الخميس، 24 يونيو 2021

كتاب : التمييز للإمام مسلم المؤلف : الإمام أبي الحُسين مسلم بن الحجاج القُشَيْري النيسابوري

 

كتاب : التمييز للإمام مسلم/الإمام أبي الحُسين مسلم بن الحجاج القُشَيْري النيسابوري

 المقدمة

قُرِئ على أبي حاتم مكي بن عبدان، قال: سمعت مسلم بن الحجاج القشيري يقول: بالله نستعين و بحوله نجيب، و نرغب إليه في التوفيق للرشد و الصواب، و لا قوة إلا بالله.
أما بعد : فإنك يرحمك الله ذكرت أن قبلك قوماً، ينكرون قول القائل من أهل العلم إذا قال : هذا حديث خطأ، و هذا حديث صحيح، و فلان يخطئ في روايته حديث كذا، و صواب ما روى فلان بخلافه. و ذكرت أنهم استعظموا ذلك من قول من قاله. و نسبوه إلى اغتياب الصالحين من السلف الماضين، و حتى قالوا: إن من ادعى تمييز خطأ روايتهم من صوابها متخرص بما لا علم له به، و مدع علم غيب لا يوصل إليه.
و اعلم وفقنا الله و إياك أن لولا كثرة جهلة العوام مستنكري الحق و رواية بالجهالة لما بان فضل عالم على جاهل، و لا تبين علم من جهل. و لكن الجاهل ينكر العلم لتركيب الجهل فيه. و ضد العلم هو الجهل. فكل ضد ناف لضده، دافع له لا محالة، فلا يهولنك استنكار الجهال و كثرة الرعاع لما خص به قوم و حرموه فإن اعتداد العلم دائر إلى معدنه، و الجهل واقف على أهله.
وسألت أن أذكر لك في كتابي رواية أحاديث مما وهم قوم في روايتها. فصارت تلك الأحاديث عند أهل العلم في عداد الغلط و الخطأ، بيان شاف أبينها لك حتى يتضح لك و لغيرك - ممن سبيله طلب الصواب، سبيلك - غلط من غلط و صواب من أصاب منهم فيها، و سأذكر لك إن شاء الله من ذلك ما يرشدك الله و تهجم على أكثر مما أذكره لك في كتابي، و بالله التوفيق.

-بعض الأوهام في الروايات وحال المخطئين فيها

فمنهم الحافظ المتقن الحفظ، المتوقي لما يلزم توقيه فيه، و منهم المتساهل المشيب حفظه بتوهم يتوهمه، أو تلقين يلقنه من غيره فيخلطه بحفظه، ثم لا يميزه عن أدائه إلى غيره. و منهم من همه حفظ متون الأحاديث دون أسانيدها، فيتهاون بحفظ الأثر، يتخرصها من بعد فيحيلها بالتوهم على قوم غير الذين أدي إليه عنهم.
و كل ما قلنا من هذا في رواة الحديث [2ب] و نقال الأخبار، فهو موجود مستفيض.
و مما ذكرت لك من منازلهم في الحفظ، و مراتبهم فيه، فليس من ناقل خبر و حامل أثر من السلف الماضين إلى زماننا - و إن كان من أحفظ الناس، و أشدهم توقياً و اتقاناً لما يحفظ و ينقل - إلا الغلط و السهو ممكن في حفظه و نقله، فكيف بمن وصفت لك ممن (3ب) طريقة الغفلة و السهولة في ذلك.
ثم أول ما أذكر لك بعد ما وصفت، مما يجب عليك معرفته، قبل ذكري لك ما سألت من الأحاديث السمة التي تعرف بها خطأ المخطئ في الحديث و صواب غيره إذا أصاب فيه.

-السمة التي تعرف بها خطأ المخطئ في الحديث و صواب غيره إذا أصاب فيه

فأعلم ، أرشدك الله إن الذي يدور به معرفة الخطأ في رواية ناقل الحديث - إذا هم اختلفوا فيه - من جهتين :

أحدهما :

أن ينقل الناقل حديثاً بإسناد فينسب رجلاً مشهوراً بنسب في إسناد خبره خلاف نسبته التي هي نسبته أو يسميه باسم سوى اسمه، فيكون خطأ ذلك غير خفي على أهل العلم حين يرد عليهم.
كنعمان بن راشد حيث حدث عن الزهري، فقال: عن أبي الطفيل عمرو بن واثلة. و معلوم عند عوام أهل العمل أن اسم أبي الطفيل: عامر لا عمرو.
و كما حدث مالك بن أنس عن الزهري فقال: عن عباد - و هو من ولد المغيرة بن شعبة- و إنما هو عباد بن زياد بن أبي سفيان. معروف النسب عند أهل النسب و ليس من المغيرة بسبيل.
و كرواية معمر حين قال: عن عمر بن محمد بن عمرو بن مطعم، و إنما هو عمر ابن محمد بن جبير بن مطعم، خطأ لا شك عند نساب قريش و غيرهم ممن عرف أنسابهم. و لم يكن لجبير أخ يعرف بعمرو.
و كنحو ما وصفت من هذه الجهة من خطأ الأسانيد فموجود في متون الأحاديث مما يعرف خطأه السامع الفهم حين يرد على سمعه.
و كذلك نحو رواية بعضهم حيث صحّف، فقال: نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن التحير، أراد النجش.
و كما روى آخر، فقال: إن أبغض الناس إلى الله عز و جل ثلاثة: ملحد في الحرفة و كذا و كذا، أراد: ملحداً في الحرام.
و كرواية الآخر، إذ قال: نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تتخذ الروح عرضاً أراد: الروح غرضاً.
فهذه الجهة التي وصفنا من خطأ الإسناد و متن الحديث هي أظهر الجهتين خطأ، و عارفوه في الناس أكثر.

و الجهة الأخرى

أن يروي نفر من حفاظ الناس حديثاً عن مثل الزهري أو غيره من الأئمة بإسناد واحد و متن واحد، مجتمعون على روايته في الإسناد و المتن، لا يختلفون فيه في معنى، فيرويه آخر سواهم عمن حدث عنه النفر الذين وصفناهم بعينه فيخالفهم في الإسناد أو يقلب المتن فيجعله بخلاف ما حكى من وصفنا من الحفاظ، فيعلم حينئذ أن الصحيح من الروايتين ما حدث الجماعة من الحفاظ، دون الواحد المنفرد و إن كان حافظاً، على هذا المذهب رأينا أهل العلم بالحديث يحكمون في الحديث، مثل شعبة و سفيان بن عيينة و يحيى بن سعيد و عبدالرحمن بن مهدي و غيرهم من أئمة أهل العلم.
و سنذكر من مذاهبهم و أقوالهم في حفظ الحفاظ و خطأ المحدثين في الروايات ما يستدل به على تحقيق ما فسرت لك إن شاء الله.

-مذاهب أهل العلم في حفظ الحفاظ وخطأ المحدثين

غير أن أول ما نبدأ بذكره في هذا المعنى الخبر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في تحريضه الناس على حفظ حديثه و تبليغ من سمعه إلى غيره كما سمعه و دعائه (4-أ) بالخير لمن فعل ذلك.

-باب ما جاء في تحريض النبي صلى الله عليه وسلم في تحريض الناس على حفظ حديثه وتبليغه كما سمعه والدعاء له بالخير

1- حدثنا محمد بن أبي عمر، ثنا سفيان، عن عبدالملك بن عمير، عن عبدالرحمن، عن أبيه قال، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: نضّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها و حفظها و بلغها، فرب حامل فقه غير فقيه، و رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وساقه.
2-
حدثني زهير بن حرب، أنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، حدثني حسان بن عطية، حدثني أبو كبشة، أن عبدالله بن عمرو حدثه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: "بلغوا عني و لو آية، و حدثوا عن بني إسرائيل و لا حرج".
3
ـ حدثنا هداب بن خالد، ثنا همام، عن زيد بن أسلم، عن عطاء عن أبي سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "حدثوا عني و لا حرج، و حدثوا عن بني إسرائيل و لا حرج".

باب ما جاء في التوقي في حمل الحديث و أدائه و التحفظ من الزيادة فيه و النقصان :

4- حدثنا ابن نمير، ثنا أبو خالد الأحمر، عن أبي مالك، عن سعد بن عبيدة، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم، قال: "بُني الإسلام على خمسة، على أن يوحد الله، و إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة، و صيام رمضان، و الحج" فقال رجل: [الحج] و صيام رمضان، فقال: "لا، صيام رمضان و الحج" هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم.
5-
حدثنا محمد بن رافع، ثنا عبدالرزاق، أنا معمر، عن عثمان بن بزدويه، عن جعفر بن روذي، سمعت عبيد بن عمير و هو يقص - يقول، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "مثل المنافق كمثل الشاة الرابضة بين الغنمين"، فقال ابن عمر: ويلكم لا تكذبوا على رسول الله. إنما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين".
6-
حدثنا الحلواني، ثنا محمد بن بشر، ثنا خالد بن سعيد قيل لمحمد: من ذكرت يا أبا عبدالله؟ قال: الثقة، الصدوق، المأمون خالد بن سعيد أخو إسحاق ابن سعيد - عن أبيه، قال: ما رأيت أحداً كان أشد اتقاء للحديث من ابن عمر.
7-
حدثنا يحيى بن حبيب قال: ثنا بشر بن المفضل، ثنا ابن عون، عن مسلم أبي عبدالله، عن إبراهيم بن يزيد، عن أبيه، عن عمرو بن ميمون، قال: ما أخطأني خميس إلا آتي فيه عبدالله بن مسعود، و ما سمعته لشيء قط يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم، حتى كان عشية، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم، ثم نكس فرفع بصره - أو قال: رأسه - و إني لأنظر إليه، فذكر الحديث.

-استعمال كلمة (أو كما قال) عند رواية الحديث

8- حدثنا يحيى بن يحيى، ثنا سُليم بن أخضر، عن ابن عون عن محمد. أن أنس بن مالك كان إذا حدث عن النبي صلى الله عليه و سلم حديثاً، كان يقول: أو كما قال.
9-
حدثنا أسحاق بن إبراهيم، أنبأ الفضل بن موسى ثنا الحسين بن واقد، عن الرديني بن أبي مجلز، عن أبيه، عن قيس بن عباد. قال: سمعت عمر يقول: من سمع حديثاً فرد كما سمع، فقد سلم.
10-
حدثنا عبدالله بن عبدالرحمن الدرامي، ثنا مروان الدمشقي، عن الليث بن سعد، حدثني بكير بن الأشج، قال، قال لنا بسر بن سعيد: اتقوا الله، و تحفظوا من الحديث فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدث عن رسول الله، و يحدثنا عن كعب، ثم يقوم. فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم عن كعب، و حديث كعب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم.
11- [4
ب] حدثنا إسحاق بن إبراهيم و ابن رافع و عبد بن حميد. قالوا: ثنا عبدالرزاق، ثنا معمر، عن الزهري عن عبيد الله بن عبدالله، عن ابن عباس، قال: فلما ارتقى عمر المنبر أخذ المؤذن في أذانه فلما فرغ من أذانه، قام عمر، فحمد الله و أثنى عليه بما هو أهله. ثم قال: أما بعد، فإني أريد أن أقول مقالة قد قدر أن أقولها، لا أدري لعلها بين يدي أجلي، فمن وعاها و عقلها و علمها و حفظها، فليتحدث بها حيث ينتهي به. و من خشي أن لا يعيها فإن لا أحل لأحد أن يكذب عليّ.
12-
حدثنا أبو بكر بن نافع، ثنا عمر بن علي، عن هشام عن أبيه، عن عبدالله بن عمرو، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول، ثم لقيت عبدالله ابن عمرو على رأس الحول، فسألته، فرد علي الحديث كما حدث. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: "إن الله جل و عز لا ينتزع العلم".
13-
حدثنا إسحاق، أخبرنا مروان يعني - ابن معاوية - ثنا الأعمش، عن عمارة ابن عمير قال: إن كان أبو معمر عبدالله بن سخبرة ليلحق أبا برزة أن يسمع منه.

-الحفظ من السماع أولى من اتباع القواعد في حال التأكد

14- حدثنا عمرو الناقد، ثنا سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أمية، قال: كنا نرد نافعاً عن اللحن فيأبى إلى الذي سمع.
15-
حدثنا الحلواني، ثنا سليمان بن حرب و عارم. قالا، ثنا حماد بن زيد، عن أشعث، عن إبراهيم بن ميسرة، عن مجاهد قال: صلى بنا مسلمة بن مخلد صلاة الصبح فقرأ بالبقرة، فما أسقط منها ألفاً و لا واواً، و أنا يومئذ غلام يافع.
16-
قلت لمحمد بن مهران الرازي: أحدثكم حاتم بن إسماعيل، ثنا أسامة ابن زيد، عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد، قال، قلت لسالم بن عبدالله: في أي الشق كان ابن عمر يشعر بدنته؟ قال: في الشق الأيمن. فأتيت نافعاً، فقلت في أي الشق كان ابن عمر يشعر بدنته؟ قال: في الشق الأيسر. فقلت: إن سالماً أخبرني أنه كان يشعر في الشق الأيمن. فقال نافع: و هل سالم، إنما أتى ببدنتين مقرونتين صغيرتين، ففرق أن يدخل بينهما، فأشعر هذه في الأيمن، و هذه في الأيسر. فرجعت إلى سالم فأخبرته بقول نافع. فقال: صدق نافع. عليكم بنافع فإنه أحفظ لحديث عبدالله. فأقر به محمد بن مهران.
17-
حدثنا محمد بن أبي عمر. ثنا سفيان عن ابن شبرمة، قال، قال الشعبي: ما جلست أحداً مذ عشرين سنة حدث بحديث إلا و أنا أعلم به منه. و لقد نسيت من العلم ما لو قد حفظه أحد من الناس كان به عالماً.
18-
حدثنا ابن أبي عمر: ثنا سفيان عن ابن شبرمة، قال، قال الشعبي لشباك أرد عامك؟ ما قلت لأحد قط: رد علي.

-من سمات الثقات الحفاظ

19- حدثنا عبد بن حميد، ثنا عبدالرزاق، أنا معمر، قال، قال قتادة لسعيد: أحفظ علي المصحف قال: فافتح سورة البقرة، فقرأها حتى ختمها. ثم قال: هل أسقطت شيئاً، قال سعيد: لا. فقال: أنا لصحيفة جابر أحفظ من سورة البقرة، و ما قرئ عليّ إلا مرة.
20-
حدثنا حجاج بن الشاعر، ثنا عفان بن مسلم، ثنا بشر بن المفضل، ثنا عبد الرحمن بن اسحاق، عن الزهري، قال: ما استعدت حديثاً (5/أ) قط، و لا شككت في حديث قط، إلا حديثاً واحداً، فسألت صاحبي فإذا هو كما حفظت.

-ما جاء في مدح حفاظ الحديث والتفضيل بين الرجال

21- حدثنا محمد بن عباد، ثنا سفيان، عن عمرو، قال: ما رأيت أحداً أبصر بالحديث من الزهري.
22-
حدثنا عبدالوارث بن عبدالصمد، حدثني أبي، حدثنا شعبة، قال: حدثني رجلان صادقان من لباب الحديث عمران بن حدير و سليمان التيمي.
23-
حدثنا الحلواني، ثنا شبابة، ثنا شعبة، قال: شك ابن عون أصدق عندي من حديث آخر عندكم، صدوق صدوق.
24-
حدثنا الوليد بن شجاع، قال: سمعت علي بن مسهر يذكر عن سفيان، قال: حفاظ الناس أربعة، يحيى بن سعيد الأنصاري، و إسماعيل بن أبي خالد، و عبدالملك بن أبي سليمان، و عاصم الأحول.
25-
حدثنا محمود بن غيلان، ثنا وكيع، قال: سمعت شعبة يقول: سفيان الثوري أحفظ مني. و ما حدثني عن شيخ إلا و إذا سألت الشيخ حدثني على ما قال سفيان.
26-
حدثنا الوليد بن شجاع، قال: ذهبت مع سفيان إلى هشام بن عروة، فجعل سفيان يسال هشاماً و هشام يحدثه، حتى إذا فرغ، قال له سفيان: أعيدها عليك؟ فأعادها عليه، ثم قام سفيان، و أذن لأصحاب الحديث، فدخلت معهم، فجعل إذا حدث أرادوا الإملاء، فقال لهم هشام: احفظوا كما حفظ صاحبكم. قالوا: لا نقدر أن نحفظ كما حفظ.
27-
حدثنا الحلواني، ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد، قال: ابن عون يسألني: كيف قال أيوب كذا؟ فأخبره. فإن كان خالفه ترك ابن عون ذلك الحديث، فأقول له: لم تتركه؟ فيقول: إن أيوب كان أعلمنا بالحديث.
28-
حدثنا حجاج بن الشاعر، سمعت أبا أسامة يقول: اختلف الأعمش و طلحة في حديث، فقال للأعمش: أرأيت لو أنك سمعته سبعاً و سمعته مرة، أينا كان أحفظ؟ قال: أنت.
29-
قال ابن عيينة: ما رأيت قط أثبت من عبدالكريم. قال عبدالرحمن: قتادة أحفظ من خمسين مثله. قال: دخلت على أبي موسى و هو يحتجم ليلاً وساقة. و هارون الأعور كان صدوقاً حافظاً. و ذكر حفظ شعبة و زهير بن معاوية.

30- حدثنا الحلواني، قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: أدركت البصرة و إذا اختلفوا في حديث نطقوا بكتاب عبد الوارث .
31-
قال قتادة: لا تقل فلان أحفظ الناس، و الله أعلم. و لكن قل: هو أثبت و أعلم و أحفظ. و ذكر عن الزهري.

-جرح الرجال والتكلم على مراتبهم جرحاً أو تعديلاً ليس غيبة
32-
حدثنا عمرو بن علي، ثنا عفان، قال: كنا عند إسماعيل بن علية جلوساً. قال فحدث رجل عن رجل، فقلت: إن هذا ليس بثبت. فقال الرجل: اغتبته. قال إسماعيل: ما اغتابه و لكنه حكم أنه ليس بثبت.
33-
حدثنا حجاج بن الشاعر، قال، ثنا شبابة، قال شعبة: قد لقيت شهراً فلم أعتد به.
34-
حدثنا حجاج، ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد، قال، قال أيوب: إن لي جاراً - ثم ذكر من فضله - و لو شهد على تمرتين ما رأيت شهادته جائزة.
35-
حدثني محمد بن المثنى، قال، قال لي عبدالرحمن بن مهدي: يا أبا موسى أهل الكوفة يحدثون عن كل أحد. قال: عمن أحدث؟ فذكرت له محمد بن راشد المكحولي.
فقال لي: احفظ عني، الناس ثلاثة. رجل حافظ متقن فهذا لا يختلف فيه، و آخر يهم و الغالب على حديثه الصحة فهو لا يُترك. و لو تُرك حديث مثل هذا لذهب حديث الناس. و آخر الغالب على حديثه الوهم فهذا يُترك حديثه.
***
سمعت أبا الحسين مسلم بن الحجاج يقول: و قد ذكرنا من مذاهب أهل العلم و أقاويلهم في درجات الحفاظ من وعاة العلم و نُقال الأخبار و السنن و الآثار، ما يستدل به ذو اللب على تفاوت أحوالهم و منازلهم في الحفظ و بأسبابه. فيعلم أن منهم المتوقي المتقن لما حصل من علم و ما أدى منه إلى غيره. و إن منهم من هو دونه في رداءة الحفظ و التساهل فيه. و إن منهم المتوهم فيه غير المتقن. فهذا كما يجب حاملاً حين يحمل أو حاكياً حين يحكي.
و قد اشترط النبي صلى الله عليه و سلم على سامع حديثه و مبلغه حين دعا له أن يعيه، و يحفظ ثم يؤديه كما سمعه. فالمؤدي لذلك بالتوهم غير المتيقن مؤد على خلاف ما شرط النبي صلى الله عليه و سلم و غير داخل في جزيل ما يرجى من إجابة دعوته عليه و الله أعلم.

فإن كان المؤدي جاء بخبر عن الرسول صلى الله عليه و سلم بالتوهم، قد أزال معنى الخبر بتوهمه عن الجهة التي قاله، بنقصان فيه أو زيادة، حتى يصير قائلاً على رسول الله صلى الله عليه و سلم كمن لا يعلم، لم يؤمن عليه الدخول فيما صح به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في قوله: من كذب عليّ متعمداً فيتبوأ مقعده من محرم. فإذا علم ذلك، ثم لم يتحاش من فعله، فقد دخل في باب تعمد الكذب، فإن كان لم يعلم تحريم ذلك فهو جاهل لما يجب عليه. و الواجب عليه تعلم تحريمه و الانزجار عن فعله.

وسنذكر الآن إن شاء الله

الأحاديث المنقولة الموسومة عند أهل العلم بالأغاليط فيها

، في أسانيدها ومتونها، حديثا حديثا، ونخبر فيها بالعلل التي من أجلها صارت أخبار أغاليط بشرح وجوهنا به وأشباهها، لمن أراد معرفتها، إن وفق الله لجمعها وبالله توفيقنا وإليه مرجعنا.
سمعت مسلما يقول :

ذكر الأخبار التي نقلت على الغلط في متونها :

(36) حدثنا محمد بن بشار، ثنا يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر، قإلا: ثنا شعبة عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت حجرا أبا العنبس يقول: حدثني علقمة بن وائل، عن وائل، عن النبي صلى الله عليه وسلم :وثنا إسحاق، أنا أبوعامر، ثنا شعبة عن سلمة، سمعت حجرا أبا العنبس يحدث عن وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث. كلهم عن شعبة، عن سلمة، عن حجر، عن علقمة، عن وائل إلا إسحاق عن أبي عامر فإنه لم يذكر علقمة، وذكر الباقون كلهم علقمة.
سمعت مسلما قال:
أخطأ شعبة في هذه الرواية حين قال: وأخفى صوته. وسنذكر إن شاء الله رواية من حديث شعبة فيها : فأصابه .
(37)
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم، فقالوا :ثنا وكيع، ثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن حجر بن عنبس، عن وائل قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: ولا الضالين، قال: آمين يمد بها صوته.
(38)
حدثنا أبو كريب، ثنا أسود بن عامر، ثنا شريك، عن سماك، عن علقمة، عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بآمين. سمعت مسلما يقول: قد تواترت الروايات كلها أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بآمين وقد روي عن وائل ما يدل على ذلك.
(39)
حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن سعيد وأبي سلمة أنهما أخبراه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمن إلامام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له).
سمعت مسلما يقول:

ذكر الأحاديث التي نقلت على الغلط في متونها

(40) حدثنا أحمد بن يونس، ثنا زهير، ثنا أبو إسحاق قال: سألت الأسود بن يزيد عما حدثت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: (كان ينام أول الليل ويحيي آخره وإن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ولم يمس ماء حتى ينام)
سمعت مسلما يقول:
فهذه الرواية عن أبي إسحاق خاطئة، وذلك أن النخعي وعبد الرحمن بن الأسود جاءا بخلاف ما روى أبوإسحاق.
(41)
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا ابن علية ووكيع وغندر، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان جنبا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه).
(42)
حدثنا ابن نمير، ثنا أبي، ثنا حجاج، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجنب ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم ينام حتى يصبح).
(43)
حدثنا يحيى بن يحيى وابن رمح وقتيبة، عن الليث، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن عائشة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام).
سمعت مسلما يقول:

ومن الأخبار المنقولة على الوهم في المتن دون الإسناد

(44) حدثنا الحسن الحلواني، ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب، أن أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة أخبره أنه بلغه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين ثم سلم. فقال ذو الشمالين بن عبد عمرو: يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال رسول الله :لم تقصر الصلاة ولم أنس. قال ذوالشمالين: قد كان ذلك يا رسول الله، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال: أصدق ذواليدين؟ قالوا: نعم. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتم ما بقي من الصلاة ولم يسجد السجدتين اللتين تسجدان إذا شك الرجل في صلاته حتى لقاه الناس.
(45)
قال ابن شهاب: وأخبرني ابن المسيب، عن أبي هريرة. وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وأبو بكر بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله.
سمعت مسلما يقول :
وخبر ابن شهاب هذا في قصة ذي اليدين وهم غير محفوظ لتظاهر الأخبار الصحاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا.
(46)
حدثنا عمرو الناقد، ثنا سفيان، ثنا أيوب، سمعت ابن سيرين يقول: سمعت أبا هريرة وساقه في هذا.
(47)
حدثنا أبوكريب، ثنا أبوأسامة، ثناعبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر.
(48)
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران كل هؤلاء ذكروا في حديثهم: (أن رسول الله حين سها في صلاته يوم ذي اليدين سجد سجدتين بعد أن أتم الصلاة).
سمعت مسلما يقول:
فقد صح بهذه الروايات المشهورة المستفيضة في سجود رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذي اليدين أن الزهري واهم في روايته إذ نفى ذلك في خبره من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .
سمعت مسلما يقول:

الخبر المنقول على الوهم في متنه

(49) حدثني الحسن الحلواني وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي قالا: ثنا عبيد الله بن عبد المجيد، ثنا كثير بن زيد، حدثني يزيد بن أبي زياد، عن كريب، عن ابن عباس قال: بت عند خالتي ميمونة فاضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طول الوسادة واضطجعت في عرضها، ونحن نيام، ثم قام فصلى، فقمت عن يمينه فجعلني عن يساره فلما صلى قلت: يا رسول الله وساقه.
سمعت مسلماً يقول:
وهذا خبر غلط غير محفوظ، لتتابع الأخبار الصحاح برواية الثقات على خلاف ذلك، أن ابن عباس إنما قام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فحوله حتى أقامه عن يمينه.
وكذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سائر الأخبار عن ابن عباس أن الواحد مع الإمام يقوم عن يمين الإمام لا عن يساره.
سمعت مسلماً يقول:
وسنذكر إن شاء الله رواية أصحاب كريب عن كريب عن ابن عباس… ثم نذكر بعد ذلك رواية سائر أصحاب ابن عباس عن ابن عباس بموافقتهم كريباً.
(50)
حدثنا ابن أبي عمر، ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن كريب، عن ابن عباس، أنه بات ليلة عند ميمونة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فتوضأ، قال ابن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جئت، فقمت عن يساره فجعلني عن يمينه.
ومخرمة بن سليمان عن كريب.
وسلمة بن كهيل عن أبي رشدين.
وسلمة عن كريب.
وسالم بن أبي الجعد عن كريب.
وهشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
وأيوب عن عبدالله عن أبيه.
والحكم عن سعيد بن جبير.
وابن جريج عن عطاء.
وقيس بن سعد عن عطاء.
وأبي نضرة عن ابن عباس.
والشعبي عن ابن عباس.
وطاووس عن عكرمة. عن ابن عباس.
سمعت أبا الحسين يقول :
فقد صح بما ذكرنا من الأخبار الصحاح عن كريب، وسائر أصحاب ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامه عن يساره، وهم وخطأ غير ذي شك.

(51) وكالذي صح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامه عن يمينه: رواية جابر بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة أبي حزرة: عن عبادة بن الصامت بن عبادة: أتينا جابراً، فقال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى، ثم جئت فقمت عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيدي، فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر، فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بأيدينا جميعاً، فدفعنا حتى أقامنا خلفه.
وكذلك روى محمد بن المنكدر عن جابر.
سمعت مسلما يقول :

ومن الأخبار التي يهم فيها بعض ناقليها

حدثنا يحيى بن يحيى وأبو كريب ومحمد بن حاتم قالوا: ثنا أبومعاوية، عن هشام، عن أبيه، عن زينب، عن أم سلمة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافي معه صلاة الصبح يوم النحر بمكة).
سمعت مسلما يقول:
وهذا الخبر وهم من أبي معاوية لا من غيره، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح في حجته يوم النحر بالمزدلفة وتلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يأمر أم سلمة أن توافي معه صلاة الصبح يوم النحر بمكة وهو حينئذ يصلي بالمزدلفة.
سمعت مسلما يقول:
هذا خبر محال، ولكن الصحيح من روى هذا الخبر عن أبي معاوية، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن توافي صلاة الصبح يوم النحر بمكة وكان يومها فأحب أن توافي. وإنما أفسد أبومعاوية معنى الحديث حين قال: توافي معه.
سمعت مسلما يقول:
وسنذكر إن شاء الله رواية أصحاب هشام عن هشام هذا الحديث ليتبين من صوب مصيبهم فيه وخطأ مخطئهم.
(53)
حدثنا ابن أبي عمر، ثنا سفيان، ثنا هشام، عن أبيه :(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم سلمة أن تصلي الصبح يوم النحر بمكة وكان يومها فأحب أن توافقه).
وروى هذا الحديث :
عبدة عن هشام.
ويحيى عن هشام.
فالرواية الصحيحة من هذا الخبر ما رواه الثوري عن هشام، وقد روى وكيع أيضا فوهم فيه كنحو ما وهم فيه أبو معاوية.
(54)
حدثنا أبو بكر، ثنا وكيع عن هشام عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أمر أم سلمة أن توافيه الصبح بمنى.
سمعت مسلما يقول:
وسبيل وكيع كسبيل أبى معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح يوم النحر بالمزدلفة دون غيرها من الأماكن لا محالة.
سمعت مسلما يقول:
ومن فاحش الوهم لابن لهيعة:

(55) حدثنا زهير بن حرب، ثنا إسحاق بن عيسى، ثنا ابن لهيعة قال: كتب إلي موسى بن عقبة يقول: حدثني بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم في المسجد). قلت لابن لهيعة: مسجد في بيته؟ قال: مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.
سمعت مسلما يقول:
وهذه رواية فاسدة من كل جهة، فاحش خطؤها في المتن والإسناد جميعا. وابن لهيعة المصحف في متنه المغفل في إسناده. وإنما الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجر في المسجد بخوصة أو حصير يصلي فيها، وسنذكر صحة الرواية في ذلك إن شاء الله.
(56)
حدثني محمد بن حاتم، ثنا بهز بن أسد، ثنا وهيب، حدثني موسى بن عقبة قال: سمعت أبا النضر يحدث عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة في المسجد من حصير فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ليالي حتى اجتمع إليه أناس ثم فقدوا صوته ليلة وظنوا أنه قد نام فجعل بعضهم يتنحنح بأن يخرج إليهم وساقه.
(57)
حدثنا محمد بن المثنى، ثنا محمد بن جعفر، ثنا عبد الله بن سعيد، ثنا سالم أبوالنضر مولى عمر بن عبيد الله عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت قال: (احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بخصفة أو حصير فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم).
سمعت مسلما يقول:
الرواية الصحيحة في هذا الحديث ما ذكرنا عن وهيب وذكرنا عن عبد الله بن سعيد عن أبي النضر، وابن لهيعة إنما وقع في الخطأ من هذه الرواية أنه أخذ الحديث من كتاب موسى بن عقبة إليه فيما ذكر، وهي الآفة التي نخشى على من أخذ الحديث من الكتب من غير سماع من المحدث، أو عرض عليه، فإذا كان أحد هذين ـ السماع أو العرض ـ فخليق أن لا يأتي صاحبه التصحيف القبيح وما أشبه ذلك من الخطأ الفاحش إن شاء الله. وأما الخطأ في إسناد رواية ابن لهيعة فقوله: كتب إلي موسى بن عقبة يقول: حدثني بسر بن سعيد وموسى، إنما سمع هذا الحديث من أبي النضر يرويه عن بسر بن سعيد .

سمعت مسلما يقول:

ومن الأخبار المنقولة على الوهم في الإسناد والمتن جميعا

…(58) حدثنا أبو بكر، ثنا أبوخالد عن أيمن عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يقول: بسم الله وبالله والتحيات لله).
قال أبو الحسين: هذه الرواية من التشهد، والتشهد غير ثابت الإسناد والمتن جميعا، والثابت ما رواه الليث وعبد الرحمن بن حميد، فتابع فيه في بعضه فيما:
(59)
حدثنا قتيبة، ثنا الليث، وثنا أبوبكر، ثنا يحيى بن آدم، ثنا عبد الرحمن بن حميد، حدثني أبوالزبير عن طاووس عن ابن عباس قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن).
سمعت مسلما يقول: فقد اتفق الليث وعبد الرحمن بن حميد الرؤاسي عن أبي الزبير عن طاووس.
وروى الليث فقال: عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
وكل واحد من هذين عند أهل الحديث أثبت في الرواية من أيمن.
ولم يذكر الليث في روايته حين وصف التشهد: بسم الله وبالله.
فلما بان الوهم في حفظ أيمن لإسناد الحديث، بخلاف الليث وعبد الرحمن إياه دخل الوهم أيضا في زيادته في المتن، فلا يثبت ما زاد فيه.
وقد روي التشهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوجه عدة صحاح، فلم يذكر في شيء منه بما روى أيمن في روايته قوله: بسم الله وبالله، ولا ما زاد في آخره من قوله: أسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار. والزيادة في الأخبار لا يلزم إلا عن الحفاظ الذين لم يعثر عليهم الوهم في حفظهم.
سمعت مسلما يقول:

ومن الأخبار التي رويت على الغلط والتصحيف

(60) حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة، ثنا قبيصة، ثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن عياض عن أبي سعيد قال: (كنا نورثه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني الجد).
سمعت أبا الحسين يقول: هذا خبر صحف فيه قبيصة، وإنما كان الحديث بهذا الإسناد عن عياض قال: كنا نوديه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني في الطعام وغيره في زكاة الفطر فلم يقر قراءته، فقلب قوله إلى أن قال: يورثه، ثم قلب له معنى فقال: يعني الجد .
سمعت مسلما يقول:

ومن الحديث الذي في متنه وهم

(61) حدثنا ابن نمير، ثنا أبي، ثنا حجاج عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق نصيبا له في عبد ضمن لأصحابه في ماله إن كان موسرا وإن لم يكن له مال بذل العبد).
وروى غير واحد هذه الرواية عن نافع في استسعاء العبد فاعتق. والدليل على خطئه اتفاق الحفاظ من أصحاب نافع على ذكرهم في الحديث المعنى الذي هو ضد السعاية. وخلاف الحفاظ المتقنين لحفظهم يبين ضعف الحديث من غيره، وسنذكر إن شاء الله ما روى الحفاظ من أصحاب نافع بخلاف من قدمنا روايته في هذا الخبر.
(62)
حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل فأعطى شركاه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما أعتق).
وروى عبيد الله عن نافع بهذا.
وأيوب ، ويحيى بن سعيد، وجرير بن حازم، والليث، وابن جريج، ومعمر، عن الزهري عن سالم عن ابن عمر.
وسفيان بن عيينة عن عمرو عن سالم.
وحبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر.
وعبد العزيز عن أهل مكة عن ابن عمر.
قد ذكرنا جملة من رواة هذا الخبر عن ابن عمر، وليس في حديث واحد منهم ذكر السعاية إلا الذي قدمنا حديثهم من قبل.
وفيما ذكر مالك، وعبيد الله، وأيوب، وجرير بن حازم، في حديثهم: فإن لم يكن له مال عتق منه بيان أن السعاية ساقطة عن العبد.
وليس حجاج، وأشعث، والدالاتي عن الصائغ بشىء يعتبر بهم من الرواية من أحد هؤلاء إذا خالفوه، فكيف بهم جميعا، وقد أطبقوا على الخلاف لهم.
فأما ابن أبي ذئب فلم يذكر ابن أبي فديك السعاية عنه في خبره، وهو سماع الحجازيين، فلعل ابن أبي بكير حين ذكر عنه السعاية كان قد لقن اللفظ؛ لأن سماعه عن ابن أبي ذئب بالعراق فيما نرى، وفي حديث العراقيين عنه كثير.
سمعت مسلما يقول:

ومن الحديث الذي نقل على الوهم في متنه ولم يحفظ

(63) حدثنا ابن نمير، ثنا أبي، ثنا سعيد بن عبيد، ثنا بشير بن يسار الأنصاري، عن سهل بن أبي حثمة، أنه أخبره أن نفراً منهم انطلقوا إلى خيبر، فتفرقوا فيها، فوجدوا أحدهم قتيلاً، فقالوا للذين وجدوه عندهم: قتلتم صاحبنا. قالوا: ما قتلنا ولا علمنا. فانطلقوا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله أتينا خيبر، فتفرقنا فيها، فوجدنا أحدنا قتيلاً. فقلنا للذين وجدناه عندهم: قتلتم صاحبنا. قالوا: ما قتلنا ولا علمنا. قال: تجيئون بالبينة على الذين تدعون عليهم؟ قالوا: ما لنا ببينة. قال: فيحلفون لكم. قالوا: لا نقبل أيمان يهود. فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطل دمه فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة من إبل الصدقة.
وروى سعيد بن عبيد. ثم من رواية أبي نعيم.
قال أبو الحسين: هذا خبر لم يحفظه سعيد بن عبيد على صحته، ودخله الوهم حتى أغفل موضع حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على جهته.
وذلك أن في الخبر حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالقسامة، أن يحلف المدعون خمسين يميناً ويستحقون قاتلهم. فأبوا أن يحلفوا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تبرئكم يهود بخمسين يميناً، فلم يقبلوا أيمانهم. فعند ذلك أعطى النبي صلى الله عليه وسلم عقله.
وسنذكر هذا الخبر بخلاف ما روى سعيد.
(64)
حدثنا قتيبة، ثنا الليث، عن يحيى، عن بشير بن يسار.
وسفيان بن عيينة، عن يحيى.
وسليمان بن بلال، عن يحيى.
وهشيم، عن يحيى.
وعن ابن إسحاق، حدثني بشير بن يسار.
وابن شهاب أخبرني أو سلمة وسليمان بن يسار، عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية).
وروى هذا يونس عن ابن شهاب.

(65) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو خالد الأحمر، عن حجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، أن حويصة ومحيصة أبناء مسعود، وعبدالله وعبد الرحمن أبناء فلان، خرجوا، وساقه.
(66)
حدثنا محمد بن رافع، ثنا عبدالرزاق، أنا ابن جريج، أخبرني الفضل عن الحسن، أنه أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بيهود، فأبوا أن يحلفوا. فرد القسامة على الأنصار، فأبوا أن يحلفوا، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم العقل على يهود.
قال أبو الحسين: فقد ذكرنا جملة من أخبار أهل القسامة في الدم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلها مذكور فيها سؤال النبي صلى الله عليه وسلم إياهم قسامة خمسين يميناً، وليس في شيء من أخبارهم أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم البينة، إلا ما ذكر سعيد بن عبيد في خبره، وترك سعيد القسامة في الخبر فلم يذكره.
وتواطؤ هذه الأخبار التي ذكرناها بخلاف رواية سعيد يقضي على سعيد بالغلط والوهم في خبر القسامة، وغير مشكل على من عقل التمييز من الحفاظ من نقلة الأخبار ومن ليس كمثلهم أن يحيى بن سعيد أحفظ من سعيد بن عبيد وأرفع منه شأنا في طريق العلم وأسبابه، فلو لم يكن إلا خلاف يحيى إياه حين اجتمعا في الرواية عن بشير بن يسار لكان الأمر واضحا في أن أولاهما بالحفظ يحيى بن سعيد، ودافع لما خالفه، غير أن الرواة قد اختلفوا في موضعين من هذا الخبر سوى الموضع الذي خالف فيه سعيد، وهو أن بعضهم ذكر في روايته أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ المدعين بالقسامة وتلك رواية بشير بن يسار ومن وافقه عليه، وهي أصح الروايتين. وقال الآخرون بل بدأ بالمدعى عليهم لسؤال ذلك.
والموضع الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم وداه من عنده، وهو ما قال بشير في خبره ومن تابعه. وقال فريق آخرون بل أغرم النبي صلى الله عليه وسلم يهود الدية. وحديث بشير يعني ابن يسار في القسامة أقوى الأحاديث فيها وأصحها.
سمعت مسلما يقول:

ذكر خبر واه يدفعه الأخبار الصحاح

(67) حدثنا مسلم، ثنا عبد الله بن مسلمة، أنا سلمة بن وردان عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا من أصحابه فقال: (يا فلان هل تزوجت؟ قال: لا، وساقه).
قال مسلم: هذا الخبر الذي ذكرناه عن سلمة عن أنس أنه خبر يخالف الخبر الثابت المشهور.
فنقل عوام أهل العدالة ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو الشائع من قوله: (قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن).
فقال ابن وردان في روايته: إنها ربع القرآن، ثم ذكر في خبره من القرآن خمس سور يقول في كل واحد منها: ربع القرآن، وهو مستنكر غير مفهوم صحة معناه.
ولو أن هذا الكتاب قصدنا فيه الأخبار عن سنن الأخيار، بما يصح وبما يستقيم، لما استجزنا ذكر هذا الخبر عن سلمة بلفظه باللسان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضلا عن روايته، وكذلك ما أخرجه من الأخبار المنكرة، ولكننا سوغنا روايته لعزمنا على إخبارنا فيه من العلة التي وصفنا.
وسنذكر إن شاء الله ما صح من الأخبار عن رسول الله، وسورة (قل هو الله أحد) أنها ثلث القرآن.
(68)
ورواه مالك بن أنس عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة، عن أبيه، عن أبي سعيد، عن قتادة بن النعمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنها تعدل ثلث القرآن).
(69)
ورواه يحي بن سعيد، عن شعبة، عن قتادة، عن سالم، عن معدان، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا.
وجرير بن حازم، عن قتادة، عن أنس.
والزهري، عن أمه أم كلثوم، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وسويد بن سعيد، ثنا فضل بن عياض، عن منصور، عن هلال، عن ربيع بن خيثم، عن عمرو بن ميمون، عن ابن أبي ليلى، عن امرأة من الأنصار، عن أبي أيوب، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا.
وعن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن أبي ميسر، عن عمران بن ميمون، عن أبي مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وزكريا بن إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم.
وعمرو بن عثمان، أخبرني موسى بن طلحة قال: سمعت أبا أيوب.
سمعت مسلما يقول:

ذكر رواية أخرى نقلها الكوفيون على الغلط

(70) عن عطاء وأبي الزبير، عن جابر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ببيع المدبر في دين الذي دبره).
(71)
وهشيم، عن عبد الملك، عن أبي جعفر محمد بن علي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما باع خدمة المدبر).
(72)
محمد بن فضيل، عن عبد الملك، عن عطاء، عن النبي صلى الله عليه وسلم (أمر ببيع خدمة المدبر إذا احتاج).
(73)
حدثنا مسلم، ثنا أبوغسان، ثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن مطر، عن عطاء بن أبي رباح وأبي الزبير وعمرو، أن جابرا حدثهم: (أن رجلا من الأنصار أعتق مملوكه إن حدث به، فمات فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فباعه من نعيم بن عبد الله أخي بني عدي).
سمعت مسلما يقول:
قد ذكرنا رواية أهل الكوفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيع المدبر، وقد ساعد بعضهم بعضا في أن النبي صلى الله عليه وسلم باعه في دين كان على سيده، وذكر عبد الملك في روايته أن الذي باعه النبي صلى الله عليه وسلم باعه بعد موت السيد.
وما ذكرنا من زيادتهم في الخبر غير البيع فخطأ لم يحفظ.
وسنذكر إن شاء الله رواية من حفظ هذا الخبر وأداه على جهته وصحته.
(74)
قال الليث، عن أبي الزبير، عن جابر، أنه قال: أعتق رجل من بني عذرة عبداً له عن دبر، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ألك مال غيره؟ قال: لا. قال: من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن عبدالله بثمانمائة درهم.
وأبوب عن أبي الزبير عن جابر.
ومعمر عن أيوب.
وسفيان، عن أبي الزبير.
وحماد، عن عمرو بن دينار عن جابر أن رجلاً من الأنصار.
وسفيان عن عمرو.
وأبوب عن عمرو.
وابن جريج عن عمرو.
وعبدالمجيد بن سهيل، عن عطاء، عن جابر.
وأبو عمرو بن العلا، عن عطاء، عن جابر.
وابن المنكدر، عن جابر.

سمعت مسلماً يقول: قد ذكرنا عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في بيع المدبر من وجوهه. ونتبين سبيله إن شاء الله: وهمهم وتمييزهم، إذ اتضح بما ذكرنا من روايتهم لهذا الخبر، أن الذي رواه الكوفيون فيه وهم، حين ألحقوا من الخبر ذكر الدين على الذي دبره، وإلحاقهم فيه البيع بعد موت السيد.
وكذلك من ذكر منهم بيع الخدمة، وأن الصحيح من ذلك ما روى غيرهم. وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم باع المدبر، ودفع الثمن إلى سيده، من غير ذكر دين كان عليه.
فقد اتفق على ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحاب عمرو ابن دينار، مثل: أيوب السختياني. وابن جريج، وحماد، وشعبة وابن عيينة.
وكذلك عن أبي الزبير عن جابر.
والليث بن سعد، وابن أبي ذئب، عن ابن المنكدر.
فأما رواية ابن فضيل، عن عبدالملك عن عطاء، فوهم كله برمته، الإسناد والمتن.
وذلك أن عبد الملك إنما روى هذا الحديث عن أبي جعفر عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. فأما ذكر الخدمة، فغلط لا شك فيه إن شاء الله.

ومن الخبر الذي لم ينقل على الصحة وأخطأه ناقله في الإسناد والمتن

.
أبو سنان، عن علقمة بن مريد، عن ابن بريدة، قال جئت، أنا ويحيى بن يعمر.
وأبو عوانة، عن عطاء بن السائب، ثنا محارب بن دثار وعلقمة وحسين بن الحسن أن ابن بريدة.
وسفيان عن علقمة وشريط عن الحسين بن الحسن الكندي. عن ابن بريدة وساقه.
وقد ذكرنا رواية الكوفيين حديث ابن عمر في سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام وقد أوهموا جميعاً في إسناده. إذ انتهوا بالحديث إلى بن عمر، حكي ذلك من حضور رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل عليه السلام.
وإنما روى ابن عمر عن عمر بن الخطاب أنه هو الذي حضر ذلك دون أن يحضره ابن عمر.
ولو كان ابن عمر عاين ذلك وشاهده لم يجز أن يحكيه عن عمر.
وسنذكر إن شاء الله رواية من أسند هذا الحديث إلى ابن عمر، يرويه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسؤال جبريل عليه السلام إياه، ثم، نذكر مواضع العلل في متنه، ونبينها إن شاء الله.
وذكر حديث كهمس، ومطر الوراق، وعثمان بن غياث، وسليمان التيمي عن يحيى عن ابن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذه رواية البصريين لهذا الحديث، وهم في روايته أثبت، وله أحفظ من أهل الكوفة. إذ هم الزائدون في الإسناد عمر بن الخطاب ولم يحفظ الكوفيون فيه عمر.
والحديث للزائد والحافظ، لأنه في معنى الشاهد الذي قد حفظ في شهادته ما لم يحفظ صاحبه. والحفظ غالب على النسيان وقاض عليه لا محالة.

فأما رواية أبي سنان، عن علقمة، في متن هذا الحديث إذ قال فيه: إن جبريل عليه السلام حيث قال: جئت أسألك عن شرائع الإسلام. فهذه زيادة مختلقة، ليست من الحروف بسبيل. وإنما أدخل هذا الحرف - في رواية هذا الحديث- شرذمة زيادة في الحرف مثل ضرب النعمان بن ثابت وسعيد بن سنان ومن يجاري الأرداء نحوهما. وإنما أرادوا بذلك تصويباً في قوله في الإيمان. وتعقيد الإرجاء ذلك ما لم يزد قولهم إلا وهنا، وعن الحق إلا بعدا، إذ زادوا في رواية الأخبار ما كفى بأهل العلم.
والدليل على ما قلنا من إدخالهم الزيادة في هذا الخبر أن عطاء بن السائب وسفيان روياه عن علقمة فقالا: قال: يا رسول الله ما الإسلام؟ وعلى ذلك رواية الناس بعد مثل: سليمان، ومطر، وكهمس، ومحارب، وعثمان، وحسين بن حسن، وغيرهم من الحفاظ، كلهم يحكي في روايته أن جبريل عليه السلام قال: يا محمد ما الإسلام؟ ولم يقل: ما شرائع الإسلام؟ كما روت المرجئة.
سمعت مسلما يقول:

ذكر رواية فاسدة بلا عاضد لها في شيء من الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واتفق العلماء على القول بخلافها

(75) حدثنا مسلم، ثنا حجاج بن الشاعر، أنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني شعبة بن أبي هند عن رجل من المغرب ـ من أهل البادية وقليل من أهل البادية من يكذب في مثل هذا الحديث ـ أن أباه حدثه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا نبي الله أرأيت من فاتته الدفعة من عرفات؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن وقفت عليها قبل الفجر فقد أدركت. فقلت: يا نبي الله أرأيت إن أدركتني الفجر؟ فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن وقفت عليها قبل أن تطلع الشمس فقد أدركت).
ذكر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف هذه الرواية ثم عن الصحابة والتابعين من بعد
(76)
حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، عن سفيان، عن بكير بن عطاء، عن عبدالرحمن بن يعمر قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة وأتاه أناس من أهل الكوفة، فقالوا: يا رسول الله كيف الحج؟ قال: الحج عرفة، فمن جاء قبل طلوع الفجر ليلة جمع فقد تم حجه. أيام منى ثلاثة أيام، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه. ثم أردف رجلا ينادي بهن).
(77)
حدثنا عبد الله بن معاذ، ثنا أبي، ثنا شعبة، عن بكير بن عطاء بهذا.
(78)
حدثنا ابن أبي شيبة، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن حجاج، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس وابن الزبير، قالا: من نزل عرفة بليل فقد أدرك الحج.
وذكر حديث جابر بن عبد الله وابن الزبير وابن عمر أنه كان ينزل من لم يقف بعرفة من ليلة مزدلفة.

فقد تواطأت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار أن إدراك الحج هو أن يطأ المرء عرفات مع الناس أو بعد ذلك إلى أقرب الصبح من ليلة الفجر. فإن أدركه الصبح ولما يدخل عرفات قبل ذلك فقد فاته الحج، ولا اختلاف بين أهل العلم في ذلك. ودل بما ذكرنا من تواطؤ الأخبار، واتفاق العلماء على ما وصفنا، أن رواية ابن إسحاق التي رواها فجعل إدراك الحج فيها إلى بعد الصبح قبل طلوع الشمس رواية ساقطة، وحديث مطرح، إذ لو كان محفوظا وقولا مقولا يمثل سائر الموجبات لم يذهب عن جميعهم.
سمعت مسلما يقول:

ذكر خبر ليس بمحفوظ المتن

(79) حدثنا يحيى بن يحيى، ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي قيس، عن هزيل بن شرحبيل، عن المغيرة بن شعبة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين)
(80)
حدثنا أبو بكر، ثنا أبومعاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن المغيرة قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر وساقه).
الأسود بن هلال، عن المغيرة.
وعلي بن ربيعة، خطبنا المغيرة.
وأياد بن لقيط، عن قبيصة بن برمة، عن المغيرة بن شعبة.
عن حمزة بن المغيرة، عن أبيه.
وعروة بن المغيرة، عن أبيه.
والزهري، عن عباد، عن عروة.
وبكر بن عبد الله، عن ابن المغيرة، عن المغيرة.
وسليمان التيمي، عن بكر، عن الحسن، عن ابن المغيرة بن شعبة، عن أبيه.
وشريك، عن أبي السائب، عن المغيرة.
ومحمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن الغيرة.
وعروة بن المغيرة، عن أبيه.
وعامر وسعد بن عبيدة، قالا: سمعنا المغيرة.
وأبو العالية عن فضالة عن المغيرة.
وعمرو بن وهب، عن المغيرة.
وابن عون عن عامر [عن عروة] عن المغيرة.
وابن سيرين، عن المغيرة.
وقتادة، عن الحسن وزارة ابن أبي أوفى، عن المغيرة.
وحريز بن حية الثقفي عن المغيرة.
سمعت مسلماً يقول:
قد بينا من ذكر أسانيد المغيرة في المسح، بخلاف ما روى أبو قيس، عن هزيل، عن المغيرة، ما قد اقتصصناه. وهم من التابعين وأجلتهم مثل مسروق.
وذكر من قد تقدم ذكرهم، فكل هؤلاء قد اتفقوا على خلاف رواية أبي قيس عن هزيل. ومن خالف خلاف بعض هؤلاء بين لأهل الفهم من الحفظ في نقل هذا الخبر، وتحمل ذلك. والحمل فيه على أبي قيس أشبه، وبه أولى منه بهزيل لأن أبا قيس قد استنكر أهل العلم من روايته أخباراً غير هذا الخبر، سنذكرها في مواضعها إن شاء الله.
فأما في خبر المغيرة في المسح.

حدثنا مسلم، قال: فأخبرني محمد بن عبدالله بن قهزاد، عن علي بن الحسن بن شقيق، قال، قال عبدالله بن المبارك: عرضت هذا الحديث -يعني حديث المغيرة من رواية أبي قيس- على الثوري فقال: لم يجيء به غيره، فعسى أن يكون وهما.

ذكر خبر خطأ في متنه، يدفعه الأخبار الصحاح،

غير أنا نبدأ بذكر الرواية الصحيحة ثم نتبعها الفاسدة.
(81)
حدثني زهير بن حرب، ثنا مروان، ثنا يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: (اعتم رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أهله فوجد الصبية قد ناموا فأتاه أهله بطعامه فحلف لا يأكل من أجل صبيته، ثم بدا له فأكل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأتها وليكفر عن يمينه).
ومالك، عن سهيل، عن أبيه.
وسليمان بن بلال، عن سهيل، عن أبيه.
وحماد بن زيد، عن غيلان بن جرير، عن أبي بردة، عن أبي موسى.
وحماد، عن أيوب، عن أبي قلابة.
وعن القاسم بن عاصم، عن زهدم. وتركت طرق زهدم.
وأبو بردة، عن أبي موسى.
وحميد، عن أنس، أن أبا موسى.
ويسر بن عبيد الله، عن أبي عائذ، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله، فقال أبو موسى الأشعري: يا رسول الله، ثم قال في آخره: فإذا حلفت على يمين.
وتميم بن طرفة، عن عدي.
والأعمش، عن عبدالعزيز بن رفيع، عن تميم.
والشيباني عن ابن عبدالعزيز.
وشعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبدالله بن عمر.
ومولى الحسن بن علي عن عدي بن حاتم.
وأبو الزهراء، عن أبي الأحوص عوف بن مالك، عن أبيه، أتيت النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكرنا الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الحالف على الشيء يرى غير ما حلف عليه أن يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير، لأن الكفارة قبل الحنث غير واجبة على الحالف، وبعد الحنث هي واجبة باتفاق من الجميع. فلا يجوز أن يكون المقطوع بأداء كفارة ينويها مؤديها مؤدياً لغرض يجب في وقت ثان.
سمعت مسلماً يقول:
سنذكر الرواية التي تخالف هذه الأخبار الثابتة التي قدمناها.

(82) ثنا يحيى بن يحيى، ثنا هشيم، عن يحيى بن عبيد الله، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين رأى غيرها خيراً منها، فأتى الذي هو خير فهو كفارته.
فلو لم يكن مما تبين فساد هذه الرواية إلا ما ذكرنا قبل من رواية سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة. ويزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (فليأتها وليكفر عن يمينه) لكفى ذلك. فكيف ومعه حديث أبي موسى، وعدي بن حاتم، وأبي الدرداء، وغيرهم؟
بمثل هذه الرواية وأشباهها ترك أهل الحديث حديث يحيى بن عبيد الله، لا يعتدون به، وأما حديث ابن خياط، عن عمرو بن شعيب، فلا معنى في التشاغل به.
سمعت مسلما يقول:

ذكر رواية لا يتابع روايتها في متنها ولا في إسنادها

(83) ثنا محمد بن المثنى، ثنا معدي بن سليمان أبو عثمان صاحب الطعام قال: سمعت محمد بن عجلان يذكر عن أبيه عن أبي هريرة قال: (من أتى جنازة فانصرف عليها إلى أهلها كان له قيراط، فإذا شيعها كان له قيراط، فإذا صلى عليها كان له قيراط، فإذا جلس حتى يقضى قضاؤها كان له قيراط، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والقيراط مثل جبل أحد أو أعظم من جبل أحد).
فهذه الرواية، المتقنون من أهل الحفظ على خلافها، وأنهم لم يذكروا في الحديث إلا قيراطين: قيراط لمن صلى عليها ثم يرجع، ولمن انتظر دفنها قيراطان.
كذلك روى أصحاب أبي هريرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويروي عن غير أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجوه ذوات عدد سنذكرها إن شاء الله.
فأما حديث معدي بن سليمان في روايته من ذكر أربعة قراريط، فلم يواطأ عليه من وجه من الوجوه المعروفة، وخولف في إسناده عن ابن عجلان.
(84)
حدثني محمد بن حاتم، ثنا يحيى، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث.
(85)
وأبو عاصم، عن ابن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأبو مزاحم، عن أبي هريرة.
والسائب بن يزيد، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. رواه معاوية بن سلام.
والوليد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة.
والمسيب بن رافع، عن البراء مثل ذلك.
وسليمان بن بلال، عن عمرو بن يحيى، عن ابن يوسف بن سلام، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك.

ذكر الأخبار التي في إسنادها غلط من بعض ناقليها

(86) ثنا أبوبكر بن أبي شيبة، ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرين مرة يقرأ في الركعتين بعد المغرب والركعتين قبل الفجر بـ: قل يا أيها الكافرون، و قل هو الله أحد)
وإبراهيم النخعي، عن مجاهد، عن ابن عمر بهذا.
وهذا الخبر وهم عن ابن عمر.
والدليل على ذلك الروايات الثابتة عن ابن عمر أنه ذكر ما حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من تطوع صلاته بالليل والنهار فذكر عشر ركعات ثم قال: وركعتي الفجر، أخبرتني حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى ركعتين خفيفتين إذا طلع الفجر وكانت ساعة لا أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها. فكيف سمع منه أكثر من عشرين مرة قراءته فيها وهو يخبر أنه حفظ الركعتين من حفصة عن النبى صلى الله عليه وسلم.
وسنذكر إن شاء الله ما ثبت عن ابن عمر في الرواية في ذلك.
(87)
يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل الظهر ركعتين وساقه)،
وأيوب عن نافع.
ومالك عن نافع.
والزهري عن سالم عن أبيه.
فقد ثبت ما ذكرنا من رواية سالم ونافع عن ابن عمر أن حفصة أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتي الفجر ان رواية أبي إسحاق وغيره ثم ذكر عن ابن عمر أنه حفظ قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وهم غير محفوظ .
وفيها خبر آخر غير محفوظ الإسناد
(88)
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا زيد بن حباب، ثنا عمر بن عبد الله ابن أبي خثعم، حدثني يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رجلاً قال: يا رسول الله ما الطهور بالخفين؟ قال: (للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن).
هذه الرواية في المسح عن أبي هريرة ليست بمحفوظة.
وذلك أن أبا هريرة لم يحفظ المسح عن النبي صلى الله عليه وسلم لثبوت الرواية عنه بإنكاره المسح على الخفين.

وسنذكر ذلك عنه إن شاء الله.
(89)
حدثنا محمد بن المثنى، ثنا محمد، ثنا شعبة، عن يزيد بن زاذان قال: سمعت أبا زرعة قال، سألت أبا هريرة عن المسح على الخفين. قال: فدخل أبو هريرة دار مروان بن الحكم، فبال ثم دعا بماء فتوضأ، وخلع خفيه، وقال: ما أمرنا الله أن نمسح على جلود البقر والغنم.
فقد صح برواية أبي زرعة، وأبي رزين عن أبي هريرة إنكاره المسح على الخفين.
ولو كن قد حفظ المسح عن النبي صلى الله عليه وسلم كان أجدر الناس وأولاهم للزومه والتدين به. فلما أنكره الذي في الخبر من قوله: ما أمرنا الله أن نمسح على جلود البقر والغنم. والقول الآخر ما أبالي على ظهر حمار مسحت أو على خفي، بان ذلك أنه غير حافظ المسح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإن من أسند ذلك عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم واهي الرواية، أخطأ فيه إما سهواً أو تعمداً.
فبجمع هذه الروايات ومقابلة بعضها ببعض، تتميز صحيحها من سقيمها، وتتبين رواة ضعاف الأخبار من أضدادهم من الحفاظ. ولذلك أضعف أهل المعرفة بالحديث عمر بن عبدالله بن أبي خثعم وأشباههم من نقلة الأخبار، لروايتهم الأحاديث المستنكرة التي تخالف روايات الثقات المعروفين من الحفاظ.
سمعت مسلما يقول :

ذكر خبر مستنكر عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم

فقد أطبق الحفاظ على صدر روايته عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم
(90)
الحسن بن صالح، عن فراس، عن عطية، عن ابن عمر قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر فصلى الظهر في الحضر أربعا وبعدها ركعتين والعصر أربعا وليس بعدها شيء والمغرب ثلاثا وبعدها ركعتين والعشاء أربعا وبعدها ركعتين) وساقه.
ورواه ابن أبي ليلى، عن عطية، عن ابن عمر بهذا.
سمعت مسلما يقول: ذكر الأسانيد الصحاح الثابتة التي تخالف رواية عطية
(91)
ثنا مسلم، ثنا عبد الله بن مسلمة، حدثني عيسى بن حفص بن عاصم ابن عمر بن الخطاب عن أبيه قال: (صحبت ابن عمر في طريق مكة قال: فصلى لنا الظهر ركعتين وساق الحديث)
قال مسلم: فهذه أسانيد صحاح كل واحدة منها ثابت على انفراده، وهم جماعة منهم: حفص بن عاصم بن عمر، وعيسى بن طلحة بن عبيد الله، وعثمان بن عبد الله بن سراقة، ووبرة بن عبد الرحمن، حكوا ذلك عن ابن عمر ترك النبي صلى الله عليه وسلم السبحة في السفر قبل المكتوبة وبعدها.
ونافع حكى ترك ابن عمر ذلك.

ذكر رواية فاسدة بين خطؤها بخلاف الجماعة من الحفاظ

(92) حدثني القاسم بن زكريا بن دينار، ثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر: (كان الناس يخرجون صدقة الفطر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاع شعير أو تمر أو سلت أو زبيب فلما كان عمر وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء).
وسنذكر إن شاء الله من رواية أصحاب نافع بخلاف ما روى عبد العزيز.
(93)
ثنا عبد الله بن مسلمة وقتيبة قالا: ثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير وساقه).
وعبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر.
وأيوب، عن نافع.
والليث، عن نافع.
والضحاك، عن نافع.
وابن جريج، أخبرني أيوب بن موسى عن نافع.
ومحمد بن إسحاق، عن نافع.
وإسماعيل بن علية ويزيد بن زريع، عن أيوب، عن نافع.
والضحاك بن عثمان، ومحمد بن إسحاق.
فهؤلاء الأجلة من أصحاب نافع قد أطبقوا على خلاف رواية ابن أبي رواد في حديثه صدقة الفطر وهم سبعة نفر.
لم يذكر أحد منهم في الحديث السلت ولا الزبيب، ولم يذكروا في أنه جعل مكان تلك الأشياء نصف صاع حنطة. إنما قال أيوب السختياني وأيوب بن موسى والليث في حديثهم: فعدل الناس به بعد نصف صاع من بر.
فقد عرف من عقل الحديث وأسباب الروايات حين يتابع هؤلاء من أصحاب نافع على خلاف ما روى ابن أبي رواد، فلم يذكروا جميعا في الحديث إلا الشعير والتمر.
والسلت والزبيب يحكى عن ابن عمرعلى غير صحة، إذ كان ابن عمر لا يعطي في دهره بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا التمر، إلا مرة أعوزه التمر فأعطى الشعير.
سمعت مسلما يقول:

ذكر حديث منقول على الخطأ في الإسناد والمتن

(94) ثنا مسلم، ثنا إسحاق، أنا عبد الرزاق قال: سمعت مالكا يقول: (وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل العراق قرنا. فقلت: من حدثك هذا يا أبا عبد الله؟ قال: أخبرنيه نافع عن ابن عمر. فحدثت به معمر فقال: قد رأيت أيوب دار مرة إلى قرن فأحرم منها.
قال عبد الرزاق: وأخبرني بعض أهل المدينة أن مالكا بأخرة محاه من كتابه.
سمعت مسلما يقول:
ذكر الروايات التي فيها بيان خطأ هذه الرواية عن عبد الرزاق
(95)
ثنا مسلم، ثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن. قال عبدالله، وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ويهل [أهل] اليمن من يلملم.
وعبيد الله، عن نافع.
والليث، عن نافع.
ويحيى بن سعيد، عن نافع.
وحجاج، وابن عون، والضحاك، وابن جريج عن نافع.
وعبدالله بن دينار، عن ابن عمر.
والزهري، عن سالم.
وصدقة عن ابن عمر.
وعمرو بن دينار، عن طاووس، عن ابن عباس.
وابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس.
وأبو الزبير عن جابر.
وعطاء عن جابر.
والحجاج بن أرطأة، عن عطاء، عن جابر.
وابن جريج، عن عطاء، أن النبي صلى الله عليه وسلم.
والقاسم عن عائشة.
ومحمد بن علي، عن ابن عباس.
وميمون بن مهران، عن ابن عمر.
فالثابت الصحيح من توقيت رسول اله صلى الله عليه وسلم، لإحرام المحرم ما في حديث ابن عمر وابن عباس. ذلك كل ذلك في روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهي لهن ولمن أتى عليهن بما في الحديث.
فالظاهر من هذا الكلام كله، أنه مسترق في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد يمكن أن تكون هذه الزيادة من قول ابن عباس، ليس منقولاً في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وذكر كلاماً كثيراً يدل على أن عبدالرزاق لم يحفظ. وإن كان حفظ فلعل لسان مالك سبق لسانه مع كلام كثير.

قال: والصحيح المحفوظ من توقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون ذلك [ما] حفظ عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت قرنا لأهل العراق، هذا ما لا يحتمل التوهم على مالك.
وقد روى عبيد الله كما ذكرنا من قبل. عن نافع، عن ابن عمر حد لأهل العراق ذات عرق.
وذكر ألفاظ كل رجل من هؤلاء المسمين بعد أن [بين أن] رواية عبدالرزاق عن مالك خطأ غير محفوظ.
فأما الأحاديث التي ذكرناها من قبل أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق، فليس منها واحد يثبت.
وذلك أن ابن جريج قال في حديث أبي الزبير عن جابر.
فأما رواية المعافي بن عمران، عن أفلح، عن القاسم، عن عائشة، فليس بمستفيض عن العافي، إ نما روى هشام بن بهرام، وهو شيخ من الشيوخ، ولا يقر الحديث بمثله إذا تفرد.
وأما حديث يزيد بن أبي زيادة عن محمد بن علي، عن ابن عباس، فيزيد هو ممن قد اثقى حديثه الناس، والاحتجاج بخبره إذا تفرد للذين اعتبروا عليه من سوء الحفظ، والمتون في رواياته التي يرويها.
ومحمد بن علي لا يعلم له سماع من ابن عباس، ولا أنه لقيه، أو رآه.
وأما رواية جعفر، عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر، فلم يحكم حفظه، لأن فيه: لأهل الطائف قرنا.
وفي رواية سالم ونافع، وابن دينار: ولأهل نجد قرناً. وميزوا في رواياتهم لأهل اليمن أن ابن عمر لم يسمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية ميمون، جعل لأهل المشرق ذات عرق.
وسالم، ونافع، وابن دينار، كل واحد منهم أولى بالصحيح عن ابن عمر، من ميمون الذي لم يسمعه من ابن عمر.
(96)
ثنا مسلم، حدثني محمد بن علي بن شقيق، قال: سمعت أبي، أنبا عبدالله بن المبارك، ثنا يحيى بن ميسر، عن عكرمة، قال: وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة وغيرهم إذا أراد أن يحج أو يعتمر أن لا يجاوز ذا الحليفة إلا حراماً، ووقت لأهل الشام الجحفة ومن مر بها من غيرهم أن لا يجاوزها إلا حراماً، إلا أن يحرم وساقه.

سمعت مسلما يقول :

ذكر حديث منقول على الخطأ في الإسناد

(97) حدثني محمد بن سهل بن عسكر، أنا ابن أبي مريم، ثنا يحيى بن أيوب، عن إسماعيل بن عقبة، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة: (أنه أهدي لها ولحفصة طعام وهما صائمتان فأفطرتا عليه، فسألت حفصة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت بنت عمر، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصوم يوما مكانه).
(98)
حدثنا مسلم، ثنا محمد بن سهل، ثنا ابن أبي مريم قال: وأنا العمري، حدثني ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة قالت: (أصبحت أنا وحفصة …)
(99)
ثنا مسلم، ثنا محمد بن سهل، ثنا ابن أبي مريم، ثنا يحيى بن أيوب، عن إسماعيل بن أمية، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله.
(100)
وابن وهب، عن حيوة، عن ابن الهاد، عن زميل مولى عروة عن عروة، عن عائشة بمثله.
(101)
وابن وهب، عن جرير بن حازم، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة.
أما حديث الزهري، فقد أخطأ كل من قال: عن عروة، عن عائشة، وبيان ذلك في رواية ابن جريج.
(102)
ثنا مسلم، حدثني محمد بن حاتم، ثنا محمد بن بكر، ثنا ابن جريج، قال: قلت للزهري: أخبرك عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أفطر في تطوع فليقضه). قال: لم أسمع من عروة في ذلك شيئاَ. ولكن حدثني في خلافة سليمان بن عبدالملك ناس عن بعض من كان سأل عائشة أنها قالت: أصبحت أنا وحفصة. فذكر الحديث.
سمعت مسلماً يقول: فقد شفى ابن جريج في رواية الزهري، هذا الحديث عن الصحيح فلا حاجة بأحد إلى التنقير عن حديث الزهري إلى أكثر مما أبان عنه ابن جريج من النقر والتنقير في جمع الحديث إلى مجهول. وذلك أنه قد قال له: حدثني ناس عن بعض من كان سأل عائشة، ففسد الحديث لفساد الإسناد.
وأما حديث زميل مولى عروة فزميل لا يعرف له ذكر في شيء، إلا في هذا الحديث فقط. وذكره بالجرح والجهالة.

وأما حديث يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة، فلم يسنده عن يحيى إلا جرير بن حازم وجرير لم يعن في الرواية عن يحيى. إنما روى من حديثه نذراً. ولا يكاد يأتي بها على التقويم والاستقامة وقد يكون من ثقات المحدثين من يضعف روايته عن بعض رجاله الذي حمل عنهم للتثبيت. يكون له في وقت وذكر قصة.
والدليل على ما بينا من هذا اجتماع أهل الحديث، ومن علمائهم، على أن أثبت الناس في ثابت البناني، حماد بن سلمة.
كذلك قال: يحيى القطان، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وغيرهم من أهل المعرفة.
وحماد يعد عندهم، إذا حدث عن غير ثابت، كحديثه عن قتادة، وأيوب، ويونس، وداود بن أبي هند، والجريري، ويحيى بن سعيد، وعمرو بن دينار، وأشباههم، فإنه يخطئ في حديثهم كثيراً.
وغير حماد في هؤلاء أثبت عندهم، كحماد بن زيد، وعبدالوارث، ويزيد بن زريع وابن علية.
وعلى هذا المقال الذي وصفنا عن حماد، في حسن حديثه وضبطه عن ثابت، حتى صار أثبتهم فيه، جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران ويزيد بن الأصم فهو أغلب الناس عليه، والعلم بهما وبحديثهما. ولو ذهبت تزن جعفراً في غير ميمون وابن الأصم، وتعتبر حديثه عن غيرهما، كالزهري وعمرو بن دينار وسائر الرجال لوجدته ضعيفاً رديء الضبط، والرواية عنهم.
واعلم رحمك الله أن صناعة الحديث، ومعرفة أسبابه من الصحيح والسقيم إنما هي لأهل الحديث خاصة، لأنهم الحفاظ لروايات الناس، العارفين بها دون غيرهم. إذ الأصل الذي يعتمدون لأديانهم السنن والآثار المنقولة، من عصر إلى عصر من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا هذا، فلا سبيل لمن نابذهم من الناس، وخالفهم في المذهب، إلى معرفة الحديث ومعرفة الرجال من علماء الأمصار فيما مضى من الأعصار، من نقل الأخبار وحمال الآثار.

وأهل الحديث هم الذين يعرفونهم ويميزونهم حتى ينزلوهم منازلهم في التعديل والتجريح وإنما اقتصصنا هذا الكلام، لكي نثبته من جهل مذهب أهل الحديث ممن يريد التعلم والتنبه، على تثبيت الرجال وتضعيفهم فيعرف ما الشواهد عندهم، والدلائل التي بها ثبتوا الناقل للخبر من نقله، أو سقطوا من أسقطوا منهم. والكلام في تفسير ذلك يكثر. وقد شرحناه في مواضع غير هذا، وبالله التوفيق في كل ما نؤم ونقصد.
سمعت مسلما يقول:

ذكر حديث آخر وهم مالك في إسناده

(103) ثنا مسلم، ثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك، عن ابن شهاب، عن عباد بن زياد ـ وهو من ولد المغيرة بن شعبة ـ عن المغيرة: (أنه ذهب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته… وساقه).
(105)
ثنا مسلم، ثنا أحمد بن جعفر المعقري، ثنا النضر بن محمد، ثنا أبو أويس، أخبرني ابن شهاب، أن عباد بن زياد بن أبي سفيان، أخبره أن المغيرة قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم…).
ويونس، عن ابن شهاب، حدثنى عباد بن زياد.
والليث وعقيل، قال ابن شهاب: أخبرني عباد بن زياد، عن عروة.
عبد الرزاق، أنا ابن جريج، عن ابن شهاب، عن عباد.
فالوهم من مالك في قوله: عباد بن زياد ـ من ولد المغيرة ـ وإنما هو عباد بن زياد بن أبي سفيان كما فسره أبو أويس في روايته.
والمحفوظ عندنا من رواية الزهري، رواية ابن جريج، لاقتصاصه الحديث عن الزهري، عن عباد بن زياد، عن عروة بن المغيرة، عن أبيه. ثم فصل في آخر الحديث زيادة الزهري عن حمزة بن المغيرة.
سمعت مسلما يقول :

ذكر حديث وهم مالك بن أنس في إسناده

(105) ثنا مسلم، ثنا قتيبة، ثنا مالك، عن هشام، عن أبيه أنه سمع عبد الله بن عامر بن ربيعة يقول: (صلينا وراء عمر بن الخطاب الصبح فقرأ سورة يوسف وسورة الحج قراءة بطيئة. فقلت: إذن والله كان يقوم حين يطلع الفجر! قال: أجل). سمعت مسلما يقول:
فخالف أصحاب هشام هلم جرا مالكا في هذا الإسناد في هذا الحديث.
(106)
أبو أسامة، عن هشام قال: أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: (صليت خلف عمر فقرأ سورة الحج وسورة يوسف قراءة بطيئة).
وكيع، عن هشام، أخبرني عبد الله بن عامر.
وحاتم، عن هشام، عن عبدالله بن عامر قال: صلى بنا عمر.
سمعت مسلما يقول:
فهؤلاء عدة من أصحاب هشام كلهم قد أجمعوا في هذا الإسناد على خلاف مالك والصواب ما قالوا دون ما قال مالك .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب الإبانة عن أصول الديانة علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري أبو الحسن

  كتاب الإبانة عن أصول الديانة علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري أبو الحسن بسم الله الرحمن الرحيم وهو حسبي ونعم الوكيل وصلى الله على...