المباح والمواربة الدائمة وقتل النفس التي حرم الله بغير الحق وذلك من الله جزاء الظالمين.
وبين سبتة وفاس على طريق زجان ثمانية أيام وأيضاً إلى مرسى الانزلان وعلى مقربة من انزلان حصن تيقساس على البحر وبينهما نصف يوم وهو حصن معمور في غمارة لكن أهله بينهم وبين غمارة حرب دائمة.
ومن تيقساس إلى قصر تازكا خمسة عشر ميلاً وله مرسى ومنه إلى حصن مسطاسة نصف يوم وهو لغمارة ومن مسطاسة إلى حصن كركال خمسة عشر ميلاً وهو أيضاً لغمارة.
ومن حصن كركال إلى مدينة بادس مقدار نصف يوم وبادس مدينة متحضرة فيها أسواق وصناعات قلائل وغمارة يلجؤون إليها في حوائجهم وهي آخر بلاد غمارة ويتصل بها هناك طرف الجبل وينتهي طرفه الآخر في جهة الجنوب إلى أن يكون بينه وبين مدينة تاودا أربعة أميال وكان بهذا الجبل قوم من أهل مزكلدة أهل جرأة وسفاهة وتجاسر على من جاورهم فأبادهم سيف الفتنة وأراح الله منهم.
ومن مدينة بادس إلى مرسى بوذكور عشرون ميلاً، وكانت مدينة فيما سلف لكنها خربت ولم يبق لها رسم وتسمى في كتب التواريخ نكور وبين بوذكور ومدينة بادس جبل متصل يعرف بالأجراف ليس فيه مرسى. ومن بوذكور إلى المزمة عشرون ميلاً وكانت به قرية عامرة ومرسى توسق المراكب فيه: من المزمة إلى واد بقربها ومنه إلى طرف ثغلال اثنا عشر ميلاً وهذا الطرف يدخل في البحر كثيراً ومنه إلى مرسى كرط عشرون ميلاً وبشرقي كرط واد يأتي من جهة صاع ومن كرط إلى طرف جون داخل في البحر عشرون ميلاً.
ومن كرط إلى مدينة مليلة في البحر اثنا عشر ميلاً وفي البر عشرون ميلاً ومدينة مليلة مدينة حسنة متوسطة ذات سور منيع وحال حسنة على البحر وكان لها قبل هذا عمارات متصلة وزراعات كثيرة: ولها بئر فيها عين أزلية كثيرة الماء ومنها شربهم ويحيط بها من قبائل البربر بطون بطوية.
ومن مليلة إلى مصب الوادي الذي يأتي من اقرسيف عشرون ميلاً وأمام مصب هذا النهر جزيرة صغيرة ويقابل هذا الموضع من البرية مدينة جراوة. ومن مصب وادي اقرسيف إلى مرسى تافركنيت على البحر وعليه حصن منيع صغير أربعون ميلاً.
ومن تافركنيت إلى حصن تابحريت ثمانية أميال وهو حصن حصين حسن عامر آهل وله مرسى مقصود ومن تابحريت إلى هنين على البحر أحد عشر ميلاً ومنها إلى تلمسان في البر أربعون ميلاً وفيما بينهما مدينة ندرومة وهي مدينة كبيرة عامرة آهلة ذات سور وسوق موضعها في سند ولها مزارع كثيرة ولها واد يجري في شرقيها وعليه بساتين وجنات وعمارة وسقي كثير. وهنين مدينة حسنة صغيرة في نحو البحر وهي عامرة عليها سور متقن وأسواق وبيع وشراء وخارجها زراعات كثيرة وعمارات متصلة وكذلك من هنين إلى تلمسان في البر أيضاً أربعون ميلاً.
ومن هنين على الساحل إلى مرسى الوردانية ستة أميال ومنها إلى جزيرة القشقار ثمانية أميال.
ومنها إلى جزيرة أرشقرل ويروى أرجكون وكانت فيما سلف حصناً عامراً له مرسى وبادية وسعة في الماشية والأموال السائمة ومرساها في جزيرة فيها مياه ومواجل كثيرة للمراكب وهي جزيرة مسكونة ويصب بحذاثها نهر ملوية ومن مصب الوادي إلى حصن اسلان ستة أميال على البحر ومنه إلى طرف خارج في البحر عشرون ميلاً.
ويقابل الطرف في البحر جزيرة الغنم وبين جزائر الغنم واسلان اثنا عشر ميلاً ومن جزائر الغنم إلى بني وزار سبعة عشر ميلاً وبنو وزار حصن منيع حسن في جبل على البحر ومنه إلى الدفالى وهو طرف خارج في البحر اثنا عشر ميلاً.
ومن طرف الدفالى إلى طرف الحرشا اثنا عشر ميلاً ومنه إلى وهران اثنا عشر ميلاً وقد ذكرنا وهران وأحوالها فيما صدر من ذكر الإقليم الثالث والله المستعان.

ج2. نزهة المشتاق في اختراق الآفاق
المؤلف : الادريسي

ولنرجع الآن إلى ذكر الأندلس ووصف بلادها ونذكر طرقاتها وموضوع جهاتها ومقتضى حالاتها ومبادي أرديتها ومواقعها من البحر ومشهور جبالها وعجائب بقعها ونأتي من ذلك بما يجب بعون الله تعالى.
فنقول أما الأندلس في ذاتها فشكل مثلث يحيط بها البحر من جهاتها الثلاث فجنوبها يحيط به البحر الشامي وغربها يحيط به البحر المظلم وشمالها يحيط به بحر الانقليشين من الروم والأندلس طولها من كنيسة الغراب التي على البحر المظلم إلى الجبل المسمى بهيكل الزهرة ألف ميل ومائة ميل وعرضها من كنيسة شنت ياقوب التي على أنف بحر الانقليشين إلى مدينة المرية التي على بحر الشام ست مائة ميل.
وجزيرة الأندلس مقسومة من وسطها في الطول بجبل طويل يسمى الشارات وفي جنوب هذا الجبل تأتي مدينة طليطلة ومدينة طليطلة مركز لجميع بلاد الأندلس وذلك أن منها إلى مدينة قرطبة بين غرب وجنوب تسع مراحل ومنها إلى لشبونة غرباً تسع مراحل ومن طليطلة إلى شنت ياقوب على بحر الانقليشين تسع مراحل ومنها إلى جاقا شرقاً تسع مراحل ومنها إلى مدينة بلنسية بين شرق وجنوب تسع مراحل ومنها أيضاً إلى مدينة المرية على البحر الشامي تسع مراحل.
ومدينة طليطلة كانت في أيام الروم مدينة الملك ومداراً لولاتها وبها وجدت مائدة سليمان ابن داؤود عليه السلام مع جملة ذخائر يطول ذكرها وما خلف الجبل المسمى بالشارات في جهة الجنوب يسمى اسبانية وما خلف الجبل قي جهة الشمال يسمى قشتالة ومدينة طليطلة في وقتنا هذا يسكنها سلطان الروم القشتاليين.
والأندلس المسماة اسبانية أقاليم عدة ورساتيق جملة وفي كل إقليم منها عدة مدن نريد أن نأتي بذكرها مدينة مدينة بحول الله تعالى ولنبدأ الآن منها بإقليم البحيرة وهو إقليم مبدؤه من البحر المظلم ويمر مع البحر الشامي وفيه من البلاد جزيرة طريف والجزيرة الخضراء وجزيرة قادس وحصن اركش وبكة وشريش وطشانة ومدينة ابن السليم وحصون كثيرة كالمدن عامرة سنأتي بها في موضعها.
ويتلوه إقليم شذونة وهو من إقليم البحيرة شمالاً وفيه من المدن مدينة إشبيلية ومدينة قرمونة وغلسانة وحصون كثيرة.
ويتلوه إقليم الشرف وهو ما بين إشبيلية ولبلة والبحر المظلم وفيه من المعاقل حصن القصر ومدينة لبلة وولبة وجزيرة شلطيش وجبل العيون.
ثم يليه إقليم الكنبانية وفيه من المدن قرطبة والزهراء واستجة وبيانة وقبرة واليشانة وبه جملة حصون كبار سنذكرها بعد هذا.
ويلي إقليم الكنبانية إقليم إشونة وفيه حصون عامرة كالمدن منها لورة وإشونة وهو إقليم صغير.
ويليه مع الجنوب إقليم رية وفيه من المدن مدينة مالقة وأرشذونة ومربلة وببثستر وحصن وبشكصار وغير هذه من الحصون.
ويتلو هذا الإقليم إقليم الشارات وفيه من المدن جيان وجملة حصون وقرى كثيرة تشف على ست مائة قرية يتخذ بها الحرير.
ثم إقليم بجانة وفيه من المدن المرية ويرجة وحصون كثيرة منها مرشانة وبرشانة وطوجالة وبالش.
ويتلوه في جهة الجنوب إقليم البيرة وفيه من المدن غرناطة ووادي آش والمنكب وحصون وقرى كثيرة ومنها إقليم فريرة وهو يتصل بإقليم البشارات وفيه مدينة بسطة وحصن طشكر الموصوف بالمنعة وفيه حصون كثيرة وسنأتي بها بعد.
ثم كورة تدمير وفيها من المدن مرسية وأوريولة وقرطاجنة ولورقة ومولة وجنجالة ويتصل بكورة كونكة وفيها أوريولة والش ولقنت وكونكة وشقورة ويليه إقليم أرغيرة وفيه من البلاد شاطبة وشقر ودانية وفيه حصون كثيرة. ويليه إقليم مرباطر وفيه من البلاد بلنسية ومرباطر وبريانة وحصون كثيرة ويليه مع الجوف إقليم القواطم وفيه من البلاد الفنت وشنت مارية المنسوبة لابن رزين ويتصل به إقليم الولجة وفيه من البلاد مرتة وفتة وقلعة رباح ويلي هذا الإقليم إقليم البلالطة وفيه حصون كثيرة منها ومن أكثرها بطروش وغافق وحصن ابن هارون وغيرها دونها في الكبر.
ويلي هذا الإقليم غرباً إقليم الفقر وفيه من البلاد شنت مارية ومارتلة وشلب وحصون كثيرة وقرى ويلي هذا الإقليم إقليم القصر وفيه القصر المنسوب لأبي دانس وفيه يابورة وبطليوس وشريشة وماردة وقنطرة السيف وقورية ويليه إقليم البلاط وفيه مدينة البلاط ومدلين ويلي هذا الإقليم إقليم بلاطة وفيه شنترين ولشبونة وشنترة.

ويليه إقليم الشارات وفيه طلبيرة وطليطلة ومجريط والفهمين ووادي الحجارة واقليش ووبذة ويليه أيضاً إقليم أرنيط وفيه من البلاد قلعة أيوب وقلعة دروقة ومدينة سرقسطة ووشقة وتطيلة ثم يليه إقليم الزيتون وفيه جاقة ولاردة ومكناسة وإلى راغة.
ويليه إقليم البرتات وفيه طرطوشة وطركونة وبرشلونة ويلي هذا الإقليم غرباً إقليم مرمرية وفيه حصون خالية ومما يلي البحر حصن طشكر وكشطالي وكتندة فهذه كلها أقاليم اسبانية المسمى جملتها الأندلس.
فأما جزيرة طريف فهي على البحر الشامي في آخر المجاز المسمى بالزقاق ويتصل غربيها ببحر الظلمة وهي مدينة صغيرة عليها سور تراب ويشقها نهر صغير وبها أسواق وفنادق وحمامات وأمامها جزيرتان صغيرتان تسمى إحداها القنتير وهما على متقربة من البر ومن جزيرة طريف إلى الجزيرة الخضراء ثمانية عشر ميلاً تخرج من الجزيرة إلى وادي النساء وهو نهر جار ومنه إلى الجزيرة الخضراء.
وهي مدينة متحضرة لها سور حجارة مفرغ بالجيار ولها ثلاثة أبواب ودار صناعة داخل المدينة ويشقها نهر يسمى نهر العسل وهو حلو عذب ومنه شرب أهل المدينة ولهم على هذا النهر بساتين وجنات بكلتي ضفتيه معاً وبالجزيرة الخضراء إنشاء وإقلاع وحط وبينها وبين مدينة سبتة مجاز البحر وعرضه هنالك ثمانية عشر ميلاً وأمام المدينة جزيرة تعرف بجزيرة أم حكيم وبها أمر عجيب وهو أن فيها بئراً عميقة كثيرة الماء حلوة والجزيرة في ذاتها صغيرة مستوية السطح يكاد البحر يركبها.
والجزيرة الخضراء أول مدينة افتتحت من الأندلس في صدر الإسلام وذلك في سنة تسعين من الهجرة وافتتحها موسى بن نصير من قبل المروانيين ومعه طارق بن عبد الله بن ونموا الزناتي ومعه قبائل البربر فكانت هذه الجزيرة أول مدينة افتتحت في ذلك الوقت وبها على باب البحر مسجد يسمى بمسجد الرايات ويقال إن هناك اجتمعت رايات القوم للرأي وكان وصولهم إليها من جبل طارق وإنما سمي بجبل طارق لأن طارق بن عبد الله بن ونموا الزناتي لما جاز بمن معه من البربر وتحصنوا بهذا الجبل أحس في نفسه أن العرب لا تثق به فأراد أن يزيح ذلك عنه فأمر بإحراق المراكب التي جاز فيها فتبرأ بذلك عما اتهم به.
وبين هذا الجبل والجزيرة الخضراء ستة أميال وهو جبل منقطع عن الجبال مستدير في أسفله من ناحية البحر كهوف وفيها مياه قاطرة جارية وبمقربة منه مرسى يعرف بمرسى الشجرة ومن الجزيرة الخضراء إلى مدينة إشبيلية خمسة أيام وكذلك من الجزيرة الخضراء إلى مدينة مالقة خمس مراحل خفاف وهي مائة ميل وكذلك من الجزيرة الخضراء إلى مدينة إشبيلية طريقان طريق في الماء وطريق في البر.
فأما طريق الماء فمن الجزيرة الخضراء إلى الرمال في البحر إلى موقع نهر برباط ثمانية وعشرون ميلاً ثم إلى موقع نهر بكة ستة أميال ثم إلى الحلق المسمى شنت بيطر اثنا عشر ميلاً ثم إلى القناطر وهي تقابل جزيرة قادس اثنا عشر ميلاً وبينهما مجاز سعته ستة أميال ومن القناطر تصعد في النهر إلى رابطة روطة ثمانية أميال ثم إلى المساجد ستة أميال ثم إلى مرسى طربشانة إلى العطوف إلى قبتور إلى قبطال وقبطال وقبتور قريتان في وسط النهر ثم إلى جزيرة ينشتالة ثم إلى الحصن الزاهر إلى مدينة إشبيلية فذلك من إشبيلية إلى البحر ستون ميلاً.
وأما طريق البر فالطريق من الجزيرة إلى الرتبة ثم إلى نهر برباط إلى قرية فيسانة وبها المنزل وهي قرية كبيرة ذات سوق عامرة وخلق كثير ومنها إلى مدينة ابن السليم إلى جبل منت ثم إلى قرية عسلوكة وبها المترل ثم منها إلى المدائن إلى ذيرد الحبالة وبها المنزل ثم إلى إشبيلية مرحلة.

ومدينة إشبيلية مدينة كبيرة عامرة ذات أسوار حصينة وأسواق كثيرة وبيع وشراء وأهلها مياسير وجل تجاراتهم بالزيت يتجهز به منها إلى أقصى المشارق والمغارب براً وبحراً وهذا الزيت عندهم يجتمع من الشرف وهذا الشرف هو مسافة أربعين ميلاً وهذه الأربعون ميلاً كلها تمشي في ظل شجر الزيتون والتين أوله بإشبيلية وآخره بمدينة لبلة وكله شجر الزيتون وسعته اثنا عشر ميلاً وأكثر وفيه فيما يذكر ثمانية آلاف قرية عامرة آهلة بالحمامات والديار الحسنة وبين الشرف وإشبيلية ثلاثة أميال والشرف سمي بذلك لأنه مشرف من ناحية إشبيلية ممتد من الجنوب إلى الشمال وهو تل تراب أحمر وشجر الزيتون مغروسة به من هذا المكان إلى قنطرة لبلة وإشبيلية على النهر الكبير. وهو نهر قرطبة.
ومدينة لبلة مدينة حسنة أزلية متوسطة القدر ولها سور منيع وبشرقيها نهر يأتيها من ناحية الجبل ويجاز عليه في قنطرة إلى مدينة لبلة وبها أسواق وتجارات ومنافع جمة وشرب أهلها من عيون في مرج من ناحية غربيها وبين مدينة لبلة والبحر المحيط ستة أميال وهناك على ذراع من البحر تطل مدينة ولبة وهي مدينة صغيرة متحضرة عليها سور من حجارة وبها أسواق وصناعات وهي مطلة على جزيرة شلطيش وجزيرة شلطيش يحيط بها البحر من كل ناحية ولها من ناحية الغرب اتصال بأحد طرفيها إلى مقربة من البر وذلك يكون مقدار نصف رمية حجر ومن هنالك يجوزون لاستقاء الماء لشربهم وهي جزيرة طولها نحو من ميل وزائد والمدينة منها في جهة الجنوب وهناك ذراع من البحر يتصل به موقع نهر لبلة ويتسع حتى يكون أزيد من ميل ثم لا يزال الصعود فيه في المراكب إلى أن يضيق ذلك الذراع حتى يكون سعة النهر وحده مقدار نصف رمية حجر ويخرج النهر من أسفل جبل عليه مدينة ولبة ومن هناك تتصل الطريق إلى لبلة.
ومدينة شلطيش ليس لها سور ولا حظيرة وإنما هي بنيان يتصل بعضه ببعض ولها سوق وبها صناعة الحديد الذي يعجز عن صنعه أهل البلاد لجفائه وهي صنعة المراسي التي ترسي بها السفن والمراكب الحمالة الجافية وقد تغلب عليها المجوس مرات وأهلها إذا سمعوا بالمجوس يخطرون عليهم فروا عنها وأخلوها ومن مدينة شلطيش إلى جزيرة قادس مائة ميل ومن جزيرة قادس المتقدم ذكرها إلى جزيرة طريف ثلاثة وستون ميلاً.
ومن جزيرة شلطيش مع البحر ماراً في جهة الشمال إلى حصن قسطلة على البحر ثمانية عشر ميلاً وبينهما موقع نهر يانة وهو نهر ماردة وبطليوس وعليه حصن مارتلة المشهور بالمنعة والحصانة وحصن قسطلة على نحر البحر وهو عامر آهل وله بساتين وغلات شجر التين كثيراً ومنه إلى قرية طيرة على مقربة من البحر أربعة عشر ميلاً ومن القرية إلى مدينة شنت مارية الغرب اثنا عشر ميلاً.
ومدينة شنت مارية على معظم البحر الأعظم والسور منها يصعد ماء البحر فيه إذا كان المد وهي مدينة متوسطة القدر حسنة الرتيب لها مسجد جامع ومنبر وجماعة وبها المراكب واردة وصادرة وهي كثيرة الأعناب والتين ومن مدينة شنت مارية إلى مدينة شلب ثمانية وعشرون ميلاً.
ومدينة شلب حسنة في بسيط من الأرض وعليها سور حصين ولها غلات وجنات وشرب أهلها من واديها الجاري بجنوبها وعليه أرجاء البلد. والبحر منها غرباً على ثلاثة أميال ولها مرسى في الوادي وبها الإنشاء والعود بجبالها كثير يحمل منها إلى كل الجهات والمدينة في ذاتها حسنة الهيئة بديعة المباني مرتبة الأسواق وأهلها وسكان قراها عرب من اليمن وغيرها وهم يتكلمون بالكلام العربي الصريح ويقولون بالشعر وهم فصحاء نبلاء خاصتهم وعامتهم وأهل بوادي هذا البلاد في غاية من الكرم لا يجاريهم فيه أحد ومدينة شلب على إقليم الشنشين وهو إقليم به غلات التين الذي يحمل منها إلى أقطار الغرب كلها وهو تين طيب علك لذيذ شهي.

ومن مدينة شلب إلى بطليوس ثلاث مراحل وكذلك من شلب إلى حصن مارتلة أربعة أيام ومن مارتلة إلى حصن ولبة مرحلتان خفيفتان ومن مدينة شلب إلى حلق الزاوية عشرون ميلاً وهو مرسى وقرية ومنه إلى قرية شقرش على مقربة من البحر ثمانية عشر ميلاً ومنه إلى طرف الغوب وهو طرف خارج في البحر الأعظم اثنا عشر ميلاً ومنه إلى كنيسة الغراب سبعة أميال وهذه الكنيسة من عهد الروم إلى اليوم لم تتغير عن حالها ولها أموال يتصدق بها عليها وكرامات يحملها الروم الواردون عليها وهي في قرطيل خارج في البحر وعلى رأس الكنيسة عشرة أغربة لا يعرف أحد فقدها ولا عهد زوالها وقسيسو الكنيسة يخبرون عن تلك الأغربة بغرائب يتهم المخبر بها ولا سبيل لأحد من المجتازين بها أن يخرج منها حتى يأكل من ضيافة الكنيسة ضريبة لازمة وسيرة دائمة لا ينتقلون عنها ولا يتحولون منها ورثها الخلف عن السلف وهو متعارف دائم والكنيسة في ذاتها كنيسة عامرة بالقسيسين والرهبان وبها أموال مدخرة وأحوال واسعة وأكثر هذه الأموال محبسة عليها في أقطار الغرب وبلاده وينفق منها على الكنيسة وخدامها وجمع من يلوذ بها مع ما يكرم به الأضياف الواردون على الكنيسة المذكورة قلوا أم كثروا. ومن كنيسة الغراب إلى القصر مرحلتان وكذلك من شلب إلى القصر أربع مراحل والقصر مدينة حسنة متوسطة على ضفة النهر المسمى شطوبر وهو نهر كبير تصعد فيه السفن والمراكب السفرية كثيراً وفيما استدار بها من الأرض كلها أشجار الصنوبر وبها الإنشاء الكثير وهي في ذاتها رطبة العيش خصيبة كثيرة الألبان والسمن والعسل واللحوم وبين القصر والبحر عشرون ميلاً ومن القصر إلى يبورة مرحلتان.
ويبورة مدينة كبيرة عامرة بالناس ولها سور وقصبة ومسجد جامع وبها الخصب الكثير الذي لا يوجد بغيرها من كثرة الحنطة واللحم وسائر البقول والفواكه وهي أحسن البلاد بقعة وأكثرها فائداً والتجارات إليها داخلة وخارجة ومن مدينة يبورة إلى مدينة بطليوس مرحلتان في شرق.
ومدينة بطليوس مدينة جليلة في بسيط الأرض وعليها سور منيع وكان لها ربض كبير أكبر من المدينة في شرقها فخلاً بالفتن وهي على ضفة نهر يانة وهو نهر كبير ويسمى النهر الغؤور لأنه يكون في موضع يحمل السفن ثم يغور تحت الأرض حتى لا يوجد منه قطرة فسمي الغؤور لذلك وينتهي جريه إلى حصن مارتلة ويصب في قريب من جزيرة شلطيش ومن مدينة بطليوس إلى مدينة إشبيلية ستة أيام على طريق حجر ابن أبي خالد إلى جبل العيون إلى إشبيلية ومن مدينة بطليوس إلى مدينة قرطبة على الجادة ستة مراحل ومن بطليوس إلى مدينة ماردة على نهر يانة شرقاً ثلاثون ميلاً وبينهما حصن على يمين المار إلى ماردة.

ومدينة ماردة كانت دار مملكة لماردة بنت هرسوس الملك وبها من البناء آثار ظاهرة تنطق عن ملك وقدرة وتعرب عن نخوة وعزة وتفصح عن عظة وعبرة فمن هذه البنأت في غربي المدينة قنطرة كبيرة ذات قسي عالية الذروة كثيرة العدد عريضة المجاز وقد بني على ظفر القسي أقباء تتصل من داخل المدينة إلى آخر القنطرة ولا يرى الماشي بها وفي داخل هذا الداموس قناة ماء تصل المدينة ومشي الدواب والناس على أعلى تلك الدواميس وهي متقنة البناء وثيقة التأليف حسنة الصنعة والمدينة عليها سور حجارة منجورة من أحسن صنعة وأوثق بناء ولها في قصبتها قصور خربة وفيها دار يقال لها دار الطبيخ وذلك أنها في ظهر مجلس القصر وكان الماء يأتي دار الطبيخ في ساقية هي الآن بها باقية الأثر لا ماء بها فتوضع صحاف الذهب والفضة بأنواع الطعام في تلك الساقية على الماء حتى تخرج بين يدي الملكة فترفع على الموائد ثم إذا فرغ عن أكل ما فيها وضعت في الساقية فتستدير إلى أن تصل إلى يد الطباخ بدار الطبخ فيرفعها بعد غسلها ثم يمر بقية ذلك الماء في سروب القصر ومن أغرب الغريب جلب الماء الذي كان يأتي إلى القصر على عمد مبنية تسمى الأرجالات وهي أعداد كثيرة باقية إلى الآن قائمة على قوام لم تخل بها الأزمان ولا غيرتها الدهور ومنها قصار ومنها طوال بحسب الأماكن التي وجب فيها البناء وأطولها يكون غلوة سهم وهي على خط مستقيم وكان الماء يأتي عليها في قني مصنوعة خربت وفنيت وبقيت تلك الأرجالات قائمة يخيل إلى الناظر إليها أنها من حجر واحد لحكمة إتقانها وتجويد صنعتها وفي وسط هذه المدينة أحناء قوس يدخل عليه الفارس بيده علم قائم عدد أحجاره أحد عشر حجراً فقط في كل عضادة منها ثلاثة أحجار وفي القوس أربعة حجار حنيات وواحد قفل فكانت الجملة أحد عشر حجراً وفي الجنوب من سور المدينة قصر آخر صغير وفي برج منه كان مكان مرآة كانت الملكة ماردة تنظر إلى وجهها فيه ومحيط دوره عشرون شبراً وكان يدور على حرفه وكان دورانه قائماً ومكانه إلى الآن باق ويقال إنما صنعته ماردة لتحاكى به مرآة ذي القرنين التي صنعها في منار الإسكندرية.
ومن مدينة ماردة إلى قنطرة السيف يومان وقنطرة السيف من عجائب الأرض وهو حصن منع على نفس القنطرة وأهلها متحصنون فيه ولا يقدر لهم أحد على شيء والقنطرة لا يأخذها القتال إلا من بابها فقط ومن مدينة قنطرة السيف إلى مدينة قورية مرحلتان خفيفتان وقورية الآن مدينة في ملك الروم ولها سور منيع وهي في ذاتها أزلية البناء واسعة الفناء من أحصن المعاقل وأحسن المنازل ولها بواد شريفة خصيبة وضياع طيبة عجيبة وأصناف من الفواكه كثيرة وأكثرها الكروم وشجر التين.
ومن قورية إلى قلمرية أربعة أيام ومدينة قلمرية مدينة على جبل مستدير وعليها سور حصين ولها ثلاثة أبواب وهي في نهاية من الحصانة وهي على نهر منديق وجريه بغربيها ويتصل جري هذا النهر إلى البحر وعلى مصبه هناك حصن منت ميور ولها على النهر أرحاء وعليه كروم كثيرة وجنات ولها حروث كثيرة متصلة بالغربي منها إلى ناحية البحر ولها أغنام ومواش وأهلها أهل شوكة في الروم.
ومن القصر المتقدم ذكره إلى مدينة لشبونة مرحلتان ومدينة لشبونة على شمال النهر المسمى تاجه وهو نهر طليطلة وسعته أمامها سته أميال ويدخله المد والجزر كثيراً وهي مدينة حسنة ممتدة مع النهر ولها سور وقصبة منيعة وفي وسط المدينة حمات حارة في الشتاء والصيف ولشبونة على نحر البحر المظلم وعلى ضفة النهر من جنوبه قبالة مدينة لشبونة حصن المعدن وسمي بذلك لأنه عند هيجان البحر يقذف هناك بالذهب والتبر فإذا كان زمن الشتاء قصد إلى هذا الحصن أهل تلك البلاد فيخدمون المعدن الذي به إلى انقضاء الشتاء وهو من عجائب الأرض وقد رأيناه عياناً.

ومن مدينة لشبونة كان خروج المغررين في ركوب بحر الظلمات ليعرفوا ما فيه وإلى أي إنتهاؤه كما تقدم ذكرهم ولهم بمدينة لشبونة بموضع بمقربة الحمة درب منسوب إليهم يعرف بدرب المغررين إلى آخر الأبد وذلك أنهم اجتمعوا ثمانية رجال كلهم أبناء عم فأنشؤوا مركباً حمالاً وأدخلوا فيه من الماء والزاد ما يكفيهم لأشهر ثم دخلوا البحر في أول طاروس الريح الشرقية فجروا بها نحواً من أحد عشر يوماً فوصلوا إلى بحر غليظ الموج كدر الروائح كثير التروش قليل الضوء فأيقنوا بالتلف فردوا قلاعهم في اليد الأخرى وجروا مع البحر في ناحية الجنوب اثني عشر يوماً فخرجوا إلى جزيرة الغنم وفيها من الغنم ما لا يأخذه عد ولا تحصيل وهي سارحة لا راعي لها ولا ناظر إليها فقصدوا الجزيرة فتزلوا بها فوجدوا فيها عين ماء جارية وشجرة تين بري عليها فأخذوا من تلك الغنم فذبحوها فوجدوا لحومها مرة لايقدر أحد على أكلها فأخذوا من جلودها وساروا مع الجنوب اثني عشر يوماً إلى أن لاحت لهم جزيرة فنظروا فيها إلى عمارة وحرث فقصدوا إليها ليروا ما فيها فما كان غير بعيد حتى أحيط بهم في زوارق هناك فأخذوا وحملوا في مركبهم إلى مدينة على ضفة البحر فأزلوا بها فرأوا فيها رجالاً شقراً زعراً شعور رؤوسهم سبطة وهم طوال القدود ولنسائهم جمال عجيب فاعتقلوا منها في بيت ثلاثة أيام ثم دخل عليهم في اليوم الرابع رجل يتكلم باللسان العربي فسألهم عن حالهم وفيما جاؤوا وأين بلدهم فأخبروه بكل خبرهم فوعدهم خيراً وأعلمهم أنه ترجمان الملك فلما كان في اليوم الثاني من ذلك اليوم أحضروا بين يدي الملك فسألهم عما سألهم الترجمان عنه فأخبروا بما أخبروا به الترجمان بالأمس من أنهم اقتحموا البحر ليروا ما به من الأخبار والعجائب ويقفوا على نهايته فلما علم الملك ذلك ضحك وقال للترجمان خبر القوم أن أبي أمر قوماً من عبيده. بركوب هذا البحر وأنهم جروا في عرضه شهراً إلى أن انقطع عنهم الضوء وانصرفوا من غير حاجة ولا فائدة تجدي ثم أمر الملك الترجمان أن يعد القوم خيراً وأن يحسن ظنهم بالملك ففعل ثم انصرفرا إلى موضع حبسهم إلى أن بدأ جري الريح الغربية فعمر بهم زورق وعصبت أعينهم وجرى بهم في البحر برهة من الدهر قال القوم قدرنا أنه جرى بنا ثلاثة أيام بلياليها حتى جيء بنا إلي البر فأخرجنا وكتفنا إلى خلف وتركنا بالساحل إلى أن تضاحى النهار وطلعت الشمس ونحن في ضنك وسوء حال من شدة الكتاف حتى سمعنا ضوضاء وأصوات ناس فصحنا بجملتنا فأقبل القوم إلينا فوجدونا بتلك الحال السيئة فحلونا من وثاقنا وسألونا فأخبرناهم خبرنا وكانوا برابر فقال لنا أحدهم أتعلمون كم بينكم وبين بلدكم فقلنا لا فقال إن بينكم وبين بلدكم مسيرة شهرين فقال زعيم القوم وا أسفي فسمي المكان إلى اليوم آسفي وهو المرسى الذي في أقصى المغرب وقد ذكرناه قبل هذا.

ومن مدينة لشبونة مع النهر إلى مدينة شنترين شرقاً ثمانون ميلاً والطريق بينهما لمن شاء في النهر أو في البر وبينهما فحص بلاطة ويخبر أهل لشبونة وأكثر أهل الغرب أن الحنطة في تزرع في هذا الفحص فتقيم في الأرض أربعين يوماً فتحصد وأن الكيل الواحد منها يعطي مائة كيل وربما زاد ونقص ومدينة شنترين على جبل عال كثير العلو جداً ولها من جهة القبلة حافة عظيمة ولا سور لها وبأسافلها ربض على طول النهر وشرب أهلها من مياه عيون ومن ماء النهر أيضاً ولها بساتين كثيرة وفواكه عامة ومباقل وخير شامل ومن مدينة شنزين إلى مدينة بطليوس أربع مراحل وعلى يمين طريقها مدينة يلبش وهي في سفح جبل ولها سور منيع ورقعة فرجة وبها عمارة وأسواق وديار كثيرة ولنسائها جمال فائق ومنها إلى بطليوس اثنا عشر ميلاً ومن ماردة إلى حصن كركوى ثلات مراحل ومن كركوى إلى مدينة قلعة رباح على ضفة نهر يانة وهذا النهر يأتي من مروج فوقها فيمر بقرية يانة إلى قلعة رباح ثم يصير منها إلى حصن أرندة ومنه إلى ماردة ثم يمر ببطليوس فيصير منها إلى مقربة من شريشة ثم يصير إلى حصن مارتلة فيصب في البحر المظلم ومن قلعة رباح إلى قلعة أرلية يومان وهو حصن منيع ومنه إلى طليطلة مرحلة ومن قلعة رباح في جهة الشمال إلى حصن البلاط مرحلتان ومن حصن البلاط إلى مدينة طلبيرة يومان وكذلك من مدينة قنطرة السيف إلى المخاضة أربعة أيام ومن المخاضة إلى طلبيرة يومان وكذلك من مدينة ماردة إلى حصن مدلين مرحلتان خفيفتان وهو حصن عامر آهل وفيه خيول ورجال لهم سرايا وطرقات في بلاد الروم ومن حصن مدلين إلى ترجالة مرحلتان خفيفتان. ومدينة ترجالة كبيرة كالحصن المنيع ولها أسوار منيعة وبها أسواق عامرة وخيل ورجل يقطعون أعمارهم في الغارات على بلاد الروم والأغلب عليهم اللصوصية والخدع ومنها إلى حصن قاصرش مرحلتان خفيفتان وهو حصن منيع ومحرس رفيع فيه خيل ورجل يغاورون في بلاد الروم ومن مكناسة إلى مخاضة البلاط يومان ومن البلاط إلى طلبيرة يومان.

ومدينة طلبيرة على ضفة نهر تاجه وهي مدينة كبيرة وقلعتها أروع القلاع حصناً ومدينتها أشرف البلاد حسناً وهو بلد واسع المساحة شريف المنافع وبه أسواق جميلة الترتيب وديار حسنة التركيب ولها على نهر تاجه أرحاء كثيرة ولها عمل واسع المجال وإقليم شريف الحال ومزارعها زاكية وجهاتها حسنة مرضية أزلية العمارة قديمة الآثار وهي من مدينة طليطلة على سبعين ميلاً. ومدينة طيطلة من طلبيرة شرقاً وهي مدينة عظيمة القطر كثيرة البشر حصينة الذات لها أسوار حسنة ولها قصبة فيها حصانة ومنعة وهي أزلية من بناء العمالقة وقليلاً ما رؤي مثلها إتقاناً وشماخة بنيان وهي عالية الذرى حسنة البقعة زاهية الرقعة وهي على ضفة النهر الكبير المسمى تاجه ولها قنطرة من عجبب البنيان وهي قوس واحدة والنهر يدخل تحت تلك القوس كله بعنف وشدة جري ومع آخر القنطرة ناعورة ارتفاعها في الجو تسعون ذراعاً وهي تصعد الماء إلى أعلى القنطرة والماء يجري على ظهرها فيدخل المدينة ومدينة طليطلة كانت في أيام الروم دار مملكتهم وموضع قصدهم ووجد أهل الإسلام فيها عند إفتتاح الأندلس ذخائر تكاد تفوت الوصف كثرة فمنها أنه وجد بها مائة وسبعون تاجاً من الذهب مرصعة بالدر وأصناف الحجارة الثمينة ووجد بها ألف سيف مجوهر ملكي ووجد بها من الدر والياقوت أكيال وأوساق ووجد بها من أنواع آنية الذهب والفضة ما لا يحيط به تحصيل ووجد بها مائدة سليمان بن داؤود وكانت فيما يذكر من زمردة وهذه المائدة اليوم في مدينة رومة ولمدينة طليطلة بساتين محدقة بها وأنهار مخترقة ودواليب دائرة وجنات يانعة وفواكه عديمة المثال لا يحيط بها تكييف ولا تحصيل ولها من جميع جهاتها أقاليم رفيعة: وقلاع منيعة وتكتنفها وعلى بعد منها في الجهة الشمالية الجبل العظيم المتصل المعروف بالشارات وهو يأخذ من ظهر مدينة سالم إلى أن يأتي قرب مدينة قلمرية في آخر المغرب وفي هذا الجبل من الغنم والبقر الشيء الكثير الذي يتجهز به الجلابون إلى سائر البلاد ولا يوجد شيء من أغنامه وأبقاره مهزولاً بل هي في نهاية من السمن ويضرب بها في ذلك المثال في جميع أقطار الأندلس وعلى مقربة من مدينة طليطلة قرية تسمى بمغام وجبالها وترابها الطين المأكول الذي ليس على قرارة الأرض مثله يتجهز به منها إلى أرض مصر وجميع بلاد الشام والعراقات وبلاد الترك وهو نهاية في لذاذة الأكل وفي نظافة غسل الشعر ولطليطلة في جبالها معادن الحديد والنحاس ولها من المنابر في سفح هذا الجبل مجريط وهي مدينة صغيرة وقلعة منيعة معمورة وكان لها في زمن الإسلام مسجد جامع وخطبة قائمة ولها أيضاً مدينة الفهمين وكانت مدينة متحضرة حسنة الأسواق والمباني وبها مسجد جامع ومنبر وهي اليوم كلها مع طليطلة في أيدي الروم وملكها من القشتاليين وينتسب إلى الأذفونش الملك.

وفي الشرق من مدينة طليطلة إلى مدينة وادي الحجارة خمسون ميلاً وهي مرحلتان ومدينة وادي الحجارة حصينة حسنة كثيرة الأرزاق والخيرات جامعة لأسباب المنافع والغلات وهي مدينة ذات أسوار حصينة ومياه معينة ويجري فيها بجهة غربيها نهر صغير لها عليه بساتين وجنات وكروم وزراعات وبها من غلات الزعفران الشيء الكثير يتجهز به منها ويحمل إلى سائر العمالات والجهات وهذا النهر يجري إلى جهة الجنوب فيقع في نهر تاجه الأكبر فيمده ونهر تاجه المذكور يخرج من ناحية الجبال المتصلة بالقلعة والفنت فينزل ماراً مع المغرب إلى مدينة طليطلة ثم إلى طلبيرة ثم إلى المخاضة ثم إلى القنطرة ثم إلى قنيطرة محمود ثم إلى مدينة شنترين ثم إلى لشبونة فيصب هناك في البحر. ومن مدينة وادي الحجارة إلى مدينة سالم شرقاً خمسون ميلاً ومدينة سالم هذه مدينة جليلة في رضاء من الأرض كبيرة التهطر والعمارات والبساتين والجنات ومنها إلى مدينة شنت مارية ابن رزين ثلاث مراحل خفاف ومنها إلى الفنت أربع مراحل وبين شنت مارية والفنت مرحلتان وشنت مارية والفنت بلدان جليلان عامران بهما أسواق قائمة وعمارات متصلة دائمة وفواكه عامة وكانا في الإسلام منازل القواطم ومن مدينة سالم إلى مدينة قلعة أيوب خمسون ميلاً شرقاً وهي مدينة رائقة البقعة حصينة شديدة المنعة بهية الأقطار كثيرة الأشجار والثمار عيونها مخترقة وينابيعها مغدودقة كثيرة الخصب رخيصة الأسعار وبها يصنع الغضار المذهب ويتجهز به إلى كل الجهات. ومن مدينة قلعة أيوب في جهة الجنوب إلى قلعة دروقة ثمانية عشر ميلاً ودروقة مدينة صغيرة متحضرة كثيرة المياه غزيرة البساتين والكروم وكل شيء بها كثير رخيص ومن دروقة إلى مدينة سرقسطة خمسون ميلاً وكذلك أيضاً من مدينة قلعة أيوب إلى مدينة سرقسطة خمسون ميلاً ومدينة سرقسطة قاعدة من قواعد مدن الأندلس كبيرة القطر آهلة ممتدة الأطناب واسعة الشوارع والرحاب حسنة الديار والمساكن متصلة الجنات والبساتين ولها سور مبني من الحجارة حصين وهي على ضفة النهر الكبير المسمى ابره وهو نهر كبير يأتي بعضه من بلاد الروم وبعضه من جهة جبال قلعة أيوب وبعضه من نواحي قلهرة فتجتمع مواد هذه الأنهار كلها فوق مدينة تطيلة ثم تنصب إلى مدينة سرقسطة إلى أن تنتهي إلى حصن جبرة إلى موقع نهر الزيتون ثم إلى طرطوشة فيجتاز بغربها إلى البحر ومدينة سرقسطة هي المدينة البيضاء وسميت بذلك لكثرة جصها وجيارها ومن خواصها أنها لا تدخلها حية البتة وإن جلبت إليها وأدخلت المدينة ماتت وهيا بلا تأخير ولمدينة سرقسطة جسر عظيم يجاز عليه إلى المدينة ولها أسوار منيعة ومبان رفيعة.
ومن مدينة سرقسطة إلى وشقة أربعون ميلاً ومن وشقة إلى لاردة سبعون ميلاً ومن سرقسطة إلى تطيلة خمسون ميلاً ومدينة لاردة مدينة صغيرة متحضرة ولها أسوار منيعة وهي على نهر كبير.
ومن مكناسة إلى طرطوشة مرحلتان وهما خمسون ميلاً. ومدينة طرطوشة مدينة حصينة على سفح جبل ولها سور حصين وبها أسواق وعمارات وصناع وفعلة وإنشاء المراكب الكبار من خشب جبالها وبجبالها يكون خشب الصنوبر الذي لا يوجد له نظير في الطول والغلظ ومنه تتخذ الصواري والقرى وهذا الخشب الصنوبر الذي بجبال هذه المدينة أحمر صافي البشرة دسم لا يتغير سريعاً ولا يفعل فيه السوس ما يفعله في غيره وهو خشب معروف منسوب ومن طرطوشة إلى موقع النهر في البحر اثنا عشر ميلاً.
ومن مدينة طرطوشة إلى طركونة خمسون ميلاً ومدينة طركونة على البحر وهي مدينة اليهود ولها سور رخام وبها أبنية حصينة وأبراج منيعة ويسكنها قوم قلائل من الروم وهي حصينة منيعة ومنها إلى برشلونة في الشرق ستون ميلاً.

ومن مدينة طركونة غرباً إلى موقع نهر ابره أربعون ميلاً وهذا الوادي ها هنا يتسع سعة كثيرة ومن موقع النهر إلى رابطة كشطالي غرباً على البحر ستة عشر ميلاً وهي رابطة حصينة منيعة على نحر البحر الشامي يمسكها قوم أخيار وبالقرب منها قرية كبيرة ويتصل بها عمارات ومزارع ومن رابطة كشطالي غرباً إلى قرية يانة قرب البحر ستة أميال ومنها إلى حصن بنشكلة ستة أميال وهو حصن منيع على ضفة البحر وهو عامر آهل وله قرى وعمارات ومياه كثيرة ومن حصن بنشكلة إلى عقبة أبيشة سبعة أميال وهو جبل معترض عال على البحر والطريق عليه ولا بد من السلوك على رأسه وهو صعب جداً ومنه إلى مدينة بريانة غرباً خمسة وعشرون ميلاً ومدينة بريانة مدينة جليلة عامرة كثيرة الخصب والأشجار والكروم وهي في مستو من الأرض وبينها وبين البحر نحو من ثلاثة أميال ومن بريانة إلى مرباطر وهي قرى عامرة وأشجار ومستغلات ومياه متدفقة عشرون ميلاً وكل هذه الضياع والأشجار على مقربة من البحر ومنها إلى بلنسية اثنا عشر ميلاً غرباً.
ومدينة بلنسية قاعدة من قواعد الأندلس في مستو من الأرض عامرة القطر كثيرة التجار والعمار وبها أسواق وتجارات وحط وإقلاع وبينها وبين البحر ثلاثة أميال مع النهر وهي على نهر جار ينتفع به ويسقي المزارع وعليه بساتين وجنات وعمارات متصلة ومن مدينة بلنسية إلى سرقسطة تسع مراحل على كتندة وبين بلنسية وكتندة ثلاثة أيام ومن كتندة إلى حصن الرياحين مرحلتان وهو حصن حسن كثير الخلق عامر بذاته ومن حصن الرياحين إلى الفنت يومان ومن مدينة بلنسية إلى جزيرة شقر ثمانية عشر ميلاً وهي على نهر شقر ومدينة شقر المذكورة حسنة البقاع كثيرة الأشجار والثمار والأنهار وبها ناس وجلة وهي على قارعة الطريق الشارع إلى مرسية ومن جزيرة شقر إلى مدينة شاطبة اثنا عشر ميلاً ومدينة شاطبة مدينة حسنة ولها قصاب يضرب بها المثل في الحسن والمنعة ويعمل بها من الكاغذ ما لا يوجد له نظير بمعمور الأرض ويعم المشارق والمغارب ومن شاطبة إلى دانية خمسة وعشرون ميلاً وكذلك من شاطبة إلى بلنسية اثنان وثلاثون ميلاً وكذلك من بلنسية إلى مدينة دانية على البحر مع الجون خمسة وستون ميلاً ومن بلنسية إلى حصن قلييرة خمسة وعشرون ميلاً - ومن قلييرة إلى دانية أربعون ميلاً - وحصن قلييرة قد أحدق البحر به وهو حصن منيع على موقع نهر شقر ومنه إلى مدينة دانية أربعون ميلاً ومدينة دالية على البحر عامرة حسنة لها ربض عامر وعليها سور حصين وسورها من ناحية المشرق في داخل البحر قد بني بهندسة وحكمة ولها قصبة منيعة جداً وهي على عمارة متصلة وشجرات تين كثيرة وكروم وهي مدينة تسافر إليها السفن وبها ينشأ أكثرها لأنها دار إنشاء السفن ومنها يخرج الأسطول للغزو ومنها تخرج السفن إلى أقصى المشرق وفي الجنوب منها جبل عظيم مستدير يظهر من أعلاه جبال يابسة في البحر ويسمى هذا الجبل جبل قاعون ومن مدينة شاطبة إلى بكيران غرباً أربعون ميلاً وحصن بكيران حصن منيع عامر كالمدينة وله سوق مشهودة وحوله عمارات متصلة وتصنع به ثياب بيض تباع بالأثمان الغالية ويعمر الثوب منها سنين كثيرة وهي من أبدع الثياب عتاقة ورقة حتى لا يفرق بينها وبين الكاغذ في الرقة والبياض ومن بكيران إلى دانية أربعون ميلاً وعن صن بميران إلى مدينة الش أربعون ميلاً.
وهي مدينة في مستو من الأرض ويشقها خليج يأتى إليها من نهرها يدخل المدينة من تحت السور فيتصرفون فيه ويجري في حمامها ويشق أسواقها وطرقاتها وهو نهر ملح سبخي وشرب أهل هذه المدينة من الخوابي يجلب إليها من خارجها ومياهها المشروبة من مياه السماء ومن مدينة الش إلى مدينة أوريولة ثمانية وعشرون ميلاً ومدينة أوريولة على ضفة النهر الأبيض والنهر الأبيض هو نهرها ونهر مرسية وسورها من الناحية الغربية على جرية النهر ولها قنطرة تدخل إليها على مراكب ولها قصبة في نهاية من الإمتناع على قنة جبل ولها بساتين وجنات ورياضات دانية وبها من الفواكه ما لا تحصيل له وفيها رخاء شامل وبها أسواق وضياع وبين أوريولة والبحر عشرون ميلاً وبين أوريولة ومدينة مرسية اثنا عشر ميلاً ومن مدينة أوريولة إلى قرطاجنة خمسة وأربعون ميلاً ومن مدينة دانية المتقدم ذكرها على الساحل إلى مدينة لقنت غرباً على البحر سبعون ميلاً.

ولقنت مدينة صغيرة عامرة وبها سوق ومسجد جامع ومنبر ويتجهز منها بالحلفاء إلى جميع بلاد البحر وبها فواكه وبقل كثير وأعناب ولها قصبة منيعة عالية جدا في أعالي جبل يصعد إليه بمشقة وتعب وهي أيضاً مع صغرها تنشأ بها المراكب السفرية والحراريق وبالقرب من هذه المدينة وبالغرب منها جزيرة تسمى أبلناصة وهي على ميل من البر وهى مرسى حسن وهي مكمن لمراكب العدو وهي تقابل طرف الناظور ومن طرف الناظور إلى مدينة لقنت عشرة أميال ومن مدينة لقنت في البر إلى مدينة الش مرحلة خفيفة ومن مدينة لقنت إلى حلوق بالش سبعة وخمسون ميلاً وبالش مراسي أفواه أودية تدخلها المراكب ومن بالش إلى جزيرة الفيران ميل وبين هذه الجزيرة والبر ميل ونصف ومنها إلى طرف القبطال اثنا عشر ميلاً ومنه إلى برتمان الكبير وهو مرسى ثلاثون ميلاً ومنه إلى مدينة قرطاجنة اثنا عشر ميلاً ومدينة قرطاجنة هي فرضة مدينة مرسية وهي مدينة قديمة أزلية لها ميناء ترسى بها المراكب الكبار والصغار وهي كثيرة الخصب والرخاء المتتابع ولها إقليم يسمى الفندون وقليلاً ما يوجد مثاله في طيب الأرض وجودة نمو الزرع فيه ويحكى أن الزرع فيه يثمر بسقي مطرة واحدة وإليه المنتهى في الجودة.
ومن مدينة قرطاجنة مع الساحل إلى شجانة أربعة وعشرون ميلاً وهو مرسى حسن وعليه بقربه قرية ومنه إلى حصن آقلة اثنا عشر ميلاً وهو حصن صغير على البحر وهو فرضة لورقة وبينهما في البر خمسة وعشرون ميلاً ومن حصن آقلة إلى وادي بيرة في قعر الجرن اثنان وأربعون ميلاً وعلى مصب النهر جبل كبير وعليه حصن بيرة مطل على البحر ومن الوادي إلى جزيرة قربنيرة اثنا عشر ميلاً، ثم إلى الرصيف ستة أميال ثم إلى الشامة البيضاء ثمانية أميال ثم إلى طرف قابطة ابن أسود ستة أميال ومن طرف القابطة إلى المرية اثنا عشر ميلاً ومن مدينة قرطاجنة إلى مرسية في البر أربعون ميلاً ومدينة مرسية قاعدة أرض تدمير وهي في مستو من الأرض على النهر الأبيض ولها ربض عامر آهل وعليها وعلى ربضها أسوار حصينة وحظائر متقنة والماء يشق ربضها وهي على ضفة النهر المعروف ويجاز إليها على قنطرة مصنوعة من المراكب ولها أرحاء طاحنة في المراكب مثل طواحن سرقسطة التي هي تركب في مراكب تنتقل من موضع إلى موضع وبها من البساتين والأشجار والعمارات ما لا يؤخذ بتحصيل ولها كروم وبها شجر التين كثير ولها حصون وقلاع وقواعد وأقاليم معدومة المثال ومن مرسية إلى مدينة بلنسية خمس مراحل ومن مرسية إلى المرية على الساحل خمس مراحل ومن مرسية إلى قرطبة عشر مراحل ومن مرسية إلى حصن شقورة أربع مراحل ومن مرسية إلى جنجالة خمسون ميلاً.
ومدينة جنجالة مدينة متوسطة القدر حصينة القلعة منيعة الرقعة ولها بساتين وأشجار وعليها حصن حسن ويعمل بها من وطاء الصوف ما ليس يمكن صنعه في غيرها باتفاق الهواء والماء ولنسائها جمال وحصافة ومن جنجالة إلى قونكة يومان وهي مدينة أزلية صغيرة على منقع ماء مصنوع قصداً ولها سور وليس لها ربض ويصنع بها من الأوطية المتخذة من الصوف كل غريبة ومن قونكة إلى قلصة ثلاث مراحل شرقاً وقلصة حصن منيع تتصل به أجبل كثيرة بها شجر الصنوبر الكثير ويقطع بها الخشب ويلقى في الماء ويحمل إلى دانية وإلى بلنسية في البحر وذلك أنها تسير في النهر من قلصة إلى جزيرة شقر ومن جزيرة شقر إلى حصن قلييرة وتفرغ هناك على البحر فتملأ منها المراكب وتحمل إلى دانية فتنشأ منها السفن الكبار والمراكب الصغار ويحمل إلى بلنسية منه ما كان عريضاً فيصرف في الأبنية والديار ومن قلصة إلى شنت مارية ثلاث مراحل وكذلك من قلصة إلى الفنت أيضاً مثل ذلك ومن قونكة إلى وبذى ثلاث مراحل ووبذى واقليش مدينتان متوسطان ولهما أقاليم ومزارع عامرة وبين وبذى واقليش ثمانية عشر ميلاً.

ومن اقليش إلى شقورة ثلاث مراحل وحصن شقورة كالمدينة عامر بأهله وهو في رأس جبل عظيم متصل منيع الجهة حسن البنية ويخرج من أسافله نهران أحدهما نهر قرطبة المسمى بالنهر الكبير والثاني هو النهر الأبيض الذي يمر بمرسية وذلك أن النهر الذي يمر بقرطبة يخرج من هذا الجبل من مجتمع مياه كالغدير ظاهر في نفس الجبل ثم يغوص تحت الجبل ويخرج من مكان في أسفل الجبل فيتصل جريه غرباً إلى جبل نجدة إلى غادرة إلى قرب مدينة أبدة إلى أسفل مدينة بياسة إلى حصن أندوجر إلى القصير إلى قنطرة اشتشان إلى قرطبة إلى حصن المدور إلى حصن الجرف إلى حصن لورة إلى حصن القليعة إلى حصن قطنيانة إلى الزرادة إلى إشبيلية إلى قبطال إلى قبتور إلى طربشانة إلى المساجد إلى قادس ثم إلى بحر الظلمات وأما النهر الأبيض الذي هو نهر مرسية فإنه يخرج من أصل الجبل ويحكى أن أصلهما واحد أعني نهر قرطبة ونهر مرسية ثم يمر نهر مرسية في عين الجنوب إلى حصن أفرد ثم إلى حصن مولة ثم إلى مدينة مرسية ثم إلى أوريولة إلى المدور إلى البحر ومن شقورة إلى مدينة سرتة مرحلتان كبيرتان وهي مدينة متوسطة القدر حسنة البقعة كثيرة الخصب وبمقربة منها حصن فتة ومن حصن فتة إلى طيطلة مرحلتان.
ومن أراد من مرسية إلى المرية سار من مرسية إلى قنطرة اشكابة إلى حصن لبرالة إلى حصن الحمة إلى مدينة لورقة وهي مدينة غراء حصينة على ظهر جبل ولها أسواق وربض في أسفل المدينة وعلى الربض سور وفي الربض السوق والرهادرة وسوق العطر وبها معادن تربة صفراء ومعادن مغرة تحمل إلى كثير من الأقطار ومن حصن لورقة إلى مرسية أربعون ميلاً، ثم من لورقة إلى آبار الرتبة إلى حصن بيرة مرحلة وهذا الحصن حصن منيع على حافة مطلة على البحر ومن هذا الحصن إلى عقبة شقر وهي عقبة صعبة المرقى لا يقدر أحد على جوازها راكباً وإنما يأخذها الركبان رجالة ومن العقبة إلى الرابطة مرحلة وليس هناك حصن ولا قرية وإنما بها قصر فيه قوم حراس للطريق ومن هذه الرابطة إلى المرية مرحلة خفيفة.
ومدينة المرية كانت في أيام الملثم مدينة الإسلام وكان بها من كل الصناعات كل غريبة وذلك أنه كان بها من طرز الحرير ثماني مائة طراز يعمل بها الحلل والديباج والسقلاطون والأصبهاني والجرجاني والستور المكللة والثياب المعينة والخمر والعتابي والمعاجر وصنوف أنواع الحرير وكانت المرية قبل الآن يصنع بها من صنوف آلات النحاس والحديد إلى سائر الصناعات ما لا يحد ولا يكيف وكان بها من فواكه واديها الشيء الكثير الرخيص وهذا الوادي المنسوب إلى بجانة بينه وبين المرية أربعة أميال وحوله جنات وبساتين وأرحاء وجميع نعمها وفواكهها تجلب إلى المرية وكانت المرية إليها تقصد مراكب الطريق من الإسكندرية والشام كله ولم يكن بالأندلس كلها أيسر من أهلها مالاً ولا أتجر منهم في جميع أنواع التجارات تصريفاً وإدخاراً والمرية في ذاتها جبلان وبينهما خندق معمور وعلى الجبل الواحد قصبتها المشهورة بالحصانة والجبل الثائي منها فيه ربضها ويسمى جبل لاهم والسور يحيط بالمدينة وبالربض ولها أبواب عدة ولها من الجانب الغربي ربض كبير عامر يسمى ربض الحوض وهو ربض له سور عامر بالأسواق والديار والفنادق والحمامات والمدينة في ذاتها مدينة كبيرة كثيرة التجارات والمسافرون إليها كثيرون وكان أهلها مياسير ولم يكن في بلاد أهل الأندلس أحضر من أهلها نقداً ولا أوسع منهم أحوالاً وعدد فنادقها التي أخذها عد الديوان في التعنيب ألف فندق إلا ثلاثين فندقاً وكان بها من الطرز أعداد كثيرة قدمنا ذكرها وموضع المرية من كل جهة استدارت به صخور مكدسة وآحجار صلبة مضرسة لا تراب بها كإنما غربلت أرضها من التراب وقصد موضعها بالحجر والمرية في هذا الوقت الذي ألفنا كتابنا هذا فيه صارت ملكاً بأيدي الروم وقد غيروا محاسنها وسبوا أهلها وخربوا ديارها وهدموا مشيد بنيانها ولم يبقوا على شيء منها.

وللمرية منابر منها مدينة برجة ودلاية وبين المرية وبرجة مرحلة كبيرة وبين برجة ودلاية نحو من ثمانية أميال وبرجة أكبر من دلاية وبها أسواق وصناعات وحروث ومزارع ومن المرية لمن أراد مالقة طريقان طريق في البر وهو تحليق وهو سبعة أيام والطريق الآخر في البحر وهو مائة وثمانون ميلاً وذلك أنك تخرج من المرية إلى قرية البجانس على البحر ستة أميال ومن قرية البجانس يمر الطريق في البر إلى برجة ودلاية ومن قرية البجانس إلى آخر الجون وعليه برج مبني بالحجارة مصنوع لوقيد النار فيه عند ظهور العدو في البحر ستة أميال ومن هذا الطرف إلى مرسى النبيرة اثنان وعشرون ميلاً ومنها إلى قرية عذرة على البحر اثنا عئر ميلاً وقرية عذرة مدينة صغيرة لا سور لها وبها الحمام والفندق وبها بشر كثير وبغربيها ينزل نهر كبير منبعه من جبل شلير ويجتمع بمياه برجة وغيرها فيصب عند عذرة في البحر ومن عذرة إلى قرية بليسانة عشرون ميلاً وهي قرية آهلة على شاطىء البحر ومنها إلى مرسى الفروح اثنا عشر ميلاً وهو مرسى كالحوض صغير ومنه إلى قرية بطرنة ستة أميال وبها معدن التوتيا التي فاقت جميع معادن التوتيا طيباً ومنها إلى قرية شلوبنية اثنا عشر ميلاً ومن شلوبنية إلى مدينة المكب في البحر ثمانية أميال.
والمنكب مدينة حسنة متوسطة كثيرة مصايد السمك وبها فواكه جمة وفي وسطها بناء مربع قائم كالصنم أسفله واسع وأعلاه ضيق وبه حفيران من جانبيه متصلان من أسفله إلى أعلاه وبإزائه من الناحية الواحدة في الأرض حوض كبير يأتي إليه الماء من نحو ميل على ظهر قناطر كثيرة معقودة من الحجر الصلد فيصب ماؤها في ذلك الحوض ويذكر أهل المعرفة من أهل المنكب أن ذلك الماء كان يصعد إلى أعلى المنار وينزل من الناحية الأخرى فيجري هناك إلى رحى صغيرة كانت وبقي موضعه الآن على جبل مطل على البحر ولا يدرى المراد من ذلك ما كان ومن مدينة المنكب في البر إلى اغرناطة أربعون ميلاً ومن المنكب على البحر إلى قرية شاط اثنا عشر ميلاً وبقرية شاط زبيب حسن الصفة كبير المقدار أحمر اللون يصحب طعمه مزازة ويتجهز به إلى كل البلاد الأندلسية وهو منسوب إلي هذه القرية ومن قرية شاط إلى قرية طرش على ضفة البحر اثنا عشر ميلاً ومنها إلى قصبة مرية بلش اثنا عشر ميلاً وهو حصن على ضفة البحر صغير المقدار ويصب بمقربة منه في جهة المغرب نهر الملاحة وهو نهر يأتي من ناحية الشمال فيمر بالحمة ويتصل بأحواز حصن صالحة فيقع فيه هناك جميع مياه صالحة وتتزل إلى قرية الفشاط وتصب هناك في غربي حصن مرية بلش في البحر ومن مرية بلش إلى قرية الصيرة ولها طرف يدخل في البحر سبعة أميال ومن طرف قرية الصيرة إلى قرية بزليانة سبعة أميال وهي قرية كالمدينة في مستو من الأرض وأرضها رمل وبها الحمام والفنادق وشباك يصاد بها الحوت الكثير ويحمل منها إلى تلك الجهات المجاورة لها.
ومن بزليانة إلى مدينة مالقة ثمانية أميال ومدينة مالقة مدينة حسنة عامرة آهلة كثيرة الديار متسعة الأقطار بهية كاملة سنية أسواقها عامرة ومتاجرها داثرة ونعمها كثيرة ولها فيما استدار بها من جميع جهاتها شجر التين المنسوب إلى رية وتينها يحمل إلى بلاد مصر والشام والعراق وربما وصل إلى الهند وهو من أحسن التين طيباً وعذوبةً ولمدينة مالقة ربضان كبيران ربض فنتنالة وهو ربض التبانين وشرب أهلها من مياه الآبار وماؤها قريب الغور كثير عذب ولها واد يجرى في أيام الشتاء والربيع وليس بدائم الجري وسنذكرها بعد هذا بحول الله.

ولزجع الآن إلى ذكر مدينة المرية فنقول إن الطريق من مدينة المرية إلى اغرناطة البيرة فمن أراد ذلك خرج من المرية إلى مدينة بجانة ستة أميال ومدينة بجانة كانت المدينة المشهورة قبل المرية فانتقل أهلها إلى المرية فعمرت وخربت بجانة فلم يبق منها الآن إلا آثار بيانها ومسجد جامعها قائم بذاته وحول بجانة جنات وبساتين ومتنزهات وكروم وأموال كثيرة لأهل المرية وعلى يمين بجانة وعلى ستة أميال منها حصن الحمة والحمة في رأس جبل ويذكر المتجولون في أقطار الأرض أن ما مثل هذه الحمة في المعمور من الأرض ولا أتقن منها بناء ولا أسخن منها ماء والمرضى والمعلون يقصدون إليها من كل الجهات فيلزمون المقام بها إلى أن تستقل عللهم ويشفوا من أمراضهم وكان أهل المرية في أيام الربيع يرحلون إليها مع نسائهم وأولادهم باحتفال في المطاعم والمشارب والتوسع في الإنفاق وربما بلغ المسكن بها في الثهر ثلاثة دنانير مرابطة وأكثر وأقل وجبال هذه الحمة كلها جص يحتفر ويحرق وتنقل جملته إلى مدينة المرية وبه جميع عقد بنيانهم وتجصيصهم وهو بها وعندهم كثير رخيص لكثرته.
ومن مدينة بجانة إلى قرية بنى عبدوس سته أميال ومنها إلى حصن مندوجر ستة أميال وبه المنزل لمن خرج من المرية وهي مرحلة خفيفة وحصن مندوجر على جبل تراب أحمر والجبل على ضفة نهر والمنزل في القرية منها ويباع بها للمسافرين الخبز والسمك وجميع الفواكه كل شيء منها في إبانه ثم إلى حمة غششر ثم إلى الحمة المنسوبة إلى وشتن ومنها إلى حصن مرشانة وهو على مجتمع النهرين وهو من أمنع الحصون مكاناً وأوثقها بنياناً وأكثرها عمارة ومنها إلى قرية بلذوذ ثم إلى حصن القصير وهو حصن منيع جداً على فم مضيق في الوادي وليس لأحد جواز إلا بأسفل هذا الحصن ومنه إلى خندق فبير ثم إلى الرتبة ثم إلى قرية عبلة وبها المنزل ومن قرية عبلة إلى حصن فنيانة ثم إلى قرية صنصل ثم إلى أول فحص عبلة وطول هذا الفحص اثنا عشر ميلاً وليس به عرج ولا أمت وعن شمال المار جبل شلير الثلج في حضيض هذا الجبل حصون كثيرة منها حصن فريرة ينسب إلى الجوز وذلك أن بها من الجوز شيئاً ينفرك من غير رض ولا يعدله في طعمه جوز غيرها من البلاد ومن حصون هذا الجبل حصن ذلر وبه من الكمثرى كل عجيبة وذلك أن الكمثرى به يكون منها في وزن الحبة الواحدة رطل أندلسي وأما الأعم منها فكثراتان في رطل واحد ولها مذاق عجيب.
ومن آخر فحص عبلة إلى خندق آش ثم إلى مدينة وادي آش وهي مدينة متوسطة المقدار لها أسوار محدقة ومكاسب مؤنقة ومياه متدفقة ولها نهر صغير دائم الجري ومنها إلى قرية دشمة وبها المنزل ومنها إلى الرتبة ثم إلى قرية أفرافريدة ثم إلى قرية ود وهي قرى متصلة ومنها إلى مدينة اغرناطة ثمانية أميال ومدينة وادي آش رصيف يجتمع به طرق كثيرة فمن أراد منها مدينة بسطة خرج من وادي آش إلى جبل عاصم ثم إلى قرية يورا إلى مدينة بسطة وبينهما ثلاثون ميلاً ومدينة بسطة مدينة متوسطة المقدار حسنة الموضع عامرة آهلة لها أسوار حصينة وسوق نظيفة وديار حسنة البناء رائقة المغنى وبها تجارات وفعلة لضروب من الصناعات وعلى مقربة منها حصن طشكر الذي فاق جميع حصون الأندلس منعة وعلواً ورفعة وطيب تربة وهواء وليس لأحد موضع يصعد منه إلى هذا الحصن إلا موضعان وبين الموضع والموضع اثنا عشر ميلاً على طرق مثل شراك النعل ومدارج النمل وبأعلاه الزرع والحصاد والمياه وإليه الإنتهاء في الخصب وجودة الحصانة.
وكذلك من وادي آش إلى مدينة جيان مرحلتان كبيرتان ومن مدينة بسطة إلى جيان ثلاث مراحل خفاف ومدينة جيان مدينة حسنة كثيرة الخصب رخيصة الأسعار كثيرة اللحوم والعسل ولها زائد على ثلاثة آلاف قرية كلها يربى بها دود الحرير وهي مدينة كثيرة العيون الجارية تحت سورها ولها قصبة من أمنع القصاب وأحصنها يرتقى إليها على طريق مثل مدرج النمل ويتصل بها جبل كور وبمدينة جيان بساتين وجنات ومزارع وغلات القمح والشعير والباقلاء وساثر الحبوب وعلى ميل منها نهر بلون وهو نهر كبير وعليه أرحاء كثيرة جداً وبها مسجد جامع وجلة وعلماء.

ومن مدينة جيان إلى مدينة بياسة عشرون ميلاً وبياسة تظهر من جيان وجيان تظهر من بياسة وبياسة على كدية تراب مطلة على النهر الكبير المنحدر إلى قرطبة وهي مدينة ذات أسوار وأسواق ومتاجر وحولها زراعات ومستغلات الزعفران بها كثيرة ومنها إلى مدينة أبدة في جهة الشرق سبعة أميال وهي مدينة صغيرة وعلى مقربة من النهر الكبير ولها مزارع وغلات قمح وشعير كثيرة جداً وفيما بين مدينة جيان وبسطة ووادي آش حصون كثيرة عامرة ممدنة آهلة لها خصب وغلل نافعة كثيرة فمن ذلك أن بشرقي جيان وقبالة بياسة حصناً عظيماً يسمى شوذر وإليه ينسب الخلاط الشوذري ومنه في الشرق إلى حصن طوية اثنا عشر ميلاً ومنه إلى حصن قيشاطة وهو حصن كالمدينة له أسواق وربض عامر وحمام وفنادق وعليه جبل يقطع به من الخشب الذي تخرط منه القصاع والمخابيء والأطباق وغير ذلك ما يعم بلاد الأندلس وأكثر بلاد المغرب أيضاً وهذا الجبل يتصل ببسطة وبين جيان وهذا الحصن مرحلتان ومنه إلى وادي آش مرحلتان ومنه إلى اغرناطة مرحلتان ومن وادي آش المتقدم ذكرها إلى اغرناطة أربعون ميلاً.
ومدينة اغرناطة محدثة من أيام الثوار بالأندلس وإنما كانت المدينة المقصودة البيرة فخلت وانتقل أهلها منها إلى اغرناطة ومدنها وحصن أسوارها وبنى قصبتها حبوس الصنهاجي ثم خلفه ابنه باديس بن حبوس فكملت في أيامه وعمرت إلى الآن وهي مدينة يشقها نهر يسمى حدروا وعلى جنوبها نهر الثلج المسمى شنيل ومبدؤه من جبل شلير وهو جبل الثلج وذلك أن هذا الجبل طوله يومان وعلوه في غاية الإرتفاع والثلج به دائماً في الشتاء والصيف ووادي آش واغرناطة في شمال الجبل ووجه الجبل الجنوبي مطل على البحر يرى من البحر على مجرى ونحوه وفي أسفله من ناحية البحر برجة ودلاية وقد ذكرناهما فيما سبق ومن اغرناطة إلى مدينة المنكب على البحر أربعون ميلاً ومن اغرناطة إلى مدينة لوشة مع جرية النهر خمسة وعشرون ميلاً ومن المنكب إلى مدينة المرية مائة ميل في البحر ومن المنكب إلى مدينة مالقة ثمانون ميلاً.
ومدينة مالقة مدينة حسنة حصينة ويعلوها جبل يسمى جبل فاره ولها قصبة منيعة وربضان لا أسوار لهما وبهما فنادق وحمامات وبها من شجر التين ما ليس بأرض وهو التين المنسوب إلى رية ومالقة قاعدة رية ومن مالقة إلى قرطبة في جهة الشمال أربعة أيام ومن مالقة أيضاً إلى اغرناطة ثمانون ميلاً ومن مالقة إلى الجزيرة الخضراء مائة ميل ومن مالقة إلى إشبيلية خمس مراحل ومن مالقة إلى مربلة في طريق الجزيرة أربعون ميلاً ومربلة مدينة صغيره متحضرة ولها عمارات وأشجار تين كثيرة وفي الشمال منها قلعة ببشتر وهي قلعة في نهاية الامتناع والتحصين والصعود إليها على طريق صعب وأما ما بين مالقة وقرطبة من الحصون العامرة التي هي حواضر في تلك النواحي فمنها مدينة أرشذونة وانتقيرة وبينهما وبين مالقة خمسة وثلاثون ميلاً وكانت أرشذونة هذه وانتقيرة مدينتين أخلتهما فتن الثوار بالأندلس بعد دولة ابن أبي عامر القائم بدولة بني أمية ومن أرشذونة إلى حصن أشر عشرون ميلاً وهو حصن حسن حصين كثير العمارة آهل وله سوق مشهودة. ومنه إلى مدينة باغه ثمانية عشر ميلاً وباغه مدينة صغيرة القدر لكنها في غاية الحسن لكثرة مياهها والماء يشق بلدها وعليه الأرحاء داخل المدينة ولها من الكروم والأشجار ما لا مزيد عليه وهي في نهاية الخصب والرخاء ويليها في جهة المشرق الحصن المسمى بالقبذاق وبينهما مرحلة خفيفة ومن القبذاق إلى جيان مرحلة خفيفة وحصن القبذاق كبير عامر وهو في سفح جبل ينظر إلى جهة الغرب وبه سوق مشهودة ومنه إلى حصن بيانة مرحلة صغيرة وبيانة حصن كبير في أعلى كدية تراب قد حفت بها أشجار الزيتون الكثيرة ولها مزارع الحنطة والشعير ومن حصن بيانة إلى قبرة مرحلة خفيفة وحصن قبرة كبير كالمدينة حصين المكان وثيق البنيان وهو على متصل أرض وطيئة وعمارات ومزارع ومنه إلى مدينة قرطبة أربعون ميلاً.

ويتصل به بين جنوب وغرب مدينة اليسانة وهي مدينة اليهود ولها ربض يسكنه المسلمون وبعض اليهود وبه المسجد الجامع وليس على الربض سور والمدينة مدينة متحصنة بسور حصين ويطوف بها من كل ناحية حفير عميق القعر والسروب وفائض مياهها قد ملأ ذلك الحفير واليهود يسكنون بجوف المدينة ولا يداخلهم فها مسلم البتة وأهلها أغنياء مياسير أكثر غنى من اليهود الذين ببلاد المسلمين ولليهود بها حذر وتحصن ممن قصدهم ومن اليسانة إلى مدينة قرطبة أربعون ميلاً ويلي هذه الحصون حصن بلاي وحصن منترك وهي حصون يسكنها البربر من أيام الأمويين ومن حصن بلاي إلى مدينة قرطبة عشرون ميلاً وبالقرب من بلاي حصن شنت ياله وهو حصن على مدرة والماء بعيد ومنه إلى استجة في الغرب خمسة عشر ميلاً ومن حصن شنت ياله إلى قرطبة ثلاثة وعشرون ميلاً ومدينة استجة على نهر اغرناطة المسمى شنيل وهي مدينة حسنة ولها قنطرة عجيبة البناء من الصخر المنجور وبها أسواق عامرة ومتاجر قائمة ولها بساتين وجنات ملتفة وحدائق زاهية ومن استجة إلى قرطبة خمسة وثلاثون ميلاً.
ومن أستجة في جهة الجنوب إلى حصن أشونة نصف يوم وحصن أشونة حصن ممدن كثير الساكن ومنه إلى بلشانة عشرون ميلاً ومدينة بلشانة حصن كبير عامر له حصانة ووثاقة وهو حصن يحيط به شجر الزيتون ومن استجة إلى مدينة قرمونة خمسة وأربعون ميلاً وهي مدينة كبيرة يضاهي سورها سور إشبيلية وكانت فيما سلف بأيدي البرابر ولم يزل أهلها أبداً أهل نفاق وهي حصينة وعلى رأس جبل حصين منيع وهي على فحص ممتد جيد الزراعات كثير الإصابة في الحنطة والشعير ومنه في الغرب إلى إشبيلية ثمانية عشر ميلاً وقد ذكرنا إشبيلية فيما سبق ومن مدينة قرمونة إلى شريش من كورة شذونة ثلاث مراحل وكذلك من مدينة إشبيلية إلى شريش مرحلتان كبيرتان جداً ومدينة شريش مدينة متوسطة حصينة مسورة الجنبات حسنة الجهات وقد أطافت بها الكروم الكثيرة وشجر الزيتون والتين والحنطة بها ممكنة وأسعارها موافقة ومن شريش إلى جزيرة قادس اثنا عشر ميلاً فمن شريش إلى القناطر ستة أميال ومن القناطر إلى جزيرة قادس ستة أميال.
ومن إشبيلية المتقدم ذكرها إلى قرطبة ثلاث مراحل ولها ثلاث طرق طريق الزنبجار وطريق لورة وطريق الوادي فأما طريق الزنبجار فقد ذكرناها وهي من إشبيلية إلى مدينة قرمونة مرحلة ومن قرمونة إلى مدينة استجة مرحلة ومن استجة إلى قرطبة مرحلة وأما طريق لورة فمن إشبيلية إلى منزل إبان ثم إلى مرلش ثم إلى حصن القليعة وبه المنزل وعند مسيرك من مرلش إلى القليعة تبصر حصن قطنيانة على الشمال والمنزل القليعة وهو على ضفة النهر الكبير يجاز إليها في المركب ومن حصن القليعة إلى الغيران إلى حصن لورة وهو يبعد عن الطريق نحو رمية سهم وعلى يمين المار حصن كبير عامر على ضفة النهر الكبير ومن لورة إلى قرية صدف ويقابلها على يسار السالك على جبل عال حصن منيع وقلعة متحصنة تسمى شنت فيلة وهي معقل للبربر من قديم الزمان ومن صدف إلى قلعة ملبال وهي على نهر ملبال وهو نهر مدينة فرنجولش ومن هذه القنطرة إلى مدينة فرنجولش اثنا عشر ميلاً ومن القنطرة إلى قرية شوشبيل وهي قرية كبيرة على نهر قرطبة المسمى بالنهر الكبير ومنها إلى حصن مراد وبه المنزل ومن حصن مراد إلى الخنادق إلى حصن المدور ثم إلى السواني ثم إلى قرطبة وهي المنزل وبين إشبيلية وقرطبة ثمانون ميلاً على الطريق ومن حصن المدور الذي ذكرناه إلى فرنجولش اثنا عشر ميلاً وهي مدينة حصينة منيعة كثيرة الكروم والأشجار ولها على مقربة منها معادن الفضة في موضع يعرف بالمرج ومنها إلى حصن قسطنطينة الحديد ستة عشر ميلاً وهذا الحصن حصن جليل عامر آهل وبجباله معادن الحديد الطيب المتفق على طيبه وكثرته ومنه يتجهز به إلى جميع أقطار الأندلس وبقرب منه حصن فريش وبه مقطع للرخام الرفيع الجليل الخطير المنسوب إليه والرخام الفريشي أجل الرخام بياضاً وأحسنه ديباجاً وأشده صلابة ومن هذا الحصن إلى جبل العيون ثلاث مراحل خفاف ومن شاء المسير إلى قرطبة أيضاً من إشبيلية ركب المراكب وسار صاعداً في النهر إلى أرحاء الزرادة إلى عطف منزل إبان إلى قطنيانة إلى القليعة إلى لورة إلى حصن الجرف إلى شوشبيل إلى موقع نهر ملبال إلى حصن المدور إلى وادي الرمان إلى أرحاء ناصح إلى قرطبة.

ومدينة قرطبة قاعدة بلاد الأندلس وأم مدنها ودار الخلافة الإسلامية وفضائل أهل قرطبة. أشهر من أن تذكر ومناقبها أظهر من أن تستر وإليهم الإنتهاء في السناء والبهاء بل هم أعلام البلاد وأعيان العباد ذكروا بصحة المذهب وطيب المكسب وحسن الزي في الملابس والمراكب وعلو الهمة قي المجالس والمراتب وجميل التخصيص في المطاعم والمشارب مع جميل الخلائق وحميد الطرائق ولم تخل قرطبة قط من أعلام العلماء وسادات الفضلاء وتجارها مياسير لهم أموال كثيرة وأحوال واسعة ولهم مراكب سنية وهمم علية وهي في ذاتها مدن خمسة يتلو بعضها بعضاً بين المدينة والمدينة سور حاجز وفي كل مدينة ما يكفيها من الأسواق والفنادق والحمامات وسائر الصناعات وطولها من غربيها إلى شرقيها ثلاثة أميال وكذلك عرضها من باب القنطرة إلى باب اليهود بشمالها ميل واحد وهي في سفل جبل مطل عليها يسمى جبل العروس ومدينتها الوسطى هي التي فيها باب القنطرة وفيها المسجد الجامع الذي ليس بمساجد المسلمين مثله بنية وتنميقاً وطولاً وعرضاً.
وطول هذا الجامع مائة باع مرسلة وعرضه ثمانون باعاً ونصفه مسقف ونصفه صحن للهواء وعدد قسي مسقفه تسع عشرة قوساً وفيه من السواري أعني سواري مسقفه بين أعمدته وسواري قبلته صغاراً وكباراً مع سواري القبة الكبيرة وما فيها ألف سارية وفيه مائة وثلاث عشرة ثريا للوقيد أكبر واحدة منها تحمل ألف مصباح وأقلها تحمل اثني عشر مصباحاً وسقفه كله سماوات خشب مسمرة في جوائز سقفه وجميع خشب هذا المسجد الجامع من عيدان الصنوبر الطرطوشي ارتفاع خد الجائزة منه شبر وإفر في عرض شبر إلا ثلاثة أصابع في طول كل جائزة منها سبعة وثلاثون شبراً وبين الجائزة والجائزة غلظ جائزة والسماوات التي ذكرناها هي كلها مسطحة فيها ضروب الصنع المنشأة من الضروب المسدسة والموربي وهي صنع الفص وصنع الدوائر والمداهن لا يشبه بعضها بعضاً بل كل سماء منها مكتف بما فيه من صنائع قد أحكم ترتيبها وأبدع تلوينها بألوان الحمرة الزنجفرية والبياض الاسفيذاجي والزرقة اللازوردية والزرقون الباروقي والخضرة الزنجارية والتكحيل النقسي تروق العيون وتستميل النفوس بإتقان ترسيمها ومختلفات ألوانها وتقسيمها وسعة كل بلاط من بلاطات مسقفه ثلاثة وثلاثون شبراً وبين العمود والعمود خمسة عشر شبراً ولكل عمود منها رأس رخام وقاعدة رخام وقد عقد بين العمود والعمود على أعلى الرأس قسي غريبة فوقها قسي آخر على عمد من الحجر المنجور متقنة وقد جصص الكل منها بالجص والجيار وزينت عليها بحور مستديرة ناتية بينها ضروب صناعات الفص بالمغرة وتحت كل سماء منها إزار خشب فيه مكتوب آيات القرآن.
ولهذا المسجد الجامع قبلة تعجز الواصفين أوصافها وفيها إتقان يبهر العقول تنميقها وكل ذلك من الفصفص المذهب والملون مما بعث به صاحب القسطنطينة العظمى إلى عبد الرحمن المعروف بالناصر لدين الله الأموي وعلى هذا الوجه أعني وجه المحراب سبع قسي قائمة على عمد وطول كل قوس منها أشف من قامة وكل هذه القسي مزججة صنعة القرط قد أعيت الروم والمسلمين بغريب أعمالها ودقيق تكوينها ووضعها وعلى أعلى الكل كتابان مسجونان بين بحرين من الفص المذهب في أرض الزجاج اللازوردي وكذلك تحت هذه القسي التي ذكرناها كتابان مثل الأولين مسجونان بالفص المذهب في أرض اللازورد من الفص الملون وعلى وجه المحراب أنواع كثيرة من التزيين والنقش وفي عضادتي المحراب أربعة أعمدة اثنان أخضران واثنان زرزوريان لا تقوم بمال وعلى رأس المحراب خصة رخام قطعة واحدة مشوكة محفورة منمقة بأبدع التنميق من الذهب واللازورد وسائر الألوان وعلى المحراب مما استدار به حظيرة خشب بها من أنواع النقش كل غريبة.

ومع يمين المحراب المنبر الذي ليس بمعمور الأرض مثله صنعة خشبه أبنوس وبقس وعود المجمر ويحكى في كتب تواريخ بني أمية أنه صنع في نجارته ونقشه سبعة سنين وكان عدد صناعه ستة رجال غير من يخدمهم تصرفاً ولكل صانع منهم في اليوم نصف مثقال محمدي وعن شمال المحراب بيت فيه عدد وطسوت ذهب وفضة وحسك وكلها لوقيد الشمع في كل ليلة سبعة وعشرين من رمضان المعظم ومع ذلك ففي هذا المخزن مصحف يرفعه رجلان لثقله فيه أربعة أوراق من مصحف عثمان بن عفان وهو المصحف الذي خطه بيمينه وفيه نقط من دمه وهذا المصحف يخرج في صبيحة كل يوم ويتولى إخراجه رجلان من قومة المسجد وأمامهم رجل ثالث بشمعة وللمصحف غشاء بديع الصنعة منقوش بأغرب ما يكون من النقش وأدقه وأعجبه وله بموضع المصلى كرسي يوضع عليه ويتولى الإمام قراءة نصف حزب منه ثم يرد إلى موضعه.
وعن يمين المحراب والمنبر باب يفضى منه إلى القصر بين حائطي الجامع في ساباط متصل وفي هذا الساباط ثمانية أبواب منها أربعة تنغلق من جهة القصر وأربعة تنغلق من جهة الجامع ولهذا الجامع عشرون باباً مصفحة بصفائح النحاس وكواكب النحاس وفي كل باب منها حلقتان في نهاية من الإتقان وعلى وجه كل باب منها في الحائط ضروب من الفصفص المتخذ من الأجر، الأحمر المحكوك أنواع شتى وأجناس مختلفة من الصناعات والترييش وصدورر البزاة وفيما استدار بالجامع في أعلاه لتمدد الضوء ودخوله إلى المسقف متكآت رخام طول كل متكأ منها قدر قامة في سعة أربعة أشبار في غلظ أربعة أصابع وكلها مسدسة ومثمنة محزمة منفوذة لا يشبه بعضها بعضاً.
وللجامع في الجهة الشمالية الصومعة الغريبة الصنعة الجليلة الأعمال الرائقة الأشكال التي ارتفاعها في الهواء مائة ذراع بالذراع الرشاشي منها ثمانون ذراعاً إلى الموضع الذي يقف عليه المؤذن بقدميه ومن هناك إلى أعلاها عشرون ذراعاً ويصعد إلى أعلى هذه المنارة بدرجين أحدهما من الجانب الغربي والثاني من الجانب الشرقي إذا افترق الصاعدان أسفل الصومعة لم يجتمعا إلا إذا وصلا الأعلى منها ووجه هذه الصومعة كله مبطن بالكذان اللكي منقوش من وجه الأرض إلى أعلى الصومعة صنع مقسمة تحتوي على أنواع من الصنع والتزويق والكتابة والملون وبالأوجه الأربعة الدائرة من الصومعة صفان من قسي دائرة على عمد الرخام الحسن والذي في الصومعة من العمد بين داخلها وخارجها ثلاث مائة عمود بين صغير وكبير وفي أعلى الصومعة بيت له أربعة أبواب مغلقة يبيت فيه كل ليلة مؤذنان وللصومعة ستة عشر مؤذناً يؤذنون فيها بالدولة لكل يوم مؤذنان على توال وفي أعلى الصومعة على القبة التي على البيت ثلاث تفاحات ذهب واثنتان من فضة وأوراق سوسنية تسع الكبيرة من هذه التفاحات ستون رطلاً زيتاً ويخدم الجامع كله ستون رجلاً وعليهم قائم ينظر في أمورهم وهذا الجامع متى سها إمامه لا يسجد لسهوه قبل السلام بل يسجد بعد السلام.
ومدينة قرطبة في حين تأليفنا لهذا الكتاب طحنتها رحى الفتنة وغيرها حلول المصائب والأحداث مع اتصال الشدائد على أهلها فلم يبق بها منهم الآن إلا الخلق اليسير ولا بلد أكبر أسمى منها في بلاد الأندلس.
ولقرطبة القنطرة التي علت القناطر فخراً في بنائها وإتقانها وعدد قسيها سبع عشرة قوساً بين القوس والقوس خمسون شبراً وسعة القوس مثل ذلك خمسون شبراً وسعة ظهرها المعبور عليه ثلاثون شبراً ولها ستائر من كل جهة تستر القامة وارتفاع القنطرة من موضع المشي إلى وجه الماء في أيام جفوف الماء وقلته ثلاثون ذراعاً وإذا كان السيل بلغ الماء منها إلى نحو حلوقها وتحت القنطرة يعترض الوادي رصيف سد مصنوع من الأحجار القبطية والعمد الخاشنة من الرخام وعلى هذا السد ثلاث بيوت أرحاء في كل بيت منها أربع مطاحن ومحاسن هذه المدينة وشماختها أكثر من أن يحاط بها خبراً. ومن مدينة قرطبة إلى مدينة الزهراء خمسة أميال وهي قائمة الذات بأسوارها ورسوم قصورها وفيها قوم سكان بأهليهم وذراريهم وهم قليلون وهي في

ذاتها مدينة عظيمة مدرجة البنية مدينة فوق مدينة سطح الثلث الأعلى يوازي علي الجزء الأوسط وسطح الثلث الأوسط يوازي علي الثلث الأسفل وكل ثلث منها له سور فكان الجزء الأعلى منها قصوراً يقصر الوصف عن صفاتها والجزء الأوسط بساتين وروضات والجزء الثالث فيه الديار والجامع وهي الآن خراب في حال الذهاب.
ومن مدينة قرطبة إلى المرية ثمانية أيام ومن قرطبة إلى إشبيلية ثمانون ميلاً ومن قرطبة إلى مالقة مائة ميل ومن قرطبة إلى طليطلة تسع مراحل فمن أرادها سار من قرطبة في جهة الشمال إلى عقبة أرلش أحد عشر ميلاً ومنها إلى دار البقر ستة أميال ثم إلى بطروش أربعون ميلاً وحصن بطروش حصن كثير العمارة شامخ الحصانة لأهله جلادة وحزم على مكافحة أعدائهم ويحيط بجبالهم وسهولهم شجر البلوط الذي فاق طعمه طعم كل بلوط على وجه الأرض وذلك أن أهل هذا الحصن لهم اهتمام بحفظه وخدمته لأنه لهم غلة وغياث في سني الشدة والمجاعة.
ومن حصن بطروش إلى حصن غافق سبعة أميال وحصن غافق حصن حصين ومعقل جليل وفي أهله نجدة وعزم وجلادة وحزم وكثيراً ما تسرى إليهم سرايا الروم فيكتفون بهم في إخراجهم عن أرضهم وإنتقاذ غنائمهم ت منهم والروم يعلمون بأسهم وبسالتهم فينافرون أرضهم ويتحامون عنهم ومن قلعة غافق إلى جبل عافور مرحلة ثم إلى دار البقر مرحلة ثم إلى قلعة رباح وهي مدينة حسنة وقد سبق ذكرها وكذلك الطريق من قرطبة إلى بطليوس.
من قرطبة إلى دار البقر التي تقدم ذكرها مرحلة ومنها إلى حصن بيندر مرحلة ثم إلى زواغة مرحلة وزواغة حصن عليه سور تراب وهو على كدية تراب ومنه إلى نهر اثنة مرحلة ومنه إلى حصن الحنش مرحلة وحصن الحنش منيع شامخ الذروة مطل العلوة شاهق البنية حامي الأفنية ومنه إلى مدينة ماردة مرحلة لطيفة ثم إلى بطليوس مرحلة خفيفة فذلك من قرطبة إلى بطليوس سبع مراحل.
وبشمال مدينة قرطبة إلى حصن أبال مرحلة وهو الحصن الذي به معدن الزيبق ومنه يتجهز بالزيبق والزنجفر إلى جميع أقطار الأرض وذلك أن هذا المعدن يخدمه أزيد من ألف رجل فقوم للنزول فيه وقطع الحجر وقوم لنقل الحطب لحرق المعدن وقوم لعمل أواني سبك الزيبق وتصعيده وقوم لشان الأفران والحرق قال المؤلف وقد رأيت هذا المعدن فأخبرت أن من وجه الأرض إلى أسفله أكثر من مائتي قامة وخمسين ومن قرطبة إلى اغرناطة أربع مراحل وهي مائة ميل وبين اغرناطة وجيان خمسون ميلاً وهي مرحلتان. وأما بحر الشام الذي عليه جنوب بلاد الأندلس فمبدؤه من المغرب وآخره حيث أنطاكية ومسافة ما بينهما إجراء في البحر ستة وثلاثون مجرى فأما عروضه فمختلفة وذلك أن مدينة مالقة يقابلها من الضفة الأخرى المزمة وبادس وبينهما عرض البحر مجرى يوم بالريح الطيبة المعتدلة وكذلك المرية يوازيها في الضفة الأخرى هنين وعرض البحر بينهما مجريان وكذلك أيضاً مدينة دانية يقابلها من العدوة الأخرى مدينة تنس وبينهما ثلاث مجار وكذلك مدينة برشلونة تقابلها من عدوة الغرب الأوسط بجاية وبينهما أربعة مجار في عرض البحر والمجرى مائة. وأما جزيرة يابسة فإنها جزيرة حسنة كثيرة الكروم والأعناب وبها مدينة حسنة صغيرة متحضرة وأقرب الأندلس إليها مدينة دانية وبينهما مجرى وفي شرقي جزيرة يابسة جزيرة ميورقة وبينهما مجرى وبها مدينة كبيرة لها مالك وحارس ذو رجال وعدد وأسلحة وأموال وبالشرق منها أيضاً جزيرة منورقة تقابل مدينة برشلونة وبينهما مجرى ومن منورقة إلى جزيرة سردانية أربعة مجار فذلك ما أردنا ذكره والحمد لله. نجز الجزء الأول من الإقليم الرابع والحمد لله ويتلوه الجزء الثاني منه إن شاء الله.
الجزء الثاني.
إن هذا الجزء الثاني من الإقليم الرابع تضمن قطعة من البحر الشامي وفيه جمل جزائر معمورة ومغمورة ومغفولة ومشهورة وشيء من بلاد الروم البرية مما نأتي بذكره بعد هذا بعون الله.
فنقول إن في هذا الجزء من الجزائر الكبار جزيرة سردانية وجزيرة قرشقة وجزيرة صقلية.
وفيها من الجزائر الصغار مثل جزيرة ألبة وبانوسة وجزيرة استرنجلوا وجبل البركان ثم جزيرة البركان وجزيرة ليبر وجزيرة دندمة وجزيرة أم الحمار وجزيرة الطرفانية وجزيرة أنكوذة وجزيرة أشتقة وجزيرة اليالية وجزيرة الراهب وجزيرة قوصرة وجزيرة الكتاب وجزيرة نموشة وجزيرة كمونة وجزيرة مالطة وجزيرة مليطمة.

وأما البلاد الساحلية المتصلة بالبر فمنها برشلونة وجرندة وأنبوريش وأربونة وقرقسونة وكل هذه من بلاد غشكونية ومن شرقي هذا الجزء من بلاد قلورية ريو والماصة وتوجش وأتربة وشنت فيمي وها نحن ذاكروها بحول الله تعالى. فنقول إن من جزيرة منورقة إلى ساحل برشلونة مجرى وكذلك منها إلى جزيرة سردانية أربعة مجار شرقاً.
وجزيرة سردانية كبيرة القطر كثيرة الجبال قليلة المياه وطولها مائتان وثمانون ميلاً وعرضها من المغرب إلى المشرق مائة وثمانون ميلاً وطولها مار من الجنوب إلى الشمال مع قليل تشريق وفيها ثلاثة بلاد منها القيطنة وهي ممايلي جنوبها وهي مدينة عامرة ممدنة ومنها مدينة قالمرة وهي رأس المجاز إلى جزيرة قرشقة ومدينتها الثالثة تسمى قشيلية وأهل جزيرة سردانية في الأصل روم أفارقة متبربرون ومتوحشون من أجناس الروم وهم أهل نجدة وحزم لايفارقون السلاح وفي جزيرة سردانية معادن الفضة الجيدة ومنها تخرج الفضة إلى كثير من بلاد الروم وبين جزيرة سردانية وجزيرة قرشقة مجاز طوله عشرون ميلاً. وجزيرة قرشقة حولها أركان وهي أجوان شرقيها البحر الذي يسمى بالعجمية طرانه وبها مدينة حسنة متوسطة عامرة وهي منها في الغربي وطولها مائة وخمسون ميلاً وعرضها سبعة وعشرون ميلاً وجزيرة قرشقة جزيرة خصيبة كثيرة العمارات وأهلها يتجولون في أرض الروم وهم أكثر الروم سفراً.
ومن الجزائر التي تجاور أرض الروم جزيرة ألبة وبينها وبين قرشقة مجرى ومحيط دورها على ما هي عليه من الشكل مائة ميل وهي من أعمال بيش.
ومن ألبة إلى جزيرة بانوسة من جهة الشمال والمشرق خمسة وعشرون ميلاً وجزيرة بانوسة دورها ثلاثون ميلاً وهي خالية.
ومن بانوسة إلى جزيرة قبريرة ثلاثة عشر ميلاً ومن قبريرة إلى وادي بيش أربعة وثلاثون ميلاً ومن قبريرة إلى جزيرة قبرة شرقاً.
وقبرة هذه جزيرة معمورة وسكانها قوم من أهل ملف بالمواشي ولها مدينة متوسطة وفي وسط المدينة فوارة ماء وبين هذه الجزيرة ومدينة سرنت من أرض قلورية اثنا عشر ميلاً وبهذه الجزيرة مرسى صغير في شرقيها وبينها وبين نابل ثلاثون ميلاً.
وبين هذه الجزيرة وشكلة ستون ميلاً وهي جزيرة خصيبة ليست بالكبيرة وهي تقرب من مدينة نابل الساحلية وفي هذه الجزيرة قوم من الروم يسكنونها بنسائهم وذرياتهم في مدينة حسنة تسمى ميور ويقال للجزيرة شكلة ميور وبينها وبين نابل ثلاثون ميلاً ومن جزيرة شكلة ميور إلى جزيرة بنت برة خمسون ميلاً وفيها مدينة محفورة ودار صناعة للإنشاء مقطوعة في الحجر وميناء محفورة في الحجر أما هذه الدار والماء يدخل إليها على مجرى محفور في الصخر.
ومن بنت برة إلى مدينة غيطة عشرون ميلاً وعلى ثلاثين ميلاً من بنت برة بين غرب وجنوب جزيرتان اسم إحداهما مونسة والأخرى بونسة وهما عامرتان.
ومن جزيرة قبرة إلى جزيرة استرنجلو بين شرق وجنوب ممايلي صقلية وليس بين ملف وهذه الجزيرة جزيرة أخرى غير قبرة فقط واسترنجلو جزيرة بين الشرق والشمال من جزيرة البركان وهي جزيرة فيها عيون ماء وليس بها مرسى وأقرب بر إلى هذه الجزيرة من براري أرض قلورية بر متتية وبينهما أربعون ميلاً وبين استرنجلو وجزيرة البركان ثلاثون ميلاً.
وأما جزيرة البركان فجزيرة ليست بالكبيرة وفيها جبل كبير تتقد فيه في بعض الأحايين نار عظيمة وقليلاً ما تفتر وإذا هاجت هذه النار قذفت بالحجارة موقدة ويسمع لها دوي يرتاع له ودويها يسمع من بعيد كإنما هو رعد قاصف وفي هذه الجزيرة معز برية وبينها وبين أقرب بر من صقلية وهي دندارة خمسة عشر ميلاً.
ومنها في جهة المغرب مع ميل إلى الشمال جزيرة ليبر وهي جزيرة تعمر في بعض الأحايين وبها حصن وبين هذه الجزيرة وجزيرة البركان أربعة أميال وبها ماء وحطب ومرسى صغير.
ومن جزيرة ليبر إلى جزيرة دندمة ثلاثة أميال في الشمال وهي جزيرة صغيرة ولا مرسى بها.
ومن جزيرة ليبر إلى جزيرة فيكوذة عشرة أميال في دبور القبلة وهي غير عامرة وليس بها مرسى.
ومن جزيرة فيكوذة إلى أركوذة عشرة أميال وفيكوذة من أركوذة ين الجنوب والشرق شلوقاً وهي جزيرة صغيرة مستغاث ومرساها حرج ومن أركوذة إلى جزيرة أشتقة أربعون ميلاً.
وبها مياه ومستراح للشواني وهي تقابل بلقرين من مدينة بلرم صقلية وبينهما أربعون ميلاً.

وفي الجنوب من جزيرة أشتقة جزيرة الراهب وفيها من جهة جنوبها وشرقها مراس ترسى بها المراكب وفها مستراح وفيها آبار ماء وهي فوق اطرابنش وبينهما خمسة عشر ميلاً وبالشمال من جزيرة الراهب جزيرة صغيرة تسمى اليابسة وليس بها ماء ولا مرسى.
وأقرب بر منها من جزيرة صقلية مدينة طرابنش وبينهما عشرة أميال ومن جزيرة الراهب في جهة الغرب جزيرة مليطمة وهي توازي تونس قرطاجنة ومنها إلى جزيرة الراهب ثلاثون ميلاً وليس فيها مرسى وفيها من الحيوان المعز والظباء.
وفي شرقي مليطمة جزيرة قوصرة وهي أيضاً من جزيرة الراهب بين جنوب وشرق وهي توازي نابل من أرض إفريقية وتوازي بين الشاقة ومازر وبينهما مجرى وكذلك من قوصرة إلى بر إفريقية مجرى.
وجزيرة قوصرة صغيرة حصينة فيها آبار وسواحل وأشجار زيتون وفيها معز كثيرة برية متوحشة عن الأنيس ولها من جهة الجنوب مرسى مأمون يكن من رياح كثيرة ومنها في عين الشرق جزيرة غودش وبينهما مائة ميل وفيها مرسى مأمون ومن غودش إلى جزيرة صغيرة تسمى كمونة. ومنها في شرقيها جزيرة مالطة وهي جزيرة كبيرة وفيها مرسى مأمون يفتح إلى الشرق وفيها مدينة وهي كثيرة المرعى والغنم والثمار والعسل الكثير وبينها وبين أقرب بر من صقلية إلى موضع يقال له أكرنتة ثمانون ميلاً وليس بعد مالطة هذه إلى ناحية الشرق والغرب إلا جزيرة إقريطش.
وأما جزيرة لنبذوشة فبينها وبين أقرب بر من إفريقية حيث في قبودية مجريان وبها مرسى مأمون يكن من كل ريح ويحمل الأساطيل الكثيرة وهذا المرسى منها في اللباج وليس في جزيرة لنبذوشة شيء من الثمار ولا من الحيوان. ومنها في جهة الشمال جزيرة لطيفة تسمى جزيرة الكتاب وبينهما خمسة أميال وهذه الجزيرة لطيفة جداً وهي من لنبذوشة مائلة إلى المغرب يسيراً. ومن جزيرة الكتاب إلى نموشة في الشرق مع الشمال يسيراً ثلاثون ميلاً وليس بجزيرة نموشة مرسى ولا شعراء وفيها حرث والإرساء بها يكون مخاطرة. وجزيرة غودش من جزيرة نموشة في الشرق وبينهما مجريان.
وقد ذكرنا هذه الجزائر بما يحتاج أن يذكر فيها من غير تطويل والحمد لله كثيراً.
وبقي علينا بعد هذا أن نذكر جزيرة صقلية العليا ونذكر أقطارها تبياناً ونصف بلادها مكاناً مكاناً، ونعد مفاخرها وننثر فضائلها بالوجيز من القول مع استقصاء المعاني بحول الله تعالى.
فنقول إن صقلية فريدة الزمان فضلاً ومحاسن ووهيدة البلدان طيباً ومساكن وقديماً دخل إليها المتجولون من سائر الأقطار والمترددون بين المدن والأمصار وكلهم أجمعوا على تفضيلها وشرف مقدارها وأعجبوا بزاهر حسنها ونطقوا بفضائل ما بها وما جمعته من مفترق المحاسن وضمته من خيرات سائر المواطن ودول ملوكها أشرف الدول وصولتهم على من ناوأهم أشد الصول فملوكها أعظم الملوك قدراً وأكبرهم خطراً وأرفعهم همة وأشمخهم قدراً ورتبةً. ولما كان في سنة أربع مائة وثلاث وخمسين سنة من سني الهجرة افتتح غرر بلادها وقهر بمن معه طغاة ولاتها وأجنادها الملك الأجل والهمام الأفضل المعظم القدر السامي الفخر رجاء بن تنقرين خيرة ملوك الإفرنجيين ولم يزل يفرق جموع ولاتها ويقهر طغاة حماتها ويشن عليهم الغارات في الليل والنهار ويرميهم بصنوف من الحتوف والبوار ويعمل فيهم ماضي الشقار وعوامل القنا الخطار إلى أن استولى على جميعها غلبة وقهراً وفتحها قطراً فقطراً وملكها ثغراً فثغراً وذلك في مدة ثلاثين عاماً ولما صار أمرها إليه واستقر بها سرير ملكه نشر سيرة العدل في أهلها وأقرهم على أديانهم وشرائعهم وأمنهم في أموالهم وأنفسهم وأهليهم وذراريهم - ثم أقام على ذلك مدة أيام حياته إلى أن وافاه أجله المحتوم وتقضاه يومه المعلوم فتوفي في سنة أربع وتسعين وأربع مائة وهو ببعض بلاد قلورية بقلعة مليطر فدفن بها.

ثم ورث الملك بعده ابنه الملك المعظم المسمى باسمه المقتفي أثر سننه رجار الثاني فأقام الدولة وزين المملكة وشرف السلطنة وأعطى الأمور أقساطها من النظر الجلي والفعل المرضي مع نشور العدل وإقامة الأمان والفضل حتى انقادت الملوك إلى طاعته وأعلموا بشعار مشايعته ومتابعته وسلموا مقاليد بلادهم إليه وتواردوا من كل الجهات عليه رغبة في التفيؤ بفياء مملكته والسكنى تحت ظلال أمنه ورحمته وملكه لا يزيد على الأيام إلا رفعةً وعلواً وشماخةً وسمواً إلى حين تأليفنا لكتابنا هذا.
فأما جزيرة صقلية المتقدم ذكرها فأقدارها خطيرة وأعمالها كبيرة وبلادها كثيرة ومحاسنها جمة ومناقبها ضخمة فإن نحن حاولنا إحصاء فضائلها عدداً وذكرنا أحوالها بلداً بلداً عز في ذلك المطلب وضاق فيه المسلك لكنا نورد منه جملاً يستدل بها ويحصل على الغرض المقصود فيها فنقول: إن في هذه الجزيرة عند تأريخ هذا الكتاب لسلطانها الملك المعظم رجار مائة بلد وثلاثون بلداً بين مدينة وقلعة غير ما بها من الضياع والمنازل والبقاع ونحن نريد أن نذكر بلدان الجزيرة البحرية منها خاصة ونقتصر عليها ونكتفي بها عما سواها إلى أن نرجع من حيث بدأنا ثم نأخذ بعد ذلك في ذكر ما في حشو الجزيرة من البلاد والحصون والعمل الواسع المسكون مكاناً مكاناً وموضعاً موضعاً بحول الله تعالى.
فأول ذلك مدينة بلرم وهي المدينة السنية العظمى والمحلة البهية الكبرى. والمنبر الأعظم الأعلى على بلاد الدنيا وإليها في المفاخر النهاية القصوى ذات المحاسن الشرائف ودار الملك في الزمن المؤتنف والسالف ومنها كانت الأساطيل والجيوش تغدو للغزو وتروح كما هي الآن عليه من ذاك وهي على ساحل البحر منها في شرقيها والجبال الشواهق العظام محدقة بها وساحلها بهيج مشرق فرج ولها حسن المباني التي سارت الركبان بنشر محاسنها في بناءاتها ودقائق صناعاتها وبدائع مخترعاتها.
وهي على قسمين قصر وربض فالقصر هو القصر القديم المشهور فخره في كل بلد وإقليم وهو في ذاته على ثلاثة أسمطة فالسماط الأوسط يشتمل على قصور منيعة ومنازل شامخة شريفة وكثير من المساجد والفنادق والحمامات وحوانيت التجار الكبار والسماطان الباقيان فيهما أيضاً قصور سامية ومبان فاخرة عالية وبهما من الحمامات والفنادق كثير وبها الجامع الأعظم الذي كان في الزمن الأقدم وأعيد في هذه المدة على حالته كما كان في سالف الأزمان وصفته الآن تغرب عن الأذهان لبديع ما فيه من الصنعة والغرائب المفتعلة المنتجة المخترعة من أصناف التصوير وأجناس التزاويق والكتابات. وأما الربض فمدينة أخرى تحدق بالمدينة من جميع جهانها وبه المدينة القديمة المسماة بالخالصة التي بها كان سكنى السلطان والخاصة في أيام المسلمين وباب البحر ودار الصناعة التي هي للإنشاء.
والمياه بجميع جهات مدينة صقلية مخترقة وعيونها جارية متدفقة وفواكهها كثيرة ومبانيها ومتنزهاتها حسنة تعجز الواصفين وتبهر عقول العارفين وهي بالجملة فتنة للناظربن.
والقصر المذكور من أكثر الحصون منعة وأعلاها رفعة لا ينال بقتال ولا يطاق على حال وبأعلاه حصن محدث للملك المعظم رجار مبنى بالفصوص الجافية والصخور المنحوتة الضخمة وقد أحكم نسقه وأعليت رققه وأوثقت منائره ومحاريسه واتقنت قصوره ومجالسه وشيدت بنياناً ونمقت بأعجب المغتربات وأودعت بدائع الصفات فشهد لها بالفضل المسافرون وغلا في وصفها المتجولون وقطعوا قطعاً ألا مباني أعجب من مباني المدينة ولا مكان أشرف عن مغانيها وأن قصورها مشارف القصور وأن ديارها منازه الدور.
والربض المحدق بالقصر القديم المتقدم ذكره هو في ذاته كبير القطر كثير الديار والفنادق والحمامات والحوانيت والأسواق له سور يحيط به وخندق وفصيل وبه في داخله بساتين كثيرة ومتنزهات عجيبة وسقايات ماء عذبة جارية مجلوبة إليها من الجبال المحدقة ببقعتها وبخارج الربض من الجهة الجنوبية منها نهر عباس وهو نهر جار عليه جمل من الأرحاء الطاحنة ما لايحتاج معها إلى غيرها.

وبالشرق من المدينة وعلى مرحلة منها قلعة ثرمة وهي على أكمة مطلة على البحر وهي قلعة من أجل القلاع وبقعة من أكبر البقاع وعيها سور يطيف بها ولها آثار أولية وأبنية أزلية منها ملعب غريب الصنعة يدل على قدرة بانيه وبها حصن محدث وبها حمتان متقاربتان من أجل الحمات وعليها بنيان قديم الزمان.
وبجانبها الغربي محل يعرف بالتربيعة وهو من المنازه البديعة وبه مياه جارية وعليه كثير من الأرحاء ولها بادية ورباع واسعة ويصنع بها من الأطرية ما يتجهز به إلى كل الآفاق من جميع بلاد قلورية وغيرها من بلاد المسلمين وبلاد النصارى ويحمل منها الأوساق الكثيرة.
وبها وادي السلة ونهر السلة نهر كبير كثير الماء غزير يصاد به السمك المعروف بالري في زمن الربيع ويصاد بمرساها السمك الكبير المعروف بالتن. ومنها على اثني عشر ميلاً حصن بورقاد وهو حصن شاهق به عمارات كثيرة وسوق ومرافق ومياه غزيرة وأرحاء كثيرة وبساتين وجنات وضياع متسعات ومزارع طيبات والبحر منه على ميلين.
ومن حصن بورقاد إلى صخرة الحديد اثنا عشر ميلاً وهو منزل صغير وحصن في أعلى الصخرة المذكورة والصخرة داخلة في نحر البحر وعرة الجنبات ولها من جهة البر رملة وطية ورباع طيبة ومزارع زكية.
ومن هذه الصخرة إلى جفلودي مرحلة خفيفة وحصن جفلودي على ساحل البحر ممدن به أسواق وحمام ورحى في داخل المدينة على ماء عين يندفق هنالك ومن هذا الماء يشرب أهل الحصن وهو عذب بارد وحصن جفلودي على تروش متصلة بضفة البحر وله مرسى حسن يسافر إليه من كل قطر وهو بلد معمور وبه قلعة مطلة على الحصن في رأس جبل منيع لا يكاد يرتقى إليه لصعوبة مطلعه.
ومنه إلى حصن طزعة مرحلة خفيفة وهو حصن أزلي البناء منيع الفناء يتصل به ربع عامر وهو وربضه في ذروة جبل منحاز لا يتوصل إليه إلا على طرق وعرة ومسالك نكرة وتطيف به أرض تربة خصيبة طيبة واسعة البقاع زكية المزارع والإنتفاع وهي من البحر على ميلين أو نحوها.
ومن طزعة إلى حصن قلعة القوارب اثنا عشر ميلاً وقلعة القوارب قلعة عالية قديمة البناء أزلية ولها ريض عامر يحيط بها في الدائر ومزارعها زكية وغلاتها كثيرة ومياهها غزيرة ولها مرسى مقصود يوسق منه وترسى السفن به وبينه وبين الحصن نحو ميل ونصف.
ومن قلعة القوارب إلىالقارونية اثنا عشر ميلاً والقارونية أول إقليم دمنش وهي قلعة قديمة أزلية وبها حصن محدث ولها جنات وأنهار وكروم وأشجار ومرسى على البحر وبها شبكة يصاد بها التن الكثير وبين بهب القلعة والبحر نحو ميل.
ومنها إلى شنت ماركو عشرة أميال وهي قلعة عظيمة ذات آثار قديمة وعماراتها كثيرة وبها أسواق وحمام وجمل من الفواكه والثمار ولها بادية ومزارع واسعة ومياه ناشعة وجهات واسعة وينبت بها من جميع جهاتها البنفسج الزكي الرائحة العطر الفائحة وبها من الحرير كثير وساحلها حسن وتنشأ بها المراكب من خشب جبالها.
ومن ماركو إلى حصن ناصو عشرة أميال وهو حصن مرتفع وبلد متسع ذو عمارة كثيرة وأنهار غزيرة وجنات وأودية عليها مزارع وأرحاء وساحلها بهج وحصنها فرج وبينه وبين البحر ميلان.
ومنه إلى بقطش اثنا عشر ميلاً وبقطش حصن منيع وبلد متسع ذو مزارع نامية ومنازل طيبة زكية ومياه جارية وجنات كثيرة وبلد جليل وهو مطل على البحر وعلى ميل منه.
ومنه إلى لبيري ثلاثة أميال وهو منزل حسن جليل وحصن كبير جليل على ساحل البحر وبه سوق وحمام وسكان ومزارع كرام ومياه جارية عليها مزارع وأرحاء وله مرسى حسن ويصاد به التن كثيراً.
ومنه إلى حصن ميلاص اثنا عشر ميلاً وهو حصن كبير القطر على جنب طرف طاعن في البحر مليح الهيئة وثيق البنية بلدة رفيعة وقلعة منيعة من أحسن البلاد وأجملها وأسناها وأفضلها وأشبه شيء بأكابر الحواضر في العمارات والتصرف والأسواق وما بها من المواد والأرفاق وهي على ساحل البحر والبحر محدق بجميع جهاتها إلا جهة واحدة بشمالها يدخل منها إليها ويسافر إليها براً وبحراً ويتجهز منها بالكتان الكثير الطيب ولها مزارع طيبة زاكية وبها مياه غزيرة جارية ومصائد لصيد التن الكثير ومن ميلاص إلى مدينة مسينى مرحلة خفيفة.

ومدينة مسينى هذه مدينة في ركن من الجزيرة بشرقيها والجبال من الناحية الغربية محدقة بها ساحلها بهج وأرضها طيبة المنابت وبها جنات وبساتين ذات ثمار كثيرة ولها أنهار غزيرة عليها أرحاء كثيرة وهي من أجل البلاد وأكثرها عمارة والسفر منها وإليها قصداً وهي دار الإنشاء وبها الحط والإرساء من جميع بلاد الروم الساحلية وبها تجتمع السفن الكبار والمسافرون والتجار من البلاد الرومية والإسلامية القاصدون إليها من جميع الأقطار وأسواقها رائقة وسلعها نافقة وقاصدها كثير وفي جبلها معدن الحديد الذي يتجهز به منه إلى البلاد المجاورة لها ومرساها العجب العجيب المتحدث به في كل البلاد وذلك أن أكبر ما يكون من السفن العظام يرسى من الشاطىء بحيث يتناول ما فيها من البر بالأيدي وبها المجاز الذي يعبر منه إلى بلد قلورية وبحره صعب المجاز لاسيما إذا خالف الريح الماء وإذا التقت المياه الداخلة والخارجة في وقت واحد فإنه لا يكاد يسلم من نشب بينهما إلا إن يشاء الله تعالى ومسافة الواسع من هذا المجاز عشرة أميال وسعة الضيق منه ثلاثة أميال ومن مدينة مسينى مع الساحل إلى طبرمين مرحلة وطبرمين حصن منيع وبلد شامخ رفيع من عيون الحصون الأزلية وأشراف البلاد الأولية وهو على جبل مطل على البحر وله مرسى حسن والسفر إليه من كل الجهات ويحمل منه كثير من الغلات وبه منازل أسواق وهو مجتمع القوافل والرفاق الواصلة إلى مسينى وبها ضياع صالحة ومزارع طيبة زاكية وبها معدن الذهب وبها الجبل المشهور المسمى بالطور الموصوف بالآيات المعروف بالعبادات وبها أنهار غزيرة عليها أرحاء كثيرة وبها جنات قلائل ولها واد عليه قنطرة عجيبة وبناؤها يدل على قوة بانيها وقدرة سطانه وكذلك بها ملعب من ملاعب الروم القديمة تدل رسومه أيضاً على شرف ملك وشماخة قدر وبها معدن الذهب ومنها إلى لياج مرحلة.
ولياج بلدة على البحر وهي من البلدان القديمة العمران ذات سوق وبادية ومزارع طيبة زاكية حارة المزاج يحصد بها الزرع قبل غيرها من بلاد الجزيرة ويحمل منها الزفت والقطران والخشب وأشياء كثيرة. وفي الغرب منها الجبل المعروف بجبل النار أيضاً.
ومن لياج إلى مدينة قطانية ستة أميال وهي البلد الجميل المعروف ببلد الفيل الشامخة القدر العالية الذكر وهي على ساحل البحر وبها الأسواق العامرة والديار الزاهرة والمساجد والجوامع والحمامات والمنازل والخانات وبها مرسى حسن ويسافر إليها من جميع الآفاق ويحمل منها كل البضائع والأوساق وجناتها كثيرة ومياهها من أنهارها وعيونها غزيرة وبها نهر في أمره عجب عجيب وشأن مستطرف غريب وذلك أنه في بعض السنين يفيض فيضاً كثيراً فتنصب عليه الأرحاء وتمتلىء منه الأودية وفي بعضها ينضب فلا يوجد فيه ما يشرب وعمارتها واسعة وباديتها ومزارعها طيبة نافعة وأسوارها منيعة وأقطارها واسعة والفيل الذي اشهرت به هو طلسم من حجر على صورة فيل كان منصوباً على بناء شاهق في سالف الزمان ثم نقل الآن فنصب داخل المدينة بكنيسة الرهبان وبغربي قطانية وادي موسى النهر العظيم وهو يصب ببحرها وبه من السمك كل نهاية في العظم وحسن الذوق ومدينة طبرمين ولياج وقطانية بسفح جبل النار المتقدم ذكره من الناحية الشرقية منه.
ومن مدينة قطانية إلى حصن لنتيني مرحلة وهي قلعة حصينة متحضرة الأسواق كالمدينة وهي من البحر على ستة أميال وموضعها على ضفة النهر المنسوب إليها وتصعد فيه المراكب بأوساقها حتى تحط بين يديها من شرقيها وبغربيها أرض واسعة جداً فسيحة الأرجاء ممتدة الفضاء ولها بواديها أنواع من السمك الجليل المعدوم المثيل ما يحمل منه إلى جميع جهاتها وفي لنتيني أسواق عامرة وفنادق وبشر كثير ومنها إلى سرقوسة مرحلة كبيرة.

ومدينة سرقوسة من مشاهير المدن وأعيان البلاد تشد إلها المطي من كل حاضر وباد ويقصد إليها قصاد التجار من سائر جميع الأقطار وهي على ساحل البحر وهو محدق بها دائر بجميع جهاتها والدخول إليها والخروج منها على باب واحد وهو بشمالها وشهرتها تغنى عن التكثير من وصفها إذ هي منبر مشهور ومعقل مذكور وبها مرسيان ليس مثلهما في جميع البلدان أحدهما أكبر من الآخر وهو بجنوبها والآخر أشهر وهو بشمالها وفيها فوارة النبودي تنبع من جرف على حاشية البحر وهي عجيبة الأمر وبها ما بأكبر المدن من الأسواق ذوات السماطات والخانات والديار والحمامات والمباني الرائقة والأفنية الواسعة ولها إقليم كبير طائل وضياع ومنازل وهو خصيب المواضع زكي المزارع وتوسق منه السفن بالطعام وغيره من الأوساق إلى سائر البلاد والآفاق وبهذه المدينة من الجنات والثمار ما يتجاوز الحد والمقدار ومن سرقوسة إلى نوطس مرحلة.
ونوطس من أرفع القلاع حصناً وأشرف المدن حسناً قطرها واسع المساحة شريف المنافع والرجاحة وبه أسواق جميلة الترتيب وديار متقنة التركيب أنهارها جارية بمياه غزيرة وعليها أرحاء كثيرة وهي من البحر على ثمانية أميال ولها عمل واسع المجال وإقليم شريف الحال مزارعها أزكى المزارع ومواضعها أخصب المواضع وهي أزلية العمارة قديمة الآثار ومن نوطس إلى الجر ثمانية أميال.
وبينهما رحل قسباري وهو رحل حسن الموضع متسع المزرع.
ومن نوطس إلى طرف الجزيرة من هذا الوجه الشرقي مرحلة وهو كله خلا ويسمى هذا الطرف بمرسى البوالص.
ومن نوطس على البحر إلى شكلة مرحلة وهي قلعة في أعلى جبل قلعتها أجل القلاع وبقعتها أفضل البقاع وهي من البحر على نحو من ثلاثة أميال وحالها في ذاتها أشرف حال آهلة عامرة وهي بادية حاضرة وبها أسواق تجلب إليها البضائع من سائر الأعمال وهي كثيرة الخيرات واسعة الأحوال بها جنات تحمل بكل الثمرات ويسافر إليها في البحر من كل قطر من بلاد قلورية وإفريقية ومالطة وغيرها ورباعها أطيب الرباع ومزارعها أنفس المزارع وباديها طيبة واسعة وأمورها صالحة وبها أنهار غزيرة عليها أرحاء كثيرة. وبها العين المعروفة بعين الأوقات ومن غريب أمرها أنها تجري في أوقات الصلوات وتجف في غير ذلك.
ومن شكلة إلى رغوص ثلاثة عشر ميلاً وهي قلعة منيعة وبلدة شريفة قديمة العمران أزلية المكان محدقة بها الأودية والأنهار كثيرة الأرحاء والمطاحن حسنة الأبنية واسعة الأفنية ولها بادية خصيبة ومزارع زكية رحيبة وبينها وبين البحر سبعة أميال ونهرها المنسوب إليها يجري منها بجهتها الشرقية وبهذا الوادي عند مصبه في البحر مرسى حسن والمراكب تدخله وبه توسق وتفرغ ولها أسواق يتصرف إليها من جميع النواحي والآفاق ومنها إلى بثيرة مرحلتان خفيفتان وهما من الأميال خمسة وأربعون ميلاً.
وبثيرة قلعة منيعة الحصن رفيعة القدر سنية الذكر أحسن البلاد بادية وحاضرة وأشبه شيء بالمدن الكبيرة العامرة حسنة البنيان مشيدة الأركان ديارها رائقة عجيبة وأسواقها مرتبة رحيبة وبها مساجد للجماعات وحمام وخانات ويدور بها واد من أعظم الأودية محدقة به الجنات من جميع الجهات ولها فواكه طيبة وخيرات كثيرة معجبة وبينها وبين البحر نحو من سبعة أميال ومن بثيرة إلى لنبياذة مرحلة وهي من الأميال خمسة وعشرون ميلاً.
ولنبياذة حصن في أعلى حجر محدق به البحر والنهر ولا يدخل إليها إلا من باب واحد بشمالها وبها مرسى تسافر المراكب إليه وتحمل الأوساق منه وبها عمارة وسوق ولها عمل واسع وأرضها زكية المزارع ونهرها المنصب ببحرها يسمى الوادي الملح وبه سمك طيب الطعم كثير شحم لذيذ المأكل ومن لنبياذة إلى كركنت مرحلة وهي خمسة وعشرون ميلاً.

وكركنت مدينة متحضرة من أشرف الحواضر عابرة بالوارد والصادر قلعتها حصينة سامية ومدينتها حسنة زاهية قديمة العمران مشهورة في جميع البلدان بل هي من أعظم الحصون منعة وأجل البلاد رقعة يسعى إليها من سائر الآفاق ويجتمع بها السفن والرفاق ديارها سامية في الديار ومحلاتها تفتن النظار وبها أسواق جامعة لأصناف الصنائع وضروب المتاجر والمبائع و بها حدائق وجنات رائقات وأصناف كثيرة من الثمرات أزلية أولية تدل آثارها على سلطنة علية وتحمل كل ما وصل إليها من عظام السفن ما يتجاوز أوساقها في الأيام القلائل لاتساع ما بها من مواد الطوائل وبها جنات وغلات مشهورات وهي على ثلاثة أميال من البحر ومن كركنت إلى الشاقة مرحلة على البحر وهي خمسة وعشرون ميلاً.
والشاقة بلدة على ساحل البحر مشرفة فرجة وبها عمارة وأسواق وديار كثيرة وهي في هذا الزمان أم الأقاليم التي تليها والأعمال التي حولها ومرساها أبداً معمور والمسافر إليها من إفريقية واطرابلس أبداً كثير وعملها هو عمل قلعة البلوط.
وقلعة البلوط حصن منيع ومعقل شامخ عالي الذرى صعب الإرتقاء ذو بواد شريفة خصيبة وضياع طيبة عجيبة وأصناف من الثمار غريبة وبها عيون وأودية عليها كثير من الأرحاء وكان بها خلق كثير تنقلوا في هذا الوقت إلى الشاقة ولم يبق بالحصن إلا رجال قلائل وهم يحرسونه عمن يريده ومن هذه القلعة إلى البحر اثنا عشر ميلاً ومنه إلى الشاقة تسعة أميال وكذلك من قلعة كركنت إلى قلعة البلوط مرحلة كبيرة ومن الشاقة إلى مازر مرحلتان خفيفتان وبينهما رحل كبير يعرف بالأصنام على البحر.
ومازر مدينة فاضلة شامخة كاملة لا شبه لها ولا مثال في شرف المحل والحال إليها الإنتهاء في جمال الهيئة والبناء وما اجتمع فيها من المحاسن التي لم تجتمع في غيرها من المواطن وهي ذات أسوار حصينة شاهقة وديار حسنة فائقة بها أزقة واسعة وشوارع وأسواق عامرة بالتجارات والصنائع وحمامات فاضلات وخانات واسعات وبساتين وجنات طيبات المزدرعات يسافر إليها من جميع الآفاق ويتجهز منها بوافرات الأوساق وإقليمها كثير الإتساع يشتمل على منازل جليلة وضياع وبأصل سورها الوادي المعروف بوادي المجنون توسق منه المراكب وتشتو فيه القوارب ومن مازر إلى مرسى علي ثمانية عشر ميلاً.
مرسى علي كان مدينة قديمة أزلية من أشرف بلاد صقلية وكانت قد خربت ودمرت فعمرها القومس رجار الأول وسور عليها سوراً فحصلت ذات عمارة وأسواق وجباية ولها إقليم واسع وعمل شاسع وسفر أهل بلاد إفريقية إليها كثير وشرب أهلها من آبار عذبة في ديارها مع مياه من العيون التي حولها ولها فنادق وحمامات وبساتين ومزارع طيبات ومنها إلى طرابنش مرحلة وهي ثلاثة وعشرون ميلاً.
وطرابنش مدينة أزلية قديمة المحل على ساحل البحر والبحر يحدق بها من جميع جهاتها وإنما يسلك إليها على قنطرة على باب مشرقيها ومرساها بالجانب الجنوبي منها وهو مرسى ساكن غير متحرك يشتى به أكثر السفن في الشتاء آمنة من جميع الأنواء هاد موجه عند هيجان البحار ويصاد به من السمك ما يفوق المقدار ويصاد بها السمك الكبير أيضاً المعروف بالتن بشباك كبار ويصاد ببحرها المرجان السني وعلى بابها سباخ الملح البحري ولها إقليم واسع الأجناب ممتد الأطناب أرضها من أكرم الأرضين في الزراعات كثيرة الفوائد والغلات وطرابنش في ذاتها ذات أسواق رحيبة ومعائش خصيبة.
وبقربها جزيرة الراهب وجزيرة اليابسة وجزيرة مليطمة ولكل واحدة من هذه الجزائر مرسى وآبار ومحتطب وطرابنش يسافر إليها ومنها في أيام الشتاء لجودة مرساها واعتدال بحرها وهوائها.
ومن طرابنش إلى جبل حامد نحو من عشرة أميال وهو جبل عظيم شامخ الذروة عالي التهمة حصين منيع من الإرتقاء إليه وفي أعلاه أرض سهلة للزراعة ومياهه كثيرة وله حصن غير محروس ولا منظور إليه ومنه إلى الحمة عشرون ميلاً.

والحمة قلعة حصينة شامخة مذكورة من أحسن القلاع والبحر بشمالها على ثلاثة أميال أو نحوها ولها مرسى بني عليه حصن يعرف بالمدارج والمراكب مارة به وراجعة إليه ويصاد به التن بالشباك وإنما سميت هذه القلعة بالحمة لأن فيها حمة حامية يخرج ماؤها من جرف قريب منها ويستحم الناس فيها وماؤها معتدل السخونة عذب رطب وبقربها أنهار وأودية عليها أرحاء و بها بساتين وجنات وأبنية ومتنزهات وكثير من الثمرات ولها عمل واسع ورباع طيبة المزارع وهي من طرابنش على مرحلة خفيفة.
ومن قلعة الحمة إلى قلعة أوبي عشرة أميال وهو حصن منيع وبلد فسيح له عمل واسع طيب المزارع كثير المنافع وبينه وبين البحر نحو أربعة أميال وله مرسى يسافر إليه ليوسق الطعام الكثير منه وكذلك يوسق منه سائر الحبوب وبه معدن تقطع منه أحجار الأرحاء المائية والفارسية وهذه الأقلعة من الحمة على عشرة أميال ومن قلعة أوبي إلى برطنيق اثنا عشر ميلاً.
وبرطنيق بلدة جميلة وطيبة حسنة المنظر بهية وبها رباع زكية يعمل بها القطن الكثير والحناء وغير ذلك من أصناف القطاني وبها مياه غزيرة وعليها أرحاء كثيرة والحصن المنسوب إليها بمكان يعرف بجبان يطل عليها ولها مرسى يعرف بالركن وفي شمالها على نحو ميلين.
ومن برطنيق إلى شنس وهو منزل واسع بأكناف جبل مطل عليه وتليه أرض متسعة طيبة المنابت حسنة المراعي كثيرة الفواكه والبحر منها على شمالها على أربعة أميال أو نحوها.
ومن شنس إلى قرينثس ثمانية أميال وهي بلدة طيبة جميلة حصينة وبها أصناف من الفواكه كثيرة وبها سوق كبيرة وأكثر ما بالحواضر من الأسواق والحمامات والديار الواسعات ومنها يحمل كثير من اللوز والتين الناشف والخرنوب وتوسق به المراكب والقوارب ويتجهز به إلى كثير من البلاد ومياهها غزيرة متدفقة في كل ناحية حتى أن أكثرها بداخل الجنات وبها حصن محدث على ربوة مطلة على البلد والبحر منها بشمالها على نحو ميل منها ومنها إلى المدينة العظمى المسماة بلرم اثنا عشر ميلاً.
فهذه خمسة وثلاثون بلداً على البحر خاصة و أما ما سوى ذلك من البلدان البرية فهي كثيرة بين حصون وقلاع ومحال وأصقاع وها نحن لها ذاكرون قلعةً قلعة وحصناً حصناً إن شاء الله.
وأول ذلك نبدأ بالخروج من المدينة إلى قصرياني في وسط الجزيرة.
وذلك أن من المدينة إلى منزل الأمير مع الشرق ستة أميال وهو معقل جليل وحصن حصين وله مياه وأرضون ومزارع كثيرة ومنه إلى الخزان ستة أميال وهو حصن في أعلى جبل من أجمل القلاع وأفضل البقاع وحالها أشرف حال وله عمارة وأرحال ومنه يخرج النهر المسمى وادي الأمير وأصله من الخزان فينزل مع الخنادق وتجتمع به مياه قجانة وتبقى قجانة شمالاً وبين قجانة وجفلة تسعة أميال وتجتمع المياه تحت مرناو ويبقى مرناو على اليمين وبينها وبين قجانة ميل ونصف ويتصل إلى تحت منزل الأمير ويبقى منزل الأمير شمالاً وبينها وبين الوادي ميل وبين مرناو ومنزل الأمير ستة أميال ومنه إلى البحر ميل كبير ومن الخزان إلى جفلة نصف مرحلة وهو نحو من عشرة أميال وكذلك من منزل الأمير إلى جفلة مثل ذلك من الأميال وهي مرحلة.
وجفلة بلد مليح وإقليم فسيح وعمل كبير وضياع ومنازل مياهها متدفقة وغدرانها مغدودقة ومزارعها واسعة وجهاتها شاسعة ومن الخزان إلى بيقوا خمسة عشر ميلاً.
وبيقوا حصن عال ومعقل مغلق الإقفال له مياه جارية وحروث زاكية وبينه وبين وادي السلة النازل إلى ثمة ميل وله مزارع متصلة وخيرات مشتملة وحروث كثيرة ونعم وافرة ومن بيقوا إلى بثرانة تسعة أميال. وبثرانة حصن مانع وقفل رائع ممتنع الهجات له مزارع وغلات وأرض تتصل عمارتها ببيقوا المتقدم ذكرها.
ومن الخزان إلى جاطوا نحو من خمسة عشر ميلاً وحصن جاطوا عالي المكانة زائد الحصانة وإليه الإنتهاء في صحة المزارع وسعة الأرجاء وبه سجن مطبق يودع فيه من سخط الملك عليه وليس بهذا الحصن مياه جارية ولا حوله أنهار متدانية.
ومن جاطوا إلى طرزي تسعة أميال وهو حصن علم ومعقل أزلي القدم وثيق جداً وله مزارع وأرضه تتصل من جهة الشمال بأرض جاطوا وتتصل أرضه من جهة الجنوب بحصن قرليون وبينهما نحو من ثمانية أميال وبين قرليون وقلعة الطريق شمالاً تسعة أميال عربية وهي ثلاثة إفرنجية.

وقرليون حصن حصين منيع ومعقل مشيد رفيع وله عمارات متصلة ويتصل به نهره المنسوب إليه ومن قرليون إلى راية ثمانية أميال عربية وكذلك بين قرليون وجاطوا خمسة أميال إفرنجية ومن قرليون إلى برزوا شرقاً عشرة أميال.
وبرزوا حصن حسن البقعة شديد المنعة ذو ربض مسكون ومياه جارية وعيون ومزارع ممتدة الأطناب وخيرات متوفرة الإكتساب ومنه إلى قصر نوبو نحو من اثنتي عشر ميلاً وكذلك من قصر نوبو إلى قرليون عشرون ميلاً. وقصر نوبو محل حسن الجهات شامل المنافع والخيرات وله مزارع وغلات ومياه جاريات ومن قصر نوبو غرباً إلى راية نحو عشرة أميال وكذلك من برزوا إلى راية عشرة أميال وكذلك من قرليون أيضاً إلى راية ثمانية أميال فبرزوا شمالاً وقصر بونو شرقاً وقرليون غرباً وراية جنوباً.
وراية هذه رحل ظريف ومرتبع حسن منيف ذو مزارع زاكية وأرضين مباركة طيبة.
ونهر السلة وهو نهر ثرمة يخرج من أصل هذا الجبل المسمى راية غرباً، ومن جبل المكتنف له ويمر جارياً مع الشمال إلى أن يجتاز بمياه برزوا يميناً مع الشرق وبين برزوا والوادي ثلاثة أميال ويتمادى إلى رحل مرغنة وتبقى مرغنة شمالاً وبينها وبين الوادي ميل وبين قلعة برزوا ومرغنة أربعة أميال ثم يمر هذا النهر إلى تحت بيقوا وتبقى بيقوا يميناً وبينها وبين الوادي ميل واحد وبين مرغنة وبيقوا ثلاثة أميال.
وهناك يلتقي معه وادي ريغنو وأصله من جبل زرارة من مكان يسمى الغدران وينضاف إليه ماء منزل يوسف ويبقى منزل يوسف يميناً ويجتمعان في الوادي الذي تحت بيقوا ثم يتمادى إلى بثرانة فيبقى بثرانة يميناً وبينها وبين الوادي ثلاثة أميال وبين بيقوا وبثرانة تسعة أميال ويمر من هناك إلى الأبرجا فتبقى الأبرجا يميناً وبينها وبين الوادي ثلاثة أميال وبين الأبرجا وبثرانة ميلان ومن هناك يمر إلى تحت ققبش وتبقى ققبش يميناً وبينها وبين الوادي ميلان وبين الأبرجا وققبش ميل واحد ثم يتصل جريه إلى ثرمة وتبقى ثرمة يميناً وبين ققبش وثرمة عشرة أميال وهناك يصب في البحر وبين جفلة المتقدم ذكرها وخاصوا ميلان إفرنجية وكذلك بين خاصوا وبيقوا ميلان إفرنجية.
وخاصوا رحل كثير الزراعات جامع لأصناف الخيرات والحبوب والغلات. وكذلك من قرليون إلى بطلاري جنوباً أربعة أميال إفرنجية.
وبطلاري حصن أزلي قديم البنية حصين المنعة محدقة به الجبال كثير المياه .
ومن بطلاري إلى قلعة البلوط السابق ذكرها عشرة أميال ومن هذه القلعة إلى االشاقة أربعة أميال إفرنجية وهي اثنا عشر ميلاً.
وكذلك من طرزي إلى رحل المرأة ثمانية عشر ميلاً عربية وهو رحل عامر كثير المزارع والخصب والألبان والسمن ومن هذا الرحل إلى برطنيق مرحلة خفيفة وفي نحو من ثمانية عشر ميلاً ومن هذا الرحل غرباً إلى الصنم في طريق مازر تسعة أميال عربية.
والصنم رحل كبير يحتوي على بشر كثير وعليه حصن مطل ومعقل سامي المحل أشجاره مصطفة وبساتينه ملتفة ومياهه متدفقة وخيراته محدقة ومن الصنم إلى مازر سبعة أميال إفرنجية وقد تقدم ذكر مازر إذ هي مدينة كبيرة ومن مازر إلى الأصنام وقد ذكرناها قبل ثلاثة أميال إفرنجية.
ونرجع إلى قصر نوبو المتقدم ذكره فنقول إنه يخرج منه نهر إبلاطنو وهو غزير فيمر إلى قمراطة ثم يتصل إلى إبلاطنو ثم إلى البحر ومن قصر نوبو إلى قمراطة عشرة أميال ومن قمراطة إلى إبلاطنو ثلاثون ميلاً وهي مرحلة.
وقمراطة رحل كبير ممتد الجانبات كثير الزراعات وبه حصن مرتفع الذروة حصين المنعة وله بساتين وجنات وفواكه ونعم.
وكذلك حصن إبلاطنو محل شامخ عليه قلعة سامية وذروة نامية وبين إبلاطنو والبحر نحو من ستة أميال أو نحوها.
ونرجع فنقول إن من حصن جاطوا المتقدم ذكره إلى قلعة أوبي خمسة أميال إفرنجية وقد ذكرناها ومن قلعة أوبي إلى علقمة ميل ونصف عربي.
وعلقمة منزل رحب وبه مزارع وخصب وبه سوق قائمة وفعلة وصناعات وبين علقمة وميرجا ميل واحد شمالاً.
وميرجا حصن حصين صغير وله ربض ومساكن وأرض خصبة الأماكن ومنه إلى حصن الحمة ميل إفرنجي وقد ذكرنا الحمة فيما تقدم وسلف ومن حصن الحمة إلى المدارج ميلان إفرنجيان.

وحصن المدارج أمنع الحصون بنياناً وأحصنها مكاناً وحوله خندق دائر به مقطوع في الجبل والوصول إليه على قنطرة خشب تزال وترد متى أريد ذلك ولها بساتين وكروم وبها فواكه ولها مرسى حرج ومن حصن المدارج إلى قلعة أوبي ثلاثة أميال إفرنجية وقد ذكرناها فيما سلف ومن قلعة أوبي إلى برطنيق ثلاثة أميال إفرنجية وقد تقدم ذكر برطنيق فيما تقدم ومن برطنيق إلى حصن جاطوا ثمانية عشر ميلاً وقد ذكرناها قبل هذا.
ونرجع الآن فنقول إن من حصن الحمة إلى قلعة فيمي نحو من ثمانية أميال.
وقلعة فيمي حصن أزلي قديم ومعقل غير ذميم له ربض عامر وحروث ومشاجر ومياهه قليلة فيما استدار به ومن حصن فيمي إلى قلعة الصنم اثنا عشر ميلاً وقد ذكرناه ومن حصن الصنم إلى رحل القائد عشرة أميال وكذلك من رحل القائد إلى الأصنام التي على البحر عشرة أميال ومن جبل حجر الصنم يخرج نهر طوط ويجتاز بالصنم ويبقي الصنم غرباً ويتصل جريه بالبحر فيصب بمقربة من مازر.
ونرجع أيضاً فنقول إن من مازر إلى قصر ابن منكود بين شمال وشرق خمسة عشر ميلاً ومن قصر ابن منكود إلى بلجة أربعة أميال بين شرق وشمال ومن بلجة إلى منزل سندي بين شرق وشمال خمسة عشر ميلاً ومن منزل سندي إلى قصر ابن منكود ستة أميال ومن منزل سندي إلى رحل الأرمل تسعة أميال بين شمال وغرب ومن منزل سندي إلى قلعة مورو تسعة أميال ومن قلعة مورو إلى بطلاري ستة أميال شرقاً.
فأما قصر ابن منكود فرحل واسع وإقليم متباعد الجهات شاسع قد حفت به الجنات والمزارع وبه رقة تحوطه.
وكذلك بلجة حصن حصين ومعقل شامخ مصون وقد أحدقت الجبال به من جميع جهاته وحصنت رقته بحماته وحوله أشجار ومزارع قلائل. ويقرب منه نهر القارب ومبدأ هذا النهر من شمال قلعة قرليون من جبلها المحيط بشمالها فيمر بشرقها ثم ينعطف غرباً فيجتاز بغربي منزل سندي. ثم يمر بين الجبال في جهة الجنوب إلى شرقي بلجة ثم يمر في عين الجنوب فيقع في البحر على مقربة من الأصنام ومقدار جرية هذا الوادي من منبعه إلى موقعه في البحر خمسون ميلاً ومن موقع هذا النهر إلى نهر سلمون خمسة أميال وهو نهر يأتي من جبل قليل الطول ومن نهر سلمون إلى الشاقة اثنا عشر ميلاً وكذلك من الشاقة إلى إبلاطنو سبعة عشر ميلاً. وإبلاطنو محل شريف ومعقل منيف وله مزارع وغلات وخيرات واسعات كثير البساتين والأشجار آهل بالقصاد والعمار ووادي إبلاطنو يمر به في جهة شرقيه.
ومن إبلاطنو إلى غرذوطة شرقاً وهو منزل حفيل ومحل آهل له بساتين وأشجار كثيرة ومزارع معمورة.
ومن غرذوطة إلى سطير شمالاً والجبال محدقة به من جميع جهاته آهل عامر مقصد لطريق الوارد والصادر وبينهما تسعة أميال ومن منزل سطير إلى حصن قمراطة السابق ذكره قبل هذا ثمانية عشر ميلاً شمالاً.
وكذلك من كركنت إلى المنشار بين شرق وشمال ثمانية عشر ميلاً وهو حصن على رأس جبل وهو آهل بأهله عامر وله مزارع كثيرة وخصب زائد ومن حصن المنشار إلى القطاع جنوباً عشرة أميال.
والقطاع محل مطل ومكانه على جبل وله غلات وزراعات كثيرة وخصب زائد وجمل من المنافع والفوائد ومن القطاع إلى كركنت اثنا عشر ميلاً غرباً ومن القطاع إلى إبلاطنو عشرون ميلاً شمالاً.
ومن كركنت إلى ناروا اثنا عشر ميلاً وهي منها شرقاً وناروا رحل جليل ومنزل حفيل ذو أسواق عامرة وصنائع متحركة وله سوق في يوم مشهود وله مزارع متصلة وعمارات محتفلة ومن ناروا إلى القطاع شمالاً عشرة أميال وكذلك من ناروا إلى السابوقة شرقاً اثنا عشر ميلاً ومن القطاع إليها مثل ذلك في جهة الشرق وكذلك من المنشار أيضاً إلى السابوقة أحد عشر ميلاً بين جنوب وشرق.
والسابوقة حصن عال عامر آهل كثير الزراعات محتفل الغلات مشتمل البركات متصل العمارات ومن السابوقة إلى قلعة النساء اثنا عشر ميلاً في طريق كركنت ومن ناروا إلى قلعة النساء بين شرق وشمال أحد وعشرون ميلاً.
وقلعة النساء قلعة حسنة البناء مطلة على عمارات متصلة ومنافع جمة وغلات وأشجار وفواكه وفي الشرق منها وعلى مقربة منها مجرى النهر الملح.

ومن قلعة النساء إلى قصرياني ثمانية عشر ميلاً وهي مدينة في أعلى جبل ذات حصن حصين ومعقل متين قطرها واسع وبناؤها شاسع ولها أسواق جميلة الرتيب وديار متقنة التركيب وصنائع وبضائع وصناع ومتاجر وأمتاع ولها عمل واسع المجال وأقاليم واسعة الحال مزارعها زكية وغلاتها مرضية وهواؤها بارد ومرافقها تشفي الصادر والوارد وبالجملة فهي أمنع بلاد الله مكاناً وأوثقها بنياناً ولها مع حصانتها في جبلها مزارع ومياه جارية لا تحتاج إلى البسيط وبها رقة رائقة ورقعة شاهقة لا تغلب في حال ولا يمكن فيها القتال.
ومن قصرياني شمالاً إلى محكان ثمانية عشر ميلاً ومن محكان إلى قصر... خمسة عشر ميلاً بين جنوب وشرق ومن محكان إلى سطير غرباً خمسة عشر ميلاً وكذلك من سطير إلى كركنت ستة وثلاثون ميلاً وهي مرحلة كبيرة تسير من سطير إلى غرذوطة المتقدم ذكرها ثم إلى المنشار ثم إلى القطاع ثم إلى كركنت ومن سطير إلى قصر نوبو شمالاً أربعة وعشرون ميلاً وقد ذكرنا هذه القلاع والمعاقل فيما صدر من الكتاب.
ومن كركنت إلى قرقوذي شرقاً مائة ميل وثمانية عشر ميلاً ومن قرقوذي إلى ناروا أربعة وعشرون ميلاً ومن ناروا إلى كركنت اثنا عشر ميلاً وكذلك من ناروا إلى قلعة النساء أحد وعشرون ميلاً ومن قلعة النساء إلى قرقوذي جنوباً خمسة عشر ميلاً.
وقرقوذي بلد حسن في رأس جبل من أمنع قلل الجبال وله أرض طيبة زكية وزراعات فاخرة نامية.
وبين أرضها والوادي الملح قريب وهو في الشرق منها وهذا النهر الملح أصله ومنبعه يخرج من شعراء نزار التي فوق جفلة وبينهما وبين جفلة ميل ونصف وينزل جنوباً أمام جفلة وبينها وبين الوادي ميل ويتصل بالحمة ويتصل من هناك بالرحل المسمى حراقة ويبقى الرحل عن يمين وبينه وبين الوادي رمية حجر وبين هذا الرحل والحمة ستة أميال وفي كل هذا هو حلو ثم يمر حتى يصل إلى أرض محكان ويبقى محكان يميناً ومن قبل هذا يجري الوادي على سباخ فيملح ماؤه ويعود ملحاً ثم يتصل بغربي أرض قصرياني ويمر في شرقي قلعة النساء على بعد خمسة أميال إلى أرض الحجر المثقوب وبعدها منه ميلان وهي في شرقيه ثم يمر إلى شرقي قرقوذي كما قدمنا ذكره وبينهما نحو من تسعة أميال ثم ينعطف ماراً في عين المغرب فإذا قارب لنبياذة مر جنوباً فيصب في البحر ثم في لنبياذة وبينهما مقدار يسير.
ومن قرقوذي إلى بثيرة جنوباً اثنا عشر ميلاً على الجبل وعلى غير الجبل أربعة وعشرون ميلاً وقد مر ذكرها ومن بثيرة إلى لنبياذة تسعة عشر ميلاً وقد سبق ذكر لنبياذة في ذكر المدن البحرية وبين بثيرة وشلياطة اثنا عشر ميلاً شرقاً مع الشمال.
وشلياطة منزل في مستو من الأرض أنهارها جارية وزراعاتها نامية وخيراتها متدانية وغلاتها كثيرة ويتصل جري نهر العسل بغربي أرضها وبين شلياطة وإبلاطسة شمالاً عشرة أميال ومنها يخرج نهر العسل المذكور.
وإبلاطسة معقل حصين ذو أراض ممتدة ومزارع مباركة وله سوق مشهورة وفيها غلات كثيرة وأشجار وفواكه ومنها إلى قرقوذي غرباً نحو من خمسة عشر ميلاً وعن إبلاطسة أيضاً إلى الحجر المثقوب مثل ذلك والحجر المثقوب حصن حصين ومعقل مكين أطنابه ممتدة وأقاليمه معمورة ومياهه كثيرة. ومن الحجر المثقوب إلى قصرياني نحو من اثني عشر ميلاً وكذلك أيضاً من الحجر المثقوب إلى شلياطة خمسة وعشرون ميلاً وبين الحجر المثقوب وقلعة النساء غرباً مع شمال سبعة أميال.
وكذلك بين شلياطة وحصن الجنوب ويسمى قلعة الخنزارية عشرة أميال وهو حصن منيف! على شرف جبل منيع أرضه صالحة الزراعة شاسعة الذراعة وبها العسل كثير وبين الخنزارية ورغوص خمسة وعشرون ميلاً.
ورغوص منزل حسن وثيق البنيان سامي العلو حصين منيع على نهر يعرف بها وبينها وبين البحر اثنا عشر ميلاً وبين رغوص المذكورة وشكلة اثنا عشر ميلاً شرقاً وبين شكلة وموذقة ثمانية أميال ومن رغوص إلى موذقة خمسة أميال وهي منها شمالاً.
وموذقة بين جبال منيعة وبها خيرات وفوائد وغلات وبين موذقة وقلعة أبي شامة شمالاً ستة عشر ميلاً وبين أبي شامة ورغوص خمسة عشر ميلاً جنوباً وبين قلعة أبي شامة ولنتيني أربعة وعشرون ميلاً.

وقلعة أبي شامة معقل يركن إليه ويعول عليه والشعراء متصلة به ويتفجر من جباله نهر الأروا ونهر بنتارغة ونهر بنتارغة يصب في مينا سقوسة ونهر الأروا يصب في البحر مع ركن الجزيرة في جهة الجنوب وبين لثتيني وبزيني خمسة وعشرون ميلاً في جهة الغرب مع الجنوب وكذلك من رغوص إلى بزيني عشرون ميلاً وبين شلياطة أيضاً وبزيني خمسة وعشرون ميلاً. وبزيني في سفح جبل ولها مزارع وأرض حسنة وينفجر من جبلها واديان فينصبان ثم يجتمعان على بعد منها ثم يشقان الجبال ويمران في أصل الشعراء إلى البحر ويسمى هذا الوادي وادي أكريلوا وبين بزيني أيضاً وأبي شامة خمسة عشر ميلاً وبين أبي شامة ونوطس ثلاثون ميلاً وبين نوطس والبحر من جهة مالطة عشرون ميلاً وكذلك بين نوطس وبنتارغة تسعة عشر ميلاً.
وبنتارغة قد أحدقت بها جبال سرقوسة ونهرها المسمى بها يخرج من قلعة أبي شامة كما قدمنا ذكره وبين بنتارغة وسرقوسة شرقاً تسعة عشر ميلاً وبين بنتارغة ولنتيني اثنا عشر ميلاً مع تغريب وبين لنتيني وقلعة ميناو غرباً مع جنوب أربعة وعشرون ميلاً.
وميناو قلعة حسنة بين جبال بزيني دارة الينابيع كثيرة المزارع كثيرة الفواكه والألبان وأرضها طيبة التربة وبين ميناو وبزيني أربعة عشر ميلاً جنوباً ومن ميناو إلى قلعة الخنزارية عشرة أميال غرباً ومن ميناو إلى قلعة الفار ثلاثة أميال شمالاً وبين ميناو ومنزل ملجأ خليل تسعة أميال.
ومنزل ملجأ خليل منزل كثير العمارة متصل الزراعة والجبل منها في جهة الجنوب ونهرها يخرج منه ويسمى وادي بوكريط وبين منزل أبي خليل وقلعة الخنزارية تسعة أميال جنوباً وبين منزل خليل وقصرياني أربعة وعشرون ميلاً ومن ميناو في جهة الشرق محققاً إلى بكير ثمانية عشر ميلاً على طريق الجبل.
وبكير منزل في مستو من الأرض عامر المحلة جليل الغلة سامي الوصف كثير الفواكه ويتصل بالصنوبر المعروف بالبنيط من جهة الغرب ومن بكير إلى لنتيني شمالاً عشرون ميلاً ومن بكير إلى أبي شامة جنوباً سبعة أميال وأرضهما مختلطة متصلة.
ومن قصرياني إلى إبلاطسة جنوباً عشرون ميلاً وإبلاطسة حصن بين قلعة الخنزارية وقلعة الحجر المثقوب وبين إبلاطسة والحجر المثقوب أربعة عشر ميلاً وكذلك بين إبلاطسة والشلياطة جنوباً اثنا عشر ميلاً وبين منزل خليل وباترنو عشرون ميلاً وبين أبي شامة وبلنسول ميلان ومن بلنسول إلى قيري اثنان وعشرون ميلاً ومن إبلاطسة إلى أيذوني تسعة أميال شمالاً.
ويخرج من أيذوني وادي رنبلو فيمر مشرقاً ويجتمع مع وادي بوكريط المتقدم ذكره فيمران معاً فيجتمعان مع وادي الطين على ثمانية أميال من مجتمع الواديين ويمر الكل حتى يصل قرب البحر فيجتمع مع وادي موسى فتصير هذه الأودية شيئاً واحداً فتصب في البحر.
وبين أيذوني وقصرياني خمسة عشر ميلاً بين غرب وشمال وكذلك من أيذوني إلى ملجأ خليل نحو من عشرة أميال ومن قصرياني مع الشمال إلى طابس عشرة أميال.
وطابس حصن جليل ومعقل عال ذو مزارع ومياه وماء وادي الطين يخرج من أرضها ويمر شرقاً إلى أن يقع في وادي موسى بمقربة من البحر. وكذلك من طابس إلى جوذقة اثنا عشر ميلاً شرقاً ومن أيذوني إلى جوذقة أيضاً اثنا عشر ميلاً شمالاً.
وجوذقة منزل كبير وبه بشر كثير مزارعه ممتدة وغلاته كثيرة مفيدة ومن جوذقة إلى ملجأ خليل جنوباً ثلاثة عشر ميلاً ومن طابس مع الشمال إلى شنت فيلب أحد عشر ميلاً ومن شنت فيلب إلى شنتورب خمسة عشر ميلاً.
وشنتورب محل حسن كثير الفوائد والغلات ممتد الأرجاء والجهات عامرة أرضه شاسع طوله وعرضه وهو من شنت فيلب في عين الشرق.
وشنت فيلب موضعها من أحسن المواضع وأشرفها بقعة وأكثرها غلة ومنفعة وبين شنتورب وأذرنو ثلاثة عشر ميلاً شمالاً وفوق أذرنو مجتمع نهر طرجينس ونهر جرامي ونهر القيسي وغيرها.
وأذرنو منزل حسن كالمدينة الصغيرة في شرف حجري وبه سوق وحمام ورقة حسنة ومياهها كثيرة وهي في ذيل جبل النار من جهة الجنوب. ومن أذرنو على سفح الجبل إلى بطرنو ستة أميال.
وبطرنو معقل مانع وحصن كثير المنافع مزارعه كثيرة وبه فواكه وكروم وجنات وهو حصن حسن مطل على أرضين ومنه إلى نسطاسية سبعة أميال بين شرق وجنوب.

وبين نسطاسيه والبحر اثنا عشر ميلاً وبين نسطاسية ولنتيني جنوباً تسعة عشر ميلاً وبين نسطاسية ووادي موسى ميلان ونصف.
ونهر موسى يجتمع من مياه أربعة أحدها وادي جرامي وهو يخرج من جبال القيسي والأصل الثاني من جبالها أيضاً ومن جناتها فأما وادي جرامي فإنه يمر من الجبلين ميلين ونصفا فيلتقي مع صاحبه فيمران معاً إلى أن يوافي جرامي وبين مجتمع الواديين وجرامي نحو من ستة أميال ويتجاوز إلى تحت جرامي حيث المطاحن وتبقى جرامي منهما في الشرق وبين جرامي والوادي المذكور ميل واحد وبين ملتقى العنصرين وحجر سارلو ثمانية أميال فيقع فيه هناك نهر النيقشين وبين النيقشين ونهر جرامي ميل كبير ومن هناك ينزل الوادي بجملته إلى ما بين شنت فيلب وغليانة فتبقى غليانة في شرقي الوادي بينها وبينه ميل ونصف وتبقى شنت فيلب في الغربي من الوادي بينها وبينه نصف ميل وينزل الوادي المذكور إلى إنتر نستيري بين أذرنو وشنتورب وتبقى أذرنو في الشرق من الوادي بينها وبينه ميل وتبقى شنتورب في الغربي منه بينهما ميل ونصف وتجتمع في المكان المذكور مع وادي موسى ومع الوادي النازل من طرجينس ووادي يلية ووادي أنبلة.
ومن طرجينس إلى ملتقى الأنهار المذكورة ثمانية أميال ومن يلية إلى ملتقى الأنهار أربعة أميال ومن أنبلة إلى المكان أيضاً حيث ملتقى الأودية خمسة أميال ويصير جميع الأودية كلها واحداً ثم ينزل إلى الجرطة وتبقى بطرنو وشنت نسطاسية في الشرق وبين بطرنو والوادي نصف ميل ويبقى بين شنت نسطاسية ووادي موسى ميلان ويجتمع نهر موسى ونهر وادي الطين وادي رنبلو ووادي كريط على مقربة من البحر فيصب في البحر.
ولنرجع الآن فنقول إن من بيقوا إلى بثرانة تسعة أميال ومن بثرانة إلى سقلافية خمسة أميال ومن سقلافية إلى قلعة أبي ثور شرقاً ستة أميال.
وقلعة إلى أبي ثور حصن مانع عامر ذو مزارع صادقة وغلات قائمة.
ومنه إلى بولس جنوباً خمسة أميال وهو حصن في ذروة مطلة أجمل محلة وله مزارع وأرضون طيبة ومن بولس إلى بطرلية شرقاً ستة أميال.
وبطرلية حصن شريف ومعقل منيف مزارعه متصلة الأطناب كثيرة الخيرات وبه سوق وقلعة كسائر أسواق المدن الكبار ومن بطرلية إلى مقارة ثمانية أميال وهو حصن عامر الديار كثير المزارع كثير المنافع.
ومنه إلى حصن إسبرلنكة عشرة أميال جنوباً وهو منزل كبير شامل لكل خير ذو أرض وزروع وعمارات واسعة التذريع ون إسبرلنكة إلى قمراطة ثلاثة وعشرون ميلاً وقد ذكرنا قمراطة فيما صدر من الذكر ومن إسبرلنكة إلى النيقشين شرقاً اثنا عشر ميلاً.
والنيقشين حصن حصين من أحسن الحصون له ربض مسكون وعمارات كثيرة متصلة ومزارع غير منفصلة ومن النيقشين إلى حصن طرجينس اثنا عشر ميلاً بين شمال وشرق وأيضاً إن طرجينس حصن ممدن وموطن مستوطن ومعقل مشرف على الجهات متصل المزارع والعمارات.
ومن طرجينس في جهة الغرب إلى جرامي ثمانية أميال وجرامي منزل ذو رقة مطلة عامر آهل المحلة زراعاته خصيبة ومياهه كثيرة عذبة ومن جرامي إلى قيسي تسعة أميال شمالاً.
وقيسي حصن كثير العمارة حصين القرارة ذو كروم كثيرة ونعم مشتملة غزيرة ومن قيسي إلى جاراس خمسة عشر ميلاً غرباً.
وجاراس كثير الفواكه عامر المزارع ربضه رحب وعماراته منتشرة وهو بين جبال شاهقة وأطراف متلاحقة وبين جاراس وبطرلية نحو من عشرة أميال ومن جاراس أيضاً إلى رقة باسيلي شمالاً تسعة أميال وهي رقة حسنة أرزاقها ممكنة وخيراتها شاملة وزراعتها طيبة نامية.
ومن رقة باسيلي إلى الحمار منزل في رأس جبل عشرة أميال غرباً وكذلك من جاراس إلى الحمار ثلاثة عشر ميلاً ومن الحمار إلى بولس ستة أميال بين غرب وجنوب.
ومن الحمار إلى قلعة الصراط تسعة أميال غرباً وهي قلعة على تل منيع ونشز رفيع كثيرة المياه والمزارع عليها جبل مطل منيف وبها كان الحصن أولاً وكان في نهاية من الحصانة وغاية من الحماية وبه أغنام وأبقار فهدمه الملك المعظم رجار ونقله إلى المكان الذي به القلعة الآن.
ومن قلعة الصراط إلى جفلوذي على البحر ثمانية أميال وبينهما حصن قرطيرش وهو حصن صغير وبه خير كثير ومن قلعة الصراط إلى ثرمة الساحليه خمسة عشر ميلاً غرباً مع ميل إلى الشمال وكذلك من رقة باسيلي إلى طزعة السابق ذكرها عشرة أميال شمالاً.

ونرجع بالقول فنقول إن من طرجينس المقدم ذكرها إلى منياج عشرون ميلاً وهي تسمى غيران الدقيق وهي قرية عامرة في مستو من الأرض لها سوق وتجار وبها خصب كثير وخير شامل.
ومنياج في الركن الشمالي من الجبل المسمى بجبل النار وبينهما نحو من خمسة أميال وهي على نهر يأتي إليها من نحو ثلاثة أميال وعليه أرحاء عامرة ومن منياج إلى أذرنو والطريق مع وادي موسى عشرون ميلاً وقد ذكرنا أذرنو فيما مضى ومن منياج شرقاً إلى الرنداج عشرة أميال.
والرنداج في حضيض الجبل المذكور وهي قرية كالمدينة الصغيرة عامرة السوق بالتجار والصناع وبها من الخشب كثير ومنها يحمل إلى كثير من الجهات ومن الرنداج إلى قسطلون عشرون ميلاً، وبينهما حصن كالمنزل صغير يسمى المد.
وحصن قسطلون عالي الرقعة كثير المنعة عامر آهل ذو أسواق وبيع وشراء ومنه إلى قرية مصقلة في الركن البحري من الجبال وهي قرية عامرة بأهلها في ربوة جبل عال والمياه تخترق وسطها ومنها إلى الطبرمين على الساحل ستة أميال وبينهما النهر البارد ومخرجه من جبال شامخة في غربي منياج فيمر مشرقاً لا ينثني إلى أن يرد البحر وطول جريته من أوله إلى آخره ثمانون ميلاً. ومن الرنداج إلى منت البان عشرون ميلاً وهي قلعة بين جبال شامخة صعبة النزول منها والإرتقاء إليها وما مثلها مواشي وعسولاً وخيراً كثيراً.
ومن منت البان إلى منجبة ومنها إلى غلاط غرباً عشرة أميال وهو معقل منيع بين جبال شامخة وهو آهل عامر وله مزارع ومواش ويزرعون على السقي الكتان الكثير.
ومنه إلى كنيسة شنت ماركو سبعة أميال بين غرب وشمال ومن شنت ماركو إلى فيلادنت خمسة أميال ومن فيلادنت إلى القارونية أربعة عشر ميلاً.
والقارونية حصن على شرف جبل مطل على البحر وبهذا الحصن مصائد للحوت المسمى التن وله كروم وعمارات ومنه إلى قلعة القوارب تسعة أميال وبين القلعة والبحر ميلان ومن قلعة القوارب إلى مرسى طزعة سبعة أميال ومن طزعة إلى جفلوذى اثنا عشر ميلاً.
ونرجع فنقول إن من مسينى إلى قلعة رمطة تسعة أميال ومن قلعة رمطة إلى منت دفرت أربعة أميال جنوباً ومن منت دفرت إلى ميلاص خمسة عشر ميلاً شمالاً ومن منت دفرت إلى ميقش جنوباً خمسة عشر ميلاً وميقش موضعها بين مسينى وطبرمين وطريقها طريق صعب.
وكذلك من لوغاري إلى بربلس خمسة عشر ميلاً بين غرب وشمال ومن منت دفرت إلى بربلس عشرون ميلاً غربا.
وبربلس قلعة حسنة البناء واسعة الأفناء لأهلها كسب وسعة حلال ومن بربلس إلى المد جنوباً خمسة أميال وعن بربلس إلى منت البان اثنا عشر ميلاً وكذلك من منت البان إلى المد عشرة أميال.
وهاهنا تم ذكر صقلية وليس يدرى على قرار الأرض جزيرة في بحر بأكثر منها بلاداً ولا أعمر منها قطراً وبقي لنا أن نصف مراسيها مرسى مرسى وأميالها ومراحلها بحول الله تعالى فنتقول: إن من المدينة المسماة بلرم إلى برقة على التقوير خمسة أميال ومن برقة إلى مرسى الطين خمسة أميال ومن مرسى الطين إلى غالة ميلان ومنه إلى الجزيرة أربعة أميال إلى مرسى قرينش ستة أميال ومنه إلى القرطيل الذي تحت جنش ثلاثة أميال ومنه إلى ساقية جنش ثلاثة أميال ومنها إلى القرطيل الذي بينها وبين برطنيق ثلاثة أميال ومنه إلى الشط الذي تحت برطنيق ميل ونصف ومنه إلى وادي قلعة أوبي خمسة أميال ومنه إلى وادي المدارج ربع ميل ومن المدارج إلى جبل شنت بيطو اثنا عشر ميلاً.
ومنه إلى طرابنش خمسة وعشرون ميلاً ومن طرابنش إلى مرسى علي خمسة وعشرون ميلاً ومن مرسى علي إلى الرأس الذي بينه وبين مازر اثنا عشر ميلاً ومن مازر إلى رأس البلاط ستة أميال ومن رأس البلاط إلى عيون عباس ستة أميال ومن عيون عباس إلى الأصنام أربعة أميال ومن الأصنام إلى ترسة أبي ثور ستة أميال ومنها إلى وادي القارب ستة أميال ومن وادي القارب إلى أنف النسر ستة أميال.

ومن أنف النسر إلى الشاقة ستة أميال ومن الشاقة إلى وادي البو ثمانية أميال ومن وادي البو إلى أنف النسر نهر أبلاطنو تسعة أميال ومن أنف النسر إلى ترسة عباد ستة أميال ومن ترسة عباد إلى الأختين تسعة أميال ومن الأختين إلى كركنت تسعة أميال ومن كركنت إلى وادي الزكوجي ثلاثة أميال ومن وادي الزكوجي إلى حجر ابن الفتى تسعة أميال ومن حجر ابن الفتى إلى بسوارية ثمانية عشر ميلاً ومن بسوارية إلى الملاحة ثلاثة أميال ومن الملاحة إلى الإنبياذة ثلاثة أميال.
وبن الإنبياذة إلى الوادي الملح ميل ومن الوادي الملح إلى مرسى الشلوق ثمانية أميال ومنه إلى مرسى بثيرة ثمانية أميال ومنه إلى وادي السواري اثنا عشر ميلاً ومن وادي السواري إلى وادي إغريقو اثنا عشر ميلاً ومنه إلى جزيرة الحمام اثنا عشر ميلاً ومنها إلى كرني سبعة أميال ومنها إلى وادي رغوص اثنا عشر ميلاً ومن وادي رغوص إلى جرف الطفل أربعة أميال ومن جرف الطفل إلى مرسى شكلة أربعة أميال ومنه إلى غدير الشرشور ميلان ومن غدير الشرشور إلى مرسى الدرامن أربعة أميال ومنه إلى مرسى الشجرة ميل.
ومن مرسى الشجرة إلى جزيرة الكراث ثلاثة أميال ومنه إلى مرسى البوالص ثلاثة أميال ومنه إلى جزيرة الجرمان ثمانية أميال ومن جزيرة الجرمان إلى كرم الرنبوح ثلاثة أميال ثم إلى قرطيل باشنو ثلاثة أميال ومن قرطيل باشنو إلى دخلة القصاع ستة أميال ومن دخلة القصاع إلى مرسى الحمام ستة أميال ومن مرسى الحمام إلى دخلة ابن دكني ستة أميال ومنه إلى القاطة ستة أميال.
ومنه إلى وادي قسباري اثنا عشر ميلاً إلى مرسى الحذاق ستة أميال إلى الأنكنة ستة أميال إلى أنف الخنزير ثمانية أميال إلى سرقوسة ستة أميال ثم إلى خندق الغريق ستة أميال ثم إلى جزيرة مسمار أربعة أميال ثم إلى أكسيفوا أربعة أميال إلى رأس الصليبة ستة أميال إلى وادي زيدون ستة أميال إلى الركن ستة أميال إلى وادي لنتيني ثلاثة أميال إلى وادي موسى ثلاثة أميال إلى قطانية ستة أميال إلى الأنكنة ثلاثة أميال إلى جزائر لياج ثلاثة أميال إلى وادي لياج ثلاثة أميال إلى شنت شقلى ستة أميال إلى عين القصب ثلاثة أميال إلى قرطيل مسقلة ثلاثة أميال إلى الوادي البارد تسعة أميال إلى القصوص ثلاثة أميال إلى الأنباصي خمسة أميال إلى الدرجة عشرة أميال إلى شنت بالمي خسة أميال الأجاصة ستة أميال إلى الدرجة الوسطى ستة أميال إلى عين السلطان ميلان إلى الدرجة الصغيرة ميلان إلى حجر أبي خليفة ثلاثة أميال إلى شنت اصطفين ثلاثة أميال ومن شنت اصطيفن إلى الثلاث كنائس سبعة أميال إلى مسينى ستة أميال.
ومن مسينى إلى الفارو اثنا عشر ميلاً إلى وادي عبود اثنا عشر ميلاً إلى ميلاص اثنا كشر ميلاً إلى الرأس ستة أميال ومن الرأس مع تقوير الجون إلى لبيري خمسة وعشرون ميلاً إلى رأس دنداري ثلاثة أميال إلى بقطس مع تقوير الجون أربعة أميال إلى رأس خلى ميلان إلى مرسى دالية أربعة أميال إلى جفلوذي الصغرى ثلاثة أميال إلى صعفه إلى علقمارة ستة وعشرون ميلاً إلى قارونية اثنا عشر ميلاً إلى قلعة القوارب ستة أميال إلى طزعة ستة أميال إلى أنف الكلب أربعة أميال ومع تقوير الجون إلى جلفوذى ثمانية أميال إلى حجر عمار ميلان إلى الأنف الآخر أربعة أميال إلى الصخرة ستة أميال إلى وادي السواري ثلاثة أميال إلى وادي أبي رقاد ثلاثة أميال إلى في ثرمة ستة أميال إلى التربيعة ثلاثة أميال إلى الشبكة ثلاثة أميال إلى قرية الصبر ستة أميال إلى وادي الأمير على التقوير ميلان إلى المدينة ستة أميال.
فقد تكلمنا في هذا الجزء بما وجب وجزيرة صقلية مثلثة الشكل فالجهة الشرقية منها من مدينة مسينى إلى جزيرة الأرنب مائتا ميل ومن جزيرة الأرنب إلى أطرابنش أربع مائة ميل وخمسون ميلاً وهو الوجه الجنوبي والوجه الثالث من طرابنش إلى الحراش إلى الفارو مائتان وخمسون ميلاً وإلى هنا انتهى بنا القول.
نجز الجزء الثاني من الإقليم الرابع والحمد لله على ذلك ويتلوه الجزء الثالث منه إن شاء الله.
الجزء الثالث

إن هذا الجزء الثالث من الإقليم الرابع تضمن في حصته قطعة من البحر الشامي وفيه من الجزائر البحرية قرفس ولقاطة وثنو وجفلونية وجزيرة جاجنت وفي هذا الجزء أيضاً من البلاد الساحلية والبرية شنت فيمي وأتريية والماصة وتوجش وجراجي ونارطس وقليبلي وقشطرة وأذرنت وأبرندس ولج ولبلونة وبذرنت وجمارة وفاسكيو وبندسة وأذرنوبلي وياننة.
وقد وجب لنا الآن أن نتكلم في وصف ما ذكرنا بلداً بلداً وقطراً قطراً بحول الله فنقول إن هذا البحر المرسوم في هذا الجزء من الجانب الغربي عرضه ستة مجار كبار وذلك من ريو إلى قابس روسية.
وريو هذه مدينة من بلاد قلورية على ضفة المجاز إلى صقلية وبين ريو ومدينة مسينى من جزيرة صقلية سبعة أميال وذلك سعة المجاز بين المدينتين وريو مدينة صغيرة بها فواكه كثيرة وبقول وهي متحضرة ولها أسواق عامرة وحمامات وسورها من حجر وهو على نحر البحر في الضفة الشرقية من المجاز.
ومن مدينة ريو مع الساحل على رأس فلامة ستة أميال.
ومن ريو إلى برصانة جون كله جون برصانة وهو على رأس المجاز ومن فلامة إلى بثرة ثلاثة أميال ومنه إلى بنتد قطله في البر ثلاثة أميال ومن بثرة إلى وادي العسل ستة أميال ومن وادي العسل إلى طابلة وهي قرية ستة أميال.
ومن طابلة إلى رأس جفيرة اثنا عشر ميلاً ومن رأس جفيرة إلى بطرقوقة وهو واد جار ثلاثة أميال ومنه إلى برصانة ستة أميال وبرصانة منزل على جبل وله عمالة وأقاليم خصيبة ولأهلها مكاسب غنم وبقر وحروث متصلة وجبايات قائمة.
ومن برصانة إلى وادي جراجي اثنا عشر ميلاً وعلى هذا الوادي مدينة جراجي وهي مدينة حسنة كبيرة ذات عمارات وزروع وكروم.
ومن وادي جراجي إلى وادي الأنة وهو وادي يجري من استيلو أربعة وعشرون ميلاً ومن الأنة إلى بحلاية وهو واد عليه الأرحاء اثنا عشر ميلاً ومنه إلى اسجلاسة وهو واد تدخله المراكب ستة عشر ميلاً ومنه إلى وادي طاجنو اثنا عشر ميلاً ومنه إلى وادي سلميرة اثنا عشر ميلاً ومن سلميرة إلى أوسلة ستة أميال وهي جزيرة لطيفة ومنها إلى قرط مارية وهو مرسى كبير فيه إسقالات نابتة في البحر ستة أميال ومن قرط مارية إلى أفلومية السواري وهي من البنيان الأول ستة أميال ومنها إلى مدينة قطرونة وهو مرسي ومدينة أولية قديمة البناء حسنة القطر عامرة آهلة عشرة أميال ومن قطرونة إلى مرسى وادي شبيرينة اثنا عشر ميلاً وهو مرسى يكن من الريح الثلاث ومنه إلى رأس اليجة أربعة وعشرون ميلاً ومن اليجة إلى الكنيسة التي على رأس أبراقنة اثنا عشر ميلاً ومنها إلى رسيانة الوادي الكبير اثنا عشر ميلاً ومن الوادي الكبير إلى شنت روشيت اثنا عشر ميلاً ومنها إلى صخرة سكن اثنا عشر ميلاً وهذه الصخرة كانت الحد بين الإفرنجيين والأنكبرذين. ومن الصخرة إلى وادي سكتة ستة أميال وهو نهر تدخله المراكب جيد للإرساء ومن هذا الوادي إلى وادي أبراطنة أربعة وعشرون ميلاً وعلى هذا الوادي والجبال المحيطة به ينبت الصنوبر الكثير ويعمل هناك منه القطران والزفت ويحمل إلى كثير من الآفاق.
ومن وادي أبراطنة إلى وادي أكرة ستة أميال ومنه إلى نهر الموجن ثمانية عشر ميلاً إلى وادي أبراغنة ثلاثة أميال ومنه إلى وادي لاطس خمسة عشر ميلاً ومنه إلى وادي لمنة ثلاثة أميال ومنه إلى الوادي المعوج ستة أميال ومنه إلى وادي مطاحن طارنت ثلاثة أميال ومنه إلى طارنت ستة أميال. ومدينة طارنت مدينة كبيرة قديمة أزلية حسنة البناء المباني والديار كثيرة التجار والسفار توسق منها السفن وتقصدها الرفاق وهي ذات متاجر وأموال طائلة وبهذه المدينة مرسى في غربي المدينة فيه بحر حي وفي شرقي هذه المدينة مع شمالها بحيرة تدويرها من القنطرة إلى أن تعود إلى باب المدينة اثنا عشر ميلاً وهذه القنطرة بين البحر الحي والبحيرة وطول هذه القنطرة من باب طارنت مما يلي دبور القبلة إلى البر ثلاث مائة ذراع وعرضها خمسة عشر ذراعاً وفي هذه القنطرة منافس تفرغ من البحر إلى البحيرة ومن البحيرة إلى البحر في الليل مرتين وفي النهار مرتين وتفرغ في هذه البحيرة ثلاثة أودية وعمق هذه البحيرة من ثلاثين قامة إلى خمس عشرة قامة إلى عشر قيم وهذه المدينة يحيط بها البحر الحي والبحيرة من كل الجهات خلا الوجه الواحد مما يلي الشمال.

ومن مدينة طارنت مشرقاً إلى اصطورة وهو واد ترسى فيه المراكب اثنا عشر ميلاً ومنه إلى وادي أقلوية ثلاثة أميال ومنه إلى مرسى قيطولقة وفيه عين اثنا عشر ميلاً ومنها إلى مرسى مجلود وهو مرسى كبير يكن من كل ريح وحوله أحساء وآبار اثنا عشر ميلاً ومنه إلى مرسى نوذرس ويروي نارطس وهو مرسى صغير ثلاثة أميال.
وبين نوذرس هذه والبحر أربعة أميال ومنه إلى طراجة وهو مرسى حسن فيه ماء طيب كثير اثنا عشر ميلاً ومن الطراجة إلى مدينة قليبلي ستة أميال.
ومدينة قليبلي مدينة كبيرة قديمة عامرة وهي في بقعة من الأرض والبحر يحيط بتلك البقعة كأنها جزيرة ومنها إلى أنبانة وهو مرسى فيه عين ماء عذبة خمسة عشر ميلاً ومنه إلى ليغة خمسة عشر ميلاً وليغة قرطيل داخل في البحر.
وقي هذا المرسى عينا ماء عذب ومنه إلى قاشطرة عشرة أميال وهي مدينة صغيرة على نحر البحر ومنها إلى مدينة روث مرت عادلاً في البرية اثنا عشر ميلاً ومنها إلى سليت ثلاثة أميال ومنه إلى مدينة لج ستة وعشرون ميلاً ومنها إلى مدينة أذرنتو عشرون ميلاً.
ومدينة أذرنتو مدينة قديمة الآثار كثيرة السكان والعمار فيها أسواق عامرة وتجارات دائرة والبحر قد أحاط بسورها من جميع جهاتها الثلاث وتتصل من جهة الشمال بالبر ولها واد يأتي من الشمال فيجتاز على بابها ويمر مع جون البنادقة إلى مدينة أبرنطس وتروى أبرندس وبينهما أربعون ميلاً فيصب بها وأهل أبرندس أنكبرذيون وكانت من عمالة صاحب القسطنطينة.
ومدينة أذرنتو هي على رأس المجاز بين بحر الشام وبحر البنادقين من جهة المغرب ومنها في البحر إلى مدينة أدراست سبعون ميلاً.
وأدراست مدينة كبيرة عامرة كثيرة الخيرات ذات أسواق كثيرة وتجارات وأحوال واسعة وهي على ضفة البحر من المجاز في الجهة الشرقية ومن أدراست إلى مدينة لبلونة وهي على بحر البنادقة مائة ميل وخمسة وعشرون ميلاً مع تقوير الجون.
ومن لبلونة إلى جمارة مائة ميل مع دور القرطيل واسم جمارة بالرومية بدنتو ومنها إلى بترنتو أربعون ميلاً وبترنتو مدينة صغيرة متحضرة ذات أسواق وعمارة.
وجمارة مدينة كبيرة عامرة ومن جمارة أيضاً مع الساحل إلى مدينة فاسكيو ستون ميلاً وفاسكيو مدينة متوسطة ولها من الجانب الشرقي خليج صغير كالذراع تدخله المراكب على فم ضيق.
ومن فاسكيو إلى مدينة بندسة ثلاثون ميلاً وعلى التخلية عشرون ميلاً وبندسة مدينة متوسطة عامرة ذات سور وسوق وبيع وشراء ومنها إلى نبغتو مائة ميل وخمسون ميلاً ويلي جمارة في البحر جزيرة ثنو وبينهما ثلاثون ميلاً وهي جزيرة حسنة فيها مرسى ومحتطب.
ويلي هذه الجزيرة مع الغرب ومحرف جنوب قرفس وهي جزيرة كبيرة طولها مائة ميل وبها مدينة عامرة خصيبة حصينة على قنة منيعة ولأهلها عدة وامتناع ممن ناواهم.
وبين جزيرة قرفس وجزيرة ثنو ثلاثون ميلاً وبين قرفس ومدينة أذرنتو السابق ذكرها تسعون ميلاً وهو مجرى وكذلك من قرفس إلى لبونة مجرى. ومن الجزائر التي في هذه الجهة جفلونية وهي من قرفس شرقاً ودور جفلونية مائتا ميل وهي عامرة وبها مدينة ومن جفلونية إلى جزيرة جاجنت خمسون ميلاً وهي جزيرة عامرة دورها ثمانون ميلاً.
ومن جفلونية مع الشمال إلى جزيرة لقاطة أربعون ميلاً وهي جزيرة مثلثة الشكل في طول كل وجه منها عشرون ميلاً وقد أكملنا ذكر هذا الجزء بما فيه والحمد لله على ذلك.
نجز الجزء الثالث من الإقليم الرابع والحمد لله يتلوه الجزء الرابع منه إن شاء الله.
الجزء الرابع.
إن الذي تضمن هذا الجزء الرابع من الإقليم الرابع قطعة من البحر الشامي فيه أعداد جزائر من جزائر الرمانية وجزيرة بلبونس العظمى.
وهي جزيرة يحيط بها البحر ألف ميل وليس لها منفذ إلى البر إلا فم ضيق مقداره ستة أميال وقد كان أحد القياصرة من الروم بنى عليه سوراً طوله هذه المسافة وهي ستة أميال وفي هذه الجزيرة ثلاثة عشر مدينة قواعد مشهورة مذكورة ومن القلاع الحصينة عدد كثير وقرى وعمارات.
وفي هذا الجزء من البحر جزيرة أقريطش وهي من أكبر الجزائر البحرية في بحر الشامي وفيه من الجزائر الصغار ثمانية وعشرون جزيرة بين عامرة وغامرة بل أكرها عامر وها نحن واصفون لها حالاً حالاً وفصلاً فصلاً والعون بالله.

فنقول إن من مدينة بندسة إلى مدينة نبغطو مائة وخمسون ميلاً وأما على الساحل فمن مدينة فسكيو المتقدم ذكرها إلى الوادي الملح ستة أميال وعلى هذا الوادي مدينة بندسة المتقدم ذكرها وبينها وبين البحر ثلاثة أميال ومن موقع النهر الملح إلى النهر الحلو وهو مرسى كبير عليه عيون عذبة أربعة وعشرون ميلاً.
ومن النهر الحلو إلى مرسى الشجر وهو مرسى كبير مكن الرياح الثلاثة أربعة وعشرون ميلاً ومنها إلى مرسى اللقاطة اثنا عشر ميلاً وهو مرسى كبير وفيه مياه عذبة ومنه إلى الميرة وهو برج على فم مرسى ضيق، يسمى فم الصباغين، والمرسى بينهما داخل ثلاثة أميال.
وداخل هذا المرسى طويل مشع وعليه قرى ومدن منها نبغطو وهذا الذراع ينتهي إلى فم جزيرة بلبونس ومن طرفه إلى طرف آخر يقابله من الناحية الثانية ومسافة ما بينهما ستة أميال كما وصفناه وهذه ستة الأميال هي فم جزيرة بلبونس التي نأتي بذكرها بعد هذا بحول الله تعالى.
ومن المبرة التي سبق ذكرها مساحلاً مطيفاً بالجزيرة الكبيرة المسماة بلبونس إلى قرطيل جزيرة لاقاطة التي رسمناها في الجزء الذي قبل هذا وبينهما ثلاثون ميلاً.
ومدينة نبغطو على ساحل هذا الذراع من جهة الشمال وهي مدينة في سند جبل ويقابلها من داخل جزيرة بلبونس مدينة قورنت مع الشرق قليلاً وبينهما قطع رؤسية خمسة وثلاثون ميلاً ومع نبغطو في الساحل في البر الكبير على قرب الذراع مدينة أستيبه وبينهما خمسة وسبعون ميلاً وتروى أستيبس وأستيفس أيضاً.
ومن أستيبس إلى مدينة قورنت من أرض جزيرة بلبونس مع تدوير الجون تسعون ميلاً وأستيبس بلد مرتفع عن البحر قدر ستة أميال.
وأما مدينة قورنت فمدينة كبيرة عامرة وهي على نحر البحر تقارب المضيق بينها وبينها ثلاثون ميلاً وجزيرة بلبونس كما قدمنا دورها ألف ميل وهي تتصل بالبر وسعة فم المضيق الذي هو مدخل الجزيرة ستة أميال.
وأما البلاد التي في ساحل الجزيرة من داخلها فأولها مدينة قورنت وقد ذكرناها ومن مدينة قورنت إلى براس خمسة وعشرون ميلاً ومن براس إلى حطبناس ثمانية عشر ميلاً ومنه إلى باصنة وهذا مرسى كبير وقلعة كبيرة أربعون ميلاً ومنه إلى مرية وهو قرطيل عليه كنيسة ثلاثة عشر ميلاً.
ومنها إلى أربة حبلانه وهي مدينة متحضرة على مسقط واد اثنا عشر ميلاً ومنها إلى مدينة بند فمالص ستة أميال وهنا رأس إستلارة.
ومنها إلى قرنة وهي مدينة صغيرة لها قلعة مطلة على البحر ثمانية عشر ميلاً ومنها إلى مرسى أبروذه ستون ميلاً وهو ستون ميلاً وهو مرسى كبير مكن.
ومنها إلى مثونية اثنا عشر ميلاً ومثونية قلعة كبيرة على البحر ولها ربض عامر ومنها إلى أكرونية وهي أيضاً مدينة على البحر أربعون ميلاً.
ومن أكرونية إلى مانية عشرون ميلاً وهي قرية على البحر عامرة بها سوق عامرة وصنائع قائمة ومنها إلى ميلية أربعة وعشرون ميلاً وميلية قلعة كبيرة على البحر وعليها سور منيع وبها تجارات وسوق عامرة.
ومنها إلى لكذمونه وهي مدينة ستة وخمسون ميلاً ومنها إلى ( - ) سبعون ميلاً. ومنها إلى منياصة عشرون ميلاً ومنياصة هذه مدينة حصينة مطلة على جبل بساحل البحر يرى منها في مدة الصفاء جبال جزيرة أقريطش وبينهما مجرى صغير.
ومن منياصة إلى مرسى بتولية ثلاثون ميلاً ومنه إلى انت جريص ثلاثون ميلاً ومن أنت جريص إلى أفصميله ستون ميلاً ومن أفصميله إلى قورنت مائة ميل ومنها إلى الرأس مائة ميل.
ومن الرأس إلى الرأس ستة أميال كما وصفناه ودور هذه الجزيرة ألف ميل وبها ثلاثة عشر مدينة عامرة كلها وكلها قواعد ذوات أسواق عامرة دائمة وأما قلاعها وقراها فكثيرة جداً ولهم مراكب حمالة وليس لهم في البر منفذ إلا هذه الستة الأميال التي تجر فيها المراكب فمن أراد الجواز باختصار إلى القسطنطينة جر مركبه هذه الستة الأميال التي تجر فيها المراكب فمن أراد الجواز دار ألف ميل في البحر وذلك عشرة مجار مائة ميل في كل مجرى ومن جزيرة بلبونس إلى جزيرة أقريطش ثمانون ميلاً وجزيرة أقريطش جزيرة عامرة كبيرة كثيرة الخصب وبها مدن عامرة.

وهي جزيرة طويلة عريضة طولها من المشرق إلى المغرب من رأس السيف إلى رأسها الآخر المقارن للمشرق ثلاث مائة ميل وخمسون ميلاً ومن الوجه الآخر مثل ذلك ثلاث مائة ميل وخمسون ميلاً وعرض رأس السيف مائة ميل والرأس الآخر عرضه مثل ذلك.
وكذلك من رأس السيف إلى رأس تينى ثلاثة مجار ويقال هي مجريان ونصف وهذا الخلاف بين القولين إنما يكون بحسب جري المراكب وسلس قطعها وقوة الريح أو ضعفها.
وجزيرة أقريطش جزيرة كبيرة كما قلناه وفيها من المدن مدينة الخندق وربض الجبن وبها معدن ذهب وأشجار وفواكه ويعمل بها جيد الجبن الذي يتجهز به إلى جميع النواحي ولا يعدله شيء من نوعه.
وفي أجبلها الوعول الكثيرة وطولها من المغرب إلى المشرق اثنا عشر يوماً في ستة أيام وبين آخر جزيرة أقريطش في الشرق إلى جزيرة قبرس أربعة مجار.
وأيضاً إن جزائر الرومانية التي تضمنها هذا الجزء منها جزيرة برنبله وهي جزيرة خالية بينها وبين رأس ملاصة من أرض بلبونس خمسون ميلاً وبينها أيضاً وبين جزيرة ميلو خمسة وعشرون ميلاً.
وجزيرة بلبونس منها غرباً وجزيرة ميلو منها شرقاً ومن جزيرة ميلو إلى جزيرة بوليو شرقاً وهي عامرة أربعة أميال ومن بوليو إلى جزيرة بلقنتر شرقاً ستة أميال وهي عامرة ومن جزيرة بلقنتر إلى نيو عشرة أميال.
ونيو جزيرة عامرة خصبة وبها مرسيان وبالقرب منها في جهة الشرق جزيرة أستبلاية وبينها عشرون ميلاً ودور أستبلاية اثنا عشر ميلاً وهي عامرة آهلة وفيها مكاسب أغنام وأبقار.
ومن استبلاية إلى شنت ريني أربعة وعشرون ميلاً وهي عامرة ومنها إلى رأس أقريطش الشمالي خمسون ميلاً وأيضاً من جزيرة بلبونس من رأس أسكليا ماراً بين جنوب وشرق إلى جزيرة أشكيلو مائة ميل وهي جزيرة عامرة وبها مدينة عامرة وهي مدينة حسنة ومن أشكيلو إلى جزيرة أبصره وهي خالية خمسون ميلاً شرقاً من أبصره إلى جزيرة خيو خمسة وتسعون ميلاً وهي جزيرة كبيرة كثيرة العمارة وفيها مدينة حسنة ومن جزيرة خيو إلى جزيرة صامو خمسة وثلاثون ميلاً وصامو جزيرة كبيرة كثيرة أشجار عامرة بالأغنام والأبقار وبها مدينة حسنة.
وهذه الجزيرة يجمع علك المصطكي كثيراً ويحمل منها إلى سائر الآفاق المتجاورة والمتباعدة وبها لحوم الصيد كثيرة جداً ومن جزيرة صامو إلى جزيرة لارو في جهة الشمال ثلاثون ميلاً.
وأيضاً فإن من رأس جزيرة بلبونس المسمى أسكليا إلى جزيرة أندره شرقاً اثنا عشر ميلاً وهي جزيرة عامرة آهلة.
ومنها بالمقابلة لرأس جزيرة أندره شرقاً جزيرة تسمى تينو وهي عامرة وبينها وبين أندره أربعة أميال ومنها إلى جزيرة ميكلا ثلاثة أميال.
وجزيرة ميكلا أكبر قطراً من جزيرة تينو وهي جبل عظيم عريض وطيء الأعلى عامر آهل وبه مدينة حسنة ومنها شرقاً إلى جزيرة ذيلو اثنا عشر ميلاً. وذيلوا جزيرة مدورة خالية لا عامر بها وبها مرسى ومنها إلى جزيرة نقسية أيضاً جنوباً ثلاثون ميلاً ونقسية جزيرة عامرة كبيرة وفيها روم يعمرونها بأغنامهم وأبقارهم ومنها إلى جزيرة نمرغو ثلاثون ميلاً وهي جزيرة عامرة كبيرة كثيرة البشر وفها كسب كثير.
ومنها شرقاً إلى جزيرة لارو أربعة أميال وجزيرة لارو عامرة كبيرة فيها قلعة ومنها إلى جزيرة قالمو أربعة أميال وهي جزيرة عامرة حسنة ولها مرسى حسن.
ومنها غرباً إلى جزيرة كوي عشرون ميلاً وهي جزيرة عامرة وبها إرساء وحط ومنها في الشرق جزيرة نيسلى وهي عامرة حسنة ولها مرسى مكن من جميع الرياح أربعة وعشرون ميلاً.
وبين جزيرة نيسل وجزيرة رودس مائة ميل ورودس تقابل في البر جون المقري ومن رودس إلى قبرس ثلاثة مجار وهي ثلاث مائة ميل وسنأتي بعد هذا بذكر قبرس وغيرها بعد هذا إن شاء الله تعالى.
نجز الجزء الرابع من الإقليم الرابع والحمد لله ويتلوه الجزء الخامس إن شاء الله.
الجزء الخامس.

إن هذا الجزء الخامس من الإقليم الرابع تضمن قطعة خامسة من البحر الشامي وفيه من الجزائر جزيرة رودس وجزيرة قبرس وبعض بلاد على الساحل الشمالي من بلاد الروم والمسلمين وفيه حيث انتهى صدر البحر الشامي وعليه من البلاد الشامية أنطرطوس واللاذقية وأنطاكية والمصيصة وآذنة وعين زربة وطرسوس وقرقوس وحمرتاش وأنطاكية المحرقة وأنطاكية المحدثة والباطرة والميرة وجون المقري وحصن استروبلي وفيه من البلاد الشامية البرية فامية وحصن سلمية وقنسرين والقسطل وحلب والرصافة والرقة والرافقة وباجروان والجسر ومنبج ومرعش وسروج وحران والرها والحدث وسميساط وملطية وحصن منصور وزبطرة وجرسون واللين والبذنذور وقوة وطولب وكل هذه البلاد يجب علينا أن نوضح أخبارها ونأتي بصفاتها وطرقاتها حسب ما تقدم لنا من القول فيما صدر بعون الله تعالى.
فنقول إن جزيرة قبرس جزيرة كبيرة القطر مقدارها ستة عشر يوماً وبها قرى ومزارع وجبال وأشجار وزروع ومواش وبها معادن الزاج المنسوب إليها ومنها يتجهز به إلى سائر الأقطار المتنائية والمتقاربة وبها من المدن ثلاث منها النميسون وهي بجنوب الجزيرة وهي مدينة حسنة فيها الأسواق والعمارات الكثيرة ومنها مدينة لفقسية وهي توسطة الوضع في الجزيرة ومنها مدينة كرينية وكلتاهما مدينتان حسنتان ذواتا أسواق وقصب وبهما معايش وصنائع وأرزاق واسعة والعسل بهما كثير موجود.
ومن جزيرة قبرس إلى مدينة أطرابلس الشام مجريان وكذلك من قبرس إلى جبلة مجرى ونصف وجزيرة قبرس على قدم الأيام رخاؤها شامل وخيرها كامل ومن شمال الجزيرة إلى أقرب بر منها حصن قرقوس ومنه تظهر جبال قبرس وهي أقرب براً إليها وبينهما نحو من سبعين ميلاً وبالشرق من هذه الجزيرة صدر البحر الشامي وحيث انتهاؤه في أرض الشام وعليه هناك بلاد تقدم ذكرها.
فمنها أنطرسوس وهي على ضفة البحر صغيرة القدر بها أسواق عامرة وتجارات دائرة ومنها إلى حصن المرقب وهو على جبل منحاز من كل ناحية وبين حصن المرقب وأنطرسوس ثماني أميال ومن حصن المرقب إلى مدينة بلنياس ثمانية أميال وبين بلنياس والبحر أربعة أميال وبلنياس مدينة صغيرة متحضرة بها من الفواكه والحبوب كل حسن كثير موجود ومن بلنياس إلى مدينة جبلة على البحر عشرة أميال وهي مدينة صغيرة حسنة عامرة كثيرة الخير وهي على واد جار.
ومنها إلى اللاذقية مدينة عامرة آهلة كثيرة الخصب والخيرات وهي على نحر البحر ولها ميناء حسنة ترسى بها المراكب والقوارب القاصدة إليها ومن اللاذقية إلى حصن الهربادة ثمانية عشر ميلاً والهربادة حصن عامر كثير الخصب فيه صنائع وعمارات ومن حصن الهربادة إلى حصن السويدية خمسة عشر ميلاً والسويدية على البحر وهي فرضة أنطاكية وبين أنطاكية والبحر اثنا عشر ميلاً وبالسويدية يقع نهر أنطاكية المسمى بالعاصي.
وأما أنطاكية فبلدة حسنة الموضع كريمة البقعة ليس بعد دمشق أنزه منها داخلاً وخارجاً كثيرة المياه منخرقة في أسواقها وطرقها وقصورها وسككها ولها سور دائر وبساتينها اثنا عشر ميلاً وعليها سور عجيب حصين منيع من حجر يحيط بها وبجبل مشرف عليها وفي داخل السور أرحاء وبساتين وجنات البقول وسائر المرافق وبها أسواق عامرة ومبان زاهرة وصناعات نافقة ومعاملات مرفقة وخير كثير وبركات ظاهرة ويعمل بها من الثياب المصمتة الجياد والعتابي والتستري والإصبهاني وما شاكلها.
وهي على نهرها المقلوب المسى بالأرنط ومخرجه من أرض دمشق مما يلي الطريق طريق البريد فيمر بحمص ثم يتصل بمدينتي حماة وشيزر ويأتي أنطاكية من جنوبها ثم ينعطف مع الجنوب فيمر وهو يجري مع الجنوب فيصب بجنوب السويدية في البحر الرومي.

ومن السويدية إلى جبل رأس الخنزير عشرون ميلاً وعلى هذا الجبل دير كبير وهو أول بلاد الأرمن وآخر بلاد الشام ومن هذا الحصن إلى حصن روسوس على نهر وهي تحت رأس الخنرير سواء عشرة أميال ومن حصن روسوس إلى حصن التينات خمسة عشر ميلاً وهو حصن منيع على شرف البحر فيه مقطع خشب الصنوبر الذي يحمل إلى سائر الأقطار الشامية ومنه إلى حصن المثقب ثمانية أميال وهو حصن حسن البقعة ومنه إلى جزيرة البصى وهي جزيرة تختلط بالبر عشرة أميال ومنها إلى حصن الملون خمسة عشر ميلاً ومنها إلى قرقوس خمسة وعشرون ميلاً وقرقوس حصن منيع على البحر ومنه إلى قرقوس ثلاثة عشر ميلاً ومن هذا الحصن تظهر مقطعات جزيرة قبرس.
ونرجع فنقول إن من مدينة أنطاكية إلى آذنة شمالاً ثلاث مراحل ومن أنطاكية أيضاً إلى إسكندرونة خمسة وأربعون ميلاً وهو حصن على ساحل البحر وبه نخيل وزروع كثيرة وغلات وخصب ومن إسكندرونة إلى بياس مرحلة خفيفة ومن بياس إلى المصيصة مرحلة فذلك من إسكندرونة إلى المصيصة أربعون ميلاً واسم المصيصة بالرومية مامسترا والمصيصة مدينتان على ضفتي نهر جيحان وبينهما قنطرة من حجارة واسم المدينة الواحدة المصيصة والأخرى كفربيا ولهما بساتين وزروع متصلة ونهرها جيحان يخرج من بلاد الروم حتى يصل المصيصة ثم رستاق حصن الملون فيقع في بحر الروم وبين المصيصة والبحر اثنا عشر ميلاً وبين المصيصة ومدينة عين زربة مرحلة وعين زربة بلد يشبه بلد الغور له ثمار كثيرة حسنة الجملة وافرة الخيرات.
وآذنة مدينة جليلة عامرة ذات أسواق وصناعات وصادر ووارد وهي على نهر سيحان وبغربيه ونهر سيحان في قدره دون نهر جيحان وعليه قنطرة عجيبة البنيان طويلة جداً ومخرج هذا النهر من بلاد الروم ومن آذنة إلى المصيصة مرحلة ومن المصيصة إلى عين زربة مرحلة ومن عين زربة إلى أنطاكية مرحلتان ومن آذنة في جهة الشمال إلى طرسوس مرحلة وطرسوس مدينة كبيرة لها سوران من حجارة وهي كثيرة المتاجر والعمارة والخصب الزائد وبينها وبين حد الروم جبال متشعبة من اللكام كالحاجز بين العملين وبين طرسوس والبحر اثنا عشر ميلاً وهناك حصن أولاش وهو فرضتها. ومن أولاش إلى سلوقية يومان ومن سلوقية إلى أنطاكية المحرقة أربعة أميال وهي مدينة قليلة العامر وكانت قبل مدينة عامرة آهلة كبيرة فخربت وعمرت أنطاكية الجديدة وبين المدينتين يومان وهي على جبل عال ومنها إلى مرسى ميناء المعطى وهو على ميناء حسنة ثمانية عشر ميلاً ومنه إلى جزيرتي الشذونيات يوم في البحر وهي ثلاثة وخمسون ميلاً وهما جزيرتان بينهما وبين البر عشرة أميال ومن جزائر الشذونيات إلى جون الفيلقة وطوله عشرون ميلاً وفي آخره يصب نهر عظيم وعليه حصن ضرسرا ومن آخر جون الفيلقة إلى الميرة ثلاثون ميلاً ومن هناك تدخل المراكب بين جبلين يسميان القيقب وطولهما عشرون ميلاً ومنها إلى مدينة الباطرة عشرون ميلاً وهي مدينة على البر ومنها إلى جون المقري وهو يقابل جزيرة رودس على التقوير مائتا ميل وقطعه روسية سبعون ميلاً ومن آخر جون المقري إلى مدينة استروبلي خمسون ميلاً على البحر وهي مدينة صغيرة متحضرة ومنها إلى رقة شنسيون مائة وعشرون ميلاً وهي على ذروة جبل عال مطل على البحر ومنها إلى شام خمسون ميلاً ومن شام إلى دير شورنت خمسون ميلاً وهو دير كبير وفيه عمار قسيسون ورهبان ومنه إلى مرسى بست اثنا عشر ميلاً ومنه إلى ماطلى مائة وعشرون ميلاً وماطلى حصن حصين في أعلى رأس جبل ترابي وبينه وبين البحر خمسة أميال والجون يعرف به ومن هذا الحصن إلى فم أبذه مائة ميل وهو المضيق ومنه إلى القسطنطينة مجريان.

ونرجع فنقول إن مدينة أنطاكية مدينة جليلة كما قدمنا ذكرها والطريق من أنطاكية إلى الرقة على حلب من أنطاكية إلى قنسرين أربعون ميلاً وقنسرين مدينة تنسب أعمالها إليها وقنسرين المدينة نفسها وكان عليها سور حصين فهدم في أيام قتل الحسين بن علي عن أمر يزيد بن معاوية وبقي الآن بها آثار من سورها ولها حصن منيع وبها أسواق وفعلة وهي على نهر قويق وقويق هو نهر حلب يصل في جريته إلى قنسرين ثم يغوص في الأجمة ومن قنسرين إلى حلب عشرون ميلاً وحلب هي دار الإمارة بقنسرين وهو بلد كثير الخلق على رصيف الطريق إلى العراق وبلاد فارس وخراسانات وعليها سور حجارة بيض ونهر قويق يجري على بابها وهو نهر صغير ليس بالكثير الماء ويدخل منه إلى البلد في قناة تجري في الشوارع والأسواق والديار ومنه يشرب أهل المدينة وبه يتصرفون ونهر قويق يخرج من قرية تدعى سيناب على ستة أميال من دابق ثم يصير إلى حلب ثمانية عشر ميلاً ثم يمر إلى مدينة قنسرين عشرين ميلاً ثم يمر إلى مرج الأحمر اثني عشر ميلاً ثم يغيض في الأجمة فمن مخرجه إلى مغيضه اثنان وأربعون ميلاً ولمدينة حلب في قصبتها عين ماء حسنة.
ومن حلب إلى الرقة طريقان أحدهما من حلب إلى الناعورة ثم إلى خساف ثم إلى بالس ثم إلى دوسر ومن الدوسر إلى الرقة والرقة واسطة ديار مضر ومقصد الوارد والصادر ومعقل التجارات وهي مدينة حسنة في شرقي الفرات وبها أسواق ومتاجر وصنائع وأهلها مياسير وهي قاعدة ديار مضر كما قدمناه وتسمى بالرومية بالأنيقوس ومن مدنها باجروان وحران والرها وسروج وسميساط ورأس عين وكفرتوثا وتل موزن والزاوي ونصيبين وأذرمة والرصافة.
والطريق من الرقة إلى حمص من الرقة إلى الرصافة أربعة وعشرون ميلاً والرصافة قصور بناها خلفاء بني أمية وحولها مساكن وقرى عامرة وبها أسواق فيها بيع وشراء وأخذ وإعطاء ومن الرصافة إلى المراغة أربعة وعشرون ميلاً والمراغة في طرف البادية وهو حصن عامر والعرب تسرح في أرضه ومن المراغة إلى القسطل ستة وثلاثون ميلاً ثم إلى سلمية ثلاثون ميلاً وسلمية على طرف البادية وهو حصن كالمدينة صغير عامر آهل ومن سلمية إلى حمص مرحلة وهي أربعة وعشرون ميلاً وقد ذكرنا حمص فيما سبق. ونقول أيضاً إن في هذا الجزء المرسوم معظم الفرات وهو النهر المشهور المحسوب في الأنهار الستة الكبار التي هي النيل والدجلة والفرات ومهران السند وجنجس الهند وبغنون الصين وجيحون خراسان ومخرج نهر الفرات من داخل بلاد الروم ومن حومة قزالة من جبال متصلة بقالى قلا ثم يمر في بلاد الروم ويمتد إلى كمخ ثم يسير منها إلى ملطية حتى يكون منها على ميلين ثم يمتد إلى سميساط فيحمل من هناك السفن والأطواف إلى إلى بغداد ثم يمتد من سميساط ماراً في جهة الجنوب مائلاً مع الشرق إلى ساحل جريان ثم إلى جسر سنجة ثم إلى الرافقة ويجتاز بالرقة وهي منه في الضفة الشرقية ويتصل بالمحمدية من غربها إلى الخانوقة إلى قرقيسيا وهناك مصب نهر الخابور إلى رحبة مالك إلى الدالية إلى عانة إلى هيت إلى الأنبار ومن هناك ينزل إلى نهر عيسى إلى بغداد وبغداد على ضفتي دجلة وباقي نهر الفرات يمتد من الرحبة مع ظهر البادية فيصل منه خليج إلى صرصر وخليج آخر إلى القصر وخليج ثالث إلى سورا وخليج رابع إلى الكوفة وتغوص هذه الخلجان وتتفرق في البطائح.
فأما مدينة ملطية فهي مدينة محصنة وكانت فيما سلف كبيرة غير أن الروم تغلبوا عليها مرات فغيروا محاسنها وسلبوا نعمها ومنها إلى سميساط أحد وخمسون ميلاً.
ومدينة سميساط على الفرات ولها قلعة حصينة وهي في شرقي اللكام مطلة على الفرات ويحتف بها جبال كثيرة فيها الجوز والكروم وسائر الثمار الشتوية والصيفية مباحة لا مالك لها.
وبين سميساط وملطية مدينة صغيرة تسمى حصن منصور وهي حسنة مشهورة ولها رساتيق وقرى وبها خصب كثير وإصابة غلة وبينها وبين سميساط مرحلة وهي من الأميال أحد وعشرون ميلاً ومن حصن منصور إلى ملطية ثلاثون ميلاً ثم إلى زبطرة خمسة عشر ميلاً.

ومن منبج إلى ملطية خمسة أيام ومن منبج إلى سميساط يومان وقيل ثلاثة ومدينة منبج كبيرة وبينها وبين الفرات مرحلة كبيرة وعليها سوران وهي من بناء الروم الأول وفيها أسواق عامرة وتجارات دائرة وأموال متصرفة وغلات قائمة وأرزاق واسعة وبقربها مدينة سنجة وهي مدينة صغيرة متحضرة بقربها قنطرة مبنية بالحجر المنجور وثيقة العقد حسنة الصنعة تعرف بقنطرة سنجة وهي من أعجب شيء أبصر من عظام القناطر وذلك أنها أخذت عرض الفرات كله تسمى هذه القنطرة جسر منبج.
ومن منبج إلى مرعش ثلاثة أيام تسير من منبج إلى الحدث يومين ومن الحدث إلى مرعش يوم وكذلك من منبج إلى حلب ثلاث مراحل تسير من منبج إلى قورس مرحلتين ومن قورس إلى حلب يوماً وقورس حصن على جبل متصل بجبل اللكام ومن منبج أيضاً إلى ملطية خمس مراحل ومن منبج إلى سميساط ثلاثة أيام وقيل يومان ومن سميساط إلى حصن المنصور مرحلة كبيرة ومن حصن منصور إلى الحدث يوم كبير ومن حلب أيضاً إلى حمص خمسة أيام وكذلك من حلب إلى المعرة أيضاً التي هي من حيز قنسرين يوم كبير وتسمى معرة النعمان وهي في ذتها كبيرة عامرة كثيرة المباني والأسواق وليس بأرضها ولا في شيء نواحيها ماء جار ولا عين والغالب على أرضها الرمال وشرب أهلها من ماء السماء وهي كثيرة الخير والشجر من الزيتون والكروم والتين والفستق والجوز ونحو ذلك وأما الحدث ومرعش فمدينتان متقاربتان في الكبر ولهما أسوار حصينة وبهما أسواق ويقصد إليهما بالتجارات والمنافع.
وكل أنطاكية السابق ذكرها إلى الإسكندرونة أربعون ميلاً وكذلك من أنطاكية إلى حصن بغراس اثنا عشر ميلاً في شمالها وبه منبر وبشر كثير وهو على طريق الثغور وكذلك حصن أولاش حصن منيع على ساحل البحر وبين حصن بغراس والإسكندرونة تسعة أميال وهذه الحصون في الساحل تتلو السويدية ثم إلى الإسكندرونة ثم إلى بياس ثم إلى التينات ثم إلى المثقب ثم إلى نهر المصيصة ثم إلى نهر آذنة ثم إلى طرسوس وهذه كلها على توال في الساحل من الإسكندرونة إلى بياس مرحلة خفيفة ومن بياس في البر إلى الهارونية خمسة عشر ميلاً ومن الهارونية إلى مرعش من ثغور الجزيرة مرحلة كبيرة ومن بياس إلى المصيصة مرحلة كبيرة ومن المصيصة إلى عين زربة مرحلة ومن المصيصة إلى آذنة مرحلة ومن آذنة إلى طرسوس مرحلة ومن طرصوس إلى الجوزات مرحلتان وأما الهارونية فحصن صغير على شعب من شعوب اللكام بناه هارون الرشيد وسنذكر مدينة بغداد في الجزء السادس وبقية أرض الجزيرة بعون الله تعالى.
نجز الجزء الخامس من الإقليم الرابع والحمد لله ويتلوه الجزء السادس منه إن شاء الله تعالى.
الجزء السادس
إن الذي تحصل في هذا الجزء السادس من الأرضين أكثر أرض الجزيرة وبعض أرض أرمينية وبعض أرض آذربيجان وبلاد البهلويين وهي بلاد الجبل والجزيرة ما بين دجلة والفرات ومدن الجزيرة هي الرقة والرافقة والخانوقة وباجروان وعربان وسكير العباس وطابان وتنينير والمحمدية وقرقيسيا والرحبة والدالية وعانة وهيت والرب والأنبار وصرصر والقطر وسورا والكوفة وماكسين وسنجار والحضر والموصل وبلد وجزيرة ابن عمر وبرقعيد وأذرمة ونصيبين ورأس العين وماردين والرها وحران وسروج وجريان وجرنيص وطنزى وحيني وآمد ونينوا وفيسابور وقردى وبازبدا ومعلثايا وسوق الأحد والحديثة والسن وبارما وكل هذه من بلاد الجزيرة.
وفيه من بلاد العراق الثرثار والدور وسر من رأى والعلث والجويث وعكبرا وبغداد وحبتون والروحاء والهروان وجرجرايا ودجيل وكل هذه من بلاد العراق وبلاد الجبل الدسكرة وخانقين وقصر شيرين والسيروان والصيمرة وقرماسين والدينور والزوزان والكرج ودنباوند وأما بلاد البهلويين فمنها الري وإصبهان وهمذان ونهاوند ومهرجانقذق وماسبذان وقزوين ومدنية المبارك وبها من بلاد الديلم قزوين وأبهر وزنجان والببر والطيلسان والديلم وآمل وسارية ومامطير وطميسة وفيه من البلاد الأرمينية مرند وبرذعة وجنزة وسلماس وخوي وكل هذه بلاد عامرة وأقطار ممدنة ويجب علينا أن نتكلم عليها كما سبق لنا فيما سلف من الكتاب بعون الله تعالى ونصفها بلداً بلداً وقطراً قطراً.

فنقول إن الجزيرة هي ما بين دجلة والفرات وتشتمل على ديار ربيعة ومضر ومخرج الفرات من داخل بلاد الروم على ما قدمنا وصفه وعليه من البلاد أيضاً ما قد سبق لنا القول فيه ونذكر الآن ما بقي منها فمن ذلك الطريق من بغداد إلى الرقة وهو طريق المغرب من بغداد إلى السيلحين اثنا عشر ميلاً ثم إلى الأنبار أربعة وعشرون ميلاً والأنبار مدينة صغيرة متحضرة لها سوق وبها فعلة ولها فواكه كثيرة وهي على رأس نهر عيسى وذلك أنه قد كان فيما سلف من الزمان قبل الإسلام لا تصل مياه الفرات إلى دجلة بوجه وإنما كان مفيضها في البطائح دون أن يتصل شيء منها بدجلة فلما جاء الإسلام احتفر نهر عيسى حتى وصل به إلى بغداد وهو الآن نهر كبير تجري فيه السفن إلى بغداد.
ومن الأنبار إلى الرب أحد وعشرون ميلاً وهي مدينة عامرة ذات قرى وبساتين وعمارة ممتدة ومن الرب إلى هيت ستة وثلاثون ميلاً وهيت مدينة من غربي الفرات عليها حصن وهي من أعمر المدن وتحاذي تكريت من حد المشرق وتكريت في شمال العراق وهي في غربي دجلة ومن هيت إلى الناووسة أحد وعشرون ميلاً والناووسة مدينة صغيرة متحضرة لها بساتين وفواكه كثيرة وخيرات وهي في جزيرة يحيط بها الفرات ومنها إلى ألوسة أحد وعشرون ميلاً وألوسة متنحية عن الفرات وعلى بعد منه.
ومن ألوسة إلى عانات أحد وعشرون ميلاً وعانات مدينه صغيرة في وسط الفرات يطيف بها خليج من الفرات وفيها سوق وأعمال ومن عانات إلى الدالية أحد وعشرون ميلاً والدالية مدينة صغيرة على شاطىء الفرات الغربي ومن الدالية إلى رحبة مالك بن طوق على الفرات أيضاً من شرقيه ثلاثون ميلاً ورحبة مالك مدينة خصيبة عامرة عليها سور تراب ولها أسواق وعمارات وكثير من الثمرات ومنها مع الفرات إلى الخابور مرحلتان والخابور مدينة لطيفة على شاطىء الفرات ولها بساتين وحدائق وكثير فواكه ومنها إلى قرقيسيا مرحلتان وقرقيسيا مدينة بالجانب الشرقي من الفرات ويصب أسفلها نهر الهرماس المسمى بالخابور ولها ثمار كثيرة.
ومن قرقيسيا إلى الخانوقة وتروى الخالوقة يومان والخانوقة مدينة صغيرة عامرة آهلة لها سوق معمورة وتجارات على قدر ومن الخانوقة إلى الرقة مرحلتان وقد ذكرنا الرقة ووصفناها ووصفنا حالها في ذاتها مجملة والطريق من بغداد إلى الرقة خمس عشرة مرحلة.
وطريق آخر من بغداد إلى الرقة ويؤخذ في عشر مراحل أو نحوها وذلك أنك إذا خرجت من بغداد وجئت الناووسة فارقت الفرات وسرت في شرقيه متيامناً في البرية من الناووسة إلى ألوسة أحد وعشرون ميلاً ومن ألوسة إلى العجينة ثمانية عشر ميلاً ثم إلى التهنية ستة وثلاثون ميلاً في البرية ثم إلى الدراقي ثمانية عشر ميلاً ثم إلى الفرضة ثمانية عشر ميلاً ثم إلى وادي السباع خمسة عشر ميلاً ثم إلى خليج بني جفح خمسة عشر ميلاً ثم إلى جبال قرقيسيا أحد وعشرون ميلاً ثم إلى نهر سعيد أربعة وعشرون ميلاً ثم إلى الجرذان اثنان وأربعون ميلاً ثم إلى المبرك ثلاثة وثلاثون ميلاً ثم إلى الرقة أربعة وعشرون ميلاً فجملة هذا الطريق ثلاثمائة ميل واثنان وسبعون ميلاً.
ومن بغداد أيضاً إلى الرقة طريق آخر على الموصل وهو أن تسير من بغداد إلى الثرثار الجائي من مدينة الحضر التي من أعمال تكريت ومن الثرثار إلى عكبرا خمسة عشر ميلاً وعكبرا مدينة صغيرة على شرقي دجلة ومن عكبرا إلى باحمشا تسعة أميال ثم إلى القادسية أحد وعشرون ميلاً وبالقادسية يصنع الزجاج العراقي دائماً ورسمه للملكة ومنها إلى سر من رأى تسعة أميال وسر من رأى بناها المعتصم من بني العباس فخربت وبقي الآن منها قصور وضياع وأموال وفيها بعض أسواق لبيع الفاكهة وتجديد الأزودة. ومن سر من رأى إلى الكرخ ستة أميال والكرخ مدينة صغيرة عامرة بشرقي دجلة ثم إلى جبلتا ثمانية عشر ميلاً وهي قرية كبيرة ومنها إلى السن خمسة عشر ميلاً والسن مدينة ذات سور حصين وبها سوق وبها يصب نهر الزاب الأصغر وبين السن وتكريت أربعون ميلاً وكذلك من السن إلى مدينة البوازج اثنا عشر ميلاً وهي مدينة على الزاب الأصغر من غربيه وعلى مصب نهر الزاب الأصغر وعلى غلوة منه هي مدينة السن وهي منسوبة إلى عمل الجزيرة وديار مضر.

ومن مدينة السن إلى الحديثة ستة وثلاثون ميلاً والحديثة مدينة عامرة ولها غلات واسعة وخير وخصب وهي بشرقي دجلة وبها مصب نهر الزاب الأكبر وعلى عشرة أميال جبل بارما وعلى الزاب مما يلي الجبل حبتون وهي مدينة حسنة لطيفة متحصنة وعلى الزاب من نواحي أرمينية مدينة الروحاء.
والزابان نهران عظيمان إذا اجتمعا كانا كنصف دجله وأكبر ومن مدينة الحديثة إلى بني ظبيان أحد وعشرون ميلاً ثم إلى مدينة تكريت أحد وعشرون ميلاً وتكريت من مدن الموصل وهي في غربي دجلة وبإزائها في البرية مدينة حسنة نظيفة على نهر الثرثار وأهل تكريت الغالب عليهم أنهم نصارى وأبنيتهم بالجص والآجر ومن تكريت يشق نهر دجيل الآخذ من دجلة فيشق ربضها ويمر إلى سواد سر من رأى فيغمره إلى قريب من بغداد ومن تكريت يسير السائر إلى مدينة الرقة في البرية على ديار ربيعة تسع مراحل.
ومن شاء سار مع دجلة إلى مدينة الموصل مرحلتين خفيفتين والموصل مدينة كبيرة على غربي دجلة صحيحة التربة معتدلة الهواء وشرب أهلها من ماء دجلة وفيها نهر يقطعها في وسطها وبين مائه ووجه الأرض نحو من ستين ذراعاً وبساتينها قليلة وضياعها ومزارعها ممتدة وأبنيتها بالجص والحجارة ولها رساتيق عظيمة وكور كثيرة منها رستاق نينوا وهي مدينة قديمة أزلية بها آثار بينة وهي البلدة التي بعث إليها يونس بن متا كما ذكر في الكتب وهي من شرقي دجلة تجاه الموصل.
ويحاذي هذا الرستاق رستاق المرج وهو أيضاً كبير فيه مدينة تعرف بسوق الأحد فيها سوق مشهودة تحضرها الأكراد لمواعيد معروفة وهي مدينة حصينة تحاذي الجبل وعلى القرب منها مدينة كفر عزى يسكنها نصارى ومسلمون ويعرف النصارى الذين بها بالشهارجة وبين كفر عزى وسوق الأحد رستاق الزاب الكبير ورستاق حزة أيضاً وهما إقليمان لهما إصابة الحنطة الكثيرة وأما باقردا وبازبدا فهما أيضاً رستقان عظيمان متجاوران بشرقي دجلة وفيهما صنائع خطيرة ولهما دخل واسع وكذلك أيضاً رستاق الخابور فيه مدن كثيرة وأعمال واسعة وهو يجاور رستاق سنجار ويوافي الجبال وأما رستاق معلثايا وفيسابور فهما رستقان خطيران.
وفوق الموصل على شاطىء دجلة مدينة بلد وبينهما أحد وعشرون ميلاً وبلد هذه من غربي دجلة كالموصل وهي كثيرة الزرع والأموال وليس لها ماء جار غير دجلة فمنه شرب أهلها ومنه يتصرفون ومنها إلى مدينة سنجار سبعة وعشرون ميلاً وسنجار من مدينة بلد في البرية غرباً وهي في سند جبل بها مياه وضياع وعليها سور من حجر حصين وبها ثمار كثيرة ويقرب منها الحوالي وهو واد من أودية ديار ربيعة يسكنه قوم من العرب لهم أموال ومواش وضياع وكروم وبالقرب من الحوالي مدينة برقعيد وبينهما نحو من ثمانية عشر ميلاً وبين بلد وبرقعيد ستة وثلاثون ميلاً ومن برقعيد إلى نصيبين سبعة وأربعون ميلاً.
فمن أراد الطريق من الموصل إلى نصيبين خرج من الموصل إلى بلد أحدا وعشرين ميلاً ومنها إلى باعيناثا ثمانية عشر ميلاً ثم إلى برقعيد ثمانية عشر ميلاً ثم إلى أذرمة ثمانية عشر ميلاً ثم إلى تل فراشة خمسة عشر ميلاً ثم إلى نصيبين اثنا عشر ميلاً ومدينة برقعيد مدينة حسنة كبيرة كثيرة الخير والخصب ويسكنها قوم من تغلب وكذلك مدينة أذرمة صالحة القدر كثيرة العمارة والخصب جليلة الغلات والمزارع ومدينة كفرتوثا لها زروع وخصب كثير وحالات حسنة ورأس العين مدينة كبيرة وفيها مياه كثيرة نحو من ثلاثمائة عين عليها شباك حديد يحفظ ما يسقط فيها ومن هذه المياه ينشأ معظم نهر الخابر الذي يصب بقرقيسيا في الفرات وعليه لأهل رأس عين مدن كثيرة منها عربان وهي مدينة حسنة ومنها إلى قرقيسيا أربع مراحل وبين عربان والخانوقة مدن حسنة تقرب من ضفة الخابور فمنها مما يلي عربان طابان والجحشية وتنينير والعبيدية وهذه البلاد كلها قد غلبت عليها البادية وهي مدن عليها أسوار لا تصونهم وقد لجؤوا معها إلى الحفائر.

ونرجع إلى نصيبين فنقول إن نصيبين مدينة ديار ربيعة وهي مدينة كبيرة في مستو من الأرض ذات سور حصين وأسواق عامرة ومقاصد تجارات وبها فعلة وصناع وطرز لصنع جيد الثياب ولها مياه كثيرة وجل مياهها خارجة من شعب جبل يقرب من شمالها يسمى بالوسا وهو أنزه مكان يعرف بها وتنتشر تلك المياه إلى بساتينها ومزارعها وتدخل إلى كثير من قصورها ودورها ولها فيما بعد عنها واستدار بها أقاليم وضياع حسنة عظيمة السائمة والكراع دارة الغلات والنتاج وبأرض نصيبين عقارب قتالة.
وبالقرب منها جبل ماردين من قرار الأرض إلى ذروته نحو ستة أميال وعليه قلعة بناها حمدان بن الحسن وتسمى هذه القلعة بالبازي الأشهب لايستطاع فتحها بوجه البتة لحصانتها ومنعة موضعها وفي هذا الجبل المسمى ماردين جوهر الزجاج الجيد وعنه يحمل إلى سائر بلدان الجزيرة وبجبل ماردين حيات قتالة وهي به كثيرة جداً.
وكور ديار ربيعة منها نصيبين وأرزن و آمد ورأس عين وميافارقين وماردين وباعربايا وبلد وسنجار وقردى وبازبدا وطور عبدين.
فالطريق من نصيبين إلى الرقة من نصيبين إلى دارا خمسة عشر ميلاً ودارا مدينة صغيرة حسنة لها غلات ومزارع متصلة ومنها إلى كفرتوثا أحد وعشرون ميلاً ثم إلى الخابور خمسة عشر ميلاً ثم إلى حصن مسلمة ثمانية عشر ميلاً ثم إلى باجزوان أحد وعشرون ميلاً وباجروان مدينة صغيرة عامرة بها سوق وبيع وشراء ثم إلى الرقة تسعة أميال وحصن مسلمة حصن منيع بناه مسلمة ابن عبد الملك بن مروان وهو على تل بني سيار وشرب أهله من ماء المطر وتل بني سيار مدينة صغيرة عليها سور من حجر وهي على مرحلة من رأس عين.
والطريق من نصيبين إلى آمد من نصيبين إلى دارا خمسة عشر ميلاً إلى قصر ابن بارع تسعة وثلاثون ميلاً إلى تل نزعة ثمانية عشر ميلاً إلى آمد أحد وعشرون ميلاً وآمد مدينة حسنة خصيبة على جبل عن غربي دجلة مطل عليها نحو مائة قامة وعليها سور من حجارة الأرحاء أسود اللون وهي كثيرة الشجر ولها بداخل سورها مياه جارية ومطاحن على عيون مطردة وأشجار وبساتين ثم يجاز نهر دجلة إلى ميافارقين مرحلتين وميافارقين من أرض أرمينية وقوم يعدونها من أعمال الجزيرة وهي من شرقي دجلة على مرحلتين منها وهي مدينة كبيرة حسنة خصيبة في حضيض جبل ويعمل بها من التكك كل حسنة تضاهي التكك التي تصنع بسلماس وربما كانت تفوقها في الجودة وتصنع بها المناديل العراض والسبنيات.
والطريق من آمد إلى الرقة ذات اليمين من آمد إلى شمشاط سبعة وسبعون ميلاً ومن شمشاط إلى تل موزن خمسة عشر ميلاً ثم إلى جريان ثمانية عشر ميلاً وجريان مدينة صغيرة حسنة ثم إلى بامعدا خمسة عشر ميلاً ثم إلى حصن جلاب أحد وعشرون ميلاً ثم إلى الرها اثنا عشر ميلاً والرها مدينة في بقعة تتصل بحران والرها وسطة من المدن والغالب على أهلها النصارى وبها أكثر من مائتي بيعة ودير ومواضع بها رهبانهم وبها بيعة ليس للنصارى أعظم منها وبها مياه وزروع وكان بها منديل للسيد المسيح فأخذه ملك الروم منهم وهادنهم مهادنة مؤبدة ومن الرها إلى حران اثنا عشر ميلاً وحران مدينة الصابئين ولهم بها عليه مصلاهم وهم يعظمونه وينسبونه إلى إبراهيم عليه السلام وهي من غرر البلاد لكنها قليلة الماء والشجر ولها رساتيق وعمارات وموضعها في مستو من الأرض يحيط بها جبل شامخ مسافته يومان ومن حران إلى باجدا اثنا عشر ميلاً ثم إلى باجروان أحد وعشرون ميلاً ثم إلى الرقة تسعة أميال.

والطريق من الموصل إلى آمد من الموصل إلى مدينة بلد أحد وعشرون ميلاً إن شئت في البر وإن شئت في دجلة ومن بلد إلى جزيرة ابن عمر تسعة وستون ميلاً وجزيرة ابن عمر مدينة صغيرة ذات أشجار وأنهار وسوق وهي فرضة أرمينية وبلاد الأرمن ونواحي ميافارقين وأرزن وتصل المراكب مشحونة منها بالتجارات إلى الموصل وهي متصلة بجبل ثمانين وباسورين وفيسابور وجميعها في الجبل الذي منه جبل الجودي المتصل بآمد من جهة الثغور وجبل ثمانين هو الجودي الذي استقرت عليه سفينة نوح عليه السلام ومن الجزيرة إلى مسقط نهر سربط وهما نهران يأتيان من جبال بارما فيجتمعان بمقربة من دجلة فيصبان معاً في دجلة وعلى ضفتيهما مدينة التل ومن مسقط الواديين إلى مسقط نهر بارما وهو نهر كبير يخرج من بلاد أرمينية ويصب في دجلة من شرقيها ومن هذا النهر إلى طنزى وهي مدينة صغيرة في الضفة الغربية من دجلة ومنها إلى آمد فذلك من آمد إلى جزيرة ابن عمر ثلاث مراحل.
والطريق من مدينة بلد إلى الرقة من بلد إلى تل أعفر خمسة عشر ميلاً غرباً ثم إلى سنجار أحد وعشرون ميلاً ثم إلى عين الحيال خمسة عشر ميلاً ثم إلى سكير العباس على الخابور أحد وعشرون ميلاً ثم إلى ماكسين على الخابور خمسة عشر ميلاً ثم إلى ماكسين على الخابور ثمانية عشر ميلاً ثم إلى قرقيسيا وهي على الفرات والخابور أحد وعشرون ميلاً وبين قرقيسيا والرقة أربع مراحل والرقة والرافقة مدينتان كالمتلاصقتين وكل واحدة متباينة عن الأخرى بأذرع كثيرة وفي كل واحدة منهما مسجد جامع ولهما عمارات وقرى ومياه كثيرة.
وكذلك من آمد إلى سميساط ثلاث مراحل ومن سميساط إلى نصيبين تسعون ميلاً ومن نصيبين إلى رأس العين ثلاث مراحل ومن رأس العين إلى الرقة أربع مراحل ومن رأس العين إلى حران ثلاث مراحل ومن حران إلى الرقة ثلاثة أيام ومن حران إلى جسر منبج يومان ومن الرها إلى سميساط ثلاث مراحل وسروج مدينة ديار مضر كثيرة الفواكه وهي عن شمال طريق حران من جسر منبج وهي من حران على يوم فهذه جملة ما تضمنته الجزيرة من البلاد المذكورة والقواعد المشهورة وبالله التأييد.
وأما العراق فإنه في الطول من حد تكريت إلى حد عبادان على فم بحر فارس وعرضه من القادسية على الكوفة وبغداد إلى حلوان وعرضه أيضاً من نواحي واسط إلى قرب الطيب وقرقوب ونواحي البصرة إلى جبى ومسافته تكون من حد تكريت إلى البحر مما يلي المشرق مقوساً نحو شهر ومن البحر راجعاً في حد المغرب مقوساً إلى تكريت مثل ذلك ومن بغداد إلى سر من رأى ثلاث مراحل ومن سر من رأى إلى تكريت مرحلتان ومن بغداد إلى الكوفة خمس مراحل ومن الكوفة إلى القادسية ثلاث مراحل ومن بغداد إلى واسط ثماني مراحل ومن واسط إلى البصرة سبع مراحل ومن بغداد إلى حلوان ست مراحل وكذلك من بغداد إلى السيروان والصيمرة ست مراحل ومن الكوفة إلى واسط على طريق البطائح ست مراحل ومن البصرة إلى البحر مرحلتان وعرض العراق على سمت بغداد من حلوان إلى القادسية إحدى عشرة مرحلة وعرض العراق من سر من رأى إلى حدود شهرزور من أرض آذربيجان خمس مراحل والعامر منه أقل من مرحلة والعرض بواسط من الكوفة إلى نواحي خوزستان نحو أربع مراحل وبنواحي البصرة من البصرة إلى جبى مرحلة.
ولنبدأ من مدنها بذكر بغداد فبغداد مدينة كبيرة ابتناها المنصور في الجانب الغربي من دجلة وجعل جوانبها قطائع اقتطعها لمواليه وأتباعه فلما وليها المهدي جعل عسكره في الجانب الشرقي فسمي بعسكر المهدي وبنى الناس أقطاعهم فعمرت بهم واتصلت المباني من الكرخ أسفل بغداد إلى الجويث وقصر المهدي متوسط منها يقابل قصر المنصور من الضفة الأخرى الغربية وتتصل عمارة بغداد شرقاً إلى كلواذا وكلواذا مدينة بها مسجد جامع وبين المدينتين من بغداد جسران مربوطان بالسفن يجتاز عليهما من أراد الجواز والتصرف من البلدة الغربية إلى البلدة الشرقية وبالضد.

والجانب الشرقي بساتينه وأشجاره تسقى بماء النهروان وتامرا وهما نهران عظيمان وماؤهما يرتفع منه الكفاية سقياً وشرباً وليس يرتفع به من ماء دجلة شيء إلا القليل الذي لا يكفي ولا يرضي والجانب الغربي يجري إليه نهر عيسى من الفرات كما قدمنا ذكره وعلى فوهته قنطرة دمما ويتشعب منه نهر صغير يسمى الصراة فيصب ماؤه في الجانب الغربي من بغداد فيسقي بساتينهم وضياعهم ويدخل المدينة فينتفع به ويشرب منه ونهر عيسى تجري فيه السفن من الفرات إلى بغداد وليس به سد ولا حاجز وأما نهر الصراة فلا تقدر السفن على ركوبه لكثرة أسداد الأرحاء المتخذة عليه وعلى نهر عيسى مدينة بادوريا ولها ديوان مفرد من أجل الدواوين وتنفجر فيها أنهار كثيرة تشق أسواقها ومحلاتها وعليها المباني والدور والبساتين والضياع.
وبين بغداد والكوفة سواد متصل وأعمال غير متميزة تخترق إليها أنهار من الفرات أولها مما يلي بغداد نهر صرصر وعليه مدينة صرصر تجري فيه السفن وبين مدينة صرصر وبغداد تسعة أميال وهي مدينة عامرة كثيرة التجار والأسواق وبها فواكه وخير وافر ولا سور لها ولها جسر من مراكب يعبر الناس عليه ومن هذا النهر إلى نهر آخر وبينهما ستة أميال وهو نهر كبير ماؤه غزير ويسمى نهر الملك وعليه مدية حسنة عامرة آهلة كثيرة النخيل والأشجار ولها جسر من مراكب يعبر عليه ومن هذا النهر إلى قصر ابن هبيرة وهي مدينة كبيرة عامرة ذات أسواق وعمارات وهي أعمر البلاد التي في نواحي السواد وأفرها أموالاً وأكثرها نفعاً وهي على غلوة من الفرات ومنها إلى بغداد ثلاث مراحل خفاف.
ثم تمر من قصر ابن هبيرة إلى مدينة سورا وهي بناحية الفرات وهي في ذاتها مدينة حسنة متوسطة القدر ذات سور وأسواق وبها عمارة كافية ونخيل وأشجار وبساتين وفواكه جمة وزراعات واسعة ومنها ينصب الفرات إلى سائر سواد الكوفة ويقع الفاضل منه في البطائح وكذلك أيضاً كربلاء موضعها من غربي الفرات فيما يحاذي قصر ابن هبيرة وبها قبر الحسين بن علي وله مشهد عظيم في أوقات من السنة وسائر المياه تنصب في البطائح فيتكون عنها بطيحات كثيرة ومناقع مياه عليها قرى وأعمال.
ومن مدينة بغداد إلى النهروان في الجهة الشرقية اثنا عشر ميلاً وهي مدينة صغيرة يشقها نهر النهروان في وسطها ويفضي فضله إلى سواد بغداد إلى إسكاف بني جنيد وجرجراي وبين جرجراي والنهروان مرحلتان وللنهروان بساتين وجنات وقرى عامرة وغلات نافعة وخيرات وافرة فإذا جزت النهروان إلى الدسكرة إلى حدود حلوان على حد طريق خراسان جفت المياه وقلت الثمرات ومن النهروان إلى بعقوبا على النهر وبينهما أربعة وعشرون ميلاً.
والطريق من بغداد إلى حلوان من بغداد إلى النهروان اثنا عشر ميلاً ومنها إلى دير بارما اثنا عشر ميلاً ومن بارما إلى الدسكرة أربعة وعشرون ميلاً والدسكرة مدينة صغيرة بها نخيل وزروع وهي عامرة وبخارجها حصن من طين داخله فارغ وهو مزرعة يقال إن الملك كان يقيم به في بعض فصول السنة فسمي بذلك دسكرة الملك ومن الدسكرة إلى جلولاء أحد وعشرون ميلاً وجلولاء مدينة صغيرة ومنها إلى خانقين سبعة وعشرون ميلاً وخانقين مدينة صغيرة متحضرة ومنها إلى قصر شيرين ثمانية عشر ميلاً.
ومن قصر شيرين يفترق طريقان طريق ذات اليسار إلى شهرزور وطريق آخر يأخذ مشرقاً إلى حلوان فمن أراد شهرزور سار من قصر شيرين إلى ديزكران ستة أميال ومن ديزكران إلى شهرزور أربعة وخمسون ميلاً ومدينتها نيم راه أي نصف الطريق إلى المدائن من بيت نار الشيز ومن أراد مدينة حلوان سار من قصر شيرين إلى حلوان خمسة عشر ميلاً فذلك من بغداد إلى حلوان ست مراحل وهي من الأميال مائة ميل وأربعة عشر ميلاً ومدينة حلوان مدينة كبيرة في سفح الجبل المطل على العراق وقدرها نحو نصف قدر الدينور وبينها وبين الجبل ستة أميال ولها نخيل كثير وليس بالعراق بعد البصرة والكوفة وواسط أعمر منها ولا أكبر ولا أخصب وجل ثمارها شجر التين وليس بالعراق مدينة تقرب من الجبل غيرها وربما سقط الثلج بها وأما جبلها فالثلج يسقط به دائماً.

والطريق من مدينة بغداد إلى البصرة من بغداد إلى المدائن خمسة عشر ميلاً والمدائن على غربي دجلة وهي مدينة صغيرة جاهلية كسروية بها آثار هائلة وبقايا من شامخ البناء عظيمة على أن أكثر صخر مبانيها انتقل وينتقل إلى بغداد وهي منها على مرحلة وكانت في القديم مسكن الأكاسرة وبها إيوان كسرى الكبير المضروب به المثل في شماخته ووثاقته وهو مبني من آجر وجص ولم يسبق للأكاسرة بنيان مثله ويعرف إقليمها بأرض بابل وقرية بابل هذه قرية صغيرة وكانت قبل مدينة كبيرة وهي أقدم أبنية العراق في زمن الكنعانيين وسكنوها وتداولي ملوكهم عمارتها وبها بقايا بنيان وآثار قائمة تخبر أنها كانت فيما مر من الأزمان مصراً عظيماً ويروى في بعض التواريخ أن الضحاك أول من بناها وسكنها التبابعة ودخلها إبراهيم عليه السلام.
وإلى جانبها شرقاً مدينة كوثاربا وهي مدينة صغيرة يقال إنه بها طرح إبرهيم عليه السلام في النار وكوثاربا مدينتان إحداهما تعرف بكوثا الطريق والأخرى كوثاربا تلال من رماد عالية قد لزق بعضه ببعض ويقال إنه رماد نار النمرود بن كنعان التي طرح فيها إبراهيم عليه السلام وبقرب المدائن على الفرات مدينتا الجامعان وهما صغيرتان على الفرات ولهما رستاق عظيم عظيم عامر خصيب.
ومن المدائن مع دجلة إلى جرجرايا أربعون ميلاً ومدينة جرجرايا مدينة صغيرة ومنها إلى جبل خمسة وعشرون ميلاً وجبل أيضاً مدينة صغيرة المقدار وبها يصب نهر النهروان ومنها مع دجلة إلى واسط أربعون ميلاً ومن واسط إلى نهر أبان إلى الفاروث إلى دير العمال إلى الحوانيت إلى القطر ثم في نهر أبي الأسد ثم في دجلة العوراء ثم في نهر معقل ثم في فيض البصرة إلى البصرة ومن واسط إلى حد الأهواز مائة ميل.
وفي الجانب الغربي والشرقي من دجلة من المدن العامرة مدينة واسط ومدنية المذار والمفتح وبيان وسليمانان والأبلة وموضعها تحت بيان وسليمانان وقد تقدم لنا ذكر هذه البلاد كلها حسب ما وجب.
وبقي لنا الآن أن نذكر بلاد الجبال فنقول إن الجبال تشتمل على مدن مشهورة ومعاقل مذكورة وأعظمها همذان والدينور وإصبهان وقم وبها جمل بلاد أصغر من هذه مثل قاشان ونهاوند واللور والكرج والبرج وأبهر وزنجان وقزوين وإن كان بعض الناس يرى أنها من بلاد الديلم.
ونبدأ من ذلك بذكر همذان فنقول إن همذان مدينة كبيرة القطر كثيرة العامر ولها أسواق وتجارات دائرة وأهلها أهل نبالة وأدب وفضل ومروة وأسعارها مع الأيام مرفقة وبها كثير الأغنام واللحمان السمان والألبان والأجبان.
والطريق من همذان إلى حلوان من همذان إلى أسداباذ خمسة وأربعون ميلاً وفي كتاب ابن خرداذبه أربعة وعشرون ميلاً ومدينة أسداباذ مدينة صالحة كثيرة الأسواق والتجارات ولها رساتيق كثيرة ومزارع متصلة ومن أسداباذ إلى قصر اللصوص أحد وعشرون ميلاً وهي مدينة لطيفة حسنة بهية المنظر رصيف لمن ورد وصدر ومن قصر اللصوص إلى ماذران أحد وعشرون ميلاً وهي مدينة صغيرة وفيها عمار وصناع ومنها إلى قنطرة النعمان خمسة عشر ميلاً وهو واد صغير ومنها إلى قنطرة أبي أيوب اثنا عشر ميلاً ومنها إلى بهستون وهو جبل عال عليه قرية تدعى سايسانان وفي هذا الجبل كهف منقور مصور فيه كسرى على فرس ويعرف بشبداز ومن بهستون إلى قرماشين وتروى قرمازين بالزاي أربعة وعشرون ميلاً وهي مدينة لطيفة بها أسواق وتجارات وديار حسنة وأموال مصرفة وسائمة وعيون متدفقة ومياه جارية ومن قرماشين إلى الزبيدية أربعة وعشرون ميلاً وهو منزل حسن ومن الزبيدية إلى مرج القلعة سبعة وعشرون ميلاً وهي مدينة ذات سور تراب لطيف لكنها حسنة المنازل والمتنزهات كثيرة المرافق والخيرات ولها مياه جارية وأغنام كثيرة ومن المرج إلى حلوان ثلاثون ميلاً وقد سبق ذكر حلوان.
والطريق من همذان إلى الدينور من همذان إلى أسداباذ على نص ما قد سبق أربعة وأربعون ميلاً ومن صحنة سبعة وعشرون ميلاً ومن صحنة إلى الدينور أربعة وعشرون ميلاً والدينور مدينة كثيرة الثمار والزروع خصيبة وأهلها أرق طبعاً من أهل همذان وفيها مياه خيرة وبساتين جمة والطريق من همذان إلى الري من همذان إلى ساوه تسعون ميلاً وساوه مدينة على ظهر طريق العراق صالحة الحال كثيرة الجمالين وأكثر الحجاج إلى مكة يحجون على جمالهم ومن ساوه إلى الري خمسون ميلاً.

والري مدينة كبيرة وكان طولها في أول الزمان أربعة أميال ونصفا في مثلها ولها سور من تراب وبناؤها بالطين والجيار والجص والآجر ولها أبواب كثيرة وأسواق عامرة وتجارات دائمة ولها حصن وفيه مسجد جامع وأكثر المدينة خراب ولها ربض عامر ومياهها كثيرة وإنما شربهم من الآبار والقنى المجلوبة إليهم ولها واديان أحدهما يشق المدينة ويمر بسوق الروذه واسم هذا الوادي سوريني والوادي الآخر يسمى الجيلاني ويجري على حاشية المدينة وهو نظيف ومنه شربهم.
والطريق من حلوان إلى الري قصداً من المغرب إلى المشرق من حلوان إلى قرية ماذرواستان اثنا عشر ميلاً ثم إلى قصر يزيد اثنا عشر ميلاً ثم إلى الزبيدية ثمانية عشر ميلاً ثم إلى قصر عمرو اثنا عشر ميلاً ثم إلى قرماشين تسعة أميال وماسبندان منها على تسعة أميال يسرة وأنت تريد طريق خراسان ثم إلى الدكان أحد وعشرون ميلاً فمن أراد نهاوند وإصبهان أخذ من الدكان على اليمين إلى ماذران المتقدم ذكرها ثم إلى نهاوند وهي إحدى كور الجبل.
وكور الجبل همذان والروذراور و بروجرد والكرج وفراونده وقصر اللصوص وصحنة وأسداباذ والمرج وطزر وحومة سهرورد وشهرزور وزنجان وأبهر وسمنان وقم وقاشان وروذه وبوسته والكرج والبرج وإصبهان وخان لنجان وبارما ومدينة الصيمرة وماسبذان ومهرجان قذق وماه الكوفة وهي الدينور وماه البصرة وهي نهاوند وهمذان وقم.
ومن الدكان إلى قصر اللصوص أحد وعشرون ميلاً ثم إلى أسداباذ أحد وعشرون ميلاً ثم إلى قرية العسل تسعة أميال ثم إلى وظيفة همذان سبعة فراسخ ثم إلى همذان خمسة عشر ميلاً ومن همذان إلى قرية أذرنو خمسة عشر ميلاً ثم إلى طرزة اثنا عشر ميلاً ثم إلى طرزة اثنا عشر ميلاً وهي قرية ثم إلى الأساورة اثنا عشر ميلاً والأساورة قرية كبيرة كالمدينة ذات سوق ثم إلى داوداباذ اثنا عشر ميلاً ثم إلى قرية سوسنقين تسعة أميال ثم إلى ساورة خمسة عشر ميلاً وساورة مدينة وقد سبق ذكرها ومن ساورة إلى مشكويه سبعة وعشرون ميلاً ثم إلى الري أحد وعشرون ميلاً.
والطريق من همذان إلى إصبهان من همذان إلى رامن أحد وعشرون ميلاً ورامن مدينة صالحة الحال ومن رامن إلى بروجرد ثلاثة وثلاثون ميلاً وبروجرد أيضاً مدينة أكبر من رامن وأحسن حالاً في جميع الوجوه وفواكهها كثيرة وتحمل منها إلى الكرج وغيرها حتى إلى همذان وإلى الري ومن بروجر إلى الكرج ثلاثون ميلاً والكرج منازل أبي دلف وهي أيضاً مدينة كبيرة أكبر من بروجرد وأكثر عمارة منها وأغزر أمواه وأكثر تصرفاً في الصناعات والتجارات ومن الكرج إلى البرج ستة وثلاثون ميلاً والبرج أيضاً مدينة حسنة الحال ومن البرج إلى قرية خونيجان ثلاثون ميلاً ومن خونيجان إلى إصبهان تسعون ميلاً لا مدينة فيها.
والطريق من همذان إلى خوزستان فمن همذان إلى الروذراور سبعة وعشرون ميلاً والروذراور إقليم حسن وناحية شريفة ينبت بها الزعفران الذي ليس على قرار الأرض مثله ومدينته مدينة كرج الروذراور وهي مدينة صغيرة ومن الروذراور إلى نهاوند أحد وعشرون ميلاً.
ونهاوند مدينة جليلة على جبل ذات سور من طين وبناؤها طين ولها بساتين وجنات وفواكه ومتنزهات ومياهها كثيرة وهي كثيرة التجارات والرساتيق والعمارة.
ومن نهاوند إلى لاشتر ثلاثون ميلاً ومن لاشتر إلى الشابر خاست إلى اللور تسعون ميلاً لا مدينة فيها ولا قرية ومن اللور إلى قنطرة أندامس إلى جندي سابور ستة أيام ومن همذإن إلى ساوه تسعون ميلاً ومن ساوه إلى قم ستة وثلاثون ميلاً تقطع في يومين.
وقم مدينة حسنة كبيرة وكذلك قاشان مدينة جليلة وكلاهما ذواتا أسواق وتجارات والغالب على أهل قم التشيع وعلى أهل قاشان الحشوية.
والطريق من همذان إلى قزوين من همذان إلى بارسيان ثلاثون ميلاً ومن بارسيان إلى أود أربعة وعشرون ميلاً ومن أود إلى قزوين يومان وليس بين قزوين وهمذان مدينة وليس لقزوين أيضاً قرين في كثير من البلاد وبها أسواق وتجارات وعمارات متصلة وأهلها لهم مروءات و آداب ونفوذ في العلوم.

ومن همذان إلى الدينور نيف وستون ميلاً ومن الدينور إلى شهرزور أربع مراحل وكذلك من حلوان إلى شهرزور أربع مراحل ومن الدينور إلى الصيمرة خمس مراحل ومن الدينور إلى السيروان أربعة مراحل ومن السيروان إلى الصيمرة يوم ومن اللور إلى الكرج ست مراحل ومن إصبهان إلى قاشان ثلاث مراحل ومن قم إلى قاشان مرحلتان ومن قم إلى ساره يومان. وإصبهان مدينتان إحداهما تعرف باليهودية والأخرى شهرستان وبينهما مقدار ميلين وفي كل مدينة منهما منبر واليهودية أكبر من شهرستان مرتين وبناؤهما من طين وهما أخصب مدن الجبال وأوسعها وأكثرها أهلاً وأموالاً وهي فرضة لفارس والجبال وخراسان وخوزستان وهي كثيرة الجمال وجمالاتهم صالحة للحمولات والسفر وبمدينة إصفهان طرز تصنع بها الثياب العتابية والوشي وسائر ثياب الحرير وثياب القطن والتجار يقصدونها لاستخراج ذلك منها ويتجهزون به إلى كل الجهات وبها من الزعفران كل شيء حسن وليس بعد الري أكبر من إصبهان. ومن حلوان إلى السيروان مرحلتان كبيرتان ومن السيروان إلى الصيمرة مرحلتان ومن السيروان إلى اللور مرحلتان وتؤخذ في مرحلة كبيرة وهي في سفح الجبل ومنها إلى مدينة بغداد تسع مراحل. والسيروان والصيمرة مدينتان صغيرتان غير أن الغالب على بنائهمم الجص والحجر يشبه بناء الموصل وفيهما فواكه كثيرة كالتمر والجوز وجميع ثمار الصرود وبهما مياه كثيرة تجري في أسواقهما وأكثر ديارهما وهما في نهاية النزه وحسن البقع. وأما قزوين فهي مدينة حسنة وهي ثغر لبلاد الجبل وبينها وبين الري تسعون ميلاً ومنها إلى مستقر ملك الديلم ستة وثلاثون ميلاً والطالقان أقرب إلى الديلم منها وليس لقزوين ماء جار إلا مقدار شربهم وماؤهم يجري في قناة إلى الجامع وهو ماء ليس بصادق الحلاوة. وأما مدينتا أبهر وزنجان فصغيرتان حصينتان كثيرتا المياه والأشجار والزروع وزنجان أكبر من أبهر وأهل أبهر أحذق وأنبل طباعاً وأهل زنجان تدركهم غفلة وجهل وبين زنجان والدينور تسعون ميلاً. وتتصل بأرض البهلويين وهي أرض الجبال كورة طبرستان وطبرستان بلاد كثيرة عامرة كثيرة المياه والثمار والأشجار والغياض بها كثيرة وأبنيتها الخشب والقصب والمطر عندهم في أكثر الأوقات ومن مدن طبرستان آمل وناتل وكلار وميلة وما مطير وسارية وطميسة وأستاراباذ وجرجان ودهستان وآبسكون وشالوس وموقان والطالقان وويمه وخوار وسمنان والدامغان وبسطام ورويان وترنجي وجبال الديلم والمدخل إلى طبرستان من الري على شالوس وشالوس مدينة على نحر البحر الملح وهذا البحر يسمى بحر الخزر ويعرف أيضاً ببحر طبرستان وسنذكره في موضعه إذا بلغ بنا القول إليه بحول الله تعالى. والطريق من الري إلى آمل من الري إلى برزيان مرحلة خفيفة ومن برزيان إلى نامهند مرحلة وهي مدينة كبيرة ومنها إلى أشك مرحلة ومن أشك إلى بلور مرحلة ومن بلور إلى آمل مرحلة. ومن آمل إلى عين ألهم على البحر مرحلة وبقرب هذه العين يصب نهر آمل في البحر. والطريق من الري إلى ناحية الجبال من الري إلى قسطانة مرحلة ومن قسطانة إلى مشكويه مرحلة ومن مشكويه إلى ساوه سبعة وعشرون ميلاً. والطريق من الدينور إلى المراغة ثم إلى أردبيل من الدينور إلى الخبارجان سبعة وعشرون ميلاً وهي مدينة صغيرة متحضرة ومنها إلى تل وان ثمانية عشر ميلاً ومنه إلى سيسر أحد وعشرون ميلاً ثم إلى أندراب اثنا عشر ميلاً وأندراب مدينة ومنها إلى البيلقان خمسة عشر ميلاً وهي مدينة طيبة ذات أشجار وبساتين وثمار على أنهار وعلى هذه الأنهار أرحاء طاحنة فمن أخذ مشرقاً إلى برذعة سار أربعة وعشرين ميلاً ومدينة برذعة كبيرة طولها ثلاثة أميال في عرض دونها وهي نزيهة خصيبة ذات أشجار وأنهار ومياه جارية وهي أم بلاد الران كلها ومن قصد أردبيل سار من البيلقان إلى برزه ثمانية عشر ميلاً وبرزه من أرض أرمينية ومن برزه إلى ابرخست وهي قرية أربعة وعشرون ميلاً ثم إلى المراغة أحد وعشرون ميلاً. والمراغة مدينة حسنة كثيرة الخصب والفواكه نزيهة الأقطار لها بساتين وجنات وزراعات وغلات وخيرات رساتيقها ممتدة وخيراتها شاملة ويجلب إليها من بعض قراها بطيخ يعرف بالأردهري مستطيل أحمر الداخل أخضر الخارج طعمه يزيد على العسل في حلاوته. ومن المراغة إلى داخرقان ثلاثة وثلاثون ميلاً ثم إلى تبريز سبعة وعشرون ميلاً ثم إلى

مرند ثلاثون ميلاً ثم إلى الخان اثنا عشر ميلاً ثم إلى خوي ثمانية عشر ميلاً ثم إلى كولسره ثلاثون ميلاً ثم إلى النير خمسة عشر ميلاً ثم إلى أردبيل. ومدينة أردبيل مدينة حسنة كبيرة وهي دار الإمارة وبها الأجناد والمعسكر وتكون أعمالها تسعين ميلاً في مثلها وأبنيتها من الطين والآجر وأسعارها أبداً موافقة وتجاراتها نافقة ولها رساتيق كثيرة ويليها في الكبر المراغة وقد قدمنا ذكرها. والطريق أيضاً من مدينة أردبيل إلى زنجان من أردبيل إلى قنطرة سبيذروذ مرحلة ومن سبيذروذ إلى سراه يوم ومن سراه إلى توى يوم ومن توى إلى زنجان مرحلتان. وسراه قصر كبير كالمدينة له سوق ومشهد شبيه بالموقف من الحج بل هو أحفل وحكى عنه الحوقلي كثيراً حتى إنه أخرجه عن حد الوصف. وسراه في طريق المراغة لمن جاء من أردبيل ومن شاء سار من أردبيل إلى الميانج ستين ميلاً والميانج مدينة صالحة في ذاتها رفيهة نزيهة مرفقة رخيصة الأسعار كثيرة البساتين والأشجار والمياه الغدقة ومن الميانج إلى الخونج مرحلة وهي أيضاً مدينة حسنة ذات بيع وشراء وصناعات وأموال متصرفة وفيها مرصد على ما يخرج من أذربيجان إلى نواحي الري من الرقيق والدواب وضروب التجارات والأغنام والأبقار. ومن الخونج إلى أذربيجان مرحلة كبيرة وكذلك من الميانج إلى زنجان على غير الخونج مرحلتان ومن أردبيل إلى موقان على نحر البحر يومان. والطريق من شهرزور إلى المراغة من شهرزور إلى حدران وهي قرية للأكراد في حضيض الجبل مرحلة في طريق صعب ومن حدران إلى فوق وهو حصن قليل العمارة في ملك الأكراد مرحلة ثم إلى نريز مرحلة ثم إلى المراغة مرحلتان.رند ثلاثون ميلاً ثم إلى الخان اثنا عشر ميلاً ثم إلى خوي ثمانية عشر ميلاً ثم إلى كولسره ثلاثون ميلاً ثم إلى النير خمسة عشر ميلاً ثم إلى أردبيل. ومدينة أردبيل مدينة حسنة كبيرة وهي دار الإمارة وبها الأجناد والمعسكر وتكون أعمالها تسعين ميلاً في مثلها وأبنيتها من الطين والآجر وأسعارها أبداً موافقة وتجاراتها نافقة ولها رساتيق كثيرة ويليها في الكبر المراغة وقد قدمنا ذكرها. والطريق أيضاً من مدينة أردبيل إلى زنجان من أردبيل إلى قنطرة سبيذروذ مرحلة ومن سبيذروذ إلى سراه يوم ومن سراه إلى توى يوم ومن توى إلى زنجان مرحلتان. وسراه قصر كبير كالمدينة له سوق ومشهد شبيه بالموقف من الحج بل هو أحفل وحكى عنه الحوقلي كثيراً حتى إنه أخرجه عن حد الوصف. وسراه في طريق المراغة لمن جاء من أردبيل ومن شاء سار من أردبيل إلى الميانج ستين ميلاً والميانج مدينة صالحة في ذاتها رفيهة نزيهة مرفقة رخيصة الأسعار كثيرة البساتين والأشجار والمياه الغدقة ومن الميانج إلى الخونج مرحلة وهي أيضاً مدينة حسنة ذات بيع وشراء وصناعات وأموال متصرفة وفيها مرصد على ما يخرج من أذربيجان إلى نواحي الري من الرقيق والدواب وضروب التجارات والأغنام والأبقار. ومن الخونج إلى أذربيجان مرحلة كبيرة وكذلك من الميانج إلى زنجان على غير الخونج مرحلتان ومن أردبيل إلى موقان على نحر البحر يومان. والطريق من شهرزور إلى المراغة من شهرزور إلى حدران وهي قرية للأكراد في حضيض الجبل مرحلة في طريق صعب ومن حدران إلى فوق وهو حصن قليل العمارة في ملك الأكراد مرحلة ثم إلى نريز مرحلة ثم إلى المراغة مرحلتان.
والطريق من جزيرة ابن عمر إلى بلاد أرمينية من جزيرة ابن عمر إلى التل مرحلة والتل قرية كالمدينة عامرة وهي على نهر سريط ومن التل إلى جبل جوغان على نهر سريط مرحلة وهناك معدن حديد جيد يستخرج منه الكثير ويحتمل إلى كثير من الآفاق ومن جبل جوغان إلى الجبل مرحلة والمنزل في أعلاه وهناك عيون مندفقة ومياه جارية وزراعات للأكراد والثلوج تنزل هناك شتاءً وصيفاً لا تفتر في حال ومن الجبل ينحدر السالك إلى مذلان وهي مدينة خراب وكانت كبيرة غير أن الأكراد تغلبت عليها وأتت على أهلها فغيرت نعمهم وفر منها ساكنوها فهي الآن خراب ومن مذلان إلى مرصان مرحلة ثم إلى سلماس من أرمينية مرحلة.

وسلماس مدينة على بعد من بحيرة كبوذان وهي بحيرة ملحة الماء ليس فيها دابة ولا سمك وفيها مراكب كثيرة تختلف من أرمية والمراغة وأعمال تبريز وداخرقان وحواليها من جميع جهاتها قرى عامرة ورساتيق متصلة وبين هذه البحيرة والمراغة من شرقيها خمسة عشر ميلاً وبينها وبين أرمية من غربيها ستة أميال وبين داخرقان وهذه البحيرة اثنا عشر ميلاً وطول هذه البحيرة أربع مراحل بين الشمال والجنوب وعرضها بين المراغة وأرمية نحو ستين ميلاً وتكون فيها أمواج عظام في الشتاء تذهب فيها المراكب وفي وسط هذه البحيرة أجبال مسكونة لكنها منيعة يسكنها أصحاب المراكب بعيالاتهم ومياههم رديئة قليلة وقد ذكرنا من أخبار البلاد المضمنة في هذا الجزء ما فيه كفاية والله المستعان.
نجز الجزء السادس من الإقليم الرابع والحمد لله ويتلوه الجزء السابع إن شاء الله تعالى.
الجزء السابع.
إن هذا الجزء السابع من الإقليم الرابع تضمن بقايا من أرض الجبال وبلاد أذربيجان وبلاد قوهستان المجاورة للمفازة الكبيرة وبعضاً من بلاد خراسان ونحن نريد أن نصفها بلداً بلداً على توال ونسق كما قد جرت به عادتنا من قبل في الكلام على البلاد الواقعة في الأقاليم السالفة بحول الله. فنقول إن جبل لاشان المتصل من إصبهان إلى الري فيه من البلاد قم وقاشان والطريق عليهما من أراد المسير من الري إلى إصبهان يخرج من الري إلى مدينة دزه مرحلة ودزه مدينة صغيرة عامرة وبها منبر وجماعة ولها ماء جار في نهير وليس من الري إلى هذه المدينة عمارة إلا مقدار ستة أميال في وسط الطريق ومن دزه إلى دير الجص مرحلة في مفازة لا عامر بها وهو حصن حصين له سور مبني من جص وآجر يسكنه قوم متأهلون وهم حراس للطريق وهو منزل للمجتازين وليس به زرع ولا شجر وشرب أهله من بئر زعاق وأكثر شربهم من مياه الأمطار تجتمع عندهم في حوضين خارجين عن الدير والمفازة تحيط به من كلا الجانببن ومن دير الجص إلى قرية كاج مفازة وكاج قليلة العمارة والمنزل وشرب أهلها من مياه الأمطار في حياض هناك تغير طعم الماء إلى الملوحة ومن قرية كاج إلى مدينة قم مرحلة والطريق بينهما مفازة لا عمارة فيها حتى إلى قرب المدينة وعلى ستة أميال منها وقم مدينة كبيرة عامرة عليها سور تراب حصين ومياههم من الآبار ومياه بساتينهم تستخرج من الأرض بالسواني وعليها زراعاتهم وبها فواكه وأشجار الفستق والبندق وليس يوجد القستق والبندق فيما جاورها من البلاد لكنه في قم كثير حتى إنه يحمل لكثرته إلى كثير من البلاد والآفاق والغالب على أهلها التثسيع شكلت ومن مدينة قم إلى قرية المجوس مرحلة وهي طريق عامرة وفي هذه القرية قوم مجوس ومن هذه القرية إلى مدينة قاشان مرحلة ومدينة قاشان صغيرة القطر عامرة بالناس وبها متاجر وصناعات وبناؤها بالطين وسائر هذه البلاد المذكورة

صغار. والطريق من الري إلى نيسابور فمن الري إلى مفضلاباذ اثنا عشر ميلاً ثم إلى أفريدين أربعة وعشرون ميلاً وهي قرية عامرة ومن أفريدين إلى كهده أحد وعشرون ميلاً وكهده منزل حسن وفيه مياه وزراعات ومنه إلى خوار ثمانية عشر ميلاً وخوار مدينة صغيرة عامرة وفيها ناس وخواص يرجعون إلى مروءات وآداب ولهم ماء يخرج من ناحية دنباوند ولها ضياع ومزارع ودنباوند جبل عظيم يحكى أن ظله في وقت العصر يطول اثني عشر ميلاً وعلى رأسه دخان لا يفتر الدهر كله ثم إلى قصر الملح ثمانية عشر ميلاً ومنه إلى رأس الكلب أحد وعشرون ميلاً ثم إلى سمنان أربعة وعشرون ميلاً وسمنان مدينة حسنة متوسطة بها أسواق وصناعات وهي أول بلاد قومس ومن بلاد قومس الدامغان وبسطام وبسطام أصغر من سمنان وسمنان أصغر من خوار الري ومن سمنان إلى آخرين سبعة وعشرون ميلاً ثم إلى قومس الدامغان أربعة وعشرون ميلاً فمن الري إليها مائة ميل وتسعة وثمانون ميلاً ثم إلى الحدادة أحد وعشرون ميلاً وهي مرحلة ومن الحدادة إلى بذش مرحلة وهي أحد وعشرون ميلاً ومن بذش إلى مورجان مرحلة ثم إلى هفدر مرحلة وهي ستة وثلاثون ميلاً ثم إلى هشكيد أحد وعشرون ميلاً ثم إلى بهمن أباذ ثمانية عشر ميلاً ثم إلى النون ثمانية عشر ميلاً ثم إلى خسروجرد ثمانية عشر ميلاً ثم إلى حسين أباذ اثنا عشر ميلاً ثم إلى نهناباذ خمسة عشر ميلاً ومن نهناباذ إلى بهشكند ثمانية عشر ميلاً ومن بهشكند إلى نيسابور خمسة عشر ميلاً وآخرين المتقدم ذكرها في هذه الطريق هي مدينة صغيرة لها عمارة وزراعات وكذلك الحدادة قرية كبيرة عامرة في سند جبل وبذش قلعة حصينة وأما مورجان فقرية كبيرة القطر عامرة فرجة الأرجاء وهفدر مدينة صغيرة ونهناباذ مدينة صغيرة وهي أول عمل نيسابور وأما خسروجرد فمدينة صغيرة ومنها إلى سبزوار غرباً ستة أميال وسبزوار مدينة متحضرة حسنة.
والطريق من طبرستان إلى جرجان من آمل إلى ميلة وهو حصن كبير بل مدينة متوسطة المقدار حسنة ستة أميال ومن ميلة إلى ترنجي تسعة أميال وهي قرية ومن ترنجي إلى سارية مرحلة وسارية مدينة متحضرة صغيرة ومن سارية إلى بارست مرحلة ثم إلى أباذان مرحلة ومنها إلى طميسة مرحلة وهي قرية كبيرة كالحصن الآهل ومنها إلى أستاراباذ وهي مدينة متوسطة متحضرة ومنها إلى رباط حفص مرحلة ومن رباط حفص إلى جرجان مرحلة ورباط حفص حصن كبير عامر به سوق عامرة وأهله مياسير ومن شاء قصد من ميلة إلى مامطير إلى درش مرحلة ثم إلى عين رامس مرحلة إلى نجران مرحلة ثم إلى أستاراباذ مرحلة والطريق الأولى أقصد لأن فيها منبرين.
والطريق من آمل إلى جبال الديلم فمن شاء خرج من آمل إلى ناتل وهي مدينة صغيرة مرحلة ومنها إلى شالوس مرحلة وشالوس مدينة متحضرة عليها سور حصين وبها سوق عامرة ومنها إلى كلار مرحلة وكلار مدينة حاضرة عامرة ومنها إلى الديلم مرحلة.
والديلم متحصنون في جبال لهم منيعة والمكان الذي فيه الملك يسمى الطرم وبه مقام آل حسان ورياسة الديلم فيهم ويقال إن الديلم قبيلة تنتمي إلى ضبة وجبالهم ونواحيهم كثيرة الشجر والغياض وأكثر ذلك في وجه الجبل الذي يقابل البحر وطبرستان وهم أهل زرع وسوائم وليس عندهم من الدواب ما يستقلون بها ولسانهم منفرد عن الألسن الفارسية والرانية والأرمينية والغالب عليهم النحافة وقلة الشعر والطيش وقلة الثبات في الأمور ولا يكترثون بشيء ولا يبالون بمصاب إذا دهمهم وكان الديلم كفار إلى مدة الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب فتوسطتهم العلوية وأسلم أكثرهم.

وجبال الديلم ثلاثة أحدهما باذوسبان والروينج وقارن وهي جبال منيعة لكل جبل منها رئيس وهي في نهاية من الخصب والرفاهة وأما جبل قارن وشعابه فهي قرى وعمارات وليس به مدينة إلا مدينة شهمار وهي على مرحلة من سارية ومستقر رئيس قارن ببريم وهو موضع تحصنهم وذخائرهم ومقر ملكهم والملك مدار بهم منذ أيام الأكاسرة وأما جبل باذوسبان وشعابه ففيها قوم رئيسهم يسكن قرية أرم وليس بجبال باذوسبان منبر وبين قرية أرم وسارية مرحلة وكذلك جبل روينج فيه رئيس وهو في حصن له عمارات وموضعه بين طبرستان والري والمدخل إلى الري من طبرستان على شالوس وهي على نحر البحر ولها منعة ومن هذه الجبال من حد الديلم إلى أستاراباذ وإلى البحر أكثر من يوم وقد يتصل طرف الجبل بالبحر وبين الجبال التي تقدم ذكرها وبين البحر يومان وأكثر. وتتصل بغربيها مدن أبهر وزنجان والطالقان ويتصل بالري الخوار وشلنبه وويمه ويقع في قومس سمنان والدامغان وبسطام ويقع في طبرستان آمل وناتل وشالوس وكلار والرويان وميلة وترنجي وعين ألهم ومامطير وسارية وطميسة ويقع في عمل جرجان جرجان وأستاراباذ وآبسكون ودهستان. والغالب على أعمال جرجان الجبال والقلاع وربما بلغت قلاعها سبع مائة قلعة وجرجان وطبرستان مدينتان بين عمل خراسان والري وجرجان أعمالها مصاقبة لطبرستان وهي مدينة كبيرة جداً ليس لها نظير في نواحيها وبناؤها بالطين وأمطارها دائمة وهي مدينتان والنهر بينهما ونهرها كثير الماء وعليه قنطرة معقودة وجرجان اسم المدينة الشرقية من النهر واسم المدينة الغربية بكراباذ وهي أصغر من جرجان ولها ضياع وبساتين وزراعات وعمارات متصلة وبها كثير من الكرم والتمر الكثير والتين والزيتون وسائر الفواكه وفي أهلها مروءة ظاهرة وفيهم علماء وطلاب للأدب ونقودهم ونقود أهل طبرستان الدنانير والدراهم ولجرجان فرضة على البحر تسمى آبسكون وهي مدينة حسنة صالحة ويركب من آبسكون إلى بلاد الخزر وباب الأبواب والجيل والديلم وسنذكر آبسكون مع ذكر البحر فيما يأتي بعد من الإقليم الخامس بعون الله تعالى.
والطريق من الري إلى شلنبه وويمه فمن الري إلى جبل دنباوند مرحلة وجبل دنباوند في نهاية العلو وكثيرة المنعة وقليل ما يصل أحد إلى أعلاه وتنحدر منه مياه كثيرة وفي جانبه حصن دنباوند وهي قلعة حصينة وحول هذه القلعة قرى منها قرية ديبران ودرمنه ونامل وربقة وسدهار وبوأ ولا يعلم في تلك النواحي جبل أعلى منه ومن دنباوند إلى ويمه وشلنبه مرحلة ومكانهما بين دنباوند والديلم وهما مدينتان صغيرتان أصغر من الخوار وويمه أكبر من شلنبه ولهما زروع ومياه وبساتين وكروم وأعناب ومدينة خوار من هاتين المدينتين في ناحية الجنوب وهي شديدة البرد جداً وهي تجاور المفازة الكبيرة المتصلة بأرض خراسان وأرض سجستان وفارس وكرمان.
والطريق من جرجان إلى جهينة مرحلة وجهينة قرية حسنة على واد ومن جهينة إلى ذهل ثمانية عشر ميلاً ومن ذهل إلى بسطام مرحلة وبسطام مدينة حسنة عليها سور تراب وبها أسواق عامرة وجبايات قائمة ومن بسطام إلى وسطاريا وهو حصن من قومس ومن وسطاريا إلى الدامغان مرحلة والدامغان مدينة أكبر من خوار الري وهي أحضر مدينة بقومس.

والطريق أيضاً من جرجان إلى نيسابور خراسان من جرجان إلى جرحا مرحلة وهي قرية عامرة ومنها إلى دينارزاري مرحلة وهي مدينة صغيرة عامرة ومنها إلى أملواتلوا وهي قرية حسنة على نهر صغير ومنها إلى أجغ مرحلة وهو منزل كبير آهل وبه حصن وسوق ومن أجغ إلى سنداسب مرحلة وسنداسب مدينة صغيرة عامرة ومنها إلى اسفرايين مرحلة واسفرايين مدينة متوسطة المقدار متحضرة الأهل وبها متاجر وأرزاق ومن اسفرايين وهو آخر عمل نيسابور إلى نيسابور خمس مراحل. ونيسابور مدينة جليلة في مستو من الأرض وأبنيتها من طين وهي قديمة البناء ومقدارها ثلاثة أميال في مثلها ولها ربض كبير عامر دائر بها ومسجد جامعها في ربضها ولها قصبة منيعة ولها أربعة أبواب أحدها باب رأس القنطرة والثاني باب سكة معقل والثالث باب القصبة والرابع باب قنطرة درميكين ولها نهر يشربون منه ويسقون رساتيقهم. ولنيسابور حدود واسعة ورساتيق عامرة وفيها مدن كثيرة معروفة مثل البوزجان ومالن وخايمند وسلومك وسنكان وزوزن وكندر وترشيز وخان روان وأزاذوار وخسروكرد وبهمن أباذ واسفرايين وخوجان وريوند ونوقان وتروغوذ. ومدينة نيسابور قطب لما حولها من البلاد والأقطار وذلك من نيسابور إلى آخر حدها ممايلي قومس وهي أسداباذ سبعة منازل ومن نيسابور إلى سرخس ست مراحل ومن سرخس إلى مرو الروذ خمس مراحل ومن مرو إلى آمل على شط جيحون ست مراحل. فمن أول عمل نيسابور مما يلي قومس إلى وادي جيحون على السمت ثلاث وعشرون مرحلة. ومن نيسابور إلى بوزجان أربع مراحل جنوباً ومن بوزجان إلى بوشنج أربع مراحل ومن بوشنج إلى هراة مرحلة ومن هراة إلى أسفزار ثلاث مراحل ومن اسفزار إلى دزق وهو آخر عمل هراة مرحلتان ومن دزق إلى سجستان سبع مراحل فالجميع من آخر عمل نيسابور إلى سجستان على دزق تسع عشرة مرحلة. ومن نيسابور إلى طوس أربع مراحل بين شرق وشمال وكذلك من طوس إلى نسا ست مراحل ومن نسإلىلى فراوه أربع مراحل. وكذلك من نيسابور إلى قاين قصبة قوهستان نحو تسع مراحل بين غرب وجنوب ومن قاين إلى هراة ثماني مراحل. ومن نيسابور إلى بهمناباذ غرباً خمس مراحل. وبين نيسابور وخسروجرد مرحلتان ويلي خسروجرد سبزوار وبينهما فرسخان.
ومن نيسابور إلى ترشيز أربع مراحل. ومن نيسابور إلى خان روان مرحلة شمالاً ومن خان روان إلى مهرجان مرحله ومن مهرجان إلى أزاذوار يوم ومن أزاذوار إلى ديواره يوم ومن ديواره إلى مهرجان يومان. وأما مدينة طوس فإنها مدينة كبيرة حسنة المباني كثيرة الأسواق شاملة الأرزاق عامرة الأمكنة رائقة الجهات ولها مدن بها منابر منها لرايكان وطبران وتروغرز والرايكان مدينة صغيرة متحضرة بها سوق عامرة وسلع نافقة وكذلك مدينة خان روان مدينة حاضرة آهلة نافقة الأمتاع حسنة المباني فسيحة المسالك متقنة الأشكال.

وأما مهرجان فإنها مدينة عامرة الديار والأسواق كثيرة الخيرات والأرزاق جليلة لها سور تراب وربض عامر وشرب أهلها من ماء يأتي إليها جلباً ومن مهرجان إلى ديواره مرحلتان وديواره مدينة عامرة لها سور وربض وبنياتها بالطين والتراب والجيار وشرب أهلها من الآبار وماؤها عذب. ومدينة نوقان أيضاً مدينة من غرر البلاد المذكورة ولها سوق وسور حصين من تراب وبها مياسير وتجار وصناع وفعلة ولها حصن منيع وبها قبر علي بن موسى الرضا وبجبل نوقان معدن الأحجار التي يقطع منها البرام لسائر بلاد خراسان وفي جبلها أيضاً معادن الفضة والنحاس والحديد ويوجد به من أحجار الفيروزج والخماهن والدهنج والبلور وكانت نوقان دار الإمارة بخراسان إلى أيام الطاهرية فانتقل الملك منها إلى نيسابور فخرب أكثرها وتغيرت محاسنها. ومدينة سرخس هي بين نيسابور ومرو وهي في أرض سهلة وقد قدمنا من ذكرها ما فيه كفاية. وكذلك مدينة نسا مدينة خصيبة كثيرة المياه والبساتين وهي في القدر نحو سرخس ومياههم كثيرة تجري في ديارهم وسككهم وهي في غاية النزهة والحسن ولها رساتيق خصيبة والجبال تكنفها من شمالها. وأيضاً فإن مدينة فراوه مدينة متحضرة لكنها قليلة التجارات والصنائع وبها قدر الكفاية وهي رباط لخراسان في نحر المفازة التي تلي الغزية اثنتا عشرة مرحلة في مفاوز لافنيس بها ولا تتصل بها عمارة ولا قرية لأهلها وشربهم من ماء عين في جوف البلد وجميع مباقلهم هو على فاضل هذا الماء وليست بكثيرة. ومن مدينة فراوه غرباً إلى تستيح أربع مراحل وهي مدينة صغيرة ذات سور حصين وأسواق مقدرة وشرب أهلها من الآبار وهي أيضاً على شفير المفازة التي بين جرجان وفراوه ولها رباط وكذلك من مدينة نسا إلى مدينة اسفرايين التي من عمالة نيسابور غرباً أربع مراحل وبينهما قرى وعمارات ومن اسفرايين إلى طوس ست مراحل وبينهما مدينة راوينج وبين راوينج وفراوه أربع مراحل ومن راوينج جنوباً إلى مهرجان مرحلتان ومن مهرجان إلى نيسابور مرحلتان وكذلك من اسفرايين إلى مهرجان خمس مراحل خفاف وأيضاً من مدينة خان روان إلى مهرجان مرحلة ومن خان روان إلى نيسابور مرحلة وكذلك من أزاذوار إلى ديواره مرحلة وبين ديواره ومهرجان مرحلتان وكل هذه البلاد تتقارب في الصفات وتشترك في الهيئات وتشتبه في مقاديرها ومتصرفات أمورها. والطريق من نيسابور إلى النهر من نيسابور إلى بغنش خمسة عشر ميلاً ومن بغنش إلى الحمراء ثمانية عشر ميلاً ثم إلى النوقان ثمانية عشر ميلاً إلى مرو الشاهجان اثنا عشر فرسخاً ثم إلى النكتة وهي قرية أربعة وعشرون ميلاً ومنها إلى مدينة سرخس ثمانية عشر ميلاً ومن سرخس إلى مرو الروذ مائة ميل وخمسة وثلاثون ميلاً بين شرق وشمال ومن سرخس أيضاً إلى آمل قصداً ثماني مراحل وسنأتي بذكر ذلك موضحاً بعون الله تعالى.
نجز الجزء السابع من الإقليم الرابع والحمد لله ويتلوه الثامن منه إن شاء الله تعالى.
الجزء الثامن

إن هذا الجزء الثامن من الإقليم الرابع تضمن جزءاً من بلاد خراسان والنهر وما خلفه من بلاد فرغانة وأشروسنة وبلاد الشاش وإيلاق وبلاد فاراب وبلاد الأغزاز وفي كل واحد من هذه الأكوار جمل بلاد معمورة وقواعد مدن مشهورة. فأما بقية بلاد مرو وهي كشميهن وهرمزفره وباشان فقد ذكرناها فيما مضى من ذكر الإقليم الثالث لكن نقول إن كشميهن من مرو الروذ على مرحلة وهي على رأس المفازة لها منبر ونهر كبير وفواكه وأشجار وسويقة صالحة وفنادق وحمامات وبقربها في جهة الشمال على ثلاثة أميال مدينة هرمزفره وعلى طريق مفازة سيفايه التي على غربها النهر المؤدي إلى الجرجانية من أرض خوارزم وهذه المفازة كبيرة متصلة وليس بهانيس لكن المياه بها كثيرة. وأما ما جاور النهر فمن أعلاه مدينة زم وأسفله بحيرة خوارزم المشهورة ومدينة زم ومدينة آمل قد ذكرناهما في الإقليم الثالث بأكمل صفاتهما وما يغن عن إعادة ذلك وآمل بينها وبين النهر ثلاثة أميال ومن آمل إلى مدينة الجرجانية من بلاد خوارزم اثنتا عشرة مرحلة ومن الجرجانية إلى بحيرتها ست مراحل. والطريق من آمل إلى خوارزم من آمل إلى مدينة ويزه مرحلة وهي مدينة صغيرة متحضرة لها سوق وحولها عمارات تتصل بالنهر ومن ويزه إلى مردوس مرحلة ومردوس قرية كبيرة عامرة آهلة ولها مزارع كريمة وخيرات جسيمة تتصل عماراتها إلى ضفة النهر ومن مردوس إلى أسباس مرحلة وأسباس حويضرة حسنة لها سور ولا ربض لها وبها سوق وهي على قرب النهر الكبير ومن أسباس إلى سيفايه مرحلتان خفيفتان وهي أول عمالة بلاد خوارزم ومن سيفايه إلى الطاهرية من خوارزم مرحلة والطاهرية مدينة ظاهرة الحسن لها دخل وخرج ومزارع وبركات وفواكهها عامة تقوت أهلها وتفضل عنهم ومن مدينة الطاهرية إلى راشت مرحلتان وراشت على مقربة من النهر وهو حصن عامر آهل به زراعات وبساتين وغلات وفوائد ومن راشت إلى خيوه من الجرجانية مرحلتان وخيوه مدينة عامرة ظاهرة الحسن كاملة الفوائد ولها سور حصين وجنات واسعة ومزارع وفواكه ومنها إلى الجرجانية مرحلة. وهي المدينة الكبرى والقاعدة العظمى من خوارزم وهي مدينتان على ضفتي النهر ويجاز بينهما بالمراكب واسم المدينة الشرقية منهما درغاش والمدينة الغربية تسمى الجرجانية وهي مدينة كبيرة عامرة ذات أسواق وربض وسور محيط بالربض والمدينة طولها نحو من تسعة أميال في مثلها وهي متجر الغزية ومن تخرج الرفاق إلى أرض جرجان وكانت تخرج إلى الخزر على مر الأيام وإلى سائر بلاد خراسان. وخوارزم اسم الإقليم وهو منقطع عن أرض خراسان وبعيد عما وراء النهر وتحيط به المفاوز من كل جانب وهي ناحية عريضة وأعمال واسعة ومدن كثيرة فمن مدنها درغاش وتروى درغاز وهزارسب وخيوه واردخشميثن وسافردز ونزوار وكردران خواش وكردر وقرية قراتكين ومزداخقان وكاث. وأول عمالة خوارزم الطاهرية من غربي النهر والعمارات ممتدة بطول الجانب الغربي من نهر جيحون وليس في شرقيه عمارة وكذلك العمارة أيضاً من مدينة الطاهرية إلى هزارسب وليست بكبيرة العرض وتكون العمارة على نهر جيحون مما يقابل مدينة خوارزم مقدار تسعة أميال إلى أن تنتهي قرية كيث ولا زائد عليها وقرية كيث على أسفل جبل وبها مياه مطردة وعيون ناشعة جارية ووراء هذا الجبل المفازة. ومن هزارسب إلى سائر ما على غربي جيحون أنهار منها نهر هزارسب يأخذ من جيحون مما يلي آمل وهو كبير يحمل المراكب وهزارسب على ضفته ثم على ستة أميال من هزارسب إلى نهر يعرف بكردران خواش وهو أكبر من هزارسب ومدينة خواش عليه وهي مدينة صغيرة متحضرة عامرة ذات مزارع وبساتين وعمارات وبعده نهر خيوه وهو مثل نهر كردران خواش وتجري فيه السفن إلى خيوه وبعده على ميلين نهر مذرى وهو نهر كبير يأخذ من جيحون تجري فيه السفن إلى مذرى ومذرى مدينة حسنة عامرة ذات سور وسوق وبعد نهر مذرى نهر آخر يفضي إلى مدينة الجرجانية ويسمى وذاك والسفن تجري فيه ويصب أسفل مدينة الجرجانية وعلى ستة أميال منها وبعد نهر وذاك يخرج نهر بوه من جبل على شفير المفازة فيقع أسفل على مقربة من درغاش. وعلى ستة وثلاثين ميلاً من المدينة وأسفل من خوارزم بحذاء كيث في الجانب الشمالي المدينة المعروفة بمذمينيه وهي من جيحون على اثني عشر ميلاً غير أنها من الجرجانية وليس على شط النهر بعد مذمينيه عمارة.

وبين كردر وجيحون رستاق مزداخقان ومدينة مزداخقان صغيرة المقدار كثيرة العمار وربما وصل إليها الأغزاز عند الهدنة وبين مدينة مزداخقان وجيحون ستة أميال وهي تحاذي الخرلخية ثم تنقطع منها العمارة إلى أن تصل البحيرة المنسوبة إلى خوارزم وهناك قوم صيادون ليس لهم قرية ولا بناء ويعرف موضع النهر في البحيرة بخليجان وعلى شط هذه البحيرة من مقابل أرض الغزية قوم رحالون فإذا كان الصلح جاؤوا إلى قرية قراتكين ومن الجانب الآخر إلى الجرجانية ومن موقع النهر إلى الموضع حيث يصب نهر الشاش نحو من عشرة أميال. ودور هذه البحيرة فيما بلغنا نحو ثلاث مائة ميل وماؤها ملح وليس لها مفيض ظاهر وتقع فيها أنهار كثيرة مثل جيحون ونهر الشاش ونهر برك ونهر إيلاق والأنهار السابقة ذكرها فلا يعذب ماؤها ولا تزيد فيها على صغرها ويذكر والله أعلم أن قعر هذه البحيرة يتصل من تحت الأرض بحر الخزر وبين البحيرة والبحر نحو ثماني عشرة مرحلة على السمت ويوشك أن يكون هذا حقاً. وأهل خوارزم مياسير وأهل مروة ظاهرة وهم أكثر الناس أسفاراً وأوسعهم أموالاً وترتفع منها ثياب القطن والصوف وسائر الأمتعة الكثيرة تحمل إلى سائر الجهات ولسان أهل خوارزم لسان منفرد بذاته وهم أهل غلظة ونجدة والأغزاز يهابون سطواتهم ويحذرون من مصادرتهم وتقع إليهم من بلاد الغزية والخزر المواشي والدواب والرقيق والأوبار مثل الفنك والسمور والثعالب والأرانب وغير ذلك من أصناف الوبر.

وهذه مسافات بلادها مجملة فمن خوارزم أعني قصبتها وهي كاث إلى مدينة خيوه مرحلة ومن خيوه إلى هزارسب مرحلة ومن كاث إلى الجرجانية ثلاث مراحل إحداها من كاث إلى أردخشميثن مرحلة ومنها إلى نوزوار مرحلة ومنها إلى الجرجانيه مرحلة ومن خيوه إلى سافردز خمسة عشر ميلاً ومن سافردز إلى المذمينيه تسعة أميال ومن المذمينيه إلى كردر تمشي إلى درخاس مرحلتين ومن درخاس إلى كردر مرحلة ومن كردر إلى مدينة مذمينيه يومان ومذمينيه وقرية قراتكين متقاربتان في القدر وأقربهما إلى جيحون مذمينيه وبين مذمينيه وجيحون اثنا عشر ميلاً. وأما ماخلف النهر من بلاد خراسان فمن آمل إلى النهر إلى مدينة فربر وهي مدينة حسنة على مقربة من النهر ومضمومة بجملتها إلى بخارا وذلك أن من فربر إلى بيكند مرحلتان خفيفتان وذلك أن تخرج من فربر إلى حصن أم جعفر ثمانية عشر ميلاً ومن حصن أم جعفر إلى بيكند ثمانية عشر ميلاً وبيكند مدينة جميلة الأسواق حسنة الشوارع والطرق ومن بيكند إلى بخار أحد وعشرون ميلاً. والطريق من سمرقند إلى زامين ثم إلى فرغانة أو الشاش فمن سمرقند إلى أباركث اثنا عشر ميلاً وذك نصف مرحلة ومنها إلى رباط سعد خمسة عشر ميلاً وهي مرحلة ومنها إلى مدينة زامين مرحلة وهي مدينة حاضرة بجميع مما يحتاج إليه من المتاجر والصناعات و بها مفرق الطريقين فطريق لمن أراد فرغانة والطريق لمن أراد الشاش. فمن أراد المسير إلى فرغانة سار من زامين إلى ساباط مرحلة وساباط مدينة صغيرة متحضرة متحركة الأسواق فيها صنائع ومنها إلى أركند مرحلة وهي مدينة ومن أركند إلى شاوكث مرحلة ومن شاوكث إلى خجندة مرحلة ومن خجندة إلى قرية كند مرحلة ومن كند إلى سوخ مرحلة ومن سوخ إلى باخسان مرحلة وهي ثمانية عشر ميلاً وأيضاً فإن من خجندة إلى باخسان خمسة عشر ميلاً وباخسان وسط بلاد فرغانة فالجملة ما بين سمرقند وباخسان مائة وستون ميلاً ومن باخسان إلى مدينة قبا المتقدم ذكرها مرحلة وهي مدينة من أجل البلاد مساكن وأكثرها نعماً وأوفرها خيراً وأوسعها مزارع وتقارب مدينة أخسيكث في القدر ولها قصبة وجامع حسن وربض في خارجها عليه سور يحيط به وبساتين كثيرة ومياه جارية عذبة ويقال إن كسرى أنوشروان بناها ونقل إليها من أهل كل بلد بيتاً وعمرها بهم وسماها أزهوخانه أي من أهل كل بيت ومن خجندة إلى قبا ثمانية وأربعون ميلاً وبين قبا وخجندة مدينة باخسان وبين باخسان وقبا ثلاثون ميلاً وبين باخسان وخجندة سبعة وعشرون ميلاً ومن قبا إلى أوش عشرة فراسخ وهي مدينة كبيرة وقد ذكرناها ومنها إلى أوزكند وهي آخر بلاد فرغانة مما يلي التبت وقد ذكرنا صفات هذه البلاد في الجزء الثامن من الإقليم الثالث على استقصاء كاف بعون الله تعالى. ثم نرجع فنقول إن مدينة بونجكث قاعدة أشروسنة ولها مدن منها فغكث وبينهما تسعة أميال وعلى طريق خجندة وهي مدينة صغيرة ذات أسواق ومتاجر وعمارات وزراعات ومدينة غزق صغيرة متحضرة بسوق عامرة وحصن قائم وبينهما وبين فغكث ستة أميال ومن غزث إلى خجندة ثمانية عشر ميلاً وفغكث وغزق كلاهما من أشروسنة وهما على طريق خجندة من بونجكث وأما خرقانة فإنها من بلاد أشروسنة وهي مدينة رائقة المنظر كبيرة القطر عامرة ومنها إلى زامين سبعة وعشرون ميلاً وكذلك من خرقانة إلى ديزك خمسة عشر ميلاً شمالاً وديزك مدينة عامرة حسنة في وطاء من الأرض ولها رستاق يعرف بفكنان وهي في شمال أشروسنة وبها يرابط أهل سمرقند وبها مياه جارية سائبة وبساتين وعمارات ومن زامين على طريق خاوس إلى كركث تسعة وثلاثون ميلاً عن يسار الذاهب إلى فرغانة وبين مدينة أشروسنة وساباط تسعة أميال مما يلي الجنوب والمشرق وبين نوجكث وخرقانة ستة أميال مما يلي الجنوب والمشرق من خرقانة وأما أرسيانيكث فهي على حدود فرغانة وهي من شرقي مدينة أشروسنة على سبعة وعشرين ميلاً فهذه جملة بلاد أشروسنة على التفصيل. وأما الشاش وإيلاق فمقدار عرضها مسيرة يوم في ثلاثة أيام وليس فيما وراء النهر إقليم على هيئتها أكثر منابر وقرى عامرة وسعةً وبسطاً في العمارة وحدها من نهر الشاش وحدها الآخر يتصل بباب الحديد حيث البرية المعروفة بالقلاص المجاورة لاسبيجاب والشاش في أرض مستوية سهلة لا جبل فيها ولا أرض مرتفعة وبساتينها وخضرتها ومتنزهاتها كثيرة وهي من الثغور التي في نحر

الترك ولأهلها شوكة ومنعة ومن أخصب بلادها وأمنعها بنكث ودنفغانكث وجينانجكث ونجاكث وفناكث وخرشكث واستبيغوا واردلانكث وخذينكث وكنكراك وكلشجك وغركنده وغناج وجبوزن ووردوك وكبرنه وغدرانك ونوجكث وغزك وأبرذكث وبغنكث وبركوش وخاتونكث وجبغوكث وفرنكث وكذاك وتكالك فهذه مدن الشاش. فأما مدينة بنكث فمدينة جليلة المقدار كثيرة الساكن والعمار والتجارات الواسعة والأرزاق الدارة والخيرات الوافرة وعليها سور حصين ولها مياه جارية ومتنزهات عالية ولها ربض خارج المدينة عليه سور وأكثر الأسواق العامرة في الربض وللشاش نهر آخر يقع في نهرها يعرف بهر برك يخرج بعضه من بسكام وبعضه من جدغل وأصل منبعهما من بلاد الترك الخرلخية فيقع في نهو الشاش بحذاء نجاكث ويلي بنكث في الكبر خرشكث وهي مدينة عامرة حسنة الصفة كثيرة النزاهات عامرة الأفنية والدور ويلي خرشكث في الكبر مدينة استوركث وهي مدينة حصينة خصيبة كثيرة المياه والعمارات وباقي مدن الشاش أصغر من هذه وأضيق نفعاً وأقل جباية وعمارة. وأما مدن إيلاق فهي مجاورة للشاش من جهة الجنوب وقصبتها تعرف بتونكث ولها من المدن سكاكث وبانجخاش ونوكث وبالايان وتكث وأربلخ ونموذلغ وخمرك ونوجكث وكهسيم ودخكث وخرخانكث. فأما تونكث فهي قصبة إيلاق وهي مدينة كبيرة لها ربض عامر وعليها سوران حصينان وفي سورها عدة أبواب وأسواقها عامرة وجباياتها وافرة والمياه تخترق أزقتها وتسقي رساتيقها وتقوم بعمارتها وإيلاق قصبتها هي تونكث وهي أقل من نصف بنكث ولها قصبة حصينة والمدينة وأسواقها مع ربضها على ضفة نهر برك والأرض منها تتصل بنواحي إسبيجاب وهي مدينة عامرة ومكانها في مستو من الأرض ولها من البلاد بذخكث وسبانيكث والطراز وأطلخ وشلجي وكدر وستكند وشاوغر وصبران ووسيج. فأما سبانيكث فإنها قصبة كورة كنجدة وأما كدر فإنها قصبة باراب ووسيج أيضاً من بلاد باراب وصبران هي مدينة تجتمع بهالغزية للصلح والهدنة والتجارات إذإلىنعقد الصلح بينهم وباراب اسم الناحية ومقدارها في الطول والعرض أقل من يوم ولها منعة وبأس وهي ناحية متخية ذات غياض ومزارع. وستكند بها منبر وهي مجتمع للأتراك وهي على ضفة الوادي ويصب نهر برك بمقربة منها وهي في الجانب الغربي من الوادي وبين باراب وكنجدة مزارع ومراع خصيبة وحولهإلىمم من الأتراك الغزية قد أسلموا منذ عهد قديم وهم مقيمون بهذه الناحية ينتجعون هذه المراعي وكذلك مدينة الطراز فهي متجر للمسلمين وبين الأتراك وبينهم حصون منسوبة إليهم ويليهم من شمالهإلىلترك الخرلخية وبينهم في أكثر الأوقات حروب وغارات وإذا كانت الهدنة كانت بينهم تجارات ومعاملات بالأمتعة والسائمة والأوبار وغير ذلك. وأما خجندة فإنها متاخمة لفرغانة وهي في جملها منفردة في الأعمال وهي في غربي نهر الشاش وطولها أكثر من عرضها ومدينة كند من خجندة على ثلاثة أميال وهي حسنة جليلة وكلها كروم وبساتين وليس في عملها مدينة غير كند وهي بساتين ودور متقربة ومدينة وقصبة وجامعها في المدينة ودار الإمارة في الميدان بالربض وينحدر النهر إليها وهو نهر الشاش ومخرجه من أنهار تجتمع إليه من بلاد الترك في حدود أوزكند وتنصب إليه أنهار أخر فيجتمع الكل منها ويمر فيمتد إلى أخسيكث ثم يمر على خجندة ثم على بناكث ثم على ستكند ويجري إلى باراب وإذا جاوز حد صبران جرى في برية تكون في حاشية الأتراك الغزية فيمتد إلى القرية الحديثة على ثلاثة أميال منها ثم يقع في بحيرة خوارزم على مرحلتين من الحديثة والقرية الحديثة فيها مسلمون غير أنها دار مملكة الغزية ويقيم بها في الشتاء ملك الغزية وبقربها جند وخوارة فيها مسلمون والسلطان فيها للغزية ومن خوارزم إليها عشر مراحل والقرية هي أيضاً من باراب على عشرين مرحلة. وفرغانة أسم الإقليم وهو عريض موضوع على سعة مدنها وقراها وقصبتها أخسيكث وأخسيكث مدينة جليلة على شاطى نهر الشاش على أرض مستوية بينها وبين الجبل ميل ونصف وهي على شمال النهر ولها ربض عامر وأسواقها في مدينتها وربضها وأكثر أسواقها في مدينتها وبها مياه تخترق أزقتها جارية وهياض كثيرة وأمامها إذا عبرت منها نهر الشاش مروج ومراع كثيرة رمال مقدار مرحلة.الترك ولأهلها شوكة ومنعة ومن أخصب بلادها وأمنعها بنكث ودنفغانكث وجينانجكث ونجاكث وفناكث وخرشكث واستبيغوا واردلانكث وخذينكث وكنكراك وكلشجك وغركنده وغناج وجبوزن ووردوك وكبرنه وغدرانك ونوجكث وغزك وأبرذكث وبغنكث وبركوش وخاتونكث وجبغوكث وفرنكث وكذاك وتكالك فهذه مدن الشاش. فأما مدينة بنكث فمدينة جليلة المقدار كثيرة الساكن والعمار والتجارات الواسعة والأرزاق الدارة والخيرات الوافرة وعليها سور حصين ولها مياه جارية ومتنزهات عالية ولها ربض خارج المدينة عليه سور وأكثر الأسواق العامرة في الربض وللشاش نهر آخر يقع في نهرها يعرف بهر برك يخرج بعضه من بسكام وبعضه من جدغل وأصل منبعهما من بلاد الترك الخرلخية فيقع في نهو الشاش بحذاء نجاكث ويلي بنكث في الكبر خرشكث وهي مدينة عامرة حسنة الصفة كثيرة النزاهات عامرة الأفنية والدور ويلي خرشكث في الكبر مدينة استوركث وهي مدينة حصينة خصيبة كثيرة المياه والعمارات وباقي مدن الشاش أصغر من هذه وأضيق نفعاً وأقل جباية وعمارة. وأما مدن إيلاق فهي مجاورة للشاش من جهة الجنوب وقصبتها تعرف بتونكث ولها من المدن سكاكث وبانجخاش ونوكث وبالايان وتكث وأربلخ ونموذلغ وخمرك ونوجكث وكهسيم ودخكث وخرخانكث. فأما تونكث فهي قصبة إيلاق وهي مدينة كبيرة لها ربض عامر وعليها سوران حصينان وفي سورها عدة أبواب وأسواقها عامرة وجباياتها وافرة والمياه تخترق أزقتها وتسقي رساتيقها وتقوم بعمارتها وإيلاق قصبتها هي تونكث وهي أقل من نصف بنكث ولها قصبة حصينة والمدينة وأسواقها مع ربضها على ضفة نهر برك والأرض منها تتصل بنواحي إسبيجاب وهي مدينة عامرة ومكانها في مستو من الأرض ولها من البلاد بذخكث وسبانيكث والطراز وأطلخ وشلجي وكدر وستكند وشاوغر وصبران ووسيج. فأما سبانيكث فإنها قصبة كورة كنجدة وأما كدر فإنها قصبة باراب ووسيج أيضاً من بلاد باراب وصبران هي مدينة تجتمع بهالغزية للصلح والهدنة والتجارات إذإلىنعقد الصلح بينهم وباراب اسم الناحية ومقدارها في الطول والعرض أقل من يوم ولها منعة وبأس وهي ناحية متخية ذات غياض ومزارع. وستكند بها منبر وهي مجتمع للأتراك وهي على ضفة الوادي ويصب نهر برك بمقربة منها وهي في الجانب الغربي من الوادي وبين باراب وكنجدة مزارع ومراع خصيبة وحولهإلىمم من الأتراك الغزية قد أسلموا منذ عهد قديم وهم مقيمون بهذه الناحية ينتجعون هذه المراعي وكذلك مدينة الطراز فهي متجر للمسلمين وبين الأتراك وبينهم حصون منسوبة إليهم ويليهم من شمالهإلىلترك الخرلخية وبينهم في أكثر الأوقات حروب وغارات وإذا كانت الهدنة كانت بينهم تجارات ومعاملات بالأمتعة والسائمة والأوبار وغير ذلك. وأما خجندة فإنها متاخمة لفرغانة وهي في جملها منفردة في الأعمال وهي في غربي نهر الشاش وطولها أكثر من عرضها ومدينة كند من خجندة على ثلاثة أميال وهي حسنة جليلة وكلها كروم وبساتين وليس في عملها مدينة غير كند وهي بساتين ودور متقربة ومدينة وقصبة وجامعها في المدينة ودار الإمارة في الميدان بالربض وينحدر النهر إليها وهو نهر الشاش ومخرجه من أنهار تجتمع إليه من بلاد الترك في حدود أوزكند وتنصب إليه أنهار أخر فيجتمع الكل منها ويمر فيمتد إلى أخسيكث ثم يمر على خجندة ثم على بناكث ثم على ستكند ويجري إلى باراب وإذا جاوز حد صبران جرى في برية تكون في حاشية الأتراك الغزية فيمتد إلى القرية الحديثة على ثلاثة أميال منها ثم يقع في بحيرة خوارزم على مرحلتين من الحديثة والقرية الحديثة فيها مسلمون غير أنها دار مملكة الغزية ويقيم بها في الشتاء ملك الغزية وبقربها جند وخوارة فيها مسلمون والسلطان فيها للغزية ومن خوارزم إليها عشر مراحل والقرية هي أيضاً من باراب على عشرين مرحلة. وفرغانة أسم الإقليم وهو عريض موضوع على سعة مدنها وقراها وقصبتها أخسيكث وأخسيكث مدينة جليلة على شاطى نهر الشاش على أرض مستوية بينها وبين الجبل ميل ونصف وهي على شمال النهر ولها ربض عامر وأسواقها في مدينتها وربضها وأكثر أسواقها في مدينتها وبها مياه تخترق أزقتها جارية وهياض كثيرة وأمامها إذا عبرت منها نهر الشاش مروج ومراع كثيرة رمال مقدار مرحلة.

ومن أخسيكث إلى قبا ثلاث مراحل وبين أخسيكث وأوزكند أربع مراحل وجملة ما بين نهر جيحون من مدينة فربر إلى أوزكند ثلاث وعشرون مرحلة وأوزكند مدينة قد سبق ذكرها وهي متاجر على باب الأتراك ولها بساتين وحدائق وجنات ملتفة ومياه مخترقة. ومن كورة فرغانة نسيا العليا ونسيا السفلى المتصلتان بروذان وكذلك روذان هذه وجدغل وأورست. فأما مدن نسيا العليا فهي أول كورة من فرغانة إذا دخلت إليها من ناحية خجندة ومن مدنها وانكث وسوخ وخواكند ورشتان. ونسيا السفلى تتصل بها ومن مدنها مرغينان وزندرامش ونجرنك واستيقان واندكان وهلى. وهاتان الكورتان من فرغانة سهول ومروج وليس في أصقاعها جبال. وأسبره مدينة سهلية جبلية ومن مدنها طماخش وبامكاخش. وسوخ مدينة على حدة من الجبال ولها ستون قرية وهي مدينة جليلة على حدة وأوال أسم المدينة ولها قرى وهي كورة على حدة ونقاد مدينة جبلية وهي اسم الكورة ومدينتها مسكان وليس لها مدينة غيرها وأوش اسم المدينة وقبا أسم المدينة ولها قرى كثيرة وليس في حد قبا مدينة غيرها وفي حد أوش مدينة أخرى تسمى مدوا وبينهما ستة أميال وأوزكند اسم المدينة ولها قرى وليس في عمالتها مدينة أخرى غيرها وكاسان اسم المدينة واسم الناحية أيضاً ولها قرى كثيرة وجدغل اسم الكورة ومدينتها أردلانكث وليس في عملها مدينة غيرها وميان روذان اسم الكورة ولها قرى كثيرة ومدينتها خيلام وكروان اسم المدينة ولها قرى ونجم اسم قرى كثيرة وأورست لها قرى كثيرة وأستياكند وشلات لهما قرى كثيرة وهما بابان للترك ويفضى إليهما من ميان روذان كما أن أوزكند باب للترك. والطريق من سمرقند إلى الشاش من سمرقند إلى أباركث مرحلة ومن أباركث إلى رباط سعد مرحلة ومن رباط سعد إلى فورنمذ مرحلة ومن فورنمذ إلى زامين مرحلة ومن زامين إلى ساباط مرحلة ثم إلى قطوان دزه مرحلة وإن شئت نزلت خرقانة ومنها إلى ديزاك مرحلة ومنها إلى بئر الحسين مرحلة ثم بئر حميد مرحلة ثم إلى وينكرد مرحلة إلى أستوركث مرحلة ثم إلى بنكث مرحلة ثم إلى رباط بالقلاص مرحلة ويدعى انفرن ثم إلى غركرد وهي قرية مرحلة ثم إلى اسبيجاب مرحلة ثم إلى بذخكث مرحلة ومن بذخكث إلى الطراز يومان لا رباط بينهما ولا عمارة هناك ومن أراد طريق بناكث فإنه ينزل من أباركث إلى رباط سعد ومنه إلى زامين إلى خاوس إلى بناكث ثم إلى استوركث والجميع من وادي جيحون إلى الطراز ثلاث وعشرون مرحلة. ومدن الشاش وإيلاق واسبيجاب فكلها تتقارب أعمالها وتتداخل أكوارها. وأما أخسيكث فإن منها إلى شكث سبعة وعشرون ميلاً وهي أول مدن ميان روذان ومن أخسيكث إلى سلات آخر ميان روذان نحو من خمس مراحل ومن أخسيكث إلى كروان سبعة وعشرون ميلاً وتتصل بلاد أخسيكث ببلاد إيلاق كما قدمناه وبين كند ونهر الشاش ثلاثة أميال وكذلك بين وانكث والوادي زيادة على ثلاثة أميال ولقبا رستاق بينه وبين نهر الشاش مرحلة ومن قبا إلى استيقان تسعة أميال ومن استيقان إلى الوادي أحد وعشرون ميلاً وكذلك استيقان وكلشجك وأردلانكث وبسكث وسامسيرك كلها في مقدار مرحلة في نحوها وأيضاً من المدن التي ما بين بناكث وتونكث ونهر الشاش ونهر إيلاق فإنها غرجند وخاش ودخكث وتكث وكه سيم كلها في مقدار يومين طولاً وفي أقل من يوم عرضاً وأما ما بين نهر إيلاق ونهر الشاش من غربي من تونكث فإنها أربلخ ونموذلغ في مقدار خمسة عشر ميلاً وجينانجكث على طريق وينكرد إلى بنكث وبينها وبين نهر الشاش ستة أميال ونجاكث على نهر الشاش ويجتمع الواديان عندها أعني نهر برك في الشاش وبينها وبين نهر بناكث تسعة أميال وخاتونكث على نهر برك بقرب خذينكث على سمتها ومنها إلى خذينكث اثنا عشر ميلاً على سمت المشرق وسنذكر بقية بلاد الشاش فيما بعد بحول الله تعالى. نجز الجزء الثامن من الإقليم الرابع والحمد لله يتلوه الجزء التاسع منه إن شاء الله تعالى.
الجزء التاسع.

إن الذي تضمن هذا الجزء التاسع من الإقليم الرابع قطعة من بلاد خاقان خرلخ والأتراك الخرلخية وهي روذان وبلاد يالان وبلاد برسخان السفلى وأرض الخلجية ومدنها وأنهارها وقلاعها وبعض بلاد الكيماكية ونحن نريد أن نذكر ذلك على نص حقيقة ما هو عليه كما سبق لنا قبل هذا بحول الله تعالى. فنقول إن الطريق من أخسيكث إلى قرنطية من بلاد التغزغز فمن أخسيكث إلى كشوكث مرحلة ثم إلى إنشت مرحلة إلى كنشكاث مرحلة ثم إلى بوكند مرحلة ثم إلى كركث مرحلة ثم إلى الجبل مرحلة ومن الجبل إلى حولك ثلاث مراحل ومن قرية حولك إلى مدينة خاقان خرلخ ثلاثة وثلاثون ميلاً وهي مدينة خاقان الخرلخية وهي مدينة كثيرة العمارة والحصانة والرجال والعدد ثم إلى أطراقانا وهي مدينة كبيرة من مدن الخرلخية ست مراحل ومدينة أطراقانا لها حصن حصين وماؤها من عيون ناشعة وفيها رجال أنجاد من تحت ملك الخرلخية ومن مدينة أطراقانإلىلى مدينة قرنطية عشر مراحل في مفازة فيها قوم من الترك رحالة ولهم سوائم وجمال وحالات حسنة ومدينة قرنطية أول مدينة من مدن الكيماكية وهي كبيرة طولها تسعة أميال في عرض ثلاثة أميال وهي على بحيرة كبيرة تسمى بحيرة غاغان وطولها فيما يحكى ستة أيام في عرض يوم ونصف وملك قرنطية ذو بأس وجلادة ورجال وعدد كثيرة وخيول ورماة قسي بل كلهم يرمون بالقسي ومنها إلى مدينة ملك الكيماكية أربع وعشرون مرحلة وهذا الطريق كله من الغرب إلى المشرق. ومن مدينة قرنطية إلى باخوان سبعة أيام ومن أطراقانا إلى باخوان ثلاث مراحل جنوباً. وهذه البحيرة المنسوبة إلى غاغان عليها من جهة المغرب مدينة غاغان وبينها وبين قرنطية ست مراحل وغاغان مدينة حسنة كثيرة الخيرات دارة البركات وبها طرز لعمل ثياب الحرير ويتخذ بها من ثياب الوبر كل غريبة وتجار الترك يتجهزون بها منها بالكثير إلى سائر بلاد الترك. ومن مدينة غاغان إلى دموريا غرباً أربعة أيام ومدينة دموريا مدينة من بلاد الكيماكية عامرة القطر كثيرة البشر ومن دموريا إلى مدينة سراوس بين شمال وشرق مرحلتان في عمارة وقرى للترك الكيماكية وسراوس مدينة كبيرة لها سور حصين وخيول وفرسان وأنجاد من الترك ومنها إلى غاغان جنوباً ثلاثة أيام. ودموريا وسراوس على نهر شريا وهو نهر كثير الماء لين الجرية والسفن فيه مختلفة صاعدة ونازلة ونهر شريا منبعه من عينين إحداهما عين في أصل جبل أشلوب والثانية من أرض دموريا ثم يجري ماؤها شرقاً إلى مدينة سراوس ثم يمر حتى يصب في بحيرة غاغان في أسفلها من جهة الشمال وذلك أن جرية هذا النهر من أوله إلى مصبه في البحر خمسة وسبعون فرسخاً وهي من الأميال مائتا ميل وخمسة وعشرون ميلاً. وكذلك من مدينة سراوس إلى مدينة بنجار شرقاً والطريق بينهما مفاوز وأرض جدبة والطريق في حضيض جبل غرعز عشرة أيام غير أن هذه الطريق آمنة جداً ومدنة بنجار كبيرة القطر عامرة بأصناف الترك الكيماكية وفيها أجناد وعدد وأموال يتصرف أهلها فيها وفي جبالها معادن فضة ويصاد فيها أنواع من النمور والنبر والببر واليلغش وعدة من الحيوانات ذات الأوبار والتجار يخرجونها إلى سائر البلاد. ومن أراد السفر أيضاً في الماء إلى غاغان أو إلى قرنطية أو إلى سراوس أو إلى دموريا سار من بنجار إلى قرية دهراة وبها المراكب الحمالة وهي على ضفة البحيرة وبينهما يوم ونصف يوم تخرج من بنجار إلى رأس العقبة وبها المنزل ثم تنزل من العقبة إلى قرية دهراة فتركب في المراكب فمن شاء المسير إلى قرنطية سار في طول البحيرة ست مراحل بالمدافع والمشي فيها مساحلاً وإن قطع روسية بالقلاع قطعها في ثلاثة مجار وكذلك إن أراد مدينة غاغان قطع إليها عرضاً في يوم وليلة بالريح الطيبة ومن شاء مدينة سراوس أو مدينة دموريا ركب البحر من قرية دهراة إلى مصب نهر سراوس ومر بطرل النهر إلى مدينة سراوس أو إلى مدينة دموريا إليهما شاء إن شاء جذفاً أو جرياً بالقلاع.
ومن دموريا إلى مدينة خاقان خرلخ اثنا عشر يوماً مفاوز لا عامر بها وهو طريق مخوف وقلما يسلكه أحد إلا في العكسر الكبير وهذه المفازة حجز بين بلاد خرلخ وبلاد الكيماكية.

والطريق من الطراز إلى برسخان السفلى تسعة وثلاثون ميلاً وهي قرى وعمارات ثم إلى كصراباس ستة أميال وهي جرمية يشتو في مراعيها الترك الخرلخية وبقربها مع الجبل مشتى الخلجية وهم صنف من الأتراك مهادنون ومنها إلى كول شوب اثنا عشر ميلاً ثم إلى جبل شرب وهي قرية عامرة للأتراك اثنا عشر ميلاً ثم إلى كولان قرية غناء خمسة عشر ميلاً ومن قرية كولان إلى قرية برك خمسة عشر ميلاً ونهر برك يخرج من جبلها وإليها ينسب فيمر ببلاد إيلاق ويصب في نهر الشاش ومنها إلى أشبره خمسة عشر ميلاً ثم إلى قرية غناء بوركث أربعة وعشرون ميلاً ثم إلى قرية جول اثنا عشر ميلاً وهي قرية عظيمة ثم إلى سارغ وهي قرية عظيمة أحد وعشرون ميلاً ثم إلى مدينة خاقان اثنا عشر ميلاً ثم إلى نواكث اثنا عشر ميلاً ثم إلى كبال ستة وثلاثون ميلاً ثم إلى برسخان العليا نحو عشر مراحل بسير القوافل في مراع خصبة ومياه جارية فأما لبريد الترك فخمسة أيام. والطريق من الطراز إلى بنجار من بلاد الكيماك وهي ستة وثلاثون مرحلة من الطراز إلى كصرا خمسة وأربعون ميلاً ثم يتجاوز الجبل ويمر إلى دمرناخ أربع مراحل ودمرناخ مدينة صغيرة على أصل جبل وفيها رجال أنجاد وعدد وأسلحة ومنها في مفاوز وأرض غير عامرة كثيرة الخصب وبها قوم من الخلجية طواعن لهم بيوت شعر يأوون إليها مثل العرب إلى قلعة خيخم عشرون مرحلة شرقاً وهى قلعة للأتراك الخلجية وبها ملكهم وله عدة واستعداد وعساكر وأجناد وبلاد خصبة وهذه القلعة منقورة في رأس جبل والماء قد عم ذلك الحفر المستدير بجمل الحمن فصار كالبحيرة المستديرة به وفي هذا الماء حوت كثير وسمك غزير ويصاد به منه الشيء الكثير ومن حصن خيخم إلى قلعة ذهلان شرقاً سبع مراحل وقلعة ذهلان أيضاً حصن منيع ومعقل رفيع وبه عدة ورجال وهو من عمالة كيماك وهو أول نظره وأسفل هذا الحصن أيضاً بركة ماء كبيرة عظيمة عذبة في نفس الجبل ومنها يشرب أهل الحصن ومن قلعة ذهلان إلى بنجار أربع مراحل في عمارة متصلة ومزارع حنطة وشعير وأرز. ومن قلعة ذهلان إلى خناوش ستة أيام شمالاً ومدينة خناوش عامرة للكيماكية وهي على نهر يخرج من الجبل الذي عليه قلعة ذهلان وهذا النهر أيضاً يقع فيه نهر آخر يخرج من جبل لالان. ومن خناوش إلى مدينة لالان ست مراحل غرباً ومدينة لالان في أسفل جبل عال وعلى أعلى الجبل صنم عظيم مبني على أعلاه صورة رخام وأهل تلك الناحية يتعبدون إليه ويصدقون عليه ويأتونه من كل فج عميق. والطريق من مدينة دمرناخ إلى مدينة لالان طريقان فالطريق الأعلى من مدينة دمرناخ إلى مدينة شالونيا شرقاً أربع مراحل ثم إلى مدينة بغراز ست مراحل شرقاً وهي قلعة حصينة ومنه إلى لالان سبع مراحل. ومن مدينة شالونيا إلى جينقو أربع مراحل شمالاً ومن جينقو إلى نغران ست مراحل ونغران مدينة حسنة في سفح جبل ولها قلعة حسنة لا تنال إلا بعد جهد ولها عمارات وزراعات متصلة وشرب أهلها من الآبار المنقورة في الصخر ومنها إلى مدينة لالان شرقاً ست مراحل. ومدينة لالان مدينة كبيرة القطر كثيرة العمارة وهي في سفح جبل يكتنفها من جنوبها وهذا الجبل يعرف بجبل لالان وعلى مسير يومين من غربيها ينفجر نهر كبير يمر في جهة الغرب فيقع في بحيرة كبيرة كثيرة الماء والحوت يصاد بها كثيراً. ومن شاء سار من دمرناخ المتقدم ذكرها إلى بنخدخ خمس مراحل شمالاً وهي مدينة حسنة ومن بنخدخ إلى جينقو خمس مراحل وجينقو مدينة كبيرة عامرة ومنها إلى نغران ست مراحل وكذلك من نغران إلى لالان ست مراحل وقد ذكرنا ذلك. نجز الجزء التاسع من الإقليم الرابع والحمد لله ويتلوه الجزء العاشر إن شاء الله تعالى.
الجزء العاشر.

إن هذا الجزء العاشر من الإقليم الرابع تضمن قطعة من بلاد ما خلف النهر من بلاد الكيماكية فيها عدة من بلادها وأملاكها ولها أنهار كثيرة ومراع وجهات وبتمام هذا الجزء يتم ذكر الإقليم الرابع ثم نذكر الإقليم الخامس على تواليه ونريد أن نذكر ما في هذا الجزء على التقصي مثل ما سبق لنا في سائر أجزاء السالفة من هذا الكتاب. فنقول إن ملك الكيماكية من أعظم الملوك قدراً وأجلهم خطراً والكيماكية بشر كثير وجمع غزير وهم مجوس يعبدون النار وفيهم زنادقة وسكناهم في غياض وأشجار ملتفة يتبعون الكلأ وبين الطراز وموضع مدينة الملك التي بها ملكه أحد وثمانون يوماً في مفاوز بلاد الأتراك الخلجية وبلادهم أوسع البلاد أقطاراً وأكثرها خصباً وغماراً. وكيماك في جنوبها لتغزغز ومع غربيها وجنوبها لخرلخية مما يلي ناحية التبت وفي غربيها الخلجية وفي شرقيها بحر الظلمة أيضاً وفي هذا البحر جزر عامرة والتجار يسافرون إليها في الماء خوضاً على ظهور الدواب ويبيتون في كل ليلة على الشجر ودوابهم مربوطة في الماء إلى أصول تلك الشجر. ومدائن ملوك الكيماكية ست عشرة مدينة فمنها مدينة أسطور ونجعة وبوراغ وسيسيان ومنان ومستناح ومدينة الملك المسمى خاقانا وبنجار وذهلان وخناوش. والطريق من بنجار إلى مدينة خاقان يخرج من بنجار ماراً في عين الشرق إلى مدينة أسطور ست مراحل في مفاوز وأرضين غير عامرة. ومدينة أسطور مدينة عامرة بالأتراك ممتدة الزراعات ومياهها كثيرة وغلاتهم الحنطة والأرز وفيها معادن الحديد ويصنع منه الصناع كل مليحة ويصوغون منه كل عجيبة وهي على نهر غماش وأهلها أنجاد لهم عزم وحذر من ذلك أنهم لا يمشون إلا وهم حذرون شاكون في سلاحهم وأهلها بالجملة عن الهواء والماء أشجع الأتراك نفوساً وأنفذهم عزماً وأحماهم جانباً وأنجحهم طالباً ولهم عند ملوكهم حظوة وإعزاز ولهم أموال واسعة وأحوال وادعة. ومن مدينة أسطور إلى سيسيان اثنا عشر يوماً شرقاً في البر وفي النهر أقل من ذلك. ومدينة خاقان الملك مدينة عظيمة لها أسوار محدقة متحصنة وأبواب حديد وللملك بها أجناد كثيرة وعساكر واستعداد وملوك الأتراك تهاب سلطانه وتخاف نقمته وتحذر سطوته وتتوقى غاراته لما علموا له من ذلك وما تقدم فيهم من فعله وهو ملك عظيم ولا يتولى الملك فيهم إلا من هو من أهل الملك مع القدم. وملك الكيماكية يلبس حلة الذهب وقلنسوة الذهب المكللة ويظهر لأهل مملكته في أربعة أوقات من السنة وله حاجب ووزراء ودولة عادلة مأمونة وأهل دولته يحبونه لإحسانه إليهم ونظره في أمورهم وحمايته لهم من أعدائهم ولهذا الملك قصور ومبان شامخة ومتنزهات رائقة وله مع ذلك همة عالية وكرم طبع. وأهل مدينته لا يقولون بالهموم ولا تجدها قلوبهم ولا يعولون على فائت ولا يكترثون بالمصائب وهم أخصب أهل البلاد أندية وأطيبهم معايش وأكثرهم إنفاقاً وأعلاهم همماً ولباسهم الحرير الأحمر والأصفر ولا يلبس هذا النوع من الثياب إلا الخاصة والمياه تخترق أزقتهم وأسواقهم وبيعهم وسائر ديارهم وهم يدينون بدين الصابئين ويعبدون الشمس والملائكة.

ومن مدينة خاقان الملك إلى مدينة مستناح أربعة أيام في البر شمالاً ومع النهر إنحداراً أقل من ذلك ومستناح مدينة كانت فيما يذكر دار الملك قبل هذا وانتقلت المملكة عنها إلى المدينة التي هي الآن قاعدة دار الملك ومن هذه المدينة إلى البحر المحيط مسير ستة أيام. وجملة هذه المدن التي ذكرناها وأكملنا أوصافها على نهر غماش وهو نهر كبير يخرج من جبال بنجار فيذهب في ناحية المشرق إلى مدينة أسطور وهي في الجنوب وينحدر إلى أن يأتي مدينة سيسيان وهي منه في الشمال ومنها ينحدر حتى يأتي مدينة الملك وهي منه في الجنوب ومنها ينعطف النهر ماراً في جهة الشمال إلى مدينة مستناح وهي منه في الضفة الغربية ومن هذه المدينة ينحرف إلى جهة الشرق إلى أن ينصب في البحر. وبه سمك كثير وهيتات عظيمة وفيما حكى صاحب كتاب العجائب إن به سمكة صنجة وهي التي يستعمل منها أطباء الهند والصين السم القاتل من ساعة وليس فيما يدرى من السموم شيء أفعل ولا أوحى قتلاً منه والسم منها في مرارتها وهو لا يتغير ولا يبطل له فعل أربعين سنة. ويقع في هذا النهر أنهار كثيرة تمده وتفخم جريته وعلى ضفتيه غياض ملتفة وأشجار مصطفة وأكثر أشجاره الكركهار الذي ذكره أبو بكر بن وحشية في كتابه ويحكي أن عروق أصوله شفاء من سم ساعة. ومن مدينة خاقان الملك إلى مدينة بوراغ أربع مراحل بين جنوب وغرب ومن مدينة أسطور إلى مدينة نجعة وهي مدينة صغيرة على جبل منيع وليس لأحد صعود إلى رأس هذا الجبل بوجه ولا بسبب وبه للملك أموال وعدد وذخائر وعليها حراس وحفاظ من ناحية الملك. وجميع ساحل بحر الكيماكية يوجد به التبر عند هيجان البحر وتعاظم أمواجه والأتراك المجاورون لهذا الساحل يقصدون منه مواضع معلومة بأعيانها فيستخرجون منها التبر على ما جرت العادة من الجمع والغسل بالماء تصويلاً ثم يجمعون دقيقه بالزيبق فيسكبونه في أرواث البقر فيجتمع منه الشيء الكثير فيأخذ الملك منهم واجبه ثم يشتي أكثره وما فضل من ذلك تصرفت التجار به تلك البلاد. وفي هذه البلاد من دواب المسك الشيء الكثير لكن المسك التبتي أفضل من سائر المسك الهندي والصيني وسائر هذه الأرضين وفيها نقائع مياه تجتمع إليها سيول الأمطار وبها مزارع وخصب زائد وبوادي الأتراك تسرح بها وتنتقل من موضع إلى آخر حسب ما تأتيه الظواعن من العرب وبوادي البربر ولهم اهتمام بنتاج الجمال والخيل والترك كلهم يأكلون لحوم الخيل ويفضلونها على سائر اللحوم المأكولة من لحوم البقر والغنم وأكلهم الأرز واللحوم والسمك وعندهم الخمور قليلة. ولنسائهم جمال وحسن فائق ونساؤهم أجلد من رجالهم وأكثر تصرفاً فيما يحتاجون إليه لحدة أنفسهن وعزة أطباعهن وعندهم الدهن من الزيت وإنما يسرجون مصابيحهم بالشحم واللبن والسمن والعسل عندهم كثير والسموك عندهم أيضاً كذلك ودراهمهم نحاس ولباسهم التشمير وأطود أيامهم أربع عشر ساعة والأمطار عندهم كثيرة والأنواء متوالية والثلوج في جبالها دائمة شتاءً وصيفاً وقد جئنا بتمام الكلام في هذا الإقليم حسب الطاقة ومبلغ الجهد والإستطاعة والحمد لله على ذلك كثيراً. نجز الجزء العاشر من الإقليم الرابع والحمد لله ويتلوه الجزء الأول من الإقليم الخامس إن شاء الله.
الإقليم الخامس
الجزء الأول.

إن هذا الجزء الأول من الإقليم الخامس تضمن قطعة من شمال الأندلس فيها بلاد جليقية وبعض قشتالة وبلاد بيطو وبعض بلاد غشكونية من أرض الإفرنج. فأما بلاد برتقال فمنها مدينة قلمرية ومنت ميور ونجاو وسرتان وشلمنقة وسمورة وآبلة. وفيه من بلاد جليقية شقوبية وليون وشورية وبرغش وناجرة ولكروي وقسطيلة وبنت لرينة وبنبلونة وشنت مارية ودبلية وشنت جليانة وشنت بيطر وشنت أردم وشنت شلبطور ذولبيدة وبيونة. وفيه من بلاد هيكل سولى وتطيلة ووشقة وجاقة وقلهرة وفيه من بلاد غشكونية قرقشونة وقمنجة وشنت جوان وبيونة وآش وبرذال. وفيه من بلاد بيطو بذارس وبلفير وشنت جوان ورجالة وأنجيرش. وفيه من بلاد قاورش أنقلازمة وإبلافية. ونريد أن نتكلم على هذه البلاد التي سميناها وأحاط بها هذا الجزء المرسوم ونصف أحوالها وما هي عليه من الصفات وجميل الهيئات. فأول ذلك البحر الغربي من هذا الجزء الأول هو بحر الظلمات الذي قدمنا ذكره والظلمة لا تفارقه في طرفي النهار البتة ويجاور شنترة ولشبونة. من بلاد إشبانية مدينة قلمرية وهي مدينة صغيرة متحضرة عامرة كثيرة الكروم والفواكه من التفاح والجراسيا والعيون ومكانها في رأس جبل تراب منيع لا يمكن قتالها وهي على نهر يسمى نهر منديق وهو يجري منها في شرقيها وعليه أرحاء طاحنة. وبين قلمرية وشنترين في جهة الجنوب ثلاث مراحل وبين قلمرية والبحر في جهة الغرب اثنا عشر ميلاً وهناك يصب نهرها المسمى منديق. وعلى مصب النهر في البحر حصن منيع جداً يسمى منت ميور وهو في نحر البحر ولها زراعات وفوائد. والطريق من قلمرية إلى شنت ياقوب وذلك إن شئته في البحر سرت من حصن منت ميور إلى موقع نهر بوغو سبعين ميلاً وهو أول أرض برتقال وهو مجرى إلا شيئا وبرتقال أرض معمورة بالقرى والحصون والعمارات المتصلة وبها خيل ورجال حرابة يغيرون على من جاورهم ولا يستضاء بنارهم.
ونهر بوغو نهر كبير تدخله المراكب والشواني وماؤه يدخله المد والجزر أميالاً كثيرة ومنه إلى موقع نهر دويره خمسة عشر ميلاً وهذا النهر نهر كبير خرار كثير الماء شديد الجرية عميق القعر وعلى ضفته مدينة سمورة وبين سمورة والبحر ستون ميلاً. ومن هذا النهر إلى موقع وادي مينو ستون ميلاً وهو نهر كبير عظيم واسع كثير العمق والمد والجزر يدخله كثيراً والمراكب تدخله إرساءً وسفراً لما على ضفتيه من القرى والحصون وفي وسط هذا الوادي وعلى ستة أميال من البحر حصن في جزيرة متوسطة النهر وهو في نهاية من الحصانة والمنع لأنه على قنة جبل وعر ليس بكثير العلو ويسمى هذا الحصن أبراقة. ومن نهر مينو إلى موقع نهر طرون ستون ميلاً وهو أيضاً نهر كبير يدخله المد والجزر أميالاً كثيرة وعلى مقربة من البحر في وسطه جزيرة وفيها حصن كبير والنهر يضرب سوريه من كلتي الناحيتين وهو عامر كثير العمارات وله أقاليم وعمارات متصلة. ومنه إلى موقع نهر الأذر ستة أميال وهو نهر صغير لكنه يحمل المراكب الكبيرة إرساء ومن هذا النهر إلى مصب نهر وادي مرار ستة أميال وهو أيضاً نهر كبير والمد والجزر يدخله وترسى به كبار المراكب وهو نهر جريه من قريب وعلى موقع هذا النهر في البحر جزيرة صغيرة غير معمورة فيها مرسى وماء وحطب.

ومن موقع هذا النهر إلى موقع نهر شنت ياقوب ستة أميال ويسمى هذا النهر نهر أناشت وهو نهر كبير كثير الماء رحب الفناء يدخله المد والجزر وتطلع فيه المراكب الكبار نحواً من عشرين ميلاً وهناك قنطرة عظيمة عدد قسيها خمس قسي كبار جداً وارتفاعها بمقدار ما يدخله المركب الكبير بقلاعه وعلى طرف القنطرة حصن عظيم يسمى أناشت. ومنه إلى كنيسة شنت ياقوب نحو من ستة أميال وهذه الكنيسة مشهورة مقصود نحوها محجوج إليها والروم يأتونها من جميع الأقطار يحجون إليها وليس بعد كنيسة بيت المقدس كنيسة أعظم منها وهي تضاهي كنيسة قمامة في حسن البناء وسعة الفناء وكثرة الأموال والصدقات وفيها من صلبان الذهب والفضة المرصعة بأنواع أحجار الياقوت الملونة والزبرجد وسائر ذلك ما يشف عدده على ثلاث مائة صليب مصوغ بين كبير وصغير وفيها من الإقونات المصوغة من الذهب والفضة نحو مائتي إقونة ويخدمها مائة قسيس غير ما لهم من الأتباع والخدام وهذه الكنيسة مبنية بالحجر والجيار إفراغاً وقد أحاطت بها ديار يسكنها القسيسون والرهبان والدياقينون والشمامسة والداوديون وبها أسواق وبيع وشراء ويحيط بها قريباً منها وبعيداً قرى كبار كالمدن فيها البيع والشراء وفيها من الخلق أعداد لا تحصى. ومن كنيسة شنت ياقوب العظمى يخرج من البحر المظلم ذراع يمر من المغرب إلى المشرق وينعطف قليلاً إلى جهة الجنوب حتى يصل مدينة بيونة والطريق من شنت ياقوب إلى مدينة بيونة مساحلاً تأخذ من شنت ياقوب إلى وادي تامركة وهو نهر كبير ترسى به المراكب ومنه إلى رأس الطرف وهو يخرج في البحر كثيراً ومنه إلى الماء الأحمر وهو نهر كبير وعليه كنيسة عظيمة وبمقربة من برت طامة وعلى هذا الوادي أقاليم كثيرة وقرى وعمارات ومن شنت ياقوب إليه اثنان وأربعون ميلاً. ومن الماء الأحمر إلى أرمدة ستة أميال وهو حصن كبير على مقربة من البحر وله عمارات وقرى متصلة ومنه إلى حصن الفارو وهو حصن كبير جداً وبه أثر كنيسة عظيمة ومن الفارو إلى وادي أرتقيرة وهو نهر يدخله المد والجزر وعليه حصن يسمى منتويه ذبليه ستون ميلاً وله زراعات وحراثات متصلة. ومنه إلى وادي قلنبيرة وهو نهر كبير المصب والبحر يدخله وعليه نظر كبير وبقرب منه كنيسة جليانة ستون ميلاً ومن وادي قلنبيرة إلى وادي سندرية وهو نهر صغير لكنه عريض الفم والمراكب ترسى فيه وعليه كنيسة شنت بيطر ثلاثون ميلاً. ومنه إلى وادي رجينة وعليه كنيسة شنت أردم خمسة وأربعون ميلاً وهذا الوادي كبير والبحر يدخل فيه وفيه مرسى حسن وفي وسط هذا الوادي جزائر كثيرة معمورة وعليه أقاليم ومن هذا الوادي إلى وادي شلبطور ذولبيدة خمسون ميلاً وهو واد كبير ينتفع بمائه ويزرع عليه وعلى حوافيه وبقرب منه قرى كثيرة وعمارات متصلة ومنه إلى طرف بشكير الذي عليه مدينة بيونة ثلاثون ميلاً. وهذه المسافات المقسمة يأخذها المسافرون في ثلاثة عشر يوماً وأقل وأكثر وبيونة على آخر طرف هذا الخليج ومن بيونة ينعطف البحر راجعاً إلى جهة المغرب ومن حصن النهارو المتقدم ذكره قبل هذا يبتدئ جبل شيه فيمر مع مجرى البحر إلى أن يصل بيونة فمرة يبعد عن البحر حتى يكون بينهما يوم ومرة يقرب حتى يكون بينه وبين البحر خمسة عشر ميلاً ويتمادى متصلاً غير منفصل إلى مدينة بيونة. ويتصل هناك بجبل هيكل الزهرة ويكون طوله مسير تسع مراحل والمرحلة ثلاثون ميلاً ويمر هيكل الزهرة في آخر جزيرة الأندلس معرضاً فيسد ما بين البحر المظلم وهو بحر الإنقليشين إلى بحر الشام ويكون إمتداد هذا الجبل من مدينة بيونة إلى أرض برشلونة وهو جبل عظيم ويسمى جبل البرتات وهو حجز ما بين بلاد الأندلس وبلاد الإفرنجيين وطول هذا الجبل من الشمال إلى جهة الجنوب مع يسير تقويس سبعة أيام وهو جبل عال جداً صعب الصعود فيه. وفيه أربعة أبواب فيها مضايق يدخلها الفارس بعد الفارس وهذه الأبواب عراض لها مسافات وهي نحوفة الطرق وأحد هذه الأبواب الباب الذي في ناحية برشلونة ويسمى برت جاقة والباب الثاني الذي يليه يسمى برت أشبرة والباب الثالث منها يسمى برت شيزروا وطوله في عرض الجبل خمسة وثلاثون ميلاً والباب الرابع منها يسمى برت بيونة ويتصل بكل برت منها مدن في الجهتين فمما يلي برت شيزروا مدينة بنبلونة والباب المسمى باب جاقة عليه مدينة جاقة وسنذكر ما خلف هذا الجبل

وما اتصل به من بلاد الروم بعد هذا بحول الله. ولنرجع الآن إلى ذكر ما كنا بدأنا به أولً فنقول الطريق من قلمرية إلى شنت ياقوب على البر من قلمرية إلى قرية آبه مرحلة ومن قرية آبه إلى قرية وطيره مرحلة ومنها الى أول بلاد برتقال مرحلة ويقطع الطريق عرض أرض برتقال في يوم وهناك قرية بونة قار وهي على ضفة نهر دويره وهو نهر سمورة ويعبر هناك في مراكب متخذة للجواز بها ومن القرية إلى نهر مينو إلى حصن أبراقة ستون ميلاً وهو مرحلتان ومن حصن أبراقة إلى مدينة طوية مرحلتان وهي مدينة صغيرة حسنة خصيبة ومن طوية إلى شنت ياقوب مرحلة وقد وصفنا شنت ياقوب بما يكفي ويغنى عن تكراره. وكذلك من مدينة قلمرية إلى مدينة شلمنقة ثلاث مراحل بين شرق وشمال ومن شلمنقة إلى سمورة مرحلة ومدينة سمورة مدينة جليلة قاعدة من قواعد الروم ومكانها على شمال نهر دويره وعلها سور حجارة حصين ولها خصب كثير وكروم ولأهلها أموال وتجارات. ومن سمورة إلى مدينة ليون أربعة أيام وهي مائة ميل ومدينة ليون قاعدة مدن قشتالة وهي عامرة وبها رجال محاربون ولهم معاملات وتجارات بالمكاسب والنتاج ولأهلها همة ونفاسة. ومن مدينة ليون إلى مدينة أشترقة مرحلة وهي صغيرة متحضرة ومنها إلى الجبل المسمى منت راد اثنا عشر ميلاً ثم إلى جبل منت فبرير اثنا عشر ميلاً ثم إلى شنت ياقوب ثلاثة أيام في قرى وعمارات متصلات وبين ليون والفارو التي على البحر الإنقلشي ثلاثة أيام. وكذلك الطريق من مدينة ليون إلى مدينة بنبلونة شرقاً من مدينة ليون إلى مدينة سنفقون مرحلة وهو حصن عامر آهل حسن الجهات عامر المحلات ومنه إلى مدينة قريون يوم وهي مدينة متحضرة متوسطة المقدار كثيرة الخصب والمزارع ومنها إلى مدينة برغش مرحلتان ومدينة برغش مدينة كبيرة يفصلها نهر ولكل جزء منها سور والأغلب على الجزء الواحد منها اليهود وهي حصينة منيعة ذات أسواق وتجار وعدد وأموال و هي رصيف للقاصد والمتجول وهي كثيرة الكروم ولها رساتيق وأقاليم معمورة. ومن مدينة برغش إلى مدينة ناجرة يوم وهي مدينة عامرة ومنها إلى قسطيلة يوم وقسطيلة حصن كبير عامر آهل جيد ولأهله جلادة وحزم ومن حصن قسطيلة إلى حصن بنت لرينة يوم وهو حصن حصين وله كروم كثيرة وأعمال واسعة ومنه إلى مدينة بنبلونة يوم ومن مدينة بنبلونة إلى مدينة بيونة على ساحل البحر يومان والدخول إلى بنبلونة على البرت المنسوب إلى بيونة كما ذكرناه آنفاً. ومن مدينة ليون السابق ذكرها إلى مدينة طليطلة سبعة أيام وكذلك من مدينة برغش أيضاً إلى مدينة طليطلة سبعة أيام ومن شنت ياقوب إلى طليطلة على الطريق القصد تسع مراحل ومن مدينة شلمنقة إلى مدينة آبلة خمسون ميلاً وهي قرى مجتمعة وأهلها يركبون الخيال وهم أهل نجدة ومنها إلى شقوبية خمسون ميلاً شرقاً وشقوبية ليست بمدينة ولكنها قرى كثيرة متجاورة متقاربة متداخلة العمارات وفيها بشر كثير وجم غفير وكلهم خيل الملك صاحب طليطلة وهم أصحاب نتاج وسوائم وهم مشهورون بالحروب والصبر عليها أنجاد أجلاد. ومن شتقوبية إلى تطيلة مائة ميل بين جنوب وشرق ومن تطيلة إلى سرقسطة خمسون ميلاً فذلك جملة هذا الطريق من شلمنقة إلى سرقسطة عشر مراحل وقد ذكرنا سرقسطة وما جاورها من البلاد في موضعها من الإقليم الرابع قبل هذا حسب ما يجب من ذلك وكذلك من تطيلة المتقدم ذكرها إلى مدينة سالم يوم وبعض يوم. ومن سرقسطة إلى وشقة خمسون ميلاً ومن وشقة إلى لاردة سبعون ميلاً ومن وشقة إلى مكناسة سبعون ميلاً وبين لاردة ومكناسة خمسون ميلاً فأما مدينة رشقة فإنها مدينة حسنة متحضرة ذات متاجر وأسواق عامرة وصنائع قائمة متصرفة. وأيضاً إن مدينة مكناسة صغيرة شبيهة بالحصن وهي من ثغور الأندلس وكذلك مدينة لاردة مدينة متوسطة القدر كثيرة المنافع على نهر الزيتون وهو نهر يأتي من جبل البرتاب فيجتاز بجاقة من شرقيها إلى لاردة ويجتاز أيضاً بسورها الشرقي فيصل مكناسة فيصب بها في نهر إبره ومكناسة بين النهرين. ومن لاردة إلى إفراغة وهو حصن ممدن له أسواق وصناعات وأهله أنجاد أجلاد وبينهما خمسون ميلاً. ومن إفراغة إلى مدينة طرطوشة خمسون ميلاً ومدينة طرطوشة مدينة حسنة على نهر إبره وبينها وبين البحر الشامي عشرون ميلاً ولها قلعة حصينة وينبت بجبالها من خشب الصنوبر ما ليس بمعمور الأرض مثله صفة في

حسن ديباجته وعظمه وطوله ويحمل منها إلى أقطار الأرض المتباعدة والمتقاربة ويتخذ منه الأنقاض للملوك والخزائن وتعمل منه الصواري للمراكب السفرية والقرى وأنواع الآلات الحربية مثل الأبراج والنهيسات والسلالم ونحوها. ومن مدينة طرطوشة إلى مدينة طركونة اليهود خمسة وأربعون ميلاً وطركونة مدينة على نحر البحر لها سور من رخام أسود وأبيض وقليلاً ما يوجد مثله صفة وهذه المدينة في وقتنا هذا معمورة وكانت في قديم الزمان خالية لأنها كانت فيما بين حد المسلمين والروم وهي مدينة حسنة والأحناش بها مؤذية كثيرة ولها مرسى حسن ومياهها موجودة. ومنها إلى برشلونة خمسون ميلاً ومدينة برشلونة على نحر البحر ومرساها ترش لا تدخله المراكب إلا عن معرفة وترؤس على ركوب البحر وهي مدينة لها ربض وعليها سور منيع والدخول إليها والخروج عنها إلى الأندلس على باب في الجبل المسمى هيكل الزهرة وبالرومية البرينو وبرشلونة يسكنها ملك إفرنجة وهي دار ملكهم وله مراكب تسافر وتغزو وللإفرنج شوكة لاترد وحملة لا تصد ويذكر أنهم من أبناء جفنة وبلاد برشلونة كثيرة الحنطة والحبوب والعسول. ومن برشلونة إلى قرقشونة أربعة أيام شمالاً ومدينة قرقشونة مدينة حسنة في سفح الجبل ولها كروم ومياه كثيرة ومن قرقشونة إلى قمنجة شمالاً مع الجبل ثمانون ميلاً وقمنجة مدينة حسنة متوسطة لها مكاسب وفوائد ولها سور حجارة وشرب أهلها من مياه عيون جارية ومن قمنجة إلى طلوشة يومان بين شرق وجنوب ومن قرقشونة أيضاً إلى طلوشة شرقاً ستون ميلاً وكذلك من مدينة قمنجة إلى مرلانش ثمانون ميلاً. ومن قمنجة إلى شنت جوان مع الجبل ستون ميلاً وهي مدينة حسنة في سفح الجبل ولها كنيسة جليلة مقصودة ومن شنت جوان إلى مدينة مرلانش خمسة وستون ميلاً ومن مدينة شنت جوان أيضاً إلى مدينة بيونة مرحلتان شمالاً ومن مدينة شنت جوان التي مع الجبل إلى أوش سبعون ميلاً في جهة الشرق ومن مدينة بيونة إلى أوش تسعون ميلاً في جهة الشرق ومن مدينة بيونة مع الشمال إلى مدينة برذال سبعون ميلاً وكذلك من مدينة آش إلى برذال ثمانون ميلاً. وكل هذه البلاد التي ذكرناها هي بلاد غشكونية المجاورة لجبل البرتات ومن مدنها جرندة وقمنجة وطلوشة وقرقشونة وأوش ومرلانش وشنت جوان وبرذال وبين برذال والبحر نحو اثني عشر ميلاً ويتصل بإقليم غشكونية إقليم بربنصة وإقليم قاورش وإقليم برغش وإقليم بيطو وجميع هذه الأقاليم متصلة من جهة الشمال لإقليم غشكونية. فأما اقليم برغش فإنه يتصل بغشكونية موازياً لبيونة وفي جنوبه إقليم قاورش وفي شماله إقليم بيطو وأما اقليم برغش فقواعد بلاده مدينة آش ومدينة برغش ومدينة أنقلازمة ومدينة آجن من بلاد قاورش و نقول إن مدينة برغش مدينة مسورة وأقاليمها منسوبة إليها وهي عامرة كثيرة الخصب ماؤها كثير ومزارعها متصلة وبين مدينة برغش ومدينة آش ستون ميلاً وكذلك من مدينة برغش إلى مدينة آجن من إقليم قاورش خمسون ميلاً ومن مدينة آجن إلى مدينة قاورش ستون ميلاً شمالاً. ديباجته وعظمه وطوله ويحمل منها إلى أقطار الأرض المتباعدة والمتقاربة ويتخذ منه الأنقاض للملوك والخزائن وتعمل منه الصواري للمراكب السفرية والقرى وأنواع الآلات الحربية مثل الأبراج والنهيسات والسلالم ونحوها. ومن مدينة طرطوشة إلى مدينة طركونة اليهود خمسة وأربعون ميلاً وطركونة مدينة على نحر البحر لها سور من رخام أسود وأبيض وقليلاً ما يوجد مثله صفة وهذه المدينة في وقتنا هذا معمورة وكانت في قديم الزمان خالية لأنها كانت فيما بين حد المسلمين والروم وهي مدينة حسنة والأحناش بها مؤذية كثيرة ولها مرسى حسن ومياهها موجودة. ومنها إلى برشلونة خمسون ميلاً ومدينة برشلونة على نحر البحر ومرساها ترش لا تدخله المراكب إلا عن معرفة وترؤس على ركوب البحر وهي مدينة لها ربض وعليها سور منيع والدخول إليها والخروج عنها إلى الأندلس على باب في الجبل المسمى هيكل الزهرة وبالرومية البرينو وبرشلونة يسكنها ملك إفرنجة وهي دار ملكهم وله مراكب تسافر وتغزو وللإفرنج شوكة لاترد وحملة لا تصد ويذكر أنهم من أبناء جفنة وبلاد برشلونة كثيرة الحنطة والحبوب والعسول. ومن برشلونة إلى قرقشونة أربعة أيام شمالاً ومدينة قرقشونة مدينة حسنة في سفح الجبل ولها كروم ومياه كثيرة ومن قرقشونة إلى قمنجة شمالاً مع الجبل ثمانون ميلاً وقمنجة مدينة حسنة متوسطة لها مكاسب وفوائد ولها سور حجارة وشرب أهلها من مياه عيون جارية ومن قمنجة إلى طلوشة يومان بين شرق وجنوب ومن قرقشونة أيضاً إلى طلوشة شرقاً ستون ميلاً وكذلك من مدينة قمنجة إلى مرلانش ثمانون ميلاً. ومن قمنجة إلى شنت جوان مع الجبل ستون ميلاً وهي مدينة حسنة في سفح الجبل ولها كنيسة جليلة مقصودة ومن شنت جوان إلى مدينة مرلانش خمسة وستون ميلاً ومن مدينة شنت جوان أيضاً إلى مدينة بيونة مرحلتان شمالاً ومن مدينة شنت جوان التي مع الجبل إلى أوش سبعون ميلاً في جهة الشرق ومن مدينة بيونة إلى أوش تسعون ميلاً في جهة الشرق ومن مدينة بيونة مع الشمال إلى مدينة برذال سبعون ميلاً وكذلك من مدينة آش إلى برذال ثمانون ميلاً. وكل هذه البلاد التي ذكرناها هي بلاد غشكونية المجاورة لجبل البرتات ومن مدنها جرندة وقمنجة وطلوشة وقرقشونة وأوش ومرلانش وشنت جوان وبرذال وبين برذال والبحر نحو اثني عشر ميلاً ويتصل بإقليم غشكونية إقليم بربنصة وإقليم قاورش وإقليم برغش وإقليم بيطو وجميع هذه الأقاليم متصلة من جهة الشمال لإقليم غشكونية. فأما اقليم برغش فإنه يتصل بغشكونية موازياً لبيونة وفي جنوبه إقليم قاورش وفي شماله إقليم بيطو وأما اقليم برغش فقواعد بلاده مدينة آش ومدينة برغش ومدينة أنقلازمة ومدينة آجن من بلاد قاورش و نقول إن مدينة برغش مدينة مسورة وأقاليمها منسوبة إليها وهي عامرة كثيرة الخصب ماؤها كثير ومزارعها متصلة وبين مدينة برغش ومدينة آش ستون ميلاً وكذلك من مدينة برغش إلى مدينة آجن من إقليم قاورش خمسون ميلاً ومن مدينة آجن إلى مدينة قاورش ستون ميلاً شمالاً.

وكذلك من مدينة برغثس إلى مدينة أنقلازمة مائة ميل ومنها إلى مدينة برذال من أرض غشكونية مائة ميل ومدينة أنقلازمة مدينة كبيرة عامرة ذات سور حصين ومزارع وخصب ومنها إلى مدينة إبلافية من أرض بيطو تسعون ميلاً وإبلافية مدينة صغيرة حسنة عامرة وهي على نهر وشرب أهلها منه ومن إبلافية إلى برذال أربعون ميلاً وبرذال مدينة كاملة شاملة لضروب النعم كثيرة الفواكه ومن برذال إلى البحر اثنا عشر ميلاً وكذلك بين البحر وبين مدينة إبلافية خمسة عشر ميلاً. وأيضاً فإن من مدينة أنقلازمة إلى مدينة شنت جوان من أرض بيطو مغرباً أربعون ميلاً ومن إبلافية إلى رجالة يوم ورجالة من أرض بيطو وهي صغيرة وعلى مقربة من البحر ومن رجالة إلى بلفير يوم على البحر ومدينة بلفير على ضفة البحر المظلم وبها يقع نهر أرليانش ومن رجالة أيضاً إلى شنت جوان من أرض بيطر خمسون ميلاً وكذلك بين شنت جوان وبلفير مثل ذلك. وأيضاً فإن مدينة بتارش إقليمها منسوب إليها وهي تتاخم أرض بيطو وهي مدينة حسنة كبيرة وبلادها منسوبة إليها وهي قاعدة مشهورة في عداد قواعد بلاد الروم مذكورة ومن مدنه أنجيرش وسنصف بعد هذا سائر البلاد التي ذكرناها جملاً ونأتي بأوصافها حسب ما يقتضيه التصنيف ويكمل به التأليف إن شاء الله تعالى .
نجز الجزء الأول من الإقليم الخامس يتلوه الجزء الثاني منه إن شاء الله تعالى وله الحمد كثيراً.
الجزء الثاني.

تضمن هذا الجزء الثاني من الإقليم الخامس بلاداً من قواعد الروم في أقاليم شتى فمنها قطعة من إقليم قاورش وإقليم بربنصة كله وفيه من البلاد أربونة ومنت بشلير وسنجيلي وبزارش وأفينون وبلنسية وبيانة وليون وفيه من بلاد غشكونية طلوشة وأوش ومرلانش ويجاور هذه إقليم قاورش وفيه من البلاد آجن وقاورش لا غير. ويلي هذا الإقليم من جهة المشرق إقليم بوي وإكلرمنت ويتصل بهذه في الشرق إقليم برغونية الإفرنجيين وفيه من بلادها بسنيس ونيفارش ومثكون وبجانب هذا الإقليم إقليم برغونية اللمانيين وفيه من القواعد جنبرة ولزنة وأغشت. وفيه أيضاً قطعة من إقليم صوابة وفيه من أمهات البلاد إشكنجة وإكريزا وألمة وإلى جانبه إقليم قرنطارة وما يتصل به من سواحل بحر البنادقة وأرض أكيلاية وهناك بيصرة وقصطلو وربنة وقمالقة وكراديس وإسطاجانكو. وفي هذا الجزء أيضاً بلاد كثيرة من ساحل بحر الروم فيها إلى ربونة ومنت بشلير وسنجيلي وإيرش وبنقلة وسفونة وجنوة وبيشة ولكة ولونة وفيه جمل من بلاد دسقانية وما جاورها من أطراف بلاد أنكبردة وما اتصل بها من أرض البنادقة والإفرنجيين وما يتلو ذلك في جهة الغرب من بلاد أنبردية مثل طرون وساوسة وإيبورية وغامنديو ومديلان وبابية ومنتو وفرارة وبلونية وفيه بعض بلاد قلورية وما اتصل بها من ملف وسرنتة وبنبنت وسنتنجلو. وكل هذه البلاد والأقاليم التي ذكرناها يجب علينا أن نرسم حدودها ونصف معالمها وطرقاتها ومجهول جهاتها وجملاً من أوصافها ومحاسنها حسب ما سبق لنا من ذلك. فنقول إن مدينة طلوشة التي في إقليم بربنصة هي مدينة حسنة نبيلة لها قرى ومزارع وأقاليم جملة ومن طلوشة إلى مدينة أربونة الساحلية سبعون ميلاً ومن طلوشة أيضاً إلى قرقشونة مع الجبل الحاجز المسمى جبل البرتات ستون ميلاً ومن طلوشة إلى مدينة بزارش شرقاً مع شمال ثمانون ميلاً ومدينة بزارش مدينة حسنة ذات سور حصين وزراعات كثيرة وقرى وهي من إقليم بربنصة. وكذلك من طلوشة إلى بوي مائتا ميل وثلاثون ميلاً وبوى مدينة صالحة المقدار كثيرة الديار عامرة الأقطار كثيرة المزارع والغلات وهي من إقليم إكلرمنت وهذا الإقليم يحيط به من جهة الشرق إقليم بربنصة ومن جهة الغرب إقليم قاورش ومن جهة الشمال إقليم بري. ومن طلوشة أيضاً إلى مرلانش مائة وعشرون ميلاً وبينهما مدينة أوش متوسطة ومدينة مرلانش مدينة كبيرة عامرة الجهات كثيرة العمارات متصلة الخيرات وهي من عمالة عشكونية وكذلك من مرلانش إلى مدينة شنت جوان التي في سفح الجبل ثمانون ميلاً ومن مرلانش أيضاً إلى آجن شرقاً مع شمال خمسون ميلاً وكذلك من مرلانش إلى آش ثمانون ميلاً وكذلك من آش إلى آجن ستون ميلاً. ومدينة آجن مدينة صغيرة متحضرة كثيرة الحنطة وافرة الزراعات حسنة الجهات وهي من إقليم قاورش وقاورش مدينة من قواعد بلاد الروم ذات عمارات كثيرة ومياه غزيرة وكروم وفواكه ومنها إلى مدينة آجن المتقدم ذكرها ستون ميلاً ومن قاورش إلى برغش ثمانون ميلاً وبرغش مدينة كبيرة جداً وقد سبق ذكرها. ومن مدينة بوي المتقدم ذكرها إلى مدينة بيانة التي على نهر رودنو ثمانون ميلاً وكذلك من مدينة بوي أيضاً إلى مدينة ليون على نهر رودنو سبعون ميلاً ومدينة بيانة في شرقي الوادي ومدينة ليون في غربيه وكلاهما مدينة صغيرة لكنهما حواضر ذوات أسواق وبيع وشراء ويتصل بينهما عمارات في جهة الشرق إلى جبل منت جون وقرى ومزارع ومياه ناشغة غزيرة. ومن بوي إلى إكلرمنت ستون ميلاً وإكلرمنت مدينة جليلة عامرة كثيرة الخصب ومن مدينة بيانة إلى ليون ثلاثون ميلاً ومن مدينة ليون إلى نيفارص مائة ميل وثلاثون ميلاً وكذلك من ليون إلى مدينة بسنيس ثمانون ميلاً وكذلك من مدينة إكلرمنت إلى قاورش ستون ميلاً ومن إكلرمنت أيضاً إلى مدينة نيفارش ثمانون ميلاً ومن إكلرمنت أيضاً إلى منت لشون شمالاً ستون ميلاً وهي مدينة صغيرة متحضرة فرجة الجهات كاملة الخيرات وهي من إقليم بري. وكذلك من مدينة منت لشون إلى مدينة ليموجش غرباً ستون ميلاً ومدينة ليموجش قاعدة إقليم أنجو وتنسب أعمالها وقراها إليها وهو إقليم منفرد بذاته جنوبه أرض إكلرمنت وشماله أرض نيفارش وشرقيه بري وغربيه أرض برغش وليموجش مدينة حسنة حصينة ذات خيرات وافرة وقرى عامرة وزراعات طائلة وكروم كثيرة متصلة ومن نيفارش إلى

ليموجش ستون ميلاً وكذلك من منت لشون إلى برجش بري ثلاثون ميلاً في الجنوب ومن منت لشون إلى نيفارص شرقاً ثلاثون ميلاً. ومدينة برجش قاعدة أرض بري وإقليمها يسمى بري وليس بإقليم بري إلا مدينة برجش ومدينة منت لشون ولبري قرى عامرة وخيرات وافرة وحروث وكروم وخير وخصب زائد وبرجش من أكبر بلاد الإفرنجيين وإقليم بري منفرد بذاته يحيط به من جنوبه أرض إكلرمنت وبشماله إقليم طرش ومن غربيه أرض بيتارش وبشرقيه أرض برغونية الإفرنجيين ومن مدينة برجش إلى نيفارص ثمانون ميلاً. ونيفارص مدينة جليلة نبيلة فيها رجال أنجاد وهي من غرر البلاد ذات قرى عامرة وجبايات وافرة ومنها إلى دجون شرقاً ثلاثون ميلاً وكذلك من نيفارص أيضاً إلى لنكة ستون ميلاً ومن نيفارص إلى إطرويش ستون ميلاً ومن دجون إلى لنكة سبعون ميلاً ومن مشكون إلى ليون تسعون ميلاً ومشكون مدينة حسنة عامرة القطر كثيرة الخير متصلة الزراعات والكروم والجنات. ومنها إلى مدينة بسنيس خمسة وأربعون ميلاً وبسنيس مدينة متحضرة على طرف الباب القاطع في الجبل المسمى منت جون وهو باب عظيم طوله بين الجبلين ثمانون ميلاً وقيل مائة ميل وعلى فم هذا الباب من جهة بلاد أنبردية مدينة إيبورية وهذا الجبل جبل عظيم حاجز بين بلاد بربنصة وبرغونية الإفرنجيين وبرغونية اللمانيين وصوابة وقرنطارة وكل هذه الأقاليم من الجبل في الجهة الغربية وبين ما خلفه من جهة الشرق من بلاد أنبرضية وبلاد جنوة وبيش ورومة وما اتصل بها من بلاد أنكبردة وفيه من الأبواب أربعة أبواب يدخل منها ويخرج عليها إلى بلاد الروم من كلتا الناحيتين وهو جبل عظيم جداً صعب الإرتقاء إلى ذروته عريض الجرم وتخرج منه أودية كثيرة وسنذكرها بعد فراغنا من سائر البلاد التي في غربي الجبل على التوالي إن شاء الله.وجش ستون ميلاً وكذلك من منت لشون إلى برجش بري ثلاثون ميلاً في الجنوب ومن منت لشون إلى نيفارص شرقاً ثلاثون ميلاً. ومدينة برجش قاعدة أرض بري وإقليمها يسمى بري وليس بإقليم بري إلا مدينة برجش ومدينة منت لشون ولبري قرى عامرة وخيرات وافرة وحروث وكروم وخير وخصب زائد وبرجش من أكبر بلاد الإفرنجيين وإقليم بري منفرد بذاته يحيط به من جنوبه أرض إكلرمنت وبشماله إقليم طرش ومن غربيه أرض بيتارش وبشرقيه أرض برغونية الإفرنجيين ومن مدينة برجش إلى نيفارص ثمانون ميلاً. ونيفارص مدينة جليلة نبيلة فيها رجال أنجاد وهي من غرر البلاد ذات قرى عامرة وجبايات وافرة ومنها إلى دجون شرقاً ثلاثون ميلاً وكذلك من نيفارص أيضاً إلى لنكة ستون ميلاً ومن نيفارص إلى إطرويش ستون ميلاً ومن دجون إلى لنكة سبعون ميلاً ومن مشكون إلى ليون تسعون ميلاً ومشكون مدينة حسنة عامرة القطر كثيرة الخير متصلة الزراعات والكروم والجنات. ومنها إلى مدينة بسنيس خمسة وأربعون ميلاً وبسنيس مدينة متحضرة على طرف الباب القاطع في الجبل المسمى منت جون وهو باب عظيم طوله بين الجبلين ثمانون ميلاً وقيل مائة ميل وعلى فم هذا الباب من جهة بلاد أنبردية مدينة إيبورية وهذا الجبل جبل عظيم حاجز بين بلاد بربنصة وبرغونية الإفرنجيين وبرغونية اللمانيين وصوابة وقرنطارة وكل هذه الأقاليم من الجبل في الجهة الغربية وبين ما خلفه من جهة الشرق من بلاد أنبرضية وبلاد جنوة وبيش ورومة وما اتصل بها من بلاد أنكبردة وفيه من الأبواب أربعة أبواب يدخل منها ويخرج عليها إلى بلاد الروم من كلتا الناحيتين وهو جبل عظيم جداً صعب الإرتقاء إلى ذروته عريض الجرم وتخرج منه أودية كثيرة وسنذكرها بعد فراغنا من سائر البلاد التي في غربي الجبل على التوالي إن شاء الله.

فنقول إن إقليم برغونية الإفرنجيين يحيط به من جهة جنوبه جبل منت جون ومن شرقيه برغونية اللمانيين ومن غربيه بري وبعض إقليم بربنصة ومن شماله إقليم إفرنسية وفي برغونية الإفرنجيين من قواعد البلاد بسنيس ومشكون ودجون ونيفارش وأشتيون وإطرويش ولنكة. فأما مدينة بسنيس فقد سبق ذكرها ومنها شرقاً إلى مدينة مشكون خمسة وأربعون ميلاً ومدينة مشكون رحبة الفناء واسعة الأرجاء ولها أسواق محدقة ومعايش مرفقة وأسواقها متحركة ومزارعها وعماراتها مشتبكة ومن مشكون إلى جنبرة أربعون ميلاً وجنبرة مدينة على نهر رودنو وفي شرقيه وهي تتاخم بلاد برغونية اللمانيين ولها قرى عامرة وعمارات متكاثرة وكذلك من مشكون إلى مدينة دجون ستون ميلاً ومدينة دجون في وسط براح من الأرض حسنة الرقعة مباركة البقعة ذات معايش وأرزاق كثيرة ومن مدينة دجون إلى مدينة لنكة سبعون ميلاً. ومدينة لنكة مدينة رفيعة أقطارها واسعة ولها زراعات وكروم ومياه جارية وخيرات طائلة ومن مدينة لنكة إلى مدينة إطرويش ستون ميلاً وإطرويش مدينة قائمة الذات فرجة الجهات جامعة لضروب من الخيرات وصنوف من البركات ومن مدينة إطرويش إلى أرليانش من بلاد إفرنسية ستون ميلاً ومن إطروش أيضاً إلى نيفارش المتقدم ذكرها ستون ميلاً ومن نيفارش إلى لنكلة ستون ميلاً وكذلك من لنكة إلى بسنيس ثمانون ميلاً ومن نيفارش إلى مدينة دجون خمسة وثلاثون ميلاً وكذلك من مدينة مشكون إلى مدينة ليون من أرض بربنصة خمسة وثلاثون ميلاً ومن نيفارش أيضاً إلى أشتيون أربعون ميلاً وكذلك من أشتيون إلى طرويش مثلها ومن أشتيون إلى أرض بري وقاعدتها برجش أربعون ميلاً. وأرض برغونية الإفرنجيين أرض كثيرة القرى والمنافع متصلة الكروم والمزارع وأهلها رجال حروب وأرباب همم وقلوب وأهلها صميم الإفرنج وسلاطينها أكبر السلاطين. ويتصل بإقليم برغونية الإفرنجيين برغونية اللمانييت ومن بلادها أغشت وجنبرة ولزنة وبزنشون وبردون وهي من أخصب البلاد أرضاً وأوسعها خيراً وأكثرها عامراً وملك اللمانيين يقيم بها ويتردد في بلادها ويحيط بها من جنوبها جبل منت جون ومن شرقيها بلاد اللمانيين ومن غربيها بلاد برغونية الإفرنجيين ومن شمالها إقليم لهرنكة. فأما مدينة أغشت فهي مدينة في سفح الجبل المسمى منت جون وهي مطلة على أرضها بهجة بقعها كثيرة مرافقها ونفعها وبها مياه ناشغة وعمارات متسعة ومنها إلى جنبرة خمسة وأربعون ميلاً ومدينة جنبرة مدينة عامرة الديار واسعة الأقطار متحصنة على ضفة نهر رودنو وبشرقيه ومن مدينة جنبرة إلى مدينة ليون مائة ميل وقد سبق ذكرها ومن جنبرة أيضاً إلى مدينة لزنة شرقاً خمسة وثلاثون ميلاً. ولزنة على بركة عظيمة تجتمع بها مياه نابعة من جبل منت جون فيكون منها وادي رودنو المتقدم ذكره وحولها مزارع منتشرة وكروم عظيمة وأرض منجبة كريمة ومنها إلى بزنشون ستون ميلاً شمالاً مع تشريق يسير ومن بزنشون إلى مدينة لنكة المتقدم ذكرها من برغونية الإفرنجيين ستون ميلاً وسنذكر باقي برغونية اللمانيين فيما يأتي بعد في الإقليم السادس بحول الله تعالى. ويتصل ببرغونية اللمانيين طرف أرض ضيقة من أرض اللمانيين وبها بزلة ومدينة بزلة على غربي نهر رين وهي مدينة حسنة ذات سور تراب كثيرة القرى والمزارع رحبة الأفنية جمة المنافع وسنذكرها مع جملة بلاد اللمانيين بحول الله تعالى. ويتصل بأعلى أرض اللمانيين أرض صوابة ويحيط بجنوبها الجبل ومن شرقيها أرض ببير وبغربيها أرض اللمانيين ومن بلاد صوابة أسكنجة وأكريزا وألمة وأوزبرك فأما أسكنجة فإنها مدينة في سفح الجبل ويخرج من جبلها وملكهم يسكنها وهو صاحب أجناد وأسطول وهذه المدينة يحيط بها البحر من كل جهة.

ومنها إلى أطربلة ثلاثة وعشرون ميلاً وأطربلة مدينة كبيرة عامرة جداً ولهم مراكب غزوانية كثيرة ولها قرى ومزارع ونهر صغير ومنه شربهم ومن أطربلة إلى مدينة برونص ثمانية عشر ميلاً وهي مدينة كبيرة عامرة بها بيع وشراء وديوان وجبايات ولهم مراكب كثيرة يسافر فيها. ومنها إلى كرادس ثمانية وثلاثون ميلاً وهي مدينة كبيرة بها بشر كثير وجمع غزير ولهم مراكب كثيرة واردة وصادرة. ومن كرادس إلى إصطاجانكو خمسة أميال وهي مدينة متحضرة كبيرة القطر عامرة بالأجناد والعمال والرجال والتجار والصناع وهي حصينة على نهر كبير يأتي إليها من مسافة قريبة لكنه كبير ومنه شربهم وهذه المدينة على آخر طرف جون البنادقة وآخر بلاد البنادقيين وفرضة بلاد إيكلاية وفيها أسطول يغزي. فهذه جملة ما في أسفل هذا الجزء ونبتدئ الآن بذكر البلاد الساحلية التي على ساحل بر الشام ونصفها بلداً بلداً وقطراً قطراً بعون الله تعالى وقوته. فنقول إن من مدينة أربونة إلى مدينة منت بشلير ثمانية وثلاثون ميلاً ومدينة منت بشلير بعيدة عن البحر على ثمانية عشر ميلاً منه وهي عامرة كثيرة العمارة مقصد للوارد والصادر ومنها إلى أرلش على البحر عند موقع نهر رودنو يوم وكذلك أيضاً كل منت بشلير إلى شنت جيلي يوم وكذلك شنت جيلي إلى أرلش ستة أميال. وأرلش وشنت جيلي هما على نهر رودنو ومدينة شنت جيلي على اثني عشر ميلاً من البحر وهي في الضفة الشرقية من النهر وهي مدينة عامرة الجفن رائقة الحسن كثيرة المياه والأشجار غزيرة الفواكه والثمار ومن شنت جيلي إلى مشيلية على البحر خمسة وعشرون ميلاً ومشيلية مدينة صغيرة متحضرة ولها كروم ولها زراعات وهي في سند تراب مطل على البحر ومن مشيلية إلى إيرش أربعون ميلاً ومدينة إيرش على قرب من البحر وهي مدينة ذات سور حصين وموضع حسن كثير الشجر بادية الحضر كثيرة الخيرات. ومن إيرش إلى البنقلة خمسة وثلاثون ميلاً وهو حصن منيع ومعقل رفيع وهو مطل على مزارع متصلة وخيرات مجملة ومنه إلى مدينة شغونة خمسة وثلاثون ميلاً وهي مدينة حسنة رائقة المكان كثيرة الخصب والأشجار ومن شغونة إلى جنوة خمسة وعشرون ميلاً. ومدينة جنوة قديمة أزلية البناء حسنة الجهات والأفناء بنيانها شاهق السمو وهي وافرة الثمر كثيرة المزارع والقرى والعمارات وهي على قرب نهر صغير وأهلها تجار أملئاء مياسير يسافرون براً وبحراً ويقتحمون سهلاً ووعراً ولهم أسطول مخيف ولهم معرفة بالحيل الحربية والآلات السلطانية ولهم بين الروم عزة أنفس.
ومن مدينة جنوة إلى فترة سبعون ميلاً وحصن فترة حصن عظيم كبير عامر مشيد ومنه إلى لونة اثنا عشر ميلاً وهي مدينة على البحر ولها مزارع وقرى ومنها إلى بيش أربعون ميلاً.
ومدينة بيش من قواعد بلاد الروم مشهورة الذكر كبيرة القطر عامرة الأسواق والديار بعيدة الأفناء والأقطار كثيرة البساتين والجنات متصلة الزراعات أمورها شامخة وأخبارها هائلة ومعاقلها شاهقة وأرضها خصيبة ومياهها مغدودقة وآثارها عجيبة ولأهلها مراكب وخيل واستعداد لركوب البحر وقصد البلاد وهي على نهر يأتي إليها من جبل بناحية أنكبردة وهو نهر كبير عليه الأرحاء و البساتين. ومن مدينة بيش إلى مرسى الخنزيرية ستون ميلاً وعليه حصن منيع ومن المرسى إلى جبت بكة خمسون ميلاً ومن حصن جبت بكة إلى موقع وادي مدينة رومة المسمى طنابري خمسون ميلاً. ومن أخذ طريق البر من بيش سار من بيش إلى مدينة لونة أربعون ميلاً وهي على البحر ومنها في البرية إلى بستركن ثم إلى مدينة سنقليلية إلى جبل أنواط ثم إلى رومة لأن البحر يتجون بين جنوة وبيش ثم ينعطف إلى حصن أرجنتار إلى جبت بكة إلى رومة وبين رومة والبحر اثنا عشر ميلاً. ومدينة رومة ركن من أركان النصارى وذلك أنها كرسي من كراسيهم وبأنطاكية كرسي وبالإسكندرية أيضاً كرسي وببيت المقدس كرسي لكنه محدث لم يكن في أيام الحواريين فاتخذ بعدهم لتعظيم بيت المقدس.

ومدينة رومة مدينة عظيمة الدور يذكر أن محيطها تسعة أميال ولها سوران من حجر وعرض السور الداخل اثنا عشر ذراعاً وسمكه اثنان وسبعون ذراعاً وعرض السور الخارج ثمانية أذرع وسمكه اثنان وأربعون ذراعاً وفيما بين السورين نهر مغطى ببلاطات نحاس طول البلاطة منها ستة وأربعون ذراعاً. وسوقها معترض ما بين الباب الشرقي إلى الباب الغربي وهناك أسطوانات حجر في نهاية من الغلظ طول كل عمود منها ثلاثون ذراعاً ومما يلي جانبي العمود الأوسط منها عمودان من نحاس أصفر رومي وقصبة العمود وقاعدته ورأسه مفرغ منه وعليها حوانيت تجار. وفي مقدم هذه الأسطوانات والحوانيت نهر يشقها من المشرق إلى المغرب قاعه كله مفروش بصفائح النحاس لا يستقر به شيء يرسى فيه وبهذا النهر تؤرخ الروم فيقولون من تأريخ عام الصفر والمراكب تدخل مدينة رومة على هذا النهر بأوساقها فتأتي المراكب بما فيها حتى تقف على حوانيت التجار. وفي داخل المدينة كنيسة عظيمة بنيت على اسم بطرس وبولس الحواريين وهما فيها في قبرين وطول هذه الكنيسة ثلاث مائة ذراع وعرضها مائتا ذراع وارتفاع سمكها مائة ذراع وأركانها من نحاس مفرغ وسمكها كذلك مغطى بالنحاس الأصفر وبرومة ألف ومائتا كنيسة وأسواقها وشوارعها مفروشة نهر تسين على مقربة من ناظمة فيلتوي إلى جانب الشرق الشمال فيمر حتى يجتمع مع نهر بادي فيمران معاً ويصيران نهراً واحداً ثم ينقسمان قسمين فيمر أحدهما من بابية إلى مدينة منتوا وهي في الضفة الشرقية منه وهي مدينة كبيرة ومنها ينحد إلى مدينة فرارة وهي في الضفة الغربية ثم ينقسم أسفلها قسمين فينحدر أحدهماً إلى خليج البنادقة. والقسم الثاني يخرج من أسفل بابية مغرباً ثم ينقسم قسمين فيمر الواحد مشرقاً إلى مدينة برونة وهي في غربي النهر ثم يصب في البحر والقسم الثاني يمر غير بعيد إلى مدينة أكرمونة وهي في الغربي من هذا القسم إلى مدينة باذوة ثم يمر حتى يصب في البحر. وبين فرارة وبرونة مرحلة كبيرة وبين باذوة والبحر ثلاثة أميال. فالطريق من جنوة إلى رومة على البر من جنوة إلى لكة يومان وهي مدينة قديمة أزلية عجيبة البناء قائمة الأشكال عامرة الأسواق نافقة المصنوعات. ومن مدينة لكة إلى مدينة افلورنسة سبعون ميلاً وهي مدينة عامرة الأسواق على ضفة الجبل وعلى مقربة من نهر بيش ومنها إلى سنقليلية يومان وهي مدينة متحضرة ذات أسواق وصناع وأموال. ومن سنقليلية إلى جبل أنواط خمسة عشر ميلاً ومنه إلى رومة خمسة عشر ميلاً. والطريق أيضاً من مدينة جنوة إلى أنقونة التي على بحر البنادقيين من مدينة جنوة إلى لونة على البحر أربعون ميلاً ومن لونة إلى لكة خمسون ميلاً ولكة كما وصفناها مدينة قديمة أزلية عامرة بأسواق وصناعات. ومن لكة إلى مدينة افلورنسة سبعون ميلاً ومن شاء سار من لكة إلى بستركم شرقاً خمسة وعشرين ميلاً وهي مدينة صغيرة متحضرة ذات أسواق وسوق عامرة وبيع وشراء وموضعها على باب من الجبل تدخل منه إلى أرض أنبرضية. ومن مدينة بستركم إلى افلورنسة خمسون ميلاً ومنها إلى سنقليلية ستون ميلاً وسنقليلية مدينة كبيرة عامرة في مستو من الأرض ومنها إلى مدينة ستريان سبعون ميلاً بين شرق وشمال وهي مدينة كبيرة ومنها إلى منت تين سبعون ميلاً وهي مدينة صغيرة متحضرة وفي شرقيها مدينة كلوسي ومنها إلى أرتشين خمسون ميلاً.
وأرتشين مدينة في مستو من الأرض عامرة القطر حصينة خصيبة وعلى أميال منها في غربيها نهر بيش وهو يسقي أكثر أرضها ومن أرتشين إلى مدينة شنت ياني خمسة وعشرون ميلاً ومنها إلى مدينة ببنوا أربعون ميلاً وهي مدينة صغيرة متحضرة ومنها إلى مدينة قشطالي خمسة وعشرون ميلاً ومنها إلى آسية على نهر خمسة وعشرون ميلاً.

وآسية مدينة حسنة ومنها إلى مدينة أزموم خمسة وعشرون ميلاً ومن أزموم وهي على النهر منها إلى أنقونة أحد عشر ميلاً وأنقونة على البحر البنادقي. ومن أراد ربنة الساحلية خرج من مدينة بيش أو من مدينة جنوة وسار على الطريق الذي وصفناه الآن إلى مدينة قشطالي ثم يتوغل جبل بردون مع الشمال إلى مدينة سمنجلوا خمسة وعشرين ميلاً. ومن سمنجلواً إلى مدينة شنت لو خمسة عشر ميلاً وهي مدينة في سفح الجبل ومنها إلى ربنة خمسة وأبعون ميلاً. وربنة متوسطة بلاد البنادقيين كما قدمنا وصفها وأيضاً فإن من مدينة جنوة الساحلية على الطريق القصد إلى ربنة الساحلية مائتان وثمانون ميلاً. وصفة الطريق من رومة مساحلاً إلى مدينة ريو التي على مجاز جزيرة صقلية. فمن رومة إلى أسطونة ثلاثون ميلاً ومن أسطونة إلى أنجة عشرة أميال وأنجة مرسى مستراح كثير الماء ومنه إلى جبل جرنجوا ويروى جرجير ويقال له قيطنة العرب وهو نهر كبير ثلاثون ميلاً ومنه إلى مدينة طرجينة ستة أميال. فمن وادي رومة إلى طرجينة ستة وسبعون ميلاً وطرجينة مدينة حسنة خصيبة عامرة آهلة ومرساها حرج لا خير فيه ومن طرجينة إلى مدينة غيطة أربعة وعشرون ميلاً. ومدينة غيطة مدينة كبيرة القطر كثيرة الأهل وموضعها قرطيل منقطع عن البر ولها مرسى حسن مأمون مشتى وهو يوجد في البر والبحر وتتحصن فيه العساكر وبه إنشاء المراكب الكبار والصغار. ومن مدينة غيطة إلى غرليان وهو موقع ساسة خمسة عشر ميلاً وهو نهر جار كبير تدخله المراكب وعلى الوادي هناك برجان ومنه إلى حلق وادي جلاج اثنا عشر ميلاً وهو على إبلاية مكشوف ولا يحمل المراكب الكبيرة ومنه إلى موقع نهر قبوة ستة أميال وهو إبلاية أيضاً لا ستر فيه. ومن وادي قبوة إلى بطرية اثنا عشر ميلاً وهي قرية ومرسى لا يستر ومنها إلى مدينة كومة ستة أميال وكومة مدينة صغيرة تبعد عن البحر يسيراً ومنه إلى مرسى مسينة اثنا عشر ميلاً وهو مرسى مأمون قليل الماء وتتحصن فيه العساكر والرجال أعني عساكر البر والبحر. ومن مسينة إلى قشتلي وهو حصن عامر كالمدينة الصغيرة وهو في طرف جون ثمانية أميال ومن قشتلي ماراً إلى مدينة نابل الكتان اثنا عشر ميلاً. ونابل الكتان مدينة حسنة أزلية عامرة ذات أسواق نافقة السلع وافرة البضائع والأمتعة ومنها إلى مرسى اسطابة ثلاثون ميلاً وهو جيد الإرساء وفيه الماء الكثير وهو حلق واد جار عذب على آخر جون ومن قصد منه ملف سار في البر ماضياً إلى ملف خمسة عشر ميلاً. وبين اسطابة ونابل جبل النار وهو موضع لا يتوصل إلى بركانه لأنه دائم الدهر يرمى بالنار والصخر ومن أراد الساحل سار من اسطابة مساحلاً إلى مدينة سرنت ثلاثين ميلاً. ومدينة سرنت في قرطيل خارج في البحر وهي مدينة عامرة حسنة الديار كثيرة الخيرات والأشجار عليها خندق وعر لاترسى به المراكب تشتية بل تجر فيه وبها إنشاء للمراكب. ومن مدينة سرنت إلى رأس منتيرة اثنا عشر ميلاً ومنها إلى بسطانة خمسة عشر ميلاً وهو مرسى صغير ومنه إلى مدينة ملف الساحلية ثمانية عشر ميلاً وهي مدينة عامرة يرسى بها متحصنة من جهة البر سهلة من جهة البحر إذا حوربت أخذت وهي قديمة أزلية ذات سور جيد وأهلها بشر كثير مياسير. ومن مدينة ملف إلى موقع وادي باذروا عشرة أميال وهو مستراح للأساطيل حسن وعلى أعلى هذا الوادي مستراح يسمى باذروا وبه يسمى الوادي وهو موضع حصين لا يتوصل إليه إلا من بابين وفيه الماء والحطب ومن هذا الوادي إلى سلرنو ميلان. ومدينة سلرنو مدينة جليلة ذات أسواق عامرة ومرافق عامة وحنطة وحبوب ومنه إلى وادي سيلسة وهو مرسى ضيق ستة أميال ومنه إلى وادي أسيلو اثنا عشر ميلاً وهو واد كثير الماء تدخله المراكب وفي ضفتيه شعار وسباخ لا يتوصل إليه ترسى بداخله المراكب والأساطيل في أمن ومنه إلى جون غروبلي إلى جزيرة بغوضة بقرب البر عشرون ميلاً ولا مرسى بها. ومن جزيرة بغوضة إلى جون الواديين عشرون ميلاً ومنه إلى قشتال دمار عشرة أميال ومن قشتال دمار إلى مولبة ثلاثة عشر ميلاً ويأتيها وادي شنت سيمري فيصب بها ومنه إلى بلي قشطرو أربعة وعشرون ميلاً وهو حصن كبير عامر وإلى جانبه مع الشمال نهر ومنه إلى أطربس المعروف بمرسى رأس بلي قشطرو ستة ميال. ومن هذا الرأس إلى قسطركلي ثلاثة عشر ميلاً ومن قسطركلي إلى دسقالية اثنا عشر

ميلاً ودسقالية حصن كبير ومنه إلى رأس جرلة تسعة أميال ورأس جرلة أيضاً نهر تدخله المراكب المخفة. ومن رأس جرلة إلى المنتية ثمانية وثلاثون ميلاً والمنتية مدينة حسنة متحضرة في جون أولبة ومن مدينة المنتية إلى شنت فيمي أربعة عشر ميلاً إلى موقع نهر قزليت إلى وادي مخاطة ميلان. ومن وادي مخاطة إلى أنجيطلوا وهو حصن كبير معمور ثلاثة عشر ميلاً ومن أنجيطلو إلى بيبوني اثنا عشر ميلاً ومنه إلى أتربية اثنا عشر ميلاً ومن أتربية إلى باتقانو ويروى قامو بالميم ستة أميال. فذلك من مدينة منتية إلى رأس باتقانو خمسة وستون ميلاً. ومن رأس باتقانو إلى ريو ستون ميلاً ومن رأس باتقانو إلى باتقانو ستة أميال ومن الرأس إلى أتربية ستة أميال وهي مدينة حسنة مشهورة من قواعد بلاد الروم ومن أتربية إلى نقوطرة اثنا عشر ميلاً ومن الفارو إلى ريو اثنا عشر ميلاً. وسنذكر هذه البلاد وما جاورها من بلاد البرية في المصورة الثالثة. وبقي لنا أن نذكر بلاداً تحصلت في هذا الجزء مما يلي مدينة سلرنو فمنها مدينة بنبنت وأبلينه فمن مدينة سلرنو إلى مدينة أبلينه أربعة وعشرون ميلاً في جهة الشمال ومن مدينة بنبنت إلى سلرنو ستون ميلاً ومن أبلينة إلى جيبطيرة عشرون ميلاً ومن جيبطيرة إلى سلرنو ثلاثون ميلاً ومدينة بنبت مدينة قديمة أزلية عامرة وأبلينه مدينة صغيرة كالحصن ومن بنبنت في جهة الغرب إلى مدينة سرح ثمانية عشر ميلاً ومن منت سرح إلى أرجنت اثنان وثلاثون ميلاً. وأرجنت مدينة حسنة ذات عمارة وحالة صالحة ومن أرجنت إلى قبوة ثلاثون ميلاً وقبوة على نهر كبير يأتي إليها من جبال في ناحية بنبنت ومن مدينة قبوة إلى أجرسة ثمانية أميال ومن أجرسة إلى نابل اثنا عشر ميلاً وقد أكملنا ما تضمنه هذا الجزء والحمد لله. نجز الجزء الثاني من الإقليم الخامس ويتلوه الثالث منه إن شاء الله.يلاً ودسقالية حصن كبير ومنه إلى رأس جرلة تسعة أميال ورأس جرلة أيضاً نهر تدخله المراكب المخفة. ومن رأس جرلة إلى المنتية ثمانية وثلاثون ميلاً والمنتية مدينة حسنة متحضرة في جون أولبة ومن مدينة المنتية إلى شنت فيمي أربعة عشر ميلاً إلى موقع نهر قزليت إلى وادي مخاطة ميلان. ومن وادي مخاطة إلى أنجيطلوا وهو حصن كبير معمور ثلاثة عشر ميلاً ومن أنجيطلو إلى بيبوني اثنا عشر ميلاً ومنه إلى أتربية اثنا عشر ميلاً ومن أتربية إلى باتقانو ويروى قامو بالميم ستة أميال. فذلك من مدينة منتية إلى رأس باتقانو خمسة وستون ميلاً. ومن رأس باتقانو إلى ريو ستون ميلاً ومن رأس باتقانو إلى باتقانو ستة أميال ومن الرأس إلى أتربية ستة أميال وهي مدينة حسنة مشهورة من قواعد بلاد الروم ومن أتربية إلى نقوطرة اثنا عشر ميلاً ومن الفارو إلى ريو اثنا عشر ميلاً. وسنذكر هذه البلاد وما جاورها من بلاد البرية في المصورة الثالثة. وبقي لنا أن نذكر بلاداً تحصلت في هذا الجزء مما يلي مدينة سلرنو فمنها مدينة بنبنت وأبلينه فمن مدينة سلرنو إلى مدينة أبلينه أربعة وعشرون ميلاً في جهة الشمال ومن مدينة بنبنت إلى سلرنو ستون ميلاً ومن أبلينة إلى جيبطيرة عشرون ميلاً ومن جيبطيرة إلى سلرنو ثلاثون ميلاً ومدينة بنبت مدينة قديمة أزلية عامرة وأبلينه مدينة صغيرة كالحصن ومن بنبنت في جهة الغرب إلى مدينة سرح ثمانية عشر ميلاً ومن منت سرح إلى أرجنت اثنان وثلاثون ميلاً. وأرجنت مدينة حسنة ذات عمارة وحالة صالحة ومن أرجنت إلى قبوة ثلاثون ميلاً وقبوة على نهر كبير يأتي إليها من جبال في ناحية بنبنت ومن مدينة قبوة إلى أجرسة ثمانية أميال ومن أجرسة إلى نابل اثنا عشر ميلاً وقد أكملنا ما تضمنه هذا الجزء والحمد لله. نجز الجزء الثاني من الإقليم الخامس ويتلوه الثالث منه إن شاء الله.
الجزء الثالث

إن الذي تضمنه هذا الجزء الثالث من الإقليم الخامس قطعة فيها بلاد قلورية وبلاد أنكبردة وأكثر خليج البنادقيين وما عليه من البلاد المشهورة. فمن هذه البلاد في الضفة الشرقية مدينة ريغنو ومدينة بولة ودرونة وآسيا ومصقلة وأرنس وصنطو ونولنص وجاذرة وصبناجي ورغوص وأسبالطو وترغورون وقاترة وأنتبرية ودلجينة ودراست وبترلة وياننا وفاميو وكيرة. ومن البلاد التي على الضفة الغربية من خليج البنادقيين أبرندس وأسلمونة ومنوبلي وقنبرصان وملفنت وبشالية وأطرانة وبرلت وقاني وسيبنت ويقال باستية وروذانة ولاشنة ويقال لازنة وقنب مارين وكل هذه من بلاد أنكبردة على الساحل الغربي من الخليج. ومن بلاد البحر أيضاً ترملس وترانة وموقة وأنكونة وفيه من بلاد البحر الشامي طاجنة وقطرونة ورشانة وروسيت وطارنت. وفيه من بلاد قلورية قطنسان ومرطران وبجنال وقطروبلي وبنبنت وملف البرية وقنص وبنوصة وشنت غاثي وكلرمنت وسينس وبسنيان وسيمري واسترنجلي وترغارقو وجرسنة وكل هذه البلاد بلاد قلورية. ومن بلاد أنكبردية متيرة وغرنيلية وموطلى وقروى ماتلى وماطلى وتروى ماتي وغرابينة وقنوصة وأطرونة وعزقلة وتروى عسقلة بالسين وشنت لورين وشنت لورين وجبطاط وشنت صبير وشنت أنجلي ولشنة وقنب مارين وترملس. ونحن نذكرها الآن بلداً بلداً ونأتي بأوصافها وطرقاتها كما سبق منا في سائر الأقاليم السالفة بحول الله تعالى فنقول أولاً صفة الطريق من مدينة ريو باستدارة على ساحل بحر الشام ثم على ساحل بحر البنادقيين إلى مدينة أنكونة. فمن أذرنت إلى قرطيل شوذة اثنا عشر ميلاً ومنه إلى شنت جوان مرتوبلى اثنا عشر ميلاً وهي قرية ممدنة حسنة ومنها إلى قرطيل كنكا ستة أميال، ومن ككناً إلى قرطيل شنت جنار اثنا عشر ميلاً ومنها إلى قرطيل ناورة اثنا عشر ميلاً ومنه إلى مدينة أبرندس أربعة أميال فيكون من أذرنت إلى أبرندس بتقوير الأجوان ثمانية وخمسون ميلاً ويكون على التخلية ثمانية وأربعون ميلاً. وأبرندس مدينة جليلة يحيط بها البحر من جهاتها الثلاث شبيهة بالقسطنطينة العظمى وهي في ذاتها حسنة البناء فسيحة الفناء كثيرة النعم خصيبة كثيرة المرافق ومن أبرندس إلى غوشيت اثنا عشر ميلاً وغوشيت ثلاث جزائر لطاف بينها وبين البر نصف ميل. ومن غوشيت إلى مرسى شنت نقولة بترول اثنا عشر ميلاً وهو مرسى لطيف مستراح وبه الماء ومنه إلى مدينة منوبلي أربعة وعشرون ميلاً ومنوبلي مدينة صغيرة متحضرة ومنها إلى حصن بلنيان ستة أميال وبقربها بلد يسمى قنبرصان ويبعد عن البحر تسعة أميال. ومن بلنيان إلى شنت بيطو وهو مرسى ميلان ومنه إلى مدينة باري اثنان وعشرون ميلاً ومدينة باري بدينة كبيرة عامرة في قعر جون وهي قاعدة بلاد الأنكبردين وبها إنشاء مراكب وهي من قواعد بلاد الروم المشهورة. ومن مدينة باري إلى برج أجيلوا ويروى أشيلوا ويقابله في البر مدينة بطنت وبينها وبين البحر ستة أميال ومنه إلى جبناس ستة أميال ثم إلى ملبنت أربعة أميال ويروى ملفنت بالفاء ويقابلها في البر روبة وروبة مدينة متوسطة حسنة وبينها وبين البحر ستة أميال ومن ملفنت إلى بشتالية ويقابلها في البر قورات وبينها وبين البحر تسعة أميال. وقورات مدينة حسنة متحضرة نبيلة فرجة كثيرة الفواكه خصيبة المعايش ومن قورات إلى طرانة على الساحل ثمانية أميال وكذلك من بشتالية المذكورة إلى أطرانة أيضاً ستة أميال. وأطرانة مدينة متوسطة لها سور وبها سوق مشهودة ومنها إلى برلت ستة أميال على الساحل ويقابل مدينة برلت في البرية مدينة تسمى أندرة وهي مدينة كبيرة عامرة ومنها إلى البحر تسعة أميال. ومن برلت على الساحل إلى وادي لوذرة ستة أميال وعلى هذا الوادي دير كبير يسمى دير شنت مارية ومنه إلى مدينة قاني وهي مرتفعة عن البحر أربعة أميال ومدينة قاني مدينة صغيرة متحضرة كثيرة التجارات والأموال وأهلها مياسير. ومن شنت مارية إلى شنت نقولة ببترة اثنا عشر ميلاً وهي على البحر في قرطيل ويقابلها مدينة صلبي على ستة أميال من البحر ومن شنت نقولة إلى وادي ريغلو ويروى نيقلو اثنا عشر ميلاً واسم الوادي نفسه نهر قنالار. ومن نهر نيقلو إلى نهر كاطة أحد عشر ميلاً ومنه إلى مدينة سيبنت ميلان وسيبنت على قرب من البحر ومنها إلى ماتناطة اثنا عشر ميلاً وهي على قرب من البحر ومنها إلى شنت

أنجلو وهي مرتفعة عن الجر ثمانية أميال. وأيضاً فإن من ماتناطة إلى مرسى شنت فليجي اثنا عشر ميلاً وهي قرية وكنيسة عظيمة ومنها إلى بستية في قعر الجون في قرطيل يدخل في البحر اثنا عشر ميلاً وبين البلد ورأس القرطيل مقدار رمية قوس الرجل وعرض القرطيل في الرأس قدر نصف ميل وعرض وسط القرطيل أربعة أميال. ومن بستية إلى بسكيش اثنا عشر ميلاً ومن بسكيش إلى روذنة ثمانية أميال ومن روذنة إلى قينان اثنا عشر ميلاً ومن قينان إلى دابية أحد عشر ميلاً ومن دابية إلى لشنة ثمانية أميال ومن البحر إلى أقربيل أربعة أميال ولشنة أيضاً على قرب من البحر ويروى لازنة. ومن لاشنة إلى قنب مارين اثنا عشر ميلاً ومن قنب مارين إلى ترملة عشرون ميلاً ويروى ترملس ومن لازنة إلى ترملس إبلاية بتدوير ومن ترملة إلى مصب نهر بشكار تسعة وخمسون ميلاً جنوباً وكذلك من وادي بشكار إلى وادي طرنت ويروى ترنت ستة وثلاثون ميلاً ووادي طرنت نهر كبير وعليه على بعد من البحر مدينة ترنت. وهي مدينة كبيرة كثيرة الخصب والخيرات ومن مصب نهر ترنت إلى مدينة قامة على البحر ثمانية وخمسون ميلاً وقامة مدينة كبيرة القطر كثيرة الجنات والكروم ومنها إلى مدينة أنكونة ستة أميال. وأنكونة مدينة قديمة أزلية مشهورة من قواعد بلاد الروم الساكنين على بحر البنادقيين وقد ذكرناها فيما سبق قبل. ومن مدينة أنقونة إلى قنب مارين خلاء وبرار وفيه اثنا عشرة مرحلة وهي من الأميال ثلاث مائة ميل وفي هذا الخلاء من الأرض قوم يأوون إلى غياض ومواضع يتصيدون فيها ويطلبون العسول في تلك البراري ومن أنقونة إلى طرف الخليج وقد ذكرناه في الجزء السابق لهذا الجزء. ومنه ينعطف الخليج في جهة الشرق وهنا أرض إيكلارية ومن بلاد أيكلارية البرية برونة وتروى برانة وبوبلة وطامطرس ومدينة برونة مدينة كبيرة وبينها وبين مدينة طامطرس مرحلة خفيفة وأيضاً فإن من مدينة طامطرس إلى مدينة بروبلة تسعة أميال وهي مدينة كبيرة عامرة ومنها إلى أنملة وتروى أنجلة وأهلها من الإفرنج ثلاثة أميال ومن أنملة إلى قنديلة الإفرنجيين ثلاثة أميال ومنها إلى برونة وتروى برانة ميلان وقد سبق ذكرها. وهذه كلها بلاد إيكلاية البرية فأما بلادها الساحلية فمنها دستريس وبينها وبين طامطرس وهي مدينة إيكلاية ثلاثة وعشرون ميلاً ومنها إلى مدينة موغاو وتروى أوماغو تسعة أميال وكذلك أيضاً من مدينة برانة البرية إلى مدينة أوماغو ثمانية عشر ميلاً وأهلها إفرنجيون وهي على الساحل ومنها إلى مدينة جبطنوبة وهي البلد الجديد للإفرنجيين وهما مدينتان إحداهما في وطاء والأخرى على جبل مطل على البحر ثمانية أميال. ومن جبطنوبة إلى برنجوا وتروى برنزوا اثنا عشر ميلاً وهي مدينة عامرة كثيرة العمارة ولها أسطول ومراكب كثيرة ومنها إلى ريغنو وهي للإفرنجيين خمسة عشر ميلاً وريغنو مدينة حسنة كبيرة القطر كثيرة العمارة ومنها إلى مدينة بولة اثنا عشر ميلاً وهي مدينة حسنة كبيرة القطر كثيرة العمارة والأسطول بهابداً معد ومنها إلى موذولينة ستة عشر ميلاً وهي مدينة عامرة ومنها إلى ألبونة أربعون ميلاً ومنها إلى فلامونة ستة أميال وكلتا هاتين المدينتين عامرتان وأقطارهما متجاورة وأخبارهما متشابهة. ومن فلامونة إلى الأورنة أربعة أميال ومدينة الأورنة كثيرة عامرة وبها أحوال صالحة ومراكب مهيأة وإنشاء دائم وهي آخر بلاد إيكلاية الساحلية ويجاور هذه البلاد من جهة المشرق جبال متصلة وبرار منقطعة عن العمارة ويتلو هذه المدن التي ذكرناها من بلاد إيكلاية بلاد جرواسية التي تسمى دلماسية وهي على البحر وأول بلاد جرواسية مدينة تسمي بقري ومنها إلى الأورنة المتقدم ذكرها عشرة أميال وهي مدينة حسنة متحضرة ومنها إلى مدينة لوبارة ستة عشر ميلاً وهي مدينة كبيرة عامرة في سند جبل. ومن لوبارة إلى مدينة سينة ثلاثون ميلاً وهي مدينة حسنة كثيرة العمارة وأهلها صقالبة ولهم مراكب كثيرة ومنها إلى قسطيلصقة خمسة عشر ميلاً وأهلها صقالبة وهي مدينة صغيرة ومراكبها قليلة ومنها إلى مدينة مصقلة عشرون ميلاً وهي لدلمطيين ومنها إلى أرنص خمسة عشر ميلاً وهي مدينة متوسطة لدلمطيين ولها مراكب عدة ومنها إلى مدينة صاطو ثلاثون ميلاً. وصاطو لدلمطيين أيضاً ولهم مراكب تغزو وكذلك من صاطو إلى مدينة نونة

وتروى نينص عشرون ميلاً ونونة مدينة كبيرة حسنة جليلة حصينة الموضع ومنها إلى جاذرة وهي مدينة كبيرة القطر متصلة العمارات والكروم فرجة وهي على ضفة البحر وأهلها دلمطيون والبحر يضرب سورها. ومن جاذرة إلى دغواطة ثلاثون ميلاً وهي مدينة أهلها دلمطيون وصقالبة وهي من قواعد الروم وأهلها أنجاد ومنها إلى سبناجي عشرون ميلاً ومدينة سبناجي مدينة حسنة كثيرة العمارات ومنها يتجهز وإليها يقصد بالتجارات براً وبحراً. ومنها إلى مدينة واوغوري خمسون ميلاً ومدينة واوغوري وتروى لوغارو مدينة جليلة من أحسن القواعد وأحصنها وأهلها دلمطيون وهم أهل سفر وتجول ولهم مراكب غزو. ومنها إلى مدينة طرغوس وتروى ترغوري ستة أميال وأهلها دلمطيون وهم أهل إنشاء وغزو وإسفار. ومن مدينة ترغوري إلى مدينة أسبالطو اثنا عشر ميلاً وأهل أسبالطو دلمطيون وهي مدينة عامرة كبيرة القطر كثيرة العمارة والتجارة وكلها مفروشة الأزقة بالبلاط ولهم مراكب غزو. ومن أسبالطو إلى مدينة شثغنو خمسة وعشرون ميلاً وأهلها صقالب ولهم أعمال واسعة وعمارات متصلة وهم أهل مراكب كثيرة. ومنها إلى رغوص وتروى رغوصة ثلاثون ميلاً وأهلها دلمطيون ولهم مراكب غزوانية وهم أنجاد جلاد وهي آخر بلاد جرواسية. ومن رغوصة إلى مدينة قاطروا وتروى قاذروا عشرون ميلاً وهي مدينة حسنة عامرة آهلة وأهلها دلمطيون وهم أهل غزو وسفر ولهم عدة مراكب. ومنها إلى أنتابروا وهم صقالب ثلاثون ميلاً وهي مدينة كبيرة عامرة وقاعدة مشهورة ومنها إلى ذلوجية وأهلها لاذقيون سبعون ميلاً وهي مدينة من قواعد إسقلونية. ومنها إلى مدينة دراست للإفرنجيين ثمانون ميلاً وهي أقرب البر إلى مدينة أذرنت حيث المجاز وبينهما سبعون ميلاً مجازاً. ومن أدراست هذه طالعاً مع الحائط إلى مدينة جمارة مائتا ميل وخمسة وعشرون ميلاً واسم جمارة في القديم برنتو فهذا جميع الخليج البنادقي بما عليه من البلاد والمعاقل وفيما جئنا به كفاية لذوي البحث والعناية والشكر لله على ذلك. وأما ما في هذا البحر من الجزائر فنريد أن نذكرها على التوالي حتى نأتي بالغرض الذي قصدناه كما وصفناه وذلك أن في هذا البحر البنادقي جزيرة أوسر وهي قريبة من البر بينهما ثمانية أميال من الرأس الواحد وباقيها داخل في البحر وهي في جون أسترية وطولها عشرون ميلاً وعرضها اثنا عشر ميلاً وهي عامرة. ومنها إلى الجزيرة المسماة جرسة خمسة أميال وبينها وبين البر ستة أميال وهي كبيرة كثيرة العامر وطولها أكثر من عرضها ويكون طولها على التقريب ستون ميلاً وعرضها خمسة وعشرون ميلاً وفيها قومس وأسقف. ومنها إلى جزيرة أربا ستة أميال وهي قدام جبال جرواسية وبينها وبين البر اثنا عشر ميلاً وطولها بالتقريب ثلاثون ميلاً وعرضها ثمانية عشر ميلاً وفيها قومس وأسقف. ومنها إلى جزيرة باغا أربعة أميال وهي قدام نونة وبينها وبين البر أربعة أميال وطولها بالتقريب عشرون ميلاً وعرضها عشرة أميال. فهذه الجزائر المذكورة جملتها عامرة وهي من إقليم جرواسية وأما جزائر البنادقة فهي ست ثلاث في صف وثلاث في صف يتلوها وجملتها معمورة وهي متوسطة بلاد البنادقيين وبها عرفت البلاد والبحر. وفي المجاز المتقدم ذكره جزيرة غير معمورة وهي إلى لبونة أقرب وكذلك على أبرندس ثلاث جزائر تسمى غوشيت وهي تقرب من البر وهي صغار جداً وليست بمسكونة فهذه جملة ما في هذا البحر من الجزائر المعمورة و الخالية. ولنرجع الآن إلى ذكر البلاد البرية وهيآتها وطرقها ومسافاتها وأحوال سكانها ومواضع جدرانها بلداً بلداً وقطراً قطراً. فنقول الطريق من طارنت المقدم ذكرها إلى نابل من طارنت إلى متيرة ستون ميلاً ومن متيرة إلى أغربينة ستون ميلاً ومن أغربينة إلى قنوصة مائة وعشرون ميلاً ومن قنوصة إلى أندرة ثمانية عشرة ميلاً ثم إلى إطرانة ثمانية عشر ميلاً ثم إلى بابرة خمسة عشر ميلاً إلى فراجنطو ستة وعشرون ميلاً ثم إلى جبيطيرة ثمانية عشر ميلاً ومنها إلى نابل على البحر ثلاثون ميلاً. وكل هذه المدن المذكورة والمعاقل المشهورة معاقل لا تنال متقاربة الأحوال وحواضر مقصودة بأصناف التجارات معمورة خصبها زائد وأمنها راكد وأكثرها لا بل كلها من بلاد قاورية وبلاد بولية. وبولية وقلورية أسماء الأرضين والأقاليم وتحتوي على بلاد كثيرة وأولها ريو وهي مدينة

على مجاز صقلية صغيرة متحضرة فيها أسواق وعمارات ومجتمع لوراد وقصاد. صقلية صغيرة متحضرة فيها أسواق وعمارات ومجتمع لوراد وقصاد.
ومنها إلى توجس مرحلة ومن توجس إلى جراجي مرحلة ومن جراجي إلى الماص وهي مدينة صغيرة بها سوق وفواكه ستة وسبعون ميلاً ومن الماص إلى قشتال ثلاثون ميلاً وهي مدينة صغيرة.
ومن قشتال إلى قطروني على التخلية في البحر ثلاثة عشر ميلاً وعلى التقوير ثمانية عشر ميلاً ومن قطروني لمن قطع عرض البحر مجرى وثلاثون ميلاً وقد ذكرنا صفات هذه البلاد فيما تقدم.
وأيضاً فإن من مدينة جراجي إلى اسطيلو أربعة وعشرون ميلاً ومدينة اسطيلو صغيرة معمورة كثيرة النعم ومنها إلى قطنصار اثنا عشر ميلاً ومي قلعة حسنة ومنها مع الغرب إلى شنت فيمة اثنا عشر ميلاً على البحر وشنت فيمة قد سبق ذكرها فيما مضى وكل هذه البلاد من أرض قلورية.
ومن قطرونة الساحلية إلى طاجنة على البحر ثلاثة أميال إفرنجية وهي تسعة أميال.
ومن قطروني أيضاً إلى جنقو قسطروا ثلاثة أميال إفرنجية وكذلك من طاجنة أيضاً إلى جنقو قسطروا ومن جنقو قسطروا إلى سيمري خمسة عشر ميلاً وبين سيمري والبحر ثلاثة أميال وهذه البلاد كلها صغار متحضرة بها.
أسواق وبيع وشراء وهي مما تتقارب صفاتها وأحوالها وكذلك من سيمري إلى قطنار خمسة عشر ميلاً وأيضاً من سيمري إلى طبرنة ثمانية عشر ميلاً وكذلك من سيمري إلى اسطرنجلي أحد وعشرون ميلاً.
ومن اسطرنجلي إلى قطروني أربعة وعشرون ميلاً بين اسطرنجلي والبحر ستة أميال وأيضاً فإن من اسطرنجلي إلى أبرياتقو أحد عشر ميلاً ومن أبرياتقو إلى باقى باتربول سبعة وعشرون ميلاً.
ومن باتربول إلى إبسخروا ثلاثة وثلاثون ميلاً وبين إبسخروا ورسيانو الساحلية خمسة عشر ميلاً ومن رسيانو إلى شنت موروا خمسة أميال وبين شنت موروا والبحر ستة أميال ومن شنت موروا إلى أرمنت ثلاثة أميال ومن أرمنت إلى شنت أركنجل ستة أميال.
وأيضاً فإن من شنت موروا إلى بسنيان تسعة أميال ومن بسنيان إلى أكراك اثنا عشر ميلاً ومن أكراك إلى شنت أركنجل اثنا عشر ميلاً ومن شنت أركنجل إلى رقة فيلب ستة أميال ومن شنت أركنجل إلى قلبراط اثنا عشر ميلاً ومن أركنجل على اليمين إلى سنيس اثنا عشر ميلاً ومن أركنجل إلى غنانو ذات اليسار اثنا عشر ميلاً.
ووادي أكري يشق بينهما ومن أركنجل إلى قشتال ستة أميال وهو حصن حصين ومن قشتال مشتال إلى قابلي ميلاًن رمن أركنجل إلى بنس ادرات في جهة الغرب ستة أميال ومن بنس ادرات إلى قشتال لورنت ستة أميال ومنه إلى مدينة شنت مرتين ثلاثة أميال.
ومن شنت مرتين إلى منت مور إلى بنجال ستة أميال ومن بنجال إلى مرقسة القديمة إلى صبونارة اثنا عشر ميلاً ومنها إلى سرقونة ثلاثة أميال ومن سنيس أيضاً إلى ترسة اثنا عشر ميلاً.
ومن ترسة إلى شنت أركنجل اثنا عشر ميلاً ومن شنت أركنجل إلى حصن أكلون ستة أميال ومن أكلون إلى صنغرة اثنا عشر ميلاً ومن صنغرة إلى طارنت ثمانية وأربعون ميلاً.
ونرجع فنقول إن من سنيس إلى ترسة اثنا عشر ميلاً ومن ترسة إلى أكلون ستة أميال ومن أكلون إلى حصن أركنجل ثمانية عشر ميلاً وقد قدمنا ذلك.
ومن شنت أركنجل إلى قربون ثمانية عشر ميلاً ومن قربون إلى حصن قلبراط أربعة وعشرون ميلاً وحصن قلبراط يحاذي قربون أيضاً من خلف الجبل ويحاذي أيضاً قربون من خلف الجبل مدينة قلبرية وبينهما ستة أميال وكذلك يحاذي بلد اسمه قسطرنوب بينه وبين قلبرية ثلاثة أميال.
ومن قسطرنوب إلى مدينة بتبران ثلاثة أميال وبين بتبران وسنيس ستة أميال وهذه البلاد الأربع من وراء الجبل ومن شنت أركنجل إلى رقة فيلب ستة أميال.
ونرجع فنقول إن من مدينة طارنت في الجنوب إلى مدينة قليبلي على البحر ستون ميلاً ومن قليبلي إلى أذرنت في المشرق ثلاثة مائة ميل وثلاثون ميلاً ومن اذرنت إلى لج وهي مدينة في البر اثنان وسبعون ميلاً ومن مدينة لج إلى ابرندس المتقدم ذكرها على بحر البنادقيين اثنان وسبعون ميلاً.
ومن طارنت أيضاً إلى بنة انكي ثمانية عشر ميلاً ومن بنة إلى فركة ثمانية عشر ميلاً ومن فركة إلى قشتال نوبة أربعة وعشرون ميلاً ومن حصن بنة انكي إلى حصن جبيطة لبرال أربعة وعشرون ميلاً ومن جبيطة لبرال إلى حصن منت افرند على التأريب خمسة عشر ميلاً.

ومن حصن منت افرند إلى صنالة أربعة وعشرون ميلاً ومن حصن صنالة إلى مدينة صنغرة سبعة وعشرون ميلاً وكذلك من حصن جبيطة لبراك إلى صنالة أربعة وعشرون ميلاً.
ونقول إن من حصن بنة انكي إلى لامة أحد وعشرون ميلاً ومن حصن لامة إلى قرجرة سبعة وعشرون ميلاً ومنها إلى مدينة صنغرة خمسة عشر ميلاً وكذلك من حصن لامة أيضاً إلى حصن جبيطة لبرال خمسة عشر ميلاً ومن حصن لامة إلى مدينة طارنت ستة أميال ومن إلى حصن باجنرة ثمانية عشر ميلاً.
ومن باجنرة إلى حصن فركة اثنا عشر ميلاً ومن فركة إلى قرجرة اثنا عشر ميلاً ومن حصن قرجرة إلى مدينة صنغرة اثنا عشر ميلاً ومن حصن باجنرة أيضاً إلى بليان وهو حصن حسن ثمانية عشر ميلاً ومن حصن بليان إلى حصن بالسقورة خمسة عشر ميلاً ومن باستو إلى مدينة صنغرة اثنا عشر ميلاً وأيضاً فإن من بالسقورة إلى حصن باشلة ثمانية عشر ميلاً غرباً. وأيضاً فإن من حصن باستو وهي الرقة المتقدم ذكرها إلى قشتال نوبة ستة أميال ومنها إلى بشكة سارلة ثمانية أميال إفرنجية ومي قرية ممدنة وذلك أربعة وعشرون ميلاً ومنها إلى حصن شنت دناط أربعة وعشرون ميلاً ومنها إلى رقة رالبنو ثمانية عشر ميلاً.
ومن رالبنو إلى جروا وهو حصن حصين خمسة عشر ميلاً وأيضاً فإن من حصن رالبنو إلى مدينة صنغرة ثمانية عشر ميلاً ومن حصن قاسطروا أيضاً إلى حصن براي أربعة وعشرون ميلاً ومن براي إلى صنغرة ثمانية عشر ميلاً وأيضاً فإن من شنت دناط إلى رقة شنج ثمانية عشر ميلاً ومن رقة شنج إلى ألفدينة ثلاثة أميال.
ومن ألفدينة أيضاً إلى مدينة صنغرة اثنا عشر ميلاً ومن رقة ديبلوا إلى ألفدينة ثمانية عشر ميلاً ومن جروا إلى أتينة اثنا عشر ميلاً ومنه إلى صنغرة ثمانية عشر ميلاً.
ونرجع فنقول إن من صنغرة إلى حصن أكلون ستة وثلاثون ميلاً ومن أكلون إلى مكشتر يناطة على اليمين تسعة أميال وفي الشمال باترة أندنت خمسة عشر ميلاً ومن حصن بلانة وأنت مار إلى صغرة قرجرة في الشمال وبعض تأريب وفي اليمين حصن بجنبرو وبينهما ثمانية عشر ميلاً ومن بلانة إلى صنغرة ستة وثلاثون ميلاً.
ومن حصن جروا السابق ذكره إلى الفلفال أربعة وعشرون ميلاً ومنها إلى شنت دناط ثمانية عشر ميلاً ومنه إلى أسقنو أربعة وعشرون ميلاً ومنه إلى بالسقورة أحد وعشرون ميلاً ومن بالسقورة إلى منت دجون ثمانية عشر ميلاً ومن منت دجون إلى لامة أربعة وعشرون ميلاً ومن لامة إلى مدينة طارنت ستة أميال.
وأيضاً فإن من لامة إلى بنة انكي ثمانية عشر ميلاً ومن حصن بنة انكي إلى أرقلان أربعة وعشرون ميلاً ومن أرقلان إلى حصن قارنقل أربعة وعشرون ميلاً وأيضاً فإن من أرقلان إلي حصن منت بال ثمانية عشر ميلاً ومن حصن منت بال إلى لامة على التأريب أربعة وعشرون ميلاً.
وأيضاً فإن من الفلفال إلى حصن منت دمروا ثمانيه وعشرون ميلاً ومن باطرة إلى قشطة جرزد خمسة عشر ميلاً ثم إلى منت دمروا خمسة عشر ميلاً ومن قلقاس إلى حصن قستلنس ثمانية عشر ميلاً ومن قستلنس إلى قشطة جرزد تسعة أميال.
وأيضاً فإن من حصن قارنقل إلى قشطلون ومن قشطلون إلى مكشتر يناطة أربعة وعشرون ميلاً ومن مكشتر يناطة إلى صنغرة أربعة وعشرون ميلاً وكذلك أيضاً فإن من منت فرند إلى حصن قشطلون ثمانية عشر ميلاً ومن قشطلون إلى فلفال أربعة وعشرون ميلاً.
ومدينة فلفال هي عند أصل جبل قرسلون فمن فلفال إلى بلد لشيوش اثنا عشر ميلاً وهي عند أصل جبل أولاد برال ومنها إلى حصن جروا السابق ذكره خمسة عشر ميلاً وهو في أصل الجبل المذكور ومن منت مللو إلى حصن أنقلون ثمانية عشر ميلاً وهو في أصل الجبل المذكور ومن غردية إلى حصن قرنفلة ثمانية عشر ميلاً وهو في آخر الجبل المذكور.
ومن حصن قرنقلة إلى حصن جبيطة لبرال ثلاثة وثلاثون ميلاً وهو حصن أهل ممدن في خندق بين جبل برال وجبل مايال وبين جبيطة لبرال وبنة انكي وهو حصن أربعة وعشرون ميلاً وبين بنة انكي وحصن لامة وقد تقدم ذكره خمسة عشر ميلاً ومن حصن لامة إلى طارنت ستة أميال.
ونرجع فنقول إن من حصن جبيطة لبرال إلى حصن برات ثمانية عشر ميلاً ومن حصن برات إلى حصن براتور ثمانيه عشر ميلاً وهو حصن حسن في أصل جبل مايال المذكور ومن براتور إلى حصن بالانة ستة وثلاثون ميلاً.

وهو أيضاً في أصل جبل مايال المذكور ومنه إلى رقة قورالي أربعة وعشرون ميلاً وهي في رجل الجبل المذكور ومن هذه الرقة إلى مدينة نوبلو أحد وعشرون ميلاً ثم إلى حصن فارة خمسة عشر ميلاً وهي في رجل الجبل المذكور.
ومن فارة على التأريب إلى حصن طن اثنا عشر ميلاً وهو في أصل الجبل المذكور ومنه إلى فارة بشكارة تسعة أميال ومن فارة إلى أترانة الساحلية وتروى أطرانة بالطاء ثمانية عشر ميلاً.
ونرجع فنقول إن من قرشتلون إلى حصن أنقلون السابق ذكره خمسة عشر ميلاً ومن أنقلون إلى رقة بتسي ثمانية عشر ميلاً ومنها إلى جبيطة لبرال ثلاث وثلاثون ميلاً.
وحصن جبيطة هو أول عمل بلاد الرومانيين ومن جبيطة لبرال إلى حصن طن أربعة وعشرون ميلاً وطن هو في أصل الجبل المذكور ومنه إلى حصن نوبلو اثنا عشر ميلاً وهو في أصل الجبل المذكور ومنه إلى أنكزمة أربعة وعشرون ميلاً ومنه إن أطرانة وهي أترانة الساحية ستة وثلانون ميلاً على ما فسرناه قبل.
وأيضاً فإن من قرشتلون إلى فلفاسق خمسة أيام وكذلك من قنب مارين إلى غاردية ارط اثنا عشر ميلاً وهي مدينة صغيرة متحضرة ومنها إلى قرشتلون أربعة وعشرون ميلاً.
ومن بالملة أيضاً إلى فلفاسق ثمانية عشر ميلاً ومن حصن فلفاسق إلى حصن أرقلان اثنا عشر ميلاً وكذلك من حصن بنة دبونسي إلى حصن جس ثمانية عشر ميلاً ومن حصن جنس إلى بالملة خمسة عشر ميلاً ومن حصن جنس إلى قارنفل اثنا عشر ميلاً ومن حصن قارنفل إلى بنة تاتلي ويروى توتلي خمسه عشر ميلاً.
وأيضاً فإن من صنغرة إلى بليان أربعة أميال وصت أرقلان إلى حصن بنة توتلي تسعة أميال وأيضاً فإن من حصن أرقلان إلى منت بال ثمانية عشر ميلاً ومن منت بال إلى حصن لامة على التأريب ستة أميال ومن لامة إلى طارنت ستة أميال.
وأيضاً فإن من مدينة أطرونة إلى حصن لنتشك ستة أميال ومن حصن لنتشك إلى بنة توتلي خمسة عشر ميلاً ومن بنة توتلي إلى رقة منت بلان اثنا عشر ميلاً ومن لنتشك أيضاً إلى فونصة تسعة أميال ومن فونصة إلى بنة انكي خمسة عشر ميلاً.
ومن بنة انكي إلى طارنت سبعة وعشرون ميلاً ومن بنة انكي إلى طن تسعة أميال وأيضاً فإن من حصن لنتشك إلى بنة توتلي خمسة عشر ميلاً ومن حصن بنة توتلي إلى رقة منت بلان اثنا عشر ميلاً وأيضاً فإن من أرطونة السابق ذكرها إلى فونصة أربعة وعشرون ميلاً وأيضاً فمن فونصة إلى بنة انكي خمسة عشر ميلاً.
ومن أرطونه إلى ربينة تسعة أميال ومن ربينة إلى فونصة تسعة أميال ومن ربينة إلى رقة منت بلان اثنا عشر ميلاً ومن منت بلان إلى توتلي تسعة أميال ومن مدينة أترانة التي على البحر إلى بكلان اثنا عشر ميلاً ومن بكلان إلى ربينة اثنا عشر ميلاً.
ومن بكلان إلى تات اثنا عشر ميلاً ومن أترانة إلى تات خمسة عشر ميلاً وهي بعيدة عن الوادي بستة أميال ومن تات إلى أنكزمة اثنا عشر ميلاً ومن أنكزمة إلى بكلان تسعة أميال وأيضاً فإن من أنكزمة إلى أترانة على البحر ستة وثلاثون ميلاً.
ثم نرجع فنقول إن من مدينة طارنت إلى متيرة مائة ميل وثمانون ميلاً شمالاً مع تغريب وهي مدينه حسنة كبيرة القطر كثيرة العمارة ومنها إلى باري شرقاً مائة وثمانون ميلاً ومن مدينة متيرة إلى مدينة اغربينة ستون ميلاً بين شمال وتغريب وهي مدينة متحضرة صغيرة القطر خصيبة حسنة ومن اغربينة إلى فنوصة مائة وثمانون ميلاً.
وفنوصة مدينة مشهورة من بلاد الأنكبردين ومنها إلى بارى خمسة وستون ميلاً شرقاً ومن فنوصة إلى أندرة أربعه وخمسون ميلاً شرقاً ومن أندرة إلى أطرانة الساحلية السابق ذكرها خمسة وأربعون ميلاً شرقاً ومن مدينة فنوصة أيضاً إلى منت فنجوس سبعون ميلاً.
ومن منت فنجوس إلى ألت جوان ستة أميال ومن ألت جوان إلى متيرة اثنا عشر ميلاً ومنت فنجوس مدينة حسنة كثيرة الكروم والأشجار خصيبة ومن مدينة منت فنجوس إلى أغرطلو ثمانية عشر ميلاً وهي مدينة صغيرة متحضرة ومنها إلى ألت جوان ستة أميال ومنها إلى أتريغارقو وتروى اتريكركو ثمانية عشر ميلاً.

ومن ألت جوان إلى فنجوس ستة أميال ومن اتريغارقو إلى اسلان سبعه وعشرون ميلاً ومن اسلان إلى أنكلون أربعة وعشرون ميلاً ومن مدينة فنجوس إلى اتريغارقو ثلاثة وستون ميلاً اً غرباً ومن اتريغارقو إلى مدينة جرسنة اثنان وسبعون ميلاً ومن مدينة جرسنة إلى مدينة لبوتراي ثمانية عشر ميلاً.
ومن جرسنة إلى بتانسة ستون ميلاً وهي مدينة جليلة المقدار كبيرة القطر عامرة بالناس كثيرة الكروم والعمارات ومن بتانسة إلى منت قاوي مائة وخمسون ميلاً غرباً.
وأيضاً فإن من بتانسة إلى مدينة ملف البرية أربعة وخمسون ميلاً غرباً ومن ملف البرية إلى قنس مائة ميل وثمانية أميال ومن قنس إلى قنبانية ستون ميلاً ومن قنبانية إلى ابلة سبعة وعشرون ميلاً غرباً ومنها إلى مدينة سلرنو اثنان وسبعون ميلاً.
وأيضاً فإن من مدينة قنبانية وهو حصن كبير معمور إلى حصن بلقس اثنان وسبعون ميلاً ومن حصن بلقس إلى حصن ديانة اثنان وسبعون ميلاً ومن ديانة إلى قبواح اثنان وسبعون ميلاً ومن قبواح إلى سلرنو ستة وثلاثون ميلاً.
ونرجع فنقول الطريق من مدينة ملف البرية إلى مدينة لشنة التي على ساحل بحر البنادقيين من مدينة ملف البرية إلى رقة شنت غاثي غرباً مع شمال أربعة وخمسون ميلاً ومن رقة شنت غاثي إلى حصن أصقلة ستة وثلاثون ميلاً ويروي عزقلة وعسقلة أيضاً.
ومن أصقلة إلى أطرونة أربعة وخمسون ميلاً ومنها إلى شنت لورنس أربعة وخمسون ميلاً ومنها إلى فوج سبعة وعشرون ميلاً ومنه إلى قشتال نوب ثلالة وستون ميلاً ومن قشتال نوب إلى شنت اكلركو ستة وثلاثون ميلاً ومنه إلى شنت صبير أربعة وخمسون ميلاً ومن شنت صبير إلى مدينه لشنة ثلاثة وستون ميلاً.
ومدينة لشنة بقرب البحر البنادقي والطريق من أطرونة إلى سلرنو على مدينة بنبنت من مدينة أطرونة إلى أرنانة وهي مدينة ستة عشر ميلاً ومن أرنانة إلى أبيج ثمانية عشر ميلاً وهي مدينة ومنها إلى مدينة بنبنت سبعة وعشرون ميلاً وهي مدينة كبيرة ومنها إلى أبلينه اثنان وسبعون ميلاً.
ثم منها إلى سلرنو اثنان وسبعون ميلاً وأيضاً من بنبنت إلى جنقالة سبعة وعشرون ميلاً ومنها إلى نابل ستة وثلاثون ميلاً ومن بنبنت أيضاً إلى منت سرح أربعة وخمسون ميلاً ومنها إلى أرجنت اثنان وأربعون ميلاً ومن أرجنت إلى جنقالة أحد وعشرون ميلاً ومنها إلى بالمة اثنا عشر ميلاً ومن بالمة إلى سرنة ستة وثلاثون ميلاً ومنها إلى سلرنو اثنان وسبعون ميلاً.
والطريق من أطرونة إلى أنقونة من أطرونة إلى نهر لوقدو خمسةوسبعون ميلاً ومنه إلى حصن أنزقة عشرون ميلاً ومنه إلى نهر بشكار تسعون ميلاً ومنه إلى بطلان تسعون ميلاً ومنه إلى ترانية تسعة وستون ميلاً ومنها إلى مدينة أقاما مائة ميل وأربعة وسبعون ميلاً ومنها إلى مدينة أنكونة ثمانية عشر ميلاً.
وقد ذكرنا من بلاد هذا الجزء ومسالكها ما فيه كفاية ولنذكر الآن أنهارها الكبار الجارية في هذه البلاد حسب الطاقة وبلوغ الجهد وأول ما نبتدئ منها بذكر نهر سنيس.
فنقول إن نهر سنيس يخرج من جبال قربون ويجري بين قلورية وقسطر نوب ثم يمر قدام سنيس فلا يمر غير بعيد حتى يجتمع هو ووادي سكنة فيجوز قدام فياض فيمر إلى أمام شنت بارد كميرة ومن هنالك إلى البحر.
وأما نهر سكنة فإنه يخرج من جبال قربون ويجري إلى أن يجتمع بوادي سنيس فيمران إلى فياض ثم إلى شنت بارد كميرة ثم إلى البحر وجبل سرين هو قدام بجنال وبين أكلرمنت وبين بجنال وبين هذا الجبل المذكور وأكلرمنت اثنا عشر ميلاً وبين الجبل أيضاً وبجنال خمسة عشر ميلاً.
وأما وادي أكري أيضاً فإنه يخرج من جبل سرين من غربيه فيمر إلى سرقون ويجتار على شنت مرتين فيمتد إلى حصن أليان ويمر بعد بأكلون إلى حصن بلقوري ومن هناك إلى البحر.
وأما نهر بتنسية المسمى برنتال فإنه يخرج من جبل بقرب بتنسة فيمر بحانب مدينة تسمى اتريغارقو ملاصقاً لها ثم يترل إلى بلد يسمى اكرت فيمر بشرقيها تم يترل إلى بلد يسمى ميون فيمر بشرقها وبينه وبين البد نحو أربعة أميال ونصف ميل ثم ينزل على كنيسة شنت توذر ثم يمر على بلد يسمى ترتغرير على يمينها محاذياً لها ثم ينزل في البحر.

وأما نهر ابرادنو ويروى ابراطنو فهو نهر يجري على حدته لا يختلط بوادي برنتال لأنه يخرج في الأول واديان صغيران بين بلدتين إحداهما تسمى لقبارة والثانية تسمى بتنسية فيمران بجريهما إلى رقة فنجلان فيجتمعان هناك فيسميان عند ذلك بواي ابرادنو ويمر كذلك بين العمارات إلى البحر وعلى حوافي هذا النهر شجر الصنوبر كثيراً تقطع وترسل في النهر إلى البحر وقد يستخرج منه الزفت والقطران ويتجهز بها إلى سائر البلاد.
وأما نهر فرطول فإنه يزج من جبل قترشال وينزل إلى ريبة وتبقى ريبة على اليمين وبينهما ثلاثة أميال ثم يجوز فيمر على قشتال مان ويبقى البلد على اليمين وبينهما رمية حجر ومجتاز بطفارة ويبقى البلد على الشمال وبينه وبين البلد ثلاثة أميال ثم يجتاز على مدينة جرسنة وتبقى جرسنة يميناً منه وبينهما ثلاثة أميال ثم يمر إلى ماقلة وبينهما وبينه ميل فيجوز على شنت جوان ميور وبينهما ثلاثة أميال ثم يجور على يمين لورنت وبينهما نحو ثلاثة أميال تم يجوز على يمين أذرغونالة مماساً لسورها فيمر على يمين جبطات وبينهما وبينه نحو رمية سهم ثم يجتاز على يمين ربالد وبينهما رمية حجر ومنهما إلى البحر فيصب بمقربة من لازنة وتروى لاشنة كما قدمنا ذكر ذلك قبل هذا وتبقى لازنة في جهة الشرق وبين مصب هذا النهر ومدينة لازنة ثلاثة أميال.
وعند مصب هذا النهر وفي غربيه مدينة صغيرة تسمى قنب مارين وبين هذه المدينة والنهر ثمانيه عشر ميلاً وبين البلاد والبحر تسعة أميال.
وأما نهر نيطو فإنه ينزل من الصيلا عن يمين جرنتية فيستقبل المشرق ويخرج نهر آخر عن يسار البلاد المذكور فيلتقيان بمكان يعرف بالملاحة وبينهما وبين جرنتية المذكورة تسعة أميال وتسمى جرنسية ثم يتمادى الوادي حتى يجوز تحت شنت سميرى وبينه وبين هذا البلد ميل ونصف ثم يتمادى الوادي المذكور حتى يجوز بين قطروني واسترنجلي فيفرغ في البحر.
وأما وادي أكري فليس يجري بين شنت أركنجل بين ترسة وإنما يجري محاذياً لهما وبين الوادي وبين ترسة ميل ونصف وبين الوادي أيضاً وأركنجل قريب جداً وبين ترسة ومنت ميور اثنا عشر ميلاً.
والوادي المذكور يجري ملاصقاً لها وخروج نهر أكري من جبل مرسقو وبينهما ثمانية عشر ميلاً وما يصل إلى ترسة ومدينة أركنجل كما قدمنا ذكرها.
وأما وادي شابطو فإنه يخرج بين حجرين من جبل قدام سرين عن الشمال وبينهما نحو ميل ونصف ثم يتمادى جريه فيجوز عن يمين حصن منت ابوو ثم يجتاز على شنت برباط وبينهما وبين الوادي ميل ونصف ثم يجتاز من تحت افرنتيو عن الشمال وبينهما ميل ونصف ميل ثم يجوز من تحت جبل ابراطنة فيمر على يمين حصن طوفو ويروى طف وبينهما رمية سهم فيمر من تحت رقة بلتة ثم يسير من تحت حصن جبرون وبينهما ميل ونصف ويبقي حصن منت فسق وحوزها عن يمين الوداى.
والوادي المذكور يجوز بين إقليم منت فسق وجبرون فينتهي إلى ربض ببنت عن يمين الوادي.
وأما وادى قلور فعنصره من الجبل المسمى منتال ويجوز على طرش وبينهما وبين الوادي جبال وخنادق ويجوز على رحل قنطانة وبينها وبين الوادي ميل ونصف ثم يجوز من تحت منت فسق عن الشمال وبينهما وبينه ستة أميال.
وهذا الوادي يجوز بين حصن اقترندة وفسق وتبقى حصن منت فسق عن اليمين وبينهما وبين الوادي مقدار ميل ونصف ثم يجتاز عن يمين أبج وبيها وبين الوادي مقدار رمية حجر ويجوز أيضاً من تحت بذوله وتبقى بذولة عن يمين الوادي وبين الوادي والجبل ميل ونصف وبين الجبل وبذوله أيضاً نصف ميل ويجوز من تحت قنطرة بالنتين وبين هذه القنطرة وبين بنبنت ثلاثة أميال ثم تجتمع مع نهر شابطو في شنت فيلس.
وأما وادي لاينة وخروجه فإنه ينزل من قدام مركوري إلى البلد الذي قدام دسقالية إلى البحر وأما وادي الربل فإنه يخرج من تل إلى قشطرقفلو ومراثيا ومن هناك ينزل إل البحر وبين الدسقالية والوادي المذكور ستة أميال وبين الوادي ومراثيا ميل واحد.
وأما وادي بلقسطروا فإنه ينزل من قدام شنت صيتري إلى بلقسطروا ومن هناك إلى البحر وأما وادي مولبة فإنه ينزل من جبل قستلنس إلى قدام قمراطة ثم يترل إلى قدام مولبة إلى البحر.
وأما وادي أبروقة فإنه ينزل من منت فرت ومن هناك إلى قدام قربلة ثم إلى قدام ترجل ومن هناك إلى أبروقة إلى البحر.

وأما وادي أديانة فأول خروجه من منت صان ثم ينزل بقرب بذولة فيجوز ما بين أديانة وبين الصالة ثم يخرج إلى أبلة ويجوز قدام أولات وبقرب منت طري فيجتمع بالسيلو.
وأما وادي قزلو ويروى بالهاء قزله فإنه ينزل من دير أكران فيجوز على قزله ويفرغ في وادي بلقسطروا وأما وادي اكلريوزة فينزل أيضاً من الجبال إلى قدام رفران ثم إك اكلريوزة ثم إلى قمراطة فيفرغ في البحر.
نجز الجزء الثالث من الإقليم الخامس والحمد لله ويتلوه الجزء الرابع منه إن شاء الله.
الجزء الرابع
إن هذا الجزء الرابع من الإقليم الخامس تضمن بلاد رغوسة وبلاد إسقلونية وبلاد رمانية وخليج القسطنطينة وما عليه من البلاد المشهوره وبعض ما خلف الخليج المذكور من العمارات والبلاد ويجب أن نتكلم عليها كلاماً مجملاً ومفسراً قدر الطاقة وحسب المعرفة بحول الله تعالى.
فنقول إن بلاد البنادقة والصقالبة وما اكتنف مجر البنادقيين من البلاد يحوطها ويكتنفها من جهة شرقيها جبل ممتد من قرب أذرنوبلي عن ثلاثين ميلاً منها ويسمى لسو وفوقه بلد لسو فيمر شمالاً حتى ينتهي إلى قستورية فتنفصل منه هناك شعبة بمقابلة دراس فيها الطريق إلى دراس وغيرها ويسمى هناك جبل التمورة ويخرج منه هناك ثلاثة أودية تجري إلى ناحية لبلونة ودراس فتفرغ في البحر واسم النهر الذي يخرج إلى لبلونة بييوصة والنهر الثاني منه يسمى دابلي والنهر الثالث منه يسمى إسترينة ثم يمتد بقية الجبل المذكور من طريق دراس إلى أن يصل بالقرب من جاذرة على قدر أربعين ميلاً وأما طرفه الذي يقرب من أذرنوبلي وتقرب منه مدينة ياننة فإنة تنفصل منه شعبة تمتد إلى ناحية جون بحر بلبونس حتى تنتهي إلى قرب إستيفس عن ثمانين ميلاً منها ونبقتو في سفح هذه الشعبة المذكورة على البحر.
وأيضاً فإن جبل لسو المذكور بينه وبين مدينة دراس خمسة عشر ميلاً وبين مدينة لسو ومدينة دلجينة المذكورة التي على بحر البنادقة ثلاثون ميلاً وبين دلجينة المذكورة والجبل المذكور اثنا عشر ميلاً.
؟؟؟ويمتد الجبل إلى أن يوازي أنتبرة ومدينة أنتبرة بينهما وبين البحر ثلاثة أميال وهي مدينة حسنة قي ذيل الجبل ويمتد الجبل إلى أن يصل إلى مدينة قاطرة وبينهما ثلاثة أميال وهي في ذيل شعبة منه ويمتد أيضاً إلى أن يصل إلى مدينة رغوسة وهي في ذيل الجبل.
ويقابل مدينة قاطرة المتقدم ذكرها خلف الجبل مدينة قاميو وبينهما خمسة عشر ميلاً ومدينة قاميو تتصل بها شعبة من الجبل وتستدير حولها كالكاف وهي مدينة عامرة لا يتوصل إليها إلا من جهة واحدة.
ويمتد الجبل إلى مدينة إستغنو فيتصل بها من هذا الجبل شعبة كبيرة عالية وإستغنو في سفحها ثم يمر متصلا إلى مدينة أسبالطو وبين أسبالطو والجبل ستة أميال وخلف الجبل مدينتان إحداهما نجاو والثانية كيترة وبين أسبالطو ونجاو اثنا عشر ميلاً وبين نجاو وكيترة يوم وكلتاهما يحيط بهما جبال وعرة والطرق إليهما صعبة ثم يمتد الجبل حتى يصل إلى قرب مدينة ترغوري ثم إلى مدينة سبناجي وهي على شعبة جبل متصل بالجبل المذكور ثم يمر إلى أن يحاذي جاذرة على يوم منها وجاذرة في وطاء من الأرض ويتصل بمقربة من نونة وعلى اثني عشر ميلاً منها ونونة على البحر فيمر إلى سينة وهي في ذيل الجبل ثم يستقيم إلى أن يصل لوبارا ولوبارا فوق جبل لطيف يتصل بالجبل الكبير ويمر على قدام إلى أن يقارب أرض إيكلاية وهذا الجبل لهذه المدن المذكورة حائط مانع لأنه جبل صعب المرتقى شامخ العلو.
وأيضاً فإن بين بحر البنادقة والخليج القسطنطيني أعداد بلاد وجمل مدن وقواعد مشهورة و نبدأ الآن بذكرها على النسق والتوالي بعون الله فنقول الطريق من دراس إلى أخرسوبلي تخرج من دراس التي على البحر البنادقي في طريق البرية إلى جهة القسطنطينة وذلك على بترلة وبينهما يومان ومدينه بترلة بلد فوق جبل بينه وبين أخريذة أربعة أيام.
وأخريذة مدينة جليلة كثيرة العمارة واسعة التجارة وموضعها فوق جبل لطيف وبقربها بحيرة كبيرة يصاد فها السمك بالقوارب وهذه البحيرة منها في جهة الجنوب ودور البحيرة ثلاثة أيام وبعض البلد على البحيرة.

وبين أخريذة المذكورة ومدينة بولغو يومان ومدينة بولغو حسنة فوق جبل كبير وبينها وبين أسقوفية يوم بين شرق وشمال وأسقوفية بلد كبير متصل العمارات وافر الكروم والغلات ومنه إلى مدينة قورطس يوم بين شرق وشمال وبينهما نهر فردارى وهو نهر كبير وقورطس مدينة عامرة الديار كثيرة العمار متصلة الغراسات والكروم ومنها إلى مدينة أسترنيسة يوم شرقاً وموضعها فوق جبل وعمارتها وافرة وكرومها وبساتينها كثيرة.
ومن مدينة أسترنيسه إلى مدينة زاغورية يوم بين شرق وشمال وزاغورية مدينة كبيرة مشهورة من أقدم بلاد الروم تأسيساً ولها عمارات وقرى ومزارع وتطرد منها ومن جهة شمالها أنهار أربعة تمر شمالاً حتى تصل إلى نهر فرداري ومن مدينة زاغورية إلى مدينة سرس يوم ومدينة سرس مدينة حسنة على جبل صغير وهي حسنة الجهات كثيرة العمارات وافرة الخيرات ومنها إلى مدينة زخنة يوم شرقاً وهي مدينة حسنة وافرة القطر كثيرة العامر ولها كروم وأشجار وعمارات وزراعات ومنها إلى مدينة أخرسوبلي يوم ومدينة أخرسوبلي مدينة كبيرة على نحر الخليج القسطنطيني.
وأيضاً فالطريق من مدينة دراس إلى مدينة صلونيك على ساحل الخليج من مدينة دراس التي تقدم ذكرها إلى بترلة يومان وقد سبق ذكرها ومن بترلة إلى مدينة أخريذة أربعة أيام حسب ما تقدم ومن أخريذة إلى بوتلي يومان شرقاً وبوتلي مدينة حسنة جليلة لطيفة ومن بوتلي إلى أخرلين نصف يوم ومكانها فوث جبل لطيف وجهاتها عامرة وأعدادها متكاثرة وأرضها متصلة الزراعات كثيرة الكروم وبين أخرلين وبين أستروبو يوم ونصف وهو بلد تدور به بحيرة كبيرة دورها يوم ونصف يصاد فيها السمك كثيراً وبين أستروبو المذكورة وبين بوذيانة على الطريق المشهور يوم وبوذيانة بلد فوق جبل بينه وبين صلونيك بقرب الخليج القسطنطيني يومان.
والطريق من مدينة دراس إلى مدينة بلغردون التي على نهر دنو من مدينة دراس إلى بترلة يومان ثم إلى أخريذة أربعة أيام ثم إلى مدينة بولغو يومان ثم إلى مدينة أسقوفية يوم وقد تقدم لنا أوصاف هذه البلاد فيما سلف من الذكر ومن أسقوفية أيضاً إلى مدينة قورطس يوم ومن قورطس تترك طريق أخرسوبلي على اليمين وتنزل مع الشمال إلى مدينة فورمزدس يومان وهي مدينة عامرة على ذروة جبل ولها كروم وعمارات متصلة ومنها إلى مالسووة يوم ونصف وهي على سفح جبل مطل كثيرة الأشجار بعيدة الأقطار بهية البساتين كثيرة الزراعات ومنها إلى مدينة جرمانية ثلاثة أيام وهي مدينة جليلة في وطاء من الأرض كثيرة الكروم والغراسات شاملة لكثير من الخيرات ومن جرمانية أيضاً إلى مدينة إستوبوني يوم وإستوبوني بلد بينه وبين أترالسة يوم وأترالسة مدينة في وطاء من الأرض عامرة الأقطار كثيرة العمار متصلة العمارات والأشجار ومنها إلى مدينة أتروبي يوم وهو بلد فوق جبل يجري منه نهر إلى مورافا وبين البلد المذكور وبين نيسو يوم ونيسو بلد يجري بالقرب منه نهر يسمى مورافا وهو نهر يخرج من جبال سربية وبين نيسو المذكور ومدينة ربنة يوم ومدينة ربنة بينها وبين أفرنيسفا يوم ونصف ومدينة أفرنيسفا مدينة عامرة فوق جبل مطل على نهر دنو ومن أفرنيسفا إلى بلغردون على نهر دنو ثلاثة أيام.

والطريق أيضاً من مدينة لبلونة التي على ساحل بحر البنادقة إلى مدينة أرميرون التي على ساحل بحر القسطنطينة فذلك تخرج من مدينة لبلونة إلى مدينة أذرنوبلي في البر يومين وأذرنوبلي بلد بينه وبين مدينة ياننة إذا رغت عن الطريق يوم ومدينة ياننة فوق جبل وهي عامرة كثيرة المياه والأشجار ومنها إلى قستورية يومان لأن من أذرنوبلي إلى قستورية يوم ونصف وهي مدينة حسنة عامرة كثيرة الأموال والقرى والعمارات وموضعها على جبل تدور به بحيرة كبيرة يصاد فيها السمك بالقوارب ومنها إلى طاروفينقة ثلاثة أيام وهي مدينة في وطاء لها كروم كثيرة وبها مزارع وغلات وحبوب وفواكه ومنها إلى لارسة مائة وعشرون ميلاً ولارسة مدينة كبيرة كثيرة شجر التين والكروم والحبوب ومنها إلى مدينة أرميرون يومان كبيران وأرميرون على البحر القسطنطيني وسنذكرها عند ذكر البلاد الساحلية بعون الله. والطريق من شنت جرجي الساحلية إلى البلاد البرية من مدينة شنت جرجي إلى مدينة روسيو يومان ورسيو مدينة في ذيل جبل عال ويوازيها على الساحل مدينة قانوس وبينهما يوم ومن مدينة روسيو إلى مدينة كمسيلة شمالاً اثنا عشر ميلاً ويقابل مدينة كمسيلة على الساحل مدينة روذستو وبينهما اثنا عشر ميلاً ويشق بالقرب من كمسيلة نهر يسمى مارسو وهو نهر كبير يعدى بالقوارب ومن روسيو أيضاً إلى مدينة أبرس يوم وأبرس مدينة عامرة برية كثيرة العمارة والكروم ومنها إلى مدينة نيقلو يوم ومن نيقلو إلى سرولة يوم بعد تعدية نهر ومدينة سرولة في البرية في وطاء من الأرض أسفل جبل بينها وبين بانذس الساحلية بالمقابلة خمسون ميلاً ومن مدينة سرولة إلى مدينة أركاذيوبلي يوم ونصف وهي أربعون ميلاً ومن أركاذيوبلي إلى أذرنوبلي خمسون ميلاً وبينهما يعبر نهر أخيلون وأذرنوبلي مدينة عامرة حسنة في برية كثيرة الزراعات ومن أذرنوبلي إلى مدينة ثميانس ستون ميلاً وبينهما يعبر نهر أخيلون أيضاً ومن ثميانس إلى مدينة فاروي يوم وفاروي مدينة في سفح جبل مطل عليها ومن مدينة فاروي شرقاً إلى مدينة القسطنطينة مائة ميل وستون ميلاً. ومن مدينة فاروى إلى ليغلغو غرباً يوم وليغلغو مدينة كبيرة عامرة في أعلى جبل بينه وبين مدينة فاروي المذكورة إلى مدينة قسطنطينة في البرية بين غرب وجنوب أربعون ميلاً، وبين فاروي والجبل الذي يليها من جهة الشمال عشرون ميلاً.
ومدينة قسطنطينة مدينة كبيرة آهلة لها زراعات وكثير عمارات ومنها إلى مدينة فيلبوبلس أربعون ميلاً وبينهما نهر يعبرومن فيلبوبلس إلى مدينة أذرنوبلي المتقدم ذكرها شرقاً خمسون ميلاً وأذرنوبلي مدينة برية بينها وبين أركاذيوبلي خمسون ميلاً وقد ذكرنا أذرنوبلي وأركاذيوبلي فيما سبق لنا.
وكذلك بين أركاذيوبلي وسرولة أربعون ميلاً وقد ذكرنا سروله أيضاً ونهر أخيلون يجتاز على مقربة من هاتين المدينتين.
ومن سرولة إلى زاغورية مائة ميل وستون ميلاً وزاغورية مدينة في سفح جبل مطل عليها وبين هذه المدينة المسماة زاغورية ومدينة صلونيك الساحلية مائة ميل وأربعون ميلاً وجبل زاغورية بها وبين زاغورية ولارسة السابق ذكرها مائتان وعشرون ميلاً.
ومن لارسة إلى تعدية جزيرة أغربس ثمانون ميلاً ونهر ليقستومي المذكور يجري بقربها وبين لارسة وطاروفينقة مائة وعشرون ميلاً وبين لارسة وبلد على البحر يسمى خارست ثلاثون ميلاً.
وكذلك طاروفينقة مدينة في البر بقرب نهر ليقستومي ومصبه بين البلد البحرى المسمى خارست وبين أثينية التي على البحر بقرب مضيق جزيرة بلبونس ويمر بين لارسة وأثينية بين مصب هذا النهر وبين مصب نهر فرداري المتقدم ذكره خمسون ميلاً.

؟؟وأما جبل المقدونية فهو الجبل الممتد منها من جهة الجنوب إلى الشمال وبينه وبين القسطنطينة مائة ميل خمسة وعشرون ميلاً وبينه وبين مدينة فاروي أربعون ميلاً وبينه وبين الجبل الذي بقربها ثلاثون ميلاً وهذا الجبل المذكور امتدت منه شعبة من جهة المغرب إلى جهة المشرق وتصلبت عليه شعبة أخرى متصلة به ممتدة من جهة الشمال كثيراً ومع الجنوب قليلا وبين هذا الجبل وبين فاروي عشرون ميلاً وكل هذه الجبال تسمى جبال المقدونية ويشق بين هذين الجبلين نهر أخيلون وهو نهر كبير مشهور يأتي من جهة الشمال فيبقى بينه وبين القسطنطينة مائة ميل وعشرة أميال وبين هذا النهر أيضاً ومدينة فيلبس اثنا عشر ميلاً وهذه البلاد المذكورة تقع منه في جهة المغرب ثم يلتوى على أذرنوبلي مغربا بقرب سورها ويجتاز بقرب سرولة مجاورا لسورها ويمتد بقرب سور أركاذيوبلي فيمر مرا مستقيماً حتى يفرغ بحذاء أخرسوبلي الساحلية ويسمى هناك وادي مرمارى.
والطريق من مدينة دراس إلى القسطنطينة مساحلا فمن مدينة دراس إلى مدينة لبلونة مائة ميل وخمسة وعشرون ميلاً ومدينة لبلونة على الساحل وعلى طرف الجرن.
ومن فم مضيق الجزيرة إلى بندسة ستة وأربعون ميلاً وبندسة على البحر مدينة متحضرة الأسواق عامرة وبينها وبين مدينة أثينية خمسون ميلاً وأثينية مدينة عامرة آهلة ذات بساتين ومزارع وبينها وبين مدينه خارست على البحر ستون ميلاً وخارست هذه مدينة كثيرة البشر متصلة المزارع والشجر ومنها إلى فم جزيرة أغربس إلى مدينة أرميرون ثمانية وأربعون ميلاً.
وجزيرة أغربس جزيرة كبيرة محيط دورها مائتا ميل وفيها مدينتان مدينة مما يلي خارست تسمى أغيس وبالشرق من هذه الجزيرة حيث الرأس المسمى أسكلفاو مدينة قاسي منت وهذه الجزيرة حسنة الهواء طيبة الثرى كثيرة الخصب والزراعات وبلادها عامرة كثيرة الفواكه والثمار.
ومدينة أرميرون على رأس خليج في البحر وهي كبيرة القطر عامرة بالناس والتجار وبها يحل التجار من الروم بأمتعتهم.
ومن مدينة أرميرون إلى مدينة دمترياذة ثلاثون ميلاً وهي مدينه صغيرة متحضرة ومنها إلى أفلاطمونة مائة ميل وعشرة أميال وبين دمترياذة وأفلاطمونة يصب نهر ليقستومي وأفلاطمونة مدينة عامرة ذات ديار سرية ومساكن شاهقة بهية وخيرات كثيرة وبها إرساء وحط.
ومنها إلى مدينة كترس مائة ميل وعشرون ميلاً وكترس مدينة كبيرة عامرة ذات أسواق وحصانة وخصب.
ومنها إلى مدينة صلونيك قطعا على التخلية عشررن ميلاً لأن البحر يخرج منه هنا خليج صغير وعلى طرفه مدينة صلونيك وهى مدينة حسنة جليلة كثيرة العمارة برا وبحرا.
ومنها إلى رنذينة خمسة وعشرون ميلاً وهي أيضاً مدينة كبيرة ذات سور وأسواق معمورة ومنها إلى مدينة أخرسوبلي على البحر خمسة وعشرون ميلاً وهي أيضاً مدينة جليلة نبيلة الأسواق كثيرة التجارات موفورة العمارات وبقرب سور أخرسوبلي واد يسمى مرمارى ومن أخرسوبلي إلى أخرستوبلس خمسة وعشرون ميلاً.
ويقابل أخرستوبلس جبل في سنده بلد يسمى فيلبس وهو من أخرستوبلس قريب وهو في ذاته بلد متحضر كثير الصنائع والمتاجر حسن المداخل والمخارج كثير الكروم والغراسات وهو في سفح جبل وبينه وبين البحر ثمانية أميال ويقرب منه نهر صغير وهو ما بين فيلبس وأخرستوبلس وفي فيلبس هذه ولد الإسكندر ويسمى هذا النهر مفروبطامي وبينه وبين أخرستوبلس اثنا عشر ميلاً.
ومن فيلبس إلى مدينة كلة خمسة وعشرون ميلاً وكلة مدينة حسنة حصينة في نحر البحر ومنها إلى مدينة شنت جرجي خمسة وعشرون ميلاً ومدينة شنت جرجي مدينة عظيمة حفيلة الأسواق واسعة الشوارع حسنة الديار كثيرة الناس التجار وأهلها مياسير.
ومنها إلى مدينة قليبلي مائة ميل وقليبلي بلد جميل وقطر حفيل ومنه إلى مدينة بانذس خمسة وستون ميلاً وهي مدينة كثيرة الديار ذات أسواق وشوارع فساح ومغان نبيلة ويقابلها في البرية مدينة روسيو وبينهما ثلاثون ميلاً وقد ذكرناها قبل هذا.
ومن مدينة بانذس إلىمدينة روذستو عشرون ميلاً وروذستو مدينه حسنة الديار شاسعة الأقطار متصلة العمارات موضعها فرج وكرومها كثيرة ومن روذستو إلى أرقلية وتروى هرقلية وتروى أركليس خمسة وعشرون ميلاً وهي مدينة كثيرة العمارة وافرة التجارة وبها الأسطول والأجناد.

ومنها إلى مدينة سلمبرية خمسة وعشرون ميلاً وهي مدينة حصينة وقاعدة مشهورة ومنها إلى مدينة ناثورة عشرون ميلاً وهي مدينة كبيرة رحبة الأقطار حسنة الديار متصلة الكروم والزراعات والأشجار ومن مدينة ناثورة إلى مدينة ريو عشرون ميلاً وهو بلد وافر العمارات كثير الأسواق والتجارات أحواله حسنة ومرافقه ممكنة ومنه إلى القسطنطينة خمسة وعشرون ميلاً.
ومدينة القسطنطينة مدينة مثلثة الشكل جانبان منها في البحر والجانب الثالث منها مما يلي البر وفيه باب الذهب والمدينة طولها تسعة أميال وعليها سور حصين ارتفاعه أحد وعشرون ذراعا ويحيط به فصيل دائر ارتفاع سمكه مما يلي البر عشرة أذرع وارتفاع سمك الفصيل مما يلي البحر أيضاً عشرة أذرع فبينها وبين البحر فرجة نحو خمسين ذراعا بالذراع الرشاشي ولها من الأبواب نحو مائة باب وأكبرها باب الذهب وهو باب مصمت من الحديد المموه بالذهب وليس يدرى مثلها في الكبر قطرا إلا قطر رومة وبها القصر الشائع ذكره شماخة بناء واتساع قطر وحسن ترتيب فيه الإيبوذرون الذي يتوصل منه إلى القصر وهو من عجائب الدنيا المفتعلة وذلك أنه ملعب وزقاق يمشى منه بين سطرين من صور مفرغة من النحاس البديع الصناعات منها على صور الأدميين وصور الخيل والسباع إلى سوى ذلك مما يقر له الصانعون بالعجز وهي أشكاك أكبر من الأشكال المخلوقة وبالقصر ربما دار به ضروب عجائب من المصنوعات.
ودون الخليج من جهة بلاد الأرمن أحد عشر عملا أحدها عمل الأفلاجونية وفيه خمسة حصون مما يلي بر الشام.
وعمل الأفطي ماطي وتفسيره الأذن والعين وفيه حصون ثلاثة ومدينة نقموذية وهي الآن خراب والبحر منها على ثمانية أميال.
وعمل الأبسيق وفيه مدينة نيقية وعشرة حصون ونيقية مدينة كبيرة ولها بحيرة عذبة طولها اثنا عشر ميلاً.
وعمل الأفسين وفيه أربعة حصون ومدينة أفسين في رستاق الأواسي ويقال إن أفسين هي مدينة أصحاب الكهف وأما أصحاب الكهف فهم في كهف برستاق بين عمورية ونيقية وهذا الكهف هو في جبل علوه أقل من ألف ذراع وله سرب من وجه الأرض كالمدارج ينفذ إلى الموضع الذي فيه أصحاب الكهف وفي أعلى الجبل كهف شبيه بالبئر ينزل فيها إلى باب السرب ويمشى فيه مقدار ثلاثة مائة خطوة ثم يفضى منه إلى ضوء وهناك رواق على أساطين منقورة وفيه عدة أبيات منها بيت مرتفع العتبة مقدار قامة عليه بأب حجارة منقور وفيه الموتى وهم أصحاب الرقيم وعددهم سبعة وهم نيام على جنوبهم وعددهم سبعة فانية جسومهم وهي مطلية بالصبر والمر والكافور وعند أرجلهم كلب راقد في استدارة رأسه عند ذنبه ولم يبق منه إلا القحف وأكثر أعظمه باقية حتى لا يخفى منه شيء.
ووهم أمل الأندلس في أصحاب الرقيم حين زعموا أن أصحاب الكهف هم الشهداء الذين هم في مدينة لوشة قال المؤلف رأيت القوم في هذا الكهف عام عشرة وخمس مائة فنزلنا إليهم على فم بئر عميقة نحوا من قامة وزائد ثم مشينا فيه في سرب فيه ظلمة خطوات قلائل ثم اتسع الغار فألفينا هناك الموتى وهم رقود على جنوبهم وعددهم سبعة وعند أرجلهم كلب ملتو وقد ذهب لحمه وجلده وبقيت عظامه في فقاراته كما هي في الحياة ولا يعلم أحد في أي زمن دخلوا هذا الكهف أو أدخلوا إليه وأول رجل يلفى منهم له خلق عظيم وله رأس كبير وأهل الأندلس يقولون إن هولاء القوم الذين في هذا الكهف موتى هم أصحاب الكهف والصحيح إن أصحاب الكهف هم الذين قدمنا ذكرهم.
ومن جملة الأعمال التي قدمنا ذكرها آنفا عمل الناطلوس وفيه عدة حصون منها العلمين ومرج الشحم وبرغوث والمسكنين وفيه مدينة عمورية وهي مدينة حسنة وعدد بروجها أربعون برجا.
وعمل خرسيون وهو مما يلي درب ملطية وفيه من المدن خرشنة أربعون حصنا.
ومنها عمل البقلار وفيه مدينة أنقرة وصمله وقصارية وستة عشر حصنا.
وعمل الأرمنياق وفيه من المدن قونية وخرلاصة وستة عشر حصنا.
وعمل خلدية وحده أرمينية وفيه ستة حصون.
وعمل سلوقية من ناحية بحر الشام ويتولاها عامل الدروب وفيه من المدن سلفكية وهي سلوقية وعشرة حصون.
وعمل القباذق وحده جبال طرسوس وأذنة والمصيصة وفيه من الحصون قرة وأنطيغو وذو الكلاع وأربعة عشر حصنا صغارا وسنذكر هذه البلاد في موضعها إذا وصلنا إليها بحوك الله.

وخلف الخليج الذي يصل القسطنطينة من بحر الشام وعرض المجاز عند القسطنطينة أربعة أميال وهذا الخليج له فوهتان إحداهما تتصل بحر الشام في جهة الجنوب عند مدينة أبذس وسعته هناك تكون غلوة سهم وعليه مناك برجان وحراس وطول هذا القسم من الخليج مائتان وخمسون ميلاً والفوهة الثانية من هذا الخليج الذي هو من القسطنطينة تتصل ببحر بنطس وطوله ستون ميلاً فذلك طول الخليج من بحر بنطس إلى مصبه في بحر الشام ثلاث مائة ميل وعشرون ميلاً وعند خروجه بن بحر بنطس عليه مدينة مسناة وعرض فوهته هناك ستة أميال.
فأما مدينة أبذس فهي على فم المضيق من البحر الشامي وأسفلها مما يلي المشرق على البحر مدينة أزة وتروى أزلة وبينهما ثلاثة أيام وهي مدينة صغيرة متحضرة فيها صناع وفعلة ومنها إلى مدينة دمالة أربعة أيام ومنها إلى مدينة العبرا مائة ميل والعبرا بمقربة من مدينة نيقية وبينهما ثلاثة أميال والعبرا بشرقيها وهي حصن عامر كبير حصين ومن العبرا إلى مجاز الخليج أربعة وعشرون ميلاً ومن مدينة نيقية يحمل البقل إلى مدينة القسطنطينة بينهما ثلاثون ميلاً وبين نيقية والبحر ثلاثة أميال.
ومدينة نيقية مدينة أزلية قديمة لا يعرف بانيها وهي على بحيرة عذبة الماء طويلة عريضة يكون طولها اثني عشر ميلاً في عرض سبعة أميال وفي البحيرة ثلاثة أجبل ومن المدينة إلى البحيرة باب صغير فإذا دهمهم خوف أو فاجأهم أمر أخرجوا الذراري من الحصن إلى الزوارق ثم ساروا في الزوارق إلى تلك الجبال معتصمين بها وهي مدينة جليلة كبيرة.
ومن مدينة نيقية إلى مدينة نقموذية أربعة أيام وهي مدينة قديمة أزلية مشهورة وكانت في القدم دار مملكة الروم قبل أن تبنى مدينة القسطنطينة فلما بنيت مدينة القسطنطينة انتقل الملك إليها عن نقموذية وبين نقموذية والقسطنطينة مائة وستون ميلاً.
ومن نيقية إلى مدينة ذملية أربعة مراحل وذملية مدينة صغيرة متحضرة قائمة بجميع من إلى عها ومرافقها ومنها إلى مدينة أزلة وهي مدينة صغيرة على ضفة البحر أربعة أيام ومن أزلة إلى مدينة أبذس ثلاثة أيام.
ومدينة أبذس على ساحل البحر وحيث يضيق الخليج إلى أن تكون سعته غلوة سهم وهي في الساحل الشرقي من الخليج.
ومن مدينة أبذس شرقاً إلى حصن أترميتو ثلائة أيام وبقربها واد يسمى فومار وهو حصن حصين ومعقل أمين.
ومن مدينة أبذس على الساحل إلى مدينة بفخيا مرحلتان خفيفتان وهي مدينة في سفح جبل بينها وبينه وبين فم أبذس أربعون ميلاً ويشق بين سطالية وباطرة نهر كبير يسمى فنيقة يأتي من جبل في ناحية بفخيا المذكورة من ثلاثة عناصر.
ومن مدينة بفخيا إلى مدينة أفسين وهي مدينة أصحاب الكهف ثلاثة أيام شرقاً وهي مدينة أكثرها خلاء في سفح جبل ومنها إلى حصن أمطلين يومان جنوبا وحصن أمطلين ويروى ماطلي حصن عالي الذروة حصين الغلوة أهله أنجاد.
ومن حصن أمطلين إلى حصن جونديو غرباً مما يلي البحر أربعون ميلاً ومنه إلى جبل زرمي الكبير المتصل بالبحر الشامي مرحلة وفى هذا الجبل معادن حديد وفيه صيد كثير ووعول وفيه من أنواع الحشائش العطرية شيء كثير.
ومن أمطلين إلى حصن سوزنت أربع مراحل وقد قدمنا ذكره فيما سبق قبل هذا في الإقليم الرابع.
ومن مدينة نيقية المذكورة في هذا الجزء إلى مدينة قيذرس وتروى كيذرس مفازة سبعة أيام ومن مدينة كيذرس إلى مدينة عمورية يوم خفيف ومدينة كيذرس مدينه صغيرة متحضرة حصينة في سفح جبل مطل عليها.
وفي بحيرة نيقية حوت صغير طوله فتر لونه مائل إلى الخضرة دقيق الشوك إذا طبخ بالفوذنج وأكله صاحب الحمى برئ منها من ساعته وبتلك البحيرة سرطانات صغار إذا طبخت مع النخالة واعتصرت وشربت عصارتها نفعت من السعال المزمن من مرة واحدة ويوجد بها وعلى ضفتها أحجار خاوية خفاف صغار إذا علق الحجر منها على فخذ المرأة التي تريد الولادة أسرعت ولادتها بلا تأخير وقد جرب ذلك فصح وهذا الحجريعرف بنيقية وبالحجر النيقي وقد ذكرته الحكماء في كتبها وشرحت خواصه.
كمل الجزء الرابع من الإقليم الخامس والحمد لله ويتلوه الخامس منه إن شاء الله.
الجزء الخامس

إن الذي تضمنه هذا الجزء الخامس من الإقليم الخامس فيه بلاد ناطلوس وتفسيره المشرق وفيه مدينة عمورية وحصن العلمين ومرج الشحم وحصن برغوث والمسكنين وفيه بلاد البقلار وفيه مدينة أنقرة وصلمه وتخاط وخرلاصة وعمل الآرمنياق وفيه قونية ولاذقية وذرقيو وفلومي وبلوطن وجملة حصون وعمل القباذق وحده طرسوس إلى اللين وفيه بلاد كثيرة وقد ذكرنا أكثرها في الإقليم الرابع وعمل الأبسيق وفيه مدينة نيقية وبلاد كثيرة وجمل حصون مثل اليهودي وغروبلي والأغراذ ومدينة لباذية ونريد أن نتكلم الآن في صفاتها وأصقاعها ومواضعها ونحد ما بين البلد والبلد من الأميال والمراحل كما جرت به عادتنا فيما سلف وتقدم لنا شرحه في الأجزاء الأول من الكتاب.
فنقول إن من مدينة نيقية إلى عمورية ثمانية أيام تخرج من نيقية إلى نهر مسترة مرحله ثم إلى أبروسية وهي قرية عامرة مرحلة إلى مدينة لباذية مرحلة وهي مدينة عظيمة مختلفة العمارة كثيرة الأسواق وهي على نهر كبير والمراكب الكبار تصعد فيه من الخليج وتصل إلى لباذية ولها كروم كثيرة وبساتين وعمارات متصلة ومن مدينة لباذية إلى قرية مسيسة مرحلة إلى قستورة مرحلة إلى نهر مادرى مرحلة إلى كيذرس مرحلة ومدينة كيذرس مدينة صغيرة متحضرة ذات أسراق وعمائر ومنها إلى مدينة عمورية مرحلة.
وطريق آخر من مدينة عمورية إلى الخليج تخرج من عمورية إلى قرية الحوات خمسة عشر ميلاً إلى ضفة نهر عمورية الغربية ميلان ثم إلى الفخ اثنا عشر ميلاً ثم إلى قلامي الغابة خمسة عشر ميلاً إلى حصن اليهود اثنا عشر ميلاً إلى سندابيري ثمانية عشر ميلاً إلى مرج حمر الملك بدرولية ثلاثون ميلاً ثم إلى حصن غروبلي خمسة أميال ثم إلى كنائس الملك ثلاثة أميال ثم إلى الملون خمسة وعشرون ميلاً ثم إلى الأغراذ خمسة عشر ميلاً ثم إلى ملاجنة خمسة عشر ميلاً إلى إصطبل الملك خمسة أميال إلى حصن العبرا ثلاثون ميلاً ثم إلى الخليج أربعة وعشرون ميلاً.
ومدينة عمورية مدينة كبيرة مشهورة في بلاد الروم وبلاد المسلمين لأنها أزلية القدم مشهورة في البلاد غير أن الفتوحات تتوالى عليها من جيوش المسلمين والروم ولها سور حصين وهي على نهر كبير ونهرها يمر جنوبا إلى أن يصب في نهر الفرات ويسمى نهر قباقب ومدينة عمورية رصيف إلى سائر البلاد المجاورة لها والمتباعدة عنها ومن ذلك صفة الطريق الى مدينة طرسوس الساحلية من عمورية إلى وادي الحور اثنا عشر ميلا ثم إلى أندرسيانة اثنا عشر ميلاً وهو حصن حصين ومنه إلى الملجيس عشرون ميلاً ومنه إلى ربض قونية خمسة عشر ميلاً ومنه إلى نهر الأحسا ثمانية عشر ميلاً ثم إلى عيون برغوث ستة عشر ميلاً ومن عيون برغوث إلى حصن المسكنين اثنا عشر ميلاً ثم إلى رأس الغابة سته عشرميلاً ثم إلى مدينة اللين خمسة عشرميلاً ومن مدينة اللين إلى البهسني ثلاثة أيام ومنه إلى وادي الطرفاء عشرون ميلاً ومن وادي الطرفاء إلى المعسكر اثنا عشر ميلاً ومن المعسكر إلى الدرب عشرة أميال وهو الدرب الذي ذكره امرؤ ا لقيس في شعره وهو جبل حاجز بين بلاد أنطالية وبلاد خرسيون منتصبا من المغرب إلى المشرق وفيه أبواب عليها حصون وحراس ترتقب الداخل والخارج ومن الدرب إلى البذنذون وهو حصن اثنا عشر ميلاً ومنه إلى حردقوب وهو حصن اثنا عشر ميلاً ومنه إلى الجوزات سبعة أميال ومنه إلى الزهرة اثنا عشر ميلاً ومنها إلى العليق اثنا عشر ميلاً ومن العليق إلى طرسوس اثنا عشر ميلاً.

وصفة طريق آخر من طرسوس إلى أبذوس على فم خليج القسطنطينة من طرسوس إلى العليق اثنا عشر ميلاً إلى الزهرة اثنا عشر ميلاً ثم إلى الجوزات وهو حصن اثنا عشر ميلاً ثم إلى الحردقوب سبعة أميال ثم إلى البذنذون اثنا عشر ميلاً ثم إلى الكروم يسرة اثنا عشرميلاً ثم إلى البرية تسعة عشرميلاً ثم إلى الكنائس عشرون ميلاً إلى طولب عشرون ميلاً إلى رندة خمسة عشر ميلا إلى بلقسة خمسة عشر ميلاً إلى مرج الأسقف تسعة أميال ثم إلى فلوغري وهو حصن اثنا عشرميلا إلى قرية الأصنام عشرون ميلاً ثم إلى وادي الريح سبعة عشر ميلاً ثم إلى بلوطن خمسة عشر ميلا ثم إلى الصنيمة أربع وعشرون ميلاً ثم إلى عاموا تسعة عشر ميلاً ثم إلى موذونوس عشرون ميلاً ثم إلى مخاضة ثمانية عشر ميلاً إلى قرية الجوز ستة عشر ميلاً إلى الغطاسين اثنان وعشرون ميلاً إلى قرية البطريق عشرون ميلاً ثم إلى مرج ناقولية خمسة عشر ميلاً ثم إلى دنوش عشرون ميلاً ثم إلى حصن بلومين تسعة أميال ثم إلى حصن قوطية اثنا عشر ميلاً ثم إلى الرنذاق ميلان ثم إلى أبذوس على فم المضيق ثلاثة عشر ميلاً.
والطريق من كمخ إلى عمورية ثم إلى القسطنطينة مائة وستة وثمانون بريدا والبريد ثلاثة أميال وكذلك من كمخ إلى أنقرة وهي مدينة خراب إلى حصن أمطلين إلى أبذوس مائة وثمانية وعشرون بريدا.
ومن أراد المسير من كمخ إلى الخليج خرج من كمخ إلى باذلو مرحلة ثم إلى مدينة صادخة يومان ومن صادخة إلى نشمو وهو نهر عليه (جسر) مرحلة ومنه إلى مدينة خرشنة مرحلة ومنها إلى قشترطة وهي مدينة صغيرة متحضرة ثلاث مراحل والطريق في مروج وخصب عام ومنها إلى قرطيسة ثلاثة أيام ثم إلى نهر اللين مرحلتان ثم إلى بحيرة بوسرندة مرحلتان ثم إلى بلوطن نصف نار ثم إلى عمورية نصف نهار ومن عمورية إلى الخليج مائة وخمسة وتسعون ميلاً.
والطريق من عمورية إلى أنطالية التي على ساحل البحر الشامي من عمورية إلى بلوطن نصف نهار ومن بلوطن الى بحيرة بوسرندة نصف نهار وهي بحيرة كبيرة فيها سمك كثير مختلفة الصفات ومن البحيرة إلى مدينة فلومي يوم وهي مدينة صغيرة متحضرة ومن فلومي إلى مدينة لاذقية يومان ومن مدينة اللاذقية إلى مدينة قونية يوم وقونية مدينة حسنة وبها مفترق الطرق فمن شاء أنطالية البحرية خرج في جهة الجنوب إلى أمروفي مرحلة ثم إلى نهر قوشة مرحلة إلى خذوشطة مرحلة إلى فج عمروس ثلاث مراحل إلى كوثرة مرحلة إلى أنطالية مرحلة.
والطريق من قونية إلى ملدني ثلاث مراحل وأيضاً من قونيه إلى مدينة خرلاصة شرقاً أربعة أيام ومن خرلاصة إلى مدينة صمله يومان ومن صمله إلى قصاريه ثلاثة أيام شرقاً ومن قصارية إلى مدينة صيندو ثلاثة أيام ومن مدينة صيندو إلى مدينة أبلسطة ثلالة أيام ومنها إلى مدينة ملدني ثلاثة أيام ومدينة ملدني مدينة متوسطة على نهر يجري إلى جهة الشمال ويصب في بحر بنطس وهي رصيف يجتمع بها القوافل وتفترق طرقها.
فالطريق من ملدني إلى مدينة كمخ من ملدني إلى مدينة تخاط أربعة أيام ومن تخاط إلى مدينة أماسية يومان ومن أماسية إلى مدينة كمخ ستة أيام وبين كمخ وأرتكان وهي على شاطىء الفرات نصف يوم وكمخ كما وصفنا مدينه حصينة حسنة المطلع نافقة المتاجر والصنع.
والطريق من قونية إلى أنطاكية فمن شاء ذلك سار من مدينة قونية إلى أنقرة وتروى أنكرى خمس مراحل وهي مدينة حسنة زهية عجيبة بهية كثيرة الفرح وسيعة النهج ومنها إلى مدينة لارندة أربعة أيام ومن لارندة إلى مدينة سنطي خمسة أيام ومن مدينة سنطي إلى مدينة منقري ستة أيام إلى مدينة خندكة خمسة أيام إلى حصن منصور ثلاثة أيام ومنه إلى مدينة أنطاكية سبعة أيام.
ومن أخذ من قونية شرقاً سار من قونية إلى أنقرى خمسة أيام وهى مدينة حسنة وكانت في زمن الفتنة خاوية ومن أنقرى إلى مدينة أماسية يوم ومن أماسية إلى مدينة غنغرة خمسة أيام ومنها إلى مدينة قسطامني يوم ومن مدينة قسطامني إلى مدينة قونية خمس مراحل ومن قونية أيضاً إلى مدينة عمورية خمسة أيام.

والطريق من نيقية إلى أنطالية المحدثة من نيقية إلى مدينة أبروسية يومان وأبروسية قرية جليلة متحضرة ذات أسواق وعمارة ومنها إلى مدينة لباذية يوم ولباذية مدينة كيرة حصينة وهي على نهر كبير تصعد المراكب فيه وتنزل ومنه إلى مدينة بارية أربعة أيام إلى نهر جلمطسة يومان إلى حصن الزهرق وهو خراب في أسفل جبل على شعبه منه ثم إلى أنطاليه خمسه أيام.
والطريق من مدينة ملدني إلى مدينة تفليس من أرمينية من مدينة ملدني إلى مدينة خرطبرت وهي مدينة صغيرة متحضرة يومان ومنها إلى حصن جمشقا يومان إلى مازقيط يومان إلى مدينة بالوا وهي مدينة صغيرة يومان ومن بالوا إلى حصن جنجكو ثلاثة أيام ثم إلى حصن أموش وهو على الجبل الكبير ثلاثة أيام ومن حصن أموش إلى تفليس ثلاثة أيام وتفليس مدينة كبيرة جليلة في ديار أرمينية.
وطريق آخر من مدينة ملدني إلى أنطاكية من ملدني إلى بهسني أربعة أيام إلى حصن كيسوم يومان ومن حصن كيسوم إلى حصن منصور أربعة أيام ومن حصن منصور إلى حصن الحدث يوم بل هي مدينة في جميع حالاتها ومنها إلى الهارونية مرحلة ومن الهارونية إلى الكنيسة السوداء يوم خفيف ثم إلى طرسوس مرحلة ثم إلى أذنة مرحلة إلى اللمصيصة مرحلة إلى أنطاكية يومان.
والطريق أيضاً من ملدني إلى المصيصة من ملدني إلى حصن مراش ثلالة أيام إلى أماسية يومان إلى مدينة كمخ خمسة أيام ومن مدينة كمخ إلى مدينة خزومي إلى تل حمدون خمسة أيام إلى مدينة ناضية خمسة أيام إلى المصيصة ثلاثة أيام.
والطريق من خرلاصة إلى أنطاكية من خرلاصة إلى حصن إيرنة ثلاثة أيام الى جبل نموش يومان إلى حصن نيطنو يومان إلى الكنيسة السوداء يومان إلى طرسوس يوم إلى مدينة أذنة مرحلة الى المصيصة مرحلة.
والطريق من ملدني إلى ميافارقين وميافارقين مدينة من محن أرمينية الصغرى فمن ملدني إلى حصن ياني في جبل نموش مرحلتان ومنه إلى حصن شهيد مرحلة ومن حصن شهيد إلى حصن الرمانة وهي قرية كبيرة وعليها حصن حصين ثلاثون ميلاً ومن حصن الرمانة إلى وادي البقر وبه ضيعة عامرة ثمانية عشر ميلاً ومن وادي البقر إلى مدينة عرقا ثمانية عشر ميلاً وعرقا مدينة صغيرة محضرة كثيرة الخير والخصب ومن مدينة عرقا إلى نهر قباقب وهو النهر الجائي من جبال بضحام وهو مادة الفرات ومن النهر إلى قرية الحمام اثنا عشر ميلاً ويوازي هذه القرية في جهة الجنوب حصن ملطية وبينهما اثنا عشر ميلاً ومن هذه القرية إلى تل بطريق اثنا عشر ميلاً ومنها إلى تل أرسناس اثنا عشر ميلاً وأرسناس على نهر كبير يمد الفرات ويأتي من الجبال ويصب أسفل شمشاط ومن تل أرسناس إلى حصن زياد الكبير تسعة أميال ومن حصن زياد إلى مدينة هيات اثنا عشر ميلاً ومن مدينة هيات إلى ضيعة القس خمسة عشر ميلاً ومن ضيعة القس إلى مدينة الأرديس اثنا عشر ميلاً وهي مدينة حسنة متوسطة القدر كثيرة البساتين والأشجار ومنها إلى حصن ذي القرنين وهو حصن منيع ثمانية عشر ميلاً ومنه إلى حصن الهتاج ثمانية عشر ميلاً وهو حصن حسن ومنه إلى ميافارتين ثمانية عشر ميلاً ومدينة ميافارقين مدينة حسنة حصينة وسنذكرها إذا وصلنا إلى موضع ذكرها بحول الله وقوته.
والطريق من آمد إلى مدينة قامرون التي على نهر صبابة شمالا من آمد إلى حصن ندارم مرحلة ومنه إلى نهر شيط مرحلة ثم إلى أرجونة مرحلة وهو حصن خراب ومنه إلى مدينة الأرديس السابق ذكرها ثم إلى غيغني وهي قرية عامرة كبيرة مرحلة ومن غيغني الى شيتة مرحلة إلى قرية دامية مرحلة إلى مدينة أموش السابق ذكرها مرحلة ومنها إلى بيطة مرحلة إلى قلشانة مرحلة إلى غتانت وهي قرية حسنة مرحلة ثم إلى حصن مطغوري مرحلة ومنه إلى حصن شيذى مرحلة ثم إلى غشتة مرحلة إلى قماية مرحلة إلى تبانستو مرحلة إلى مدينة قامرون مرحلة وقامررن مدينة على نهر كبير يسمى صبابة وهذا النهر تصعد فيه المراكب الحربية وغيرها من أنواع المراكب وهو نهر كثير الماء معتدل الجرية عريض السعة وفيه كثير من أنواع السمك ويصب في بحر بنطس بين مدينة أطرابزندة ومدينة أشكيسية وجميع هذه البلاد التي ذكرناها الآن تتقارب مقاديرها وتتشابه عماراتها وبنيانها وليست كبلاد المسلمين في حسن الاتقان وجودة الترتيب.

والطريق من مدينة لباذية إلى مدينة قامرون في جهة الشرق من مدينة لباذية شرقا إلى حصن اليهود ثلاث مراحل ومن حصن اليهود إلى نيطة مرحلة إلى كردجة وهي قرية مرحلة إلى قرية جون مرحلة إلى مدينة نجة مرحلة وهى مدينة حصينة منيعة ومنها إلى قرية ذروتة مرحلة إلى قرية بينش مرحلة إلى خشطش مرحلة إلى قرية قبنلبش مرحلة إلى مدينة ذونية وهي مدينة حسنة خصيبة عامرة على نهر روى الكبير وبين مدينة ذونية ومبدأ هذا النهر مرحلة ويخرج من جبل في غربيها من عينين فيلتمان ويصيران جسدا واحدا فمن أراد النزول إلى قامرون في النهر سار من مدينة ذونية في المركب إلى مدينة ناموني يوما ونصفا ومن ناموني إلى مدينة قامرون يومان ونصف ومن أراد المسير في البر سار من ذونية إلى قامرون بين جبال وشعار وأوهدة صعبة اثني عشر يوماً والعمارات بها قليلة.
والطريق من ناموني بين شرق وجنوب إلى تفليس تسير من مدينة ناموني إلى مدينة بندابو ثلاث مراحل جنوبا في كلأ وعشب ومياه وأرض وطيئة وبها وحوش كثيرة وصيد كثير ومدينة بندابو على نهر صبابة وفي شماله فيعبر النهر إلى حصن ماقري مرحلتان وحصن ماقري فوق جبل عال لا يمكن الصعود إليه إلا من جهة واحدة وطريقه صعب والماء ينبع من وسطه فيكون منه واد يجري عليه أرحاء ومن حصن ماقري إلى حصن مطغوري مرحلتان والطريق بين دهاس ونقوع مياه صعبه وجبال حرش ومن حصن مطغوري إلى مدينة تفليس ثلاث مراحل وسنذكر صفة تفليس في موضع يجيء فيه ذكرها بحول الله تعالى.
والطريق من عمورية إلى تفليس شرقاً على مرج فلن تخرج من عمورية إلى مدينة قباقب على النهر مرحلتين ومن قباقب إلى ششوي خمس مراحل والطريق في عشب وكلأ وخصب ومرابع حسنة وصيود ممكنة ومياه ناشعة وأرض لا جبل بها ومدينة ششوي مدينة عامرة حسنة ومنها إلى مدينة أفرانتة ثلاث مراحل والماء يتزود به في هذه المراحل الثلاث من مرحلة الى مرحلة ومن مدينة أفرانتة إلى مدينة بذلان ثلاث مراحل وبذلان حسنة الرفعة حصينة المنعة موضعها في أنف خارج من الجبل والصعود إليها صعب ومنها إلى تفليس طريقان فمن أخذ ذات اليمين سار مشرقاً إلى حصن فهد أربع مراحل في طريق وعر وصخور وصعود وهبوط ومن حصن فهد إلى حصن أموش أربع مراحل ومن حصن أموش إلى مدينة تفليس ثلاث مراحل ومن أخذ من بذلان ذات اليسار سار إلى مدينة فلوجة مرحلتين وفلوجة مدينة صغيرة كالبادية ومن فلوجة إلى مدينة بندابو المتقدم ذكرها أربع مراحل محققا ومن شاء سار من مدينة فلوجة إلى حصن ماقري ست مراح ومن حصن ماقري إلى حصن مطغوري مرحلتان ثم إلى تفليس ثلاث مراحل.

والطريق من مدينة ذونية المتقدم ذكرها إلى مدينة ملدني في جهة الجنوب تخرج من مدينة ذونية إلى جبل أقورنت جنوبا مرحلتين فتصعده وتصير إلى مدينة ششوي جنوبا مرحلتين كبيرتين وششوي في شرق مرج فلن ومن مدينة ششوي إلى مدينة قسطامني جنوبا أربع مراحل وقد سبق ذكر قسطامني ومن قسطامني جنوبا إلى خرطبرت يومان وهي مدينة صغيرة حسنة ومن خرطبرت إلى ملدني يومان جنوبا ومن شاء سار من مدينة ششوي ذات اليمين إلى مدينة صيندو أربع مراحل وهي مدينة صغيرة على جنوب مرج فلن ثم يعبر نهر قباقب إلى مدينة أبلاسطة ثلاث أيام جنوبا ومن مدينة أبلاسطة إلى مدينة ملدني جنوبا ثلاث مراحل وفي شمال مرج فلن فيما يحكيه الأرمينيون بركة ماء كبيرة يظهر ماؤها عاما ويكون فيها من السمك الشيء الكثير وترف عليها الطيور في جميع جوانبها ثم تجف فتقيم جافة سبعة أعوام لا يكون للماء فيها أثر فإذا كان العام الثامن عادت بإذن الله تعالى فتمتلىء بالماء ويكثر سمكها فيعم أكثر تلك الجهات وموضع هذه البركة متوسط بين مدينة نجة ومدينة ششوي وعلى شمالها وعلى مرحلة ونصف مرحلة منها جبل غرغوي وفي هذا الجبل المسمى بغرغوي كهف منه على عشرين باعا فيه بئر بعيدة القعر إذا رمي فيها بحجر سمع أسفل البئر دوي كدوي الرعد القاصف ثم يسكن فإن رمي فيها أحجار سمع لكل حجر منها صيحة ودوي كما قدمنا وصفه وفي هذا الجبل معدن حديد مسموم إن صنعت منه سكين أو شيء من الأسلحة وجرح به حيوان هلك وحيا وعلى شمال مدينة نجة وعلى مرحلتين منها مدينة ابرثوري وهي صغيرة جدا لكنها خصيبة ولها سوق يوم مشهود وقد أكملنا القول في هذا الجزء حسب الطاقة والله المحمود على معونته ومنه نستمد التسديد والتوفيق إنه ولي الطول وله القوة والحول.
نجز الجزء الخامس من الإقليم الخامس والحمد لله ويتلوه الجزء السادس منه إن شاء الله.
الجزء السادس
إن الذي تضمنه هذا الجزء السادس من الإقليم الخامس أكثر مدن أرمينية وبعض بلاد آذربيجان وجملة بلاد أران وجبل القبق والذي فيه من بلاد أرمينية ميافارقين وباجنيس ومنازجرد وبدليس وخلاط وأرجيش ووسطان والزوزان ونشوى وقالي قلا ودبيل وسراج وبركري وخوي وسلماس وأرمية وفيه من بلاد أران برذعة والبيلقان وبرديج والشماخية وشروان واللايجان والشابران وقبلة وشكي وجنزة وشمكور وتفليس وأهر وورزقان وفيه من بلاد آذربيجان كورسره وأردبيل والبذ وبرزند وورثان وموقان وكل هذه البلاد قواعد مشهورة وبلاد مذكورة ويجب علينا أن نتكلم عليها حسب ما شق لنا من الكلام في أوصاف غيرها من الكور والبلاد.
ونبدأ من ذلك بذكر مدينة برذعة لأنها أم بلاد أران وعين ما جاورها من الأمصار وهي مدينة كبيرة جدا تكون نحو ثلاثة أميال طولا في دونها عرضا وهي من أنزه البلاد بقعة وأوفرها نعمة وبها خصب زائد ولها كروم وبساتين وأشجار وثمار عامة ومنها على ثلاثة أميال موضع يسمى الأندراب وهو مسير يوم في مثله وجميعه بساتين مشتبكة وعمارات متصلة وفواكه دائمة وجبايات كثيرة ومتاجر عظيمة وبها من البندق والشاه بلوط ما يربي على ما بالشام من ذلك كثرة وكبرا وطيب مطعم وبها الروقال وهو نوع من الغبيراء ليس يوجد في أقطار الأرض مثله ولا رؤي مثل صفته وهو إذا أدرك حلو وقبل أن يحرك فيه مزازة ومدينة برذعة من نهر الكر على نحو تسعة أميال ولمدينة برذعة باب يعرف بباب الأكراد على ظاهره سوق تسمى سوق الكركي مقدارها ثلاثة أميال وهي سوق عظيمة يجتمع إليها الناس في كل يوم أحد ويقصدون إليها من كل جهة ويبادرون إليها من كل ناحية ويباع بها من الأمتعة وصنوف المصنوعات الشيء الكثير.
والطريق من مدينة برذعة إلى باب الأبواب بين شمال وشرق من مدينة برذعة إلى مدينة برديج أربعة وخمسون ميلاً ومن برديج إلى مدينة الشماخية اثنان وأربعون ميلاً ومن الشماخية إلى مدينة شروان ثلاثة أيام ومن شروان إلى مدينة اللايجان يومان ومن اللايجان إلى مدينة جسر سمور ستة وثلاثون ميلاً ومن جسر سمور إلى الباب ستون ميلاً الجملة ثلاث مائة ميل.

ومدينة باب الأبواب مدينة عظيمة على بحر الخزر وفي وسطها مرسى للسفن وعلى فم هذا المرسى الخارج إليها بنا آن كالسدين من جانبيه وهناك سلسلة تمنع الداخل والخارج إلا بأمر صاحب البحر وهذان السدان من الصخر المحكم أفرغ بينه الرصاص وهي مدينة كبيرة بساتينها يسيرة وفواكهها قليلة وأكثر ذلك يجلب إليها من غيرها وعليها سور حجارة وطين وهو في نهاية من المنعة وهي فرضة بحر الخزر والسرير وسائر بلاد طبرستان وجرجان وتصنع بها ثياب الكتان كثيرا وأهلها يلبسونها دون أهل بلاد أران وبلاد أرمينية وآذربيجان.
وأما مدينة برديج والشماخية وشروان واللايجان وجسر سمور فكلها بلاد تتقارب في أقطارها وتتشابه في عمارها ولأهلها أسواق عامرة وصناعات متكاثرة وأشجارهم ناضرة كثيرة وفواكههم عامة رخيصه جداً وساكنها رائح ومسافرها رابح.
والطريق من برذعة إلى أردبيل بين جنوب وشرق من مدينه برذعه إلى مويان أحد وعشرون ميلاً وهي مدينة طيبة ذات مياه جارية وأشجار ملتفة بساتين وفواكه وبناآت ومنازه ولهم أنهار مجاورة عليها طواحينهم وكذلك منها إلى مدينة ورثان أحد وعشرون ميلاً وهي مدينة أكبر من البيلقان وأفسح قطرا وأكثر عمارة وبشرا وأسواقا ومتاجر ولها سور وربض ومن ورثان إلى البيلقان ستة وثلاثون ميلاً ومنها إلى مدينة بلخاب أحد وعشرون ميلا وهي قرية آهلة وبها رباطات وفنادق والسابلة تنزلها ومن بلخاب إلى مدينة برزند أحد وعشرون ميلاً وهي مدينة صغيرة متحضرة ذات بساتين وأرحية وعمارات ومن مدينة برزند إلى أردبيل خمسة وأربعون ميلاً الجملة مائة وخمسة وستون ميلاً والطريق في قرى عامرة وأشجار وبساتين ذات اليمين وذات الشمال وأردبيل قاعدة مدن آذربيجان.
والطريق من برذعة إلى تفليس تخرج من برذعة إلى جنزة وهي مدينة حسنة لها سور وربض عامر وكروم وشجر ومزارع وغلات سبعة وعشرون ميلاً ومن جنزة إلى مدينة شمكور ثلاثون ميلاً وهي مدينة تشبه جنزة في جميع أحوالها وكرماتها وبساتينها وثمارها ومن شمكور إلى مدينة خنان ثلاثة وستون ميلاً وهي ذات أسواق وسور حصين وربض معمور ومن مدينة خنان إلى مدينة القلعة ثلاثون ميلاً وهذه القلعة تنسب إلى ابن كندمان وهي صغيرة متحصنة ومن القلعة إلى مدينة تفليس ستة وثلاثون ميلاً الجميع مائة ميل وستة وثمانون ميلاً.
والطريق من مدينة برذعة إلى دبيل من برذعة إلى مدينة قلقاطوس سبعة وعشرون ميلاً وهي مدينة صغيرة عامرة ذات سور وسوق عامرة ومنها إلى مدينة متزيس تسعة وثلاثون ميلاً وهي مدينة متحضرة صغيرة القدر ومنها إلى كيلكوين وهي قرية عامرة كبيرة كالمدينة ومنها إلى سيسجان ثمانية وأربعون ميلاً وسيسجان مدينة طيبة الهواء حسنة الثرى فرجة الأقطار كثيرة الفواكه والأشجار ومنها إلى دبيل ثمانية وأربعون ميلاً الجميع من ذلك مائة واثنان وستون ميلاً.
والطريق من برزند المتقدم ذكرها في طريق أردبيل من برذعة إلى دبيل من برزند إلى مدينة ميمذ ثلاث مراحل وهي مدينة صغيرة عامرة ومنها إلى مدينة أهر ثلاث مراحل ومنها إلى مدينة ورزقان أربع مراحل وهي مدينة عامرة حسنة البقعة فرجة الرفعة لها سور حصين وسوق عامرة ومنها إلى مدينة دبيل مرحلتان الجملة ثلاث مائة ميل ومدينة دبيل أكبر قطرا من مدينة أردبيل وهي أجل بلدة بأرض أرمينية الداخلة وهي قصبتها وبها دار الإمارة دون بلاد جميع أرمينية كما أن دار الإمارة بأران مدينة برذعة ودار الإمارة بأرض آذربيجان في أردبيل وعلى مدينة دبيل سور يحيط بها عالي السمك ثقيف وتصنع بها المراعز وبسط الصوف والوسائد والتكك والمقاعد وغير ذلك من أصناف المصنوعات من الصوف الأرميني وبها البزيون كثيرا وهو أجل كل بزيون يتخذ ببلاد الروم ومصنوعاتهم معدومه المثيل في جميع الأرض.
وأرمينية أرمينيتان إحداهما أرمينية الداخلة والثانية أرمينية الخارجة فالداخلة منها دبيل ونشوى وقالي قلا وأهر وورزقاق وما والاها والخارجة منه هي مثل بركري وخلاط وأرجيش ووسطان والزوزان وما بين ذلك من القلاع والنواحي والأعمال.

ومدينة قالي قالا مدينة مداخلة لبلاد الروم وهي ثغر لأهل آذربيجان وأرمينية وهي مدينة حسنة جليلة عامرة وقد تغلبت الروم عليها وعلى ما جاورها مرات واستنقذها المسلمون من أيديهم وهي الآن عامرة بأيدي المسلمين وبين مدينة قالي قلا وميافارقين ثلاث مراحل وبين مدينة قالي قلا وتفليس أربع مراحل.
ومدينة تفليس على نهر الكر ولها سوران من طين وهي في غاية من الرفه والخصب وأهلها أهل مروءات وبها حمامات مثل حمامات طبرية مياهها حاميه من غير أن يوقد عليها بنار وأسعارها رخيصة والعسل بها كثير والسمن أيضاً رخيص جدا كثير وكذلك بين تفليس ومدينه أطرابزندة ثمانية أيام وبين مدينة قالي قلا وتفليس أربع مراحل وبين قالي قلا وأطرابزندة اثنتا عشرة مرحلة وأطرابزندة مدينه كبيرة على نحر بحر بنطس ومنها يسافر إلى جميع بلاد الروم وسنستقصي وصفها وأحوالها بعد إن شاء الله.
وأما ميافارقين فإنها بين حدود الجزيرة وحدود أرمينية وبعض الناس يرى أنها من أرمينية وآخرون يعدونها من بلاد الجزيرة وهي من شرقي دجلة على مرحلتين منها فلذلك تجعل في بلاد أرمينية وأيضاً فإن مدينة ميافارقين وقالي قلا وأرزن وسراوج ومنازجرد وبدليس ونشوى وبركري بالجملة بلاد تتقارب في الأقطار وتتساوى في العمار وليس بينها كثير تفاوت وهي بجملتها خصبة عامرة كثيرة الخير ويصيبها في بعض الأحايين تغيير مثل ما يصيب سائر البلاد وفي هذه البلاد وفي أصقاعها الشيء الكثير من التجارات والمجالب وأنواع من الابتغاآت والمطالب من الدواب والأغنام والثياب المجلوبة إلى جميع النواحي والأقطار وغيرما كالتكك الأرمينية التى تصنع بمدينة سلمامس وتعمل بمرند وتبريز ودبيل وقد يصنع بها مقاعد وأنخاخ أرمينية عديمة المثال كذلك السبنيات والمقارم والمناديل المعمولة بميافارقين لا نظير لها ولا يعدلها في مثلها صنعه.
والطريق من أردبيل إلى المراغة من أردبيل إلى كورسره ستة وثلاثون ميلاً وهو قصر عظيم وحصن منيع وله إقليم ورستاق جليل جسيم وفيه أسواق في أوقات من السنة وقد قدمنا من ذكرها ما يغنى عن إعادة ذلك وبين هذا القصر ومدينة أردبيل المدينة المسماة سراه وهي على أحد وعشرين ميلاً من أردبيل ومدينة سراه مدينة طيبة الهواء كثيرة الخير والبساتين والمياه والمزارع والفواكه والطواحين ولها أسواق حسنة وفنادق نظيفة ومن كورسره إلى مدينة المراغة أربعة وثمانون ميلاً بين أكوار لطاف وقرى عامرة وأشجار وزراعات متصلة غير منفصلة.
والطريق من أردبيل إلى آمد من أرض الجزيرة وأعمال الثغور فمن أردبيل إلى المراغة نحو مائة ميل وعشرين ميلاً ومن المراغة إلى شابرخاست أربعة وعشرون ميلاً ثم إلى برزة أربعة وعشرون ميلاً إلى مرند اثنا عشر ميلاً ومن شاء سار فى البحيرة من المراغة إلى أرمية اثنين وسبعين ميلاً ومن أرمية إلى مدينة سلماس خمسة وأربعون ميلاً وهي مرحلتان ومن مدينة سلماس إلى مدينة خوي سبعة وعشرون ميلاً ومن مدينة خوي إلى بركري تسعون ميلاً ومنها أيضاً إلى مدينة أرجيش خمسة وأربعون ميلاً وهي مرحلتان ومن أرجيش إلى مدينة خلاط ثلاثة أيام وهي خمسة وسبعون ميلاً ومن خلاط إلى مدينه بدليس خمسة وسبعون ميلاً ومن بدليس إلى أرزن سبعة وعشرون ميلاً ومن أرزن إلى ميافارقين أربعة أيام وهي مائة ميل واثنا عشر ميلاً ومن ميافارقين إلى آمد من أرض الجزيرة مرحلتان.
وفي جنوب خلاط وأرجيش بحيرة ملحة آخذة من المشرق إلى المغرب يكون طولها سبعة وخمسين ميلاً في سعة سبعة وعشرين ميلاً ويستخرج من هذه البحيرة سمك صغار يعرف بالطريخ يحمل بعد أن يملح إلى الجزيرة والموصل والرقة والعراق وحران وفي أطراف هذه البحيرة البورق المحمول إلى العراق وغيره للخبازين وبالقرب منها مقاطع وحفائر يستخرج منها الزرنيخ الأحمر والأصفر ومنه يتجهز به إلى جميع أقطار الأرض وأيضاً فإن بحيرة كبوذان المتقدم ذكرها في أرض أرمينية فإنه يحمل من حوافيها تراب تتخذ منه البواذق فتحمل إلى العراق والشام ومصر فتشترى بها بالأثمان النفيسة وتوجد فيها الأرباح الكثيرة.
ومن ميافارقين إلى الأرديس خمسون ميلاً ومدينة الأرديس تتاخم ثغور بلاد الروم وبينها وبين حصن زياد شجرة لا يعرف أحد ما هي ولا ما اسمها ولها حمل شبيه باللوز يؤكل بقشره وهو أحلى من الشهد.

والطريق أيضاً من المراغة إلى دبيل على أرمية وخوي من المراغة إلى حوى مائة ميل وتسعة وخمسون ميلا ومن خوي إلى نشوى خمسة أيام ومن نشوى إلى دبيل أربع مراحل الجميع من ذلك ثلاث مائة ميل وخمسة أميال وهذه الطريق أيضاً من شاء سار من المراغة إلى جنزة ثمانية عشر ميلاً ثم إلى موسى اباذ خمسة عشر ميلاً ثم إلى برزة خمسة عشر ميلاً ثم إلى أرمية اثنان وأربعون ميلاً وهذه الطريق هي في شمال الطريق المذكور أولا.
وكذلك يقال أيضاً إن كور أران وجرزان والسيسجان كانت في مملكة الخزر وكانت كورة دبيل والنشوى وسراج وخلاط وأرجيش وباجنيس في مملكة الروم فافتتحتها الفرس إلى أن وصلت فتوحها شروان التي فيها صخرة موسى والتي يقال إن فيها عين الحيوان مستورة فبنى الملك قباذ مدينة البيلقان وبنى مدينه برذعة ومدينة قبلة وسد اللبن وبنى الملك أنوشروان مدينة الشابران مما يلي بحر الخزر ومدينة كركرة ومدينة الباب والأبواب وسور قصورا كثيرة على أبواب الجبل المسمى جبل القبق وهي نيف وثلاث مائة وستون قمرا وبنى خارج باب الأبواب مما يلي أرض الخزر بلنجر وسمندر والبيضاء وبنى بأرض جرزان مدينة صغدبيل ومدينة فيروزقباذ.
ومن أرمينية القصوى أيضاً خوي وصنارية وألباق وكسال واللايجان وقلعة الجردمان وخيزان وشكي ومدينة الباب.
فأما الأبواب فهي أفواه شعاب في جبل القبق فيها حصون منها باب صول وباب اللان وباب الشابران وباب لاذقه وباب بارقة وباب سمسخي وباب صاحب السرير وباب فيلان شاه وباب كارونان وباب طبرسرانشاه وباب ليران شاه وباب لبان شاه.
وجبل القبق جبل عظيم موصوف بالشماخة والعلو زعم أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي أن فيه ثلاث مائة قرية لكل قرية منها لسان مفرد يتكلم به أهلها قال الحوقلي في كتابه كنت أنكر هذا واستبشعه حت اجتزت ببعض قرى هذا الجبل فوجدت لأهل كل قرية منها لسانا يتكلمون به ليس من ألسن الأذرية ولا الفارسية.
ويتصل بجبل القبق مما يلي أرض الخزر جبل سياه كوه وهو يمتد فيمر خلف بلاد الخزر مارا في بلاد الغزية راجعا إلى المشرق من وراء بحيرة خوارزم ويتصل إلى أرض فرغانة إلى أن يلحق بجبال الصين.
والزوزان أيضاً ناحية وقلاع الغالب عليها الجبال وهي تتصل من جهة الحارث والحويرث بجبال أهر وورزقان ويتصل بتفليس في الشمال.
وفي جميع بلاد أران من حد باب الأبواب إلى تفليس ينبت في أرضها الفوة ويجمع منها الشيء الكثير وتدخل في بحر الخزر إلى جرجان ويقصد بها إلى بلاد الهند على الظهر وهي فوة تفوق كل نوع منها على الأرض.
وبأرض أرمينية النهران المذكوران أعني نهر الرس ونهر الكر وممرهما من المغرب إلى المشرق فأما نهر الكر فنهر كبير تجري فيه السفن وهو يخرج من ناحية الجبل فيمر بتفليس ثم يمتد على حدود جنزة وشمكور ويجتمع مع نهر الرس ويصب في بحر الخزر وكذلك نهر الرس كبير جدا يخرج من نواحي أرمينية الداخلة من قالي قلا فيمر بأران فيصب فيه نهر أران فيمر في شمالها إلى أن يأتي ورثان ثم يجتمع بنهر الكر وبينهما مدينة البيلقان ويصبان إذ ذاك في بحر الخزر.
نجز الجزء السادس من الإقليم الخامس ويتلوه الجزء السابع منه إن شاء الله.
الجزء السابع
إن الذي تضمنه هذا الجزء السابع من الإقليم الخامس هو معظم البحر الطبرستاني المسمى ببحر الخزر وما حوله من أقطار الخزر والغزية ونريد أن نتكلم عليه بما قل ووجب ليكمل تمامنا على ما بدأنا به بحول الله تعالى.

فنقول إن بحر طبرسان بحر منقطع غير متصل بشيء من البحار طوله من المغرب إلى المشرق مع تحريف يسير إلى الشمال ثمان مائة ميل وعرضه ست مائة ميل وفيه أربع جزائر وحكى الحوقلي في كتابه أن هذا البحر أيضاً منفصل غير متصل بشيء من البحار التي على وجه الأرض على سبيل المادة والأختلاط الممد للبحور إلا ما يدخل إليه من نهر الروس المعروف باثل فإن هذا النهر يخرج من أرض الترك ويمر جاريا من جهة المشرق إلى إن يصل بلغار فينقسم قسمين فيمر القسم الأول إلى بحر الباب والأبواب التي قد ذكرناه فيما تقدم ويمر القسم الثاني منه مغربا حتى يصل بحر بنطس الخارج من أرض القسطنطينة المتصل بالبحر المحيط من جهة الزقاق حتى لو أن رجلا طاف بهذا البحر حتى يرجع إلى مكانه الذي ابتدأ منه لا يمنعه مانع ولايقطعه قاطع إلا ما وصفناه من نهر اثل أو غيره من الأنهار الواقعة فيه وهو بحر ملح لا مد له ولا جزر وهو مظلم القعر بخلاف بحر القلزم وغيره لأن تراب قعره طين حمئي وحكى صاحب كتاب العجائب أن هذا البحر متصل ببحر بنطس من تحت الأرض وبينهما نحو من ست مائة ميل بر متصل ولا يرتفع من هذا البحر شيء سوى السموك ويركب فيه التجار بأمتعتهم من أرض المسلمين إلى أرض الخزر وهو فيما بين الران والجبل وطبرستان وجرجان وقد يسافر فيه أهل اثل إلى جرجان وغيرها من البلاد الساحلية ثم يرجعون إلى اثل ويركبون في مراكب خفاف في نهر اثل ويصعدون فيه إلى أن يتصلوا بالبلغارية ثم ينحدرون في الشعبة المنصبة حتى يصلوا بحر بنطس.
وفي هذا البحر أربع جزائر غير معمورة لكن منها جزيرتان فيهما مياه وأشجار لكنهما غير مسكونتين فالواحدة منهما تسمى سياه كوه وتقابل آبسكون وهي غير مسكونة وهي الكبيرة وبها عيون وأشجار وغياض ودواب ووحش وتليها جزيرة حذو الكر وهي جزيرة كبيرة فيها غياض وأشجار ومياه ترتفع منها الفوة ويخرج إليها من نواحي مدينة برذعة منتجعة الفوة وطالبوها وتحمل إلها الدواب من نواحي هذه البلاد القريبة إليها فتسرح فيها للسمن وليس فيما يليها أو يقرب منها جزيرة ومع الشمال من هذه الجزيرة جزيرة سهيلان وهي جزيرة كبيرة رملية لا نبات بها ولا خصب ويأوي إليها طير كثير أسود على لون الغراب إلا أنه أصفى من الغراب ولا يوجد هذا الصنف من الطير إلا في هذه الجزيرة فقط.
وليس من الضفة الشرقية من هذا البحر مدينة ولا قرية إلا دهستان وهي من آبسكون على مائة ميل وخمسين ميلاً وهي مدينة كالقرية فيها قوم قلة وفي مائهم غور وهي في دخلة من البحر تستر فيها السفن في هيجان البحر ويقصد إليها قوم كثير فيقيمون بها للصيد وبها سمك كثير جداً ذو ألوان وصفات مختلفة طيبة الطعم حسنة.
وبالشرقي من هذا البحر بلدان صغيران كالقرى على الساحل يسمى أحدهما جوثوه والآخر تيتيرى وهما على نحر البحر ويكنفهما من ظهورهما في ناحية المشرق الجبل الكبير المتصل بالبحر وهو جبل صعب المسالك فلا يتوصل إلى هذين البلدين إلا بعد جهد ومشقة وأهلهما يصيدون السمك ويدخرونه ومنه يأكلون وجبلهم المتصل بهم تنبت به الحلفاء الكثيرة فهم يجمعونها ويسافرون بها إلى نواحي جرجان وغيرها من البلاد فيبيعونها هناك ومنها يتقوتون و يكتسبون.
وأما جزيرة سياه كوه فإنها في هذا الوقت معمورة بقوم من الأتراك وقع بينهم وبين قومهم شنآن فانقطعوا عنهم واتخذوها داراً ومأوى وفيها مراع ومياه كثيرة كما قدمناه.
ومن آبسكون عن شمالها إلى الخزر عمارة متصلة إلا شيء يسير في ناحية باب الأبواب والخزر وذلك أنك إذا سرت من آبسكون على حدود جرجان وطبرستان والديلم والجبل تدخل في حدود الران إذا جزت موقان إلى ناحية باب الأبواب على مسيرة يوم وبعض من بلاد شروان شاه ومن باب الأبواب إلى مدينة سمندر أربعة أيام عمارة وكذلك من مدينة سمندر إلى مدينة اثل سبعة أيام.

واثل مدينة الخزر وقصبتها وهما مدينتان عامرتان من ضفتي النهر المسمى بها والملك يسكن المدينة التي في الضفة الغربية من النهر والتجار والسوقة وعامة الناس يسكنون المدينة التي في الضفة الشرقية وطول مدينتي اثل نحو ثلاثه أميال ويحيط بهما سور منيع وأكثر أبنيتها خركاهات لبود وهي قباب يتخذها الأتراك من ذلك وجلتهم يبنون بالتراب والطين وقصر ملكها مبني بالآجر ولا يتعدى أحد هناك على أن يبني بالآجر خوفاً من الملك والخزر نصارى ومسلمون وفيهم عبادة أوثان ولا يعير أحد على أحد شيئاً من أمر دينه وزراعات اثل على ما جاور النهر من الأرضين فإذا زرعوا وحان أوان حصاده خرجوا إليه بأجمعهم كان قريباً أو بعيداً فحصدوه ثم ينقلونه بالعجل إلى ضفة النهر ثم يحتملونه بالمراكب في النهر وأكثر طعامهم الأرز والسمك. ونهر اثل جانبه الشرقي من ناحية بسجرت فيجري ما بين البجناكية وبلغارية وهو الحد بينهما وجريته غرباً حتى يصل ظهر بلغار فيعود راجعاً إلى ما يلي المشرق حتى يجوز على الروس ثم على بلغار ثم على برطاس ثم على الخزر حتى يقع في بحر الخزر ويقال إنه يتشعب منه نيف وسبعون نهراً ويبقى عمود النهر يجري إلى بحر الخزر ويقال إن هذه المياه المفترقة إذ هي مجتمعة في أعلى النهر تزيد على مياه جيحون ونهر بلخ كبرا وغزر مياه وسعة على وجه الأرض ويصل من هذا النهر شعبة تمر فب جهة الغرب حتى تصب في بحر بنطس وقد قدمنا ذكرها.
وأما مدينة سمندر فإنها كانت فيما سلف مدينة كبيرة عامرة وهي من بناء أنوشروان وكان من الأشجار والكروم ما لا يحصى عددها فأتت قبيلة الروس عليها فأهلكتها فغيرت حالاتها.
ومن مدينة سمندر إلى آخر عمالتها ثلاثون ميلاً ومن آخر حدودها إلى أول حدود أعمال صاحب السرير أحد وخمسون ميلاً وصاحب السرير وأهل مدينته نصارى وسميت المدينة بالسرير لأن ملكاً من ملوك الفرس اتخذ بها لنفسه سرير ذهب يقصر الوصف عنه صنع في سنين فهلك وتغلبت الروم على ملكه فأبقوا السرير على حاله وملوكهم يسمون به.
والذي من آبسكون إلى بحر الخزر نحو تسعة مائة ميل وهو طول البحر ومن آبسكون إلى دهستان ست مراحل ومن اثل إلى سمندر ثمانية أيام ومن سمندر إلى باب الأبواب أربعة أيام ومن اثل إلى أول حدود برطاس عشرون يوماً ويقطع هذا البحر إذا طابت الريح عرضاً من طبرستان إلى باب الأبواب في سبعة أيام ويقطع طوله بالريح الطيية في تسعة أيام ورياح هذا البحر طواريس طويلة إذا بدأت الريح دامت نحو الثلاثين ثم تتحول إلى ريح غيرها فتدوم أيضاً نحو ذلك وهذا كله تدبير الحكيم العليم.
نجز الجزء السابع من الإقليم الخامس والحمد لله ويتلوه الجزء الثامن منه ان شاء الله.
الجزء الثامن
إن الذي تضمنه هذا الجزء الثامن من الإقليم الخامس قطعة من بلاد الغزية فيها من بلاد الأغزاز أدرماه ونوجة وبادغة وجاجان ومرقاشان ودرقو ودرندة وغربيان وغرغون وأنهار وجبال ونريد أن نأتي بذكر هيئاتها وطرقها وأخبارها حسب ما سبق لنا فيما سلف من الأخبار عن سائر الأجزاء السابقة وبالله الإرشاد.
فنقول إن بحيرة خوارزم حكى الحاكون عنها وأخبر به الناقلون عن المسافرين إليها من ملوك الأغزاز أن محيطها في الدائر ثلاث مائة ميل وماؤها ملح وليس لها مفيض ظاهر ويقع فيها نهر جيحون ونهر الشاش ونهر برك ونهر روذا ونهر مارغا وأنهار صغار كثيرة فلا يعذب ماؤها ولا يزيد ولا ينقص وبين البحيرة وبين موقع نهر الشاش في نهر جيحون عشرة أميال ونهر جيحون ربما جمد في الشتاء بقرب هذه البحيرة حتى تجوزه الأبقار والأغنام والرجال وهذه البحيرة بينها وبين بحر طبرستان نحو من عشربن مرحلة وعلى شطها جبل يسمى نفراغن يجمد فيه الماء ثلجاً ويبقى سائر أيام الصيف وفي هذه البحيرة حوت يظهر في الغب يكون على صورة الإنسان يطير فوق الماء فيراه الصائدون للسمك ويتكلم بكلام مقفول ثلاث كلمات أو أربعاً ثم يغوص في الماء ومتى ظهر هذا الحوت على هذه الصفة دل على موت ملك من ملوك الأغزاز الجلة.

وبلاد الأغزاز بلاد كثيرة متصلة في جهتي الشمال والشرق ولهم جبال منيعة ولهم عليها حصون حصينة يتحصن بها ملوكهم ويختزنون بها أقواتهم وبها رجال من جهات الملوك يحرسون تلك الأرض والأغزاز صنف من الناس يشبهون البربر في ائتلافهم وسكناهم البراري وحيث المراعي الخصيبة ولهم بيوت من الشعر يأوون إليا ويسكنون بها.
وفي الشرق من هذه البحيرة أرض حندغة وهم قبيل من الأغزاز رحالة ظواعن وبلدهم بلد خصب ومراع كثيرة ومياه منخرقة وبرد زائد ومدينتهم التي يأوون إليها ويلجؤون إليها بحوائجهم تسمى حيام وهى قلعة منيعة على رأس جبل صعب المرتقى وهي في نهاية من المنعة والحصانة وهذا الجبل على ضفة نهر كبير يأتي من داخل بلاد الغزية من ناحية المشرق من جبل يسمى أصغرون ويسمى هذا الهر نهر روذا وهو نهر كبير يعبر بالقوارب ويسافر فيه من البحيرة إلى مدينة حيام ثم إلى مدينة جاجان وبين حيام وجاجان سبعة أيام ومدينة حيام بشماله وجاجان في جنوب النهر وهما مدينتان صغيرتان في نهاية من الحصانة وحالهما في ذاتهما صنف واحد.
ويقع أسفل مدينة حيام من جهة الشمال نهر عظيم يأتي من ناحية الشمال من الجبل الكبير الحاجز بين بلاد الغزية وبلاد البشجرتية ويسمى جبل مرغار وهو جبل عظيم عال لا يرتقي أحد إلى قمته للثلج الذي به والجمد المتوالي عليه ويسمى هذا النهر بنهر مارغا يوجد فيه إذا حمل التبر الكثير ويستخرج من قعره حجر اللازورد ويحمل منه الكثير إلى بلاد خراسان وفي غياض هذا النهر الحيوان المسمى الببر وهو حيوان له جلدة حسنة منسوبة في جيد الوبر ويساوي من القيمة الثمن الكثير ويصاد منه الحيوان الكثير ويخرج إلى جميع بلاد الروم والأرمن وفي غياض هذا النهر توجد ثعالب صفر ألوانها على لون الذهب وهي قليلة وملوك أهل تلك الناحية يلبسونها في ثيابهم ولا يتركون أحداً يخرج منها بشيء استحساناً منهم لها وتنافساً فيها حتى لا يوجد منها شيء عند أحد من الملوك إلا عندهم.
وعلى ضفة هذا النهر جبل عالي القمة يتفجر منه أزيد من ألف ينبوع ماء تصل بأسرها إلى نهر مارغا وعلى أعلاه مدينتان كالحصنين اسم الواحدة منهما نوجة واسم الثانية بادغة وبينهما مسير يوم وفيما بينهما يخرج نهر كبير يمر إلى جهة المغرب فيقع هناك في منقع كبير دوره نحو من خمسين ميلاً لكنه لا يستر ماؤه وماؤه حلو وحوله خصب كثير ومزارع والترك يصيفون حوله ويربعون عليه وبين هذه النقعة وبحيرة خوارزم ست مراحل وهي منها شمالاً وفي شمال هذا المنقع يتصل طرف من جبل مرغار السابق ذكره وبينهما خمس مراحل وفي هذه المراحل مسارح للأتراك.
وعلى أذيال الجبل المذكور مدينتان اسم إحداهما درندة والثانية تسمى درقو ودرندة غرب درقو وبينهما مسافة ثلاثة أيام وهما مدينتان صغيرتان فيهما أسواق وصناعات ومتاجر كاسدة وهما في نهاية من المنعة والتحصين والثلج عندهم أبد الدهور وأهل هذه البلاد يحصدون زروعهم غضة ويجففونها بالدخان وفي الظلال كل فلك لشدة البرد عندهم وتوالي الأمطار عليهم وقلة الجفوف عندهم ويوجد في هذا الجبل وفي مجاري مياهه أحجار البلخش والفيروزج وسائر أنواع الحجارة.
وبين مدينة درقو شرقاً ومنبع نهر مارغا أربع مراحل ومن مدينة درقو إلى مدينة جاجان السابق ذكرها عشر مراحل.
وأما نهر روذا الخارج من جبل أصغرون المذكور قبل هذا فإنه جبل عظيم معترض من جهة الجنوب إلى الشمال بتشريق وهو جبل عظيم جداً والثلج لا يفارق ذروته شتاءً ولا صيفاً وهو جبل في أذياله الشعارى المتصلة وفيها الصيد الكثير الموجود وينبع مع طرفه الشمالي نحو من عشر ين عيناً فتمر غرباً إلى بحيرة غرغون وهي بحيرة كبيرة جداً يكون محيط دورها أربع مائة ميل وماؤها حلو وفيها سمك كثير ومنه أكثر قوت القوم وينفجر من جبال مرغار نحو من خمسين عيناً وتقع بجملتها في هذه البحيرة وعليها مرابع وخصب كثير للجنغاكشين وهم صنف من الأتراك الأغزاز لا يفارقون حمل السلاح ولهم حذر زائد وصولة على من جاورهم من أصناف الأتراك.
وعلى هذه البحيرة من جهة الجنوب جبل من الصخر الصلد لا ينبت شيئاً من النبات وعليه حصن كبير يسمى غرغون وبهذا الحصن عرفت البحيرة ونسبت إليه.

ومن غرغون إلى مدينة جاجان بين غرب وجنوب ست مراحل وفي الجنوب من مدينة جاجان مع قليل تشريق مدينة ذهلان وبينهما نحو من ثماني مراحل في مفاوز غير عامرة.
وذهلان مدينة كالحصن فيه رئيس له عدة وإعداد وهو في بعض الأيام يغزو أرض الطراز التي من بلاد الشاش.
وبين ذهلان ونوجكث من أرض الشاش أربعة أيام وهم في أكثر الأوقات متهادنون غير متفاتنين والدخول من ذهلان إلى مدينة نوجكث وسائر بلاد الشاش ممتنع لكثرة الدساس والجبال المتصلة والطرق الوعرة.
ومن ذهلان في جهة المغرب إلى مدينة حيام اثنتا عشرة مرحلة ومن حيام إلى مدينة الغزية القديمة أربع مراحل بين جنوب وغرب ومن مدينة حيام إلى مدينة ناجية ثماني مراحل وبين روذان وذهلان أربع مراحل.
وكذلك من مدينة ذهلان إلى مدينة غربيان خمس مراحل بين شرق وشمال وعلى ثلاثة أميال من مدينة غربيان معادن فضة لها أصداق جم وربحها كثير ويذكر أن رطل ترابها يعطي ربعة فضة غير مخلصة ويستخرج من هذه المعادن الشيء الكثير وتجار الشاش يتجهزون إليهم بالأموال الطائلة فيشترون منها الجمل الكثيرة بالأموال الكثيرة ويخرجونها بضائع إلى كل الجهات. وبلاد الأغزاز بلاد خصب وأهلها مياسير ولهم نفوس عائثة وأكباد غلاظ مع الجهل والقساوة والزناء فيهم مشاع لا يرون به بأساً ولا يرجعون عن شيء منه.
نجز الجزء الثامن من الإقليم الخامس والحمد لله ويتلوه الجزء التاسع منه إن شاء الله.
الجزء التاسع.

قد تحصل في هذا الجزء التاسع من الإقليم الخامس شمال بلاد الكيماكية وجملة بلاد أذكش ومدنهم وقلاعهم وأنهارهم وها نحن لها واصفون على عادتنا فيما سلف من الكتاب حسب الطاقة وبالله العون. فنقول إن بلاد الأذكش غربيها بلاد الأغزاز وأجناسها وشرقيها يجاور الجبل المحيط ببلاد ياجوج وماجوج وهذه البلاد التي هي مجال الأذكش وبها معاقلهم ومواطنهم هي أرض خصبة كثيرة الخيرات والمواشي وبها من السمن والعسل ما لا يوجد مثله في كثير من سائر الأقطار المجاورة لهم والمتباعدة عنهم وذلك أن الأغنام بها والأبقار لا يعبأ بها لكثرتها وليس للحومها عندهم قيمة وأن الرجل منهم ليذبح الشاة والشاتين فيأخذ جلودها ولا يجد لمن يعطى لحومها وجل أكلهم من اللحوم لحوم الخيل فإنها أجل لحم عندهم. وفي جنوب هذه الأرض بحيرة تسمى بحيرة تهامة وهي بحيرة يكون محيط دورها مائتين وخمسين ميلاً وماؤها أخضر شديد الخضرة إلا أن نشره ذكي وطعمه عذب جداً ويوجد فيه سمك عريض مرقش بكل لون تذكر الأتراك أنه أجل علاج يستعمل للباه وأنه أقوى من السقنقور وهو عندهم مشهور والصيادون يعرفونه في هذه البحيرة وذلك أن الصائد منهم إذا أرسل شبكته وأخذ هذا السمك وجد ذكره قائماً ولا يزال بتلك الحال ما دامت السمكة في شبكته وفي يده فإذا أرسلها عن يده سكن ما يجده من الإنعاظ. وفي وسط هذه البحيرة أرض كالجزيرة وطيئة ثرية جيدة التربة كثيرة العشب في كل الأحايين والترك يجوزون مواشهم إلى هذه الجزيرة فيقيمون بهايام الربيع كله وفي وسط هذه الجزيرة التي في وسط هذه البحيرة بئر محفورة لا يوجد لها قعر وليس بها شيء من الماء البتة ويقال إن بهذه الجزيرة نباتاً تقوم أوراقه مثل أوراق السعد شارعة القوام مخضرة اللون ولها في أصولها حبوب صغار حلوة طيبة الطعم وهي عندهم من أنجع شيء في علاج العين وفي علاج الذين لايقدرون على الجماع ويسقط إلى هذه البحيرة أربعة أنهار كبار وأحدها نهر تهامة وهو نهر كثير الماء قليل الإنحدار عميق القعر وبين منبع هذا النهر والبحيرة مسير ستة أيام وخروجه من ثلاث عيون دفاعة وبين هذه الأعين الثلاث نحو من مسير يومين فتمر العين الواحدة منها في غرب المدينة وتمر العين الثانية في شرقي المدينة ثم تجتمعان معاً تحت المدينة فتصيران نهراً واحداً كبيراً فتصبان في البحيرة المتقدم ذكرها وهذا النهر يقصده أهل بلاد أذكش بأولادهم يطهرونهم فيه قبل بلوغ الحلم فلا يسقمون ولا تجرب أجسامهم ولا يوجد في بلادهم أجذم البتة وأمر هذا الوادي عندهم صحيح التجربة في ذلك جداً ويقال إن ماؤه إذا سقي منه العليل من أية علة كانت سبعة أيام فإنه يبرأ وقد صح ذلك عندهم بتجربتهم إياه ويقال إن ماءه إذا غسل الإنسان به رأسه لم يتصدع تلك السنة وهذا عندهم مشهور وقد تكلموا في أمر هذا النهر وأكثروا القول في أمره حتى أنهم قالوا فيه أشياء يجب السكوت عنها. ويقع في هذه البحيرة المذكورة نهر آخر صغير يأتي من جبل جنف وهو

نهر شديد الجرية وقعره صخر كثير الملاسة وليس في شيء منه حيوان لا سمك ولا ضفادع ولا أحناش ولا غير ذلك من حيوانات الماء وماؤه عذب صادق البرد ويقال إن مرقرنس الحكيم وصل إلى هذا النهر فطلسمه وعقده حتى لا يتكون فيه حيوان وهذا قول يسمع على الإطلاق. ويأتي إلى هذه البحيرة نهر ثالث منبعه من ظهر جبل أصغرون فيمر في جريته مشرقاً إلى أن يصل مدينة رشاقة فيجتاز بجنوب سورها مماساً له ثم يمر مشرقاً إلى أن يصل مدينة بغنون فيجتاز بشمالها ومن هذه المدينة ينعطف إلى جهة الجنوب فيمر إلى طرف جبال راس ويستقيم جرية حتى يسقط في نهر جنف ثم يصب في البحيرة. ويصب فيها نهر يأتيها من الجنوب وهذا هو النهر الرابع. وفي شمال هذه البحيرة جبل تراب أحمر كله مثقب من جميع جهاته فإذا جن الليل خرجت من جميع هذه الكوى جرذان سود تسرح بطول الليل ثم ترجع سحراً فلا تزال تفعل ذلك في كل ليلة دائماً وعلى رأس هذا الجبل مدينة تسمى شندران وأهلها يتصيدون هذه الجرذان بحيل عندهم فيذبحونها ويأكلون لحومها ويلبسون جلودها ويصنعون منها فراء لا يعدلها شيء في جمالها ودفئها. وفي شرقي هذه البحيرة وعلى أربعة أيام منها جبل خردا وهو جبل عال مرتفع في الجو وليس لهذا الجبل موضع يرتقى منه إليه وإنما هو من كل جهة كالحائط أملس لا يمكن الصعود عليه وقد حفر في أسفل هذا الجبل باب كبير ونقب منه متصل في جوف الجبل فيه طريق مدرج ذو تعاريج صاعد إلى أعلى الجبل حيث المدينة وهذه المدينة في نهاية من الحصانة والثقافة بحيث لا يتوصل إليها ما دام فيها رجل واحد فقط وفي وسط هذه المدينة عين نابعة ماؤها عذب كثير يشرب منه ويتصرف به ومغيض ما فاض منه مما يلي السور في حفر لا يعلم أين يصل مستقره ولا يوجد لذلك الماء أثر ومن قلعة خرداً إلى مدينة شندران في جهة الغرب ست مراحل وكذلك من قلعة خرداً إلى مدينة تهامة في جهة الجنوب أربع مراحل ومن مدينة خرداً إلى الجبل المسمى قوفايا سبعة أيام. وهو الجبل الذي يحيط ببلاد ياجوج وماجوج وهو جبل قائم الجنبات لا يصعد إلى شيء منه البتة وإن صعد لم يتوصل إلى قنته لكثرة الثلج المنعقد به وإنه لا يتحلل منه أبداً وإن أعلى هذا الجبل عليه شبه الضباب أبداً الدهر كله لا يتجلى عنه ولا يزول منه وخلف هذا الجبل من بلاد ياجوج وماجوج مدن كثيرة وفي هذا الجبل أفاع وهيات عظام تأوي إلى مهاو كائنة فيه وجميعها مؤذ يمنع أذاها من الترقي والصعود إلى أعلى الجبل ولو رام أحد الصعود إلى أعلاه ما امكنه ذلك في يومين بل يمكن في أكثر من ذلك وربما تعلق بهذا الجبل النادر من الناس فيرقى ليرى مافي أعلاه وماخلفه فلا يرجع ولايمكن رجوعه إما لعدوان الحيوان عليه أو لقبض الأمم التي خلف الجبل على من طرأ عليهم من سائر الأمم وربما رجع بالخبر الشاذ منهم ليخبر أنه رأى بالليل في تلك الأرض التي خلف الجبل نيراناً كثيرة وأما بالنهار فلا يرى شيئاً إلا ضباباً وسراباً مختلطاً متصلاً. وهذا الصنف من الترك المسمى أذكش يقال إنهم عراض الوجوه كبار الرؤوس شعورهم كثيرة وأعينهم براقة وكلامهم كلام منفرد بذاته وعبادتهم النيران وسائر الأنوار. وبالشمال من أرضهم جبل كبير يسمى جبل فرغان وهو آخذ في الطول من المغرب إلى المشرق نحو ثماني عشرة مرحلة وفي وسط هذا الجبل موضع عال كالقبة مستدير وفي وسطها بركة ماء لا يعرف أحد عمقها فلا يسقط فيها شيء إلا ابتلعته فلا يرى ولا يقدر أحد من الناس على العوم فيها ولا شيء من سائر الحيوان وكذلك إن وضع العود فيها إلا بتلعته وهذا عجب عجيب وفي أسفل هذا الجبل مما يلي الجنوب ويقابل أسفل تلك البركة مغارة يسمع فيها دوي كثير هائل يعلو صوته مرة ويقل في وقت آخر ولا يعلم ما سبب ذلك الصوت وإن تقدم إلى فم هذه المغارة المذكورة حيوان من إنسان أو بهيمة من قبالته فلا يرى ويذكر أنه تخرج من تلك المغارة ريح تجتذب المتعرض لذلك وهذا أمر عظيم وخبر هذه المغارة مشهور في تلك الأرض يتحدث به في سائر أرض الترك وقد تداولت الكتب أخبار ذلك لإشهاره عند مؤلفيها وقد حكى صاحب كتاب العجائب من هذه المغارة أشياء يحسن السكوت عنها لبشاعتها وقلة قبول العقول لها والله أعلم بذلك وحقيقته فهو الخلاق العليم.

نجز الجزء التاسع من الإقليم الخامس والحمد لله ويتلوه الجزء العاشر منه إن شاء الله.
الجزء العاشر.
إن في هذا الجزء العاشر من الإقليم الخامس بلاد ياجوج العليا وهي بلاد كثيرة عامرة وهم عدد بهير وجمع غزير وأمم لا يحصون كثرة وبلادهم بلاد خصب ومياه جارية وسهول ومسول تربة ومواش كثيرة وهم من ولد سام بن نوح وهم المفسدون في الأرض وخلقهم خلق صغار جداً وهم فيا يحكى إن طول الرجل منهم أعني من آل ياجوج مثل طول أحدنا ونساءهم مثل ذلك ولا يعرف ما ديانتهم ولا أي شيء معتقدهم. وأما ال ماجوج فأرضهم أسفل هذه الأرض وهم كلهم قصار جداً في نهاية القصر حتى إن طول الرجل منهم لا يتجاوز ثلاثة أشبار ونساءهم مثل ذلك وأوجههم مستديرة في غاية الإستدارة وعليهم شبه الزغب كثير جداً وآذانهم كبار مستديرة مسترخية حتى أن أذن الرجل منهم إذا هي تعلقت تلحق طرف منكبه وكلامهم شبيه بالصفير والشرة عليهم بادية وهم خفاف الوثوب وفيهم زناء فاحش وبلادهم بلاد ثلج وشتاء عام والبرد عندهم لازم في كل الأحايين ويقال إن ياجوج وماجوج أخوان أمهما واحدة وأبوهما واحد والغالب على ألوانهم البياض والحمرة ونكاحاتهم كثيرة ونتاجهم فاش.
وكانوا قبل أن يصل إليهم الإسكندر ويبني السد عليهم في باب جبلهم الذي كانوا يدخلون منه ويخرجون عليه يغيرون على من جاورهم ويتحاشدون على من قصدهم وكانت لهم شنات وغارات مذكورة حتى أنهم أخلوا كثيراً من البلاد والمدن المجاورة لهم من غربي الجبل وهيث سد ذي القرنين المبني عليهم وأكثر تلك البلاد خاوية على عروشها لا قاطن بها ولا ساكن يعول عليها لكثرة حياتها وغور مياهها ووحشة أرضها. وسنذكر هذه الأرض وما جاورها من بلاد تركش وهي قبيلة من الأتراك بل هم الأتراك على الحقيقة وذلك أن في الأخبار المنقولة أن ياجوج وماجوج لما طغوا وغلبوا وأكثروا الفساد في الأرض وشكي أمرهم إلى الإسكندر فلما قصد أرضهم اختبر أمرهم فوجد منهم أمماً عم خيرهم وكثر نسكهم وقل ضررهم وذلك أنهم هاجرواً إلى الإسكندر قبل أن يلحق أرضهم واعترفوا بين يديه أنهم براء من إخوانهم ياجوج وماجوج وشهد كثير من القبائل لهم بذلك وأنهم لم يزلون أبد الدهر يطلبون السلامة والسلم حريصين على ذلك. فتركهم الإسكندر خارج السد وأقطعهم تلك الأرض فسمتهم العرب تركاً لأنهم ممن ترك الإسكندر من آل ياجوج وماجوج وأسكنهم خارج السد فقروا في تلك الأرضين فكثر نسلهم واتصل خيرهم فجميع الترك أعني الخرلخية والتبتية والخرخيزية والتغزغزية والكيماكية والمخامانية والأذكش والتركش والحفشاخ والخلج والغز والبلغارية هؤلاء كلهم أمم تركهم الإسكندر خلف الردم. فانتشروا في الأرض وعمروها وكثرت أنسالهم وفشت أحوالهم واتصلت خيراتهم وعمت بركاتهم وأكثرهم مجوس وعباد نيران والغالب على طباعهم الجفاء وغلظ النفوس وقلة الإنقياد للغلبة وهم بالجملة طائعون لأولي الأمر منهم وفيهم صرامة لازمة وقيام وحمية في طلب الثأر وجايات الأقطار والحمد لله على ما حكيناه مما ورد علينا وصححه الخبر لدينا واط والحول والقوة لله تعالى . نجز الجزء العاشر من الإقليم الخامس بتمام الإقليم ويتلوه الجزء الأول من الإقليم السادس إن شاء الله.
الإقليم الالسادس
الجزء الأول.

إن هذا الجزء الأول من الإقليم السادس تضمن في حصته أرض برطانية بأسرها وبعض أرض صايص وبلاد بيطو والذي وقع فيه من أسماء البلاد البرطانية منها نانطس ورينش وشنت مجيال ودول ودنام وشنت مهلو وشنت مثاو ولنيونش وكرنتين وكنبلرين وفينش وردون وباتس وفيه من بلاد بيطو مدينة صايس وشنت جوان وبلفير ونريد أن نتكلم في أوصافها بما امكن من ذلك ونأتي بصفاتها وهيئاتها حسب ما سبق لنا فيما سلف من الكتاب بعون الله تعالى .فنقول إن بلفير مدينة متحضرة على البحر الملح ذات سور وأسواق ممكنة وفيها مصايد للحوت ومعايش وأقوات كافية وهي في قعر الجون ومراكبها تسافر إلى شنت ياقوب وغيرها وإلى سائر البلاد المجاورة لها ومن بلفير إلى مدينة شنت جوان سبعون ميلاً شرقاً وكذلك من شنت جوان إلى أنقلازمة أربعون ميلاً وشنت جوان وأنقلازمة هما من أرض بيطو. ومن بتارش إلى مدينة قتال أربعون ميلاً وكذلك من قشتال إلى طرش سبعون ميلاً وترش أرض صغيرة غربيها أنجيرش وشمالها أرض صايص وجنوبها أرض بري وقشتال مدينة صغيرة جداً وفيها إلى سواق عامرة وتجارات قليلة وهي بلد حرث وزرع وماشية ومن مدينة بلفير على البحر إلى مدينة نانطس سبعون ميلاً ونانطس مدينة على نحر البحر في قعر جون خارج من البحر وهي أول بلاد برطانية ونانطس مدينة كبيرة عامرة آهلة ذات حروث وأسفار ومراكب وداخل وخارج وهي مدينة حصينة رائقة ومنها يتجون البحر إلى جهة الشمال. ومن نانطس إلى مدينة شنت مجيال التي هي آخر بلاد برطانية مائة ميل وعشرة أميال في البر ومن مدينة نانطس إلى مدينة شنت مجيال في البحر ثماني مائة ميل وثلاثون ميلاً وذلك أن البحر يتجون هناك كثيراً ويتقعر وينضم من أعلى أرض برطانية حتى يعود البر كالكيس فمه ضيق ووسطه واسع. فمن أخذ من نانطس إلى مدينة شنت مجيال على البر صار إلى مدينة رينش ثمانين ميلاً ورينش مدينة كبيرة أقطارها عامرة وخيراتها وافرة ولها سور حصين وبها أسواق نافقة وصناعات دائمة قائمة. ومن مدينة رينش في البر إلى شنت مجيال أربعون ميلاً وشنت مجيال مدينة متحضرة على البحر الملح وهي حسنة القطر وافرة العمارة كثيرة الخيرات متصلة الحراثات. ومن أراد السفر في البحر سار من مدينة نانطس إلى مدينة باتس خمسين ميلاً مع تقعير الجون وباتس مدينة جليلة عامرة بهانشاء وإقلاع وحط وبها أسواق كثيرة وبيع وشراء. ومن مدينة باتس إلى ردون وهي على طرف الجون ستون ميلاً وردون مدينة متحضرة صغيرة القطر خصبة رفيهة المعايش حسنة المباني عامرة بالناس. ومنها إلى مدينة فينش وتروى بينش وهي على طرف داخل في البحر خمسون ميلاً وموضعها مطل على البحر وهي في ذاتها حسنة بهية كثيرة العامر وبها إنشاء وسفر. ومنها إلى مدينة كنبلرين وهي في وسط جون مائة ميل وعشرون ميلاً ومدينة كنبلرين مدينة صغيرة عامرة لها أسواق وبيع وشراء وصناعات كثيرة. ومن مدينة كنبلرين إلى مدينة شنت كرنتين خمسون ميلاً وهي على طرف داخل في البحر وهي كثيرة العامر جامعة للصادر والوارد وبها معايش ومتصرفات وبيع وشراء. ومنها إلى مدينة لنيونش مائة ميل وخمسة وعشرون ميلاً وهي مدينة حسنة متحضرة ذات ديار حسنة وأرزاق ممكنة ومعايش كثيرة وخير عام. ومنها إلى مدينة شنت مثاو مائة وخمسون ميلاً وهي مدينة متوسطة في قرطيل خارج في البحر وهناك يتصل بقعر أرض برطانية و بها إرساء وإقلاع وحط وأهلها مياسير وتجاراتها كثيرة. ومن مدينة شنت مثاو إلى مدينة شنت مهلو على البحر مائة ميل وهي مدينة كثيرة الخيرات وافرة العمارات بها تجار مياسير وصناعات قائمة نافقة ولها زراعات وعمارات متصلة. ومنها إلى مدينة دنام خمسون ميلاً ودنام مدينة متحضرة لها سور حجارة وبها أسواق وعمارات وافرة وإرساء وإقلاع وسفر دائم إلى جميع الجهات. ومن دنام إلى مدينة دون خمسون ميلاً وهي مدينة جليلة في وسط جون وبها أسواق عامرة وأحوال صالحة ومتاجر نافقة وخيرات دائرة وحبوب كثيرة وشربهم من الآبار ولهم عيون مياه وكروم وغراسات. ومن مدينة دول إلى مدينة شنت مجيال خمسون ميلاً ومدينة شنت مجيال مشهورة متحضرة متوسطة المقدار لها كروم وأشجار وبها كنيسة مقصودة ولها أموال وأحباس كثيرة. ومن مدينة شنت مجيال في البر جنوباً إلى مدينة صايس تسعون ميلاً وهي من أرض إفرنسية وهي مدينة كبيرة عامرة

خصبة رفيهة كثيرة الخيرات شاملة لأنواع البركات عامرة الجهات كثيرة الشجر والغراسات ولها كروم متصلة وهي من قواعد مدن إفرنسية. ومن مدينة صايس إلى مدينة مانس ثلاثون ميلاً وسنذكرها فيما بعد وكذلك من مدينة صايس إلى مدينة جارطرش ثمانون ميلاً بين شرق وجنوب ومن مدينة صايس إلى رينش المتقدم ذكرها في أرض برطانية شمالاً سبعون ميلاً وكذلك من رينش إلى مدينة بينش التي على البحر السابق ذكرها غرباً تسعون ميلاً. وهذه البلاد التي ذكرنها بلاد تتقارب صفاتها وتتشابه حالاتها وتتصل عماراتها وجهاتها وتشتبك أقاليمها وغلاتها وتتفاضل موجنوباًتها وخيراتها والجهالات على أهلها غالبة وغلظ الطبع فيهم موجود ظاهر وهي بالجملة بلاد خصب ورفاهية وقلة مبالاة بالأمور ويكتنفهم من جهة المغرب البحر المظلم وتأتيهم منه أنواء وأمطار متصلة وضبابات عامة ولسيما البلاد التي تلي الساحل منه. وهذا البحر بحر غليظ المياه كدر اللون هائل الموج عميق القعر متصل الظلمات صعب المركب عاصف الرياح لا يعرف انتهاؤه في جهة المغرب وبه جزائر كثيرة غير عامرة وقليل ما يسلك هذا البحر إلا نادراً والقوم الذي يسلكونه لهم به معرفة وجسر على ركوبه وأيضاً فإنهم يسيرون فيه مساحلة لا يفارقون البر منه وأيام سفرهم فيه أيام قلائل وهي مدة شهر أسطريون وشهر أوسو وأكثر ما يركبه القوم المسمون بالإنكليسيين وأهل جزيرة إنكرطارة وهي جزيرة كبيرة عامرة بها مدن كثيرة وعمارات وحروث وأنهار جارية وسنأتي بذكرها ونستقصي صفاتها في موضعها بحول الله تعالى . وهذا البحر هو على ما وصفناه من هوله وغلظه به سمك كثير سمين ومصايده في أماكن معلومة منه وبه كثير من الدواب العظام الخلق البحرية ما يربي على الوصف حتى إن أهل تلك الجزائر الداخلة يتخذون من أعظمها وفقر ظهورها خشباً لبيوتهم وينحتون منها دبابيس وأسنان رماح وخناجر ويصرفون خرز هذه الدواب فيتخذونها منابر للصعود والقعود ويتصرفون في أعظم هذه الدواب كا يتصرف أهل سائر البلاد في الخشب وهنا انتهى بنا القول في هذا الجزء والحمد لله على ذلك كثيراً حمداً مباركاً دائماً. نجز الجزء الأول عن الإقليم السادس والحمد لله ويتلوه الجزء الثاني منه إن شاء الله.بة رفيهة كثيرة الخيرات شاملة لأنواع البركات عامرة الجهات كثيرة الشجر والغراسات ولها كروم متصلة وهي من قواعد مدن إفرنسية. ومن مدينة صايس إلى مدينة مانس ثلاثون ميلاً وسنذكرها فيما بعد وكذلك من مدينة صايس إلى مدينة جارطرش ثمانون ميلاً بين شرق وجنوب ومن مدينة صايس إلى رينش المتقدم ذكرها في أرض برطانية شمالاً سبعون ميلاً وكذلك من رينش إلى مدينة بينش التي على البحر السابق ذكرها غرباً تسعون ميلاً. وهذه البلاد التي ذكرنها بلاد تتقارب صفاتها وتتشابه حالاتها وتتصل عماراتها وجهاتها وتشتبك أقاليمها وغلاتها وتتفاضل موجنوباًتها وخيراتها والجهالات على أهلها غالبة وغلظ الطبع فيهم موجود ظاهر وهي بالجملة بلاد خصب ورفاهية وقلة مبالاة بالأمور ويكتنفهم من جهة المغرب البحر المظلم وتأتيهم منه أنواء وأمطار متصلة وضبابات عامة ولسيما البلاد التي تلي الساحل منه. وهذا البحر بحر غليظ المياه كدر اللون هائل الموج عميق القعر متصل الظلمات صعب المركب عاصف الرياح لا يعرف انتهاؤه في جهة المغرب وبه جزائر كثيرة غير عامرة وقليل ما يسلك هذا البحر إلا نادراً والقوم الذي يسلكونه لهم به معرفة وجسر على ركوبه وأيضاً فإنهم يسيرون فيه مساحلة لا يفارقون البر منه وأيام سفرهم فيه أيام قلائل وهي مدة شهر أسطريون وشهر أوسو وأكثر ما يركبه القوم المسمون بالإنكليسيين وأهل جزيرة إنكرطارة وهي جزيرة كبيرة عامرة بها مدن كثيرة وعمارات وحروث وأنهار جارية وسنأتي بذكرها ونستقصي صفاتها في موضعها بحول الله تعالى . وهذا البحر هو على ما وصفناه من هوله وغلظه به سمك كثير سمين ومصايده في أماكن معلومة منه وبه كثير من الدواب العظام الخلق البحرية ما يربي على الوصف حتى إن أهل تلك الجزائر الداخلة يتخذون من أعظمها وفقر ظهورها خشباً لبيوتهم وينحتون منها دبابيس وأسنان رماح وخناجر ويصرفون خرز هذه الدواب فيتخذونها منابر للصعود والقعود ويتصرفون في أعظم هذه الدواب كا يتصرف أهل سائر البلاد في الخشب وهنا انتهى بنا القول في هذا الجزء والحمد لله على ذلك كثيراً حمداً مباركاً دائماً. نجز الجزء الأول عن الإقليم السادس والحمد لله ويتلوه الجزء الثاني منه إن شاء الله.

الجزء الثاني.
إن الذي تضمن هذا الجزء الثاني من الإقليم السادس هو بلاد إفرنسية وبلاد نرمندية وبلاد إفلاندرش وبلاد هينو وبلاد لهرنكة وبلاد بري وبعض بلاد برغونية الإفرنجيين وبعض بلاد برغونية اللمانيين وبلاد اللمانية وبلاد بافير وبعض بلاد قرنطارة وبلاد لوبانية وبلاد إفريزية وبعض بلاد شصونية وفيه بعض بلاد جزيرة إنكلتارة ونحن نتكلم فيها بما صح عندنا ونأتي بكل ذلك نسقاً كما سبق لنا القول فيما سلف وانقضى وكل ذلك بمعونة الله وتأييده.
فنقول إن مدينة أنجيرش من إقليم طرونية هي مدينة حسنة كبيرة فيها بشر كثير ولها عمل كبير وكروم وحروث وأهلها مياسير ومنها إلى مدينة صايص ستون ميلاً وكذلك أيضاً من أنجيرش إلى مدينة بيتارش ستون ميلاً ومن أنجيرش إلى شنت ميجال التي على البحر ثمانون ميلاً ومن صايص إلى شنت ميجال سبعون ميلاً. وفي الشرق من مدينة أنجيرش إقليم أنجو وهو إقليم صغير وبه جملة قرى عامرة ومزارع كثيرة متصلة وبه من المدن مدينة طرش وتروى بالتاء ترش وهي مدينة حسنة عامرة ذات كروم كثيرة وزراعات متصلة وغلات وجبايات وافرة ومن مدينة ترش إلى بيتارش غرباً مائة ميل ومن قشتال أيضاً إلى طرش سبعون ميلاً ومن طرش إلى أليانش ستون ميلاً وهي من إقليم إفرنسية وتروى أرليانش وأليانش مدينة عامرة متحضرة ذات أسواق عامرة وصناعات دائمة ومزارع وغلات.
ومن مدن إفرنسية مدينة جالوش وهي من أليانش شرقاً وبينهما ستون ميلاً ومن أليانش إلى أشتيون التي من إقليم برغونية الإفرنجيين ستون ميلاً وهي من أليانش جنوباً ومن أليانش إلى جارترش سبعون ميلاً ومن أرلياش إلى بنطيز مائة ميل ومن جارطرش إلى بنطيز ثمانون ميلاً وجارترش من أليانش شمالاً وهي مدينة جليلة حصينة خصيبة كثيرة الخيرات غزيرة الحروثات مياهها جارية وحروثها متصلة وأسواقها عامرة وهي من إقليم إفرنسية أيضاً.

ومن مدن إفرنسية أيضاً مدينة مالص وتروى بالزاي ومن جارترش إليها شرقاً ستون ميلاً ومالص مدينة مشتملة على خيرات محتوية على بركات مياهها كثيرة وكرومها غزيرة ومزارعها متصلة وهي في نهاية من الخصب وهي وسطة أرض إفرنسية وأيضاً فإنه من مدينة مالص إلى مدينة برناي شمالاً ستون ميلاً وهي من بلاد إفرنسية وهي مدينة صغيرة. متحضرة خيراتها وافرة وأقطارها عامرة وأشجارها ملتفة وزراعاتها متصلة وخصبها كثير وكذلك من برناي إلى جارطرش السابق ذكرها غرباً سبعون ميلاً ومن جارطرش إلى أليانش ستون ميلاً. وبالشرق من مدينة جالوش مدينة رانوش وبينهما ثمانون ميلاً وهي مدينة كبيرة عامرة على نهر كثيرة الكروم والأشجار والزراعات والحبوب والمواشي وهي من قواعد البلاد تتاخم من شرقيها أرض هينو وأرض هينو صغيرة وأيضاً فإن من مدينة جارطرش المذكورة قبل هذا إلى مدينة صايص ثمانون ميلاً وهي من أرض إفرنسية ويتصل بها من جهة المغرب المانش وهي من أرض طرونية وبينهما ثلاثون ميلاً. ويلي أرض إفرنسية في جهة الجنوب من أرض برغونية الإفرنجيين وبلادها مدينة مشكون ونيفارش ودجون ولنكة وإطرويش وأشتيون فأما مشكون فقد ذكرناها فيما سلف من الإقليم الخامس ومنها شمالاً إلى مدينة نيفارش سبعون ميلاً ونيفارش مدينة جليلة مشهورة الذكر كبيرة القطر كثيرة العامر مقصد للوارد والصادر ومن نيفارش إلى ليون من أرض بربنصة بين الجنوب والغرب مائة وثلاثون ميلاً ومن بسنيس التي على طرف الجبل إلى مدينة ليون ثمانون ميلاً ومن مشكون إلى دجون وهي مدينة صغيرة متحضرة ستون ميلاً ومن دجون شمالاً إلى مدينة لنكة سبعون ميلاً ومدينة لنكة مدينة نبيلة عامرها كثير وتجائرها عامة ومصالحها ومرافقها ممكنة. ومن مشكون أيضاً إلى جنبرة شرقاً خمسون ميلاً ومن لنكة أيضاً إلى بزنشون من أرض برغونية اللمانيين ستون ميلاً ومن نيفارش أيضاً شرقاً إلى دجون خمسة وثلاثون ميلاً ودجون مدينة صغيرة متحضرة ومن دجون إلى مشكون ستون ميلاً ومن مدينة لنكة إلى مدينة أشتيون غرباً ثمانون ميلاً ومن مدينة لنكة إلى مدينة إطرويش ستون ميلاً وإطرويش قاعدة من قواعد بلاد الروم رخيصة الأسعار كثيرة الكروم والأشجار عامرها كثير وقطرها كبير ومن إطرويش في جهة الغرب إلى مدينة أشتيون ثلاثون ميلاً وأششيون مدينة جليلة ذات أسوار وحصانة زائدة وخيراتها عامة ومن مدينة إطرويش إلى أرليانش التي تقدم ذكرها من بلاد إفرنسية ستون ميلاً. ويلى أرض إفرنسية في جهة الشمال إلى ساحل البحر أرض نرمندية وبها من قواعد البلاد بياوش وإبراوش وبنطيز ورطوماغش وديابة وقام وقسطنس وبها قرى كثيرة وعمارات متصلة. فأما مدينة بياوش فهي مدينة جليلة حسنة عامرة كثيرة الخصب والخير ومنها في الشرق إلى مدينة إبراوش خمسة عشر ميلاً وإبراوش مدينة حسنة حصينة خصيبة وافرة الخيرات عامرة الجهات ومنها إلى رطوماغش ثلاثون ميلاً ورطوماغش على النهر في شرقيه وهي مدينة كبيرة مشهورة ومنها إلى ديابة على البحر عشرون ميلاً وبين رطوماغش ولزاوش أربعون ميلاً وبها يصب نهر رطوماغش في البحر ولزارش على البحر ومن لزارش إلى مدينة هنفلات على البحر يوم في جهة الشرق وهو خمسة وعشرون ميلاً وعنها شرقاً إلى مدينة ديابة أربعون ميلاً ومدينة ديابة مدينة عامرة على البحر وبها إرساء وإقلاع وإنشاء مراكب للسفر ومن مدينة هنفلات في جهة المغرب إلى مدينة طوقة على البحر ثلاثون ميلاً. ومن طوقة إلى وادي أشترهام غرباً ستون ميلاً ووادي أشترهام نهر تدخله المراكب ومنبعه يجري من نحو أربعين ميلاً ويجتاز على شرقي بياوش ويصب في البحر وبين بياوش والبحر اثنا عشر ميلاً ومن بياوش إلى مدينة قسطنس أربعون ميلاً ومن بيارش إلى شنت ميجال غرباً ستون ميلاً ومن إبراوش في جهة الشرق إلى مدينة وطرماغش خمسة وأربعون ميلاً وأيضاً فإن من مدينة بياوش إلى مدينة مالص من أرض ستون ميلاً ومن قسطانس أيضاً في البر إلى أبرنجش ثلاثون ميلاً ومن أبرنجش إلى شنت ميجال عشرة أميال شمالاً ومن أبرنجش جنوباً إلى مدينة صايص من أرض طرونية أربعون ميلاً ومن أبرنجش أيضاً إلى مدينة المانش ثلاثون ميلاً والمانش من أرض طرونية ومن إبراوش أيضاً إلى مدينة جارطرش من أرض إفرنسية خمسون ميلاً وكذلك من صايص إلى أنجيرش المتقدم ذكرها سبعون

ميلاً. وكذلك من مدينة المالز وهي مالص أيضاً إلى مدينة إبراوش خمسة وسبعون ميلاً وعلى يمين السالك من مدينة إبراوش إلى المالص مدينة برناي ومدينة برناي ومدينة مالص معاً من مدن إفرنسية وقد ذكرناهما فيما سلف من الذكر ومن رطوماغش المتقدم ذكرهاً أيضاً إلى مدينة بنطيز ثلاثون ميلاً وهي آخر أعمال نرمندية في جهة الجنوب وهي مدينة على النهر آهلة عامرة حسنة الديار كبيرة الأقطار وافرة العمار. وتتاخم أرض برغونية الإفرنجيين في جهة الشرق أرض برغونية اللمانيين ومن مدنها ومشهور قواعدها إلى غشت وجتبرة ولزنة وبشنسون وبزلة وإشبيرة وبردون. فأما مدينة أغشت فقد سبق ذكرها وهي متاخمة لجبل منت جون ومنها إلى مشكون السابق ذكرها خمسون ميلاً ومن أغشت إلى مدينة جنبرة وهي مدينة على نهر رودنو وقد سبق ذكرها خمسون ميلاً ومن جنبرة إلى مدينة لزنة شرقاً ثلاثون ميلاً ولزنة مدينة متحضرة وافرة الخيرات جامعة لأنواع التجارات قاصدها كثير وعامرها حفيل ومنها في جهة الشمال إلى مدينة بزنشون خمسون ميلاً وبزنشون مدينة متوسطة المقدار حسنة المباني والديار مياهها كثيرة وأقاليمها معمورة وبها صناعات قائمة وأسواق مربحة دائمة ومنها إلى مدينة بردون شمالاً ستون ميلاً وبردون مدينة كثيرة العمارة لها صنائع دائمة وتجارات ولها كروم كثيرة وأشجار مثمرة وحروث جمة. ومن بزنشون إلى مدينة بزلة شرقاً خمسون ميلاً وبزلة يزعم قوم أنها من أرض اللمانيين وقوم يقولون إنها من أرض برغونية وهي قصر كبير وبلد عامر كثير ومن بزنشون إلى مدينة ماص ثمانون ميلاً ومن بزلة إلى بردون سبعون ميلاً بين شمال وغرب ومن بزلة إلى إشبيرة خمسون ميلاً ومدينة إشبيرة على نهر رين وهي كبيرة عامرة وكذلك بزلة على غربي هذا النهر أيضاً وبين إشبيرة وبردون غرباً أربعون ميلاً وبرغونية اللمانيين ولاتها وعمالها تحت طاعة اللماني وهو جابيها وحاميها. ويلي برغونية اللمانيين في جهة الشمال أرض لهرنكة وهي أرض صغيرة لكنها عامرة بالقرى والحروث المتصلة والمواشي والخيرات ومن مدنها ماص و لياج وقمراي. فأما مدينة ماص فإنها مدينة حسنة كبيرة منخرقة سكانها إلى هلوها وفيها صناعات وآلات يتصرفون فيها وبين مدينة ماصة ومدينة بردون ثلاثون ميلاً. ومن مدينة ماص أيضاً إلى لياجة مائة ميل ومدينة لياجة مدينة حسنة في جزيرة من النهر والنهر قد أحاط بها من كل ناحية وبها أسواق وصناعات كافية ومن مدينة لياجة بين شمال وغرب إلى مدينة قمراي سبعون ميلاً ومدينة قمراي على غربي نهر أرين وهي كبيرة القطر فسيحة العمارة ومن مدينة لياجة إلى مدينة رايص في جهة الغرب مائة ميل ومن مدينة رايص شمالاً إلى مدينة ميوش وتروى بالزي ميوز وبالصاد ميوص معاً ستون ميلاً. وتتصل بأرض لهرنكة أرض إفلاندريش وهي تتصل بالبحر من جهة شمالها ومن مدنها بوبش وإبريز وبنطيز وجيجبرش والرايز ووادي شنت وولرين وروة وبرت وإطريز. فأما مدينة رايش فدينة جليلة عامرة بالناس والتجار والصناع والفعلة ولها أقاليم وأعمال كثيرة متصلة وهي في غربي مدينة لياجة ومن رايص إلى ميوص شمالاً ستون ميلاً ومن ميوص إلى مدينة بوبش ستون ميلاً وبوبش مدينة من مدن الروم القديمة المذكورة وقاعدة من قواعدها المشهورة وهي كثيرة الكروم والبساتين والعمارات والمياه ومنها إلى إبريز سبعون ميلاً وإبريز مدينة متوسطة المقدار كثيرة الكروم والأشجار وهي في جزيرة من نهر صينو والنهر يطيف بها من كل جهة وهي كاملة الحسن منيعة الحصن ومن إبريز إلى مالص جنوباً أربعون ميلاً ومن مدينة إبريز وتروى بالشين إبريش إلى مدينة بوبش في جهة الغرب مائلاً إلى الجنوب تسعون ميلاً ومن مدينه إبريش إلى مدينة بنطيز على النهر ثلاثون ميلاً أو نحوها. وبنطيز مدينة صغيرة لكنها متحضرة بتجارات متحركة وصناعات مفتعلة وغلات متصلة وهي على شرقي نهر صينو المتقدم ذكره ومن بنطيز إلى بوبش شرقاً خمسون ميلاً ومن مدينة بنطيز مع النهر إلى مدينة جيجيرش خمسة وعشرون ميلاً وهي مدينة حسنة صغيرة كاملة المعاني ومن جيجيرش إلى الراين شرقاً ثمانون ميلاً ومن جيجيرش إلى مدينة رطوماغش غرباً ثلاثون ميلاً ورطوماغش من بلاد نرمندية والرايز مدينة كبيرة عامرة الديار منفسحة الأقطا ر. ومنها إلى مدينة وادي شنت ثمانون ميلاً وهي مدينة صغيرة جداً

على ضفة البحر ومن هذه المدينة تركب المراكب الداخلة إلى جزيرة إنقلطارة وبينها وبين الساحل مجاز طوله خمسة وعشرون ميلاً وهي الجزيرة العظمى التي في بحر الظلمات وسنذكرها ونذكر جميع بلادها وعماراتها عند ذكر الإقليم السابع بحول الله تعالى ومن بوبش إلى قمراي وهي مدينة في أرض إفلاندرش من جهة المشرق ستون ميلاً. ونرجع فنقول ومن شاء سار من وادي شنت إلى وادي روة ستين ميلاً على البحر ومن وادي روة إلى حصن ولرين على البحر ثلاثون ميلاً غرباً ومن ولرين إلى برت إطريز وهي مدينة على البحر غرباً خمسة وعشرون ميلاً ومن برت إطريز إلى مدينة ديابة المتقدم ذكرها في بلاد نرمندية خمسة وعشرون ميلاً وجملة ما ذكرناه من هذه البلاد هي في طاعة ملك إفرنسية. ويلي أرض إفلاندرش في جهة المشرق أرض لبان وهي مما يلي الساحل ومن مدنها طرناي وقنط وقمراي إبرجس وشنت مير وهي أرض خصيبة مباركة وبها قرى وعمارات ترجع منافعها إلى هذه البلاد المذكورة ويتصل بهذه الأرض من جهة شرقيها إلى رض إفريزية وتتصل من جهة جنوبها بأرض لهرنكة. وأعظم قواعد مدنها المذكورة مدينة قنط وهي مدينة جليلة على غربي نهر أرين وهي كثيرة الديار وافرة العمارة فرجة الأمكنة ذات كروم وأشجار وغلات قائمة ومن هذه المدينة إلى البحر في جهة الشمال خمسة وثلاثون ميلاً ومن قنط إلى مدينة صقلة ثمانون ميلاً في جهة الشرق ومدينة صقلة وتروى شكلة أيضاً من بلاد إفريزية وسنذكرها بعد هذا بحول الله تعالى ومن مدينة قنط إلى مدينة طرناي بين غرب وجنوب ثلاثون ميلاً وهي مدينة متحضرة حسنة وعليها أقاليم وقرى وعمارات ومن مدينة طرناي إلى مدينة أتريغوس في جهة الشرق أربعون ميلاً وهي مدينة أسفل لياجة على النهر وفوق مدينة قحط وهي على ضفة نهر أرين ومن قنط إلى أتريغوس المذكورة خمسون ميلاً جنوباً ومن مدينة أتريغوس إلى أستريك وهي مدينة من مدن اللمانية في جهة الشرق والشمال مائة ميل ومن أتريغوس إلى مدينة قمراي أربعون ميلاً ومن مدينة قمراي إلى مدينة أستريك أيضاً مائة ميل وخمسة وعشرون ميلاً بين شرق وشمال ومن مدينة قمراي أيضاً إلى مدينة لؤونس غرباً ستون ميلاً ولؤونس تقدم ذكرها في أرض إفلاندرش. ومن مدينة قنط إلى مدينة إبرجس غرباً خمسة عشر ميلاً وهي مدينة متوسطة متحضرة كثيرة المرافق رخيصة الأسعار متصلة الكروم والحروث والخيرات ومن إبرجس إلى صنقلة على البحر شمالاً ثلاثون ميلاً وصنقلة قرية عامرة على ضفة نهر في نهر جون يعرف بجون صنقلة ومن وادي صنقلة إلى وادي شنت المتقدم ذكره غرباً ستون ميلاً ومن وادي شت في البر جنوباً إلى مدينة الرائز ثلاثون ميلاً ومن الرائز إلى إبرجس مائة وستون ميلاً وإبرجس من الرائز شرقاً ومن إبرجش إلى شنت مير وهي مدينة صغيرة خمسة وعشرون ميلاً ومن مدينة شنت مير إلى مدينة طرناي السابق ذكرها خمسة عشرميلاً. ويلي أرض لبان في جهة الجنوب أرض اللمانيين ويحيط بها من جهة المغرب أرض لهرنكة وأرض برغونية اللمانيين ويليها في جنوبها أرض صوابة وأرض بابير ويليهما من جهة المشرق أرض شصونية وبعض بلاد إفريزية ومن مشهور بلادها بزلة وإشبيرة وفرميزة وميانصة وإبرنكبرده وقاسلة وقلونية وأستريك وهربرد وبنسة. فأما مدينة بزلة فقد ذكرناها وقلنا إنها من برغونية اللمانيين ويقال أيضاً إنها من بلاد اللمانيين وهي قطر كبير حسن ومنها إلى مدينة إشبيرة ستون ميلاً وإشبيرة على نهر رين وبغربيه ومن مدينة بزلة إلى مدينة ألمة مائة ميل وستون ميلاً شرقاً وألمة من بلاد صوابة وسنذكرها في موضعها بحول الله ومن ألمة إلى أوزبرك من إقليم صوابة ثلاثون ميلاً ومن إشبيرة إلى مدينة فرميزة ثلاثون ميلاً ومدينة فرميزة مدينة حسنة على ضفة النهر المسمى رين جليلة الديار فسيحة الأقطار كثيرة العمارات قائمة الجبايات. ومن قواعد بلاد اللمانية مدينة ميانصة وهي مدينة جليلة عامرة كثيرة الزراعات وافرة الغلات ومنها إلى مدينة فرميزة ثلاثون ميلاً جنوباً وبها يقع نهر مورين في نهر رين. ومن مدينة ميانصة إلى مدينة قلونية ستون ميلاً بين شمال وشرق ومدينة قلونية مدينة على غربي نهر رين كبيرة القطر عامرة الجوانب متصلة الزراعات قائمة الغلات. ومن مدينة قلونية إلى مدينة أستريك مائة ميل شمالاً وأستريك على نهر رين وفي الضفة الغربية منه وهي

مدينة حسنة ظاهرة العمارة وافرة التجارة حسنة الأبنية واسعة الأفنية كثيرة الكروم والشجر والمواشي والحيل والعدة وفي أهلها عزة أنفس وجلادة وحزم وأستريك متاخمة لأرض إفريزية. ومن مدينة ميانصة إلى قاصلة سبعون ميلاً شرقاً وقاصلة متوسطة أرض اللمانية ومن مدينة قلونية إلى قاصلة سبعون ميلاً وكذلك من مدينة ميانصة إلى برنقبرذة أربعون ميلاً شرقاً ومن قلونية إلى برنقبرذة جنوباً ستون ميلاً وكذلك من مدينة برنقبرذة إلى مدينة قاصلة ثلاثون ميلاً شرقاً. ومن مدينة قاصلة إلى مدينة هربرد سبعون ميلاً شرقاً ومدينة هربرد مدينة تتاخم أرض شصونية وهي مدينة عظيمة عامرها كثير ومالها غزير وزراعاتها متصلة غير منفصلة. وكذلك من مدينة هربرد إلى مدينة بنصة جنوباً مغرباً ستون ميلاً ومن هربرد إلى مدينة قاصلة سبعون ميلاً ومن مدينة قاصلة إلى مدينة بنصة خمسة وأربعون ميلاً وكذلك من مدينة فرميرة المتقدم ذكرها إلى مدينة بنصة سبعون ميلاً شرقاً ومدينة بنصة مدينة كبيرة عامرة خصيبة حصينة كثيرة الزرع والضرع وأهلها أنجاد في الحروب ولهم عدة واستعداد وهي دار مملكة اللمانيين. وأرض شصونية وأرض بلونية وأرض بوانية وأرض قلنطارية وأرض أكلاية وأرض إبرنصية وإقليم دسقانة وأرض إفريزية وأرض بابير وأرض صوابة وأرض لهرنكة ولوبانية وأرض بربان و أرض هينو وأرض برغونية اللمانيين جميعها تحت طاعة ملك اللمانية وهي خمسة عشر أرضاً وأيضاً فإن أرض إفلندريش وأرض إفرنسية وأرض برغونية الإفرنجيين وأرض نرمندية وأرض برطانية وأرض ماينة وأرض أنجو وأرض طرونية وأرض بري وأرض البرنية وأرض بيطو وغشكونية وبربنصة كل هذه الثلاث عشرة أرضاً هي تحت طاعة ملك الإفرنج وبلاد الإفرنج أخصب من بلاد اللمانيين وأنفع غلات وأحسن حالات وأغزر ثمارات. فأما ارض قرنطارة فهي أرض صغيرة ومن بلادها المشهورة وقواعدها المذكورة إكريزا فأما مدينة إكريزا فهي تتاخم جبل منت جون وهي خلف نهر دروة وهي مدينة متوسطة متحضرة لها إلى سواق وفيها تجارات وبها خيرات وكروم ولها إلى غنام ومواش كثيرة وأرزاق وغلات ومنها في جهة الشمال إلى مدينة ألمة خمسون ميلاً وألمة مدينة كبيرة متحضرة لها أسواق وفيها تجارات وبها خيرات وافرة. ومن مدينة إكريزاً إلى مدينة أسكنجة خمسة وثلاثون ميلاً بين شمال وغرب ومدينة أسكنجة مدينة كبيرة تتاخم طرف جبل منت جون ويخرج نهر دنو بمقربة منها وعلى اثني عشر ميلاً وذلك ما بين أسكنجة والجبل ومدينة أسكنجة على ضفة النهر من الناحية الشرقية وهي حسنة البقعة فسيحة الرقعة عامرة الديار نزهة البساتين كثيرة العيون والأنهار وهي من أرض قرنطارة وتجاور أرض صوابة. فأما ارض صوابة فن مدنها المة وأوزبرك وبزلة وإشبيرة وهي أرض صغيرة الطول والعرض لكنها إلى رض عامرة كثيرة الخصب ومن أسكنجة إلى مدينة بزلة المتقدم ذكرها مائة ميل وبزلة يقال إنها من بلاد اللمانية كما بيناه قبل هذا ومن مدينة ألمة إلى مدينة أوزبرك ثلاثون ميلاً وهي مدينة عامرة القطر كثيرة الخيرات متصلة الزراعات وهي على نهر دنو ومنها إلى مدينة بتزوة وتروى بتصوة بالصاد ثمانون ميلاً ومدينة بتصوة مدينة كبيرة كثيرة العمارات فرجة الديارات ذات أسواق وصناعات ومياه جاريات وغلات دائمة وتجارات قائمة ومن مدينة بتصوة إلى مدينة بنصة التي من بلاد اللمانية مائة ميل وقد ذكرنا بنصة فيما صدر من الكلام وكذلك من مدينة أوزبرك إلى مدينة بنصة أيضاً مائة ميل ومن مدينة أوزبرك إلى مدينة إفرنقبرذ على نهر موين التي من أرض اللمانية سبعون ميلاً وقد قدمنا ذكرها. وكذلك من أوزبرك إلى مدينة رنج برك ستون ميلاً ورنج برك مدينة من مدن أرض بابير وتروى بافير كثيرة الدور عامرة القطر متصلة الغراسات والكروم وموضع هذه المدينة بجنوب نهر دنو وأرض بابير أرض كبيرة لها قرى وعمارات وقلاع كثيرة ومن مشهور بلادها رنج برك ويقال رينش برك ومدينة بتصوة ومدينة أنززقرطة وغرمايشة وهذه الأرض محيط بها من شرقيها أرض بوامية وبغربها صوابة وبجنوبها قرنطارة وبشمالها اللمانية وهي أرض جليلة كثيرة الخيرات مشهورة البركات ومن مدينة رنج برك إلى مدينة بتصوة سبعون ميلاً شرقاً ومن بتصوة إلى أنززقرطة ستون ميلاً وهي مدينة كبيرة عامرة كثيرة الدخل والخرج متصلة العمارة كثيرة المياه والأنهار

والبساتين والكروم والأشجار ومن مدينة غرمايشة إلى مدينة بنصة بين شمال وغرب سبعون ميلاً ومدينة بنصة من أرض اللمانية وقد تقدم ذكرها فيما مضى من الذكر. ومن مدينة غرمايشة إلى ويانة شرقاً ستون ميلاً وهي من أرض بوامية وتروى بوابية بالباء وأرض بوابية هذه أرض طويلة عريضة عماراتها متصلة وبلادها كثيرة وخيراتها واسعة فمن مدنها وقواعد بلادها جيك لبوكة وشبرونة وويانة وماصو وتروى باصو وماشلة وأقراقطة ومدينة أستركونة وهذه البلاد كلها من عمالة اللماني وتحت طاعته وهو القائم بجبايتها وحمايتها والأمر في ملوكها بما شاء من شائع أوامره يولي ويعزل ويفعل ما يختار من غير مضاد لأمره ولا معاند لحكمه. وأشهر مدن بوامية مدينة أستركونة وهي قاعدة بلاد بوامية وأعظمها قطراً وأوسعها عمارة وأكثرها بشراً وأعمها خيراً وهي دار المملكة ومدار الرياسة لملوك بامية ومن مدينة أستركونة وتروى أسترغونة بالغين إلى مدينة جيك لبوكة غرباً مع شمال ثمانون ميلاً ومدينة جيك لبركة مدينة حسنة قائماً بجميع منافعها وبها أسواق للتجارات وأقاليم متصلة العمارات ومياهها وفواكهها عامة وخصبها دائم وكرومها وأشجارها كثيرة ومن مدينة جيك لبوكة إلى مدينة شبرونة ستون ميلاً شرقاً وكذلك من مدينة شبرونة إلى مدينة أستركونة جنوباً ثمانون ميلاً ومدينة شبرونة مدينة جليلة كبيرة كثيرة المياه والمزارع عامرة الأسواق والشوارع ديارها عالية ومتنزهاتها سامية وهي في مستو من الأرض خصيبة وبينها وبين النهر عشرون ميلاً ومن مدينة شبرونة إلى مدينة ويانة جنوباً أربعون ميلاً وكذلك من ويانة إلى مدينة غرميشة السابق ذكرها أربعون ميلاً غرباً ومن ويانة إلى مدينة أستركونة خمسون ميلاً جنوباً وويانة في شرقي نهر دنو وأستركونة في شرقي النهر ومن أستركونة شرقاً إلى باصو أربعون ميلاً وباصو مدينة كبيرة وسنذكرها في موضعها ومن باصو إلى شبرونة ثمانون ميلاً بين شرق وجنوب ومن شبرونة إلى أستركونة ثمانون ميلاً. ومن أسترغونة إلى مدينة بلغرابة ثلاثون ميلاً في جهة الجنوب ومدينة بلغرابة من مدن أرض قرنطارة وأرض قرنطارة مجاورة لأرض أنكلاية من جهة المغرب ويحيط بها من جهة جنوبها بلاد البنادقة ومن جهة الشرق أرض أنكرية ومن جهة الشمال أرض بوامية المتقدم ذكرها وأرض قرنطارة هي بين نهر دنو ووادي ذروة ومن بلادها وقواعد مدنها بزوارة وبوزانة ونيطرم وبلغرابة وسيقلاو وبوزة وكل هذه بلاد تجاور بلاد البنادقة وربما كانت بينهم حروب شديدة لا ينفكون عنها ومن البلاد التي تجاور البنادقة من أرض قرنطارة مدينة بيلو وهي على نهر ذروة في الضفة الجنوبية ومدينة بوزة وهما مدينتان متقاربتان في القدر والكبر وكثرة العمارة ولهما حروث وزروع وغلات وبين بيلو وبوزة خمسة أيام في جهة الشرق وكذلك من بوزة إلى مدينة سيق لاو ثلاثة أيام ومدينة سيق لاو على ضفة النهر في الجانب الجنوبي وهي مدينة كبيرة حسنة ذات عمارة وأسواق وخير شامل وبجبالها معادن الحديد الجيد المعدوم المثال الذي لا يبلغ جودته حديد غيره في القطع والرطوبة ومن مدينة بوزة إلى مدينة شبرونة شمالاً ثلاثة أيام وكذلك من مدينة بوزة إلى مدينة جيك لبوكة ثلاثة أيام شمالاً مع غرب وكذلك من جيك لبوكة إلى شبرونة ستون ميلاً وكذلك من مدينة شبرونة إلى مدينة أستركونة ثمانون ميلاً. ويلي أرض اللمانية من جهة شمالها إلى رض إفريزية ومن جهة المغرب أرض لوبان ومن جهة المشرق أرض شصونية ومن شمالها البحر المظلم ومن مدن أرض إفريزية سيكلة وشوزاص وأكروننجة وبرنة وهي بلاد تتقارب مقاديرها وتتساوى عماراتها وهي بلاد حسنة. فأما مدينة صيكلة فإنها مدينة كبيرة في وطاء من الأرض حسنة الجهات متصلة العمارات كبيرة الأسواق والتجارات وهي متوسطة أرض إفريزية ومنها إلى مدينة أستريك غرباً ثمانون ميلاً وكذلك من مدينة سيكلة إلى مدينة شوزاص ثمانون ميلاً ومدينة شوزاص مدينة كبيرة عامرة أسواقها حسنة وديارها عامرة وكرومها وأشجارها كثيرة وأيضاً فإن من مدينة سيكلة إلى أكرننجة سبعون ميلاً ومن أكرننجة إلى برنة على البحر سبعة أميال ومدينة برنة على البحر وهي مدينة عامرة كثيرة الديار والكروم والحروث ومن مدينة برنة إلى موقع نهر رين في جهة الغرب ثمانون ميلاً وبين هذا الذراع والذراع الثاني ثمانون ميلاً

غرباً ومن مدينة أكروننجة إلى مدينة قلونية مائة ميلاً ومن مدينة برنة في جهة المشرق إلى مدينة وزرة مائة ميل ووزرة من أرض شصونية وسنذكر أرض شصونية في موضعها بعد هذا بحول الله تعالى ومن مدينة شوزاص إلى مدينة ذولبرلة ستون ميلاً جنوباً وذولبرلة مدينة حسنة في سفح جبل وبها مياه جارية ومزارع وغلات ومن مدينة ذولبرلة إلى مدينة سيكلة سبعون ميلاً وسنذكر بلاد شصونية بعد هذا الجزء بعون الله تعالى . ونقول أيضاً إلى ن جزيرة إنقلطارة التي في البحر الكبير المظلم يجتاز إليها ويدخل من جون صنقلة المتقدم ذكره وهي جزيرة كبيرة جداً بها بلاد عامرة وحصون وقلاع وقرى ومزارع وأودية وأنهار وجبال ووهاد وأرض غير مسكونة. وقد أحاط هذا الجزء الذي نحن فيه وتكلمنا عليه ووصفنا أراضيه وقواعد البلاد منه بجزء من هذا الجزيرة المسماة إنقلطارة وما على ساحلها من قواعد بلادها المسكونة في الجانب الجنوبي منها وهي مدينة سهستار وغرهم وهنتونة وشرهام وهستينكش ودبرس وجرنموده ونرغيق وأغريمس ولوندرس وغركة فرت وعونسترة وبلاد أخر غير هذه مما لم تقع مواضعها في هذا الجزء وسنذكر الكل من هذه الجزيرة بمدنها وجميع أرضها وجبالها وأنهارها في موضعها من الإقليم السابع حيث يأتي موضع الجزيرة إن شاء الله تعالى وبه التسديد والتوفيق. نجز الجزء الثاني من الإقليم السادس والحمد لله ويتلوه الجزء الثالث منه إن شاء الله.أكروننجة إلى مدينة قلونية مائة ميلاً ومن مدينة برنة في جهة المشرق إلى مدينة وزرة مائة ميل ووزرة من أرض شصونية وسنذكر أرض شصونية في موضعها بعد هذا بحول الله تعالى ومن مدينة شوزاص إلى مدينة ذولبرلة ستون ميلاً جنوباً وذولبرلة مدينة حسنة في سفح جبل وبها مياه جارية ومزارع وغلات ومن مدينة ذولبرلة إلى مدينة سيكلة سبعون ميلاً وسنذكر بلاد شصونية بعد هذا الجزء بعون الله تعالى . ونقول أيضاً إلى ن جزيرة إنقلطارة التي في البحر الكبير المظلم يجتاز إليها ويدخل من جون صنقلة المتقدم ذكره وهي جزيرة كبيرة جداً بها بلاد عامرة وحصون وقلاع وقرى ومزارع وأودية وأنهار وجبال ووهاد وأرض غير مسكونة. وقد أحاط هذا الجزء الذي نحن فيه وتكلمنا عليه ووصفنا أراضيه وقواعد البلاد منه بجزء من هذا الجزيرة المسماة إنقلطارة وما على ساحلها من قواعد بلادها المسكونة في الجانب الجنوبي منها وهي مدينة سهستار وغرهم وهنتونة وشرهام وهستينكش ودبرس وجرنموده ونرغيق وأغريمس ولوندرس وغركة فرت وعونسترة وبلاد أخر غير هذه مما لم تقع مواضعها في هذا الجزء وسنذكر الكل من هذه الجزيرة بمدنها وجميع أرضها وجبالها وأنهارها في موضعها من الإقليم السابع حيث يأتي موضع الجزيرة إن شاء الله تعالى وبه التسديد والتوفيق. نجز الجزء الثاني من الإقليم السادس والحمد لله ويتلوه الجزء الثالث منه إن شاء الله.
الجزء الثالث.

إن الذي تضمن هذا الجزء الثالث من الإقليم السادس بقية من أرض بؤامية وإقليم أنكرية وإقليم بلونية وإقليم شصونية وإقليم رمانية. فأما اقليم بؤامية ففيه من البلاد المشهورة باصو وأقراه وأبية وبطش. وفيه من بلاد قرنطارة سيق لاوش وبذوارة وبلغراتة وأستركونة وشبرونة وغرماسية وتيتلوس ونيطرم وإفرنك بيلة وأرينية. وفيه من بلاد أنكرية هنقبر وشنت وبقصين وجرنغراتة وقاون وار وبلغردون وأفرنيسفا وتنيسبر ووالبة. وفيه من بلاد شصونية هربرد ووذنبركة ونيون برك وهالة ومشلة. وفيه من بلاد بلونية زامتق وإقراقو وجنازنة وبرتيصلابة ورمسلي. وها نحن أواصفون خبارها مثل ما سبق لنا من قبل بحول الله فنقول إن مدينة بلاح من أرض قرنطارة على نهر دروة وهي مدينة حسنة كثيرة الأقاليم والأقطار غزيرة المياه والأنهار وقد تقدم لنا ذكرها بما هي عليه قبل هذا. ومنها إلى مدينة بلغراتة في جهة الشمال سبعون ميلاً ومدينة بلغراتة على بعد من النهر المذكور وهي في ذاتها حسنة جليلة عامرة ذات سور حصين وأسواق عامرة وصناعات قائمة وتجارات متصرفة ومرافق كثيرة ومزارعها طيبة كثيرة الحبوب والقطاني. ومن مدينة بلغراتة إلى مدينة بوزانة على نهر دنو خمسة وثلاثون ميلاً وهي مدينة متوسطة عامرة متحضرة بها أشياء ممكنة ومرافق قائمة وعمارات متصلة. ومن مدينة بوزانة إلى مدينة بذوارة ستون ميلاً وبذوارة على نهر دنو وبين بوزانة وبذوارة يقع نهر دروة في نهر دنو وبموزانة آخر بلاد قرنطارة. وكذلك أيضاً من مدينة بلغراتة إلى مدينة أستركونة ثلاثون ميلاً ومن مدينة بذوارة المتقدم ذكرها إلى مدينة نيطرم في جهة الشمال سبعون ميلاً. وكذلك أيضاً من مدينة بوصانة إلى نيطرم سبعون ميلاً في جهة الشرق مع الشمال وذلك أن نهر دنو يمر من مدينة بوصانة في جهة الجنوب ثم يستقيم جريه شرقاً إلى مدينة بذوارة فيجتاز بشمالها ونيطرم مدينة عامرة متحضرة كبيرة القطر في مستو من الأرض ولها مياه جارية ومزارع نامية وأحوال سامية وخيرات كاملة ولها كروم وعمارات. ومن مدينة نيطرم إلى مدينة أقرة في جهة الشمال أربعون ميلاً ومدينة أقرة من أرض بؤامية. ويخرج من أرض بؤامية نهران يمران في جهة المغرب ويسيران بتأريب

إلى الجنوب فيصبان في نهر دنو بمقربة من بوزانة ويخرج هذان النهران من جبل يسمى ببلواك وهو جبل حاجز بين بلاد بؤامية وبلاد بلونية فيمر النهران مفترقين ثم يجتمعان فيسيران واحداً ثم يصب في نهر دنو كما وصفنا. وعلى هذين النهرين مدينتا أقرة وبطش وبطش مدينة صغيرة لكنها عامرة ولها أقاليم ورساتيق كثيرة. ومن أقرة إلى مدينة بطش أربعون ميلاً بين شرق وشمال ومن أقرة في جهة الشرق إلى مدينة أرينية ثمانون ميلاً وهي مدينة صغيرة عامرة. ومن أرينية إلى مدينة بقصين على نهر دنو في جهة الجنوب ستون ميلاً وبقصين مدينة مشهورة وفي عديد القواعد القديمة مذكورة وبها أسواق ومتاجر وصناع وعلماء إغريقيون ولهم مزارع وجهات عامرة وسعرها إلى بداً محطوط لكثرة الحنطة عندهم. وأيضاً فإن من مدينة بقصين إلى مدينة قاون ستون ميلاً في جهة الشرق ومدينة قاون مدينة كبيرة عامرة على نهر دنو وبها أسواق وصناعات وكذلك من مدينة أقرة المتقدم ذكرها إلى مدينة قاون مائة ميل وستون ميلاً. وأيضاً فإن من مدينة أقرة إلى مدينة باصو المذكورة في جهة المغرب مع جنوب ثمانون ميلاً ومدينة باصو من أرض بؤامية. ومن باصو إلى مدينة مشلة وتروى مشلة مائة ميل وخمسون ميلاً وهي مدينة حسنة كثيرة المزارع والثمرات واسعة الأقاليم والجهات متصلة العمارات ذات أسوار حصينة وأسواق عامرة. وأيضاً فإن من مدينة سيق لاوش السابق ذكرها في جهة المشرق إلى مدينة إفرنك بيلة ثمانون ميلاً وإفرنك بيلة مدينة كبيرة حسنة برية شرب أهلها من العيون والآبار وبها خيرات كثيرة ونعم شاملة وافرة والغالب على أهلها البداوة. ومن مدينة إفرنك بيلة بين شرق وشمال إلى مدينة أبرندس خسون ميلاً وأبرندس مدينة متحضرة لها إلى سواق وعمارات كثيرة وهي في أسفل جبل وموضعها في وطاء من الأرض ومنها إلى مدينة قاون التي على نهر دنو سبعون ميلاً. وكذلك من مدينة أبرندس إلى مدينة بقصين مثل ذلك سبعون ميلاً ومدينة بقصين من مدينة قاون في ناحية الغرب وقاون وبقصين مدينتان جليلتان عامرتان كثيرتا الداخل والخارج وهما حاضرتا بلاد أنكرية وأكثرها عمارة وأوفرها إلى موالاً وضياعاً. ثم نرجع أيضاً فنقول إن من مدينة بذوارة السابق ذكرها إلى مدينة تيتلوس على النهر في جهة المشرق خمسة وسبعون ميلاً ومن مدينة تيتلوس إلى مدينة بقصين خمسة وسبعون ميلاً ومدينة تيتلوس في الضفة الشمالية من النهر وهي عامرة كثيرة الخلق وأهلها إلى هل أموال جسام ونعم وأنعام. وأهل هذه الناحية كلها إلى عني أهل بلاد أنكرية أهل حرث وكسب وقدرة على العمارة ولها أقاليم وقرى عامرة وهي تتاخم أرض إسقلونية. وأكثر بلاد إسقلونية في وقتنا هذا تغلبت البنادقة عليها وملكت أمرها وكان أكثرها قبل هذا في طاعة ملك أنكرية فاغتصب فيها. وأيضاً فإنا نقول إن من مدينة تيتلوس في جهة الجنوب إلى مدينة إفرنك بيلة ميلاً ومن إفرنك بيلة إلى مدينة قاون مائة ميل ومن مدينة إفرنك بيلة أيضاً في جهة الغرب مع الجنوب إلى مدينة أقولية من أرض إسقلونية سبعون ميلاً ويقال إن أقولية تتاخم أرض إسقلونية. وكذلك من أقولية إلى مدينة سيق لاوش أيضاً سبعون ميلاً وأقولية من أرض إسقلونية ذات أقاليم واسعة وخيرات مجتمعة وهي في حضيض جبل متحصنة من غارات ومن أقولية إلى مدينة بلاح تسعون ميلاً ومن مدينة بلاح إلى مدينة بلغراتة ستون ميلاً وكذلك من مدينة بلاح إلى إفريزاك خمسون ميلاً غرباً ومن إفريزاك إلى مدينة رنج برك التي من أرض بابير مائة ميل وإفريزاك وبلاح وأقولية تتاخم أرض قرنطارة. ومن مدينة إفرنك بيلة إلى أبرندس خمسون ميلاً ومن أبرندس إلى مدينة بانية التي على نهر لينة خمسة وسبعون ميلاً وهي مدينة صغيرة متحضرة متحصنة على النهر ونهرها يصب بين مدينة قاون ومدينة بلغردون. ومن مدينة بانية أيضاً إلى مدينة أبلانة تسعون ميلاً وهي مدينة عامرة ومن أبلانة إلى مدينة ربنة مائة ميل وعشرون ميلاً وربنة مدينة كبيرة عامرة. ومن أبلانة أيضاً في جهة الجنوب إلى مدينة غانل أربعة أيام وهي مدينة تغلبت البنادقة على أرضها فأخربتها وهي على نهر كبير يمر منها حتى يجتاز على مدينة نيسو وبينهما في البر أربعة أيام وفي النهر يومان. ومن نيسو إلى مدينة ربنة خمسون ميلاً ومن مدينة بانية إلى مدينة بلغردون في جهة الشمال خمس

مراحل ومن مدينة بانية إلى مدينة قاون مائة ميل. وكذلك من قاون إلى مدينة بلغردون سبعون ميلاً وهي في البر مرحلتان كبيرتان جداً وفي النهر أقل من ذلك ومدينة بلغردون مدينة عامرة بها بشر كثير وكنائس معظمة. ومنها إلى مدينة أفرنيسفا خمسة وسبعون ميلاً وفي النهر يومان وإفرنيسفا مدينة عامرة كبيرة. وأيضاً فإن من مدينة بلغردون إلى مدينة ربنة مائة وخمسون ميلاً في البرية ومن ربنة إلى مدينة أفرنيسفا مرحلتان كبيرتان ويقال إنها مائة ميل وهي مدينة في مستو من الأرض عامرة القطر كثيرة الداخل والخارج رخيصة الأسعار دائمة الغلات مياهها جارية وأقاليمها واسعة وتجاراتها دائمة وخيراتها مشتملة وهي من مدن مقذونية. ومنها إلى مدينة نيسو خمسون ميلاً ونيسو من مدن مقذونية أيضاً وسنصف باقي أرض مقذونية فيما يأتي بعد هذا بحول الله وقوته فنقول إن الطريق من مدينة قاون إلى أرض أنكرية يؤخذ مع الشمال وأكثر بلاد أنكرية إنما هي على نهر شنت ونهر تيسيا وهذان النهران يخرجان معاً من جبل كركو وهو الحاجز بين بلاد أنكرية وبلونية وأرض المجوس فيجريان معاً إلى ناحية المغرب ثم يجتمعان على مسير ثمانية أيام من منابعهما ويصيران نهراً واحداً ثم يمر إلى جهة الجنوب مقدار ثمانية أيام فيصب في نهر دنو ما بين مدينة بقصين ومدينة قاون. ومن مدينة قاون إلى شنت أربعة أيام وهي في غربي النهر وهي مدينة عامرة حسنة متحضرة. ومنها مع النهر إلى مدينة جرنغراتة ثلاث مراحل وهي مدينة كبيرة عامرة بها أسواق وخيرات شاملة. ومنها أيضاً مع النهر إلى مدينة تنيسبر أربع مراحل وهي مائة وعشرون ميلاً وتنيسبر مدينة حسنة كثيرة الخيرات على جنوب نهر تيسيا. ومن أراد سار من مدينة جرنغراتة إلى مدينة والبة خمس مراحل يخرج من المدينة إلى مصب نهر تيسيا مرحلة كبيرة ويصعد مع نهر شنت أربع مراحل إلى مدينة والبة وهي مدينة قائمة الذات عامرة على نهر شنت من شماله. ومن مدينة والبة إلى مدينة تنيسبر في جهة الجنوب أربع مراحل كبار في عمارات ومزارع وخصب وهذه المراحل بين النهرين معاً. ومن مدينة والبة إلى مدينة هنقبر في ناحية الغرب خمس مراحل ومدينة هنقبر كبيرة عامرة تتاخم أرض بلونية. وأرض بلونية بلاد العلماء وطلاب العلم بها كثير من الروم القاصدين إليها من سائر الآفاق وبلادها عامرة كثيرة البشر. ومن مدنها مدينة إقراقو وهي مدينة حسنة كثيرة الديار والعمار والأسواق والكروم والجنات ومنها غرباً مع جنوب إلى مدينة مشلة مائة وثلاثون ميلاً ومدينة مشلة مدينة حسنة متحضرة ومنها أيضاً إلى مدينة بطس خمسة أيام جنوباً. ومن مدينة إقراقو إلى مدينة جنازنة مائة ميل وهي من إقراقو شرقاً وهي مدينة عامرة حسنة ومن مدينة جنازنة إلى مدينة رتصلابة ستون ميلاً ومن مدينة رتصلابة إلى رمسلي من أرض سدمارة مائة ميل. ومن مدينة إقراقو أيضاً إلى مدينة هالة في جهة الغرب مائة ميل وهي من أرض شصونية وهالة مدينة كبيرة جامعة عامرة. وكذلك من مدينة إقراقو إلى نيون برك مائة ميل ونيون برك من أرض شصونية أيضاً وبين كحالة ونيون برك أربعون ميلاً ومن نيون برك إلى مدينة وزنبركة غرباً ستون ميلاً وهي مدينة جليلة. ومن مدينة نيون برك في جهة الجنوب إلى مدينة قزلارة مائة ميل وهي أربع مراحل ومن مدينة قزلارة في جهة الغرب إلى مدينة هربرد من أرض اللمانية ستون ميلاً ومن مدينة قزلارة إلى مدينة مشلة في جهة الشرق مائة ميل ومن هالة أيضاً إلى مدينة مشلة ثمانون ميلاً. ومن نيون برك إلى مدينة وزرة على النهر خمسة وعشرون ميلاً ومن وزرة إلى بحر الظلمات خمسة وعشرون ميلاً وهنا انقضى القول في هذا الجزء والحمد لله كثيراً. نجز الجزء الثالث من الإقليم السادس ويتلوه الجزء الرابع منه إن شاء الله.ل ومن مدينة بانية إلى مدينة قاون مائة ميل. وكذلك من قاون إلى مدينة بلغردون سبعون ميلاً وهي في البر مرحلتان كبيرتان جداً وفي النهر أقل من ذلك ومدينة بلغردون مدينة عامرة بها بشر كثير وكنائس معظمة. ومنها إلى مدينة أفرنيسفا خمسة وسبعون ميلاً وفي النهر يومان وإفرنيسفا مدينة عامرة كبيرة. وأيضاً فإن من مدينة بلغردون إلى مدينة ربنة مائة وخمسون ميلاً في البرية ومن ربنة إلى مدينة أفرنيسفا مرحلتان كبيرتان ويقال إنها مائة ميل وهي مدينة في مستو من الأرض عامرة القطر كثيرة الداخل والخارج رخيصة الأسعار دائمة الغلات مياهها جارية وأقاليمها واسعة وتجاراتها دائمة وخيراتها مشتملة وهي من مدن مقذونية. ومنها إلى مدينة نيسو خمسون ميلاً ونيسو من مدن مقذونية أيضاً وسنصف باقي أرض مقذونية فيما يأتي بعد هذا بحول الله وقوته فنقول إن الطريق من مدينة قاون إلى أرض أنكرية يؤخذ مع الشمال وأكثر بلاد أنكرية إنما هي على نهر شنت ونهر تيسيا وهذان النهران يخرجان معاً من جبل كركو وهو الحاجز بين بلاد أنكرية وبلونية وأرض المجوس فيجريان معاً إلى ناحية المغرب ثم يجتمعان على مسير ثمانية أيام من منابعهما ويصيران نهراً واحداً ثم يمر إلى جهة الجنوب مقدار ثمانية أيام فيصب في نهر دنو ما بين مدينة بقصين ومدينة قاون. ومن مدينة قاون إلى شنت أربعة أيام وهي في غربي النهر وهي مدينة عامرة حسنة متحضرة. ومنها مع النهر إلى مدينة جرنغراتة ثلاث مراحل وهي مدينة كبيرة عامرة بها أسواق وخيرات شاملة. ومنها أيضاً مع النهر إلى مدينة تنيسبر أربع مراحل وهي مائة وعشرون ميلاً وتنيسبر مدينة حسنة كثيرة الخيرات على جنوب نهر تيسيا. ومن أراد سار من مدينة جرنغراتة إلى مدينة والبة خمس مراحل يخرج من المدينة إلى مصب نهر تيسيا مرحلة كبيرة ويصعد مع نهر شنت أربع مراحل إلى مدينة والبة وهي مدينة قائمة الذات عامرة على نهر شنت من شماله. ومن مدينة والبة إلى مدينة تنيسبر في جهة الجنوب أربع مراحل كبار في عمارات ومزارع وخصب وهذه المراحل بين النهرين معاً. ومن مدينة والبة إلى مدينة هنقبر في ناحية الغرب خمس مراحل ومدينة هنقبر كبيرة عامرة تتاخم أرض بلونية. وأرض بلونية بلاد العلماء وطلاب العلم بها كثير من الروم القاصدين إليها من سائر الآفاق وبلادها عامرة كثيرة البشر. ومن مدنها مدينة إقراقو وهي مدينة حسنة كثيرة الديار والعمار والأسواق والكروم والجنات ومنها غرباً مع جنوب إلى مدينة مشلة مائة وثلاثون ميلاً ومدينة مشلة مدينة حسنة متحضرة ومنها أيضاً إلى مدينة بطس خمسة أيام جنوباً. ومن مدينة إقراقو إلى مدينة جنازنة مائة ميل وهي من إقراقو شرقاً وهي مدينة عامرة حسنة ومن مدينة جنازنة إلى مدينة رتصلابة ستون ميلاً ومن مدينة رتصلابة إلى رمسلي من أرض سدمارة مائة ميل. ومن مدينة إقراقو أيضاً إلى مدينة هالة في جهة الغرب مائة ميل وهي من أرض شصونية وهالة مدينة كبيرة جامعة عامرة. وكذلك من مدينة إقراقو إلى نيون برك مائة ميل ونيون برك من أرض شصونية أيضاً وبين كحالة ونيون برك أربعون ميلاً ومن نيون برك إلى مدينة وزنبركة غرباً ستون ميلاً وهي مدينة جليلة. ومن مدينة نيون برك في جهة الجنوب إلى مدينة قزلارة مائة ميل وهي أربع مراحل ومن مدينة قزلارة في جهة الغرب إلى مدينة هربرد من أرض اللمانية ستون ميلاً ومن مدينة قزلارة إلى مدينة مشلة في جهة الشرق مائة ميل ومن هالة أيضاً إلى مدينة مشلة ثمانون ميلاً. ومن نيون برك إلى مدينة وزرة على النهر خمسة وعشرون ميلاً ومن وزرة إلى بحر الظلمات خمسة وعشرون ميلاً وهنا انقضى القول في هذا الجزء والحمد لله كثيراً. نجز الجزء الثالث من الإقليم السادس ويتلوه الجزء الرابع منه إن شاء الله.

الجزء الرابع.

إن الذي تضمن هذا الجزء الرابع من الإقليم السادس إقليم رمانية وأرض مقذونية وبعض بلاد الروسية القصوى. فأما ارض مقذونية ففيها من بلادها نيسو وأتروبي ونوقسترو وبيدني وبنوي ولنفيسة وأفرنيسفا وأغريزينوس ومسيونس. وفيه من بلاد رمانية فاروي وليغلغو وأقرنوس وإستينوس ودنبلي وفرامنياك وألماس وكرنبي وميغالي ثرمة وغولوي وبسترنس وأفلي وألكسيوبلي وديسينة وطمطانة وبرنس وأخيلو وأيمن وبرفنتو ومليسية وبرسكلافسة وميغالي برسكلافة وأغرميني وفربسيوس وماذينوس وقليمالايا وبوليا بسيمسقوس وبيزوي والقسطنطينة وإدرستر وأيلوغيس وأيميديا وأغاتوبلس وباسليكو وسزوبلي وأخيلو. وكل هذه البلاد قواعد مذكورة ومدن مشهورة ويجب علينا أن نصف أحوالها وحدود طرقاتها كما سبق لنا في سائر الأقاليم المتقدمة ومن الله نستمد المعونة ونقول: إن من بلاد مقذونية نيسو وهو بلد جليل وقطر نبيل كثير اللحم والسمك والعسل واللبن وأسعارها إلى بداً رخيصة وهي كثيرة الفواكه على ضفة نهر مورافا الخارج من جبال سربية ولها على النهر قنطرة كبيرة حسنة يجاز عليها دخولاً وخروجاً. ومن مدينة نيسو إلى مدينة أتروبي شرقاً أربعون ميلاً وأتروبي على نهر صغير يأتي من جبال سربية فيمر بمدينة أتروبي من جهة شرقيها ويمر إلى أن يصب في نهر مورافا فيسيران واحداً ثم يمر هذا النهر إلى أن يصب في نهر دنو على مقربة من بلد إفرنيسفا وعلى هذا النهر أرحاء طاحنة وجنات وكروم. ومن مدينة أتروبي إلى مدينة أتراليسة السالف ذكرها في الإقليم الخامس أربعون ميلاً وأتراليسة كما قدمنا ذكرها في الإقليم الخامس مدينة جليلة. ومن أتراليسة إلى مدينة إستوبوني يوم وهي في ذاتها مدينة جليلة. ومن مدينة إستوبوني إلى مدينة أقرنوس ست مراحل وأقرنوس مدينة جليلة على ظهر جبل مرتفع. ومن أقرنوس إلى فاروي أربعون ميلاً وفاروي مدينة على نهر أخيلو ومنها في جهة الشرق إلى مدينة سلوني خمسون ميلاً وهي مدينة في وطاء من الأرض ومنها إلى مدينة روذستو ستون ميلاً وروذستو مدينة حسنة ومنها في الشرق مدينة القسطنطينة العضمى على اثني عشر ميلاً. ومن مدينة سلوفي أيضاً إلى مدينة ليغلغو غرباً خمسون ميلاً ومدينة ليغلغو كبيرة القطر عامرة النواحي وهي على جبل مطل على نهر أخيلو وهو النهر الذي قدمنا ذكره فيما سبق ويتصل هذا النهر عن ليغلغو إلى مدينة فاروي وبينهما خمسة وثلاثون ميلاً جنوباً ويتصل من مدينة فاروي إلى مدينة فيلبوبلس ثم إلى أدرنوبلي ثم إلى سرولة إلى أركاديوبلي إلى أن يصب في الخليج الذي عليه فم أبذس بمقربة من أخرسوبلي الساحلية ويسمى هناك وادي مرماري ونرجع فنقول: إن من مدينة نيسو إلى مدينة ربنة خمسون ميلاً وربنة منها شمالاً محققاً ومن مدينة ربنة إلى مدينة إفرنيسفا ستون ميلاً وإفرنيسفا على نهر دنو الكبير. ومن مدينة أتروبي أيضاً إلى مدينة بنوي في جهة الشرق مع قليل تأريب إلى الشمال تسعون ميلاً وهي مدينة عامرة صغيرة القطر على ظهر جبل عال. ومن بنوي أيضاً إلى مدينة لفيسة ست مراحل وهي من بنوي بين شرق وشمال ويوازيها في بركة الجنوب مدينة أقرنوس وبينهما أربع مراحل ومدينة لفيسة على ظهر جبل. ومن مدينة لفيسة في جهة الشمال مع الشرق إلى مدينة مسيونس خمس مراحل وهي مدية كبيرة عامرة قديمة التأسيس. ومن مدينة لفيسة أيضاً إلى مدينة بيدني خمس مراحل وهي مدينة كبيرة وهي من لفيسة بين غرب وشمال على نهر دنو المذكور. وكذلك أيضاً من مدينة فاروي المتقدم ذكرها إلى مدينة بوليا بسمسقوس أربع مراحل والطريق بينهما في مزارع متصلة وعمارات غير منفصلة وقرى كبار وكروم وفواكه كثيرة وأغنام وأبقار ونعم وافرة. ومن مدينة بوليا بسمسقوس إلى مدينة بيزوي سبعون ميلاً وهي ثلاث مراحل في أوطية وأرض طيبة وبيزوي مدينة كبيرة عامرة كثيرة الأسواق وأهلها إلى هل صناعات ولها مزارع وأقاليم متصلة وعمالات جمة. ومن مدينة بيزوي إلى مدينة أيلوغيس في جهة الشرق خمسون ميلاً وأيلوغيس مدينة على جبل بينها وبين الخليج البنطسي اثنا عشر ميلاً. وكذلك أيضاً من مدينة بيزوي إلى مدينة قاليمالايا خمسة وخمسون ميلاً ومن مدينة بيزوي أيضاً إلى مدينة فاروي المتقدم ذكرها في جهة الغرب تسعون ميلاً وبينهما مسارح وخصب وربيع دائم ومياه عذبة جارية وأفرجة ممكنة. ومن مدينة بيزوي إلى

مدينة القسطنطينة ثلاثون ميلاً وقد وصفنا القسطنطينة قبل هذا بما أمكننا وصفه بحول الله تعالى. وصفة الطريق من مدينة القسطنطينة على الساحل إلى مصب نهر دنو حيث مدينة مريس فمن شاء ذلك خرج من القسطنطينة إلى مدينة أيلوغيس خمسة وعشرون ميلاً وهي مدينة على جبل مرتفع على البحر اثنا عشر ميلاً والملك يتنزه بها في كل سنة مرة ويقيم فيها لصيد الحمر الوحشية أياماً كثيرة. ومن أيلوغيس إلى مدينة أيميديا خمسة وعشرون ميلاً وهي مدينة حسنة عامرة بقرب البحر ومنها إلى مدينة أغاثوبلس خمسة وعشرون ميلاً ومنها إلى باسليكو على ساحل البحر خمسة وعشرون ميلاً ومن باسليكو إلى مدينة سزوبلي على البحر خمسة وعشرون ميلاً. وكذلك منها إلى مدينة أخيلو خمسة وعشرون ميلاً وبينهما جون من البحر عرضه اثنا عشر ميلاً وطول هذا الجون عشرون ميلاً. ومن أخيلو إلى مدينة أيمن على البحر خمسة وعشرون ميلاً ومن أيمن إلى برنس خمسون ميلاً وبرنس على قرب البحر كما قدمناه ومن برنس إلى مدينة أرموقسترو خمسة وعشرون ميلاً ونرجع الآن فنقول: إن من مدينة إفرنيسفا نازلاً مع نهر دنو إلى مدينة نوقسترو يومين ونصف يوم ونوقسترو هذه بضفة نهر دنو يأتيها من جهة الجنوب ويقرب منها مصب نهر مورافا وهي مدينة حسنة رخيصة الأسعار عامرة الديار كثيرة الكروم والأشجار. ومنها منحدراً مع النهر إلى مدينة بيدني وهو بلد بقرب النهر المذكور يوم ونصف كبير وكذلك من مدينة بيدني إلى مدينة سبست قسترو شرقاً يوم ونصف وهي مدينة حسنة متحضرة عامرة على النهر. ومنها إلى مدينة دريسترة شرقاً يوم ونصف وهي مدينة فسيحة الآفاق عامرة الأسواق كثيرة الأرزاق جليلة المباني كاملة المغاني. ومن دريسترة في البرية إلى مدينة برسكلافسة أربعة أيام شرقاً وهي مدينة على نهر قريب الخوض. ومن برسكلافسة إلى مدينة دسينة شرقاً أربعة أيام ومدينة دسينة مدينة متحضرة واسعة الأقاليم كثيرة الزراعات والعمارة حبوبها ممكنة وأسعارها رخيصة. ومنها إلى مدينة أرموقسترو جنوباً يومان ومدينة أرموقسترو مدينة أزلية عالية الأبنية وهيبة الأقنية جليلة المقدار رخيصة الأسعار وهي في سفح جبل لطيف مطل على البحر ومن أرموقسترو إلى مدينة برنس التي قدمنا ذكرها على البحر يوم. والطريق من مدينة برنس إلى القسطنطينة على البر من برنس إلى مدينة بترني في البر غرباً ثلاثون ميلاً وهي مدينة متحضرة متوسطة القدر حسنة. ومنها إلى مدينة برفنتو في جهة الغرب ثلاثون ميلاً وهي يوم وهذه المدينة في سفح جبل لطيف وبين بترني وبرفنتو نهر يجري من برسكلافة ويمر جنوباً حتى يصب في البحر. ومن مدينة برفنتو إلى مدينة ميغالي برسكلافية يوم وهي مدينة عامرة متوسطة القدر ويجري بقربها نهر متوسط. ومن ميغالي برسكلافة إلى مدينة فربسيوس يوم وفربسيوس مدينة قديمة البناء مشهورة في البلاد عامرة كثيرة الخيرات. ومنها إلى مدينة أغرميني غرباً نصف يوم وهي مدينة متحضرة قديمة أيضاً وكانت خراباً فبناها هرقل الثاني وعمرها واستمرت عمارتها إلى الآن ولها حروث وزراعات. ومن أغرميني إلى إستينوس غرباً يوم وإستينوس مدينة حسنة عامرة كثيرة الديار جليلة المقدار. ومن إستينوس إلى مدينة بوليا بسيسقوس جنوباً ثلاثة أيام وهي مدينة بقرب جبل ويخرج منه نهر يمر بالمدينة وينتهي حتى يجتمع بنهر مسيونس ويصبان في نهر دنو ما بين سبست قاسترو ودرسترة. ومن مدينة بوليا بسيسقوس في جهة الشرق إلى مدينة قاليمالايا يوممدينة القسطنطينة ثلاثون ميلاً وقد وصفنا القسطنطينة قبل هذا بما أمكننا وصفه بحول الله تعالى. وصفة الطريق من مدينة القسطنطينة على الساحل إلى مصب نهر دنو حيث مدينة مريس فمن شاء ذلك خرج من القسطنطينة إلى مدينة أيلوغيس خمسة وعشرون ميلاً وهي مدينة على جبل مرتفع على البحر اثنا عشر ميلاً والملك يتنزه بها في كل سنة مرة ويقيم فيها لصيد الحمر الوحشية أياماً كثيرة. ومن أيلوغيس إلى مدينة أيميديا خمسة وعشرون ميلاً وهي مدينة حسنة عامرة بقرب البحر ومنها إلى مدينة أغاثوبلس خمسة وعشرون ميلاً ومنها إلى باسليكو على ساحل البحر خمسة وعشرون ميلاً ومن باسليكو إلى مدينة سزوبلي على البحر خمسة وعشرون ميلاً. وكذلك منها إلى مدينة أخيلو خمسة وعشرون ميلاً وبينهما جون من البحر عرضه اثنا عشر ميلاً وطول هذا الجون عشرون ميلاً. ومن أخيلو إلى مدينة أيمن على البحر خمسة وعشرون ميلاً ومن أيمن إلى برنس خمسون ميلاً وبرنس على قرب البحر كما قدمناه ومن برنس إلى مدينة أرموقسترو خمسة وعشرون ميلاً ونرجع الآن فنقول: إن من مدينة إفرنيسفا نازلاً مع نهر دنو إلى مدينة نوقسترو يومين ونصف يوم ونوقسترو هذه بضفة نهر دنو يأتيها من جهة الجنوب ويقرب منها مصب نهر مورافا وهي مدينة حسنة رخيصة الأسعار عامرة الديار كثيرة الكروم والأشجار. ومنها منحدراً مع النهر إلى مدينة بيدني وهو بلد بقرب النهر المذكور يوم ونصف كبير وكذلك من مدينة بيدني إلى مدينة سبست قسترو شرقاً يوم ونصف وهي مدينة حسنة متحضرة عامرة على النهر. ومنها إلى مدينة دريسترة شرقاً يوم ونصف وهي مدينة فسيحة الآفاق عامرة الأسواق كثيرة الأرزاق جليلة المباني كاملة المغاني. ومن دريسترة في البرية إلى مدينة برسكلافسة أربعة أيام شرقاً وهي مدينة على نهر قريب الخوض. ومن برسكلافسة إلى مدينة دسينة شرقاً أربعة أيام ومدينة دسينة مدينة متحضرة واسعة الأقاليم كثيرة الزراعات والعمارة حبوبها ممكنة وأسعارها رخيصة. ومنها إلى مدينة أرموقسترو جنوباً يومان ومدينة أرموقسترو مدينة أزلية عالية الأبنية وهيبة الأقنية جليلة المقدار رخيصة الأسعار وهي في سفح جبل لطيف مطل على البحر ومن أرموقسترو إلى مدينة برنس التي قدمنا ذكرها على البحر يوم. والطريق من مدينة برنس إلى القسطنطينة على البر من برنس إلى مدينة بترني في البر غرباً ثلاثون ميلاً وهي مدينة متحضرة متوسطة القدر حسنة. ومنها إلى مدينة برفنتو في جهة الغرب ثلاثون ميلاً وهي يوم وهذه المدينة في سفح جبل لطيف وبين بترني وبرفنتو نهر يجري من برسكلافة ويمر جنوباً حتى يصب في البحر. ومن مدينة برفنتو إلى مدينة ميغالي برسكلافية يوم وهي مدينة عامرة متوسطة القدر ويجري بقربها نهر متوسط. ومن ميغالي برسكلافة إلى مدينة فربسيوس يوم وفربسيوس مدينة قديمة البناء مشهورة في البلاد عامرة كثيرة الخيرات. ومنها إلى مدينة أغرميني غرباً نصف يوم وهي مدينة متحضرة قديمة أيضاً وكانت خراباً فبناها هرقل الثاني وعمرها واستمرت عمارتها إلى الآن ولها حروث وزراعات. ومن أغرميني إلى إستينوس غرباً يوم وإستينوس مدينة حسنة عامرة كثيرة الديار جليلة المقدار. ومن إستينوس إلى مدينة بوليا بسيسقوس جنوباً ثلاثة أيام وهي مدينة بقرب جبل ويخرج منه نهر يمر بالمدينة وينتهي حتى يجتمع بنهر مسيونس ويصبان في نهر دنو ما بين سبست قاسترو ودرسترة. ومن مدينة بوليا بسيسقوس في جهة الشرق إلى مدينة قاليمالايا يوم

ومدينة قاليمالايا مدينة عامرة كبيرة كثيرة الزرع ولحوم الصيد وبها يتصيد صاحب القسطنطينة وهي فوق جبل عال كثير الصيد وفيه شعراء متصلة. ومن مدينة قاليمالاياً إلى مدينة ماذينوس اثنا عشر ميلاً وهي مدينة عامرة حسنة في جهة الشرق وكذلك من مدينة قاليمالايا أيضاً إلى مدينة بيزوي خمسون ميلاً في الجهة الجنوبية ومن بيزوي إلى القسطنطينة ثمانية وعشرون ميلاً ومن مدينة ماذينوس إلى مدينة مليسية ستة أميال شرقاً ومن مدينة مليسية إلى البحر حيث مدينة أيمن جنوباً ستة أميال ومدينة أيمن على ساحل بحر بنطس ونرجع فنقول إن مدينة سبست قسترو منها إلى مدينة أغريزينوس سبعون ميلاً وهي أيضاً يومان. ومن مدينة أغريزينوس في جهة الشرق إلى مدينة مسيونس أربعون ميلاً وهو يوم ومسيونس مدينة عامرة وفيها مصلحة للروسية وهي متحضرة لها إلى سواق عامرة وخيرات وافرة وموضعها فوق جبل بينه وبين دنبلي يوم ومدينة دنبلي مدينة صغيرة عامرة في وطاء من الأرض ولها كروم وعمارة صالحة. ومن دنبلي إلى مدينة فرامنياك شرقاً نصف يوم وهو بلد في وطاء من الأرض بقرب جبل صغير كثير الأشجار والغراسات متصل الزروع والعمارات. ومن فرامياك إلى مدينة ألماس شرقاً نصف يوم وهي مدينة صغيرة متحضرة كثيرة الفواكه والنعم متسعة العمارات واسعة الأقاليم. ومنها إلى مدينة كرنبي نصف يوم وهو بلد في قرب جبل ومنه إلى مدينة بسترنس شرقاً نصف يوم وهي مدينة حسنة كثيرة المياه عامرة الأفنية صالحة المقدار.
ومنها إلى مدينة روسو قسترو شرقاً نصف يوم وهي مدينة صالحة القدر عامرة الكور كثيرة النعم رخيصة الأسعار وموضعها في مستو من الأرض. ومن روسو قسترو إلى مدينة ميغالي ثرمة نصف يوم وميغالي ثرمة مدينة صغيرة حسنة الديار واسعة الأقطار كثيرة الغراسات والبقول ولها إلى سوار وأسواق وبها نعم وأرزاق. ومنها إلى مدينة أيتوقسترو في جهة الشرق نصف يوم وهي مدينة حسنة البقعة حصينة المنعة بها أسواق ومتاجر وهي محلة للوارد والصادر وبها كروم وغلات. ومنها إلى مدينة غولوي شرقاً نصف يوم وهو بلد حسن وقطر متحضر والمسافرون يقصدونه ويجلبون إليه البضائع والتجارات به مستديرة دائمة. ومن مدينة غولوي إلى مدينة باسقة نصف يوم وهي مدينة صغيرة حارة الأسواق عامرة آهلة. ومنها إلى مدينة أفلي نصف يوم ومدينة أفلي في بسيط أرض حسنة مباركة الباقعة فرجة الأمكنة متصلة العمارات كثيرة الأقاليم والجهات وبها مياه جارية ولها من جهة شمالها جبال عالية ونهر دنو يجري خلفها وبهذه المدينة صناعات وحذق وتمهر لأربابها ويصنع بها من الحديد كل غريبة.
ومن مدينة أفلي إلى مدينة إستليفنوس يوم ومدينة إستليفنوس مدينة كبيرة وكانت قبل هذا أعظم مما هي عليه الآن وأرضها حسنة البقعة وسنذكر الطريق منها إلى ما يليها من البلاد بعد هذان شاء الله. ونرجع فنقول بالقول الوجيز إن أرض شص ونية يحيط بها من غربيها أرض إفريسية وهي إفريزية أيضاً بالزاى ومن شرقيها أرض إزوادة ومن جنوبها أرض شصونية وهي إقليم متصل العمارة كثير القرى بلاده عامرة وخيراته متكاثرة متصلة ومن مدنه مدينة قزلارة ومشلة وهالة ونيون برك ووزرة وهي على بحر الظلمات. فأما مدينة قزلارة فمدينة كبيرة عامرة كثيرة الدخل والخرج وأهلها أنجاد شداد يمنعون جانبهم ويحمون أرضهم ويهابهم من جاورهم لاجتماع كلمة أهلها وعقد شكيمتهم وفيها خيرات مجتمعة وحبوب وتجارات ومنها إلى مدينة هربرد التي من أرض اللمانية في جهة الغرب أربعون ميلاً. ومن مدينة قزلارة إلى هالة خمسون ميلاً شرقاً وهالة مدينة متوسطة مياهها كثيرة وأرضها عامرة وبها أسواق وعمارات وخصب ومعايش كثيرة ومنها في جهة الشمال إلى نيون برك ثلاثون ميلاً وكذلك من مدينة قزلارد إلى مدينة نيون برك ثمانون ميلاً وهي قاعدة كبيرة مشهورة وبلدة مذكورة ذات أسواق عامرة وتجارات دائرة وخيرات وافرة وفوائد متكاثرة ومياه وخصب ومواش وأنعام ومن نيون برك إلى البحر أربعون ميلاً وهناك مسقط نهر وزرة في البحر المظلم.
ومن مدينة قزلارة إلى مدينة مشلة سبعون ميلاً ومن مدينة هالة إلى مدينة مشلة ستون ميلاً.

ومن مدينة نيون برك إلى مدينة وزرة على غربي النهر خمسة وعشرون ميلاً ومن مدينة وزرة إلى البحر خمسة عشر ميلاً ومن مدينة وزرة إلى نرتة المذكورة في جهة الغرب مائة ميل على البحر وكذلك من مدينة نيون برك إلى مدينة صوزاس وقد تقدم ذكرها غرباً ستون ميلاً. ومن مدينة هالة أيضاً إلى مدينة وزنبركة السابق ذكرها سبعون ميلاً وأيضاً فإن من مدينة هالة إلى مدينة إقراقو وهي من أرض بلونية مائة ميل وأيضاً فإن من مدينة قزلارة إلى مدينة ويانة مائة وخمسة وعشرون ميلاً. وأما ارض بلونية التي هي بلاد العلم والعلماء من الروم فأرض حسنة كثيرة الأنهار متصلة الأقاليم والأمصار عامرة القرى والديار ولها كروم وزيتون وأشجار كثيرة بأنواع الفواكه ومن مدنها إلى قراقو وجنازنة ورتصلابة وسرادية ونغرادة وشتنو. وكل هذه البلاد قواعد مشهورة وأمصار موطدة جمعت بين خيرات البلاد المفترقة وحسبت مع ذلك بأن فيها علماء متفننون في العلوم والديانات الرومية ولصناعها حذق ومعرفة بصنائعها. وأما مدينة إقراقو ومدينة جنازنة وسائر بلادها المذكورة فمدن مشتركة العمارات متصلة الخيرات تتقارب مقاديرها وتتساوى صفاتها ومبانيها وكذلك تتقارب أيضاً في كثير من مصنوعاتها ويحيط بها من جميع جهاتها جبال متصلات حاجزة بينها وبين بلاد شصونية وبلاد بوامية وبلاد الروسية. ومسافات بلاد بلونية من إقراقو إلى مدينة مشلة مائة وثلاثون ميلاً ومن إقراقو إلى جنازنة ثمانون ميلاً ومن جنازنة إلى رتصلابة ستون ميلاً ومن رتصلابة إلى رمسلي مائة ميل ومن رمسلي إلى زاقة اثنتا عشرة مرحلة ومن زاقة إلى تروبي مائة وثمانون ميلاً ومن تروبي إلى غليسية مائتا ميل وتروبي وغليسية من بلاد الروسية. ومن أنهار بلونية نهر شنت ونهرتيسية وهما يخرجان من جبل حاجز بين بلاد بلونية وبلاد الروسية معرضاً بين الشمال والجنوب فيخرج منه هذان النهران فيمران غرباً ويجتمعان على أيام فيصيران نهراً واحداً فيمر إلى أن يصب في نهر دنو من غربي مدينة قاون. وأما ارض الروسية فهي أرض كبيرة وبلاد قليلة وعمارات منقطعة وبين البلد والبلد مسافات متباعدة وأقطار منفردة ولهم مع جنسهم ومن قاربهم من بلادهم حروب ومهارشة دائمة ومن مدنها الواقعة في هذا الجزء رمسلي وزاقة وتروبية وغليسية. فأما مدينة رمسلي فهي على نهر دنست وفي شماله وهذا النهر يمر شرقاً إلى أن يصل مدينة زاقة وبينهما اثنتا عشرة مرحلة ومن مدينة زاقة وهي على النهر المذكور إلى مدينة تروني تسع مراحل ومن تروني إلى غليسية مائتا ميل وسنذكر بلاد الروسية على استقصاء وتوال بعد هذا في الجزء التالي لهذا الجزء بحول الله وقوته. نجز الجزء الرابع من الإقليم السادس والحمد لله ويتلوه الجزء الخامس منه إن شاء الله.
الجزء الخامس.

إن الذي تضمن هذا الجزء الخامس من الإقليم السادس قطعة من البحر البنطسي بل أكثر وما على ساحليه معاً من البلاد الممدنة والمعاقل المشهورة والمراسي الممكنة والجزائر العامرة والغامرة وتضمن أيضاً قطعة من أرض برجان ومثلها من أرض الروسية وكثيراً من أرض القمانية وبلادها وطرف بلاد مقذونية ونحن نريد تبيان ذلك كله بإيضاح من القول وإيجاز معنى فنقول: إن هذا البحر البنطسي هو بحر خليجي كبير طوله من المغرب إلى المشرق ثلاثة عشر مجرى وأما عرضه فمختلف وأعرض موضع يكون فيه ستة مجار. وعلى ضفة هذا البحر الجنوبية مما يلي المغرب بلاد هرقلية ثم بلاد القلات وبلاد البنطيم وبلاد الخزرية وبلاد القمانية والروسية وأرض برجان. ومبدؤه من جنب القسطنطينة من الخليج الواصل إليها من البحر الشامي المتصل بالبحر المظلم وذلك أن فوهته عند مدينة القسطنطينة تكون سعته ستة أميال و طوله من القسطنطينة إلى أول اتصاله بالخليج البنطسي ستون ميلاً وعند أول خروجه من بحر بنطس عليه مدينة تسمى مسناة. ويخرج هنالك منه جون في جهة المشرق وينعطف إنعطاف النون وعليه هناك مدينة نقموذية ومدينة خلجدونية ويتصل فم الخليج المذكور وطوله قلنا ستون ميلاً إلى بحر بنطس. والطريق من مدينة القسطنطية مساحلاً إلى مدينة أطرابزندة الساحلية المجاورة لأرض أرمينية من القسطنطينة إلى مدينة مسناة التي على فوهة الخليج ومن هناك يسير مشرقاً مع الضفة الجنوبية إلى جزيرة دفنيسية مائة ميل وهي جزيرة صغيرة غير عامرة وبينها وبين البر ميل واحد. ومن هذه الجزيرة إلى موقع نهر زغرة وهو نهر يأتي من بلاد القلات كبير يحمل المراكب الكبار وفوهته عند مصبه في البحر عريضة جداً. ومن مصب هذه النهر إلى مدينة هرقلية ستون ميلاً فذلك من مدينة مناة في البر إلى هرقلية ثمانية أيام والساحل كله أجوان وتروش وجبال حرش. ومن هرقلية إلى مصب نهر برتانو خمسة وثمانون ميلاً ومنه إلى سامسطرو خمسة عشر ميلاً وهي مدينة صغيرة متحضرة والبداوة عليها إلى غلب ولها سور حصين وهي مطلة على الساحل ويقابلها في جهة الجنوب مدينة برثوني التي على نهر برثانو ويسمى هذا النهر برثانو وبين المدينتين خمسون ميلاً. ومن مدينة سامسطرو إلى مدينة شيكثري مائة وخسون ميلاً وهي مدينة صغيرة على ضفة البحر الملح في سند جبل.
ومنها إلى مدينة سنوبلي مائة ميل وهي على البحر مدينة صغيرة متحضرة ومنها في البر إلى مدينة تاموني جنوباً إلى ربع مراحل وأيضاً فمن مدينة سنوبلي إلى مصب نهر آلي مائة ميل وهو نهر كبير تدخله المراكب. ومنه إلى مدينة الأنيو مائة وخمسون ميلاً وهي مدينة كبيرة عامرة وإليها تنسب الناحية وتعرف أرضها بأرض اللان وهم قبيل من الروم نسطورية وهذه المدينة بها مراكب وشواني غزوانية وإنشاء قائم. ومنها إلى مدينة فاتيسة أربعون ميلاً وهي على ضفة البحر الملح ومنها إلى مدينة بونة على الساحل خمسون ميلاً وهي مدينة متوسطة القدر جامعة الوفر كثيرة العامر ولها أقليم كبير وعمارات متصلة. ومنها مع الساحل إلى مدينة خرسندة خمسون ميلاً وخرسندة مدينة حسنة كبيرة عامرة جامعة بها أسواق وتجارات وسفار.
ومنها إلى مدينة أطرابزوني مائة ميل وثلاثون ميلاً واسمها أيضاً في الدفاتر أطرابزندة وهي على ضفة البحر الملح مدينة حسنة وكانت في أيام الخلائف وبعدها متجراً للروم والإسلام ومقصداً وأهلها تجار مياسير ومسافة ما بينها وبين القسطنطينة تسعة مجار ونصف مجرى.
وكذلك منها إلى موقع نهر دنو قطع البحر بتأريب تسعة مجار ومن أطرابزندة قطع البحر رؤسية خمسة مجار ومن أطرابزندة إلى تفليس من أرض أرمينية مسير ثمانية أيام.
ومن شاء أيضاً سار من مدينة أطرابزندة إلى القسطنطينية على البر فمن أراد ذلك سار من أطرابزندة إلى خرسندة يومين ومنها إلى كندية خمسة أيام وهي مدينة صغيرة ومنها إلى مدينة آنية ثلاثة أيام وهي مدينة صغيرة جداً ومنها إلى مدينة سنوبلي يومان ثم إلى سامسطرو الساحلية خمسة أيام ثم إلى أركلاوس وهي هرقلية ثلاث مراحل ثم إلى القسطنطينة ثمانية أيام.

وكذلك أيضاً الطريق من القسطنطينة إلى مدينة مطرخا من الضفة الشمالية تخرج أيضاً من مدينة القسطنطينة إلى أيلوغيس خمسة وعشرين ميلاً ومن أيلوغيس إلى مدينة أيميديا خمسة وعشرون ميلاً ومن أيميديا إلى أغاثوبلس خمسة وعشرون ميلاً ومن أغاثوبلس إلى مدينة باسليكو خمسة وعشرون ميلاً ومن باسليكو إلى مدينة سزوبلي خمسة وعشرون ميلاً ومن سزوبلي إلى أخيلو خمسة وعشرون ميلاً وبينهما جون عرضه ثلاثة عشر ميلاً وطوله في البر عشرون ميلاً. ومن مدينة أخيلو إلى أيمن خمسة وعشرون ميلاً ومن أيمن إلى مدينة برنس خمسون ميلاً وبرنس بلد بينه وبين أرموقسترو خمسة وعشرون ميلاً ومن أرموقسترو إلى نهر دنو ثلاثة أميال ومن النهر إلى أقلية مجرى ومنها إلى مصب نهر دست مجرى. ومن نهر دنست إلى قولة خمسون ميلاً ثم إلى مولسة خمسون ميلاً ومولسة على مصب نهر دنابرس ومن المصب إلى ألسكي ميل ثم إلى كرسونة مجرى إلا شيئا وذلك ثمانون ميلاً. ومن كرسونة إلى جاليطة ثلاثون ميلاً وهي من بلاد القمانين ومن جاليطة إلى مدينة غرزوبي اثنا عشر ميلاً وهي مدينة عامرة على ضفة البحر ومنها إلى مدينة برتانيطي عشرة أميال وهي مدينة صغيرة متحضرة وبها إنشاء. ومنها إلى مدينة لباضة ثمانية أميال وهي مدينة حسنة ومنها إلى شالوسطة عشرة أميال وهي مدينة حسنة كبيرة على البحر ومنها إلى مدينة سلطاطيه على البحر عشرون ميلاً ومن مدينة سلطاطية إلى بوتر عشرون ميلاً ومن بوتر إلى موقع نهر روسية عشرون ميلاً. ومن موقع نهر روسية إلى مطرخا عشرون ميلاً ومدينة مطرخا مدينة أزلية قديمة العهد لا يعرف بانيها ولها كروم ومزارع وملوكها أولو بأس شديد ومنعة وحزم وعزم يهابون لجرأتهم وتسلطهم على من جاورهم وهي مدينة كبيرة كثيرة البشر عامرة الأقطار وبها أسواق واجتماعات مواعد يأتونها من أقاصي البلاد المتجاورة والأقطار المصاقبة. ونهر الروسية المذكور تقع فيه ستة أنهار كبار ينابيعها من جبل قوقايا وهو الجبل الكبير المار من بحر الظلمات على آخر المعمور من عرض الأرض ويتصل هذا الجبل إلى أن يأتي بلاد ياجوج وماجوج في أقصى المشرق ويجوزهم ماراً في جهة الجنوب إلى أن يصل البحر المظلم الأسود المعروف بالزفتي وهو جبل كبير جداً لا يستطيع أحد يصعد إليه لشدة البرد وكثرة الثلج ودوامه بأعلاه وعلى هذه الأودية قوم يعرفون بالسبارينة ولهم ست مدن متحصنة ببن مجاري هذه الأودية التي قلنا أنها تنحدر من جبل قوقايا ولا يقدر أحد على التغلب عليهم ومن عادتهم وسيرتهم أنهم لا يفارقون السلاح طرفة عين وهم من الحذر والحزم في غاية وسنذكر هذه البلاد على استقصاء صفاتها في موضعها من الإقليم السابع بحول الله وعونه. وفي هذا البحر الذي تضمنه هذا الجزء الخامس من الجزائر المعمورة جزيرة أنديسيرة وهي جزيرة عامرة كثيرة الأغنام والدواب وطولها من المغرب إلى المشرق وتقابل من الساحل مدينة ثيوشة وبينهما في البحر نصف مجرى. ومن هذه الجزيرة في جهة الشرق إلى جزيرة سرنبة مجريان ويقابلها من البلاد الساحلية كرسونة وبينهما في البحر نصف مجرى ومن جزيرة سرنبة إلى مدينة مطرخا الساحلية مجرى وبعض مجرى وهي جزيرة كثيرة الخصب والكروم وفيها أرحال ومواش كثيرة. ومن جزيرة سرنبة أيضاً في جهة الجنوب جزيرة غردية وبينهما أربعون ميلاً قطعاً في البحر ومن جزيرة غردية إلى مدينة أطرابزندة الساحلية ثلاثة مجار وهذه الجزيرة جزيرة كبيرة عامرة. ومنها في جهة الشرق إلى جزيرة أزلة عشرون ميلاً وهي جزير عامرة متوسطة بين أطرابزندة ومدينة مطرخا وعليها المجاز لمن قطع البحر ماراً أو راجعاً. ولنرجع الآن إلى ذكر مدن برجان فنقول إن من مدينة ركنوى البرية السابق ذكرها قبل هذا في الجزء الرابع إلى مدينة بسترنس يوم ومن مدينة بسترنس إلى مدينة روسوقستور خمسة عشر ميلاً ومنها إلى مدينة ميغالي ثرمة خمسة عشر ميلاً وقد ذكرناهما ومن مدينة ميغالي ثرمة إلى مدينة أيتوقسترو نصف يوم ومنها إلى مدينة غولوي نصف يوم ومن غولوي إلى مدينة باسقة نصف يوم ومن مدينة باسقة إلى مدينة أقلي نصف يوم ومن مدينة أقلي إلى إستليفنوس يوم وهو بلد بينه وبين الكسيوبلي يوم شرقاً وبين مدينة الكسيوبلي وأغاثوبلي شرقاً يوم وكذلك من مدينة أغاثوبلي إلى مدينة ثرمسية يوم ومن ثرمسية إلى دسينة يوم شرقاً وبين

مدينة دسينة والبحر أربعون ميلاً ودسينة يقرب من شرقيها نهر دنو وهذه البلاد كلها تتقارب في أقدارها وعمارتها وتصرف أخبارها وقد ذكرنا أكثر هذه البلاد فيما صدر من القول. وأما بلاد الروسية ففي هذا الجزء من بلادها لوبشة وزاقة وسكلاهي وغليسية وسنوبلي وتروبي وأرمن و براسانسة ولوجغة وساسكة وأوسية وكاو وبرزولة ووزلاو وقنو والسكي ومولسة فأما مدينه تروبي فموضعها على نهر دنابرس وهي مدينة حسنة ومنها إلى مدينة سنوبلي ستة أيام وهي مدينة كبيرة عامرة على نهر دنابرس في جهة الغرب وكذلك من مدينة تروبي إلى مدينة كاو على نهر دنابرس نازلاً مع النهر ستة أيام ومنها إلى مدينة برزولة في شمال الوادي خمسون ميلاً ومنها إلى أوسية في البر يومان وهي مدينة صغيرة متحضرة ومن مدينة أوسية إلى مدينة براسانسة يومان وهي مدينة عامرة حسنة برية ومنها إلى مدينة لوجغة يومان في جهة الشمال ومن مدينة لوجغة إلى مدينة أرمن ثلاث مراحل خفاف في جهة الغرب وكذلك من مدينة أرمن في جهة الشرق إلى مدينة براسانسة أربع مراحل ومن براسانسة إلى مدينة مولسة على مصب نهر دناوس خمس مراحل والسكي مدينة على مصب نهر دنابرس من الجهة الشرقية ومن مدينة السكي إلى مدينة قنو ثلاث مراحل ومن مدينة برزولة المتقدم ذكرها نازلاً مع النهر إلى مدينة برزلاو يوم ومن مدينة برزلاو نازلاً مع النهر إلى قنو السابق ذكرها يوم ونصف ومن مدينة كاو إلى مدينة ناي من أرض قمانية ست مراحل وسنذكر ما في بلاد قمانية بعد هذا إن شاء الله عز وجل. نجز الجزء الخامس من الإقليم السادس والحمد لله ويتلوه الجزء السادس منه إن شاء الله.نة دسينة والبحر أربعون ميلاً ودسينة يقرب من شرقيها نهر دنو وهذه البلاد كلها تتقارب في أقدارها وعمارتها وتصرف أخبارها وقد ذكرنا أكثر هذه البلاد فيما صدر من القول. وأما بلاد الروسية ففي هذا الجزء من بلادها لوبشة وزاقة وسكلاهي وغليسية وسنوبلي وتروبي وأرمن و براسانسة ولوجغة وساسكة وأوسية وكاو وبرزولة ووزلاو وقنو والسكي ومولسة فأما مدينه تروبي فموضعها على نهر دنابرس وهي مدينة حسنة ومنها إلى مدينة سنوبلي ستة أيام وهي مدينة كبيرة عامرة على نهر دنابرس في جهة الغرب وكذلك من مدينة تروبي إلى مدينة كاو على نهر دنابرس نازلاً مع النهر ستة أيام ومنها إلى مدينة برزولة في شمال الوادي خمسون ميلاً ومنها إلى أوسية في البر يومان وهي مدينة صغيرة متحضرة ومن مدينة أوسية إلى مدينة براسانسة يومان وهي مدينة عامرة حسنة برية ومنها إلى مدينة لوجغة يومان في جهة الشمال ومن مدينة لوجغة إلى مدينة أرمن ثلاث مراحل خفاف في جهة الغرب وكذلك من مدينة أرمن في جهة الشرق إلى مدينة براسانسة أربع مراحل ومن براسانسة إلى مدينة مولسة على مصب نهر دناوس خمس مراحل والسكي مدينة على مصب نهر دنابرس من الجهة الشرقية ومن مدينة السكي إلى مدينة قنو ثلاث مراحل ومن مدينة برزولة المتقدم ذكرها نازلاً مع النهر إلى مدينة برزلاو يوم ومن مدينة برزلاو نازلاً مع النهر إلى قنو السابق ذكرها يوم ونصف ومن مدينة كاو إلى مدينة ناي من أرض قمانية ست مراحل وسنذكر ما في بلاد قمانية بعد هذا إن شاء الله عز وجل. نجز الجزء الخامس من الإقليم السادس والحمد لله ويتلوه الجزء السادس منه إن شاء الله.
الجزء السادس.

إن الذي تضمنه هذا الجزء السادس من البحر البنطسي فهو طرف البحر بما عليه من البلاد وتضمن أيضاً قطعة من أرض القمانية وبلاد الروسية الخارجة وبعض بلاد البلغارية وبعض بلاد بسجرت وبلاد اللان وأرض الخزر وبلادها وأنهارها ونحن نصرف ذكرها ونأتي بأوصافها حسب ما قدمناه ونحوا مما وصفناه ومن الله نستمد المعونة فنقول: إن البحر البنطسي عليه من هذه البلاد بلد أطرابزندة المتقدم ذكرها إذ هي قاعدة من قواعد الروم المعروفة بالقدم المتداولة لأملاك الأمم ومنها على ضفة البحر في جهة الشرق إلى موقع نهر روشيو خمسة وسبعون ميلاً وهذا النهر نهر كبير يخرج من ظهر جبل القبق فيمر شمالاً فيشق أرض اللانية ولا مدينة مشهورة عليه بل بضفتيه قرى عامرة ومزارع متكاثرة ثم يمر هذا النهر في جهة المغرب إلى أن يصب في هذا الموضع وتسافر فيه مراكب صغار يتصرف بها في نقل ما خف من الأمتعة والأطعمة المحتملة من مكان إلى مكان. ومن موقع هذا النهر إلى مدينة اشكشية مائة وخمسون ميلاً وهي مدينة حسنة من بلاد اللانية وثغر من ثغورها.
ومن مدينة أشكشية إلى مدينة أشكالة من أرض اللانية عشرون ميلاً وبها مدينة أشكالة والبحر نحو ستة أميال وهي صغيرة متحضرة شاملة لأهلها قائمة بمعايشها. ومنها مع الساحل إلى مدينة أستبرية عشرون ميلاً وهي على نحر البحر مدينة متحضرة عامرة أسواقها فسيحة طرقاتها متقنة بنآتها وأكثر أهلها تجار وأموالهم واسعة ومن مدينة أستبرية إلى مدينة اللانية أربعة وعشرون ميلاً وبهذه المدينة سميت أممها اللانيين وهي مدينة قديمة البناء لا يعرف بانيها. ومن مدينة اللانية إلى مدينة خزرية التي ينسب إليها الخزر خمسة وأربعون ميلاً وهي مدينة كبيرة عامرة فسيحة كثيرة المياه وهي على نهر. ومن مدينة الخزرية إلى مدينة كيرة خمسة وعشرون ميلاً ومنها إلى قمانية التي ينسب إليها القمانيون وتسمى هذه المدينة قمانية السود خمسة وعشرون ميلاً وبين القمانية وكيرة جبل كبير صعب المجاز طويل السمت وسميت هذه المدينة بقمانية السود لأن بها نهراً يتصل بأرضها ثم يغوص تحت بعض شعاب هذا الجبل ثم يخرج في البحر وماؤه أسود كالدخان وهذا مشهور غير منكور. ومن مدينة القمانية السود إلى مدينة مطلوقة وتسمى قمانية البيض خمسون ميلاً وقمانية البيض مدينة كبيرة عامرة. ومنها إلى مدينة ماتريقا وتروى مطرخا مجرى مائة ميل ومدينة مطرخا مدينة كبيرة عامرة كثيرة الأقاليم واسعة الأرض ممدنة القرى متصلة الزراعات وهي على نهر كبير يسمى سقي وهو شعبة يصل إليها من نهر اتل المار معظمه إلى مدينة اتل التي على بحر طبرستان.
ومن مدينة مطرخا إلى مدينة روشية سبعة وعشرون ميلاً وبين أهل مطرخا وأهل روشية حرب لاقحة أبداً ومدينة الروشية على نهر كبير يصل إليها من جبل قوقايا ومن مدينة الروشية إلى مدينة بوتر عشرون ميلاً وقد ذكرنا الروشية وبوتر قبل هذا فيما سبق ونقول أيضاً: إن من بلاد قمانية المنسوبة إلى القمانيين مدينة فيرة ومدينة ناروس ومدينة نوشى ومدينة قينيو فأما مدينة نوشى فهي في شمال قماية البيض بينهما خمسون ميلاً وهي مدينة متحضرة متوسطة القدر ولها زروع وغلات وهي على نهر يشق أكثر مزارعها. ومن مدينة نوشى إلى مدينة تينيو بين شمال وشرق مائة ميل وهي أربع مراحل ومدينة فينيو مدينة كبيرة في حضيض جبل عال وهي كبيرة القطر كثيرة العمارة. وكذلك من مدينه نوشى أيضاً إلى مدينة ناروس مائة ميل بين شمال وغرب وهي مدينة صغيرة متحضرة ذات أسواق وبيع وشراء. ومن مدينة ناروس في جهة الشرق إلى مدينة صلاو مائة ميل وخمسة وثلاثون ميلاً ومن مدينة ناروس إلى مدينة فيرة غرباً خمسون ميلاً ومن فيرة إلى مدينة نابى غرباً خمسة وعشرون ميلاً.

ومن مدينة صلاو إلى مدينة كويابة من أرض بلغار ثماني مراحل وكويابة مدينة الترك المسمين روسا. والروس ثلاثة أصناف أحدها قبيل منهم يسمى براوس وملكهم يسكن مدينة كويابة وقبيل آخر منهم يسمى الصلاوية ويسكن ملكهم مدينة صلاوة وهي مدينة في رأس جبل وقبيل ثالث يسمى الأرثانية وملكهم منهم مقيم بمدينة أرثا. ومدينة أرثا مدينة حسنة على جبل حصين وموضعها بين صلاوة وكويابة ومن كويابة إلى أرثا أربع مراحل ومن أرثا إلى صلاوة أربعة أيام ويبلغ تجار المسلمين من أرمينية إلى كويابة. وأما أرثا يحكي الشيخ الحوقلي أنه لا يدخلها أحد من الغرباء لأنهم يقتلون كل غريب يصل إليهم البتة ولا يتجرأ أحد أن يدخل أرضهم وتخرج من عندهم جلود الأنمار السود والثعالب السود والرصاص ويخرجها من عندهم مخار كويابة. والروس يحرقون مواتهم ولا يتدافنون وبعض الروس يحلقون لحاهم وبعضهم يفتلها مثل أعراف الدواب ويضفرها ولباسهم القراطق الصغار ولباس الخزر والبلغارية والبجناك القراطق التامة من الحرير والقطن والكتان والصوف. وبلغار أمم وبشر كثير وتتصل عمارتهم إلى قرب من عمارة الروم. ولسان الروس غير لسان الخزر وبرطاس.
والبلغار اسم المدينة وفيهم نصارى ومسلمون وبها مسجد جامع للمسلمين وقربها مدينة سوار وأبنيتها خشب يأوي إليها أهلها في الشتاء وفي الصيف يأوون إلى الخركاهات. والنهار عند الروس والبلغارية يبلغ قصره في الشتاء أن يكون ثلاث ساعات ونصفا قال الحوقلي وقد شاهدت ذلك عندهم في الشتاء وكان النهار بمقدار ما صليت الأربع صلوات كل صلاة في عقب الأخرى مع ركعات قلائل بين الأذان والإقامة. والخزر بلاد كثيرة بين البحرين معاً والخزر مسلمون ونصارى وفيهم عباد الأوثان ولهم بلاد ومدن منها سمندر وهي خارج الباب والأبواب وبلنجر والبيضاء وخمليج وكل هذه البلاد بناهه أنوشروان كسرى وهي إلى الآن عامرة قائمة الذات. فمن باب الأبواب إلى سمندر أربعة أيام وبين الباب والأبواب ومملكة السرير ثمانية أيام ومن اثل إلى سمندر ثمانية أيام. ومن اثل إلى أول حد من برطاس عشرون يوماً وبرطاس أرض من أولها إلى آخرها نحو خمسة عشر يوماً. ومن برطاس إلى بجناك عشرة أيام ومن اثل إلى بجناك مسيرة شهر. ومن اثل إلى بلغار على طريق المفازة نحو شهر وفي الماء شهرين وهي صعود والحدور في النهر نحو عشرين يوماً. ومن بلغار إلى أرل حدود الروس عشر مراحل ومن بلغار إلى كويابة نحو من عشرين مرحلة ومن بجناك إلى بسجرت الداخلة عشرة أيام ومن بسجرت الداخلة إلى بلغار خمسة وعشرون يوماً. والخزر اسم للإقليم وقصبته اثل واثل اسم النهر الذي يجري إليها من الروس وبلغار ويغيض في بحر الخزر ومنبع هذا النهر من جهة المشرق من ناحية البلاد الخراب فيمر على الأرض المنتنة مغرباً حتى يجوز على ظهر بلغار ويعود راجعاً إلى ما يلي المشرق حتى يجوز على الروس ثم على بلغار ثم على برطاس حتى يقع في أرض الخزر فيصب في البحر ويقال إنه يتشعب

منه نيف وسبعون نهراً ويبقى عمود النهر يجري إلى الخزر. وأيضاً إن برطاس أمم متاخمون للخزر وليس بينه وبين الخزر أمة أخرى وهم أصحاب بيوت خشب وخركاهات لبود أيضاً ولهم مدينتا برطاس وسوار ولبرطس لسان يتكلمون به غير لسان الخزر وكذلك لسان الروسية. والروسية صنفان فصنف منهم وهم هولاء الذين تكلمنا عليهم في هذا الموضع وصنف منهم آخر يجاورون بلاد أنكرية ومقذونية وهم الآن في حين تأليفنا لهذا الكتاب قد تغلبوا على برطاس وبلغار والخزر وقد استخرجوا البلاد من أيديهم ولم يبق لغيرهم من الأمم إلا الاسم في الأرض فقط. وفي أرض الخزر جبل باترة وهو جبل معترض من الشمال إلى الجنوب وفيه معادن فضة ومعادن رصاص جيد ويستخرج منه الكثير فيتجهز به إلى جميع الجهات والنواحي. وأيضاً فإننا نقول إن في بحر بنطس الواقع رسمه في هذا الجزء جزيرتين إحداهما انبلة والثانية نونشكة وهما عامرتان ويقابل جزيرة انبلة من مدن الساحل مطرخا وبينهما مجريان وبين جزيرة انبلة وجزيرة نونشكة ويقابل جزيرة نونشكة من بلاد الساحل قمانية البيض وبينهما مقدار ثلث مجرى في البحر. وبجزيرة نونشكة يصاد الحوت المسمى شهريا وهو نوع من السقنقور يصاد عند هيجان البحر في مرسى بغربي الجزيرة يفعل مثل ما يفعله السقنقور في الباه بل هو أفضل منه وذلك أن الصائد إذا أرسى شبكته في البحر وتعلق بها هذا السمك المعروف أنعظ إنعاظاً شديداً خارجاً من العادة فيعلم به الصائد من قبل أن يراه وهو قليل الوجود ومقدار هذا الحوت يكون جرمه من ذراع إلى شبر خاصة ولا زائد عليه يملح بعد التشريح بالملح والزنجبيل ويلف في أوراق الأترج ويهدى إلى الملوك الساكنين بتلك الأرضين فيجيزوون عليه ومقدار ما يمسك منه الآخذ تحت لسانه وزن قيراط لا غير وهذا صحيح معلوم حكاه جملة من المخبرين الذين سلكوا هذا البحر وعلموا عوائده وعجائبه. وجملة البحر المسمى بنطس يتصل من جنوبه ببلاد لازقة إلى أن يتصل بقسطنطينة وطوله ألف ميل وثلاث مائة ميل وعرضه ثلاث مائة ميل وأعرض موضع فيه يكون أربع مائة ميل وبشماله يصب نهر دنابرس ويأتي من ظهر بحيرة طرمى وهي بحيرة كبيرة طولها من المشرق إلى المغرب ثلاث مائة ميل وعرضها مائة ميل وسنذكرها ونرسمها على ما هي عليه في موضعها بحول الله وقوته أعني من الإقليم السابع. نجز الجزء السادس من الإقليم السادس والحمد لله ويتلوه الجزء السابع منه إن شاء الله.
الجزء السابع.

إن الذي تضمنه هذا الجزء السابع من الإقليم السادس قطعة من البحر الخزري ومتصل بلاد بسجرت الداخلة وبسجرت الخارجة مع ما يليها في جهة الشمال من بلاد اسقوتية ونريد أن نذكرها على هيئتها ومواضع سموتها حسب ما سبق لنا من القول في سائر الأقاليم والله المعين فنقول إن أكثر هذه الأرضين التي سميناها صحار متصلة وقفار غير عامرة وبلادها قلائل متباعدة ومنافعها قليلة والسلوك فيها صعب لاختلاف أممها وتعذر طرقها. فأما بلاد بسجرت الداخلة فقد قدمنا ذكرها ورسمنا حدودها في الإقليم الخامس وأما بلاد بسجرب الخارجة فمنها قاروقيا ونمجان وغرخان وهذه البلاد عامرة بأهلها مكتفية بذاتها وفيها من التجارات والصناعات حسب ما يكفيهم وبعضهم يداخل أرض بعض ويقتضون حوائجهم من البلاد المتجاورة وهي بلاد خصيبة كثيرة العشب والسوائم. وبسجرت قبيلتان يسكنان في آخر بلاد الغز على ظهر بلغار ومبلغهم في العدد نحو ألفي رجل يمتنعون في مشاجر لا يقدر أحد من جاورهم عليهم وهم في طاعة بلغار ولهم حزم وشدة وأهل بسجرت آخرهم متاخم لبجناك وبسجرت وبجناك أتراك يتاخمون الروم وبينهم مهادنة في أكثر الأوقات وربما أغار بعضهم على بعض فتجري بينهم حروب ومن بلغار إلى أول حد الروس عشر مراحل. ويتصل بأرض بسجرت البلاد المنتنة وسنذكرها باستقصاء بعد هذا في الجزء الثامن بحول الله وقوته وكذلك أيضاً يجاور أرض بسجرت الخارجة من جهة المشرق بعض البلاد المنتنة. ومن بسجرت الخارجة أيضاً إلى مدينة نمجان في جهة المشرق ثماني مراحل ومدينة نمجان مدينة صغيرة متحضرة يملكها رجل من الأتراك والولاية في ولده وولد ولده لا يتحول عنهم لحسن سيرهم ورفقهم بعامتهم وهذه المدينة على ضفة نهر يسمى سوقان وبالمشرق من هذه المدينة جبل أرجيقا فيه معادن نحاس يخدمها أزيد من ألف رجل ويستخرج منه الكثير ويتجهز به إلى أرض خوارزم وإلى سائر بلاد الشاش وإلى ما جاورهم من بلاد الأغزاز ومن هذه المدينة أيضاً تخرج جلود الثعالب وجلود الحيوان المسمى الببر في النهر إلى بحر الخزر فيبيعونها في بحر الخزر والديلم بالأثمان العالية ويصنع بهذه المدينة من الفخار والبرام ما تحسن صفته ويطول مكثه ويوجد بسواحل هذا النهر أصناف من الحجارة الملونة الثمينة ويوجد به أيضاً كثير من الحجر اللازورد وفي هذا من ضروب السمك وأنواع الحيتان ما يجل عن الوصف ويتجاوز حد الذكر حتى أن أهل مدينة نمجان يصيدونه بأيسر حيلة وأخف مؤونة فيأخذون منه الشيء الكثير فيتأدمون به وينعشون منه ويملحون أكثره ويجلبونه في مراكبهم إلى أن يأتوا البحر الخزري فيقطعوا فيه مساحلة إلى مدينة اثل وغيرها فيبيعونه هناك ويتصرفون به.
ومن مدينة نمجان إلى مدينة غرخان ثماني مراحل وهي مدينة من أرض اسقوتيا الترك وهي كبيرة عامرة بأهلها على شمال نهر اثل الواصل إلى بحر طبرستان وهي مدينة لها رساتيق وعمارات متصلة وربما وصل إليها التجار والمسافرون في النهر المذكور وبها يسكن ملك اسقوتيا الترك وهو ملك له رجال وعدد وأسلحة وحصون كثيرة والعمارات عنه متباعدة وفي هذا البلد من الصناعات والمصنوعات ما يشف على الأحتياج ويصنع بها من السروج والأسلحة ما لا يصنع ببلدة من بلاد الأتراك مثلها جودة وإتقاناً. ومن مدينة غرخان إلى مدينة قاروقيا في النهر إنحداراً ثمانية أيام وفي البرية ست عشرة مرحلة غرباً وقاروقيا مدينة حسنة مبانيها من خشب وخركاهات لبود وأهل بلغار يغزونهم في كل حين وبينهم ست عشرة مرحلة وحروبهم أبداً مع الدهر قائمة. ومن مدينة قاروقيا في جهة الشمال إلى بسجرت الخارجة عشر مراحل بين جبال وعرة وطرق صعبة السلوك ضيقة المسالك وبين قاروقيا وبسجرت الداخلة اثنتا عشرة مرحلة بين جبال وعرة ومسالك صعبة وبلاد بسجرت بلاد كثيرة متباعد بعضها من بعض وبين وسط بسجرت الداخلة ووسط بسجرت الخارجة إحدى عشرة مرحلة وزي أهل بسجرت وزي الترك البلغارية واحد ولباسهم القراطق الكبار وفيما ذكرناه من ذلك كفاية.
نجز الجزء السابع من الإقليم السادس والحمد لله ويتلوه الجزء الثامن إن شاء الله.
الجزء الثامن.

تضمن هذا الجزء الثامن من الإقليم السادس الأرض المنتنة وأرض سمريقي وهي أرض الترك الخرلخ وأرض سيسيان والبلاد الخراب التي أتت على فسادها ياجوج وماجوج وهي بلاد وحشة متباعدة الأقطار بعيدة الأسفار قليلاً ما يدخل إليها التجار والمتجولون وإنما يتصرف فيها أهلها لوحشة أرضها وكثرة رباها وتوالي الأمطار فيها فأما أرض سمريقي فبلادها مرصان وغوران ودادمي وسقراه وخيماخيث ونجرغ وارصاه وخرمان ودنبهة ولخمان وأرض سيسيان بلاد أكثرها صحار وليس بها من البلاد كثير ومن مشهور بلادها سقماقية وطغورا وتتصل بها البلاد الخراب وليس منها الآن شيء معمور إلا مدينة رقوان ويجب علينا أن نصف طرقات هذه البلاد ومتصرفاتها وبعض أحوالها وصفاتها بحول الله فنقول: إن أرض سمريقي بلاد تكتنفها من جنوبها جبال متراقية وشواهق شامخة يصعب الصعود إليها ولا تسلك إلا على طرق قليلة وهي وحشة صعبة وكذلك يحيط بها من جهة الشرق أيضاً جبال وأما غوران ومرصان وسقراه ودادمي فإن هذه الأربع بلاد يحيط بها جبل مستدير عليها مثل استدارة النون ولا يدخل إليها إلا على فم ضيق يمنعه القليل من الرجال وعلى هذا الفم عقد من الجبل إلى الجبل جسور من الصخر متصلة والمرتبة على أعلى هذه الجسور ويشق على هذا الفم الذي يدخل منه إلى البلد نهر كبير يأتي من داخل الجبل ويخرج على فم هذا المضيق ويتصل جريه إلى بركة عظيمة خارج الجبل وعلى هذه البركة قوم ظواعن يربعون عليها وينتقلون عنها حسبما يفعله الظواعن في كل أرض من الترك ويخرج من هذه البركة نهر يأخذ في جهة الجنوب فيصب في نهر درندة. ومدينة غوران مدينة صغيرة وبها يسكن ملك هذا الصنف من الأتراك المسماة الخرلخ وله جنود وقواد وعمال وذلك أن لهذا الملك حزماً واجتهاداً وجلادة واحتراساً ممن جاوره وأنس إليه وبلاده مثقفة محصنة ومن مدينة غوران إلى مدينة دندرة أربع مراحل على جبال شاهقة وطرق صعبة. ومن مدينة غوران إلى مدينة مرصان ثلاث مراحل في جهة الشرق ومدينة مرصان على أعلى جبل صعب الإرتقاء وهي مدينة حصينة حسنة لها أسواق وصناعات وبها عيون مياه جارية في أعلى الجبل. ومن مدينة مرصان إلى مدينة سقراه أربع مراحل شرقاً وهي مدينة في سفح الجبل المحيط بهذه المدن المذكورة وقطرها كبير وماؤها غزير وبها أسواق على قدرها وصناعات وفعال. وكذلك من مدينة مرصان أيضاً إلى مدينة دادمي أربع مراحل وكذلك من مدينة دادمي إلى مدينة سقراه أربع مراحل ومدينة دادمي في سند الجبل المذكور وهي متحضرة صغيرة القدر كثيرة العامر ويزرع بها كتان كثير يعم أكثر تلك البلاد وهي على منبع نهر دائم الجري ولهم أرحاء وغلات وبساتين وجنات ومن مدينة دادمي إلى مدينة غوران انحداراً في النهر ثلاث مراحل وفي البر ست مراحل. وبين مدينة دادمي ومدينة شهذروج في جهة الشمال خمسة أيام والطريق على الجبال وعرة وطرق متعذرة فمن أراد ذلك خرج من مدينة دادمى فيقطع الجبل صعوداً ونزولاً مرحلة ومنها إلى جانب نهر شوران مرحلة ومن النهر إلى منزل الصحراء ومنه إلى بركة شهذروج ومدينة شهذروج في وسط جزيرة شهذروج وهي جزيرة كبيرة يحيط بها نقعة ماء أكثرها أقاصير وهي مدينة جليلة عامرة وبها أسواق وصناعات قائمة وغلات دائمة ومتصرفات جمة ومدينة شهذروج أيضاً منيعة وهي على شفير الأرض المنتنة من جهة شرقها ونهرها أيضاً منبعه من جبل اسقاسقا وهو جبل معترض من الشمال إلى ناحية الجنوب مشرقاً قليلاً. ويخرج من هذا الجبل خمسة أنهار أحدها نهر شهذروج ونهر آخر أسفل هذا النهر وعلى بعد يومين منه يخرج نهر كبير ويتفرع بعد خروجه وجريه يوماً فرعين فيصبان في نهر شوران في جهة الجنوب وهذه الأنهار في شرقي الأرض المنتنة وأما الأنهار الثلاثة الباقية فإنها ينابيع نهر اثل تخرج من هذا الجبل المسمى اسقاسقا فيمر الكل منها في جهة الغرب وبعد جريها أياماً يجتمع جميعها ويصير جسداً واحداً ثم يمر إلى أن يصل أرض بلغار فيعود راجعاً إلى ما يلي المشرق حتى يجوز على قرب أرض الروسية وينقسم هناك فيمر القسم الواحد منه إلى مدينة مطرخا فيصب في البحر بينها وبين مدينة الروسية وأما القسم الثاني منه فإنه ينزل من أرض بلغار ويلتوي في جهة الجنوب والشرق حتى يصل أرض الخزر فيصب في اثل في بحر الخزر. وأما الأرض المنتنة فهي أرض ممتدة حرشاء

الأطناب سوداء طولها عشرة أيام جرداء من النبات لا يوجد في شيء من ترابها ولا في جبالها نبات البتة وهي بالجملة وحشة الأكناف بعيدة الأطراف ماؤها غائر ودليلها حائر وسالكها كرب وروائحها منتنة كريهة وليس بها مأوى لعامر ولا مسلك لقاصد يأنس إليه الخاطر وفي آخر هذه الأرض مما يلي شمالها مدينة سقماقية وهي مدينة كبيرة عامرة لا ملك لها ولا رئيس بها وإنما يتولى أحكامها ويتصرف في أمورها شيوخها ورؤوسها وهي مدينة في رأس جبل منيع ومعقل رفيع ولأهلها مزارع ومرافق في حضيض جبلها ويسمى جبلها طغورا وعلى ست مراحل من مدينة سقماقية مدينة طغورا وبهذه المدينة سمي الجبل جبل طغورا وهي مدينة متوسطة المقدار بها عمارة وافرة وأحوال نامية وهاتان المدينتان هما في شرقي الأرض المنتنة وفي غربي أرض سيسيان. ومدائن أرض سيسيان كلها خراب من قبل أيام الإسكندر وبنيانه السد وما عمر من بلادها شيء إلا مدينة رقوان كما قد ذكرناه ومدينة رقوان متوسطة البلاد الخربة أرض سيسيان وطول هذه الأرض إلى متصل الخراب بها سبعة وعشرون يوماً وسنذكر الأرض المنتنة والأرض الخراب بعد هذا إن شاء الله عز وجل. ثم نرجع إلى ذكر ما بقي من أرض سمريقي فنقول إن صفة الطريق من مدينة دادمي المتقدم ذكرها إلى مدينة لحمان في أقصى الشرق من دادمي إلى العقبة صعوداً ونزولاً عنها مرحلة ومن أسفل الجبل يمر من شاء في النهر صاعداً إلى مدينة خيماخيث خمسة أيام وكذلك في البر. وخيماخيث مدينتان على نهر شوران والمدينة الجنوبية منهما مدينة كثيرة الزراعات والأشجار وعندهم خشب كثير يجلب إليها من جبال نجرغ ومن هذه المدينة يخرج الكثير من البلاد وهي مدينة عامرة وبها صناعات كثيرة وتدبغ بها جلود النمور والشنزاب وأما المدينة الشمالية من خيماخيث فهي بين وادي شوران ويصب بأسفلها نهر حيثان وهي مدينة كبيرة جداً ولها أرحاء ودواليب ومصايد للحوت ونهر حيثان منبعه من جبل طغورا. ومن مدينة خيماخيث مع النهر في جهة الشرق وتأريب مع الجنوب إلى مدينة ارصاه أربع مراحل وهي مدينة عامرة كثيرة الديار فسيحة الأقطار كثيرة المياه غزيرة الأنهار ولها كروم ومزارع وهي على ضفة نهر يخرج من جبل رشنان وهو جبل عظيم والثلج لا يفارق أعلاه أبد الدهر في شتاء وصيف ويخرج منه نهران هما ينبوعا نهر شوران المتقدم ذكره قبل هذا. وعلى حضيض هذا الجبل من جهة الجنوب مدينة نجرغ وهي مدينة كبيرة عامرة فيها بشر كثير وهي من بلاد سمريقي وفيها أجناد ورجال وأولو نجدة وحدة وبين نجرغ ومدينة ارصاه مرحلتان ونصف وبينهما عرض الجبل ومدينة ارصاه في شماله على منبع النهر ونجرغ على جنوب هذا الجبل. ومن شاء سار من مدينة ارصاه مع شرق وجنوب إلى مدينة خرمان وهي على نهر ينسب إليها وهو نهر عظيم يخرج من جبل مرغار وهو الجبل العظيم الذي طوله أزيد من ثماني مائة ميل وقد رسمناه قبل هذا وخلف هذا الجبل من جهة الجنوب قبيل من الترك الغزية يسمون خنغاكث ظواعن وربما طرقوا بلاد سمريقي في أيام قلائل وأرهجوها وانصرفوا إلى بلادهم وجبل مرغار حاجز بين أرض خنغاكث وأرض سمريقي وهذا النهر الذي عليه مدينة تخرمان نهر كبير يخرج من جبل مرغار ويجري في جهة الشمال إلى بحيرة عظيمة مستقرها بين جبال غامرة وبلاد قفرة وهذا النهر قعره كله أحجار كبار ملس لا يقدر أحد على جوازه راكباً وإنما يجاز في أعمق مواضعه في المراكب وماؤه صادق البرد أبداً ويقال إنه متى عجن بمائه العجين أغناه عن الخمير. ومن أراد السفر من مدينة ارصاه إلى مدينة دنبهة سار سبعة أيام في عين الشرق في سهول وأوطية وربائع وخصب زائد ومدينة دنبهة مدينة حسنة على ضفة نهر لخمان وفي غربيه ولخمان مدينة يخرج هذا النهر من أسافل جبلها فينسب إلى هذا النهر ومدينة دنبهة مدينة عامرة كثيرة الساكن بها أسواق وأهلها دهاقن ولهم أغنام وسوائم كثيرة وهذا النهر يصل إلى البركة التي يصب فيها نهر خرمان التقدم ذكره قبل هذا وهذا النهر كثير الماء ساكن الجري والمراكب تسافر فيه من دنهة إلى البركة ثم إلى مدينة خرمان صعوداً في النهر. ومن مدن سمريقي الخرلخ مدينة لخمان وهي مدينة كبيرة على جبل شونيا وهذا الجبل حاجز بين بلاد سمريقي وبلاد سيسيان التي بها بلاد الخراب التي كان تولى إخرابها ياجوج وماجوج أيام كان السد مفتوحاً فلما كان أيام

الإسكندر ردع ياجوج وماجوج من تلك البلاد وبنى الردم وبقيت خراباً وأخبر خورين برخان مند التركي في حين تأليفنا لهذا الكتاب أن تلك البلاد كلها في هذا الوقت عامرة وأن أرض سيسيان كلها عامرة. فأما مدينة لخمان فهي مدينة حسنة جليلة عامرة وفيها صناخئع ومعايش وبين أهلها وبين الأغزاز حرب لاقحة وقد يتهادون في بعض الأوقات ويصلحون ذات بينهم ويصطلحون وقد لا يتفقون على صلح البتة وهم أهل شدة واعتزاز على من جاورهم ويحيط بأرض سمريقي في جهة الشرق أرض التركش المجاررة للسد وسنذكرها بعد هذا بعون الله. نجز الجزء الثامن من الإقليم السادس والحمد لله ويتلوه الجزء التاسع منه إن شاء الله.ر ردع ياجوج وماجوج من تلك البلاد وبنى الردم وبقيت خراباً وأخبر خورين برخان مند التركي في حين تأليفنا لهذا الكتاب أن تلك البلاد كلها في هذا الوقت عامرة وأن أرض سيسيان كلها عامرة. فأما مدينة لخمان فهي مدينة حسنة جليلة عامرة وفيها صناخئع ومعايش وبين أهلها وبين الأغزاز حرب لاقحة وقد يتهادون في بعض الأوقات ويصلحون ذات بينهم ويصطلحون وقد لا يتفقون على صلح البتة وهم أهل شدة واعتزاز على من جاورهم ويحيط بأرض سمريقي في جهة الشرق أرض التركش المجاررة للسد وسنذكرها بعد هذا بعون الله. نجز الجزء الثامن من الإقليم السادس والحمد لله ويتلوه الجزء التاسع منه إن شاء الله.
الجزء التاسع.

إن الذي تضمنه هذا الجزء التاسع من الإقليم السادس قطعة من أرض خفشاخ وأرض التركش وسد ياجوج وماجوج فأما بلاد التركش فهي بلاد تتاخم الردم وهي بلاد باردة كثيرة الثلوج والأمطار وكذلك أرض خفشاخ مثلها. وأما ردم ياجوج وماجوج فشيء قد نطقت الكتب به وتوالى الأخبار عنه ومن ذلك ما حكاه سلام الترجمان أخبر عنه بذلك عبيد الله بن خرداذبه في كتابه وكذلك أخبر به أيضاً أبو نصر الجيهاني فقالا إن الواثق بالله لما رأى في المنام كان السد الذي بناه ذو القرنين بيننا وبين ياجوج وماجوج مفتوحاً أحضر سلاماً الترجمان وقال له اذهب وانظر إلى هذا السد وجئني بخبره وحاله وما هو عليه ثم أمر له بأصحاب يسيرون معه عددهم خمسون رجلاً ووصله عند ذلك بخمسة ألاف دينار وأعطاه ديته عشرة ألاف درهم وأمر أيضاً أن يعطى إلى كل واحد من أصحابه خمسين ألف درهم ورزق سنة وأمر لهم بمائة بغل تحمل الماء والزاد. قال سلام الترجمان فشخصنا من سر من رأى بكتاب الواثق إلى إسحاق بن إسماعيل صاحب أرمينية بالنظر في تنفيذنا من هناك فوجدناه بتفليس فلما اجتمعنا به كتب لنا كتاباً إلى ملك السرير وأنفذنا إليه فلما وردنا عليه أشخصنا إلى ملك اللان وأصحبنا إليه مكاتبة فلما رحلنا إليه أشخصنا أيضاً إلى صاحب فيلان شاه فلما وردنا عليه أقمنا عنده أياماً فاختار لنا خمسة أدلاء يدلون على الطريق التي نحن صائرون إليها. فسرنا من عنده سبعة وعشرين يوماً في تخوم بلاد بسجرت إلى أن وصلنا إلى أرض سوداء طويلة ممتدة كريهة الرائحة فشققناها في عشرة أيام وكنا قد تزودنا لقطعها بأشياء نشتمها خوفاً من أذى روائحها الكريهة ثم انفصلنا عنها فسرنا مدة شهر في بلاد خراب قد درست أبنيتها ولم يبق منها إلا رسوم يستدل بها عليها فسألنا من معنا عن تلك المدن فأخبرونا أنها المدن التي كان ياجوج وماجوج يغزونها ويخربونها ثم سرنا إلى حصون بالغرب من الجبل الذي في شعبه السد وذلك في ستة أيام وفي تلك الحصون قوم يتكلمون بالعربية والفارسية وهناك مدينة يدعى ملكها خاقان أذكش وأهلها مسلمون لهم مساجد ومكاتب فسألونا من أين أقبلنا فأخبرنا هم أننا رسل أمير المؤمنين الواثق فعجبوا منا ومن قولنا أمير المؤمنين ثم سألونا عن أمير المؤمنين أشيخ هو أم شاب فقلنا شاب فعجبوا أيضاً ثم قالوا وأين يكون فقلنا هو بالعراق في مدينة تسمى سر من رأى فعجبوا من ذلك وقالوا ما سمعنا بهذا قط فسألناهم نحن عن إسلامهم من أين وصلهم والقرآن من علمه لهم فقالوا إنه وصل إلينا منذ أعوام كثيرة رجل راكب على دابة طويلة العنق طويلة اليدين والرجلين لها في موضع صلبها حدبة فعلمنا أنهم يصفون الجمل قالوا فنزل بنا وكلمنا بكلام فهمناه ثم علمنا شرائع الإسلام وتوابعها فقبلناها وعلمنا أيضاً القرآن ومعانيه فتعلمناه وحفظناه عنه. قال سلام ثم خرجنا بعد هذا إلى السد لنبصره فسرنا عن المدينة نحواً من فرسخين فوصلنا السد فإذا جبل مقطوع بواد عرضه مائة وخمسون ذراعاً وله في وسط هذا القباء باب حديد طوله خمسون ذراعاً قد اكتنفه عضادتان عرض كل عضادة منهما خمسة وعشرون ذراعاً فالظاهر من تحتهما عشرة أذرع خارج الباب وكله مبنى بلبن الحديد مغيب في النحاس وارتفاع العضادتين خمسون ذراعاً وعلى أعلى العضادتين دروند حديد طوله مائة وعشرون ذراعاً والدروند العتبة العليا وقد ركب منها على كل واحدة من العضادتين مقدار عشرة أذرع ومن فوق الدروند بنيان متصل بلبن الحديد المغيب في النحاس إلى رأس الجبل وارتقاعه مدى البصر وفوق ذلك شرف حديد في طرف كل شرفة قرنان مثنيا الأطراف بعضهما إلى بعض. وللباب مصراعان معلقان عرض كل مصراع خمسون ذراعاً في ثخن خمسة أذرع وقائمتاهما في دوارة على قدر الدروند وعلى الباب قفل طوله سبعة أذرع في غلظ ذراع في الاستدارة وارتفاع القفل من الأرض خمسة وعشرون ذراعاً وفوق القفل بخمسة أذرع غلق طوله أكثر من طول القفل وعلى الغلق مفتاح طوله ذراع ونصف ذراع وله اثنتا عشرة دندانجة كل دندانجة منها كأغلظ ما يكون من دساتج الهواوين معلق كل واحد منها أيضاً في سلسلة طولها ثمانية أذرع في استدارة أربعة أشبار والحلقة التي فيها السلسلة على قدر حلقة المنجنيق وعتبة الباب السفلى عشرة أذرع بسط مائة ذراع سوى ما تحت العضادتين والظاهر منها خمسة أذرع وكلها

مكتالة بالذراع السوداوي. ورئيس تلك الحصون يركب في كل جمعة في عشرة فوارس مع كل فارس إرزبة حديد في كل إرزبة خمسة أمناء فيضرب القفل بتلك الإرزبات في كل يوم ثلاث مرات ليسمع من خلف الباب فيعلمون أن هناك حفظة ويعلم هؤلاء أن ياجوج وماجوج لم يحدثوا في الباب حدثاً وإذا ضرب أصحاب الإرزبات القفل وضعوا آذانهم مستمعين لما وراء الباب فيسمعون لمن داخل الباب دوياً يدل على أن خلفه بشراً. وبالقرب من هذا الموضع حصن كبير يكون عشرة فراسخ في عشرة وتكسيره ثلاث مائة ميل ومع هذا الباب حصنان يكون كل واحد منهما مائتي ذراع في مائتي ذراع وبين هذين الحصنين عين ماء عذبة وفي أحد الحصنين آلة بناء التي بني بها السد من القدور الحديد ومغارف الحديد وهذه القدور فوق ديكدانات على كل ديكدان أربع قدور مثل قدور الصابون وهناك أيضاً بقايا من اللبن الحديد التي بني بها السد وقد التصق بعضها ببعض من الصدا وطول اللبنة ذراع ونيف في ذراع ونيف في ارتفاع شبر. قال سلام الترجمان وقد سألنا من خاطبناه من أهل ذلك المكان هل رأوا أحداً من ياجوج وماجوج قط فأخبرونا أنهم رأوا منهم عدة فوق شرف الردم فهبت عليهم ريح عاصفة فرمت منهم ثلاثة إلى ناحيتهم وكان مقدار الرجل منهم شبرين ونصف شبر. قال سلام الترجمان فكتبت هذه الصفات كلها وأخذتها معي ثم انصرفنا مع إدلاء من أهل تلك الحصون فأخذوا بنا على ناحية خراسان فسرنا من تلك الحصون إلى مدينة لخمان إلى مدينة غريان إلى مدينة برساخان إلى الطراز إلى سمرقند فوصلنا إلى عبد الله بن طاهر فأقمنا عنده أياماً فوصلني بمائة ألف درهم ووصل كل رجل معي بخمسة ألاف درهم وأجرى أيضاً للفارس من أصحابي خمسة دراهم وللراجل ثلاثة دراهم في كل يوم ثم سرنا إلى الري ثم رجعنا إلى سر من رأى بعد خروجنا عنها وإقامتنا في السفر ثمانية وعشرين شهراً فهذا جميع ما حدث به سلام الترجمان من الأخبار عن السد والأرضين التي قطعها إليه والأمم التي اجتمع بها في طريقه وما وقع بينه وبين من لقيه منها من الخطاب وبتمام هذا الخبر تم الجزء التاسع من الإقليم السادس والحمد لله على ذلك حمداً دائماً وله الشكر واصبا. نجز الجزء التاسع من الإقليم السادس والحمد لله ويتلوه الجزء العاشر منه بالذراع السوداوي. ورئيس تلك الحصون يركب في كل جمعة في عشرة فوارس مع كل فارس إرزبة حديد في كل إرزبة خمسة أمناء فيضرب القفل بتلك الإرزبات في كل يوم ثلاث مرات ليسمع من خلف الباب فيعلمون أن هناك حفظة ويعلم هؤلاء أن ياجوج وماجوج لم يحدثوا في الباب حدثاً وإذا ضرب أصحاب الإرزبات القفل وضعوا آذانهم مستمعين لما وراء الباب فيسمعون لمن داخل الباب دوياً يدل على أن خلفه بشراً. وبالقرب من هذا الموضع حصن كبير يكون عشرة فراسخ في عشرة وتكسيره ثلاث مائة ميل ومع هذا الباب حصنان يكون كل واحد منهما مائتي ذراع في مائتي ذراع وبين هذين الحصنين عين ماء عذبة وفي أحد الحصنين آلة بناء التي بني بها السد من القدور الحديد ومغارف الحديد وهذه القدور فوق ديكدانات على كل ديكدان أربع قدور مثل قدور الصابون وهناك أيضاً بقايا من اللبن الحديد التي بني بها السد وقد التصق بعضها ببعض من الصدا وطول اللبنة ذراع ونيف في ذراع ونيف في ارتفاع شبر. قال سلام الترجمان وقد سألنا من خاطبناه من أهل ذلك المكان هل رأوا أحداً من ياجوج وماجوج قط فأخبرونا أنهم رأوا منهم عدة فوق شرف الردم فهبت عليهم ريح عاصفة فرمت منهم ثلاثة إلى ناحيتهم وكان مقدار الرجل منهم شبرين ونصف شبر. قال سلام الترجمان فكتبت هذه الصفات كلها وأخذتها معي ثم انصرفنا مع إدلاء من أهل تلك الحصون فأخذوا بنا على ناحية خراسان فسرنا من تلك الحصون إلى مدينة لخمان إلى مدينة غريان إلى مدينة برساخان إلى الطراز إلى سمرقند فوصلنا إلى عبد الله بن طاهر فأقمنا عنده أياماً فوصلني بمائة ألف درهم ووصل كل رجل معي بخمسة ألاف درهم وأجرى أيضاً للفارس من أصحابي خمسة دراهم وللراجل ثلاثة دراهم في كل يوم ثم سرنا إلى الري ثم رجعنا إلى سر من رأى بعد خروجنا عنها وإقامتنا في السفر ثمانية وعشرين شهراً فهذا جميع ما حدث به سلام الترجمان من الأخبار عن السد والأرضين التي قطعها إليه والأمم التي اجتمع بها في طريقه وما وقع بينه وبين من لقيه منها من الخطاب وبتمام هذا الخبر تم الجزء التاسع من الإقليم السادس والحمد لله على ذلك حمداً دائماً وله الشكر واصبا. نجز الجزء التاسع من الإقليم السادس والحمد لله ويتلوه الجزء العاشر منه

إن شاء الله.
الجزء العاشر.
إن الذي تضمنه هذا الجزء العاشر من الإقليم السادس قطعة من بلاد ياجوج وماجوج وما لنا شيء نتكلم به في هذا الجزء إلا ما وصفه بطلميوس في كتاب الجغرافيا فإنه ذكر هاتين المدينتين ولم يسمهما وإنما ألحقهما بالطول والعرض فقط فجئنا بهما على هيئة ما ذكرهما وأثبتهما في كتابه ووصفهما وبتمام هذا الجزء العاشر انقضى الإقليم السادس والحمد لله على ذلك كثيراً حمداً مباركاً جزيلاً وحسبنا الله ونعم الوكيل.
نجز الجزء العاشر من الإقليم السادس والحمد لله ويتلوه الجزء الأول من الإقليم السابع إن شاء الله.
الإقليم السابع
الجزء الأول.
ان هذا الجزء الأول من الإقليم السابع كله بحر مظلم وجزائره بأسرها مغمورة غير معمورة.
الجزء الثاني.
إن في هذا الجزء الثاني من الإقليم السابع مضمناً قطعة من البحر المظلم فيها جزيرة إنقلطارة وهي جزيرة كبيرة تشبه رأس النعامة وبها مدائن عامرة وجبال شاهقة وأودية جارية وأرض سهلة وفيها خصب زائد ولأهلها جلادة وعزم وحزم والشتاء بها دائم وأقرب بر إليها وادي شنت من أرض إفلاندرش وبين هذه الجزيرة والبر الكبير مجاز سعته اثنا عشر ميلاً. فمن مدنها التي في أقصى المغرب من هذه الجزيرة وعلى طرف من أضيق مكان فها مدينة سهستار وبينها وبين البحر اثنا عشر ميلاً وهي مدينة حسنة عامرة على نهر كبير يأتيها من جهة الشمال فيصب في البحر بشرقيها ومن هذه المدينة إلى مدينة غرهم على الساحل ستون ميلاً وكذلك من مدينة سهستار إلى الطرف الغربي من الجزيرة ثلاث مائة ميل وثمانون ميلاً.
ومنها أيضاً إلى مرسى درته موده ثمانون ميلاً ثم إلى طرف الجزيرة المسمى قرنوالية ثلاث مائة ميل وهذا الطرف الرفيق منها شبيه بمنقار طائر. ومن مدينة سهستار أيضاً إلى مدينة سلابرس في البر من جهة الشمال ستون ميلاً وهي مدينة جليلة على شرقي النهر الذي يصب في مدينة سهستار. ومن مدينة غرهم أيضاً إلى طرف هنتونة وهو قرطيل يدخل في البحر خمسة وعشرون ميلاً وعلى طرفه من ناحية المشرق مدينة هنتونة وهي مدينة عامرة ويصب بها من ناحية شرقيها نهر عونسترة. وعونسترة مدينة برية وبين هنتونة وعونسترة ثمانون ميلاً ومن عونسترة إلى سلابرس أربعون ميلاً في جهة الغرب ونهر عونسترة يخرج من جبل معترض في وسط الجزيرة. ومن هنتونة إلى مدينة شرهام ستون ميلاً وهي على نحر البحر وهي مدينة جليلة متحضرة فيها إنشاء وعمارة. ومنها مع الساحل إلى مدينة هستينكش خمسون ميلاً وهي مدينة مقدرة الكبر كثيرة البشر عامرة جليلة ذات أسواق وفعلة وتجار مياسير.
ومنها مع الساحل شرقاً إلى مدينة دبرس سبعون ميلاً وهي أيضاً مدينة كبيرة وهي على رأس المجاز الذي يجاز منها إلى البر المتصل بالأرض الكبيرة. ومن مدينة دبرس إلى مدينة لوندرس في البر أربعون ميلاً وهي على نهر كبير يصب في البحر بين مدينة دبرس وبين مدينة جرنموده. ومدينة جرنموده مدينة حسنة على ضفة البحر. فمن مدينة دبرس إلى موقع نهر لوندرس في البحر عشرون ميلاً ومن موقع هذا النهر إلى مدينة جرنموده المذكورة أربعون ميلاً فذلك من مدينة دبرس إلى جرنموده على البحر ستون ميلاً. ونهر لوندرس اسمه رطانزة وهذا النهر كثير الجري حسير الماء وجريه من وسط الجزيرة فيصل إلى مدينة غركة فرت على مقدار خمسين ميلاً ويجتاز بجنوب مدينة غركة فرت فيمر منها إلى مدينة لوندرس المذكورة أربعين ميلاً ثم يمر من لوندرس فيصب في البحر كما ذكرناه.

ومن مدينة جرنموده إلى مدينة نرغيق تسعون ميلاً ومدينة نرغيق مرتفعة عن البحر مقدار عشرة أميال. ومن مدينة نرغيق إلى مدينة أغريمس على البحر ثمانون ميلاً فذلك من مدينة جرنموده إلى أغريمس على البحر مائة ميل وخمسون ميلاً ومن مدينة جرتموده المذكورة ينعطف البحر آخذاً في جهة الشمال على استدارة ومن مدينة أغريمس المذكورة إلى مدينة أفرويك ثمانون ميلاً وهي على بعد البحر المظلم وعلى طرف جزيرة سقوسية المتصلة بجزيرة إنقلطارة وهي جزيرة ذات طول آخذة في شمال الجزيرة الكبيرة وليس بها عمارة ولا مدينة ولا قرية وطولها مائة وخمسون ميلاً. ومن مدينة إفرويك إلى موقع نهر بشكه مائة وأربعون ميلاً وبشكله حصن على هذا النهر مرتفع عن البحر اثنا عشر ميلاً. ومن مدينة أغريمس المذكورة قبل إلى مدينة نقولس في البر مائة ميل والنهر يشق وسطها وينصب منها إلى مدينة أغريمس فيصب بجنوبها في البحر كا ذكرناه. ومن نقولس البرية إلى مدينة إفرويك أيضاً تسعون ميلاً ثم إلى مدينة دونالمه ثمانون ميلاً شمالاً على بعد من البحر. ومن طرف جزيرة سقوسية الخالية إلى طرف جزيرة إرلاندة مجريان في جهة الغرب. وجزيرة إرلاندة كبيرة جداً بين طرفها الأعلى وبرطانية ثلاثة مجار ونصف وحكى صاحب كتاب العجائب أن بها ثلاث مدائن وبها قوم يسكنونها وكانت المراكب تجتاز بها وتحط عليها وتشتري منها العنبر والحجارة الملونة فوقعت بين أهلها شرور وطلب بعضهم أن يملك عليهم وحاربهم بأهله فحاربوه فوقعت العداوة لذلك بينهم فتفانوا وانتقل بعضهم إلى عدوة البحر من الأرض الكبيرة فخربت مدائنهم ولم يبق أحد منم. ومن طرف جزيرة إنقلطرة إلى جزيرة دنس مجرى. ومن طرف إسقوسية في جهة الشمال إلى جزيرة رسلاندة ثلثا مجرى وبين طرف جزيرة رسلاندة وطرف جزيرة إرلاندة الكبيرة مجرى وكذلك من طرف جزيرة رسلاندة في جهة الشرق إلى جزيرة نرباغة اثنا عشر ميلاً وطول جزيرة رسلاندة أربع مائة ميل وعرضها مائة وخمسون ميلاً وسنذكر هذه الجزائر فيما بعد بعون الله تعالى وحسن توفيقه. نجز الجزء الثاني من الإقليم السابع والحمد لله ويتلوه الجزء الثالث منه إن شاء الله.
الجزء الثالث.

إن في هذا الجزء الثالث من الإقليم السابع ساحل أرض بلونية وأرض زوادة وبلاد فيمارك وجزيرة دارمرشة وجزيرة نرفاغة ونحن نذكر هذه السواحل والجزائر حسب ما سبق لنا قبل هذا بحول الله تعالى. فمن ذلك أن مدينة وزرة على نهرها وبينها وبين البحر خمسة عشر ميلاً وكذلك من مدينة وزرة إلى مدينة نيوبرك خمسة وعشرون ميلاً ومن وزرة إلى موقع نهر ألبة مائة ميل ومن نهر ألبة إلى فم الجزيرة المسماة دارمرشة ستون ميلاً. وجزيرة دارمرشة في ذاتها مستديرة الشكل رملة وفيها من المدن أربع قواعد وقرى كثيرة ومراس مستورة معمورة فأول ذلك من فم الجزيرة إلى مدينة السيلة على يسار الداخل خمسة وعشرون ميلاً وهي مدينة صغيرة متحضرة بها أسواق قائمة وعمارات دائمة وهي على ساحل البحر ومنها مع الساحل إلى مرس طرذيرة خمسون ميلاً وهو مرسى مكن من كل ريح وعليه عمارة ومن هذا المرسى إلى مرسى خور مائة ميل وهو مرسى مكن من كل ريح وعليه آبار ماء حلوة ومن هذا المرسى إلى مرسى وندلسقاذة مائتا ميل وهو مرسى عامر ومن هذا المرسى يدخل إلى جزيرة نرفاغة وبينهما مجاز طوله نصف مجرى ومن هذا المرسى إلى مدينة هرش هنت مائتا ميل وهي مدينة حسنة صغيرة ومنها إلى حصن لندوينة ثمانون ميلاً ومن هذا الحصن إلى مدينة سيسبولي مائة ميل ومنها إلى فم الجزيرة اثنا عشر ميلاً فدور محيط هذه الجزيرة سبع مائة ميل وخمسون ميلاً. ومن فم هذه الجزيرة مع الساحل إلى مدينة جرتة مائة ميل وهي مدينة صغيرة متحضرة ذات أسواق وعمارات ومنها إلى مدينة لند شوذن مائتا ميل وهي مدينة كبيرة عامرة ومن هذه المدينة إلى موقع نهر قطلو وعليه هناك مدينة تسمى سقطون مائة وتسعون ميلاً وهي مدينة حسنة ومنها إلى مدينة قلمار مائتا ميل وسنذكر انتهاء هذا الساحل على استقصاء بعون الله وتوفيقه. ولنرجع الآن فنقول إن من مدينة جرتة الساحلية إلى مدينة زوادة شرقاً مائة ميل ومدية زوادة جامعة كبيرة وبها عرفت أرضها وهي أرض قليلة العمارة كثيرة البرد والجمد وبين زوادة ومدينة ألبة مائة ميل وهي منها في جهة الشرق ومنها في جهة الشرق أيضاً إلى مدينة فيمية مائة ميل وبين فيمية والبحر مائة ميل ويقابلها في جهة الشمال على بحر الظلمات مدينة لند شوذن. ومن مدينة لند شوذن إلى موقع نهر قطلو ويروى قطرلو وعليه مدينة سقطون مائة ميل وتسعون ميلاً ومن موقع نهر قطرلو أيضاً إلى مدينة قلمار مائتا ميل وسنأتي على ما يليه من السواحل بعد هذا وسمي نهر قطرلو بمدينة هي عليه وهو نهر عظيم يمر من جهة المغرب مشرقاً ثم يصب في البحر المظلم وبين مصب الذراع الواحد والذراع الثاني من هذا النهر ثلاث مائة ميل. وأما جزيرة نرفاغة الكبيرة فأكثرها خلاء وهي أرض كبيرة لها طرفان أحدهما يتصل من جهة المغرب بجزيرة دارمرشة ويقابل مرساها المسمى وندلسقاذة وبينهما مجاز صغير نحو من نصف مجرى والطرف الآخر يتصل بالساحل الكبير من أرض فيمارك وفي هذه الجزيرة ثلاث مدن عامرة فمديتان منها مما يلي أرض فيمارك ومدينة ثالثة مما يلي جزيرة دارمرشة وكلها مدن تتقارب صفاتها والداخل إليها قليل ومعايشها ضيقة بكثرة الأمطار والأنواء الدائمة وهم يزرعون ويحصدون زروعهم خضراً ثم يجففونها في بيوت يوقدون فيها النار لقلة شعاع الشمس عندهم وفي هذه الجزيرة من الشجر الكبير الجرم الذي لا يوجد في غيرها من الأمكنة كثير ويقال إن في هذه الجزيرة قوماً مستوحشين يسكنون البراري رؤوسهم لاصقة بأكتافهم لا أعناق لهم البتة وهم يأوون إلى الشجر فيتخذون في أجوافها بيوتاً ويسكنون فيها وأكلهم ثمر البلوط والشاهبلوط وفي هذه الجزيرة الحيوان الذي يقال له الببر وبها منه كثير جداً لكنه أصغر من ببر فم الروسية وقد ذكرنا ذلك فيما قبل. نجر الجزء الثالث من الإقليم السابع والحمد لله ويتلوه الجزء الرابع إن شاء الله تعالى.
الجزء الرابع.

إن في هذا الجزء الرابع من الإقليم السابع أكثر بلاد الروسية وبلاد فنمارك وأرض طبست وأرض أستلاندة وأرض المجوس وهذه الأرضون أكثرها خلاء وبرار وقرى عامرة وثلوج دائمة وبلادها قليلة. فأما أرض فنمارك فأرض كثيرة القرى والعمارات والأغنام وليس بها بلاد عمارة إلا مدينة أبررة ومدينة قلمار وهما مدينتان كبيرتان لكن البداوة عليها بادية والقوة على أهلهما غالبة وبهما من الأقوات المقدرة أقل مما يكفيهم والأمطار عليهما قائمة دائبة. ومن مدينة قلمار غرباً إلى مدينة سقطون مائتا ميل. وملك فنمارك له بلاد وعمارات في جزيرة نرباغة السابق ذكرها. ومن مدينة قلمار إلى موقع الذراع الثاني من نهر قطولو ثمانون ميلاً.
ومن نهر قطولو إلى مدينة رغولدة مائة ميل ورغولدة مدينة كبيرة عامرة على نهر البحر وهي مدينة تنسب إلى أرض طبست. وهذه الأرض كثيرة القرى والعمارات غير أن بلادها قلائل وهذه الأرض أشد برداً من أرض فنمارك والجمد والمطر لا يكاد يفارقهم طرفة عين.
ومن مدينة انهو إلى مدينة رغولدة مائتا ميل وانهو مدينة حسنة جليلة عامرة وهي من بلاد أستلاندة. ومن مدن أستلاندة مدينة قلوري وهي مدينة صغيرة كالحصن الكبير وأهلها فلاحون وإصاباتهم قليلة غير أن أغنامهم كثيرة. ومن مدينة انهو إليها جنوباً مع الشرق ست مراحل.
وكذلك أيضاً من مدينة انهو لمن سلك طريق الساحل إلى موقع نهر برنو خمسون ميلاً.
ومنه إلى حصن فلموس على بعد من الساحل مائة ميل وهو حصن خراب في زمن الشتاء وأهله يفرون عنه إلى كهوف بعيدة عن البحر فيأوون إليها ويوقدون فيها النيران مدة أيام الشتاء وزمن البرد ولا يفترون عن وقود النيران فإذا كان زمن الصيف وانجلى القتام عن الساحل وارتفعت الأمطار عادوا إلى حصنهم. ومن هذا الحصن إلى مدينة مدسونة ثلاث مائة ميل ومدينة مدسونة مدينة كبيرة جامعة عامرة كثيرة البشر وأهلها مجوس يعبدون النيران.
ومنها إلى مدينة صونو من أرض المجوس على الساحل سبعون ميلاً. ومن بلاد المجوس المتباعدة من البحر مدينة قابي وبينهما وبين البحر ست مراحل. ومن مدينة قابي أيضاً إلى مدينة قلوري أربعة أيام. ومن مدينة قلوري في جهة الغربي إلى مدينة جنتيار سبعة أيام وهي مدينة كبيرة عامرة في أعلى جبل لا يمكن الصعود إليه وأهلها متحصنون فيها من طراق الروسية وليست هذه المدينة في طاعة أحد من الملوك. وفي بلاد الروسية مدينة مرتوري وهي مدينة على مخرج نهر دنست. ومن مدينة مرتوري إلى مدينة رمسلي أربعة أيام في جهة الجنوب وتسمى رمسلي بلسان الرومية طويه ورمسلي ومرتروي من بلاد الروسية وبلاد الروسية بلاد كثيرة في الطول والعرض. وفي البحر المظلم جزائر كثيرة غير عامرة وبها من الجزائر العامرة جزيرتان تسميان جزيرتي أمزنيوس المجوس والجزيرة الغربية منها يعمرها الرجال فقط وليس بها إمرأة والجزيرة الثانية فيها النساء ولا رجل معهن وهم في كل عام يقطعون مجازاً بينهم في زوارق لهم وذلك في زمن الربيع فيقصد كل رجل منهم امرأته فيواقعها ويبقى معها أياماً نحوا من شهر ثم يرتحل الرجال إلى جزيرتهم فيقيمون بها إلى العام المقبل إلى ذلك الوقت فيقصدون الجزيرة التي فيها نساؤهم فيفعلون معهن كا فعلوا في العام الماضي من أن الرجل يواقع زوجته ويقيم عندها شهراً كاملاً ثم يعود إلى الجزيرة التي كان بها وكذلك يفعل جميعهم وهذه عادة معلومة عندهم وسيرة قائمة بينهم. والدخول إليهم أقرب ما يكون من مدينة انهو وبينهم ثلاثة مجار وقد يدخل إليهم من مدينة قلمار ومن مدينة رغولدة وهذه الجزائر لا يكاد يصيبها أحد من الداخلين إليها لكثرة غمام هذا البحر وشدة ظلمة وعدم الضياء به.
نجز الجزء الرابع من الإقليم السابع والحمد لله ويتلوه الجزء الخامس منه إن شاء الله تعالى.
الجزء الخامس.

إن هذا الجزء الخامس من الإقليم السابع فيه شمال أرض الروسية وشمال أرض القمانية فأما بلاد الروسية التي يحيط بها هذا الجزء ففيه بلاد قليلة بين جبال إلى محيطة بها ولم يصل إلينا أحد بصحة أسمائها وتخرج من هذه الجبال أعين كثيرة فتقع كلها في بحيرة طرمي وهي بحيرة كبيرة جداً وفي وسطها جبل عال فيه وعول مشهورة وفيه الحيوان المسمى الببر وأكثر هذه البحيرة من جهة المشرق في بلاد قمانية ومن قبالة ظهرها يخرج نهر دنابرس من مروج وشعراء ويسمى هناك بلتس وعليه من البلاد سنوبلي ومدينة مونيشقة وهما بلدان عامران من بلاد القمانية. فأما البحر المظلم الغربي فيقف آخره مع شمال الروسية ويلوي في جهة الشمال ثم ينعطف إلى جهة الغرب وينعطف هناك إذ هو مكان لا يسلك فتبارك الله أحسن الخالقين.
نجز الجزء الخامس من الإقليم السابع والحمد لله ويتلوه الجزء السادس منه إن شاء الله تعالى.
الجزء السادس.
إن هذا الجزء السادس تضمن بلاد القمانية الداخلة وبعض بلاد بلغارية. وفي بلاد القمانية الداخلة مدينة طرويا ومدينة إقليبه وهما مدينتان عامرتان تتقارب حالاتهما وتتوازى صفاتهما.
وبين طرويا ومدينة صلاو في جهة الجنوب مائة ميل مفاوز قليلة العمارة. ومن طرويا إلى مدينة إقليبه ثمانية أيام وهي آخر عمالة القمانيين في وقتنا هذا. وفي شمال بلاد القمانية بحيرة غنون وهي أبد الدهر وجه مائها جامد لا ينحل إلا في أيام قلائل في زمن الصيف. ويصب إلى هذه البحيرة ثمانية أنهار أحدها نهر شروى وهو نهر لا يقدر أحد على جوازه في غير أيام الصيف لأنه يقرض الأطراف بشدة وفي هذه البحيرة يتولد السمك الذي يتخذ منه الغراء الكثير وفي غياضها الحيوان المسمى الببر. وأما بلاد بلغار فهي مدينة ثابون وهي مدينة حصينة في رأس جبل وبها عمارة وخصب كثير وبشمال هذه البلاد جبل قوقايا وليس خلفه عمارة ولا حيوان لشدة البرد والله أعلم بخفي الأمور وهو على كل شيء قدير. نجز الجزء السادس من الإقليم السابع والحمد له ويتلوه الجزء السابع منه إن شاء الله.
الجزء السابع.
تضمن هذا الجزء السابع من الإقليم السابع بقية بلاد بسجرت وشمال أرض المنتنة وأكثر بلاد بجناك ومن مدن بسجرت الداخلة ماسترة وقاسترة وهما مدينتان صغيرتان وقليلاً ما يدخل إليهم التجار ولا يصل أحد إليهم لأنهم يقتلون من وطىء أرضهم وبلادهم من غيرهم وهاتان المدينتان على نهر يمد نهر اثل. وأما بلاد بجناك فقليلة ولم يتصل بنا أن لهم مدينة أكثر من مدينة ياقاموني وهم أمم كثيرة أتراك يحاربون الروسية وما جاورهم من بلاد الروم وهم ممتنعون في الجبال والمشاجر لا يقدر عليهم فيها وأهل بجناك مثل الروسية في ذاتهم يحرقون موتاهم وبعضهم يحلقون لحاهم وبعضهم يضفرونها ولباسهم القراطق الصغار ولسانهم غير لسان الروسية وغير لسان البسجرتية فسبحان خالق الخلق وباسط الرزق لا إله إلا هو العلي الكبير. نجز الجزء السابع من الإقليم السابع والحمد لله ويتلوه الثامن إن شاء الله.
الجزء الثامن.
تضمن هذا الجزء الثامن من الأرضين بلاداً قفراء وبها الأرض المحفورة وهي من عجائب الدنيا وذلك أنه حكى الجيهاني في كتابه أن هذه الأرض مروا بها بعد خروجهم من الأرض المنتنة فرأوها ومشوا مع طولها يوماً وهي بقعة من الأرض لا يقدر أحد على النزول إليها من جميع جوانبها لبعد قعرتها وصعوبة جنباتها وهي معمورة وعلموا ذلك بأن رأوا الدخان منها في النهار في مواضع كثيرة ورأوا النيران بالليل كهيئة النجوم تتقد مرة وتخفى أخرى وأغرب ما فيها أن بها نهراً يظهر في خيالا يشق أرضها من الجنوب إلى الشمال وعليه العمارة ولا يقدر أحد ينزل إليها البتة ولا يصعد منها إذ ذلك ممتنع جداً فسبحان الذي أنشأهم فيها وقدر أقواتهم بها فهو الخلاق العليم لاإله إلا هو الرحمن الرحيم.
نجز الجزء الثامن من الإقليم السابع والحمد لله ويتلوه الجزء التاسع إن شاء الله تعالى.
الجزء التاسع.

تضمن هذا الجزء التاسع قطعة من أرض ياجوج وماجوج الداخلة وقطعة من البحر الزفتي وهو آخر البحر الشرقي وهو أيضاً مظلم وحكى صاحب كتاب العجائب أن في داخل بلاد ياجوج وماجرج نهراً يسمى المشهر لا يعرف له قعر فإذا تقاتلوا وأسر بعضهم بعضاً طرحوا الأسارى في ذلك الوادي فيرون عند ذلك طيوراً عظاماً تخرج إلى من يطرح منهم من كهوف في جنبتي الوادي فتختطفهم قبل أن يصلوا إلى آخره فترتفع بهم إلى تلك الكهوف فتأكل جسومهم ويقال إن في أسفل هذا الوادي ناراً تتأجح مع الأزمان والله أعلم بحقيقة هذا كله لا إله سواه. هذا آخر الجزء التاسع من الإقليم السابع والحمد لله وحده.
الجزء العاشر.
إن هذا الجزء العاشر من الإقليم السابع كله مظلم لا عمارة فيه البتة ولا يعلم ما خلفه فهذا جميع ما اتصل إلينا من أوصاف الأرضين من معمور وغير معمور فتبارك الله رب العالمين وهو على كل شيء قدير والله تعالى حسبنا ونعم الوكيل. وهنا انقضى الكتاب المعروف بنزهة المشتاق في اختراق الآفاق والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب الإبانة عن أصول الديانة علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري أبو الحسن

  كتاب الإبانة عن أصول الديانة علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري أبو الحسن بسم الله الرحمن الرحيم وهو حسبي ونعم الوكيل وصلى الله على...