الأحد، 9 أبريل 2023

ج1. وج2. ج1.الكتاب معاني القرآن الكريم ابو جعفر احمد بن محمد بن اسماعيل النحاس

ج1. وج2.
ج1.الكتاب معاني القرآن الكريم ابو جعفر

 احمد بن محمد بن اسماعيل النحاس

معاني القرآن الكريم للامام ابي جعفر النحاس
اخبرنا ابو جعفر احمد بن محمد بن اسماعيل النحوي المعروف بالنحاس قال الحمدلله الذي من علينا بهدايته واستنقذنا من الضلاله بشريعته وأرشدنا الى سبيل النجاه بنبيه صلى الله عليه و سلم ووفقنا لنتهاج سبيله المرتضى وعلمنا ما لم نكن نعلم من كتابه الذي جعله فرقا بين الحق والباطل أذل به الجاحدين عند عجزهم عن الآتيان بسورة مثله وجعله الشفاء والحجة على خلقه بما بين فيه فقال جل وعز بلسان عربي مبين وقال قرآن عربيا غير ذي عوج وقال كتاب مصدق لسانا عربيا

فدل على ان معانيه إنما وردت من اللغة ألعربيه وقال أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الذي يقراء القرآن ولا يحسن تفسيره كالأعرابي يهذ الشعر هذا
فقصدت في هذا الكتاب تفسير المعاني والغريب واحكام القرآن والناسخ والمنسوخ عن المتقدمين من الأئمه واذكر من قول الجله من العلماء باللغه واهل النظر ما حضرني وابين من تصريف الكلمه واشتقاقها ان علمت ذلك واتي من القراءات بما يحتاج الى تفسير معناه وما احتاج

اليه المعنى من الاعراب وبما احتج به العلماء في مسائل سأل عنها المجادلون وابين ما فيه حذف او اختصار او اطاله لافهامه وما كان فيه تقديما أو تاخير واشرح ذلك حتى يتبينه المتعلم وينتفع به كما ينتفع العالم بتوفيق الله وتسديده فأول ذلك


تفسير سورة الفاتحه مكيه وآياتها سبع باتفاق

سورة الحمد
وهي مكيه على قول ابن عباس
وقال مجاهد هي مدنيه
اعلم ان لها اربعة اسماء هي سورة الحمد و فاتحة الكتاب و ام القرآن وهذا روي عن النبي من حديث عمر وعلي وابن عباس
وروى ابن ابي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي قال

فاتحة الكتاب هي السبع المثاني
والاسم الرابع انه يقال لها السبع من المثاني روى ذلك سفيان عن السدي عن عبد خير عن علي رضي الله عنه
وروى اسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن ابيه عن ابي هريره ان النبي قرأ عليه ابي بن كعب فاتحة الكتاب فقال والذي نفسي بيده ما انزل في التوراة ولا في الانجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها انها السبع من المثاني والقرآن العظيم الذي ا عطيته
وقيل لها فاتحة الكتاب لانه يفتتح بها المصحف ويفتتح بها القرآن وتقرأ في كل ركعه
وقيل لها ام القران لان ام الشيء ابتداؤه واصله فسميت

بذلك لابتدائهم لها في اول القرآن فكانها اصل وابتداء ومكة ام القرى لان الارض دحيت من تحتها
وقال الحجاج ما فيهم من الكتاب ام أي اصل من الكتاب
وروى اسماعيل ابن جعفر عن العلاء عن ابيه عن ابي هريره عن النبي انه قرأ عليه ابي فاتحة الكتاب فقال والذي نفسي بيده ما انزل في التوراة ولا في الانجيل ولا في الزبور ولافي الفرقان مثلها انها السبع من المثاني والقرآن العظيم الذي اعطيته
وقيل لها السبع المثاني لانها سبع ايات تثنى في كل ركعه من ثنيته اذ رددته
وفي هذا قول اخر غريب وله اسناد حسن قوي عن جعفر بن محمدالفاريابي عن مزاحم بن سعيد قال حدثنا ابن المبارك قال حدثنا

ابن جريح قال اخبرني ابي ان سعيد بن جبير اخبره قال لابن عباس ما المثاني قال هي ام القرآن استثناها الله تعالى لامة محمد في ام الكتاب فادخرها لامة محمد حتى اخرجها لهم ولم يعطيها احدا قبل امة محمد
وقيل ان من قال السبع المثاني ذهب الى من زائده للتوكيد واجود من هذا القول ان يكون المعنى انها السبع من القرأن الذي هو مثان
تفسير البسمله ومما قصدنا له قوله عز و جل بسم الله الرحمن الرحيم
قال اكثر البصرين المعنى اول ما افتتح ب بسم الله واول كلامي بسم الله

قال سيبويه معنى الباء الالصاق
قال الفراء موضع الباء نصب والمعنى بدأت باسم الله وابدأ باسم الله
وفي اشتقاق اسم قولان
احدهما من السمو وهو العلو والارتفاع فقيل اسم لان صاحبه بمنزلة المرتفع به
وقيل وهو من وسمت فقيل اسم لانه لصاحبه بمنزلة السمه أي يعرف به
والقول الثاني خطأ لان الساقط منه لامه فصح انه من سما يسمو

قال احمد ابن يحى يقال سم وسم ويقال اسم بكسر الالف ويقال بضمها
فمن ضم الالف اخذه من سموت اسمو ومن كسر اخذه من سميت اسمي
قال الكسائي والفراء معنى بسم الله باسم الاله وتركوا الهمزه وادغموا اللام الاولى في الثانيه فصارت لاما مشدده كما قال جل عز و جل لكنا هو الله ربي ومعناه لكن انا هو الله ربي كذلك قرأها الحسن
ولسيبويه في هذا قولان
احدهما ان الاصل اله ثم جيء بالالف واللام عوضا من الهمزه وكذلك الناس عنده الاصل فيه اناس

والقول الاخر هو ايضا قول اصحابه ان الاصل لاه ثم دخلت عليه الالف واللام وانشدو ... لاه ابن عمك لا فضلت في حسب ... عني ولا انت دياني فتخزوني ...
ويسأل عن التكرير في قواه عز و جل الرحمن الرحيم
فروي عن ابن عباس انه قال الرحمن الرحيم اسمان رقيقان احدهما ارق من الاخر فالرحمن الرقيق والرحيم العاطف على خلقه بالرزق
قال محمد بن كعب القرظي الرحمن بخلقه الرحيم بعباده فيما ابتداهم به من كرامته وحجته

وقال عطاء الخرساني كان الرحمن فلما اختزل الرحمن من اسمائه صار الرحمن الرحيم
وقال العرزمي الرحمن بجميع الخلق الرحيم بالمؤمنين
وقال ابو عبيده هما من الرحمه كقولهم ندمان ونديم
وقال قطرب يجوز ان يكون جمع بينهما للتوكيد وهذا قول حسن وفي التوكيد اعظم الفائده وهو كثير في كلام العرب يستغني عن الاستشهاد

والفائده في ذلك ما قاله محمد بن يزيد انه تفضل بعد تفضل وانعام بعد انعام وتقوية لمطامع الداعين ووعد لايخيب آمله
وقول العرزمي ايضا حسن لان فعلان فيه معنى المبالغه فكانه والله اعلم الرحمن بجميع خلقه ولهذا لم يقع الا لله تعالى لان معناه الذي وسعت رحمته كل شيء
ولهذا قدم قبل الرحيم
وصار الرحيم اولى من الراحم لان الرحيم ألزام في المدح لانه يدل على ان الرحمه لازمه له غير مفارقة والراحم يقع لمن رحم مرة واحده

وقال احمد ابن يحيى الرحيم عربي والرحمن عبراني فلهذا جمع بينهما
وهذا القول مرغوب عنه
وروى مطرعن قتاده في قوله بسم الله الرحمن الرحيم قال مدح نفسه وهذا قول حسن
قال ابو العباس النعت قد يقع للمدح كما تقول قال جرير الشاعر

تفسير سورة الفاتحه
وقوله تعالى الحمد لله الفرق بين الحمد والشكر ان الحمد اعمم لانه يقع على الثناء وعلى التحميد وعلى الشكر والجزاء
والشكر مخصوص بما يكون مكافأه لمن اولاك معروفا خصار الحمد اثبت في الايه لانه يزيد على الشكر
ويقال الحمد خبر وسبيل الخبر ان يفيد فما الفائده في هذا
والجواب عن هذا ان سيبويه قال اذا قال الرجل الحمد لله بالرفع ففيه من المعنى مثل ما في قوله حمدت الله حمدا الا ان الذي يرفع الحمد يخبر ان الحمد منه ومن جميع الخلق لله تعالى والذي ينصب الحمد يخبر ان الحمد منه وحده لله تعالى

قال ابن كيسان وهذا كلام حسن جدا لان قولك الحمد لله مخرجه في الاعراب مخرج قولك المال لزيد ومعناه انك أخبرت به وأنت تعتمد ان تكون حامدا لا مخبرا بشيء ففي أخبار المخبر بهذا إقرار منه بان الله تعالى مستجوبه على خلقه فهو احمد من يحمده اذا اقر بان الحمد له فقد آل المعنى المرفوع الى مثل المعنى المنصوب وزاد عليها بان جعل الحمد الذي يكون عن فعله وفعل غيره لله تعالى
وقال غير سيبويه إنما يتكلم بهذا تعرضا لعفو الله تعالى ومغفرته وتعظيما له وتمجيدا فهو خلاف معنى الخبر وفيه معنى السؤال
وفي الحديث من شغل بذكري عن مسألتي اعطيته افضل

ما أعطى السائلين
وقيل ان مدحة نفسه جل وعز وثناءه عليه ليعلم ذلك عباده فالمعنى على هذا قولوا الحمد لله
وإنما عيب مدح الآدمي نفسه لانه ناقص وان قال انا جواد فثم بخل وان قال انا شجاع فثم جبن والله تعالى منزه من ذلك فان الآدمي إنما يدح نفسه ليجتلب منفعة ويدفع مضره والله تعالى غني عن هذا
وقوله جل وعز رب العالمين
قال أهل اللغة الرب المالك وانشدو ... وهو الرب والشهيد على يو ... م الحيارين والبلاء بلاء

واصل هذا انه يقال ربه يربه ربا وهو راب ورب اذا قام بصلاحه
ويقال على التكثير رباه ورببه وربته
وروى الربع عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رب العالمين قال الجن والأنس
وروى الربيع ابن انس عن ابي العاليه قال الجن عالم والانسان عالم وسوى ذلك للارض أربع زوايا في كل زاوية ألف وخمس مائة عالم خلقهم الله لعبادته
وقال ابو عبيده رب العالمين أي المخلوقين
وانشد العجاج فخندق هامة هذا العالم

والقول الأول اجل هذه الأقوال واعرفها في اللغة لان هذا الجمع إنما هو جمع ما يعقل خاصة
وعالم مشتق من العلامة
وقال الخليل العلم والعلامة والمعلم ما دل على شيء فالعالم دال على ان له خالقا مدبرا
وقوله تعالى ملك يوم الدين ويقرأ مالك يوم الدين
واختار ابو حاتم مالك قال وهو اجمع من ملك لأنك تقول ان الله مالك الناس ومالك الطير ومالك الريح ومالك كل شيء من الأشياء ونوع من الأنواع ولا يقال الله ملك الطير ولاملك الريح ونحو ذلك وإنما يحسن ملك الناس وحدهم

وخالفه في ذلك جلة أهل اللغة منهم أبو عبيد وأبو العباس محمد بن يزيد واحتجوا بقوله تعالى لمن الملك اليوم والملك مصدر الملك ومصدر المالك ملك بالكسر وهذا احتجاج حسن
وأيضا فان حجة ابي حاتم لا تلزم لانه إنما لم يستعمل ملك الطير والرياح لانه ليس فيه معنى مدح
وحدثنا محمد بن جعفر بن محمد عن ابي داود بن الانباري قال حدثنا محمد ابن اسماعيل قال حدثنا عمرو بن أسباط عند السدي وهو إسماعيل بن عبد الرحمن بن ابي مالك عن أبي مالك وعن أبي صالح عن بن عباس وعن مرةالهمداني عن ابي مسعود وعن اناس من أصحاب رسول الله قال مالك يوم الدين يوم الدين هو يوم الحساب

وقال مجاهد الدين الجزاء والمعنيان واحد لان يوم القيامة يوم الحساب ويوم الجزاء
والدين في غير هذه الطاعة والدين ايضا العادة كما قال أهذا دينه أبدا وديني
والمعاني متقاربة لانه اذا أطاع فقد دان
والعادة تجري مجرى الدين وفلان في دين فلان أي في سلطانه وطاعته فان قيل لم خصت القيامة بهذا
فالجواب ان يوم القيامة يوم يضطر فيه الخلائق الى ان يعرفوا ان الأمر كله لله تعالى
وقيل خصه لان في الدنيا ملوكا وجبارين ويوم القيامة يرجع الأمر كله الى الله تعالى

وقوله تعالى إياك نعبد ولم يقل نعبدك لان هذا أو كد
قال سيبويه كأنهم إنما يقدمون الذي بيانه أهم إليهم وهم ببيانه أعنى وان كانا جميعا يهمانهم ويعنيانهم
والعبادة في اللغة الطاعة مع تذلل وخضوع يقال طريق معبد اذا كان قد ذلل بالوطء وبعير معبد اذا طلي بالقطران أي امتهن كما يمتهن العبد قال طرفه ... الى ان تحامتني العشيرة كلها ... أفردت إفراد البعير المعبد ...
او يقال عبد من كذا أي انف منه كما قال الشاعر ... واعبد ان تهجى تميم بد ارم

ثم قال تعالى و إياك نستعين
أعاد إياك توكيدا ولم يقل ونستعين كما يقال المال بين زيد وبين عمرو فتعاد بين توكيدا وقال إياك ولم يقل إياه لان المعنى قل يا محمد إياك نعبد
على ان العرب ترجع من الغيبة الى الخطاب كما قال الأعشى ... عنده الحزم والتقى واسى الصر ... ع وحمل لمضلع الأثقال ...
ثم قال ورجع من الغيبة الى الخطاب ... ووفاء اذا أجرت فما غر ... ت حبال وصلتها بحبال ...
وقال تعالى وسقاهم ربهم شرابا طهورا ثم قال ان هذا كان لكم جزاء وعكس هذا ان العرب ترجع من الخطاب الى الغبيه كما قال تعالى حتى اذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبه

وفي الكلام حذف والمعنى وإياك نستعين على ذلك
ثم قال تعالى اهدنا الصراط المستقيم
وهم على الهدى أي ثبتنا كما تقول للقائم قم حتى أعود إليك أي اثبت قائما
ومعنى اهدنا أرشدنا واصل هدى ارشد ومنه واهدنا الى سواء الصراط ويكون هدى بمعنى بين كما قال تعالى وأما ثمود فهديناهم ويكون هدى بمعنى الهم كما قال تعالى الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى أي ألهمه مصلحته
وقيل إتيان الأنثى
ويكون هدى بمعنى دعا كما قال تعالى ولكل قوم هاد أي نبي يدعوهم
واصل هذا كله ارشد والمعنى ارشدنا الى الصراط المستقيم

حدثنا محمد بن جعفر الانباري قال حدثنا هاشم بن القاسم الحراني قال حدثنا ابو اسحق النحوي عن حمزه بن حبيب عن حمران بن أعين عن ابي منصور بن أخي الحارث عن الحارث عن على قال سمعت رسول الله يقول الصراط المستقيم كتاب الله
وروى مسعر عن منصور عن ابي وائل عن عبد الله في قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم قال كتاب الله
وروى عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال هو الإسلام
والصراط في اللغة الطريق الواضح وكتاب الله بمنزلة الطريق الواضح وكذلك الإسلام وقال جرير

أمير المؤمنين على صراط ... اذا اعوج الموارد مستقيم ... أمير المؤمنين جمعت دينا ... و حلما فاضلا لذوي الحلوم ...
ثم قال تعالى صراط الذين أنعمت عليهم
روى ابو جعفر الرازي عن الربيع بن انس الذين انعم عليهم النبيون
وقال غيره يعني الأنبياء والمؤمنين
وقيل هم جميع الناس
ثم قال تعالى غير المغضوب عليهم ولا الضالين وروي عن عمر انه قرأ صراط من أنعمت عليهم غير

المغضوب عليهم وغير الضالين
وحدثنا محمد بن جعفر بن محمد الانباري قال حدثنا محمد ابن إدريس المكي قال اخبرنا محمد بن سعيد قال اخبرنا عمرو عن سماك عن عباد عن عدي بن حاتم عن رسول الله قال اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون قال قلت فإني حنيف مسلم قال فرأيت وجهه تبسم فرحا
وروى بديل العقيلي عن عبد الله بن شقيق وبعضهم يقول عمن سمع النبي وبعضهم يقول ان النبي قال هو بوادي القرى وهو على فرسه وسأله رجل من بني القين فقال يا رسول الله من هؤلاء المغضوب عليهم فأشار الى اليهود قال فمن هم الضالون قال هؤلاء الضالون يعني النصارى
فعلى هذا يكون عاما براد به الخاص وذلك كثير في كلام العرب مستغن عن الشواهد لشهرته


تفسير سورة البقرة مدنية وآياتها 287 آية

سورة البقره
سورة البقره وهي مدنيه من ذلك
قوله تعالى آلم
اختلف أهل التفسير واهل اللغة في معنى آلم وما أشبها قال فحدثنا عبد الله بن ابر اهيم البغدادي بالرمله قال حدثنا حفص بن عمر بن الصباح الرقي ابو عمرو قال حدثنا ابو نعيم قال حدثنا شريك عن عطاء عن ابي الضحى عن ابن عباس في قوله تعالى آلم قال انا الله اعلم آلم انا الله أرى المص انا الله أفصل
وروى ابو اليقظان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبيرمثله

وشرح هذا القول ان الالف تؤدي عن معنى اعلم أنا واللام تؤدي عن أسم الله جل وعز والميم تؤدي عن معنى اعلم
ورأيت ورأيت أبا اسحق يميل الى هذا القول ويقو أذهب إلى ان كل حرف منها يؤدي عن معنى
وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا ابو صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن ابي طلحه عن ابن عباس المص و طه و طس و طسم و يس و ص و حم عسق وق و ن والقلم وأشباه هذا هو قسم أقسم الله به من وهن من أسماء الله تعالى
وروى ابن عليه عن خالد الحذاء عن عكرمة قال

آلم قسم
وحدثنا احمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمه قال حدثنا عبد الرزاق قال اخبرنا معمر عن قتاده في قوله تعالى آلم قال اسم من اسماء القرآن
وروي عن مجاهد قولان
قال أبو عبيد حدثنا ابو مهدي عن سفيان عن خصيف او غيره هكذا قال عن مجاهد قال في كله هي فواتح السور
والقول الاخر حدثنا به محمد بن جعفر الانباري قال حدثني محمد بن بحر قال حدثنا موسى عن شبل عن ابن ابي نجيح عن مجاهد قال آلم اسم من اسماء القرآن

قال ابو العباس وهو اختياره روي عن بعض أهل السلف انه قال هي تنبيه
وقال أبو عبيده والأخفش هي افتتاح كلام
و قطرب يذهب الى انها جيء بها لانهم كانوا ينفرون عند استماع القرآن فلما سمعوا آلم و المص استنكروا هذا اللفظ فلما أنصتوا له اقبل عليهم بالقرآن المؤلف ليثبت في أ سماعهم وآ ذانهم ويقيم الحجة عليهم
وقال الفراء المعنى هذه الحروف يا محمد ذلك الكتاب
وقال أبو إسحاق ولو كان كما قال لوجب ان يكون بعده أبدا ذلك الكتاب او ما أشبهه
وهذه الأقوال يقرب بعضها من بعض لانه يجوز ان تكون اسماء للسورة وفيها معنى التنبيه

فأما القسم فلا يجوز لعلة اوجبت ذلك من العربية
وابين هذه الأقوال
قول مجاهد الأول انها فواتح السور وكذلك قول من قال هي تنبيه وقول من قال هي افتتاح كلام ولم يشرحوا ذلك بأكثر من هذا لانه ليس من مذهب الأوائل
وإنما باقي الكلام عنهم مجملا ثم تأوله أهل النظر على ما يوجبه المعنى
ومعنى افتتاح كلام وتنبيه انها بمنزلة ها في التنبيه و يا في النداء والله تعالى اعلم بما أراد
وقد توقف بعض العلماء عن الكلام فيها وأشكالها حتى قال الشعبي لله تعالى في كل كتاب سر وسره في القرآن فواتح السور

وقال أبو حاتم لم نجد الحروف المقطعة في القرآن الا في أوائل السور ولا ندري ما أراد الله تعالى بها
ثم قال جل وعز ذلك الكتاب لا ريب فيه
روى خالد الحذاء عن عكرمة قال ذلك الكتاب هذا الكتاب وكذا قول ابي عبيده وأنكره ابو العباس قال لان ذلك لما بعد و ذا لما قرب فأن دخل واحد منهما على الاخر انقلب المعنى قال ولكن المعنى هذا القرآن ذلك الكتاب الذي كنتم تستفتحون به على الذين كفروا
وقال الكسائي كان الاشاره الى القرآن الذي في

السماء والقول من السماء والكتاب والرسول في الارض فقال ذلك الكتاب يا محمد
قال ابن كيسان وهذا حسن
قال الفراء يكون كقولك للرجل وهو يحدثك ذلك والله الحق فهو في اللفظ بمنزلة الغائب وليس بغائب
والمعنى عنده ذلك الكتاب الذي سمعت به
وقيل كتاب لما جمع فيه يقال كتبت الشيء أي جمعته والكتب الخرز وكتبت البغله منه ايضا والكتيبة الفرقة المجتمع بعضها الى بعض
م قال تعالى لا ريب فيه قال قتاده لاشك فيه وكذا هو عند أهل اللغة
قال ابو العباس يقال رابني الشيء اذا تبينت فيه الريبة

وأرابني إذا لم أتبينها منه
وقال غيره أراب في نفسه وراب غيره كما قال الشاعر ... وقد رابني قولها يا هنا ... ه ويحك ألحقت شرا بشر ...
ومنه دع ما يريبك الى ما لا يريبك ومنه ريب المنون أي حوادث الدهر وما يستراب به
وأ خبر تعالى انه لاريب فيه ثم قال بعد وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا
فالقول في هذا المعنى وان كنتم في قولكم في ريب وعلى

زعمكم وان كنا قد أتيناكم بما لاريب فيه لانهم قالوا كما قال الذين من قبلهم وانأ لفي شك مما تدعونا اليه مريب
ثم قال تعالى هدى للمتقين
والهدى البيان والبصيرة
ثم قال تعالى للمتقين أي الذين يتقون ما نهوا عنه
والتقوى أصلها من التوقي وهو التستر من ان يصيبه ما يهلك به
ثم قال تعالى الذين يؤمنون بالغيب
اصل الإيمان التصديق ومنه قوله تعالى وما انت بمؤمن لنا

يقال آمنت بكذا أي صدقت به
فإذا قلت مؤمن فمعناه مصدق بالله تعالى لا غير
ويجوز ان يكون مأخوذا من الأمان أي يؤمن نفسه بتصديقه وعمله والله المؤمن أي يؤمن مطيعه من عذابه
وروى شيبان عن قتاده الذين يؤمنون بالغيب آي آمنوا بالبعث والحساب والجنة والنار فصدقوا بموعد اله تعالى
قال ابو رزين في قوله تعالى وما هو على الغيب بضنين يعني القرآن

قال ابن كيسان وقيل يؤمنون بالغيب أي القدر
والغيب في اللغة ما اطمأن من الارض ونزل عما حوله يستتر فيه من دخله
وقيل كل شيء مستتر غيب وكذلك المصدر
ثم قال تعالى ويقيمون الصلاة
أي يؤدون الصلاة المفروضة تقول العرب قامت السوق و أقمتها أي أدمتها ولم أعطلها وفلان يقوم بعمله منه
ومعنى إقامة الصلاة إدامتها في أوقاتها وترك التفريط في أداء ما فيها من الركوع والسجود
وقيل الصلاة مشتقة من الصلوين وهما عرقان في الردف ينحيان في الصلاة
وقيل الصلاة الدعاء فيها معروف قال الأعشى

تقول بنتي وقد قربت مرتحلا ... يا رب جنب ابي ألا وصاب والوجعا ... عليك مثل الذي صليت فا اغتمضي ... نوما فان لجنب المرء مضطجعا ...
والصلاة من الله تعالى الرحمه ومن الملائكة الدعاء ومن الناس تكون الدعاء والصلاة المعروفة
ثم قال تعالى ومما رزقناهم ينفقون
أي يتصدقون ويزكون كما قال تعالى وأنفقوا مما رزقناكم من قبل ان يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني الى اجل قريب فأصدق واكن من الصالحين
قال الضحاك كانت النفقة قربانا يتقربون بها الى الله تعالى على قدر جدتهم حتى نزلت فرائض الصدقات والناسخات في

براءه
ثم قال تعالى والذين يؤمنون بما انزل إليك وما انزل من قبلك
أي لا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض كما فعله اليهود والنصارى
ثم قال تعالى وبالآخرة هم يوقنون
سميت آخره لانها بعد اولى وقيل لتأخرها من الناس وجمعها أواخر
ثم قال تعالى أؤلئك على هدى من ربهم
روى إبراهيم بن سعيد عن محمد بن إسحاق قال على نور من ربهم واستقامة على ما جاءهم من عند الله

ثم قال تعالى وأؤلئك هم المفلحون
قال ابن إسحاق أي الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربوا
واصل الفلاح في اللغة البقاء وقيل للمؤمن مفلح لبقائه في الجنة
وقال عبيد
افلح بما شئت فقد يدرك بالضعف وقد يخدع الأريب أي ابق بما شئت من كيس وحمق ثم اتسع في ذلك حتى قيل لكل من نال شيئا من الخير مفلح
ثم قال تعالى ان الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون

هم الكفار الذين ثبت في علم الله تعالى انهم كفار وهو لفظ عام يراد به الخاص كما قال تعالى قل يا أيها الكافرون لا اعبد ما تعبدون ثم قال جل وعز ولا انا عابد ما عبدتم ولا انتم عابدون ما اعبد
وقال تعالى انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء
ثم قال تعالى ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم
أي طبع الله على قلوبهم وعلى أسماعهم وغطى عليها على جهة الجزاء بكفرهم وصدهم الناس عن دين الله
وهؤلاء الكفار هم الذين سبق في علمه من انهم لا يؤمنون ويكون مثل قولهم أهلكه المال وهب المال بعقله أي هلك فيه وبسبه فهو كقوله فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها ألا

الاشقى فان ذلك من الله عن فعلهم في أمره
ثم قال تعالى وعلى أبصار هم غشاوة ولهم عذاب عظيم
قال سيبويه غشاوة أي غطاء
ثم قال تعالى ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الاخر
روى اسماعيل السدي عن ابن عباس قال هم المنافقون
قال آهل اللغة النفاق مأخوذ من نافقأء اليربوع وهو حجر يخرج منه اليربوع اذا اخذ عليه الجحر الذي يدخل فيه
فقيل منافق لانه يدخل الإسلام باللفظ ويخرج منه بالعقد

ثم قال تعالى وما هم بمؤمنين
فنفى عنهم الأيمان لانهم لا اعتقاد لهم ولا عمل
ثم قال تعالى يخادعون الله والذين آمنوا
المخادعة في اللغة إظهار خلاف الاعتقاد وتسمى التقية خداعا وهو يكون من واحد
قال ابن كيسان لان فيه معنى راوغت كأنه قابل شيئا بشيء
ثم قال تعالى وما يخدعون الا أنفسهم
أي ان عقوبة ذلك ترجع عليهم

وفرق أهل اللغة بين خادع وخدع فقالوا خادع أي قصد الخدع وان لم يكن خدع وخدع معناه بلغ مراده
والاختيار عندهم يخادعون في الاولى لانه غير واقع والاختيار في الثاني يخدعون لانه اخبر تعالى انه واقع بهم لما يطلع عليه من أخبارهم فعاد ما ستروه وأظهروا غيره وبالا عليهم
وقال محمد بن يزيد يجوز في الثاني وما يخادعون أي بتلك المخادعة بعينيها إنما يخادعون أنفسهم بها لان وبالها يرجع عليهم
ثم قال تعالى وما يشعرون
أي وما يشعرون بذلك
والمعنى ما تحل عاقبة الخدع إلا بهم
ثم قال تعالى في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا
روى السدي عن ابي مالك وأبي صالح عن ابن عباس قال

يقول في قلوبهم شك
وقال غيره المرض النفاق والرياء والمرض في الجسد كما ان العمى في القلب ويقال مرض فلان أصابته عله في بدنه
فان قيل بم أصابهم المرض قيل فعل هذا بهم عقوبة
وقيل بإنزال القرآن أصابهم المرض كما قال تعالى وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول آيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم أيمانا وهم يستبشرون واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا الى رجسهم وماتوا وهم كافرون
ثم قال تعالى ولهم عذاب اليم
يقال آلم اذا أوجع وهو مؤلم و أليم والألم الوجع وجمع اليم آلام كأشراف والأليم الشديد الوجع
ثم قال تعالى بما كانوا يكذبون
قال ابو حاتم أي بتكذيبهم الرسل وردهم على الله

وتكذيبهم بآياته قال ومن خفف فالمعنى عنده بكذبهم وقولهم آمنا ولم يؤمنوا فذلك كذب
ثم قال تعالى وأذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا إنما نحن مصلحون
فيه قولان
أحدهما انهم قالوا نحن مصلحون فليس من عادتنا الإفساد
والآخر انهم قالوا هذا الذي تسمونه فسادا هو عندنا صلاح
وقوله تعالى الا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون
معنى ذلك الا التنبيه كما قال الشاعر

الا ان الدهر يوم وليلة ... وليس على شيء قويم بمستمر ...
وقوله تعالى ولكن لا يشعرون
قال ابن كيسان يقال ما على من لم يعلم انه مفسد من ألزم إنما يذم اذا علم انه مفسد ثم افسد على علم
قال ففيه جوابان
أحدهما انهم كانوا يعلمون الفساد ويظهرون الصلاح وهم لا يشعرون ان أمرهم يظهر عند النبي صلى الله عليه و سلم
والوجه الثاني ان يكون فسادهم عندهم صلاحا وهم لا يشعرون ان ذلك فساد وقد عصوا الله ورسوله في تركهم تبيين الحق واتباعه
ثم قال تعالى وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤ من كما آمن السفهاء

قال ابن عباس الناس ههنا أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم
قالوا أنؤ من كما آمن السفهاء
قال ابو إسحاق اصل السفه في اللغة رقة الحلم يقال ثوب سفيه أي بال رقيق
ثم قال تعالى الا انهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون
أي لا يعلمون ان وبال ذلك يرجع عليهم
ويقال اذا وصفوا بالسفه فلم لا يكون ذلك عذرا لهم
فالجواب انه إنما لحقهم ذلك اذ عابوا الحق فأنزلوا أنفسهم تلك المنزلة كما قال تعالى ان هم الا كالأنعام لصدهم وإعراضهم اذ بعده بل هم أضل سبيلا لان الأنعام قد

يصرفها راعيها كيف شاء وهؤلاء لايهتدون بالانذار والعظة
وايضا فاذا سفهوا المؤمنين فهم في تلك الحال مستحقون لهذا الاسم
28 - وقوله تعالى ولكن لايعلمون
الجواب عنه كالجواب عن ولكن لا يشعرون
ثم قال جل وعز واذا خلو الى شياطينهم قالوا انا معكم
روى اسباط عن السدي اما شياطينهم فهم رؤساؤهم في الكفر

ويبين ما قال قوله جل وعز شياطين الانس والجن
وشيطان مشتق من الشطن وهو الحبل
أي هو ممدود في الشر ومنه بئر شطون
ثم قال جل وعز قالوا انا معكم انما نحن مستهزءون
فاخبر سبحانه بما يكتمون
ثم قال جل وعز الله يستهزىء بهم
فيه اجوبه
أصحها ان معناه يجازيهم على استهزائهم فسمى جزاء الذنب بأسمه لازدواج الكلام وليعلم انه عقاب عليه وجزاء به

كما قال عز و جل وجزاء سيئة سيئة مثلها
وقيل هو ما روى في الحديث أن المؤمنين يعطون نورا فيحال بينهم وبينه
وقيل هو أن الله أظهر لهم من أحكامه خلاف مالهم في الآخرة كما أظهروا للمسلمين خلاف ما أ سروا
واستشهد صاحب هذا القول بأن بعده ويمدهم في طغيانهم يعمهون
وقيل هو مثل سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وهذه الأقوال ترجع الى الاول لانها مجازة ايضا
ومن احسن ما قيل فيه أن معنى يستهزئ بهم يصيبهم كما قال تعالى وقد نزل عليكم الكتاب أن اذا سمعتم ايات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم

ثم قال جل وعز ويمدهم في طغيانهم يعمهون
أي يمدهم في تجاوزهم متحيرين قال تعالى انا لما طغى الماء حملناكم في الجارية
وقال مجاهد يعمهون يترددون
والمعنى على قوله يترددون في ضلالتهم
وحكى أهل اللغة عمه يعمه عموها وعمها وعمهانا فهو عمه وعامه اذا حار
ثم قال جل وعز أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى
قال مجاهد آمنوا ثم كفروا
ويقال كيف قال اشتروا وإنما يقال اشتريت كذا

بكذا اذا دفعت شيئا أخذت غيره
والجواب عن قول مجاهد انهم كفروا بعد الأيمان فصار الكفر لهم بدلا من الأيمان وصاروا بمنزلة من باع شيئا بشيء
وقيل لما أعطوا بألسنتهم الأيمان وأبوه بقلوبهم فباعوا هذا الذي ظهر بألسنتهم بالذي في قلوبهم والذي في قلوبهم هو الحاصل لهم فهو بمنزلة العوض أخرج من أيديهم
وقيل لما سمعوا التذكرة والهدى ردوها واختاروا الضلالة فكانوا بمنزلة من دفع اليه شيء فاشترى به غيره
قال ابن كيسان قيل هو مثل قوله تعالى وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون فلما كان خلقهم للعبادة صار

ما خلفها مبدلا عنها بصدهم عما خلقوا له
واصل الضلاله الحيرة وسمي النسيان ضلاله لما فيه من الحيرة كما ذقال جل وعز قال فعلتها إذا وأنا من الضالين أي الناسين ويسمى الهلاك ضلاله كما قال عز و جل وقالوا أئذا ضللنا في الارض أئنا لفي خلق جديد
ثم قال جل وعز فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين
فأنزلوا منزلة من اتجر لان الربح والخسران إنما يكونان في التجاره
والمعنى فما ربحوا في تجارتهم ومثله قول العرب خسر

بيعه لأنه قد عرف المعنى
ثم قال جل وعز وما كانوا مهتدين
أي بفعلهم الذي فعلوه من إيثار الضلالة على الهدى
ويجوز وما كانوا مهتدين في علم الله عز و جل
ثم قال جل وعز مثلهم كمثل الذي استوقد نارا
قال ابن كيسان استوقد بمعنى أوقد ويجوز أن يكون استوقدها من غيره أي طلبها من غيره
قال الأخفش هو سعيد الذي في معنى جمع

قال ابن كيسان لو كان كذلك لأعاد عليه ضمير الجمع كما قال الشاعر ... وان الذي حانت يفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا ام خالد ...
قال ولكنه واحد شبه به جماعة لان القصد كان الى الفعل ولم يكن الى تشبيه العين بالعين فصار مثل قوله تعالى ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحده فالمعنى الا كبعث نفس واحده
وكإيقاد الذي استوقد نارا
ثم قال جل وعز فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم
ويجوز ان يكون ما بمعنى الذي وان تكون زائدة وان تكون نكره

و المعنى أضاءت له فابصر الذي حوله 00000000000000000000
وقوله جل وعز يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج
سبب نزول هذه الآبه ان بعض المسلمين يسال النبي لم خلقت هذه الأهلة فانزل الله عز و جل قل هي مواقيت للناس والحج
فجعلها الله عز و جل مواقيت لحج المسلمين وإفطارهم وصومهم ومناسكهم ولعدة نسائهم ومحل دينهم والله اعلم بما يصلح خلقه

قال ابو إسحاق هلال مشتق من استهل الصبي اذا بكى وأهل القوم بحجة وعمرة أي رفعوا أصواتهم بالتلبية فقيل له هلال لانه حين يرى يهل الناس بذكره
وأهل واستهل ولا يقال أهللنا أي رأينا الهلال وأهللنا شهر كذا وكذا اذا دخلنا فيه
وسمي شهر لشهرته وبيانه
قال الأصمعي ولا يسمى هلالا حتى يحجر وتحجيره أن يستدير بخطة دقيقه
وقيل ليلتين وثلاث
وقيل حتى يغلب ضوءه وهذا في السابعة
قال ابو إسحاق والاجود عندي ان يسمى هلالا لليلتين لانه في الثالثة يتبين ضوءه

وقوله جل وعز وليس البر بان تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها
روى شعبة عن ابي إسحاق قال سمعت البراء بن عازب يقول نزلت فينا هذه الآبه كانت الأنصار اذا حجوا فجاءوا لم يدخلوا البيوت من أبوابها ولكن من ظهورها فجاء رجل من الأنصار فدخل من قبل بابه فنزلت هذه الآبه وليس البر بان تأتوا البيوت نت ظهورها
وقوله عز و جل وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا
قبل أي ولا تقاتلوا من عاهدتم وعاقدتم
وقيل لاتقاتلوا من لم يقاتلكم

قال ابن زيد ثم نسخ ذلك فقال جل وعز واقتلوهم حيث ثقفتموهم أي وجدتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم يعني مكة
ثم قال جل وعز والفتنة اشد من القتل
قال مجاهد ارتداد المؤمن اشد عليه من القتل
والفتنة في الاصل الاختبار فتأويل الكلام الاختبار الخبيث الذي يؤدي الى الكفر اشد من القتل وفتنته فلانة أي صارت له كا لمختبره أي اختبر بجمالها وفتنت الذهب في النار أي اختبرته لأعلم خالص هو ام مشوب
وقيل لهذا السبب لكل ما أحميته في النار فتنته لانه بذلك كالمختبر

وقيل في قوله عز و جل يوم هم على النار يفتتنون هو من هذا أي يشوون
قال ابو العباس والقول عندي والله اعلم إنما هو يحرقون بفتنتهم أي يعذبون بكفرهم من فتن الكافر
وقيل يختبرون فيقال ما سلككم في سقر وأفتنه العذاب أي جزاه بفتنته كقولك كرب وأكربته والعلم لله تعالى
يقال فتن الرجال وفتن وأفتنته أي جعلت فيه فيه فتنتة كقولك دهشته وكحلته هذا قول الخليل وأفتنته جعلته فاتنا وهذا خضر فتن
وقال الأخفش في قوله عز و جل بأبكم المفتنون قال يعني الفتنه كقولك خذ ميسوره ودع معسوره

وكان سيبويه يأبى أن يكون المصدر على مفعول ويقول المعتمد خذ ما يسر لك منه
وقوله عز و جل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه
قال قتاده ثم نسخ ذلك بعد فقال وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة
قال ابن عباس أي شرك قال ويكون الدين لله ويخلص التوحيد لله
ثم قال فان انتهوا فلا عدوان الا على الظالمين
قال قتاده والظالم الذي آبى ان يقول لا اله الا الله
ثم قال عز و جل الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص

أي قتال الشهر الحرام بقتال الشهر الحرام
قال مجاهد صدت قريش رسول الله صلى الله عليه و سلم عن البيت الحرام في الشهر الحرام ذي القعدة فأقضه الله منهم من قابل فدخل البيت الحرام في الشهر الحرام ذي القعدة وقضى عمرة
وقال غيره قال الله عز و جل والحرمات قصاص فجمع لانه جل ثناؤه أراد الشهر الحرام والبلد الحرام وحرمة الإحرام
ثم قال عز و جل فمن اعتدى عليم
قال مجاهد أي من قاتلكم فيه فاعتدوا عليه فاقتلوه فيه

سمي الثاني اعتداء لانه جزاء الأول
وقوله عز و جل وانتفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة
اصح ما قيل في هذا أن سعيد بن جبير روى عن ابن عباس لا تمسكوا النفقة في سبيل الله فتهلكوا
وحدثنا محمد بن جعفر الانباري قال حدثنا عبد الله بن يحي قال حدثنا عاصم قال حدثنا قيس بن الربيع عن الأعمش عن شقيق قال حذيفه التهلكة ترك النفقة
وقال البراء والنعمان بن بشير هو الرجل يذنب الذنب فيلقي بيده ثم يقول لا يغفر لي

وقال عبيدة هو الرجل يعمل الذنوب والكبائر ثم يقول ليس لي توبة فيلقي بيديه الى التهلكة
وقال ابو قلابة هو الرجل يصيب الذنب فيقول ليس لي توبة فينهمك في الذنوب
قال ابو جعفر والقول الأول اولى لان أبا أيوب الأنصاري يروي قال نزلت فينا معاشر الأنصار لما اعز الله دينه قلنا سرا من رسول الله ان أموالنا قد ضاعت فلو أقمنا فيها وأصلحنا منها ضاع فأنزل الله في كتابه يرد علينا ماهمننا به أنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة
فكانت التهلكة في الإقامة التي أردنا أن نقيم في أموالنا ونصلحها فأمرنا بالغزو
قال ابو جعفر فدل على وجوب الجهاد على المسلمين
وقيل أيضا معنى وأحسنوا وأنفقوا

قال ابو إسحاق واحسنوا في أداء الفرائض
وقال عكرمة أي احسنوا الظن بالله
وقال ابن زيد عودوا على من ليس في يده شيء
والمعنى في قوله ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة على ما تقدم أي أن امتنعتم من النفقة في سبيل الله عصيتم الله فهلكتم ويجوز أن يكون المعنى قوتم عدوكم فهلكتم
وقوله جل وعز وأتموا الحج والعمرة لله
يروى عن عمر أن إتمامهما ترك الفسخ لان الفسخ كان جائزا في اول الإسلام
وقال عبد الله بن سلمة سالت عليا عن قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله ما إتمامهما قال ان تحرم بهما من دويرة أهلك

قال ابو جعفر وذهب الى هذا جماعه من الكوفيين وقال وجعل الميقات حتى لا يتجاوز فأما الأفضل فما قال علي
وروى علقمة عن عبد الله قال لا يجاور بهما البيت
وقال مجاهد وإبراهيم إتمامهما أن يفعل ما أمر به فيهما
وهذا كأنه إجماع لان عليه أن يأتي المشاعر وما أمر به وبذلك يتم حجه
فأما الإحرام من بلده فلو كان من الإتمام لفعله رسول الله صلى الله عليه و سلم
وقد قال الحسن أحرم عمران بن الحصين من البلد الذي كان فيه فأنكر ذلك عمر عليه وقال أيحرم رجل من أصحاب

رسول الله من داره
وقبل وقيل إتمامهما أن تكون النفقة حلالا
وقال سفيان إتمامهما ان يحرم لهما قاصدا لا لتجارة
وقرأ الشعبي والعمرة لله بالرفع وقال العمرة تطوع والناس جميعا يقرءونها بالنصب وفي المعنى قولان
قال ابن عمر والحسن وسعيد بن جبير وطاووس وعطاء وابن سيرين هي فريضة
وقال جابر بن عبد الله والشعبي هي تطوع
وليس يجب في قراءة من قرأ بالنصب انها فرض لانه ينبغي لمن دخل في عمل هو لله أن يتمه

قيل معنى الحج مأخوذ من قولهم حججت كذا أي تعرفت كذا فالحاج يأتي مواضع بتعرفها
قال الشاعر ... يحج مأمومة في قعرها لجف ... فاست الطبيب قذاها كالمغاريد ...
وقوله جل وعز فان احصر تم يعني منعتم عن إتمامهما
وفي الأحصار قولان
أحدهما قاله ابن عمر وهو مذهب أهل المدينة قال لا يكون الا من عدو

قال ابو جعفر والقول الاخر قاله ابن مسعود وهو قول أهل الكوفة انه من العدو ومن المرض وأن من أصابه من ذينك شيء بعث بهدي فإذا نحر حل
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله
وروى طاووس عن ابن عباس مثل الأول وتلا فإذا آمنتم قال نهل ا لا من الا من خوف
فقد صار في الآية أشكال لان الاحصار عند جميع أهل اللغة إنما هو من المرض الذي يحبس عن الشيء
فأما من العدو فلا يقال فيه الا حصر

يقال حصر حصرا وفي الأول احصر إحصارا
والقول في الآبه على مذهب ابن عمر انه يقال أقتلت الرجل عرضته للقتل و اقبره جعل له قبرا واحصرته على هذا عرضته للحصر كما يقال أحبسته أي عرضته للحبس وأحصر أي أصيب بما كان مسببا للحصر وهو فوت الحج
وقد روي عن عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأنصاري قال سمعت رسول الله يقول من عرج أو كسر فقد حل وعليه حجة أخرى
قال فحدثت بذا ابن عباس وأبا هريرة فقالا صدق
وإنما روى هذا عن عكرمة حجاج الصواف
وروى الجلة خلاف هذا
روى سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس وابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس لا حصر الا من عدو

وروى ابونجيح عن عكرمة ان المحصر يبعث بالهدي فإذا بلغ الهدي محله حل وعليه الحج من قابل
ثم قال تعالى فما استيسر من الهدي
قال ابن عمر وابن الزبير وعائشة من الإبل والبقر خاصة شيء دون شيء
وروى جعفر عن ابيه عن علي رضوان الله عنه فما استيسر من الهدي شاه
وقال ابن عباس يكون من الغنم ويكون شركا في دم وهو مذهب سعد

ثم قال تعالى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله
قال قال مجاهد يعني يوم النحر
وقال خالد بن ابي عمران عن القاسم بن محمد حتى ينحر
وقال اكثر الكوفيين ينحر عنه الهدي في أي يوم شاء في الحرم
وقال الكسائي في قوله محله إنما كسرت الحاء لانه من حل يحل حيث يحل أمره ولو أراد حيث يحل لكان محله وإنما هو على الحلال

ثم قال تعالى فمن كان منكم مريضا أوبه أذى من رأسه
روى مجاهد عن عبد الرحمن بن ابي ليلى عن كعب بن عجره انه لما كان مع الرسول فآذاه القمل في رأسه فأمره رسول الله أن يحلق رأسه وقال صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين مدان أو انسك بشاه
قال ابو جعفر أي ذلك فعلت أجزأ عنك
وقال عطاء هذا لمن كان به قمل أو صداع أو ما أشبهما
قال ابو جعفر وفي الكلام حذف والمعنى فحلق أو اكتحل أو تداوى بشيء فيه طيب فعليه فدية

ثم قال تعالى فإذا آمنتم فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدي
قال الربيع بن انس اذا أمن من خوفه وبرأ من مرضه أي من خوف العدو والمرض
وقال علقمة اذا برأ من مرضه
ثم قال تعالى فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما ا ستيسر من الهدي
التمتع عند الفقهاء المدنيين والكوفيين أن يعتمر الذي ليس أهله حاضري المسجد الحرام في اشهر الحج ويحل من عمرته ثم يحج في تلك السنة ولم يرجع الى أهله بين العمرة والحج فقد تمتع من العمرة الى الحج أي انتفع بما ينتفع به الحلال
والمتعة والمتاع في اللغة الانتفاع ومنه قوله تعالى

ومتعوهن
وقال أهل المدينة وكذلك اذا اعتمر قبل اشهر الحج ثم دخلت عليه اشهر الحج ولم يحل فحل في أشهر الحج ثم حج
وقال الكوفيون ان كان طاف أكثر طواف العمرة قبل دخول أشهر الحج فليس بتمتع وان كان قد بقي عليه الأكثر فهو متمتع
وقال طاووس من اعتمر في السنة كلها في المحرم فما سواه من الشهور فأقام حتى يحج فهو متمتع

وروى ابن ابي طلحة عن ابن عباس فمن تمتع بالعمرة الى الحج
يقول من أحرم بالعمرة في اشهر الحج
وروى عنه عطاء العمرة لمن احصر ولمن خليت سبيله أصابتهما هذه الآبه
وروى عنه سعيد بن جبير على من احصر الحج في العام القابل فان حج فاعتمر في أشهر الحج فان عليه الفدية فهذه الأقوال عن ابن عباس متفقة وأصحها ما رواه سعيد بن جبير لان اتساق الكلام على مخاطبة من احصر وان كان ممن لم يحصر فتمتع فحكمه هذا الحكم
فعلى هذا يصح ما رواه عطاء عنه وكذلك ما رواه علي بن ابي طلحة غير أن نص التأويل على المخاطبة لمن أحصر

وقال عبد الله ابن الزبير ليس التمتع الذي يصنعه الناس اليوم يتمتع أحدهم بالعمرة قبل الحج ولكن الحاج اذا فاته الحج او ضلت راحلته او كسر حتى يفوته الحج فانه يجعله عمرة وعليه الحج من قابل وعليه ما استيسر من الهدي
فتأويل ابن الزبير انه لا يكون الا لمن فاته الحج لانه تعالى قال فإذا آمنتم فمن تمتع بالعمرة الى الحج فوقع الخطاب لمن فاته الحج بالحصر
وخالفه في هذا الأئمة منهم عمر بن الخطاب وعلي بن ابي طالب وسعد فقالوا هذا للمحصرين وغيرهم
ويدلك على ان حكم غير المحصر غي هذا كحكم المحصر قوله تعالى فمن كان منكم مريضا او به أذى من رأسه ففدية من صيام او صدقة او نسك فهذا للمحصر وغيره سواء وكذلك التمتع
وقوله جل وعز فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة اذا رجعتم
قالت عائشة وابن عمر الصيام لمن تمتع بالعمرة الى

الحج ممن لم يجد هديا ما بين ان يهل بالحج الى يوم عرفه ومن لم يصم صام أيام منى
وكان ابن عمر يستحب ان يصوم قبل يوم التروية ويوم عرفة
وقال الشعبي وعطاء وطاووس وإبراهيم فصيام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم التروية يوما ويوم التروية ويوم عرفه
ثم قال جل وعز وسبعة اذا رجعتم
روى شعبة عن محمد ابن ابي النور عن حيان السلمي قال سألت ابن عمر عن قوله تعالى وسبعة اذا رجعتم قال اذا رجعتم اهليكم

وروى سفيان عن منصور عن مجاهد قال ان شاء صامها في الطريق إنما هي رخصة وكذا قال عكرمة والحسن
والتقدير عند بعض أهل اللغة اذا رجعتم من الحج أي اذا رجعتم الى ما كنتم عليه قبل الإحرام من الحل
وقال عطاء اذا رجعتم الى اهليكم وهذا كأنه إجماع
ثم قال عز و جل تلك عشرة كامله
وقد علم انها عشرة واحسن ما قيل في هذا انه لو لم يقل تلك عشرة كأملة جاز ان يتوهم السامع انه إنما عليه ان يصوم ثلاثة في الحج او سبعة اذا رجع لانه لم يقل وسبعة أخرى

كما يقول أنا اخذ منك في سفرك درهما وإذا قدمت الا اثنين أي لا آخذ إذا قدمت إلا أثنين
وقال محمد بن يزيد لو لم يقل تلك عشرة جاز ان يتوهم السامع ان بعدها سيئا آخر فقوله تلك عشرة بمنزلة قولك في العدد فذلك كذا وكذا
وأما معنى كاملة فروى هشيم فيه عن عباد بن راشد عن الحسن قال كاملة من الهدي أي قد كملت في المعنى الذي جعلت له فلم يجعل معها غيرها وهي كاملة الأجر ككمال الهدي
ثم قال تعالى ذلك لمن يكن أهله حاضري المسجد الحرام
قال مجاهد أهل الحرم
وقال الحسن وإبراهيم والأعرج ونافع هم أهل مكة

خاصة
وقال عطاء مكحول هم أهل المواقيت ومن بعدهم الى مكة
قال أبو جعفر وقول الحسن ومن معه اولى لان الحاضر للشيء هو الذي معه وليس كذا أهل المواقيت وأهل منى وكلام العرب لأهل مكة ان يقولوا هم أهل المسجد الحرام
قال أبو جعفر فتبين أن معنى حاضري المسجد لأهل مكة ومن يليهم ممن بينه وبين مكة مالا تقصر فيه الصلاة لان الحاضر للشيء هو الشاهد له و لنفسه وإنما يكون المسافر مسافرا لشخوصه الى ما يقصر فيه وان لم يكن كذلك لم يستحق اسم غائب

وقوله تعالى الحج اشهر معلومات
حدثنا محمد بن جعفر ألا نباري قال حدثنا عبد الله بن يحيى قال اخبرنا حجاج بن محمد قال ابن جريج قلت لنافع مولى ابن عمر أسمعت ابن عمر سمى أشهر الحج
قال نعم سمى شوالا وذا القعدة وذا الحجة
وقال ابن عباس شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة
وقال أبو جعفر والقولان يرجعان الى شيء واحد لان ابن عمر إنما سمى ذا الحجة لان فيه الحج وهو شهر حج
ثم قال تعالى فمن فرض فيهن الحج
قال ابن مسعود وابن عمر فرض لبى

وعن ابن عباس أحرم وقيل معنى أحرم أوجب على نفسه الأحرام بالعزم وان لم يلب
قال ابو جعفر وحقيقته في اللغة ان فرض أوجب
والمعنى أوجب فيهن الحج بالتلبية أو بالنية واحتمل ان يكون معناه أوجب على نفسه الحج بالتلبية فيهن فتكون التلبية والحج جميعا فيهن
واحتمل أن يكون المعنى من و أوجب عل نفسه الحج فيهن بالتلبية في غيرهن
الا ان محمد بن جعفر ألا نباري حدثنا قال حدثنا عبدالله بن يحي قال اخبرنا حجاج بن محمد قال جريج أخبرني عمر بن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس قال لا ينبغي لأحد ان يحرم بالحج ألا في أشهر الحج من اجل قوله تعالى الحج أشهر

معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا ينبغي لأحد أن يلبي بالحج ثم يقيم بأرض
ثم قال تعالى فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج
روى سفيان بن حصيف عن مقسم عن ابن عباس قال الرفث الجماع والفسوق السباب والجدال ان تماري صاحبك حتى تغضبه
وكذا قال ابن عمر
وروى طاووس عن ابن عباس وابن الزبير الرفث التعريض أي يقول لو كنا حلالين لكان كذا وكذا
وقال عطاء وقتاده الرفث الجماع والفسوق المعاصي والجدال ان يماري بعضهم بعضا حتى يغضبه

وروى ابو يحي عن مجاهد في الجدال كما قال عطاء
وروى عنه أبن أبي نجيج لا جدال ولاشك فيه وهو مذهب أبي عمرو بن العلاء
وعلى ذلك قرأ برفع رفث وفسوق وفتح جدال
وهذه الأقوال متقاربة لان التعريض بالنكاح من سببه والرفث أصله الإفحاش ثم يكنى به الجماع ويبين لك انه يقع للجماع قوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث الى نسا ئكم
والفسوق في اللغة الخروج عن الشيء
فسباب المسلم خروج عن طاعة الله
وقد روى ابن مسعود عن النبي سباب المسلم فسق وقتاله كفر

وقيل قول عطاء وقتاده الفسوق المعاصي حسن جدا
على انه قد روى عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد عن نافع عن ابن عمر قال الفسوق إتيان معاصي الله في الحرم أي من صيد وغيره
فهذا قول جامع لان سباب المسلم داخل في المعاصي وكذلك الأشياء التي منع منها المحرم وحده التي منع المحرم والحلال
ومعنى قول مجاهد لاشك فيه أنه في ذي الحجة
النسأة أن النساة كانوا ربما جعلوا الحج في غير ذي الحجة ويقف بعضهم بجمع وبعضهم بعرفة ويتمارون في الصواب من ذلك وقال

النبي ان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض وان الحج في ذي الحجة
وقال ابو زيد قال ابو عمرو أراد فلا يكونن رفث ولا فسوق في شيء يخرج من الحج
ثم ابتدأ النفي فقال ولا جدال في الحج
فاخبر أن الأول نهى
ثم قال تعالى وتزودوا فان خير الزاد التقوى
روى سفيان عن عمرو عن عكرمة قال كان اناس يقدمون مكة في الحج بغير زاد فأمروا بالزاد
وقال مجاهد كان أهل اليمن يقولون لا تتزودوا فتتوصلون من الناس فأمروا أن يتزودوا

وقال قتاده نحو منه
ثم قال تعالى فان خير الزاد التقوى
أي فمن التقوى أن لا يتعرض الرجل لما يحرم عليه من المسألة
ثم قال تعالى واتقون يا أولي الألباب
أي العقول ولب كل شيء خالصه
ثم قال تعالى ليس عليكم جناح ان تبتغوا فضلا من ربكم
حدثنا محمد بن جعفر ألا نباري قال حدثنا الرمادي قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا سفيان ابن عمر بن دينار قال قال ابن عباس كان ذو المجاز وعكاظ متجرا للناس في الجاهلية فلما كان الإسلام كرهوا ذلك حتى نزلت ليس عليكم جناح أن

تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج
ثم قال تعالى فإذا أفضتم من عرفات أي اندفعتم
ويقال فاض الإناء اذا امتلأ ينصب من نواحيه ورجل فياض أي يتدفق بالعطاء
قال زهير ... وأبيض فياض يداه غمامة ... على معتفيه ما تغب نوافله ...
وحديث مستعيض أي متتابع

وروى أبو الطفيل عن ابن عباس قال إنما سميت عرفات لان جبريل كان يقول لإبراهيم عليهما السلام هذا موضع كذا فيقول عرفت وقد عرفت فلذلك سميت عرفات
وقال الحسن وسعيد بن جبير وعطاء ونعيم بن ابي هند نحوا منه
وقال ابن المسيب قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه بعث الله جبريل الى إبراهيم صلى الله عليهما حتى اذا أتى عرفات قال عرفت وكان قد أتاها من قبل ذلك ولذلك سميت عرفة
ثم قال تعالى فاذكروا الله عند المشعر الحرام
قال ابن عباس وسعيد بن جبير ما بيت الجبلين مشعر

قال قتاده هي جمع قال وإنما سميت جمعا لانه يجمع فيها بيت صلاة المغرب والعشاء
قال ابو اسحق المعنى واذكروا بتوحيده والمعنى الثناء عليه وان كنتم من قبله أي من قبل هدايته
وقوله تعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس
قالت عائشة وابن عباس كانت العرب تقف بعرفات فتتعظم قريش أن تقف معها فتقف قريش بالمزدلفة فأمرهم الله أن يفيضوا من عرفات مع الناس
وقال الضحاك الناس إبراهيم صلى الله عليه و سلم
قال أبو جعفر والأول أولى

روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن جبير بن مطعم عن ابيه قال خرجت في طلب بعير لي بعرفة فرأيت رسول الله قائما بعرفة مع الناس قبل أن يبعث فقلت والله أن هذا من الحمس فما شأنه واقفا ها هنا
قال ابو جعفر الحمس الذين شددوا في دينهم والحماسة الشدة ويقال ثم في اللغة تدل على الثاني بعد الأول وبنيهما مهلة وقد قال الله تعالى بعد فاذكروا الله عند المعشر الحرام ثم أفيضوا من حيث افاض الناس
وإنما الإفاضه من عرفات قبل المجيء الى المعشر الحرام

وفي هذا جوابان
احدهما ان ثم بمعنى الواو
والجواب الثاني وهو المختار أن ثم على بابها والمعنى ثم أمرتم بالإضافة من عرفات من حيث افاض الناس
وفي هذا معنى التوكيد لأنهم أمروا بالذكر عند المعشر الحرام وأفاضوا من عرفات ثم وكدت عليهم الإفاضة من حيث افاض الناس لا من حيث كانت قريش تفيض
وقال تعالى ثم آتينا موسى الكتاب ويقال فلان كريم ثم انه يتفقدنا وفلان يقاتل الناس ثم انه رديء في نفسه أي ثم أزيدك في خبره
وفي الآية قول آخر حسن على قول الضحاك الناس إبراهيم عليه السلام فيكون المعنى من حيث أفاض إبراهيم الخليل وهو المشعر الحرام

ويكون هذا مثل الذين قال لهم الناس وذلك نعيم بن مسعود ألا شجعي
وقد روي عنه انه قال ثم أفيضوا من حيث افاض الناسي يعني آدم وهذه قراءة شاذة
ثم قال تعالى فإذا قضيتم مناسككم
قال مجاهد إراقة الدماء
ثم قال تعالى فاذكروا الله كذكركم آباءكم او أشد ذكرا
روى أبو مالك وأبو صالح عن ابن عباس كانت العرب

اذا قضت مناسكها وأقاموا بمنى فيقوم الرجال فيسأل الله فيقول اللهم ان ابي كان عظيم الجفنة عظيم القبة كثير المال فاعطني مثل ما اعطيته
أي ليس يذكر الله تعالى إنما يذكر أباه ثم يسأل أن يعطى في الدنيا
وقوله جل وعز فمن الناي من يقول ربنا آتتا في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق
قال ابن عباس الخلاق النصيب والمؤمنون يقولون ربنا أتنا في الدنيا حسنه قال المال وفي الآخرة حسنه فال الجنة

وقال هشام عن الحسن آتتا في الدنيا حسنه قال العلم والعبادة وفي الآخرة حسنه قال الجنة
وروى معمر عن قتاده قال في الدنيا عافية وفي الآخرة عافية
قال ابو جعفر وهذه الأقوال ترجع الى شيء واحد الى ان الحسنة والنعمة من الله
ثم قال تعالى وقنا أي اصرف عنا
يقال منه وقيته كذا أقيه وقاية و وقاية ووفاء وقد يقال وقاك الله وقيا

ثم قال تعالى والله سريع الحساب
أي اعلم ما للمحاسب وما عليه قبل توقيفه على حسابه وهو يحاسبه بغير تذكر ولا روية وليس الآدمي كذلك
ثم قال تعالى واذكروا الله في أيام معدودات أي بالتوحيد والتعظيم في أيام معدودات أي محصيات
أمروا بالتكبير أدبار الصلوات وعند الرمي مع كل حصاة من حصى الجمار
وروى سفيان عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن الديلي قال قال رسول الله أيام منى ثلاثة أيام أيام التشريق فمن تعجل في يومين فلا أثم عليه
وروى نافع عن ابن عمر الأيام المعلومات والمعدودات

جمعيهن أربعة أيام فالأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده والمعدودات ثلاثة أيام بعد يوم النحر واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا أثم على ومن تأخر فلا آثم عليه
وروي عن عبدا لله بن مسعود وابن عمر وابن عباس فلا إثم عليه مغفور له
وقال عطاء وإبراهيم ومجاهد وقتاده فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه في تعجيله ومن تأخر فلا إثم عليه في تأخيره

ثم قال تعالى لمن اتقى
قال عبد الله بن عمر أبيح ذا لتعجيل من اتقى فالتقدير على هذا الإباحة لمن أتقى
وقال ابن مسعود انها مغفرة للذنوب لمن اتقى في حجة
قال ابو جعفر وهذا القول مثل قوله الأول وأما قول إبراهيم ومن تأخر فلا إثم عليه في تأخيره فتأويل بعيد لان المتأخر قد بلغ الغاية ولا يقال لا حرج عليه
وقد قيل يجوز ان يقال لا حرج عليه لان رخص الله يحسن الأخذ بها فأعلم الله تبارك وتعالى أنه لا أثم عليه في تركه الأخذ بالرخص

ويدل على صحة قول ابن مسعود حديث شعبة عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي قال من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه
والمعنى على هذا من حج فاتقى في حجه ما ينقصه فلا إثم عليه من الذنوب الخالية
أي قد كفر الحج عنه
والتقدير تكفير الإثم لمن اتقى
حدثنا محمد بن جعفر ألا نباري قال حدثنا حاجب بن سليمان قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان الثوري عن سمي عن ابي صالح عن ابي هريرة قال قال رسول الله الحج المبرور ليس له جزاء ألا الجنة
قال ابو جعفر وقول ابي العالية لا أثم عليه ذهب إثمه كله ان اتقى الله فيما بقي أي من عمره

وقوله تعالى ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا
قال ابن عباس علانيته ويشهد الله في الخصومة أن ما يريد الحق ولا يطلب الظلم وهو ألد الخصام ظالم
وقال محمد بن كعب هم المنافقون

وقرأ ابن محيصن ويشهد الله بفتح الياء الهاء والرفع ومعناه يعلم الله
ثم قال تعالى وهو ألد الخصام
قال مجاهد أي ظالم لا يستقيم
وقال قتاده شديد جدل بالباطل
والألد في اللغة الشديد الخصومة مشتق من اللديدين وهما صفحتا العنق أي في أي جانب أخذ من الخصومة غلب كما قال الشاعر ... أن تحت الأحجار حزما وجودا ... وخصيما ألد ذا مغلاق ...
ويروى معلاق ويقال هو من لديدي الوادي أي جانبيه

فصاحب هذه الصفه يأخذ من جانب ويدع الاستقامة واللدود في أحد الشقين
وقال ابو اسحق الخصام جمع خصم
ثم قال تعالى وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل
أي اذا فارقك أسرع في فساد الحرث والنسل
وروى أبو مالك عن ابن عباس نزلت في ألا خنس بن شر يق خرج من عند النبي فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر فأحرق الزرع وعقر الحمر
وروى ابو اسحق عن التميمي عن ابن عباس قال الحرث حرث الناس والنسل نسل كل دابة

قال قتاده الحرث الزرع والنسل نسل كل شيء
وحدثنا محمد بن شعيب قال أخبرني أحمد بن سعيد قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا ابي عن علي بن الحكم عن الضحاك أما قوله ويهلك الحرث والنسل فالناس وكل دابة وأما الحرث فهي الجنان والأصل النابت
قال ابو جعفر وهذه الأقوال متقاربة المعاني والمعنى يحرق ويخرب ويقتل
ثم قال تعالى و اذا قيل له اتق الله آخذته العزة بالآثم
حدثنا محمد بن جعفر ألا نباري قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن ابي اسحق عن سعيد بن وهب قال قال عبد الله كفى بالرجل أثما أن يقول له أخوه لتق الله فيقول عليك نفسك أأنت تأمرني

وقوله تعالى ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله
أي يبيع ومعنى يبيع نفسه يبذلها في سبيل الله
قال سعيد بن المسيب أقبل صهيب مهاجرا نحو النبي صلى الله عليه و سلم فاتبعه نفر من قريش من المشركين فنزل عن راحلته فانتثر ما في كنانته واخذ قوسه ثم قال يا معشر قريش لقد علمتم أنى من ارماكم رجلا وايم الله لا تصلون آلي حتى ارمي بما في كنانتي ثم اضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء ثم افعلوا ما شئتم فقالوا دلنا على بيتك ومالك بمكة ونخلي عنك
وعاهدوه ففعل فلما قدم على النبي قال أبا يحي ربح البيع فانزل الله ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله

وقال قتاده هم المهاجرون والأنصار
ثم قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة
قال مجاهد يعني الإسلام
وروى ابو مالك عن ابن عباس قال يقول في الإسلام جميعا
قال ابو جعفر وأصل السلم الصلح والمسالمة فيجوز أن يكون المعنى اثبتوا على الإسلام ويجوز أن يكون المعنى لمن آمن بلسانه

وقد روي ان قوما من اليهود أسلموا وأقاموا على تحريم السبت فأمرهم الله أن يدخلوا في جميع شرائع الإسلام
ثم قال تعالى ولا تبتغوا خطوات الشيطان
قال الضحاك هي الخطايا التي يأمر بها
قال ابو إسحاق أي لاتقفوا آثاره لان ترككم شيئا من شرائع الإسلام اتباع الشيطان
ثم قال تعالى فان زللتم من بعد ما جاءتكم البينات
أي تنحيتم عن القصد
فاعلموا ان الله عزيز لا تعجزونه ولا يعجزه شيء حكيم فيما فطركم عليه وشرع لكم من دينه

ثم قال تعالى هل ينظرون الا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام
قال مجاهد ان الله يأتي يوم القيامة في ظلل من الغمام
وقيل هل ينظرون الا ان يأتيهم اله بما وعد هم من الحسنات والعذاب
فاتاهم الله من حيث لم يحتسبوا أي بخذلانه إياهم وهذا قول ابي اسحق
وقال الأخفش سعيد ان يأتيهم الله يعني آمره لان الله تعالى لا يزول كما تقول خشينا ان تأتينا بنو أمية وإنما تعني حكمهم

وقضي الأمر أي فرغ لهم ما كانوا يوعدون
ث ثم قال تعالى والى الله ترجع الأمور وهي راجعة اليه في كل وقت
قال قطرب المعنى ان المسالة عن الأعمال والثواب فيها والعقاب يرجع اليه يوم القيامة لأنهم اليوم غير مسؤولين عنها
وقال غيره وقد كانت في الدنيا أمور الى قوم يجورون فيها فيأخذون ما ليس لهم فيرجع ذلك كله الى الله يحكم فيه بالحق 3 وبعده وقضي بالحق أي فصل القضاء بالعدل الخلق

ثم قال تعالى سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة
أي في تصحيح أمر النبي صلى الله عليه و سلم
وقال مجاهد ما ذكر منها في القرآن وما لم يذكر قال وهم يهود
ثم قال تعالى ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته
قال مجاهد أي يفكر بها وقيل لهم هذا لأنهم بدلوا ما في كتبهم
ثم قال تعالى زين للذين كفروا الحياة الدنيا
قال ابو اسحق أي زينها لهم إبليس لان الله قد زهد فيها واعلم انها متاع الغرور
وقيل معناه أن الله خلق الأشياء المعجبه فنظر أليها الذين

كفروا بأكثر من مقدورها
ثم قال عز و جل ويسخرون من الذين آمنوا
قال أي في ذات اليد
قال ابن جريح سخر ون منهم في طلب الآخرة
قال قتاده فوقهم أي الجنة
ثم قال تعالى والله يرزق من يشاء بغير حساب
ليس يرزق المؤمن على قدر أيمانه ولا يرزق الكافر على قدر كفره

أي ليس يحاسب في الرزق في الدنيا على قدر العمل
وقال قطرب المعنى والله اعلم انه يعطي العباد الشيء المقسوم لا من عدد اكثر منه اخذه منه كالمعطي من الآدميين الالف من الألفين
قال ووجه آخر أن من انفق سيئا لا يؤاخذ به كان ذلك بغير حساب
وقوله تعالى كان الناس امة واحدة
قال مجاهد آدم امة واحدة
وروى سعيد بن جبير عن قتادة قال يقول كانوا على شريعة من الحق كلهم

ذكر لنا انه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم يعمل بطاعة الله على الهدى وعلى شريعة الحق ثم اختلفوا بعد ذلك فبعث الله نوحا
قال ابو جعفر أمة من قولهم أممت كذا أي قصدته
فمعنى امة أن مقصدهم واحد ويقال للمنفرد أمة أي مقصده غير مقصد الناس
اللأمة القامة كأنها مقصد سائر البدن اللأمة بالكسر النعمة لان الناس يقصدون قصدها وقيل إمام لان الناس يقصدون قصد ما يفعل
ثم قال تعالى وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه
أي يفصل الكتاب بالحكم

وقرأ الجحدري ليحكم بضم الياء وفتح الكاف وقال الفرز دق ... ضربت عليك العنكبوت بنسجها ... وقضى عليك به الكتاب المنزل ...
ثم قال تعالى وما اختلف فيه الا الذين أو توه
أي وما اختلف في الكتاب الا الذين أعطوه
قال ابو اسحق أي وما اختلف في حقيقة أمر النبي صلى الله عليه و سلم الا الذين أعطوا علم حقيقته عليه الصلاة و السلام

بغيا بينهم أي للبغي أي لم يوقعوا الاختلاف الا للبغي
وقوله جل وعز فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بأذنه
وروى ابو مالك عن ابن عباس اختلف الكفار فيه فهدى الله الذين آمنوا للحق من ذلك
وروى ابو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال
نحن الآخرون الأولون يوم القيامة نحن اول الناس دخول الجنة بيد انهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتينا من بعدهم فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع فغدا لليهود وبعد غد للنصارى
وفي بعض الحديث هدانا الله ليوم الجمعة

وقال زيد بن أسلم اختلفوا فاتخذت اليهود السبت والنصارى الأحد فهدى الله أمة محمد للجمعة
واختلفوا في القبلة واختلفوا في الصلاة والصيام فمنهم من يصوم عن بعض الطعام ومنهم من يصوم بعض النهار
واختلفوا في إبراهيم فهدى الله امة محمد للحق من ذلك
قال ابو زيد واختلفوا في عيسى فجعلته اليهود لفرية وجعلته النصارى ربا فهدى الله المؤمنين
قال ابو اسحق بأذنه
أي بعلمه
ثم قال تعالى أم حسبتم أن تدخلوا الجنة أم ههنا للخروج من حديث الى حديث

ثم قال تعالى ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم
حكى النضر بن شميل ان مثل يكون بمعنى صفه
ويجوز ان يكون المعنى ولما يصبكم مثل الذي أصاب الذين من قبلكم وخلوا أي مضوا
مستهم البأساء والضراء أي الفقر والمرض
وزلزلوا خوفوا وحركوا بما يؤذي
قال ابو اسحق اصل الزلزلة من زل الشيء عن مكانه فإذا قلت زلزلته فمعناه كررت زلزلته من مكانه
ثم قال تعالى حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله
أبي بلع يبلغ الجهد بهم حتى استبطاوا النصر

وقال تعالى الا أن نصر الله فريب أي هو ناصر أوليائه لا محالة
ثم قال تعالى يسألونك ماذا ينفقون
أي يتصدقون ويعطون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل
قيل كانوا سألوا على من ينبغي أن يفضلوا فقيل أولى من أفضل عليه هؤلاء

ثم قال تعالى وما تفعلوا من خير فان الله به عليم أبي يحصيه و اذا أحصاه جازى عليه
ثم قال تعالى كتب عليكم القتال وهو كره لكم
أكثر أهل التفسير على ان الجهاد فرض وان المعنى فرض عليكم القتال الا ان بعضهم يكفي من بعض
قال تعالى وقاتلوا في سبيل الله
قال ابو طلحة في قوله تعالى انفروا خفا فا وثقالا ما سمعت الله عذر أحدا
الا ان سفيان الثوري قال الجهاد تطوع ومعنى كتب

عليكم القتال على تفضيله
ثم قال وهو كره لكم
قال ابو اسحق التأويل وهو ذو كره لكم وكرهت الشيء كرها وكرها وكراهة وكراهية
وقال الكسائي كأن الكره من نفسك والكره بالفتح ما أكرهت عليه
وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم
أي ان قتل كان شهيد وان قتل أثيب وغنم وهدم أمر الكفر واستدعى بالقتال دخول من يقاتله في الاسلام
وعسى ان تحبوا شيئا القعود عن القتال

ثم قال تعالى يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير
روى سعيد عن قتاده قال فكان القتال فيه كبيرا كما قال تعالى ثم نسخ في براءة وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة
روى ابو السيار عن حندب بن عبدا لله أن النبي صلى الله عليه و سلم بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة بن الحارث أو عبيدة بن الحارث فلما ذهب لينطلق بكى صبابة الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فبعث عبدالله بن جحش وكتب له كتابا وأمره لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا وقال لا تكرهن أصحابك على المسير فلما بلغ المكان قرأ الكتاب فاسترجع وقال سمعا وطاعة لله ورسوله قال فرجع رجلان ومضى بقيتهم فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ولم يدروا ان ذلك اليوم من

رجب فقال المشركون قتلتم في الشهر الحرام فأنزل الله تعالى يسألونك عن الشهر الحرام الآية
وقيل ان لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم أجر فأنزل الله تعالى أن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله الى آخر الآية
قال مجاهد قل قتال فيه كبير أي عظيم
وتم الكلام ثم ابتداء فقال وصد عن سبيل الله وكفر به أي باله والمسجد الحرام أي وصد عن المسجد الحرام

واخرج أهله منه يعني المسجد الحرام أكبر عند الله من القتل في الشهر الحرام والفتنة أكبر من القتل
قال الشعبي أي الكفر والمعنى أفعالكم هذه كفر والكفر أكبر من القتل في الشهر الحرام
ثم قال تعالى ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا
قال مجاهد يعني كفار قريش
وقوله تعالى أولئك يرجون رحمة الله
ومعنى يرجون رحمة الله وقد مدحهم أنهم لا يدرون ما يختم لهم به
وقوله تعالى يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس

روى علي بن ابي طلحة عن ابن عباس يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس ثم انزل لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون فكانوا يدعونها فإذا صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون حتى يذهب عنهم السكر فإذا صلوا الغداة شربوها فما يأتي الظهر حتى يذهب عنهم السكر ثم ان ناسا شربوها فقاتل بعضهم بعضا وتكلموا بما لا يرضي الله فأنزل الله تعالى إنما الخمر والميسر والأنصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه
فحرم الله الخمر ونهى عنها وأمر باجتنابها كما أمر باجتناب الأوثان
وروى ابو توبة عن ابن عمر أنزلت إنما الخمر إلى قوله فهل انتم منتهون فقال رسول الله حرمت

وقال عمرو بن شرحبيل فقال عمر انتهينا فأنها تذهب المال والعقل
وأهل التفسير يذهبون الى ان المحرم لها هذا
وقال بعض الفقهاء المحرم لها آيتان
احداهما قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم
قال ابو اسحق الخمر هذه المجمع عليها وقياس كل ما تحمل عملها ان يقال له خمر وان يكون بمنزلتها في التحريم لان

إجماع العلماء ان القمار كله حرام وإنما ذكر الميسر من بينه فجعل كله قياسا على الميسر والميسر إنما يكون قمارا في الجزر خاصة وكذلك كل ما كان كالخمر فهو بمنزلتها
وتأويل الخمر في اللغة انه ما ستر على العقل يقال لكل ما ستر الإنسان من شجر وغيره خمر وما ستر من شجر خاصة الضرا مقصور
ودخل في خمار الناس أي الكثير الذي يستتر فيه
وخمار المرأة قناعها لانه يغطي الرأس والخمرة التي سجد عليها لانها تستر الوجه عن الارض وكل مسكر خمر لانه يخالط العقل ويغطيه وفلان مخمور من كل مسكر

قال سعيد بن جبير ومجاهد الميسر القمار كله
فأما الإثم الذي في الخمر فالعداوة والبغضاء وتحول بين الإنسان وبين عقله الذي يميز به ويعرف به ما يجب لخالقه
والقمار يورث العداوة لان مال الإنسان يصير الى غيره بغير جزاء يأخذه عليه
والمنافع لذة الخمر والربح فيها ومصير الشيء الى الإنسان في القمار بغير كد
وقال الضحاك منافعهما قبل التحريم وأثمهما بعد التحريم
وقوله تعالى ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو

قال طاووس اليسير من كل شيء
وقال خالد بن ابي عمران سالت القاسم وسالما فقالا فضل المال ما يصدق به عن ظهر غنى
وقال قتادة هو الفضل
قال ابو جعفر وهذه الأقوال ترجع الى شيء واحد لان العفو في اللغة ما سهل
يقال خذ ما عفا لك أي ما سهل لك وفي الحديث عن النبي افضل الصدقة ما تصدق به عن ظهر غنى
فعلى هذا تأويل قول القاسم وسالم وفي المعنى قول آخر
قال مجاهد هي الصدقة المفروضة والظاهر يدل على

القول الأول
ثم قال تعالى كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة
قال ابو جعفر حدثنا احمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة بن شبيب قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قول الله تعالى لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة
قال يقول لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة فتعرفون فضل الآخرة على الدنيا
قال ابو جعفر والتقدير على قول قتادة لعلكم تتفكرون في أمر الدنيا والآخرة
وقيل هو على التقديم أي كذلك يبين الله لكم الآيات في أمر الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون

ثم قال تعالى ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما الى آخرها قالوا هذه موجبة فاعتزلوهم وتركوا خلطتهم فشق ذلك عليهم فقالوا للنبي ان الغنم قد بقيت ليس لها راع والطعام ليس له من يصنعه فنزلت ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير الى آخرها
وقوله تعالى والله يعلم المفسد من المصلح
أي يعلم من يخالطهم للخيانة ومن لا يريد الخيانة
ثم قال تعالى ولو شاء الله لاعنتكم

قال مجاهد أي لو شاء لم يطلق لكم مخالطتهم في ألا دم والمرعى
وروى الحكم عن مقسم عن ابن عباس ولو شاء الله لاعنتكم قال لو شاء لجعل ما أحببتم من أموال اليتامى موبقا
وقال ابو عبيدة لاعنتكم لأهلككم
وقال ابو اسحق حقيقته لكلفكم ما يشتد عليكم فتعنتون
قال وأصل العنت في اللغة من قولهم عنت البعير عنتا اذا حدث في رجله كسر بعد جبر لا يمكنه معه تصريفها

ان الله عزيز أي يفعل بعزته ما يحب لا يدفعه عنه أحد
حكيم ذو الحكمة فيما أمركم به من أمر اليتامى وغيره
وقوله تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن
أكثر أهل العلم على هذه الآية منسوخة نسخها اليوم احل لكم الطيبات الى قوله والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم
هذا قول ابن عباس و مكحول وهو مذهب الفقهاء مالك وسفيان والاوزاعي
وروى سفيان عن حماد قال سألت سعيد بن جبير عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال لا بأس به قال قلت فان الله يقول ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن فقال أهل الأوثان

والمجوس
وروى معمر عن قتادة ولا تنكحوا المشركات قال المشركات ممن ليس من أهل الكتاب وقد تزوج حذيفه يهودية او نصرانية
فأما المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم فقيل هن العفائف والإماء
ثم قال تعالى ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا
أي لا تزوجوهم بمسلمات ولو أعجبكم أي وان أعجبكم أمره في الدنيا فمصيره الى النار

أولئك يدعون الى النار أ ي يعلمون بأعمال أهلها فيكون نسلكم يتربى مع من هذه حاله والله يدعو الى الجنة والمغفرة بأذنه
أي يدعوكم الى أعمال أهل الجنة
والمغفرة بأذنه
أي بعلمه قيل أي يعلمه أي ما دعاكم اليه وصلة إليهما
وقيل بما أمركم به ويبين آياته أي علاماته
لعلهم يتذكرون ليكونوا على رجاء التذكر
ثم قال تعالى ويسألونك عن المحيض قل هو أذى

قال قتاده أي قذر
وروى ثابت عن أنس أن اليهود كانوا اذا حاضت المرأة أخرجوها من البيت فلم يؤكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في بيت فسئل النبي عن ذلك فانزل الله عز و جل يسلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض الآية فقال رسول الله جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء الا النكاح
فتبين بهذا الحديث معنى فاعتزلوا النساء في المحيض أن معناه فاعتزلوهن في الجماع
ثم قال تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن

أي حتى ينقطع الدم عنهن
وقرأ أهل الكوفة يطهرن أي يغتسلن
وكذا معنى يتطهرن قرأبه بن مسعود وأبي وقد عاب قوم يطهرن بالتخفيف قالوا لانه لايحل المسيس حتى يغتسلن
قال ابو جعفر وهذا لا يلزم فيجوز ان يكون معناه كمعنى يطهرن ويجوز ان يكون معناه حتى يحل لهن ان يتطهرن كما يقال للمطلقة اذا انقضت عدتها قد حلت للرجال وقد بين ذلك بقوله فإذا تطهرن
ثم قال تعالى فآتوهن من حيث أمركم الله
قال مجاهد من حيث نهوا عنه في محيضهن

وقال إبراهيم في الفرج
وقال ابن الحنيفة من قبل التزويج من قبل الحلال
وقال ابو رزين من قبل الطهر
وقال ابو العالية ويحب المتطهرين من الذنوب
وقال عطاء بالماء
قال ابو جعفر وقول عطاء أولى للحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لأهل مسجد قباء ان الله قد أثنى عليكم في الطهور خيرا أفلا تخبروني قالوا يا رسول الله نجده مكتوبا علينا في التوراة الاستنجاء بالماء
وهذا لما نزل فيه رجال يحبون ان يتطهروا

وقوله قال تعالى نساؤكم حرث لكم
أي موضع حرث لكم كما تقول هذه الدار منفعة لك أ ي مكان نفع لك فالمعنى أنكم تحرثون منهن الولد
ثم قال تعالى فآتوا حرثكم ان شئتم
أصح ما روي في هذا ان مالك بن انس وسفيان وشعبة رووا عن محمد بن المنكدر عن جابر ان اليهود قالوا من أتى امرأة في فرجها من دبرها خرج ولدها احول فانزل الله نساوكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم
وكذلك قال مجاهد قائمة وقاعدة ومقبلة ومدبرة في الفرج

وروى ابو إسحاق عن زايدة عن عميرة قال سالت ابن عباس عن العزل فقال نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ان شئت فاعزل وان شئت فلا تعزل
قال ابو جعفر وقال الضحاك أنى شئتم متى شئتم
ومعناه من أين شئتم أبي من أبي الجهان شئتم
قال ابو جعفر وأصل الحرث ما يخرج مما يزرع والله تعالى يخلق من النطفة الولد
وقوله تعالى واتقوا الله فدل على العظة في ان لا يجاوزوا هذا
ثم قال تعالى وقدموا لأنفسكم
أي الطاعة
وقيل في طلب الولد

وقوله تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم ان تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس
قال سعيد بن جبير و مجاهد وهذا لفظ سعيد وهو الرجل يحلف ان لا يبر ولا يصلي ولا يصلح فيقال له بر فيقول قد حلفت
والتقدير في العربية كراهة ان تبروا
وقوله تعالى لا يؤاخذكم الله بالعفو في أيمانكم
فيه أقوال
قال ابو هريرة وابن عباس وهذا لفظ ابي هريرة لغو اليمين حلف الإنسان على الشيء يظن انه كما حلف عليه

فاذا هو غير ذلك
وقال الحسن بهذا القول ومجاهد ومنصور ومالك
وروى مالك وشعبة عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة انها قالت لغو اليمين قول الإنسان لا و الله و بلى والله وقال بهذا الشعبي
وقال سعيد بن جبير هو الرجل يحلف في الأمر الحلال يحرمه
وقال زيد بن أسلم قولا رابعا قال وهو قول الرجل أعمى الله بصري ان لم افعل كذا اخر جني الله من مالي ان لم آتك غدا فلو اخذه بهذا لم يترك له شيئا

ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم
قال نحو الرجل هو كافر هو مشرك لا يؤاخذه حتى يكون ذلك من قبله
قال ابو جعفر وأولى هذه الأقوال قول عائشة لان يحيى القطان قال حدثنا هشام بن عروة قال اخبرني ابي عن عائشة في قوله لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قالت نزلت في قول الرجل لا و الله وبلى والله
فهذا أخبار منها عن عملها بحقيقة ما نزلت فيه هذه الآية
واللغو في اللغة ما يلغى فيقول الرجل عند الغضب والعجلة لا والله وبلى والله مما يعقده عليه قلبه
وقول ابي هريرة وابن عباس غير خارج من ذا ايضا لان

الحالف اذا حلف على الشيء يظن انه الذي حلف عليه فلم يقصده الى غير ما حلف عليه فيحلف على ضده واليمينان لغو والله اعلم
فأما قول سعيد بن جبير فبعيد لان ترك ما حلف عليه من حلال يحرمه اذا كفر فليس مذنبا معفوا عنه بل مثابا قابلاأمر الله
وقول زيد بن اسلم محال لان قول الرجل أعمى الله بصري دعاء وليس بيمين
وقيل ألغو قد الغي أثمه

ثم قال تعالى والله غفور رحيم
أي غفر لكم يمين اللغو فلم يأمركم فيها بكفارة ولا إلزامكم عقوبة حليم في تركه المعاجلة بالعقوبة لمن حلف كاذبا والله اعلم
وقوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم
قال ابن جريج قلت لعطاء قلت لشيء اعمده والله لا افعله ولم أعقده قال وذلك أيضا مما كسبت قلوبكم وتلا ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم قال عطاء والتعقيد والله الذي لا اله الا هو
ففسر عطاء ان قوله والله لا افعل مما اكتسبه القلب

وفيه الكفارة وان اليمين والله لا اله الا هو
وروى ابن نجيح عن مجاهد بما كسبت قلوبكم قال بما عقدتم عليه وقوله تعالى للذين يؤلون من نسائهم تربص اربعة اشهر
قال ابو جعفر والتقدير في العربية للذين يؤلون من اعتزال نسائهم أبي ان يعدلوا نسائهم
روى عطاء عن ابن عباس قال كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنين واكثر من ذلك فوقت الله لهم اربعة اشهر فمن كان إيلاءه منهم اقل من اربعة اشهر فليس بإيلاء

وفي حديث ابن عباس انهم كانوا ابن عباس انهم كانوا يفعلون ذلك اذا لم يريدوا المرأة وكرهوا ان يتزوجها غيرهم ألوا أي حلفوا ان لا يقربوها
فجعل الله الأجل الذي يعلم به ما عند الرجل في المرأة اربعة اشهر وإذا تمت ولم يفئ أي لم يرجع الى وطء امرأسه فقد طلقت في قول ابن مسعود وابن عباس
وقرأ ابي بن كعب فان فاءوا فيهن
وقال قوم لا يكون موليا حتى يحلف على اكثر من اربعة اشهر فإذا تمت له اربعة ولم يجامع فيحنث في يمينه اخذ بالجماع او الطلاق

وروي هذا عن عمر وعلي وأبي ألد رداء رواه مالك عن نافع ابن عمر
وقال مسروق والشعبي الفيء الجماع
قال ابو جعفر والفيء في اللغة الرجوع فهو على هذا الرجوع الى مجامعتها والطلاق مأخوذ من قولهم أطلقت الناقة فطلقت اذا أرسلتها من عقال او قيد وكان ذات الزوج موثقة عند زوجها فإذا فارقها أطلقها من وثاق
ويدل على هذا ان أمللك فلان معناه صير يملك المرأة الا ان المستعمل أطلقت الناقة فطلقت وطلقت المرأة فطلقت وطلقت

وقوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء
وقال عمر وعلي ومعاذ وأبو ألدرداء وأبو موسى ثلاث حيض
وقالت عائشة وزيد بن ثابت وابن عمر ثلاثة أطهار
ويحتج للقول الأول بان عدة الأمة حيضتان وإنما عليها نصف ما على الحرة وقد قال عمر لو قدرت ان اجعلها حيضة ونصف حيضة لفعلت

والقرء عند أهل اللغة الوقت فهو يقع لهما جميعا
قال الأصمعي ويقال أقرأت الريح اذا هبت لوقتها
وحدثني احمد بن محمد بن سلمة قال حدثنا محمود بن حسان النحوي قال حدثنا عبد الملك بن هشام عن ابي يزيد النحوي عن ابي عمرو بن العلاء قال من العرب من يسمي الحيض قرءا ومنهم من يسمي الطهر قرءا ومنهم من يجمعهما جميعا فيسمى الحيض مع الطهر قرءا
وقوله تعالى ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله في أرحامهن
وقال ابن عمر وابن عباس يعني الحبل والحيض
وقال قتادة علم ان منهن كواتم يكتمن ويذهبن بالولد الى غيره فنها هن الله عن ذلك
ثم قال تعالى ان كن يؤمن بالله واليوم الاخر

فليس هذا على انه أبيح لمن لا يؤمن ان يكتم وإنما هذا كقولك ان كنت مؤمنا فاجتنب الإثم أي فينبغي ان يحجزك الأيمان عنه لانه ليس من فعل أهل الأيمان
ثم قال تعالى وبعولتهن أحق بردهن في ذلك وقال إبراهيم وقتادة في الإقراء الثلاثة والتقدير في العربية الأجل
ثم قال تعالى ان أرادوا إصلاحا
أي ان أراد الأزواج بردهن الإصلاح الاضرار
وروى يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس ان أرادوا إصلاحا وذلك ان الرجل كان اذا طاق امرأته فهو أحق برجعتها وان طلقها ثلاثا فنسخ ذلك فقال الطلاق مرتان

فإمساك بمعروف او تسريح بإحسان
وقوله تعالى ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف روى عكرمة عن ابن عباس في قوله عز و جل ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف قال أني لأحب ان أتزين للمرأة كما احب ان تتزين لي
وقال ابن زيد يتقون الله فيهن كما عليهن ان يتقين الله فيهم

ثم قال تعالى وللرجال عليهن درجة
قال مجاهد هو ما فضل الله به عليها من الجهاد وفضل ميراثه على ميراثها وكل ما فضل به عليها
وقال ابو مالك له ان يطلقها وليس لها من الأمر شيء
وقوله تعالى الطلاق مرتان
روى علي بن ابي طلحة عن ابن عباس الطلاق مرتان قال اذا طلق الرجل امرأته تطليقتين فليتق الله في التطليقة الثالثة فإما يمسكها بمعروف فيحسن صحبتها وإما يسرحها بإحسان فلا يظلمها من حقها شيئا
وقال عروة بن الزبير كان الرجل يطلق امرأته ويرتجعها قبل ان تنقضي عدتها وكان ذلك له ولو فعله ألف مرة ففعل ذلك

رجل مرارا فانزل الله تعالى الطلاق مرتان فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ من كان منهم طلق او لم يطلق
والتقدير في العربية الطلاق الذي لا يملك مع اكثر منه الرجعة مرتان
ويروى ان رجلا قال للنبي فأين الثالثة فقال التسريح بإحسان
ثم قال تعالى فإمساك بمعروف او تسريح بإحسان أي فالواجب عليكم إمساك بما يعرف انه الحق

او تسريح بإحسان أي يستهل أمرها بان يطلقها الثالثة
والسرح في كلام العرب السهل
وقوله تعالى ولا يحل لكم ان تأخذوا مما آ تيتموهن شيئا الا ان يخافا الا يقيما حدود الله
هذا في الخلع الذي بين الزوجين
قال ابو عبيدة الخوف هاهنا بمعنى اليقين
قال ابو اسحق حقيقته عندي ان يكون الغالب عليهما الخوف من المعاندة
قال ابن جريج كان طاووس يقول يحل الفداء قال الله

تعالى الا ان يخافا الا يقيما حدود الله ولم يكن يقول قول السفهاء لا تحل حتى تقول لا اغتسل من جانبة ولكنه كان يقول الا ان يخافا الا يقيما حدود الله فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة
والمعنى على هذه القراءة الا ان يخاف الزوج والمرأة
وقرأ الأعمش وأبو جعفر وابن وثاب والأعرج وحمزة إلا أن بخافا بضم الياء
وفي قراءة عبد الله الا ان تخافوا بالتاء

وقيل المعنى على هاتين القراءتين الا ان يخاف السلطان ويكون الخلع الى السلطان
وقد قال بهذا الحسن قال شعبة قلت لقتادة عن من اخذ الحسن قوله لا يكون الخلع دون السلطان فقال اخذه عن زياد وكان وليا لعمر وعلي رضي الله عنهما
قال ابو جعفر واكثر العلماء على ان ذلك الى الزوجين
ثم قال تعالى ولا جناح عليهما فيما افتدت به وقد قال في موضع اخر فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وآثما مبينا
وروى معمر عن الزهري قال لا يحل لرجل ان تختلع امرأته الا ان يؤتى ذلك منها فأما ان يكون يؤتى ذلك منه

يضارها حتى تختلع منه فان ذلك لا يصلح
وقال أهل الكوفة حظر عليه ما كان ساقه الى المرأة من الصداق في قوله تعالى ولا يحل لكم ان تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ثم اطلقه الا ان يخافا الا يقيما حدود الله فلا يحل له ان يأخذ اكثر مما ساقه أليها
وليس في الآية ما يدل على انه لا يحل له اكتر مما أعطاها

وقول الزهري بين ويكون قوله الا ان يخافا الا يقيما حدود الله يبين قوله ولا يحل لكم ان تأخذوا مما آتيتموهن شيئا
أي لا تأخذوا منهن شيئا غصبا
ومعنى حدود الله ما منع منه والحد مانع من الاجتراء على الفواحش واحدة المرأة امتنعت من الزينة ورجل محدود ممنوع من الخير والبواب حداد أي مانع ومعنى فلا تعتدوها فلا تتجاوزها
ثم قال تعالى فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره المعنى فان طلقها الثالثة

وأهل العلم على ان النكاح هاهنا الجماع لانه قال زوجا غيره فقد تقدمت الزوجية فصار النكاح الجماع
الا سعيد بن جبير فانه قال النكاح هاهنا التزويج الصحيح اذا لم يرد إحلالها
قال ابو جعفر ويقوي القول الأول حديث النبي لا تحل له حتى تذوق العسيلة

وعن علي حتى يهزها به
ثم قال تعالى فان طلقها فلا جناح عليهما ان يتراجعا
روى منذر الثوري عن محمد بن علي عن علي رضوان الله عليه
قال ما أشكل علي شيء ما أشكلت هذه الآية في كتاب الله فان طلقها فلا جناح عليهما ان يتراجعا فمازلت ادرس كتاب الله حتى فهمت فعرفت ان الرجل الآخر اذا طلقها رجعت الى زوجها الأول ان شاء الله
ثم قال تعالى ان ظنا ان يقيما حدود الله
قال طاووس ان ظنا ان كل واحد منهما يحسن عشرة

صاحبه
وقال مجاهد ان علما ان نكاحهما على غير دلسة
ثم قال تعالى وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون
أي يعلمون ان أمر الله حق لا ينبغي ان يتجاوز
ثم قال تعالى وإذا طلقتم النساء فبلغن أجاهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف
أجلهن وقت انقضاء العدة
و معنى فبلغن أجلهن على قرب البلوغ كما تقول اذا بلغت مكة فاغتسل قبل ان تدخلها

ثم قال تعالى ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا
روى أبو الضحاك عن مسروق ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا
قال يطلقها حتى اذا كادت تنقضي عدتها راجعها ايضا ولا يريد إمساكها ويحبسها فذلك الذي يضار ويتخد آيات الله هزوا
وقال مجاهد وقتادة نحوه

ثم قال تعالى ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه
أي عرضها لعذاب الله
ثم قال تعالى و لا تتخذوا آيات الله هزوا
يروى عن الحسن ان الرجل كان يطلق ثم يقول إنما كنت لاعبا فنزل هذا
وروى ابو هريرة عن النبي
ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والعتاق والرجعة
وقيل من طلق امرأته فوق ثلاثة فقد اتخذ

آيات الله هزوا
وروي عن عائشة ان الرجل كان يطلق امرأته ثم يقول والله لا أورثك ولا ادعك وكيف ذاك وقال اذا كدت تقضين عدتك راجعتك فنزلت ولا تتخذوا آيات الله هزوا
قال ابو جعفر وهذا من أجود هذه الأقوال لمجيئها بالعلة التي أنزلت من اجلها الآية والأقوال كلها داخلة في معنى الآية لانه يقال لمن سخر من آيات الله اتخذوها هزوا ويقال ذلك لمن كفر بها ويقال ذلك لمن اطرحها ولم يأخذ بها وعمل بغيرها فعلى هذا تدخل هذه الأقوال في الآية

وآيات الله دلائله وأمره ونهيه
وقوله تعالى وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن ان ينكحن أزواجهن
روى سماك بن حرب عن ابن أخي معقل عن معقل بن سنان او يسار وقال لي الطحاوي وهو معقل بن سنان ان

أخته كانت عند رجل فطلقها ثم أراد ان يرجعها فأبى عليه معقل فنزلت هذه الآية فلا تعضلوهن ان ينكحن أزواجهن اذا تراضوا بينهم بالمعروف
قال ابو جعفر ومعنى لا تعصلاهن في اللغة لا تحسبوهن
وحكى الخليل دجاجة معضل أي قد احتبس بيضها
وقد قيل في معنى هذه الآية أن انهي للأزواج لان المخاطبة لهم مثل قوله ولا تمسكوهن ضرارا
وقد يجوز ان يكون للاولياء وخوطبوا بهذا لانهم ممن يقع لهم هذا وقد تقدم أيضا نهي الازواج
والاجود ان يكون لهما جميعا ويكون الخطاب عاما أي يا ايها الناس اذا طلقتم النساء فلا تعضلوهن

قال ابو جعفر وحقيقة فلا تعضلوهن فلا تضيقوا عليهن بمنعكم اياهن أيها الاولياء في مراجعة ازواجهن
وتقول عضل يعضل وعضل يعضل ومنه الداء العضال الذي لا يطاق علاجه لضيقه عن العلاج
ومعنى والله يعلم أي ما لكم فيه الصلاح
وقوله تعالى والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين
لفظه لفظ الخبر ومعناه معنى الامر لمافيه من الالزام
وروى ابن أبي ذئب عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن

بعجة الجهني قال تزوج رجل امرأة فولدت لستة اشهر فأتى عثمان بن عفان فذكر ذلك له فأمر برجمها فأتاه علي رضي الله عنه وقال ان الله يقول وحملة وفصالة ثلاثون شهرا وقال وفصاله في عامين
وقال ابن عباس فاذا ذهبت رضاعته فانما الحمل في ستة أشهر

و الفائدة في كاملين ان المعنى كاملين للرضاعة
كما قال تعالى تلك عشرة كاملة أي من الهدي
وقال تعالى فتم ميقات ربه أربعين ليلة لانه قد كان يجوز ان ياتي بعد هذا شيء اخر او تكون العشرة ساعات
ثم قال تعالى لمن اراد ان يتم الرضاعة أي ذلك وقت لتمام الرضاعه وليس بعد تمام الرضاعة رضاع

ثم قال تعالى وعلى المولود له أي على الاب الذي ولد له رزقهن وكسوتهن أي رزق الامهات وكسوتهن بالمعروف أي لا تقصير في النفقة والكسوة ولاشطط
ثم قال تعالى لا تضار والدة بوالدها على النهي
وقرا ابان عن عاصم لا تضارر والدة بكسر الراء الاولى
وقيل المعنى لا تدع رضاع ولدها لتضربه غيظا على ابيه
وقرأ ابو عمرو وابن كثير لا تضار والدة بالرفع على الخبر الذي فيه معنى الالزام

وروى يونس عن الحسن قال يقول لا تضار زوجها فتقول لاارضعه ولا يضارها فينزعه منها وهي تقول انا ارضعه
ثم قال تعالى وعلى الوارث مثل ذلك
روى مجاهد عن ابن عباس قال وعلى الوارث ان لا يضار
وكذلك روي عن الشعبي والضحاك
وروي عن عمر والحسين بن صالح وابن شبرمة وعلى الوارث مثل ذلك أي الكسوة والرضاع
وروي عن الضحاك الوارث الصبي فان لم يكن له

مال فعلى عصبته والا أجبرت المرأة على رضاعه
قال ابو جعفر وزعم محمد بن جرير الطبري ان اولى الأقوال بالصواب قول قبيصة بن ذؤيب ومن قال بقوله انه يراد بالوارث المولود وان يكون مثل ذلك معنى مثل الذي كان على والده من رزق والدته وكسوتها بالمعروف وان كانت من أهل الحاجة وهي ذات زمانة ولا احتراف لها ولا زوج وان كانت من اهل الغنى والصحة فمثل الذي كان على ولده لها من اجر الرضاعه ولا يكون غير هذا الا بحجة واضحة لان الظاهر كذا
قال ابو جعفر والقول الأول ابين لان الاب هو المذكور بالنفقة في المواضع كما قال وان كن اولات حمل فأنفقوا عليهن وكذا تجب عليه النفقة على ولده ما دام صغيرا كما

تجب عليه ما دام رضيعا
ثم قال ابو حنيفة وأصحابه وعلى الوارث مثل ذلك أي الرضاع والكسوة والرزق اذاكان ذا رحم محرمة وليس ذلك في القرآن
ثم قال تعالى فان اراد فصالا عن تراض منهما وتشاور
قال مجاهد وقتادة أي فطاما دون الحولين
قال ابو جعفر وأصل الفصال في اللغة التفريق والمعنى عن تراض من الابوين ومشاورة ليكون ذلك عن غير اضرار

منهما بالولد
ثم قال فلا جناح عليهما أي فلا اثم
ثم قال تعالى وان اردتم ان تسترضعوا اولادكم
أي تسترضعوهم قوما
قال ابو اسحاق أي لاولادكم غير الوالدة
فلا جناح عليكم اذا سلمتم ما آتيتم أي سلمتم ما أعطيتم من ترك الاضرار

وقال مجاهد اذا سلمتم حساب ما ارضع به الصبي
ثم قال تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا
روي عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه انه قرأ والذين يتوفون منكم بفتح الياء فيهما جميعا ومعناه يتوفون اعمارهم أي يستوفونها والله اعلم
ثم قال تعالى يتربصن بانفسهن اربعة اشهر وعشرا
العشر عدد الليالي الا انه قد علم ان مع كل ليلة يومها
قال محمد بن يزيد المعنى وعشر مدد وتلك المدة يوم وليلة

وقيل إنما جعلت العدة للمتوفى عنها زوجها اربعة اشهر وعشرا لانه يتبين حملها ان كانت حاملا
قال الاصمعي ويقال ان ولد كل حامل يرتكض في نصف حملها فهي مركض وقال غيره اركضت فهي مركض وانشد ... ومركضة صريحي أبوها ... تهان له الغلامة والغلام ...
ثم قال تعالى فاذا بلغن اجلهن
قال الضحاك اجلهن انقضاء العدة

وروى ابن ابي نجيح عن مجاهد فيما فعلن في انفسهن بالمعروف قال النكاح الحلال الطيب
وقوله تعالى ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء
روى مجاهد عن ابن عباس قال هو ان يقول أريد ان اتزوج وكره ان يقول لا تبسقيني بنفسك في العدة
وقال القاسم بن محمد هو ان يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها انك علي لكريمة واني فيك لراغب وان الله لسائق اليك خيرا ورزقا ونحو هذا من القول

وقالت سكينة بنت حنظلة وكانت تحت ابن عم لها فتوفي فدخل علي ابو جعفر محمد بن علي وانا في عدتي فسلم ثم قال كيف اصبحت فقلت بخير جعلك الله بخير فقال انا من قد علمت قرابته من رسول الله وقرابته من علي وحقي في الاسلام وشرفي في العرب
قالت فقلت له غفر الله لك يا ابا جعفر انت رجل يؤخذ منك ويروى عنك تخطبني في عدتي قال ما فعلت انما اخبرتك بمنزلتي من رسول الله ثم قال دخل رسول الله على ام سلمة بنت ابي امية بن المغيرة

المخزومية وتأيمت من ابي سلمة بن عبد الاسد وهو ابن عمها فلم يزل يذكر منزلته من الله حتى اثر الحصير في يده من شدة ما يعتمد عليه بيده فما كانت تلك خطبة
ثم قال تعالى أو أكننتم في انفسكم
قيل من أمر النكاح
ثم قال تعالى علم الله انكم ستذكرونهن
قال الحسن أي في الخطبة
وقال مجاهد أي في نفسه
ثم قال تعالى ولكن لا تواعدوهن سرا
قال سعيد بن جبير السر ان يعاقدها على ان لا تتزوج

غيره
وقال مجاهد هو ان يقول لا تفوتيني بنفسك
وقال ابو مجلز وابراهيم والحسن هو الزنا
وقال ابو عبيدة هو الافصاح في النكاح
قال محمد بن يزيد قوم يجعلون السر زنا وقوم يجعلونه الغشيان وكلا القولين خطا انما هو الغشيان من غير وجهه قال الله تعالى ولكن لا تواعدوهن سرا فليس هذا موضع الزنا
قال ابو جعفر الذي قال محمد بن يزيد من ان السر الغشيان من غير وجهه عند أهل اللغة كما قال الا ان الاشبه في الآية ما قال سعيد بن جبير ان المعنى لا تواعدوهن نكاحا

فسمي النكاح سرا لان الغشيان يكون فيه وزعم محمد بن جرير ان اولى الاقوال باصواب ان السر الزنا ولا يصح قول من قال السر ان يقول لها ل تسبقيني بنفسك لانه قول علانية فان اراد ان يقال سرا قيل له فهو اذا مطلق علانية وهذا لايقوله احد ولا يكون السر النكاح الصحيح لانه لا يكون الا بولي وشاهدين وهذا علانية
ومعنى ستذكرونهن ستذكرون خطبتهن ولكن لا تواعدوهن سرا يقال لها قد ذكرتك في نفسي وقد صرت زوجتي فبغرها بذلك حتى يصل الى جماعها زنا

ثم قال تعالى الا ان تقولوا قولا معروفا
قال مجاهد هو التعريض
وقال سعيد بن جبير ان يقول لها أنى لأرجو ان نجتمع أني إليك لمائل
وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس و لا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أحله حتى تنقضى العدة
والتقدير في اللغة حتى يبلغ فرض الكتاب ويجوز ان يكون الكتاب بمعنى الفرض تمثيلا

ثم قال تعالى واعلموا ان الله يعلم ما في أنفسكم فاحذ روه
أي يعلم ما تحتالون به
وقوله عز و جل لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن
قال ابن عباس الجماع
او تفرضوا لهن فريضة الفريضة ههنا المهر
قال ابو جعفر واصل الفرض الواجب كما قال كانت فريضة ما تقول قطيعتي

ومنه فرض السلطان لفلان
ثم قال تعالى ومتعوهن على الموسع قدره وهو الغني وعلى المقتر قدره وهو الفقير
قال سعيد ابن جبير ومجاهد والضحاك وهذا معنى قولهم في المطلقة قبل الدخول بها ولم يفرض لها صداق لها المتعة واجبة
وقال شريح لا يقضى عليه لانه قال حقا على المحسنين
ثم قال تعالى وان طلقتموهن من قبل ان تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم
فقال قوم لها المتعة مع ذلك كما روي عن علي ابن ابي طالب رضي الله عنه والحسن وسعيد ابن جبير

لكل مطلقة متعه
وقال آخرون لا متعة لها
روي ذلك عن عبد الله بن عمرو وسعيد بن المسيب وعطاء والشعبي
ثم قال تعالى إلا أن يعفون قال الزهري والضحاك المرأة اذا طلقت تدع النصف جعل لها

ثم قال تعالى او يعفو الذي بيده عقدة النكاح
حدثنا محمد ابن إدريس بن اسود قال حدثنا ابر أهيم بن مرزوق قال حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد قال حدثنا جرير وهو ابن حازم قال حدثنا عيسى ابن عاصم عن شريح قال سألني علي بن أبي طالب عن الذي بيده عقدة النكاح
قال قلت هو الولي قال لا بل الزوج
وكذلك قال جبير بن مطعم وسعيد بن جبير ورواه قتادة عن سعيد بن المسيب
وقال ابن عباس وعلقمة وإبراهيم هو الولي يعنون الأب خاصة

قال ابو جعفر حديث علي إنما رواه عن شريح عيسى بن عاصم ورواه الجلة عن شريح من قوله منهم الشعبي وابن سيرين والنخعي
واصح ما روي فيه عن صحابي قول ابن عباس
قرىء على عبد الله بن احمد بن عبد السلام عن ابي الأزهر احمد بن الأزهر قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا ابن جريج قال اخبرني عمرو ابن دينار قال سمعت عكرمة يقول قال ابن عباس ان الله رضي العفو وأمر به فان عفت فذلك وان عفا وليها الذي بيده عقدة النكاح وضنت جاز وان أبت

قال ابو جعفر والذي يدل عليه سياق الكلام واللغة انه الولي وهو الذي يجوز ان يعقد النكاح على المرأة بغير أمرها كما قال و لا تعزموا عقدة النكاح وإنما بيد الزوج ان يطلق
فان قيل بيده عقدة نكاح نفسه فذا لا يناسب الكلام الأول وقد جرى ذكر الزوج في قوله وقد فرضتم لهن فريضة فلو كان للزوج لقيل او تعفوا وهذا أشبه بسياق الكلام

وان كان يجوز تحويل المخاطبة الى الأخبار عن غائب
فأما اللغة فتوجب اذا أعطي الصداق كاملا ان لا يقال له عاف ولكن يقال له واهب لان العفو إنما هو ترك الشيء وإذهابه ومنه عفت الديار والعافية دروس البلاء وذهابه ومنه عفا الله عنك
ثم قال جل وعز وان تعفوا اقرب للتقوى
قيل يعنى به الأزواج وقيل يعنى به الذي بيده عقدة النكاح والنساء جميعا
هذا قول ابن عباس وهو حسن لانه يقل وان

تعفون فيكون للنساء وان يعفو فيكون للذي بيده عقدة النكاح
ثم وقوله عز و جل حافظوا على الصلوات
قال مسروق على وقتها
والصلاة الوسطى
روى جابر بن زيد ومجاهد وأبو رجاء عن ابن عباس قال هي صلاة الصبح
وكذا روى عنه عكرمة الا انه زاد عنه يصلي بين سواد الليل وبياض النهار

وقيل لانها بين صلاتين من صلاة الليل وصلاتين من صلاة النهار
وروى قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر عن بن زيد بن ثابت قال هي الظهر
وفيها قول ثالث هو أولاها
حدثنا محمد بن جعفر ألا نباري قال حدثنا حاجب بن

سليمان قال حدثنا محمد بن مصعب قال حدثنا ابو جزء عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال قال رسول الله في قول الله جل وعز حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى هي صلاة العصر
وروى عبدة ويحيى بن الجزار وزر عن علي ابن ابي طالب رضوان الله عليه قال قاتلنا الأحزاب فشغلونا عن العصر حتى كربت الشمس ان تغيب فقال رسول الله صلى الله عليه اللهم ابلاء قلوب الذين شغلونا عن الصلاة الوسطى نارا وإملاء بيوتهم نارا وإملاء قبورهم نارا
قال زر قال علي كنا نرى انها صلاة الفجر

وقيل لها الوسطى لانها بين صلاتين من صلاة الليل وصلاتين من صلاة النهار
ثم قال تعالى وقوموا لله قانتين
قال ابن عباس والشعبي القنوت الطاعة
وقال مجاهد القنوت السكوت
قال ابو جعفر وهذان القولان يرجعان الى شيء واحد لان السكوت في الصلاة طاعة
وحدثنا محمد بن جعفر ألا نباري قال حدثنا عبد الله بن

يحيى قال حدثنا يحيى اخبرنا يعلى هو ابن عتبة قال حدتنا اسماعيل بن ابي خالد عن الحارث بن شبيل عن ابي عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم قال كنا نتكلم في الصلاة فيكلم أحدنا صاحبه فيما بينه وبينه حتى نزلت هذه الآية حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين فأمرنا بالسكوت
وقيل هو القنوت في الصبح وهو طول القيام
وروى الجعفي عن بن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج عن ابي الهيثم عن ابي سعيد يعني الخدري عن الني صلى الله عليه و سلم قال كل حرف في القرآن من القنوت فهو

الطاعة
ثم قال تعالى فان خفتم فرجالا او ركبانا
روى ابو مالك عن ابن عباس أما رجالا فعلى ارجلكم اذا قاتلتم يصلي الرجل يومي براسه اينما توجه
وقال مجاهد وكيف قدر
وقوله جل وعز والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا وصية لازواجهم متاعا الى الحول غير اخراج
روى حبيب بن الشهيد عن ابن ابي ملكية عن ابن الزبير قال قلت لعثمان الآية التي في البقرة والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا وصية لازواجهم لم اثبتها وقد نسختها الآية الآخرى قال يا ابن اخي لا أغير شيئا عن مكانه
وروى حميد عن نافع عن زينب بنت ام سلمة كانت

المرأة اذا توفي زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا حتى تمر سنة ثم تعطى بعرة فترمي بها فانزل الله عز و جل والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا وصية لازواجهم متاعا الى الحول يعني لنسائهم وكان للمرأة أن تسكن في بيت زوجها سنة وإن شائت خرجت فاعتدة في بيت أهلها أو سكنت في وصيتها الى الحول ثم نسخ بأربعة أشهر وعشر
وروى يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس في قوله والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول فنسخ ذلك بآية الميراث بما فرض الله من الربع والثمن ونسخ اجل الحول بان جعل اجلها اربعة اشهر وعشر

وفي حديث الفريعة فقال النبي صلى الله عليه و سلم امكثي في منزلك حتى يبلغ الكتاب اجله
ثم قال تعالى كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون
أي لعلكم تتجنبون ما ليس بمستقيم كان العاقل الذي يعقل نفسه عما ليس بمستقيم
ثم قال تعالى الم تر الى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت

قال ابن عباس كانوا اربعة الاف خرجوا فرارا من الطاعون وقالوا ناتي ارضا ليس بها موت فأماتهم الله فمر بهم نبي ودعا الله فاحياهم
وقيل انهم ماتوا ثمانية ايام
قال الحسن اماتهم الله قبل آجالهم عقوبة ثم بعثهم الى بقية آجالهم
وقال الضحاك خرجوا فرارا من الجهاد فأماتهم الله ثم أحياهم ثم أمرهم أن يرجعوا الى الجهاد

وذلك قوله تعالى وقاتلوا في سبيل الله واعلموا ان الله سميع عليم
قال ابو جعفر وفي رواية ابن جريج وهم الوف انهم اربعون الفا وهذا اشبه لان الوفا للكثير وآلافا للقليل وان كان يجوز في كل واحد منهما ما جاز في الاخر
واما قول ابن زيد الوف مؤتلفة قلوبهم فليس

بمعروف
والقياس في جمع الف أألف كأفلس الا انهم يشبهون فعلا بفعل فيما كان في اوله الف او واو نحو وقت واوقات
وكذلك الياء نحو يوم وايام وقد قيل أألف
ثم قال جل وعز من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا
أصل القرض ما يفعل ليجازى عليه كما قال ... واذا اجزيت قرضا فاجزه ... انما يجزي الفتى غير الجمل

ثم قال تعالى والله يقبض ويبسط
أي يقتر ويوسع
وقيل يسلب قوما ما انعم به عليهم ويوسع على اخرين
وقيل يقبض الصدقات ويخلفها بالثواب او في الدنيا
وقوله جل وعز الم ترا الى الملاء من بني اسرائيل من بعد موسى
قال مجاهد هم الذين قال الله فيهم الم تر الى الذين قيل لهم كفوا ايديكم

قال الضحالك واما قوله ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله فذلك حين رفعت التوراة واستخرج الايمان وسلط على بني اسرائيل عدوهم فبعث طالوت ملكا فقالوا انى يكون له الملك علينا لان الملك كان في سبط بعينه لا يكون في غيره ولم يكن طالوت منه فلذلك وقع الانكار
وقوله عز و جل ان ياتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم
حدثنا احمد بن محمد بن نافع قال حدثنا عبد الرزاق قال اخبرنا الثوري عن سلمة بن كهيل عن ابي الاحوص عن علي قال السكينة لها وجه كوجه الانسان وهي بعد ريح هفافة
وروى خالد ابن عرعرة عن علي قال ارسل الله السكينة الى ابراهيم وهي ريح خجوج لها راس

وروى الضحاك عن ابن عباس قال السكينة دابة قدر الهر لها عينان لهما شعاع فاذا التقى الجمعان اخرجت يدها ونظرت اليهم فينهزم الجيش من ذلك الرعب
وقال الضحاك السكينة الرحمة والبقية القتال
وروي عن ابن عباس السكينة طست من ذهب الجنة كانت تغسل فيها قلوب الانبياء
وروى اسماعيل بن ابي خالد عن ابي صالح وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون قال عصا موسى وثياب هارون ولوحان من التوراة

وقال ابو مالك السكينة طست من ذهب القى فيها موسى الالواح والتوراة وعصاه والبقية رضاضة الالواح التي كتب فيها التوراة
وقرىء على عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن ابي الازهر عن روح بن عبادة قال حدثنا محمد بن عبد الملك عن ابيه قال قال مجاهد اما السكينة فما تعرفون من الايات التي تسكنون اليها قال والبقية العلم والتوراة
وقال ابو جعفر وهذا القول من احسنها وأجمعها لان السكينة في اللغة فعيلة من السكون أي آية يسكون اليها

وبين معنى تحمله الملائكه أنه روي ان جالوت وأصحابه كان التابوت عندهم فا بتلاهم الله بالناسور فعلموا انه من اجل التابوت فحملوه على ثور فساقته الملائكة فهذا مثل قولهم
حملت متاعي الى موضع كذا
ثم قال تعالى ان في ذلك لآية لكم ان كنتم مؤمنين
أي ان في رد التابوت بعد ان اخذه عدوكم لآية لكم ان كنتم مصدقين
وقوله جل وعز ان الله مبتليكم بنهر
معناه مختبركم والفائدة في ذلك أن يعلم من يقاتل ممن لا يقاتل
قال عكرمة وقتادة هو نهر بين الاردن وفلسطين

وقال قتادة كان الكفار يشربون فلا يرون وكان المسلمون يغترفون غرفة فيجزئهم ذلك
قال ابو جعفر الغرفة في اللغة ملء الكف أو المغرفة والغرفة الفعلة الواحدة
ومعنى فانه مني فانه من اصحابي
وحكى سيبويه انت مني فرسخين
ثم قال تعالى فشربوا منه الا قليلا منهم
روى ابو اسحاق عن البراء كنا نتحدث ان اصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يوم بدر كانوا ثلاث مائة وبضعة عشر

على عدة اصحاب طالوت ممن جاز معه النهر يوم جالوت وما جاز معه الا مؤمن
فلما جازوه يعني النهر وراوا كثرة أصحاب جالوت وقلتهم قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون انهم ملاقوا الله أي يوقنون
وقيل يتوهمون أنهم يقتلون في هذه الواقعة لقلتهم
والفئة الفرقة من فأوت رأسه وفاأيته
فهزموهم أي كسروهم وردوهم يقال سقاء مهزوم اذا كان منثنيا جافا

وقوله جل وعز ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض
روى ابن أبي نجيج عن مجاهد قال يقول لولا دفع الله بالمؤمنين الفجار ودفعه بتقية أخلاق الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض بهلاك اهلها
قال ابو جعفر وهذا الذي عليه أكثر أهل التفسير أي لولا ان الله يدفع بمن يصلي عن من لا يصلي وبمن يتقي عن من لا يتقي لاهلك الناس بذنوبهم
وقيل لولا أن الله أمر بحرب الكفار لعم الكفر

فأهلك جميع الناس
وذا راجع الى الاول
وقيل لولا أن الله أمر بحرب الكفار لكان افسادهم على المسلمين اكثر
ويقرأ ولولا دفاع الله
حكى ابو حاتم أن العرب تقول أحسن الله عنك الدفاع والمدافعة مثل ناولتك الشيء
ثم قال تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله

قال مجاهد يقول كلم موسى
ثم قال جل وعز ورفع بعضهم درجات
قال مجاهد أرسل محمدا صلى الله عليه و سلم الى الناس كافة
ثم قال تعالى وآتينا عيسى ابن مريم اليبنات

أي الحجج الواضحة وأيدناه أي قويناه بروح القدس قال الضحاك جبريل صلى الله عليه و سلم
ثم قال تعالى ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات
فيه قولان أحدهما ان المعنى لو شاء الله ما أمرنا بالقتال بعد وضوح الحجة واظهار البراهين

وقيل لو شاء الله أن يضطرهم الى الايمان لفعل كما قال ولو شاء الله لجمعهم على الهدى
وقوله جل وعز يا آيها الذين آمنوا انفقوا مما رزقناكم من قبل ان ياتي يوم لا بيع فيه ولا خلة
قوله انفقوا تصدقوا والخلة الصداقة
وقوله جل وعز الله لا اله الا هو
أي لا اله للخلق الا هو
الحي القيوم أي القائم بخلقه المدبر لهم
وروي عن ابن عباس القيوم الذي لا يزول

وقرأ عمر بن الخطاب رحمة الله عليه القيام
وقرأ علقمة الحي القيم
قال ابن كيسان القيوم فيعول من القيام وليس بفعول لانه ليس في الكلام فعول من ذوات الواو
ولو كان ذلك لقيل قووم
والقيام فيعال اصله القيوام
وأصل القيوم القيووم واصل القيم في قول البصرين

القيوم
وقال الكوفيون الاصل القويم
قال ابن كيسان ولو كان كذا في الاصل لم يجز فيه التغير كما لايجوز في طويل وسويق
وقوله جل وعز لا تأخذه سنة ولا نوم
قال الحسن وقتادة نعسة
وأنشد أهل اللغة ... وسنان اقصده النعاس فرنقت ... في عينه سنة وليس بنائم ...
والمعنى لا يفصل عن تدبير أمر الخلق

قال تعالى من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه
لما قالوا الاصنام شفعاؤنا عند الله
فأعلم الله أن المؤمنين انما يصلون على الانبياء ويدعون للمؤمنين كما أمروا وأذن لهم
ثم قال تعالى يعلم ما بين ايديهم أي ما تقدمهم من الغيب وما خلفهم ما يكون بعدهم
ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء
لا يعلمون من ذلك شيئا الا ما اراد أن يطلعهم عليه أو يبلغه أنبياؤه تثبيتا لنبوتهم

ثم قال تعالى وسع كرسيه السموات والارض
وحكى يعقوب الحضرمي وسع كرسيه السموات والارض ابتداء وخبر
وروى سفيان وهشيم عن مطرف عن جعفر عن ابي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله وسع كرسيه السموات والارض
قال علمه الا ترى الى قوله ولا يؤوده حفظهما
وقد استشهد لهذا القول ببيت لايعرف وهو ولا يكرسىء علم الله مخلوق

أي لا يعلم علم الله مخلوق وهو ايضا لحن لان الكرسي غير مهمور
وقيل كرسيه قدرته التي يمسك بها السموات والارض كما تقول اجعل لهذا الحائط كرسيا أي ما يعمده وهذا قريب من قول ابن عباس
وقال أبو هريرة الكرسي بين يدي العرش
وفي الحديث ما السموات والارض في جوف الكرسي الا كحلقة في ارض فلاة
والله جل وعز أعلم بما اراد غير ان الكرسي في اللغة الشيء

الذي يعتمد عليه وقد ثبت ولزم بعضه بعضا ومنه الكراسة والكرسى ما تلبد بعضه على بعض
وقال الحسن الكرسي هو العرش
ومال محمد ابن جرير الى قول ابن عباس وزعم انه يدل على صحته ظاهر القرآن وذلك قوله عز و جل و لا يؤوده حفظهما
وقال جل وعز اخبارا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما
فأخبر أن علمه وسع كل شيء وكذا وسع كرسيه السموات

والارض
والضمير الذي في حفظهما للسموات والارض
ثم قال تعالى و لا يؤوده حفظهما
قال الحسن وقتادة لا يثقل عليه
قال ابو اسحاق فجائز ان تكون الهاء لله عز و جل وجائز ان تكون للكرسي و اذا كانت للكرسي هو من أمر الله
وقوله تعالى لا اكراه في الدين
حدثنا احمد بن محمد بن سلمة يعنى الطحاوي قال حدثنا ابراهيم بن مرزوق قال حدثنا وهب بن جرير عن شعبة عن ابي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله لا اكراه في الدين قال كانت المرأة من الانصار لا يكاد يعيش لها ولد فتحلف لئن عاش ولد لتهودنه فلما أجليت بنو النضير اذا فيهم ناس من ابناء الانصار فقالت الانصار يا رسول الله أبناؤنا

فأنزل الله لا اكراه في الدين
قال سعيد ابن جبير فمن شاء لحق بهم ومن شاء دخل الاسلام
قال ايو جعفر أي وأقام

وقال الشعبي هي في أهل الكتاب خاصة لا يكرهون اذا أدوا الجزية
وقال سليمان بن موسى نسخها جاهد الكفار والمنافقين وتأولها عمر على انه لا يكره المملوك على الاسلام
وقيل لا يقال لمن اسلم من أهل الحرب أسلمت مكرها لانه اذا ثبت على الاسلام فليس بمكره
وقوله جل وعز فمن يكفر بالطاغوت
روي عن عمر بن الخطاب انه قال الطاغوت الشيطان والجبت السحر
وقال الشعبي وعكرمة والضحاك الطاغوت الشيطان
وقال الحسن الطاغوت الشياطين

وحدثنا سعيد بن موسى بقرقيسيا قال حدثنا محمد بن مالك عن يزيد عن يزيد عن محمد بن سلمة عن خصيف قال الجبت الكاهن والطاغوت الشيطان
وقال الشعبي وعكرمة والضحاك الطاغوت الشيطان
وقال مجاهد في قوله تعالى يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت هو كعب بن الاشرف
قال ابو حعفر وهذه الاقوال متقاربة وأصل الطاغوت في اللغة مأخوذ من الطغيان يؤدي عن معناه من غير اشتقاق كما قيل اللآل من اللؤلؤ
قال سيبويه وأما الطاغوت فهو اسم واحد مؤنث يقع

على الجمع
فعلى قول سيبويه اذا جمع فعله ذهب به الى الشياطين و اذا وحده ذهب به الى الشيطان
قال ابو جعفر ومن حسن ما قيل في الطاغوت انه من طغى على الله وأصله طغووت مثل جبروت من طغى اذا تجاوز حده ثم تقلب اللام فتجعل عينا وتقلب العين فتجعل لاما كجبذ وجذب ثم تقلب الواو الفا لتحركها وتحرك ما قبلها فتقول طاغوت
والمعنى فمن يجد ربوبية كل معبود من دون الله ويصدق بالله

وأصل الجبت في اللغة الذي لا خير فيه
وقال قطرب أصله الجبس وهو الثقيل الذي لاخير فيه
وقال ابو عبيدة الجبت والطاغوت كل ما عبد من دون الله
قال ابو جعفر وهذا غير خارج مما قلنا وخالف محمد بن يزيد سيبويه في قوله هو اسم واحد فقال الصواب عندي انه جماعة

وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد فقد استمسك بالعروة الوثقى أي الايمان
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس بالعروة الوثقى لا اله الا الله
ثم قال تعالى لا انفصام لها
قال مجاهد أي لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم أي لا يزيل عنهم اسم الايمان حتى يكفروا
يقال فصمت الشيء أي قطعته

ثم قال تعالى الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور
قال الضحاك الظلمات الكفر والنور الايمان ومثل الكفر بالظلمات والايمان بالنور
قرىء على احمد بن شعيب عن محمد بن عبد الاعلى قال حدثنا المعتمر قال سمعت منصورا يحدث رجل عن عبدة ابن ابي لبابه في هذه الآية الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور الى قوله هم فيها خالدون قال هم اناس كانوا آمنوا بعيسى فلما جاء محمد كفروا به قال وكان ناس قد كفروا بعيسى فلما جاء محمد آمنوا به فنزلت هذه الآية فيهم

قال ابو عبد الرحمن رواه جرير عن منصور عن مجاهد
فان قيل مامعنى يخرجونهم من النور الى الظلمات ولم يكونوا في نور قط
فالجواب انه يقال رأيت فلانا خارج الدار وان لم يكن خرج منها وأخرجته من الدار جعلته في خارجها وكذا أخرجه من النور جعله خارجا منه وان لم يكن كان فيه
وقيل هذا تمثيل لما صرفوا عنه كانوا بمنزلة من اخرج منه كما يقال لم اخرجتني من ملتك
وقيل لما ولدوا على الفطرة وهي اخذ الميثاق وما فطروا عليه من معرفة الله جل وعز ثم كفروا كانوا قد أخرجوا من

النور
قال الاخفش الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور يحكم بأنهم كذلك تقول قد أخرجكم الله من هذا الامر ولم تكونوا فيه قط
قال ابو اسحاق ليس هذا بشيء انما هو يزيدهم بايمانهم هدى وهو وليهم في حجاجهم وهدايتهم وفي نصرهم على عدوهم ويتولى ثوابهم
قوله جل وغز ألم تر الى الذي حاج ابراهيم في ربه وهذه ألف التوقيف وفي الكلام معنى التعجب أي

اعجبوا له
قال ابن عباس ومجاهد هو نمروذ بن كنعان
قال سفيان فدعا برجلين فقتل أحدهما واستحيا الاخر
قال سفيان فبهت الذي كفر فسكت فلم يجبه بشيء
وقرىء فبهت الذي كفر
أي فبهت ابراهيم الذي كفر

وقوله عز و جل أو كالذي مر على قرية خاوية على عروشها
روى علي بن الحكم عن الضحاك قال يقال هو عزير والقرية بيت المقدس
فأماته الله مائة عام فكان أول شيء حيي منه رأسه فجعل ينظر الى كل ما يخلق منه والى حماره
قال سعيد عن قتادة وذكر لنا انه عزير أتى على بيت المقدس بعدما خربه بختنصر قال فقال أنى تعمر هذه بعد خربها
ثم قال تعالى فأماته الله مائة عام
ذكر لنا انه مات ضحى وبعث قبل غيبوبة الشمس بعد مائة عام فقال لبثت يوما او بعض يوم

وقال كعب هو عزير
قال مجاهد هو رجل من بني اسرائيل
قال عن الله بن عبيد بن عمير هو أرميا وكان نبيا
والخاوية الخالية
وقال الكسائي يقال خوت خويا وخواء وخواية
والعروش السقوف أي ساقطة على سقوفها
قال ابو عبيدة ويقال خوت عروشها بيوتها والعروش الخيام وهي بيوت الاعراب

قال الكسائي والفراء الكاف في قوله او كالذي عطف على معنى الكلام أي هل رأيت كالذي حاج ابراهيم او كالذي مر على قرية
وقيل هي زائدة كما قال ليس كمثله شيء
وقوله تعالى لم يتسنه
قال عكرمة وقتادة لم يتغير
وقال مجاهد لم ينتن
قال بعض أهل اللغة لم يتسن من قولهم آسن الماء اذا انتن

وقال ابو عمر الشيباني لم يتسنه لم يتغير
من قوله تعالى من حمأ مسنون ثم أبدل من احدى النونين ياء كما قيل تقصيت وتظنيت وقصيت اظافري
قال ابو جعفر والقولان خطأ لو كان من قولهم أسن الماء اذا انتن لكان يتأسن
قال ابو اسحاق وليس مسنون لان مسنونا مصبوب على سنة الارض
قال ابو جعفر والصحيح انه من السنة أي لم تغيره السنون

ثم قال تعالى ولنجعلك آية للناس
قال سفيان عن الاعمش قال رجع الى بنيه شيوخا وهو شاب
قال الكسائي لا يكون الملام الا باضمار فعل
والمعنى عنده فعلنا هذا لنجعلك دليلا للناس وعلما على قدرتنا ومثله وحفظا
ثم قال جل وعز وانظر الى العظام كيف ننشرها
أي نحييها وننشرها بالزاي معجمة أي نركب بعض

العضام على بعض ونرفع بعضها الى بعض
والنشز والنشز ما ارتفع عن الارض
ومن قرأ قال أعلم ان الله على كل شيء قدير
فقال قتادة في قراءته أنه جعل ينظر كيف يوصل بعض عظامه الى بعض لان أول ما خلق منه راسه وقيل له انظر فقال عن ذلك هذا
وروى طاووس عن ابن عباس قال اعلم على الامر

وانما قيل له ذلك
قال هارون في قراءة عبد الله قيل اعلم على وجه الامر
وقد يجوز ان يكون خاطب نفسه بهذا
وقوله عز و جل واذ قال ابراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي
فيه قولان
أحدهما ان المعنى ليطمأن قلبي للمشاهدة كأن نفسه طالبته برؤية ذلك فاذا رآه اطمان والانسان قد يعلم الشيء من جهة ثم يطلب أن يعلمه من غيرها
وهذا القول مذهب الجلة من العلماء وهو مذهب ابن عباس والحسن

قال الحسن ولا يكون الخبر عند ابن آدم كالعيان
والقول الاخر ان المعنى ولكن ليطمئن قلبي بأني اذا سألتك أجبتني
كما روى عن سفيان عن قيس بن مسلم عن سعيد بن جبير قال أولم تؤمن بالخلة قال توقن بالخلة
وروى أبو الهيثم عن سعيد بن جبير ولكن ليطمئن قلبي ليزداد

ثم قال تعالى قال فخذ اربعة من الطير
حدثنا عبد الباقي بن احمد بن محمد بن عبد العزيز الاموي قال حدثنا ابي قال حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثنا عبد الله بن لهيعة عن عبيد الله بن هبيرة السبيني عن حنش الصنعاني عن عبد الله بن عباس في قول الله جل وعز فخذ اربعة من الطير فصرهن اليك قال هو الحمام والطاووس والكركي والديك
وروى الحكم بن ابان عن عكرمة عن ابن عباس قال اخذ الديك والطاووس والغراب والحمامة
قال مجاهد فصرهن انتفهن بريشهن ولحومهن
قال ابو عبيدة صرت قطعت وصرت جمعت

وحكى ابوعبيدة صرت عنقه أصورها وصرتها أصيرها أملتها وقد صور
يقرأ بالضم والكسر واكثر القراء على الضم
قال الكسائي من ضمها جعلها من صرت الشيء املته وضممته الي قال وصر وجهك الي أبي أقبل به
والمعنى على هذه القراءة فضمهن اليك وقطعهن ثم حذف وقطعهن لانه قد دل عليه ثم اجعل على كل جبل منهن جزاءا
ومن قرأ فصرهن بالكسر ففيه قولان
أحدهما انه بمعنى الاول

والآخر أن أبا مالك والضحاك قالا فقطعهن
قال ابو حاتم هو من صار اذا قطع قال ويكون حينئذ على التقديم والتأخير كأنه قال فخذ اربعة من الطير اليك فصرهن
قال غيره ومنه قيل للقطيع من بقر الوحش صوار وصوار أي انقطعت فانفردت ولذلك قيل لقطع المسك أصورة كما قال اذا تقوم يضوغ المسك أصورة
قال ابو جعفر وأولى ما قيل في معنى فصرهن وصرهن أنهما بمعنى القطع على التقديم

والتأخير أي فخذ اليك اربعة من الطير فصرهن
ولم يوجد التفريق صحيحا عن احد من المتقدمين
ثم ادعهن
قال ابن عباس تعالين باذن الله فطار لحم ذا الى لحم ذا سعيا أي عدوا على ارجاهن ولا يقال للطائر اذا طار سعى
واعلم ان الله عزيز أي لا يمتنع عليه ما يريد

حكيم فيما يدبر
فلما قص ما فيه البراهين حث على الجهاد وأعلم أن من جاهد بعد هذا البرهان الذي لا ياتي به الا نبي فله في جهاده الثواب العظيم
فقال تعالى مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله الى قوله واسع عليم
أي جواد لا ينقصه ما يتفضل به من السعة عليهم اين يضعه
ثم قال تعالى يا ايها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى
أي لاتمتنوا بما أعطيتم وتعتدوا به وكأنكم تقصدون ذلك

والاذى أن يوبخ المعطى
فاعلم أن هذين يبطلان الصدقة كما تبطل صدقة المنافق الذي يعطي رياء ليوهم انه مؤمن
ثم قال تعالى فمثله أي فمثل نفقته كمثل صفوان وهو الحجر ا لاملس والوابل المطر العظيم القطر
فتركه صلدا
قال قتادة ليس عليه شيء
والمعنى لم يقدروا على كسبهم وقت حاجتهم ومحق فأذهب كما أذهب المطر التراب على الصفا ولم يوافق في الصفا

مثبتا
ثم قال ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من انفسهم
أي وينفقونها مقرين ثابتين أنها مما يثيب الله عليه
قال الحسن اذا اراد أن ينفق تثبت فان كان الله أمضى والا أمسك
وقال قتادة تثبيتا أي احتسابا
وقال مجاهد يتثبتون أين يضعون أموالهم أي زكواتهم
وقال الشعبي تصديقا ويقينا

قال ابو جعفرولو كان كما قال مجاهد لكان وتثبيتا من تثبت كتكرمت تكرما
وقول قتادة واحتسابا لا يعرف الا أن يراد به أن أنفسهم تثببتهم محتسبة وهذا بعيد
وقول الشعبي حسن أي تثبيتا من أنفسهم لهم على أنفاق ذلك في طاعة الله جل وعز يقال ثبت فلانا في هذا الامر أي صححت عزمة وقويت فيه رأيه اثبته تثبيتا أي انفسهم قوقنة مصدقة بوعد الله على تثبيتهم في ذلك
ثم قال تعالى كمثل جنة بربوة
قال مجاهد هي الارض المرتفعة المستوية أضعفت في

ثمرها
قال قتادة بربوة يقول نبشز من الارض قال وهذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن يقول ليس لخيره خلف كما انه ليس لخير هذه الجنة خلف على أي حال كان ان أصابها وأبل وهو المطر الشديد وان اصابها طل
قال مجاهد هو الندى
وقيل مطر صغير في القدر يدوم
قال محمد بن يزيد أي فالطل يكفيها

ثم قال جل وعز أيود احدكم أن تكون له جنة الى قوله فاحترقت
قال ابن ملكية عن عبيد بن عمير سألهم عمر عن هذه الآية وذكرها فقالوا الله أعلم فغضب عمر وقال قولوا نعلم او لانعلم قال فقال ابن عباس ان في نفسي منها شيئا فقال قل ولا تحقر نفسك قال ضرب مثلا للعمل قال أي العمل قال فقال عمر هذا رجل كان يعمل بطاعة الله فبعث اليه الشيطان فعمل بالمعاصي فأحرق الاعمال
وروي عن ابن عباس بغير هذا الاسناد هذا مثل ضربه الله للمرائين بالاعمال يبطلها الله يوم القيامة أحوج ما كانوا اليها كمثل رجل كانت له جنة وكبر وله أطفال لا ينفعونه فأصاب الجنة اعصار ريح عاصف فيها سموم شديدة فاحترقت ففقدها

أحوج ما كان اليها
وروي عن ابن عباس انه قال الاعصار الريح الشديدة
قال ابو جعفر والاعصار هي التي يسميها الناس الزوبعة
ثم قال تعالى ي ايها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم
أي تصدقوا بالجيد

وحدثنا احمد بن محمد بن سلامة قال حدثنا بكار قال حدثنا مؤمل قال حدثنا سفيان عن السدي عن ابي مالك عن البراء قال كانوا يجيئون في الصدقان بأرد ا تمرهم وأراد طعامهم فنزلت يا ايها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم الى قوله الا ان تغمضوا فيه
قال لو كان لكم فأعطاكم لم تأخذوه الا وانتم ترون أنه قد نقصكم من حقكم
قال ابو اسحاق في قوله تعالى واعلموا ان الله غني حميد أي لم يأمركم أن تصدقوا من عوز ولكنه بلا أخباركم

فهو حميد على ذلك وعلى جميع نعمه
ثم قال تعالى الشيطان يعدكم الفقر أي بالفقر يخوفكم حتى تخرجوا الردىء في الزكاة ويأمركم بالفحشاء بأن لا تتصدقوا فتعصوا وتتقاطعوا
والله يعدكم مغفرة منه وفضلا
أي بأن يجازيكم على صدقاتكم بالمغفرة والخلف
والله واسع عليم
يعطي من سعة ويعلم حيث يضع ذلك ويعلم الغيب والشهادة
ثم قال تعالى يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا

روى علي بن ابي طلحة عن ابن عباس ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا قال المعرفة بالقرآن ناسخة ومنسوخة ومحكمة ومتشابهة ومقدمة ومؤخرة وحلاله وحرامه وأمثاله
قال مجاهد العقل والعفة والاصابة في القول
وقال زيد بن أسلم الحكمة العقل في دين الله
وقال الضحاك الحكمة القرآن
وقال قتادة الفهم
قلت وهذه الاقوال متفقة وأصل الحكمة ما يمتنع به من السفه فقيل للعلم حكمة لانه به يمتنع وبه يعلم الامتناع من السفه وهو كل فعل قبيح وكذا القرآن والعقل والفهم
وقال ابراهيم النخعي الفهم في القرآن

ثم قال تعالى وما يذكر الا أولو الالباب
أي ومل يفكر فكرا يذكر به ما قص من الآيات الا ذوو العقول ومن فهم الله عز و جل أمره ونهيه
ثم قال عز و جل وما انفقتم من نفقة
قال ابو اسحاق أي في فرض لانه ذكر صدقة الزكاة
أو نذرتم من نذر

كل ما نوى الانسان أن يتطوع به فهو نذر
وقيل المعنى ما انفقتم من نفقة من غير نذر او انذرتم ثم عقدتم على أنفسكم أنفاقه فإن الله يعلمه أي لا يخفى عليه فهو يجازي به
قال مجاهد يعلمه أي يحصيه
ثم قال تعالى أن تبدوا الصدقات
أي تظهروها
وفي الحديث صدقة السر تطفىء غضب الرب
وقيل كان في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فاما اليوم فالناس يسيئون الظن

قال الحسن اظهار الزكاة أحسن واخفاء التطوع أفضل لانه أدل على انه يراد الله عز و جل به وحده
وقال الضحاك كان هذا يعمل به الذين ينفقون أموالهم باليل والنهار سرا وعلانية فلما نزلت برأءة بفريضة الصدقة وتفصيلها انتهت الصدقة اليه

وقوله جل وعز ليس عليك هداهم
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس كانوا يكرهون أن يتصدقوا على اقربائهم من المشركين فرخص لهم في ذلك فنزلت ليس عليك هداهم الى آخر الآي
وقوله عز و جل للفقراء الذين احصروا في سبيل الله
قال مجاهد يعني مهاجري قريش الذين كانوا بالمدينة
وقال غيره معنى أحصروا في سبيل الله منعهم فرض الجهاد من التصرف
وقيل شغلهم عدوهم بالقتال عن التصرف
قال ابو جعفر واللغة توجب ان أحصروا من المرض الا انه يجوز ان يكون المعنى صودفوا على هذه الحال

ثم قال تعالى لا يستطعون ضربا في الارض
قيل قد الزموا انفسهم الجهاد كما يقال لا أستطيع أن أعصيك أي قد ألزمت نفسي طاعتك
ثم قال تعالى يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف
ليس الجهل ها هنا ضد العقل وانما هو ضد الخبرة
ثم قال تعالى تعرفهم بسيماهم لا يسالون الناس الحافا
يقال الحف في المسألة أخفى والح بمعنى واحد

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم من سال وله أربعون درهما خقد ألحف
قال ابو اسحاق معناه فقد شمل بالمسالة ومنه اشتق الحاف قال ومعنى لا يسالون الناس الحافا لا يكون منهم سؤال فيكون الحاف كما قالي الشاعر ... على لا حب لا يهتدى بمنارة ... اذا سافه العود النباطي جرجرا ...
أي ليس به منار فيهتدى به
وقوله عز و جل الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار

حدثنا احمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا عبد الوهاب بن مجاهد عن ابيه عن ابن عباس في قوله الذين ينفقون اموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية قال نزلت في علي بن ابي طالب رضوان الله عليه كانت معه أربعة دراهم فأنفق بالليل درهما وبالنهار درهما وسرا درهما وعلانية درهما
وقوله عز و جل الذين ياكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس
المعنى الذين ياكلون الربا في الدنيا لا يقومون في الاخرة الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس

قال قتادة أي الجنون
وقال غيره هذا علامة لهم يوم القيامة يخرج الناس من قبورهم مسرعين كما قال تعالى يخرجون من الاجداث سراعا الا اكلة الربا فانهم يقومون ويسقطون أربى الله الربا في بطونهم يوم القيامة حتى ثقلهم منهم ينهضون ويسقطون ويريدون الاسراع فلا يقدرون

ثم قال تعالى فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى
قال سفيان يعني القرآن
ومعنى فله ما سلف مغفور له
ثم قال تعالى وامره الى الله
قال ابو اسحاق أي الله جل وعز وليه
قال غيره وامره الى الله في عصمته وتوفيقه ان شاء عصمه عن اكله وان شاء خذله عن ذلك
وقال بعض أهل التفسير وأمره الى الله في المستقبل

وهذا قول حسن بين أي وأمره الى الله في المستقبل ان شاء ثبته على التحريم وان شاء اباحه
ثم قال تعالى ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون قال سفيان من عاد فعمل بالربا حتى يموت
وقال غيره من عاد فقال انما البيع مثل الربا فقد كفر
وقوله جل وعز يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وذروا مابقى من الربا
قال مجاهد كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول لك كذا وكذا وتؤخر عني فيؤخر عنه ويزيده

وقوله جل وعز فان لم تفعلوا فادنوا بحرب من الله ورسوله
أي فا يقنوا يقال أذنت بالشيء فانا اذين به كما قال فاني اذين ان رجعت مملكا
ومعنى فآذنوا فأعملوا غيركم انكم على حربهم
ثم قال تعالى وان تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون

ثم قال الضحاك كانوا في الجاهلية يتبايعون بالربا فجاء الاسلام وقد بقيت لهم اموال فامروا ان يأخذوا رءوس أموالهم ولا يأخذوا الربا الذي كانوا أربوا به وأمروا أن يتصدقوا على من كان معسر
ثم قال جل وعز وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة
قال ابراهيم نزلت في الربا
قال الربيع بن خيثم هي لكل معسر ينظر
قال ابو جعفر وهذا القول الحسن لان القراءة بالرفع بمعنى وان وقع ذو عسرة من الناس أجمعين أم كان فيمن تطالبون أو تبايعون ذو عسر ة

ولو كان في الربا خاصة لكان النصب الوجه بمعنى وان كان الذي عليه الربا ذا عسر ة
على ان المعتمر قد روى عن حجاج الوراق قال في مصحف عثمان وان كان ذا عسر ة والمعنى فعليكم النظرة أي التأخير الى أن يوسر
وروى عن عطاء أنه قرأ فناظرة الى ميسرة على جهة الامر
ثم قال تعالى وان تصدقوا خير لكم ان كنتم تعلمون
قال ابرهيم أي برأس المال
قال الضحاك وأن تصدقوا من رأس المال خير من النظرة

وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال زعم ابن عباس ان اخر آية نزلت من القرآن واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله
قرىء على احمد بن شعيب عن محمد بن عقيل عن علي بن الحسين قال حدثني أبي عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله الآية انها آخر آية انزلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم
وقوله جل وعز يا ايها الذين آمنوا اذا تداينتم بدين الى أجل مسمى فاكتبوه
في معناها أقوال
منها ان هذا على الندب وليس بحتم

ومنها ان أبا نضرة روى عن أبي سعيد الخدري أنه تلا هذه الآية يا ايها الذين آمنوا اذا تداينتم بدين حتى بلغ فان أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي ائتمن امانته قال نخست هذه الآية ما قبلها
وقيل ان هذا واجب في الاجل والاشهاد في العاجل وانما الرخصة في الرهن
ويقال داينت الرجل اذا اقرضته واستقرضت منه وكذلك تداين القوم
وأدنت الرجل بعته بدين ودنت وادنت أي أخذت بدين وأنا دائن ومدان
والمدين الملك اذا دان الناس له أي سمعوا واطاعوا

ومما يسأل عنه ان يقال ما وجه بدين وقد دل تداينهم على الدين فهل تكون مداينة بغير دين
فالجواب ان العرب تقول تداينا أي تجارينا وتعاطينا الاخذ والاعطاء فجاء بدين مبينا للمعنى المقصود
وقوله جل وعز وليكتب بينكم كاتب بالعدل
قال السدي بالحق أي لا يكتب لصاحب الحق اكثر مما له ولا اقل
ثم قال تعالى ولا يأب كاتب ان يكتب كما علمه الله
قيل كما علمه الله من الكتابة بالعدل

وقيل كما فضله الله بعلم الكتابة
ثم قال تعالى فان كان الذي عليه الحق سفيها او ضعيفا او لا يستطيع ان يمل هو
قال ابن وهب أخبرني يونس انه سال ربيعة ما صفة السفيه
فقال الذي لا يثمر ماله في يدعه و لا أبتياعه و لا يمنع نفسه لذة يسقط في المال سقوط من لايعد المال شيئا الذي لا يرى له عقل في مال
وروي عن ابن عباس انه قال السفيه الجاهل با لاملاء والضعيف الاخرق
وقال ابو اسحاق السفيه الخفيف العقل ومن هذا تسفهت الريح اذا حركته واستخفته ومنه

مشين كما اهنزت رماح تسفهت ... أعاليها مر الرياح النوسم ...
وحكى غيره ان السفه كل ما يقبح فعله أي هو فعل ليس بمحكم من قولهم ثوب سفيه اذا كان متخلخلا
فأما الضعيف فهو والله اعلم الذي فيه ضعف من خرس أو هرم أو جنون
ثم قال تعالى فليملل ولية بالعدل
في معنى هذا قولان
روى سفيان عن يونس عن الحسن فليملل ولية بالعدل
قال الضحاك ولى السفيه الذي يجوز عليه أمره فهو ولية

أي يقوم بأمره بالعدل هو الذي يملي الحق
والقول الاخر عن ابن عباس ان المعنى فليملل ولي الذي هو عليه
واحتج بهذا القول من ذهب الى نفي الحجر عن الاحرار البالغين العقلاء وهو مذهب محمد بن سيرين وابراهيم النخعي
ثم قال عز و جل واستشهدوا شهيدين من رجالكم
قيل من أهل ملتكم

ثم قال تعالى ممن ترضون من الشهداء
أي ممن ترضون مذهبه
قال ابراهيم ممن لم تظهر له ريبة
ثم قال تعالى ان تضل احداهما فتذكر احداهما الاخرى
أي أن تنسى احدهما فتذكرها الاخرى
وروي عن الجحدري ان تضل أي تنسى كما يقال أنسيت كذا
فأما ما روي عن ابن عيينة من انه قال تصير شهادتهما بمنزلة شهادة الذكر فلا يعرفه أهل اللغة وهو ايضا خطأ لانه لو كان انما معناه نجعلها بمنزلة الذكر لم يحتج الى ان تضل لانها

كانت تجعلها بمنزلة الذكر ضلت او لم تضل
ولا يجوز ان تصيرها بمنزلة الذكر وقد نسيت شهادتها
واما فتح ان فنذكره في الاعراب ان شاء الله
ثم قال عز و جل ولاياب الشهداء اذا مادغوا
روى ابن نجيح عن مجاهد قال اذا دعي ليشهد وقد كان أشهد
وقال الحسن واذا ما دعوا ابتداء للشهادة ولا يأبوا اذا دعوا لاقامتها

قال ابوجعفر قيل قول الحسن أشبه لانه لو كان ذلك لهم لتويت الحقوق ولان بعده ولا تساموا ان تكتبوه صغيرا او كبيرا الى أجله أي لا تملوا ان تكتبوا الحق كان كثيرا أو قليلا كما يقال لاعطينك حقك صغر او كبر
وقال الاخفش ان تكتبوه فاضمر الشاهد قال وقال الى أجله أي الى الاجل الذي تجوز فيه شهادته و الله اعلم
هذا في كلام الاخفش نصا
قال ابو جعفر واختار محمد بن جرير قول مجاهد ان المعنى و لا ياب الشهداء اذا ما دعوا ان ذلك اذا كانت عندك شهادة فدعيت وهو قول سعيد بن جبير وعطاء وعكرمة والشعبي والنخعي

قال محمد ابن جرير لان الله قد الزمهم اسم الشهداء وانما يلزمهم اسم الشهداء اذا شهدوا على شيء قبل ذلك وغير جائز ان يقال لهم شهداء ولم يشهدوا
ولو كان ذلك لكان الناس كلهم شهداء بمعنى انهم يشهدون فصار المعنى اذا مادعوا ليؤدوا الشهادة وايضا فدخول الالف واللام يدل على ان المعني بالنهي شخص معلوم
ثم قال تعالى ذلكم اقسط عند الله وأقوم للشهادة
قال سفيان معناه أعدل ثم قال وأقوم الشهادة أي أثبت لان الكتاب يذكر الشاهد ما شهد عليه
ثم قال تعالى وأدنى الا ترتابوا

أي لا تشكوا
ثم رخص في ترك الكتابة فيما يجري بين الناس كثيرا فقال تعالى الا ان تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم
وقوله جل وعز ولا يضار كاتب ولا شهيد
فيه أقوال
منها أن المعنى على قول عطاء لايمتنعا اذا دعيا
كما روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال كان عمر يقرأ ولا يضارر كاتب ولا شهيد
وقال طاووس لا يضارر كاتب فيكتب ما لم يملل

عليه
وقال الحسن ولا يضارر الشهيد أن يزيد في شهادته
وروي عن ابن عباس ومجاهد ولا يضار كاتب ولا شهيد قالا نهي ان يجاء الى الشاهد والكاتب فيدعيا الى الكتابة والشهادة وهما مشغولان فيضارا فيقال قد أمركما الله الا تمتنعا وهو مستغن عنهما

والتقدير على هذا القول ولا يضارر وكذا قرأ ابن مسعود
فنهى الله جل وعز عن هذا لانه لو أطلقه لكان فيه شغل عن أمر دينهما ومعاشهما
ثم قال جل وعز وان تفعلوا فانه فسوق بكم
قال سفيان فانه فسوق بكم قال معصية
ثم قال تعالى وان كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة
وقرأ ابن عباس كتابا
وقال قد يوجد الكاتب ولا توجد الصحيفة
وكذا قرأ أبو العالية وعكرمة والضحاك ومجاهد

وقيل ان كتابا جمع كاتب كما يقال قايم وقيام
وقيل هما بمنزلة اثنين
ثم قال تعالى فرهان مقبوضة
قرىء فرهن مقبوضة رهن جميع رهان ويجوز ان يكون جمع رهن مثل سقف وسقف
وقوله عز و جل وان تبدوا ما في انفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله
فيها أقوال
روي عن ابن مسعود وأبي هريرة وابن عباس أنها منسوخة بقوله تعالى لا يكلف الله نفسا الا وسعها
الا ان علي بن ابي طلحة روى عن ابن عباس انه قال لم تنسخ ولكن اذا جمع الله الخلائق يقول اني أخبركم بما كنتم في

أنفسكم فاما المؤمنون فيخبرهم ثم يغفر لهم
وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب فذلك قوله عز و جل يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء
وهو قول جل وعز ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم من الشك والنفاق
وحدثنا احمد بن شعيب قال أخبرنا محمود بن غيلان قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن آدم بن سليمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية وان تبدوا ما في أنفسكم او تخفوه يحاسبكم به الله دخل قلوبهم منها شيء لم يدخلها من قبل فقال النبي قولوا سمعنا و أطعنا وسلمنا فألقى الله الايمان في قلوبهم فأنزل الله عز و جل آمن الرسول بما انزل اليه من ربه الآية وأنزل لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا قال قد فعلت ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا

قال قد فعلت ربنا و لاتحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين قال قد فعلت
وروى اسماعيل بن ابي خالد عن الشعبي قال نسختها الآية التي بعدها لا يكلف الله نفسا الا وسعها
وروى مقسم عن ابن عباس نزلت في الشهادة أي في

اظهارها وكتمانها
وقال مجاهد هذا في الشك واليقين
وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أمية انها سالت عائشة عن هذه الآية وان تبدوا ما في انفسكم او تخفوه يحاسبكم به الله وسألتها عن هذه الآية من يعمل سوءا يجزبه فقالت عائشة ما سألني عنهما أحد منذ سألت رسول اله صلى الله عليه و سلم فقال يا عائشة هذه معاتبة الله العبد بما يصيبه من الحمى والنكبة والشوكة حتى البضاعة يضعها في كمه فيفقدها فيفزع لها فيجدها في ضبنه حتى ان المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الاحمر من الكير

وقال الضاحك يعلمه الله يوم القيامة بما كان يسره ليعلم أنه لم يخف عليه
وقيل لا يكون في هذا نسخ لانه خبر ولكن يبينه ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم
فالمعنى والله اعلم وان تبدوا ما في انفسكم او تخفوه من الكبائر والذي رواه علي بن ابي طلحة عن ابن عباس حسن والله اعلم بما اراد
فأما ما روي عن ابن عباس من النسخ فمما يجب ان يوقف على تأويله اذ كانت الاخبار لا يقع فيها ناسخ ولا منسوخ

فان صح فتاويله ان الثاني مثل الاول كما تقول نسخت هذا من هذا
وقيل فيه قول أخر يكون معناه فأزيل ما خالط قلوبهم من ذلك وبين
وقوله جل وعز كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله
أي كلهم آمن بالله
وقرأ ابن عباس وكتابه وقال كتاب أكثر من كتب يذهب الى انه اسم للجنس
وقوله جل وعز لا نفرق بين احد من رسله
روي عن ابن مسعود وابن عباس ويحيى بن يعمر أنهم

قرءوا لا يفرق بمعنى كل لا يفرق أي لا يفرق الرسول والمؤمنون بين احد من رسله
ومن قرأ بالنون فالمعنى عنده قالوا لا نفرق بين احد من رسله أي لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض
ويدل على النون ربنا
ثم قال تعالى وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير
ومعنى غفرانك اغفر لنا غفرانا
وقوله جل وعز لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما إلنسبت

وسمعها أي طاقتها أي لا يكلفها فرضا من الفروض لا تطيقه
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت
قال محمد بن كعب لها ما كسبت من الخير وعليها ما اكتسبت من الشر
وقال غيره معناه لا يؤاخذ احد بذنب احد
وقوله جل وعز ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او أخطأنا
قال قطرب النسيان ههنا الترك كقول الرجل للرجل لا تنسني من عطيتك أي تتركني منها

قال او أخطانا أي خطئنا واذنبنا ليس على الخطأ
قال ابو جعفر الذي قال قطرب في نسينا معروف في اللغة قال عز و جل نسو الله فنسيهم
وقد يجوز ان يكون من النسيان لان النسيان قد يكون سببه الاقبال على ما لا يحل حتى يقع النسيان
والذي قال في أخطأنا لا يعرفه أهل اللغة لانه انما يقال خطينا أي تعمدنا الذنب وأخطأنا اذا لم نتعمده فلا يكون أحدهما بمعنى ألاخر و لا يكون معنى أخطأنا دخلنا في الخطيئة كما يقال أظلمنا وأصبحنا وأنجدنا
وقوله جل وعز ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا

قال مجاهد الاصر العهد
قال سعيد بن حبير الاصر شدة العمل وما غلظ على بني اسرائيل من البول ونحوه
وروي عن النبي قال ان الله تجاوز لامتي عما حدثت به انفسها ما لم تعمل به أو تكلم به
قال الضحاك كانوا يحملون أمور ا شدادا
قال مالك الاصر الامر الغليظ
قال ابو عبيدة الاصر الثقل

قال ابو جعفر وهذه الاقوال ترجع الى معنى واحد أي لا تأخذ عهدنا بما لا نقوم به الا بثقل أي لا تحمل علينا اثم العهد كما قال تعالى وأخذتم على ذلكم اصري وما امروا به فهو بمنزلة ما اخذ عهدهم به ومعنى ما تأصرني على فلان آصرة أي ما يعطفني عليه عهد ولا قرابة
وقوله جل وعز ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به
معنى ما لاطاقة لنا به ما يثقل نحو لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة كما يقال لا اطيق مجالسة فلان أي ذلك يثقل علي
والاصر ثقل العهد والفرض وما لا طاقة لنا به ما يقل بالاضافة وقد يجوز ان يخف على غيرنا

ثم قال جل وعز واعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين
واعف عنا أمي إمح عنا نوبنا والعافي الدارس الممحي والعافية دروس البلاء
واغفر لنا أي غط على عقوبتنا واسترها
وقيل أي امح عنا ذنوبنا
انت مولانا أي ولينا وناصرنا وقال لبيد ... فغدت كلا الفرجين تحسب انه ... مولى المخافة خلفها وأمامها ...
تمت سورة البقرة


تفسير سورة آل عمران مدنية وآياتها مائتا آية

سورة آل عمران
قال ابن عباس نزلت بالمدينة
من ذلك قوله عز و جل الم الله لا اله الا هو الحي القيوم
روي عن ابن عباس الحي الذي لا يموت و القيوم الذي لا يزول
قال مجاهد القيوم القائم على كل شيء أي القائم على تدبير كل شيء من رزق وحياة وموت
وقد شرحناه باكثر من هذا ومعنى الم في سورة البقرة

حدثنا احمد بن شعيب قال أخبرني عمران بن بكار قال حدثنا ابراهيم بن العلاء قال حدثنا شعيب بن اسحاق قال حدثنا هارون عن محمد بن عمرو بن علقمة عن يحيى بن عبد الرحمن عن أبيه عن عمر بن الخطاب أنه صلى صلاة العشاء فاستفتح آل عمران فقرأ الم الله لا اله الا هو الحي القيوم فقرأ في ركعة بمائة آية وفي الثانية بالمائة الباقية
وسنذكر الاصل في الاعراب ان شاء الله
ثم قال تعالى نزل عليك الكتاب بالحق
قال ابن كيسان فيه وجهان أي الزمك ذلك باستحقاقه اياه عليك وعلى خلقه
قال ويكون بالحق أي بما حق في كتبه من انزاله عليك

وكان هذا أوضح لقوله مصدقا أي في حال تصديقه لما قبله من الكتب وما عبد الله به خلقه من طاعته
قال مجاهد لما بين يديه لما قبله من كتاب أو رسول
ثم قال تعالى وأنزل التوراة والانجيل منقبل هدى للناس
أي من قبل القرآن
والتوراة من ورى ووريت فقيل توراة أي ضياء ونور
قال البصريون توراة أصلها فوعلة مثل حوقلة

ومصدر فوعلت فوعلة والاصل عندهم وورية فقلبت الواو الاولى تاء كما قلبت في تولج وهو فوعل من ولجت
وفي قولهم تالله وقلبت الياء اخيرة الفا لتحركها وانفتاح ما قبلها
وقال الكوفيون توراة يصلح ان تكون تفعلة وتفعلة قلبت الى تفعلة ولا يجوز عند البصرين في توقيه توقوة ولا يكاد يوجد في الكلام تفعلة الا شاذا
وانجيل من نجلت الشيء أي أخرجته فانجيل خرج به دارس من الحق ومنه قيل لواحد الرجل نجله كما قال

الى معشر لم يورث اللؤم جدهم ... اصاغرهم وكل فحل له نجل ...
قال ابن كيسان انجيل افعيل من النجل ويقال نجلة أبوه أي جاء به ويقال نجلت الكلاء بالمنجل وعين نجلاء واسعة وكذا طعنة نجلاء وجمع الانجيل أناجيل وجمع التوراة توار
ثم قال تعالى وانزل الفرقان أي الفارق بين الحق والباطل
كما قال بعض المفسرين كل كتاب له فرقان
والله عزيز أي ذل له كل شيء بأثر صنعته فيه
ذو انتقام أي ممن كفر به

ثم قال تعالى هو الذي يصوركم في الارحام كيف يشاء
أي من احسن وقبح وتمام ونقصان وله في كل ذلك حكمة
وقوله جل وعز هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات
روي عن ابن عباس المحكمات الثلاث الآيات قل تعالوا أتل ما حرم ربكم الى ثلاث آيات والتي في بني اسرائيل وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه
قال والمتشابه ما تشابه عليهم نحو الم والمر
وقال يحيى بن يعمر المحكمات الفرائض والامر والنهي وهن عماد الدين وعماد كل شيء أمة

وقال مجاهد وعكرمة نحوا من هذا قالا ما فيه من الحلال والحرام وما سوى ذلك فهو متشابه يصدق بعضه بعضا
وقال قتادة نحوه قال المحكم ما يعمل به
وقال الضحاك المحكمات الناسخات والمتشابهات المنسوخات
وقال ابن عباس كل من عند ربنا يعني ما نسخ وما لم ينسخ
قال ابن كيسان احكامها بيانها وايضاحها وقد يكون ايجابها والزامها وقد يكون انها لا تحتمل الا معاني الفاظها ولا يضل أحد في تاويلها
ويجمع ذلك ان كل محكم تام الصنعة وقد يكون الاحكام ها هنا المنع من احتمال التأويلات ومنه سميت حكمة الدابة

لمنعها اياها
قال متشابهات يحتمل ان يشبه اللفظ اللفظ ويختلف المعنى او يشتبه المعنيان ويختلف اللفظ او يشتيه الفعل من الامر والنهي فيكون هذا نحو الناسخ والمنسوخ
وقيل المتشابهات ما كان نحو قوله تعالى ثلاثة قروء
وأجمع هذه الاقوال ان المحكم ما كان قائما بنفسه لا يحتاج الى استدلال والمتشابه ما لم يقم بنفسه واحتاج الى استدلال
وقال الله عز و جل منه ايات محكمات وقد قال كتاب أحكمت آياته وقال واخر متشابهات وقد قال كتابا متشابها فالجواب ان معنى احكمت آياته جعلت كاها محكمة ثم فصلت فكان بعضها أم

الكتاب وليس قوله منه آيات محكمات بمزيل الحكمة عن المتشابهات وكذا كتابا متشابها وليس قوله واخر متشابهات بمزيل عن المحكمات ان تكون متشابهات في باب الحكمة بل جملته اذا كان محكما لاحقة لجميع ما فصل منه وكتابا متشابها أي متشابها في الحكمة لا يختلف بعضه مع بعض كما قال تعالى ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا
وقد بينا معنى ومنه آيات محكمات بأقاويل العلماء فيه
وهذا معنى قول ابن عباس انها ما أوجب الله على عباده من أحكامه اللازمة التي لم يلحقها تغير ولا تبديل
وقد يكون المحكم ما كان خبرا لانه لا يلحقه نسخ والمتشابه الناسخ والمنسوخ لانهم لا يعلمون منتهى ما يصيرون اليه

منه وفي كل ذلك حكمة وبعضه يشبه بعصا في الحكمة
وقال تعالى هن ام الكتاب ولم يقل امهات
قال الاخفش هذا حكاية
قال الفراء هن ام الكتاب لان معناهن شيء واحد
قال ابن كيسان وأحسب الاخفش اراد هذا أي هن الشيء الذي يقال هو ام الكتاب أي كل واحدة منهن يقال لها أم الكتاب كما تقول أصحابك علي اسد ضار أي واحد كاسد ضار لانهم جروا مجرى شيء واحد في الفعل
ومنه وجعلنا ابن مريم وامه آية لان شانهما واحد

في انها جاءت به من غير ذكر وانه لااب له فلم تكن الآيةةلها الا به و لا له الا بها ولم يرد ان يفصله منها فيقول آيتين
وكذلك هن ام الكتاب انما جعاهن شيئا واحدا في الحكمة والبيان فذلك الشيء هو ام الكتاب
ثم قال تعالى فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه
روى أيوب عن ابن ابي مليكة عن عائشة عن النبي فأما الذين في قلوبهم زيغ فيبتبعون ما تشابه منه قال فاذا رايتم الذين يجادلون فيه فهم اؤلئك فاحذروهم
قال ابن عباس هم الخوارج
وقال ابو غالب قال أبو أمامة الباهلي ورأى رؤوسا

من رؤوس الخوارج فقرأ فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ثم قال هم هؤلاء فقلت يا ابا أمامة أشيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم أم شيئا قلته من رأيك فقال أني اذا لجريء يقولها ثلاثا بل سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث
قال مجاهد الزيغ الشك وابتغاء الفتنة الشبهات
وقيل افساد ذات البين
وقد ذكرنا تصرف الفتنة
والتأويل من قولهم آل الامر الى كذا

الى صار اليه وأولته تأويلا صيرته اليه
قيل الفرق بين التأويل والتفسير ان التفسير نحو قول العلماء الريب الشك والتاويل نحو قول ابن عباس الجد أب وتامل قول الله يابني آدم
ثم قال تعالى وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به
في هذه الآية اختلاف كثير
منه ان التمام عند قوله لا الله وهذا قول الكسائي والاخفش والفراء وابي عبيدة وابي حاتم
ويحتج في ذلك بما روى طاووس عن ابن عباس انه قرأ وما يعلم تأويله الا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به

وقال عمر بن عبد العزيز انتهى علم الراسخين في العلم الى ان قالوا آمنا به
قال ابن كيسان التاويل في كلام العرب ما يؤول اليه معنى الكلام فتاويله ما يرجع اليه معناه وما يستقر عليه الامر في ذلك المشتيه هل ينجح ام لا فالكلام عندي منقطع على هذا
والمعنى والثابتون في العم المنتهون الى ما يحاط به منه مما اباح الله خلقه بلوغة يقولون آمنا به على التسليم والتصديق به وان لم ينتهوا الى علم ما يوؤل اليه أمره
ودل على هذا كل من عند ربنا أي المحكم والمتشابه فلو كان كله عندهم سواء لكان كله محكما ولم ينسب شيء منه ألى المتشابه

قال ابو جعفر وهذا قول حسن واكنه على قول من قال المحكم الذي لا ينسخ نحو الاخبار ودعاء العباد الى التوحيد والمتشابه ما يحتمل النسخ من الفرائض لم يكن الى العباد علم تاويله وما يثبت عليه
ومن جعل تأويله بمعنى تفسيره لانه ما يؤول اليه معنى الكلام فالراسخون في العلم عنده يعلمون تأويله
كما روى ابن نجيج عن مجاهد الراسخون في العلم يعلمون تأويله يقولون آمنا به
قال مجاهد قال ابن عباس أنا ممن يعلم تأويله

قال ابو جعفر والقول الاول وان كان حسنا فهذا أبين منه لان واو العطف الاولى بها ان تدخل الثاني فيما دخل فيه الاول حتى يقع دليل بخلافة
وقد مدح الله عز و جل الراسخين بثباتهم في العلم فدل على انهم يعلمون تأويله
وقد قال جل وعز أفلا يتدبرون القرآن
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم انه دعا لابن عباس فقال
اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل

وقال ابو اسحاق معنى ابتغائهم تأويله انهم طلبوا تأويل بعثهم واحيائهم فاعلم الله عز و جل ان تأويل ذلك ووقته لا يعلمه الا الله
قال والدليل على ذلك قوله هل ينظرون الا تأويله يوم ياتي تأويله أي يوم يرون ما وعدوا به من البعث والنشور والعذاب يقول الذين نسوه أي تركوه قد جاء ت رسل ربنا بالحق أي قد رأينا تأويل ما انبأتنا به الرسل
قال والوقف التام وما يعلم تأويله الا الله أي يعلم احد متى البعث غير الله
وقوله جل وعز ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا
أي لا تبتلينا بما نزيغ به أي يقولون هذا ويجوز ان يكون المعنى قل يا محمد

ويقال أزاغة القلب فساد وميل عن الدين او كانوا يخافون وقد هدوا ان ينقلهم الله الى الفساد
فالجواب ان يكونوا سألوا اذ هداهم الله ان لايبتليهم بما يثقل عليهم من الاعمال فيعجزوا عنه نحو ولو أنا كتبنا عليهم ان اقتلوا انفسكم
قال ابن كيسان سألوا ان لا يزيغوا فيزيغ الله قلوبهم نحو فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم أي ثبتنا على هدايتك اذ هديتنا وان لا نزيغ فنستحق ان تزيغ قلوبنا
قال وفيها جواب اخر انه جل وعز الذي من عليهم بالهداية وعرفهم ذلك فسألوه ان يدوموا على ما هم عليه وان يمدهم منه بالمعونة وان لا يلجئهم الى انفسهم وقد ابتداهم

بفضله فتزيغ قلوبهم وذلك مضاف اليه جل وعز لانه اذا تركهم ولم يتول هدايتهم ضلوا فكان سبب ذلك تخليته اياهم
قال وقول جامع القلوب لله جل وعز يصرفها كبف يشاء
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
وقوله عز و جل ربنا انك جامع الناس ليوم لا ريب فيه ان الله لا يخلف الميعاد
قال ابن كيسان لا ريب فيه أي دليله قائم في أنفس

العباد وان جحدوا به لاقرارهم بالحياة الاولى ولم يكونوا قبلها شيئا فاذا عرفوا الاعادة فهي لهم لازمة بان يقروا بها وان لا يشكوا فيها لان انشاء ما لم يكن مبين بان المنشء على الاعادة قادر
ومن حسن ما قيل فيه ان يوم القيامة لا ريب فيه لانهم اذا شاهدوه وعاينوا ما وعدوا فيه لم يجز ان يداخلهم ريب فيه
ثم قال جل وعز ان الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم و لا اولادهم من الله شيئا
وذلك ان قوما قالوا شغلتنا أموالنا واهلونا
ثم قال تعالى وأولئك هم وقود النار أي هم بمنزلة الحطب في النار

ثم قال تعالى كداب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فاخذهم الله بذنوبهم
قال الضحاك كفعل آل فرعون
قال ابو جعفر وكذلك هو في اللغة ويقال دأب يدأب اذا اجتهد في فعله فيجوز ان تكون الكاف معلقة بقوله وقود النار أي عذبوا تعذيبا كما عذب آل فرعون
وتجوز ان تكون معلقة بقوله لن تغني عنهم
ويجوز ان تكون معلقة بقوله فأخذهم الله بذنوبهم
قال ابن كيسان ويحتمل على بعد ان تكون معلقة بكذبوا ويكون في كذبوا ضمير الكافرين لا ضمير آل فرعون

قال ابو اسحاق المعنى اجتهادهم في كفرهم هو كاجتهاد آل فرعون والكاف في موضع رفع أي دابهم مثل دأب آل فرعون
ثم قال جل وعز قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم وبئس المهاد
قال ابن كيسان ستغلبون أ ي قل لهم هذا وبالياء لانهم في وقت الخطاب غيب
ويحتمل ان يكون الذين أمره ان يبلغهم غير المغلوبين
وقد قيل انه امر ان يقول لليهود سيغلب المشركون

ثم قال عز و جل قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله واخرى كافرة يرونهم مثليهم راي العين
والمعنى قد كان لكم علامة من اعلام النبي لانه أنباهم بما لم يكن
والفئة الفرقة من قولهم فأوت رأسه بالسيف وفأيته أي فلقته
قرأ ابو عبد الرحمن ترونهم مثليهم بضم التاء
وروى علي ابن ابي طلحة يرونهم بضم الياء
وروى ابن نجيح عن مجاهد في قوله جل وعز قد كان

لكم أية في فئتين التقتا
قال محمد واصحابه و مشركوا بدر
وأنكر ابو عمرو ان يقرأ ترونهم بالتاء قال ولو كان كذلك لكان مثليكم
قال ابو جعفر وذا لا يلزم ولكن يجوز ان يكون مثلي أصحابكم
قال ابن كيسان الهاء والميم في ترونهم عائدة الى وأخرى كافرة والهاء والميم في مثليهم عائدة الى فئة تقاتل في سبيل الله وهذا من الاضمار الذي يدل عليه سياق الكلام وهو قوله والله يؤيد بنصره من يشاء فدل عل ان الكافرين كانوا مثلي المسلمين في رأي العين وكانوا ثلاثة أمثالهم في العدد
قال والرؤية ها هنا لليهود

قال ومن قال يرونهم بالياء جعل الرؤية للمسلمين يرون المشركين مثلهم وكان المسلمون يوم بدر ثلثمائة واربعة عشر والمشركون تسع مائة وخمسين فاري المسلمون المشركين ضعفهم وقد وعدوهم ان الرجل منهم يغلب الرجلين من المشركين فكانت تلك آية ان يرةا الشيء على خلاف صورته كما قال تعالى واذا يريكموهم اذ التقيم في اعينكم قليلا ويقللكم في اعينهم ليقضي الله امرا كان مفعولا
قال ابو اسحاق ليؤلف بينهم على الحرب للنقمة ممن

اراد الانتقام منه والانعام على من أراد إتمام النعمة عليه من أهل ولايته
قال الفراء يحتمل مثليهم ثلاثة امثالهم
قال ابو اسحاق وهذا باب الغلط فيه غلط بين في جميع المقايس لانا أنما نعقل مثل الشيء مساويا له ونعقل مثليه ما يساوي مرتين
قال ابن كيسان الازدي كيف يقع المثلان موقع ثلاثة امثال الا اني أحسبه جعل ترونهم راجعة الى الكل ثم جعل المثلين مضافا الى نصفهم على معادلة الكافرين المؤمنين أي يرون الكل مثليهم لوكان الفريقان معتدلين

قال والراءون هاهنا اليهود وقد بين الفراء قوله بان قول كما تقول وعندك عبد أحتاج الى مثليه فأنت محتاج الى ثلاثة
وكذلك عنده اذا قلت معي درهم واحتاج الى مثليه فأنت تحتاج الى ثلاثة مثليه والدرهم لانك لا تريد ان يذهب الدرهم
والمعنى يدل على خلاف ما قال وكذلك اللغة
فانهم اذا رأوهم على هيأتهم فليس في هذه آية واللغة على خلاف هذا لانه قد عرف بالتميز معنى المثل
والذي اوقع الفرأ في هذا ان المشركين كانوا ثلاثة امثال المؤمنين يوم بدر فتوهم ان لا يجوز ان يكونوا يرونهم الا على عادتهم فتأول انك اذا قلت عندي درهم واحتاج الى مثله والدرهم بحاله فقد صرت تحتاج الى درهمين وهذا بين وليس المعنى عليه وانها اراهم الله اياهم على غير عدتهم لجهتين

احدهما انه راى الصلاح في ذلك لان المؤمنين تقوى قلوبهم بذلك
والاخرى انه آيه للنبي صلى الله عليه و سلم
وقوله جل وعز زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة
قيل لما كانت معجبة كانت كأنها قد زينت
وقيل زينها الشيطان

والقناطير المقنطرة القنطار في كلام العرب الشيء الكثير مأخوذ من عقد الشيء واحكامه والقنطرة من ذلك ومقنطرة أي مكملة كما تقول الاف مؤلفة
ثم قال جل وعز والخيل المسمومة والانعام والحرث
الخيل المسمومة قال مجاهد الحسنة
وقال سعيد بن جبير الراعية
وقال ابو عبيدة والكسائي قد تكون مسموة المعلمة
قال ابو جعفر قول مجاهد حسن من قولهم رجل وسيم
وقول سعيد بن جبير لا يمتنع من قولهم سامت تسوم وأسمتها وسومتها أي رعيتها وقد تكون راعية حسانا معلمة لتعرف من غيرها وقال ابو زيد أصل ذلك أن تجعل عليها صوفة

او علامة تخالف سائر جسدها لتبين من غيرها في المرعى
والانعام الابل والبقر والغنم والحرث الزرع
وقوله تعالى والله عنده حسن المآب أي المرجع
ثم قال عز و جل للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها وازواج مطهرة
وازواج مطهرة أي من الادناس والحيض
ثم قال تعالى الصابرين والصادقين والقانتين و المنفقين والمستغفرين بالاسحار
قيل الصابرون الصائمون ويقال في شهر رمضان شهر الصبر
والصحيح ان الصابر هو الذي يصبر عن المعاصي

والقانتون لله المصلون والنفقون المتصدقون
ثم قال جل وعز شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة وأولو العلم
قال ابو عبيدة شهد معناه قضى أي أعلم
قال ابو جعفر قال ابو اسحاق وحقيقة هذا ان الشاهد هو الذي يعلم الشيء ويبنيه فقد دلنا الله عز و جل بما خلق وبين على وحدانيته
وقرأ الكسائي بفتح أن في قوله انه لا اله الا هو وفي قوله سبحانه ان الدين عند الله الاسلام

قال ابو العباس محمد بن يزيد التقدير على هذه القرأءة ان الدين عند الله الاسلام بانه لا اله الا هو ثم حذفت الباء وانشد سيبويه ... أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ... فقد تركتك ذا مال وذا نشب ...
المعنى أي امرتك بالخير
قال الكسائي انصبهما جميعا بمعنى شهد الله انه كذا وان الدين عند الله الاسلام ويكون ايضا بمعنى شهد الله انه لا اله الا هو ان الدين عند الله الاسلام
قال ابن كيسان ان الثانية بدل من الاولى لان الاسلام تفسيره المعنى الذي هو التوحيد
وقرأ ابن عباس فيما حكى الكسائي شهد الله انه لا اله

الا هو
وقرأ ان الدين عند الله الاسلام والتقدير على هذه القرأة شهد الله ان الدين الاسلام ثم ابتدأ فقال انه لا اله الا هو
وروي عن محارب ابن دثار عن عمه ابي المهلب انه قرأ وكان قارئا شهداء لله
وقوله تعالى قائما بالقسط يعني بالعدل
ثم قال جل وعز ان الدين عند الله الاسلام
الاسلام في اللغة الخضوع والانقياد ومنه استسلم الرجل
فمعنى اسلم خضع وقبل ما جاء به محمد صلى الله عليه و سلم

وروى ابن عمرو عن النبي انه قال بني الاسلام على خمس شهادة ان لااله الا الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وحج البيت وصوم شهر رمضان
وقوله عز و جل ومن يكفر بآيات الله فأن الله سريع الحساب
في الآية قولان
أحدهما ان المعنى ان الحساب قريب كما قال تعالى وما امر الساعة الا كلمح البصر او هو أقرب
والقول الاخر ان محاسبته سريعة لانه عالم بما عمل عباده لا يحتاج ان يفكر في شيء منه

وقوله عز و جل فان حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن
أمره الله ان يحتج عليهم بأنه متبع أمر من هم مقرون به لانهم مقرون بان اله عز و جل خالقهم فأمروا أن يعبدوا من خلقهم وحده
ومعنى أسلمت وجهي لله أسلمت نفسي لله كما قال تعالى ويبقى وجه ربك أي ويبقى ربك
وقوله عز و جل وقل للذين اوتوا الكتاب والاميين

الذين اوتوا الكتاب اليهود والانصارى والاميون مشركو العرب كأنهم نسبوا الى الام لانهم بمنزلة المولود في انهم لا يكتبون
وقيل هم منسبون الى ام القرى وهي مكة
وقوله عز و جل أأسلمتم قيل معناه أسلموا وحقيقته أنه على التهديد كما تقول للرجل أأفلت مني
ثم قال تعالى فان اسلموا فقد اهتدوا وان تولوا فانما عليك البلاغ
ونسخ هذا بالامر بالقتال

ثم قال تعالى والله بصير بالعباد أي بصير بما يقطع عذرهم
وقوله عز و جل ان الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب اليم
قال معقل بن ابي مسكين كانت الانبياء صلوات الله عليهم تجيء الى بني اسرائيل بغير كتاب فيقتلونهم فيقوم قوم ممن اتبعهم فيأمرون بالقسط أي بالعدل فيقتلون
فان قال قائل الذين وعظوا بهذا لم يقتلوا نبيا
فالجواب عن هذا انهم رضوا فعل من قتل فكانوا بمنزلته وأيضا فإنهم قاتلوا النبي وأصحابه وهموا بقتلهم كما

قال عز و جل واذا يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك
ثم قال الله عز و جل الم تر الى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب
أي حظا وافرا يدعون الى كتاب الله ليحكم بينهم
وقرأ ابو جعفر يزيد بن القعقاع ليحكم بينهم و القراءة الاولى أحسن كقوله هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق

وقوله عز و جل ذلك بانهم قالوا لن تمسنا النار الا أياما معدودات
روي أنهم قالوا انما نعذب اربعين يوما وهي الايام التي عبد فيها آباونا العجل فأخبر الله عز و جل ان هذا افتراء منهم وكذب فقال تعالى وغرهم قي دينهم ما كانوا يفترون أي يختلفون من الكذب كأنهم يسوون ما لم يكن من فريت الشيء قال زهير ... و لانت تفري ما خلقت ... وبعض القوم يخلق ثم لايفري ...
وقوله عز و جل فكيف اذا جمعنا هم ليوم لا ريب فيه

في الكلام حذف
والمعنى فكيف يكون حالهم اذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه أبي لاشك فيه انه كائن
وقوله عز و جل قل اللهم مالك الملك توتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء
قيل الملك ها هنا النبوة
وقيل هو المال والعبيد
وقيل هو الغلبة
وقال قتادة بلغني ان النبي سأل الله عز و جل ان يعطي أمته ملك فارس فأنزل الله عز و جل هذه الآية

ومعنى تؤتى الملك من تشاء أي من تشاء ان توتيه وتنزع الملك ممن تشاء أي ممن تشاء ان تزعه منه ثم حذف هذا وأنشد سيبويه ... ألاهل لهذا الدهر من متعلعل ... على الناس مهما شاء بالناس يفعل ...
قال ابو اسحاق المعنى مهما شاء ان يفعل بالناس يفعل
وقوله عز و جل وتعز من تشاء وتذل من تشاء
يقال عز اذا غلب وذل يذل ذلا اذا غلب وقهر قال طرفة ... بطيء على الجلى سريع الى الخنا ... ذليل بأجماع الرجال ملهد

وقوله عز و جل تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل 3 قال عبد الله ابن مسعود هو قصره في الشتاء والصيف فالمعنى على هذا
تنقص من الليل وتدخل النقصان في النهار وتنقص من النهار وتدخل النقصان في الليل
يقال ولج يلج و لوجا ولجة اذا دخل قال الراجز
متخذا في ضعوات تولجا

وقوله عز و جل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي
قال سلمان أي تخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن
قال عبد الله بن مسعود وسعيد بن جبير ومجاهد والضحاك وهذا معنى قولهم تخرج النطفة وهي ميتة من الرجل وهو حي وتخرج الرجل وهو حي من النطفة وهي ميتة

ثم قال تعالى وترزق من تشاء بغير حساب
أي يغير تضيق و لا تقتير كما تقول فلان يعطي بغير حساب كانه لا يحسب ما يعطي
وقوله عز و جل لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين
أي لا يتولوهم في الدنيا لان المنافقين اظهروا الايمان وعاضدوا الكفار فقال الله عز و جل ومن يتولهم منكم فانه منهم
وقال ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء الا ان تتقوا منهم تقاة

قال ابن عباس هو ان يتكلم بلسانه ولا يقتل ولا ياتي إنما ويكون قلبه مطمئنا بالايمان
وقرأ جابر بن زيد ومجاهد وحميد والضحاك الا ان تتقوا منهم تقية
وقال الضحاك التقية باللسان والمعنى عند اكثر أهل اللغة واحد
وروى عوف عن الحسن قال التقية جائزة للمسلم الى يوم القيامة غير انه لايجعل في القتل تقية
ومعنى فليس من الله شيء فليس من حزب الله
وحكى سيبويه هو منى فرسخين أي من أصحابي
ومعنى من دون المؤمنين من مكان دون مكان

المؤمنين وهو مكان الكافرين
ويحذركم الله نفسه والله روؤف بالعباد
أي يحذركم أياه
وقوله تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله
والمحبة في كلام العرب على ضروب منها الحبة في الذات والمحبة من الله لعباده المغفرة والرحمة والثناء عليها والمحبة من عباده له القصد لطاعته والرضا لشرائعه
وقوله تعالى قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فان الله لا يحب الكافرين
المعنى لا يحبهم ثم أعاد الذكر وكذلك فان الله ولم يقل فانه والعرب اذا عظمت الشيء أعادت ذكره وانشد سيبويه

لا أرى الموت يسبق الموت شيء ... نغص الموت ذا الغنى والفقيرا ...
وقوله عز و جل ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين
قال أهل التفسير المعنى على عالم أهل زمانهم ومعنى اصطفى اختار وهذا تمثيل لان الشيء الصافي هو النقي من الكدر فصفوة الله عز و جل هم الانقياء من الدنس ذوو الخير والفضل
وقوله عز و جل اذ قالت امرأة عمران رب اني نذرت لك ما في بطني محررا
روى حفيص عن مجاهد وعكرمة ات المحرر الخالص لله

عز و جل لا يشوبه شيء من امر الدنيا
وهذا معروف في اللغة ان يقال لكل ما خلص حر
ومحرر بمعناه قال ذو الرمة ... والقرط في حرة الذفرى معلقة ... تباعد الحبل منه فهو يضطرب ...
وقوله عز و جل فلما وضعتها قالت رب اني وضعتها انثى
قال ابن عباس انما قالت هذا لانه لم يكن يقبل في النذر الا الذكور فقبل الله مريم

ثم قال تعالى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالانثى
في الكلام تقديم وتأخير والمعنى قالت ربي اني وضعتها انثى ولبس الذكر كالانثى فقال الله عز و جل والله اعلم بما وضعت
وقرأ أبو الرجاء وابراهيم النخعي وعاصم والله اعلم بما وضعت
فعلى هذه القراءة ليس في الكلام تقديم ولا تأخير
وقوله تعالى وكفلها زكريا
قال قتادة كانت مريم بنت عمران امامهم وسيدهم

فقارعوا عليها سهامهم فخرج سهم زكريا فكفلها أي ضمها اليه
وفي الحديث كافل اليتيم له كذا
وقال الحسن قبلها وتحملها
وقال ابو عبيدة معنى كفلها ضمها او ضمن القيام بها
وقوله تعالى كاما دخل عليها زكريا الحراب وجد عندها رزقا
المحراب في اللغة المكان العالي ويستعمل لاشرف المواضع وان لم يكن عاليا الا انه روي ان زكريا كان يصعد اليها بسلم

ومعنى وجد عندها رزقا على قول مجاهد وجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء
وقوله تعالى قال يا مريم انى لك هذا
قال ابو عبيدة المعنى من اين لك
وهذا القول فيه تساهل لان أين سؤال عن المواضع وأنى سؤال عن المذاهب والجهات والمعنى من أي المذاهب ومن أي الجهات لك هذا وقد فرق الكميت بينهما فقال ... أنى ومن أين آبك الطرب ... من حيث لاصبوة ولا ريب

قالت هو من عند الله من قبل الله
ان الله يرزق من يشاء بغير حساب أي بغير تقتير
وقوله تعالى فنادته الملائكة
روي أن جبريل هو الذي ناده وحده
وهذا لا يمتنع في اللغة كما تقول ركب فلان السفن وانما ركب سفينة واحدة أي ركب هذا الجنس
وقوله تعالى مصدقا بكلمة من الله
قال ابن عباس صدق بعيسى
وقال الضحاك بشر بعيسى
ومعنى بشرته أظهرت في بشرته السرور

فان قيل فما تسميه عيسى بالكلمة ففي هذا اقوال
أحدهما انه لما قال الله عز و جل كن فكان سماه بالكلمة فالمعنى على هذا ذو كلمة الله كما قال تعالى واسأل القرية
وقيل سمي بهذا كما يقال عبد الله وألقاها على اللفظ
وقيل لما كانت الانبياء قد بشرت به وأعلمت انه يكون من غير فحل وبشر الله مريم به كما قال انما انا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا فلما ولدته على الصفة التي وصف بها

قال الله عز و جل هذه كلمتي كما تخبر الرجل بالشيء أو تعده به فاذا كان قلت هذا مولي وهذا كلامي
والعرب تسمي الكلام الكثير والكلمة الواحدة كلمة كما روي ان الحويدرة ذكر لحسان فقال لعن الله كلمته تلك يعني قصيدته
وقيل سمي كلمة لان الناس يهتدون به كما يهتدون بالكلمة
وقوله تعالى وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين
قال سعيد بن جبير والضحاك السيد الحليم

وقيل الرئيس
وروى يحيى بن سعيد الانصاري عن سعيد بن المسيب انه قرأ وسيدا وحصورا فأخذ من الارض شيئا ثم قال الحصور الذي لا يأتي النساء

يقال حصر اذا منع ف حصور بمعنى محصور وكانه منع مما يكون في الرجال
وفعول بمعنى مفعول كثير في كلام العرب من ذلك حلوب بمعنى محلوبة قال الشاعر ... فيها اثنثان واربعون حلوبة ... سواد كخافيه الغراب الاسحم ...
ويقال حصرت الرجل اذا حسبته واحصر المرض اذا منعه من السير والحصير من هذا سمي لان بعضة حبس على بعض
وقيل هو الحابس نفسه عن معاصي الله عز و جل

وقال ابن عباس الذي لا ينزل
وقوله تعالى قال رب انى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامراتي عاقرا
يقال كيف استنكر هذا وهو نبي يعلم ان الله يفعل ما يريد
ففي هذا جوابان
احدهما ان المعنى بأي منزلة استوجبت هذا على التواضع لله
وكذلك قيل في قول مريم أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر
والجواب الاخر ان زكريا أراد ان يعلم هل يرد شابا وهل ترد امراته وهل يرزقهما الله ولدا من غير رد او من غيرها
فأعلم الله عز و جل انه يرزقهما ولدا من غير رد فقال

عز و جل كذلك يفعل الله ما يشاء
ويقال عقرت المرأة اذا لم تحمل وعقر الرجل اذا لم يولد له والذكر والانثى عاقر
وقوله تعالى قال رب اجعل لي آية
أي علامة قال آيتك ان تكلم الناس ثلاثة ايام الا رمزا
قال قتادة انما عوقب بهذا لانه طلب الآية بعد مشافهة الملائكة اياه بالبشارة
وقال مجاهد الرمز تحرك الشفتين وقال الضحاك الرمز تحريك اليدين والرأس

والرمز في اللغة الاشارة كانت بيد او راس او حاجب او فم يقال رمز أي اشار ومنه سميت الفاجرة رامزة و رمازة لانها تومىء ولا تعلن
قم قال تعالى واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والابكار
وقرىء الابكار وهو جمع بكر ويقال بكر وبكر وابتكار وأبكر اذا جاء في اول الوقت ومنه سميت الباكورة
ويقال ابكر اذا خرج من بين مطلع الفجر الى وقت الضحى
والعشي من حين نزول الشمس الى ان تغيب وهو

معنى قول مجاهد
وقوله تعالى واذ قالت الملائكة يا مريم ان الله اصطفاك
أي اختارك وطهرك من الادناس وقيل من الحيض واصطفاك على نساء العالمين
فيه قولان
أحدهما ان المعنى على أهل زمانها
والقول الاخر على جميع النساء بعيسى
فليس مولود ولد من غير ذكر الا عيسى عليه السلام
وقوله تعالى يا مريم اقنتي لربك
قيل القنوت ها هنا القيام وروي ان النبي سئل ما أفضل الصلاة فقال طول القنوت أي طول القيام وسمي الدعاء

قنوتا لانه يدعى به في القيام
وروى عمرو بن الحارث عن دراج عن ابي اللهيثم عن ابي سعيد الخدري عن النبي قال كل حرف ذكره الله في القرآن من القنوت فهو الطاعة
ثم قال تعالى واسجدي واركعي مع الراكعين وفي هذا جوابان
فبداء بالسجود قبل الركوع أحدهما أن في شريعتهم السجود قبل الركوع
والقول الاخر ان الواو تدل على الاجتماع فاذا قلت قام زيد وعمر جاز ان يكون عمر قبل زيد فعلى هذا يكون المعنى واركعي واسجدي ولهذا أجاز النحويون قام وزيد عمرو

وأنشدوا ... الا يا نخلة من ذات عرق ... عليك ورحمة الله السلام ...
وقوله تعالى ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك أي من اخبار ما غاب عنك
ثم قال تعالى وما كنت لديهم اذ يلقون أقلامهم
لديهم معناه عندهم قيل الاقلام السهام يتقارعون بها وسمي السهم قلما لانه يقلم أي يبرى
ثم قال تعالى ايهم يكفل مريم أي لينظرو ا أيهم تجب له كفالة مريم
وفي الكلام حذف أي اذ يختصمون فيها أيهم أحق بها

وقوله تعالى وجيها في الدنيا والاخرة ومن المقربين
الوجية الذي له القدر والمنزلة الرفيعة يقال لفلان جاه وجاهة وقد وجه يوجه وجاهة
وقوله تعالى ويكلم الناس في المهد وكهلا و من الصالحين
يقال اكتهل النبت اذا تم والكهل ابن الاربعين او ما قاربها
وقال يزيد بن ابي حبيب الكهل منتهى الحلم
والفائدة في قوله تعالى وكهلا انه خبرها انه يعيش الى ان يصير كهلا

وقوله تعالى ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة و الانجيل
قيل يعني الهاما
وقوله تعالى وأبرىء الاكمة والابرص واحي الموتى باذن الله
الاكمة قال مجاهد هو الذي يبصر في النهار ولا يبصر في الليل فهو يتكمه
قال الكسائي يقال كمه يكمه كمها
وقال الضحاك هو الاعمى
قال ابوعبيدة هو الذي يولد اعمى وأنشد لرؤبة

هرجت فارتد ارتداد الاكمة
قال ابو عبيدة في قوله تعالى ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم
يجوز ان يكون معنى الكل وانشد للبيد ... تراك أمكنه اذا لم أرضها ... أو يرتبط بعض النفوس حمامها ...
وهذا القول غلط عند أهل النظر من أهل اللغة لان البعض والجزء لايكونان بمعنى الكل
وقال ابو العباس معنى او يرتبط بعض النفوس

او يرتبط نفسي كما يقول بعضنا يعرفه أي انا اعرفه ومعنى الاية على بعضها لان عيسى انما احل لهم أشياء مما حرمها عليهم موسى من أكل الشحوم وغيرها ولم يحل لهم القتال ولا السرقه ولا الفاحشه منها
والدليل على هذا انه روي عن قتادة انه قال جاءهم عيسى بألين مما جاء به موسى صلى الله عليهما لان موسى جاءهم بتحريم الابل وأشياء من الشحوم فجاءهم عيسى بتحليل بعضها
وقوله تعالى فاعبدوه هذا صراط مستقيم
أي هذا طريق واضح
وقوله تعالى فلما أحس عيسى منهم الكفر

قال ابو عبيدة أحس بمعنى عرف قال من أنصاري الى الله
قال سفيان أي مع الله وقد قال هذا بعض أهل اللغة وذهبوا ألى أن حروف الخفض يبدل بعضها من بعض واحتجوا بقوله تعالى ولا صلبنكم في جذوع النخل قالوا معنى في معنى على
وهذا القول عند أهل النظر لا يصح لان لكل حرف معناه وانما يتفق الحرفان لتقارب المعنى فقوله تعالى و لا صلبنكم في جذوع النخل
كان الجذع مشتملا على من صلب ولهذا دخلت في لانه قد صار بمنزلة الظرف
ومعنى من أنصاري الى الله من يضم نصرته اياي الى نصرة الله عز و جل

ثم قال تعالى قال الحواريون نحن أنصار الله
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس انه انما سموا حواريين لبياض ثيابهم وكانوا صيادين
وقال ابن أرطاة انما كانوا غسالين يحورون الثياب أي يغسلونها
وقال أهل اللغة الحواريون صفوة الانبياء وهم المخلصون
وروى جابر بن عبد الله عن النبي انه قال الزبير ابن عمتي وحواري من أمتي أي صفوتي ومنه قيل عن حوراء اذا

اشتد بياضها وسوادها وامرأة حوراء اذا خلص بياضها مع حور العين
ومنه قيل لنساء الانصار حواريات لنظافتهن وقال ابو جلدة اليشكري ... فقل للحوريات يبكين غيرنا ... و لا تبكنا الا الكلاب النوابح ...
ومنه الحوري
وقوله تعالى فاكتبنا مع الشاهدين
أي مع الشاهدين لرسولك بالتصديق
وروى اسرائيل عن سماك بن عكرمة عن ابن عباس فاكتبنا مع الشاهدين

قال محمد وأمته شهدوا له انه قد بلغ وشهدوا للرسل انهم قد بلغوا
وقوله عز و جل ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين
هذا راجع الى قوله تعالى فلما أحس عيسى منهم الكفر
والمكر من الخلائق خب ومن الله مجازة كما قال تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها
وقوله عز و جل اذ قال الله يا عيسى اني متوفيك ورافعك الي ومطهرك من الذين كفروا
في الآية قولان
احدهما ان المعنى أني رافعك ألي ومطهرك من الذين

كفروا ومتوفيك
وهذا جائز في الواو لانه قد عرف المعنى وانه لم يمت بعد
والقول الاخر ان يكون معنى متوفيك قابضك من غير موت مثل توفيت مالي من فلان أي قبضته كما قال جل وعز الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها
وقال الربيع بن أنس يعني وفاة المنام رفعه الله عز و جل في منامه

وقال مطر الوراق متوفيك ورافعك واحدة ولم يمت بعد
وروى ابن ابي طلحة عن ابن عباس متوفيك أي مميتك
ثم قال وهب توفاه الله ثلاث ساعات من النهار
ومحمد بن جرير يميل الى قول من قال أني قابضك من الارض بغير موت ورافعك الي لما صح عن النبي ليهبطن عيسى بن مريم الى الارض
ثم قال تعالى وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا الى يوم القيامة

قال قتادة يعني المسلمين لانهم اتبعوه فلا يزالون ظاهرين الى يوم القيامة
وقال غيره الذين اتبعوه محمد والمسلمون لان دينهم التوحيد كما كان التوحيد دين عيسى صلى الله عليه وسله
وروي عن النبي انه قال أنا أولى الناس بابن مريم
وروى يونس بن ميسرة بن حلبس عن معاوية عن النبي انه قال لن تبرح طائفة من أمتي يقاتلون على الحق حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ونزع بهذه الآية ياعيسى اني متوفيك ورافعك الي ومطهرك من الذين كفروا

وجاعل الذين اتبعوك يا محمد فوق الذين كفروا الى يوم القيامة
ثم قال تعالى الي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون
أي فافصل بينكم وتقع المجازاة عليه لأنه قد بين لهم في الدنيا
ثم قال تعالى فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والاخرة
عذابهم في الدنيا القتل والاسر واخذ الجزية
وفي الآخرة النار وما لهم من ناصرين لان المسلمين عالون عليهم ظاهرون

وقوله تعالى ذلك نتلوه عليك من الايات والذكر الحكيم
أي من العلامات التي لا تعرف الا بوحي أو بقراءة كتاب ومعنى الحكيم ذو الحكمة
وقوله تعالى الحق من ربك فلا تكن من الممترين
الممترون الشاكون
فان قيل كيف خوطب النبي بهذا
فعلى هذا جوابان
أحدهما ان المعنى يا محمد قل للشاك هذا الحق من ربك فلا تكن من الممترين

والقول الآخر ان الخطاب للنبي خطاب لجميع الناس فالمعنى على هذا فلا تكونوا من الممترين ويقوي هذا قوله عز و جل يا ايها النبي اذا طلقتم النساء
وقوله تعالى فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا ونساءنا ونساءكم وانفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين
قيل يعني بالأنفس هاهنا أهل دينهم كما قال تعالى فسلموا على أنفسكم

وقال تعالى فاقتلوا أنفسكم وأصل الابتهال في اللغة الاجتهاد ومنه قول البيد ... في كهول سادة من قومه ... نظر الدهر اليهم فابتهل ...
أي اجتهد في هلاكهم فمعنى الاية ثم نجتهد في الدعاء بالعنة
وروي ان قوما من النصارى من أهل نجرن أتوا النبي فدعاهم الى الاسلام فقالوا قد كنا مسلمين مثلك فقال كذبتم يمنعكم من الاسلام ثلاث قولكم اتخذ ولدا وأكلكم لحم الخنزير وسجودكم للصليب فقالوا من ابو عيسى فأنزل الله عز و جل ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب

الى قوله تعالى فنجعل لعنة الله على الكاذبين فدعهم رسول الله الى الالتعان فقال بعضهم بعض ان فعلتم اضطرم الوادي عليكم نارا
فقالوا أما تعرض علينا سوى هذا فقال الاسلام او الجزية او الحرب فأقروا بالجزية
وروى عكرمة عن ابن عباس انه قال لو خرجوا للابتهال لرجعوا لا يرون أهلا ولا ولدا
وقوله تعالى ان هذا لهو القصص الحق
أي ان هذا الذي أوحينا اليك لهو القصص الحق وما من اله الا الله
من زائدة للتوكيد والمعنى وما اله الا الله العزيز

الحكيم ومعنى العزيز الذي لا يغلب والحكيم ذو الحكمة
ثم قال تعالى فان تولوا فان الله عليم بالمفسدين
أي عليم بمن يفسد عباده و اذا علم ذلك جازى عليه
وقوله تعالى قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم
معنى كلمة قصة فيها شرح ثم بين الكلمة بقوله الا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا و لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله
السواء النصفة قال زهير

أروني خطة لا ضيم فيها ... يسوى بيننا فيها السواء
...
وقوله تعالى يا أهل الكتاب لم تحاجون في ابراهيم وما انزلت التوراة والانجيل الا من بعده
لان اليهود قالوا كان ابراهيم منا وقالت النصارى كان منا فأعلم الله ان اليهودية والنصرانية كانتا بعد ابراهيم عليه السلام وان دين ابراهيم الاسلام لان الاسلام هو التوحيد فهو دين جميع الانبياء
ثم قال تعالى ولكن كان حنيفا مسلما

والحنف في اللغة اقبال صدر القدم على الاخرى اذا كان ذلك خلقه
فمعنى الحنيف المائل الى الاسلام على حقيقته
وقوله عز و جل ان اولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين امنوا والله ولي المؤمنين
والمعنى والنبي والذين آمنوا أولى بابراهيم ويعني بالنبي محمد صلى الله عليه و سلم
ومعنى والله ولي المؤمنين ناصرهم
ثم قال تعالى ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم
وكلهم كذا وانما من هاهنا لبيان الجنس وقد

قيل ان طائفة بعضهم
وقوله تعالى قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون
أي وانتم تشهدون بانها حق لانكم كنتم تبشرون بالنبي قبل ان يبعث
ثم قال تعالى يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل
أي لم تغطون
وقوله تعالى وقالت من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون
الطائفة الفرقة ووجه النهار أوله قال الشاعر ... وتضيء في وجه النهار منيرة ... كجمانة البحري سل نظامها

قال قتادة قال بعض اليهود أظهروا لمحمدالرضا بما جاء به أول انهار ثم انكروا ذاك في آخره فانه أجدر ان يتوهم انكم انما فعلتم ذلك لشيء ظهرت لكم تنكرونه وأجدر أن يرجع أصحابه
وقوله تعالى ولا تؤمنوا الا لمن تبع دينكم قل ان الهدى هدى الله ان يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل ان الفضل بيد الله يؤته من يشاء
قال محمد بن يزيد في الكلام تقديم وتأخير والمعنى و لا تؤمنوا الا لمن تبع دينكم ان يؤتى أحد مثل ما أوتيتم او يحاجوكم عند ربكم قل ان الهدى هدى الله

وقيل المعنى ولا تؤمنوا ان يؤتى أحد مثل ما أوتيتم الا من تبع دينكم واللام زائده
والمعنى ولا تصدقوا ان يؤتى أحد من علم رسالة النبي مثل ما أوتيتم
وقيل المعنى قل ان الهدى هدى الله ان يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أي ان الهدى هدى الله وهو بعيد من الكفار
وقرأ ابن عباس ومجاهد وعيسى أأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم والمعنى ألاأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم
وقرأ الاعمش إن يوأتى أحد مثل ما أتيتم ومعنى ان معنى ما كما قال تعالى ان الكافرون الا في غرور
وقد زعم بعض النحويين ان هذا لحن لان قوله تعالى

يحاجوكم بغير نون وكان يجب ان يكون يحاجونكم ولا عامل لها وهذا القول ليس بشيء لان او تضمر بعدها ان اذا كانت في معنى حتى و الاان كم قال الشاعر ... فقلت له لا تبك عيناك انما ... نحاول ملكا او نموت فنعذرا ...
وقيل ان معنى أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم لا تصدقوا ان النبوة تكون الا منكم واستشهد صاحب هذا القول بأن مجاهدا قال في قوله عز و جل بعد هذا يختص برحمته من يشاء انه يعني النبوة
وقوله تعالى ومن أهل الكتاب من ان تأمنه بقنطار يؤده اليك
اختلف في معنى القنطار فروي عن ابن عباس والحسن أنهما قالا القنطار ألف مثقال
وقال ابو صالح وقتادة القنطار مائة رطل

وروى ابن ابي نجيح وليث عن مجاهد قال القنطار سبعون ألف دينار
وروى طلحة ابن عمرو عن عطاء بن ابي رباح المكي قال القنطار سبعة الاف دينار
والله اعلم بما أراد
ومعنى المقنطرة في اللغة المكملة كما تقول ألف مؤلفة
وقوله تعالى ومنهم من ان تأمنه بدينار لا يؤده اليك الا ما دمت عليه قائما
أي مواظبا غير مقصر كما تقول فلان قائم بعمله

قال سيبويه دام بمعنى ثبت
قال ابو جعفر وفي الحديث عن النبي انه نهى عن البول في الماء الدائم أي الساكن الثابت
ذلك انهم قالوا ليس علينا في الاميين سبيل
قيل أناليهود كانوا اذا بايعوا المسلمين يقولون ليس علينا في ظلمهم حرج لانهم مخالفوت لنا ويعنون بالاميين العرب
نسبوا الى ما عليه الامة من قبل أن يتعلموا الكتابة
وقيل نسبوا الى الام ومنه النبي الامي وقيل هو

منسوب الى ام القرى وهي مكة
وقوله تعالى بلى من اوفى بعهده واتقى فان الله يحب المتقين
بلى رد لقولهم ليس علينا في الاميين سبيل
ثم قال تعالى ان الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أؤلئك لا خلاق لهم في الاخرة
الخلاق النصيب
وروى عبد الله بن مسعود والاشعث بن قيس عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال من حلف على يمين فاجرة ليقتطع بها مال امرىء مسلم لقي الله وهو عليه غضبان ثم تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم ان الذين يشترون بهعد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أؤلئك لاخلاق لهم في الاخرة ولا يكلمهم الله

الى أخر الآية
وفي قوله ولا يكلمهم الله قولان
أحدهما انه روي ان الله يسمع أولياء كلامه
والقول الاخر انه يغضب عليهم كما تقول فلان لا يكلم فلانا
ومعنى ولا يزكيهم ولا يثنى عليهم ولا يطهرهم ولهم عذاب اليم أي مؤلم
يقال أألم اذا أوجع فهو مؤلم واليم على التكثير
وقوله تعالى وان منهم لفريقا يلوون السنتهم بالكتاب

قال الشعبي يلون يحرفون
وقال أهل اللغة لويت الشيء اذا عدلته عن قصده وحملته على غير تأويله
وقوله جل وعز ولكن كونوا ربانيين
قال سعيد بن جبير والضحاك الرباني الفقيه العالم
وقال ابو رزين هو العالم الحليم
والالف وانون يأتي بهما العرب للمبالغة نحو قولهم جماني للعظيم الجمة وكذلك سكران أي ممتلىء سكرا
فمعنى الرباني العالم بدين الرب الذي يعمل بعلمه لانه اذا لم يعمل بعلمه فليس بعالم

وروي عن ابن الحنيفة انه قال لما مات ابن عباس مات رباني هذه الامة
ومعنى ولكن كونوا ربانيين ولكن يقول كونوا ربانيين ثم حذف لعلم السامع
وقال ابن زيد الربانيون اولاة والاحبار العلماء
وقال مجاهد الربانيون فوق الاحبار
قال ابو جعفر وهذا القول حسن لان الاحبار هم العلماء والرباني الذي الذي يجمع الى العلم البصر للسياسة ماخوذ من قول العرب رب أمر الناس يربه اذا أصلحه وقام به فهو راب ورباني على التكثير

ثم قال تعالى و لا يأمركم ان تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا
ومن قرا ولا يأمركم بالنصب فمعناه عنده ولا يأمركم البشر لانه معطوف على ما قبله
ومن قرأ ولا يأمركم بالرفع فمعناه عنده و لايأمركم الله كذا قال سيبويه
وقوله تعالى واذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة
قال طاووس أخذ الله ميثاق الاول من الانبياء ان يؤمن بما جاء الاخر
ثم قال جل وعز 6 ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه
قال فهذه الآية لاهل الكتاب أخذ الله ميثاقهم بان يؤمنوا

بمحمد صلى الله عليه و سلم ويصدقوه
وقرا ابن مسعود واذ اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب
وقال ابن عباس انما اخذ ميثاق النبيين على قومهم
وقال الكسائي يجوز ان تكون واذ اخذ الله ميثاق النبيين بمعنى واذ اخذ الله ميثاق الذين مع النبيين
وقال البصريون اذا اخذ الله ميثاق النبيين فقد اخذ ميثاق الذين معهم لانهم قد اتبعوهم وصدقوهم
وما بمعنى الذي ويجوز ان تكون للشرط ويقرأ لما بكسر اللام فتكون ما ايضا بمعنى الذي وتكون متعلقة بأخذ

وقرا سعيد بن جبير لما بالتشديد
وقوله تعالى واخذتم على ذلكم اصري
قال مجاهد أي عهدي والاصر في اللغة الثقل فسمي العهد اصرارا لانه منع وتشديد
ثم قال تعال ى فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين
أي فبينوا لان الشاهد هو الذي يبين حقيقة الشيء
وقوله تعالى أفغير دين الله تبغون
أي تطلبون فالمعنى قل لهم يا محمد افغير دين الله تبغون
ومن قرا يبغون بالياء فالكلام عنده متناسق لان قبله فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون

فالمعنى افغير دين الله يبغي هؤلاء
وقوله تعالى وله أسلم من في السموات والارض طوعا وكرها
معنى وله أسلم خضع ثم قال طوعا وكرها
قيل لما كانت السنة فيمن خالف ان يقاتل سمي أسلامه كرها وان كان طوعا لان سببه القتال
وقوله تعالى كيف يهدي الله قوما كفروا بعد ايمانهم
روى داود بن ابي هند عن عكرمة عن ابن عباس ان رجل من الانصار ارتد
قال مجاهد هو الحارث بن سويد بن الصامت الانصاري فلحق أهل الشرك ثم ندم فأرسل الى قومه ان سلوا رسول الله صلى الله عليه و سلم هل لي من توبة فأنزل الله عز و جل كيف يهدي الله قوما كغزو بعد ايمانهم الى قوله

من بعد ذلك وأصلحوا فأن الله غفور رحيم قال ابن عباس
وقال الحسن نزلت في اليهود لانهم كانوا يبشرون بالنبي صلى الله عليه و سلم ويستفتحون على الذين كفروا فلما بعث عاندوا وكفروا
قال الله عز و جل أؤلئك جزاؤهم ان عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين
فأن قيل فهل يلعنهم أهل دينهم ففي هذا أجوبة
أحدهما أن بعضهم يلعن بعضا يوم القيامة

وجواب اخر وهو انه يعني بالناس المسلمين
وقيل وهو احسنها ان الناس جميعا يلعنونهم لانهم يقولون لعن الله الظالمين كما قال تعالى الا لعنة الله على الظالمين
ثم قال تعالى خالدين فيها أي في اللعنة والمعنى في عذاب اللعنة
وقوله عز و جل ام الذين كفروا بعد ايمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم
قال ابو العالية هؤلاء قوم أظهروا التوبة ولم يحققوا
وقال غيره نزلت قي قوم ارتدوا ولحقوا بالمشركين ثم قالوا سنرجع ونسلم

فالمعنى انهم اظهروا التوبة ايضا وأضمروا خلاف ذلك والدليل على ذلك قوله عز و جل وأولئك هم الضالون ولو حققوا التوبة لما قيل لهم ضالون
ويجوز في اللغة ان يكون المعنى لن تقبل توبتهم فيما تابوا منه من الذنوب وهم مقيمون على الكفر هذا يروي عن ابي العالية
ويجوز ان يكون المعنى لن تقبل توبتهم اذا تابوا الى الكفر آخر وانما تقبل توبتهم اذا تابوا الى الاسلام
ثم قال تعالى ان الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من حدهم ملء الارض ذهبا ولو أفتدى به أؤلئك لهم عذاب اليم وما لهم من ناصرين
روى انس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له أرأيت لو كان لك ملء الارض ذهبا أكنت مفتديا به

7 - فيقول نعم فيقال له كذبت قد سئلت أقل من هذا ثم تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم ان الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الارض ذهبا الى اخر الاية
وقال بعض أهل اللغة الواو مقحمة والمعنى فلن يقبل من أحدهم ملء الارض ذهبا لو افتدى به
وقال أهل النظر من النحويين لا يجوز ان تكون الواو مقحمة لانها تدل على معنى
ومعنى الآية فلن يقبل من أحدهم ملء الارض ذهبا تبرعا ولو أفتدى به

والملء مقدار ما يملا السيء والملا بالفتح المصدر
وقوله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قال ابن مسعود وعمرو بن ميمون البر الجنة يكون التقدير على ذا لن تنالوا ثواب البر
وقال غيرهما البر العمل الصالح وفي الحديث عليكم بالصدق فانه يدعوا الى البر والبر يدعوا الى الجنة واياكم والكذب فانه يدعو الى الفجور والفجور يدعو الى النار
وروى أنس بن مالك انه لما نزلت هذه الاية قال أبو

طلحة انا اتصدق بارضي فأمره النبي صلى الله عليه و سلم ان يتصدق بها على اقربائه فقسمها بين أبي وحسان
وروي ان عمر كتب الى ابي موسى الاشعري ان يشتري له جارية حين فتحت مدائن كسرى فاشتراها ووجه بها اليه فلما رآها اعجب بها ثم أعتقها وقرأ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون
وقال مجاهد وهو مثل قوله تعالى ويطعمون الطعام على حبه
ومعنى حتى تنفقوا حتى تتصدقوا

ثم قال تعالى وما تنفقوا من شيء فان الله به عليم
أي اذا علمه جازى عليه
وقوله عز و جل كل الطعام كان حلا لبني اسرائيل الا ما حرم اسرائيل على نفسه من قبل ان تنزل التوراة
قال ابن عباس كان اشتكى عرق النسا كذا روي عنه فكان له زقاء يعني صياح فآلى لءن برأ من ذلك لاأكل عرقا
وقال مجاهد الذي حرم على نفسه الانعام

قال عطاء حرم لحوم الابل وألبانها
وهذا كله صحيح مما كان حرمه واليهود تحرمه الى هذا الوقت كما كان عليه أوائلها وفيه حديث مسند
وقال الضحاك قال اليهود للنبي صلى الله عليه و سلم حرم علينا هذا في التوراة فأكذبهم الله واخبر ان اسرائيل حرمه على نفسه من قبل ان تنزل التوراة ودعاهم الى احضارها فقال قل فأتوا بالتوراة فاتلوها ان كنتم صادقين
وقوله عز و جل ان أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا
قال ابو ذر سألت النبي صلى الله عليه و سلم أي مسجد وضع في الارض أول فقال المسجد الحرام قلت ثم

أي قال ثم بيت المقدس قلت كم كان بينهما قال اربعون سنة ثم حيثما ادركتك الصلاة فصل فانه مسجد
وروى اسرائيل عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة قال سأل رجل عليا عن اول بيت وضع للناس للذي ببكة أهو اول بيت في الارض قال لا ولكنه اول بيت وضعت فيه البركة والهدى ومقام ابراهيم ومن دخله كان آمنا وان الله أوحى الى ابراهيم صلوات الله عليه ان ابن لي بيتا وضاق به ذرعا فأرسل الله السكينة وهي ريح خجوج لها راس فنظرت موضع البيت
قال ابو الحسن قال ابو بكر الخجوج التي تخج في هبوبها أي تلتوي يقال خجت تخج ولو ضوعفت لقيل

خجخجت والخجخجة توصف بها السرعه
وقال عطية بكة موضع البيت ومكة ما حوليه
وقال عكرمة بكة ما ولي البيت ومكة ما وراء ذلك
والذي عليه اكثر أهل اللغة بكة ومكة واحد وانه يجوز ان تكون الميم مبدلة من الباء يقال لازب ولازم وسبد شعره وسمده اذا استاصله
وقال سعيد بن جبير سميت بكة لان الناس يتباكون فيها أي يتزاحمون فيها
وقال غيره سميت بكة لانها تبكي الجبابرة والميم على هذا بدل من الباء
ويجوز ان يكون من قولهم امتك الفصيل الناقة اذا اشتد مصه اياها

والاول أحسن
وقوله عز و جل فيه آيات بينات مقام ابراهيم
وقرأابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وأهل مكة فيه آية بينة
وفسر ذلك مجاهد فقال مقام ابراهيم الحرم كله فذهب الى ان من آياته الصفا والمروة والركن والمقام
ومن قرأ آيات بينات فقرأته ابين لان الصفا والمروة من الآيات ومنها ان الطائر لا يعلو البيت صحيحا
ومنها ان الجارح يتبع الصيد فاذا دخل الحرم تركه ومنها ان الغيث اذا كان ناحية الركن اليماني كان الخصب باليمين واذا كان

ناحية الشامي كان الخصب بالشام وإذا عم البيت كان الخصب في جميع البلدان
ومنها ان الجمار على ما يزاد عليها ترى على قدر واحد
والمقام من قولهم قمت مقام فأما قول زهير ... وفيهم مقامات حسان وجوهها ... وأندية ينتابها القول والفعل ... فمعناه فيهم أهل مقامات
وقوله عز و جل ومن دخله كان آمنا
قال قتادة ذلك من آيات الحرم أيضا

وذا قول حسن لان الناس كانوا يتخطفون من حواليه ولا يصل اليه جبار وقد وصل الى بيت المقدس وخرب ولم يصل الى الحرم قال الله عز و جل الم ترا كيف فعل ربك بأصحاب الفيل
وروى الثوري عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس قال من أصاب حدا في الحرم اقيم عليه وان أصاب خارج الحرم ثم دخل الحرم لم يكلم ولم يجالس ولم يبايع حتى يخرج من الحرم فيقام الحد عليه و قال أكثر الكوفيين ذلك في كل حد يأتي على النفس

وقال قوم الامان ههنا الصيد
وأولاها القول الاول ويكون على العموم ولو كان للصيد لكان وما دخله ولم يكن ومن دخله
قال فتادة وانما هو ومن دخله في الجاهلية كان آمنا
وقوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا
قال الزبير من وجد قوة وما يتحمل به
وقال سعيد بن حبير الزاد والراحلة
وروى حماد بن سلمة عن حميد وقتادة عن الحسن ان رجلا قال يا رسول الله ما السبيل اليه قال الزاد والراحلة

السبيل اصله الوصول ومنه قيل للطريق سبيل فالمعنى عند أهل اللغة من استطاع الى البيت وصولا كما قال اخبارا يقولون هل الى مرد من السبيل
ثم قال تعالى ومن كفر فان الله غني عن العالمين
أكثر أهل التفسير على ان المعنى من قال ان الحج ليس بواجب فقد كفر
وروى وكيع عن فطر عن نفيع أبي داود ان رجلا سأل النبي صلى الله عليه و سلم عن هذه الاية ومن كفر فان الله غني عن العالمين فقال رسول الله من حج لا يرجو ثوابه وجلس لا يخاف عقابه فقد كفر به

وقال الشعبي السبيل ما يسره الله عز و جل
وهذا من حسن ما قيل فيه أي على قدر الطاقة والسبيل في كلام العرب الطريق فمن كان واجدا الطريق الى الحج بغير مانع من زمانه او عجز او عدو او تعذر ماء في طريقة فعليه الحج ومن منع بشيء من هذه المعاني فلم يجد طريقا لان الاستطاعة القدرة على الشيء فمن عجز بسبب فهو غير مطيق عليه ولا مستطيع اليه السبيل
وأولى الاقوال في معنى ومن كفر ومن جحد فرض الله لانه عقيب فرض الحج
وقوله تعالى يا ايها الذين آمنوا ان تطيعوا فريقا من الذين اوتوا الكتاب يردوكم بعد ايمانكم كافرين
قال قتادة حذركموهم الله لانهم غيروا كتابهم

وفي الحديث لا تصدقوا أهل الكتاب فيما لا تعرفون ولا تكذبوهم فانهم لن يهدوكم وقد اضلوا انفسهم
وقوله تعالى وكيف تكفرون وانتم تتلى عليكم آيات لله وفيكم رسوله
قال الاخفش سعيد بن مسعدة معنى كيف على ابي حال
وقال غيره معنى وفيكم رسوله أي يبين لكم
ويجوز ان تكون هذه المخاطبة يدخل فيها من لم ير النبي

صلى الله عليه و سلم لان آثاره وسنته بمنزلة مشاهدته
ثم قال جل وعز ومن يعتبهم بالله فقد هدي الى صراط مستقيم
معنى يعتصم يمتنع
وقوله جل وعز يا ايها الذين ىمنوا اتقوا الله حق تقاته
قال ابن مسعود حق تقاته أن يشكر فلا يكفر وان يطاع فلا يعصى وان يذكر فلا ينسى
وروي هذا عن النبي صلى الله عليه و سلم
وقال قتادة نسخ هذه الآية قوله تعالى فأتقوا الله ما

أستطعتم
قال ابو جعفر لا يجوز ان يقع في هذا ناسخ ولا منسوخ لان الله تعالى لا يكلف الناس الا ما يستطيعون
وقوله فاتقوا الله ما استطعتم مبين لقوله اتقوا الله حق تقاته وهو على ما فسره ابن مسعود ان يذكر الله عند ما يجب عليه فلا ينساه
وقوله عز و جل ولا تموتن والا وانتم مسلمون
المعنى كونوا على الاسلام حتى يأتيكم الموت وانتم مسلمون لانه قد علم لا ينهاهم عما لا يملكون

وحكى سيبويه لاأرنيل ههنا فهو لم ينه نفسه وانما المعنى لا تكن ههنا فانه من يكن ههنا اره
وقوله عز و جل واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا
قال عبد الله ابن مسعود حبل الله القرآن
وقال ابن عباس الحبل العهد
وقال الاعشى ... واذا تجوزها حبال قبيلة ... اخذت من الاخرى اليك حبالها ...
وأصل الحبل في اللغة السبب ومنه سمي حبل البئر لانه السبب الذي يوصل به الى مابها
ومنه قيل فلان يحطب في حبل فلان أي يميل اليه والى

أسبابه واصل هذا ان الحاطب يقطع اغصان الشجر فيجعلها في حبله فاذا قطع غيره وجعله في حبله قيل هو يحطب في حبله
ومنه قولهم حبلك على غاربك أي قد خليتك من سبي وأمري ونهي
وأصل هذا ان الابل اذا اهملت للرعي القيت حبالها على غواربها لئلا تتعلق بشوك او غيره فيشغلها عن الرعي
ومعنى ولا تفرقوا ولا تتفرقوا ثم حذفت احدى التاءين وقيل لهم هذا لان اليهود والنصارى تفرقوا وكفر بعضهم بعضا
ثم قال عز و جل واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فألف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمتة اخوانا
قال عكرمة هذا في الانصار كانت بينهم شرور فألف الله بينهم بالاسلام

وقيل هو عام لقريش لان بعضهم كان يغير على بعض فلما دخلوا في الاسلام حرمت عليهم الدماء فأصبحوا اخوانا أي يقصد بعضهم مقصد بعض
ثم قال تعالى وكنم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها
وهذا تمثيل و الشفا الحرف ومنه اشفى فلان على كذا
اذا اشرف عليه
وقوله عز و جل ولتكن منكم امة يدعون الى الخير

قال ابو عبيدة الامة الجماعة ومن ههنا ليست للتبعيض وانما هي لبيان الجنس كما قال تعالى فأجتنبوا الرجس من الاوثان
ولم يأمرهم باجتناب بعض الاوثان وانما المعنى فاجتنبوا الرجس الذي هو الاوثان
وقوله عز و جل يوم تبيض وجوه وتسود وجوه
ابيضاضها اشراقها كما قال تعالى وجوه يوم يومئذ مسفرة

ثم قال تعالى فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد ايمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون
في الكلام محذوف والمعنى فاما الذين اسودت وجمههم فبقال لهم أكفرتم بعد أيمانكم
وأجمع أهل العربية على انه لابد من الفاء في جواب اما لان المعنى في قولك اما زيد فمنطلق مهما يكن من شيء فزيد منطلق
قال مجاهد في قوله تعالى أكفرتم بعد أيمانكم بعد اخذ الميثاق
ويدل على هذا قوله جل وعلا واذ اخذ ربك من بني آدم الآية
وقيل هم اليهود بشروا بالنبي ثم كفروا به من بعد

مبعثه فقيل لهم أكفرتم بعد ايمانكم
وقيل هو عام أي كفرتم بعد ان كنتم صغارا تجري عليكم احكام المؤمنين
وقوله جل وعز واما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون
معنى ففي رحمة الله هم فيها خالدون ففي ثواب رحمة الله
وقوله جل وعز كنتم خير امة اخرجت للناس
روي عن النبي انه قال نحن نكمل سبعين أمة نحن آخرها وأكرمها على الله

وقال ابو هريرة نحن خير الناس للناس نسوقهم بالسلاسل الى الاسلام
وقال ابن عباس نزلت فيمن هاجر مع النبي من مكة الى المدينة
وقيل معنى كنتم خير أمة أخرجت للناس كنتم في اللوح المحفوظ
وقيل كنتم منذ آمنتم
وروى ابن ابي نجيح عن مجاهد كنتم خير أمة اخرجت للناس قال على هذا الشرط على ان تامروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر ثم بينه

وقال عطية شهدتم للنبين صلى الله عليهم أجمعين بالبلاغ الذين كفر بهم قومهم
ثم بين الخيرية التي هي فيهم فقال تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله
ثم بين ان الايمان بالله لا يقبل الا بالايمان بالنبي وما جاء به فقال عز و جل ولو آمن اهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون
والفاسق الخارج عن الحق
وقوله عز و جل لن يضروكم الا اذى وان يقاتلوكم يولوكم الادبار
اخبر الله تعالى اليهود لن يضروا المسلمين الا بتحريف او بهت فأما الغلبة فلا تكون لهم

ثم اخبر تعالى أنهم أذلا فقال ضربت عليهم الذلة اينما ثقفوا الا بحبل من الله وحبل من الناس
قال ابن عباس الحبل العهد
قال ابو جعفر هذا اسثناء ليس من الاول والمعنى ضربت عليهم الذلة اينما ثقفوا الا انهم يعتصمون بحبل من الله وحبل من الناس يعني الذمة التي لهم
ثم قال تعالى وباءوا بغضب من الله
أي رجعوا وقيل احتملوا
وحقيقته في اللغة انه لزمهم ذلك وتبوأ فلان الدار من هذا أي لزمها

ثم خبر تعالى لم فعل بهم ذلك فقال ذلك بانهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الانبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون
والاعتداء التجاوز
ثم خبر عز و جل أنهم ليسوا مستوين وان منهم من قد آمن فقال سبحانه ليسوا سواء أي ليس يستوي منهم من آمن ومن كفر
ثم قال عز و جل من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل
قائمة قال مجاهد أي عادلة

يتلون آيات الله آناء الليل قال الحسن و الضحاك ساعاته
والواحد اني ويقال انو ويقال انى
وقوله عز و جل ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
الامر بالمعروف ههنا الامر بتباع النبي
وينهون عن المنكر أي ينهون عن مخالفته صلى الله عليه و سلم
ثم قال جل وعز وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين
من قرأ وما يفعلوا من خير فلن يكفروه فهو عنده لهؤلاء المذكورين ويكون من فعل الخير بمنزلتهم

ومن قرأ وما تفعلوا من خير فلن تكفروه بالتاء فهو عام
وقوله عز و جل مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر
قال ابن عباس الصر البرد
ومعنى صر في اللغة ان الصر شدة البرد وفي الحديث انه نهى عن الجراد الذي قتله الصر
ومعنى الآية شبه ما ينفقونه على قتال النبي

واصحابه في بطلانه بريح أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته أي زرع قوم عاقبهم الله بذلك فهلك زرعهم فكذلك أعمال هؤلاء لا يرجعون منها الى شيء
وقوله عز و جل يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانه من دونكم لا يألونكم خبالا
البطانة خاصة الرجل الذين يطلعهم على الباطن من أمره
والمعنى لا تتخوا بطانة من دون أهل دينكم
ونظير هذا فاقتلوا انفسكم
وكذلك فسلموا على انفسكم أي على أهل دينكم ومن يقوم مقامكم

ومعنى قوله تعالى لا يألونكم خبالا أي لا يقصرون في السوء
واصل الخبال في اللغة من الخبل والخبل ذهاب الشيء وأفساده
وقوله تعالى ودوا ماعنتم
أي ما شق عليكم واشتد
وأصل هذا انه يقال عنت العظم يعنت عنتا اذا انكسر بعد جبر
ومن هذا قوله تعالى ذلك لمن خشي العنت منكم أي المشقة
وقوله عز و جل ها انتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله
أي تحبون المنافقين و لا يحبونكم
والدليل على انه يعني المنافقين قوله عز و جل واذا

لقولكم قالوا آمنا واذا خلوا عضوا عليكم الانامل من الغيظ
قال ابن مسعود يعضون اطراف الانامل من الغيظ
وقوله عز و جل ان تمسسكم حسنة تسؤهم وان تصبكم سيئة يفرحوا بها
أي ان غنمتم او ظفرتم ساءهم ذلك وان أصابكم ضد ذلك فرحوا به
ثم خبر أنهم ان صبروا على ذلك لم يضرهم شيئا فقال وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا ان الله بما يعملون محيط
وقوله عز و جل واذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال

تبوىء تلزم وباء بكذا اذا لزمه
وروي أن النبي رأى انه في درع حصينة فأول ذلك المدينة فأمر أصحابه ان يقيموا بها الى ان يوافي المشركون فيقاتلهم
وقوله عز و جل اذ همت طائفتان منكم ان تفشلا والله وليهما
قال جابر بن عبد الله نحن هم بني سلمة وبني حارثة من الاوس وما يسرنا أنها لم تكن نزلت لقوله تعالى والله وليهما

والفشل في اللغة الجبن والولي الناصر
بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الاوس
وقوله عز و جل ولقد نصركم الله ببدر وانتم اذلة
قيل يعني بأذلة أنهم كانوا قليلي العدد
وقال البراء بن عازب كنا نتحدث ان عدة أصحاب بدر كعدة أصحاب طالوت وهم ثلاثمائة وبضعة عشر
من قرأ بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين
وقوله عز و جل بلى ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا
قال الضحاك وعكرمة من وجههم هذا
وقوله تعالى يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين

لا نعلم اختلافا ان معنى مسومين من السومة الا عن الاخفش فانه قال مسومين مرسلين
قال ابو زيد السومة ان يعلم الفارس نفسه في الحرب ليظهر شجاعته
قال عروة ابن الزبير كانت الملائكة يوم بدر على خيل بلق وعليها عمائم صفر
قال ابو اسحاق كانت سيماهم عمائم بيضا
وقال الحسن علموا على أذناب خيلهم ونواصيها بصوف ابيض
وقال عكرمة عليهم سيماء القتال

وقال مجاهد الصوف في أذناب الخيل
وقرىء مسومين واحتج صاحب هذه القراءة بأنه روي عن النبي قال لهم يوم بدر سوموا فاني رايت الملائكة قد سومت
أي قد سومت خيلها أو نفسها
وقوله عز و جل وما جعله الله الا بشرى لكم
يعني المدد او الوعد
وقوله عز و جل ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين

قال قتادة يكتبهم يحزنهم
وروي عن النبي جاء الى ابي طلحة و فرأى ابنه مكبوتا فقال ما شانه فقيل مات نغيره
فالكبوت ههنا المحزون
وقال ابو عبيدة يقال كبته لوجهه أي صرعة لوجهه ومعروف في اللغة ان يقال كبته اذا أذله وأقماه
قال بعض أهل اللغة كبته بمعنى كبده ثم أبدلت من الدا تاء لان مخرجهما من موضع واحد
والخائب في اللغة الذي لم ينل ما أمل وهو ضد المفلح

وقوله عز و جل ليس لك من الامر شيء او يتوب عليهم او يعذبهم فانهم ظالمون
روى الزهري عن سالم عن أبيه قال رأيت رسول الله في الركعة الثانية من الفجر يدعو على قوم من المنافقين فأنزل الله عز و جل ليس لك من الامر شيء الى اخر الآية
وقال انس بن مالك كسرت رباعية النبي يوم أحد فأخذ الدم بيده وجعل يقول كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم فانزل الله عز و جل ليس لك من الامر شيء أو يتوب عليهم او يعذبهم فأنهم ظالمون
وقيل استأذن في ان يدعو باستئصالهم فنزل هذا لانه علم أن منهم من سيسلم وأكد ذلك الآية بعدها

فمن قال انه معطوف ب او على قوله تعالى ليقطع طرفا فالمعنى عنده ليقتل طائفة منهم او يخزيهم بالهزيمة او يتوب عليهم او يعذبهم
وقد تكون او ههنا بمعنى حتى و الا ان والاول اولى لا نه لا أمر الى أحد من الخلق قال أمرؤ القيس ... فقلت له لا تبك عينك انما ... نحاول ملكا او نموت معذرا ...
وقوله عز و جل يا ايه الذين ىمنوا لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة
قال مجاهد كانوا يبيعون البيع الى أجل فاذا حل الاجل زادو في الثمن على ان يؤخرو فأنزل الله عز و جل ولا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة

ثم قال تعالى واتقوا الله لعلكم تفلحون
أي لتكونوا على رجاء من الفلاح
وقال سيبويه في قوله تعالى اذهبا الى فرعون أنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أويخشى اذهبا على رجائكما وطمعكما ومبلغكما والعلم من وراء ذلك وليسس لهما أكثر من ذلك
والفلاح في اللغة ان يظفر الانسان بما يؤمل
وقوله عز و جل وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والارض اعدت للمتقين

روي عن انس بن مالك انه قال يعني التكبيرة الاولى
ثم قال تعالى وجنة عرضها السموات و الارض
في هذا قولان
أحدهما انه العرض بعينه
وروى طارق بن شهاب ان اليهود قالت لعمر بن الخطاب تقولون جنة عرضها السموات و الارض فأين تكون النار فقال لهم عمر أرايتم اذا جاء النهار فاين يكون الليل واذا جاء الليل فأين يكون النهار
قالوا لقد نزعت ما في التوراة

والقول الاخر ان العرض ههنا السعة وذلك معروف في اللغة
وفي الحديث عن اللنبي قال للمنهزمين يوم أحد لقد ذهبتم فيها عريضة يعني واسعة وأنشد أهل اللغة ... كأن بلاد الله وهي عريضة ... على الخائف المطلوب كفة حابل ...
وقوله عز و جل والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين
الكظم في اللغة ان يحبس الغيظ
ويقال كظم البعير على جرته اذا ردها في حلقه

ويقال للممتلىء حزنا وغما كظيم ومكظوم كما قال تعالى اذ نادى وهو مكظوم
وقوله عز و جل والذين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم
روي عن علي ابن ابي طالب رضي الله عنه انه قال كنت اذا سمعت من رسول الله حديثا نفعني الله منه بما شاء ان ينفعني فأذا حدثني رجل من أصحابه أستحلفته فاذا حلف لي صدقته وحدثني ابو بكر رضي الله عنه وصدق ابو بكر
قال سمعت رسول الله يقول ما من رجل يذنب ذنبا وينام ثم يقوم فيتطهر فيحسن الطهور ثم يستغفر الله الا غفر له ثم تلا الاية والذين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون

وقال مجاهد معنى ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ولم يمضوا
والاصرار في اللغة اعتقاد الشيء ومنه قيل صرة ومنه قيل للبرد صر كأنه البرد الذي يصل الى القلب ومنه قيل للذي لم يحج صرورة وصارورة كأنه يحبس ما يجب ان ينفقه
وقال معبد بن صبيحة صليت خلف عثمان وعلي الى جنبي فأقبل علينا فقال صليت على غير وضوء ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ثم ذهب فتوضأ وصلى
وروي عن ابي بكر عن النبي قال ما أصر من استغفر الله ولو عاد في اليوم سبعين مرة

وقال عبد الله بن عبيد بن عمير وهم يعلمون أي وهم يعلمون انهم ان تابوا تاب الله عليهم
وقوله عز و جل قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الارض فأنظروا كيف كان عاقبة المكذبين
قال ابو عبيدة السنن الاعلام والمعنى على هذا انكم اذا سافرتم رأيتم آثار قوم هلكوا فلعلكم تتعظون
وقوله عز و جل هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين
قال الشعبي هذا بيان من العمى وهدى من الضلال وموعظة من الجهل

وقوله عز و جل ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الاعلون ان كنتم مؤمنين
قال ابو عبيدة معناه لا تضعفوا
قال ابو جعفر من الوهن
وقوله عز و جل ان يمستكم قرح فقد مس القوم قرح مثله
يقرأ قرح ويقرأ قرح وبفتح القاف والراء
فالقرح مصدر قرح يقرح
قال الكسائي القرح والقرح واحد
وقال الفراء كان القرح الجراحات وكأن القرح ألالم

ثم قال عز و جل وتلك الايام نداولها بين الناس
أي تكون مرة للمؤمنين ليعزم الله عز و جل وتكون مرة للكافرين اذا عصى المؤمنون فأما اذا لم يعصوا فأن حزب الله هم الغالبون
ثم قال عز و جل وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لايحب الظالمين
أي ليعلم الله صبر المؤمنين اذا كانت الغلبة عليهم وكيف صبرهم
وقد كان سبحانه علم هذا غيبا الا ان علم الغيب لاتقع عليه مجازاة
فالمعنى ليعلمه واقعا علم الشهادة

وقال الضحاك قال المسلمون الذين لم يحضروا بدرا ليتنا لقينا العدو حتى نبلي فيهم ونقاتلهم فلقي المسلمون يوم أحد فاتخذ الله منهم الشهداء وهم الذين ذكرهم الله عز و جل فقال ويتخذ منكم الشهداء
والظالمون هنا الكافرون أي لم يتخذوا وهذه المحبة لهم
وقوله عز و جل وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين
قال مجاهد يمحص يبتلي
قال ابو جعفر قال ابو اسحاق قرات على ابي العباس محمد بن يزيد عن الخليل ات التمحيص التخليص يقال محصه يمحصه محصا اذا خلصه

فالمعنى على هذا ليبتلي المؤمنون ليثيبهم ويخلصهم من ذنوبهم ويستأصل الكافرين
وقوله عز و جل ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين
لما بمعنى لم الا ان لما عند سيبويه جواب لمن قال قد فعل ولم جواب لمن قال فعل
ومعنى الاية ولما يعلم الله ذلك واقعا منهم لانه قد علمه غيبا
وقيل المعنى لم يكن جهاد فيعلمه الله
وقوله عز و جل ولقد كنتم تمنون الموت من قبل ان تاقوه فقد رايتموه وانتم تنظرون

قال ابن نجيح عن مجاهد كان قوم من المسلمين قالوا بعد بدر ليت انه يكون قتال حتى نبلي ونقاتل فلما كان يوم احد انهزم بعضهم فعاتبهم الله على ذلك فقال ولقد كنتم تمنون الموت من قبل ان تلقوه فقد رايتموه
والتقدير في العربية ولقد كنتم تمنون سبب الموت ثم حذف وسبب الموت القتال
ثم قال تعالى فقد رايتموه وانتم تنظرون
وقال بعض اهل اللغة وانتم تنظرون محمدا
وقال سعيد الاخفش وانتم تنظرون توكيد
قال ابو جعفر وحقيقة هذا القول فقد رايتموه حقيقة وانتم بصراء متيقنون

وقوله عز و جل وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل
معنى خلت مضت
ثم قال تعالى أفان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم
قال قتادة أفان مات نبيكم او قتل رجعتم كفارا
وهذا القول حسن في اللغة وشبهه بمن كان يمشي الى خلفه بعدما كان يمشي الى امامه
وسيجزي الله الشاكرين
أي على هداهم وأنعم عليهم

ويقال انقلب على عاقبيه اذا رجع عما كان عليه
وأصل هذا من العاقبة والعقبى وهما ما يتلوا الشيء ويجب ان يتبعه وقال تعالى والعاقبة للمتقين ومنه عقب الرجل ومنه يقال جئت في عقب الشهر اذا جئت بعدمضى وجئت في عقبه وعقبه اذا جئت وقد بقيت منه بقية ومنه قوله تعالى له معقبات من بين يديه ومن خلفه
وقوله عز و جل ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الاخرة نؤته منها
المعنى ومن يرد ثواب الاخرة بالعمل الصالح
وهذا كلام مفهوم معناه كما يقال فلان يريد الجنة اذا كان يعمل عمل أهلها ولا يقال ذلك فاسق

وقوله عز و جل وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير
ويقرأ قاتل فمن قرا قتل معه ففيه عنده قولان
أحدهما روي عن عكرمة وهو ان المعنى وكاين من نبي قتل على انه قد تم الكلام ثم قال معه ربيون كثير بمعنى معه ربيون كثير
وهذا قول حسن على مذهب النحويين لانهم اجازوا رايت زيدا السماء تمطر عليه بمعنى والسماء تمطر عليه
والقول الاخر ان يكون المعنى قتل معه بعض الربيين وهذا معروف في اللغة ان يقال جاءني بني فلان وانما جاءك

بعضهم فيكون المعنى على هذا قتل معه بعض الربين
وقوله تعالى فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا
أي فما ضعف من بقي منهم كما قرىء ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلونكم فيه فان قتلوكم فاقتلوهم بمعنى فان قتلوا بعضكم
والقول الاول على ان يكون التمام عند قوله قتل وهو أحسن والحديث يدل عليه
قال الزهري صاح الشيطان يوم أحد قتل محمد فانهزم

جماعة من المسلمين
قال كعب بن مالك كنت اول من عرف رسول الله رايت عينيه من تحت المغفر فناديت بأعلى صوتي هذا رسول الله فأوما ألي ان اسكت فأنزل الله عز و جل وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير
وقال عبد الله ابن مسعود الربيون الالوف الكثيرة
وقال مجاهد وعكرمة والضحاك الربيون الجماعات
وقال ابن زيد الربيون الاتباع
ومعروف ان الربة الجماعة فهم منسبون الى الربة ويقال

للخرقة التي يجمع فيها القدح ربة وربة والرباب قبائل تجمعت
وقال ابان بن تغلب الربي عشرة آلاف
وقال الحسن رحمة الله عليه هم العلماء الصبر كانه أخذ من النسبة الى الرب تبارك وتعالى
ثم قال تعالى فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله
أي فما ضعفوا
والوهن في اللغة اشد الضعف
وما استكانوا أي وما ذلوا فعاتب الله عز و جل يهذا المسلمين بهذا لانهم كانوا يتمنون القتال

وقرا مجاهد فيما روي عنه ولقد كنتم تمنون الموت من قبل ان تلقوه وهي قراءة حسنة والمعنى ولقد كنتم تمنون الموت ان تلقوه من قبل أي من قبل ان تلقوه
وقوله عز و جل وما كان قولهم الا ان قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرفنا في امرنا
قال مجاهد يعني الخطايا الكبار
ثم قال تعالى وثبت اقدامنا
اي ثبتنا على دينك واذا ثبتهم على دينه ثبتوا في الحرب كما قال فتزل قدم بعد ثبوتها
وقال تعالى فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الاخرة
قال قتادة اعطوا النصر في الدنيا والنعيم في الاخرة

ثم قال عز و جل بل اله مولاكم وهو خير الناصرين
المولى الناصر فاذا كان ناصرهم لم يغلبوا
وقوله عز و جل سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما اشركوا بالله مالم ينزل به سلطانا
قال النبي نصرت بالرعب
والسلطان الحجة ومنه هلك عني سلطانيه أي حجتيه
وقوله تعالى ولقد صدقكم الله وعده اذ تحسونهم باذنه
قال قتادة تحسونهم تقتلونهم

ثم قال تعالى حتى اذا فشلتم وتنازعتم في الامر وعصيتم من بعد ما اراكم ما تحبوت
أي من هزيمة القوم و فشلتم جبنتم
قال عبد الله ابن مسعود امر النبي الرماة لن يثبتوا مكانهم فكانت للنبي في أول شيء فقال بعضهم نلحق الغنائم وقال بعضهم نثبت فعاقبهم الله بان قتل بعضهم
قال وما علمنا ان احدا منا يريد الحياة الدنيا حتى نزلت منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم

قال معنى ليبتليكم ليختبركم وقيل معناه ليبتليكم بالبلاء
وقوله عز و جل اذ تصعدون ولا تلوون على أحد
ويقرأ تصعدون بفتح التاء فمن ضمها فهو عنده من أصعد اذا ابتدا السير ومن فتحها فهو عنده من صعد الحبل وما اشبهه
ومعنى تلوون تعرجون
ثم قال عز و جل والرسول يدعوكم في أخراكم

قال ابو عبيدة معناه في اخركم
وقوله عز و جل فاثابكم غما بغم
في هذا قولان
أحدهما ان مجاهد قال الغم الاول القتل والجراح والغم الثاني انه صاح صائح قتل محمد فانساهم الغم ألاخر الغم الاول
والقول الآخر انهم غموا النبي في مخالفتهم أياه لانه أمرهم ان يثبتوا فخالفوا أمره فأثابهم الله بذلك الغم غمهم بالنبي صلى الله عليه و سلم

ومعنى فاثابهم أي فأنزل بهم ما يقوم مقام الثواب كما قال تعالى فبشرهم بعذاب اليم أي الذي يقوم لهم مقام البشارة عذاب اليم وانشد سيبويه ... تراد على دمن الحياض فا تعف ... فان المندى رحلة فركوب ...
أي الذي يقوم مقام التندية الرحلة والركوب
وقوله تعالى لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما اصابكم
والمعنى لكيلا تحزنوا على ما فاتكم انهم طلبوا الغنيمة ولا اصابكم في انفسكم من القتل والجراحات

وقوله عز و جل ثم انزل عليكم من بعد الغم امنة نعاسا
الامنة والامن واحد وهو اسم المصدر
وروي عن ابي طلحة انه قال نظرت يوم احد فلم ار الا ناعسا تحت ترسه
ثم قال تعالى يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم
يغشى طائفة منكم يعني بهذه الطائفة المؤمنين وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يعني بهذه الطائفة المنافقين

وقوله تعالى يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية
أي يظنون ان امر النبي قد أضمحل
ثم قال تعالى ظن الجاهلية أي هم في ظنهم بمنزلة الجاهلية
يقولون هل لنا من الامر شيء قل ان الامر كله لله
أي ينصر من يشاء ويخذل من يشاء
وقوله عز و جل قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم
أي لصاروا الى براز من الارض
وقوله عز و جل ان الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان انما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم

معنى استزلهم استدعى ان يزلوا كما يقال اتعجله أي استدعيت ان يعجل ومعنى استهزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا انه روي ان الشيطان ذكرهم خطاياهم فكرهوا القتل قبل التوبة ولم يكرهوا القتل معاندة ولا نفاقا فعفا الله عنهم
وقوله عز و جل وقالوا لاخوانهم اذا ضربوا في الارض او كانوا غزى لو كانوا عندنا ماتوا وما قتلوا
روى عيسى عن ابن ابي نجيح عن مجاهد قال هذا قول المنافق عبد الله بن أبي
وقوله عز و جل فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك

الفظ في اللغة الغليظ الجانب السىء الخلق يقال فظظت تفظ فظاظة ومعنى لا نفضوا من حولك لتفرقوا هذا قول ابي عبيدة
وكانه التفرق من غير جهة واحدة ويقال فلان يفض الغطاء أي يفرقه وفضضت الكتاب من هذا
وقوله عز و جل فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر
المشاورة في اللغة ان تظهر ما عندك وما عند صاحبك من الرأي والشوار متاع البيت المرئي وفي معنى الآية قولان
أحدهما ان الله امر النبي ان يشاورهم فيما لم يات فيه وحي لانه قد يكون عند بعضهم فيما يشاور فيه علم وقد يعرف

الناس من امور الدنيا ما لايعرفه الانبياء فاذاكان وحي لم يشاورهم
والقول الاخر ان الله عز و جل امره بهذا ليستميل به قلوبهم وليكون ذلك سنة لمن بعده
حدثني احمد ابن عاصم قال حدثنا عبد الله بن سعيد بن ابي مريم قال حدثنا ابي قال حدثنا ابن عيينة عن عمروا بن دينار عن ابن عباس وشاورهم في الامر
قال ابو بكر وعمر رضي الله عنهما
وقال الحسن أمر بذلك صلى الله عليه و سلم لتستن به امته
وقوله عز و جل ان ينصركم الله فلا غالب لكم وان يخذلكم ذا الذي ينصركم من بعده

الخذلان في اللغة الترك ومنه يقال تخاذل القوم اذا انماز بعضهم من بعض ويقال ظبية خاذلة اذا انفردت عن القطيع قال زهير ... بجيد مغزلة أدماء خاذلة ... من الظباء تراعي شادنا خرقا
...
وقوله عز و جل وما كان لنبي ان يغل
وتقرأ يغل ومعنى يغل يخون وروى ابو صخر عن محمد بن كعب في معنى وما كان لنبي ان يغل قال يقول ما كان لنبي ان يكتم شيئا من كتاب الله عز و جل
ويغل يحتمل معنيين

أحدهما ان يلفي غالا أي خائنا كما تقول أحمدت الرجل اذا اصبته محمودا وأحمقته اذا اصبته أحمق
قالوا ويقوي هذا القول انه روي عن الضحاك انه قال يغل يبادر الغنائم لئلا تؤخذ
والمعنى الآخر ان يكون يغل بمعنى يغل منه أي يخان منه
وروى عن قتادة ان معنى يغل يخان
وقد قيل فيه قول ثالث لا يصح وهو ان معنى يغل يخون ولوكان كذلك لكان يغلل
ثم قال عز و جل ومن يغغل يأت بما غل يوم القيامة
وروي عن النبي انه قال لا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة

القيامة ومعه شاة لها ثغاء فيقول يا محمد فأقول لا أملك لك من الله شيئا
والغلول في اللغة ان يأخذ من المغنم شيئا يستره عن أصحابه ومنه يقال للماء الذي يجري بين الشجر غلل كما قال الشاعر ... لعب السيول به فاصبح ماؤه ... غللا يقطع في اصول الخروع ...
ومنه الغلالة ومنه يقال تغلغل فلان في الامر والاصل تغلل
ومنه في صدره علي غل أي حقد ومنه غللت لحيتي وغليتها
وقوله عز و جل تعالى أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله

قال الضحاك افمن اتبع رضوان الله من لم يغل كمن باء بسخط من الله كمن غل
ومعنى باء احتمل
ثم قال عز و جل هم درجات عند الله والله بيصير بما يعملون
قال مجاهد المعنى لهم درجات عند الله والتقدير في اللغة العربية هم ذوو درجات ثم حذف والمعنى بعضهم أرفع درجة من بعض
وقيل هم لمن اتبع رضوان الله ولمن باء بسخطه أي لكل واحد مهم جزاء عمله بقدر

وقوله عز و جل لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم
أي ممن يعرفونه بالصدق والامانة وجاءهم بالبراهين ولم يعرفوا منه كذبا قط
وقوله عز و جل أولما أصابكم مصيبة قد أصبتم مثليها
قال الضحاك قتل من المسلمين يوم أحد سبعون رجلا وقتل من المشركين يوم بدر سبعون واسر سبعون فذلك قوله تعالى قد اصبتم مثليها يوم بدر ويوم أحد
ومعنى قل هو من عند أنفسكم بذنبكم وبما كسبت أيديكم لان الرماة خالفوا النبي ولم يثبتوا كما

أمرهم
ومعنى او إدفعوا أي كثروا وان لم تقاتلوا ومعنى فادراءوا فادفعوا
وقوله عز و جل و لاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون
روي ان ارواح الشهداء تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي الى قناديل معلقة عند العرش
وقوله عز و جل فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهمم من خلفهم الا خوف عليهم ولا هم يحزنون

والمعنى لم يلحقوا بهم في الفضل وان كان لهم فضل
قوله عز و جل يستبشرون بنعمة من الله وفضل وان الله لا يضيع أجر المؤمنين
والمعنى ويسبشرون بأن الله لا يضيع أجر المؤمنين
ويقرأ وان الله بكسر الالف لا يضيع اجر المؤمنين على انه مقطوع من الاول
والمعنى وهو سبحانه لا يضيع أجر المؤمين ثم جيء بإن توكيدا
وقوله عز و جل الذين استجابوا لله ورسوله من بعد ما اصابهم القرح
روى عكرمة عن ابن عباس ان المشركين يوم أحد لما انصرفوا فبلغوا الى الروحاء حرض بعضهم بعضا على الرجوع

لمقاتلة المسلمين فبلغ ذلك النبي فندب أصحابه للخروج فانتدبوا حتى وفوا يعني حمراء الاسد وهي على ثمانية اميال من المدينة فأنزل الله عز و جل الذين استجابوا لله ورسوله من بعد ما اصابهم القرح
وقوله عز و جل الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم
قيل انه يعني بالناس نعيم بن مسعود وجهه ابو سفيان يثبط أصحاب النبي ومجازة في اللغة ان يراد به نعيم وأصحابه
وقال ابن اسحاق الذين قال لهم الناس هم نفر من عبد القيس

قالوا أبا سفيان ومن معه راجعون اليكم
ثم قال تعالى فزادهم ايمانا أي فزادهم التخويف أيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل أي كافينا الله يقال أحسبه اذا كفاه
وقوله عز و جل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء
قال عكرمة عن ابن عباس لما وافدوا بدرا وكان أبو سفيان قد قال لهم موعدكم بدرا موضع قتلتم أصحابنا فوافى النبي وأصحابه بدرا واشترى المسلمون بها أشياء ربحوا فيها

فالمعنى على هذا فانقلبوا بنعمة من الله وفضل من انصراف عدوهم وفضل في تجارتهم
وقوله عز و جل انما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه
يقال كيف يخوف من تولاه فروي عن ابراهيم النخعي يخوفكم اولياءه قيل هذا حسن في العربية كما تقول فلان يعطي الدنانير أي يعطي الناس الدنانير والتقدير على هذا يخوف المؤمنون بأوليائه ثم حذفت الباء وأحد المفعولين ونظيره قوله عز و جل لينزر باسا شديدا وأنشد سيبويه فيما حذفت منه الباء ... امرتك الخير فافعل ما أمرت به ... فقد ركتك ذا مال وذا نشب ...
...
وأولياؤه هاهنا الشياطين وقد قيل ان معنى يخوف

اولياءه يخوف المنافقين الفقر حتى لا ينفقوا لانهم اشد خوفا
وقوله عز و جل ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما
في معناه قولان
أحدهما ما رواه الاسود عن عبد الله بن مسعود انه قال الموت خير للمؤمن والكافر ثم تلا وما عند الله خير للابرار و انما نملي لهم ليزدادوا اثما
والقول الاخر ان هذه الاية مخصومة أريد بها قوم بأعيانهم لا يسلمون كما قال جل وعز ولا انتم عابدون ما أبد

وقوله عز و جل وكان الله ليذر المؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب
قال قتادة حتى يميز الكافر من المؤمن
وقال إن ابي نجيح عن مجاهد حتى يميز المؤمن من المنافق وكان هذا يوم أحد بين فيه المؤمن من المنافق حتى قتل من المسلمين من قتل
ثم قال تعالى وما كان الله ليطلعكم على الغيب
أي ليس يخبركم من يسلم ومن يموت على الكفر
ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء قال مجاهد أي يخلصهم لنفسه
وقوله عز و جل و لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من

فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة
في ألاية قولان
أحدهما انه يراد به اليهود لانهم بخلوا ان يخبروا بصفة النبي فهي على هذا للتمثيل أي سيد طوقون الاثم
والقول الاخر هو الذي عليه اهل الحديث أنه روى ابو وائل عن عبد الله ابن مسعود ان النبي قال ما من رجل له مال ثم بخل بالحق في ماله الا طوق الله يوم القيامة شجاعا أقرع ثم تلا مصداق ذلك و لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله الى قومه سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة

ثم قال عز و جل ولله ميراث السماوات والارض والله بما تعملون خبير
العرب تسمي كل ما صار الى الانسان مما قد كان في يد غيره ميراثا فخوطبوا على ما يعرفون لان الله يغني الخلق وهو خير الوارثين
وقوله عز و جل لقد سمع الله قول الذين قالوا ان الله فقير ونحن اغنياء
قال الحسن لما نزلت من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيرة
قالت اليهود أو هو فقير يستقرض يموهون بذلك على ضعفائهم فأنزل الله عز و جل لقد سمع الله قول الذين قالوا ان الله فقبر ونحن اغنياء

المعنى إنه على قول محمد فقير لانه اقترض منا فكفروا بهذا القول لانهم أرادوا تكذيب النبي به وتشكيكا للمؤمنين في الاسلام
ثم قال تعالى سنكتب ما قالوا وقتلهم الانبياء بغير حق
سنحصيه ويجوز سيكتب ما قالوا أي سيكتب الله ما قالوا
ثم قال تعالة ونقول ذوقوا عذاب الحريق أي عذاب النار لان من العذاب ما لايحرق
وقوله عز و جل فان كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير

الزبر جمع البور وهو الكتاب يقال زبرت اذا كتبت
ثم قال تعالى كل نفس ذائقة الموت وانما توفون أجوركم يوم القيامة
وهذا تمثيل والمعنى كل نفس كل نفس ميتة وأنشد أهل اللغة ... من لم يمت عبطه يمتهرما ... للموت كاس فالمرء ذائقها ...
...
ثم قال جل وعز فمن زحزج عن النار وأدخل الجنة فقد فاز
زحرج نحي و فاز اذا نجا واغتبط بما هو فيه فأما

قولهم مفازة فانما هو على التفاؤل كما يقال للاعمى بصير وقد قيل ان مفازة من قوله فوز الرجل اذا مات وهذا القول ليس بشيء لان قولهم فوز الرجل انما هو على التفاؤل ايضا
وقوله عز و جل لتبلون في أموالكم وأنفسكم
قيل معناه لتختبران وقيل معناه لتصابن
والمعنيان يرجعان الى شيء واحد
ثم قال تعالى ولتسمعن من الذين اتوا الكتاب من قبلهم ومن الذين اشركوا اذى كثيرا روي ان ابا بكر رحمة الله عليه سمع رجلا من اليهود يقول أو هو فقير يستقرض فلطمه فشكاه اليهودي الى النبي فأنزل الله عز و جل واتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا أذى

وأذى مصور أذي يأذي اذا تأوى
وقوله عز و جل واذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه
قال سعيد بن جبير يعني النبي والمعنى على هذا لتبين أمر النبي ولا تكتمونه
وقال قتادة هذا ميثاق اخذه الله عز و جل على اهل العلم فمن علم سيئا فليعلمه واياكم وكتمان العلم

ثم قال تعالى فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا
فنبذوه وراء ظهورهم أي تركوه ثم بين لم فعلوا ذلك فقال واشتروا به ثمنا قليلا أي أخذ الرشا وكرهوا ان يتبعوا الرسول فتبطل رياستهم
وقوله عز و جل لا يحسبن الذين يفرحون بما أوتوا ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا
روي عن مروان انه وجه الى ابن عباس يقول أكل من فرح بما أتى واحب ان يحمد بما لم يفعل يعذب
فقال ابن عباس هذا في اليهود لان النبي سألهم عن شيء فلم يخبروه به واخبروه بغيره واحبوا أن يحمدوا بذلك وفرحوا بما اتوا من كتمانهم النبي فأنزل الله عز و جل لا تحسبن الذين يفرحون بما اتوا ةيحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا الايه

وروى سعيد بن جبير انه قرأ لاتحسبن الذين يفرحون بما اتوا قال اليهود فرحوا بما أوتي ال ابراهيم من الكتاب والحكم والنبوة
ثم قال سعيد بن جبير ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا قولهم نحن على دين ابراهيم

ثم قال عز و جل فلا تحسبنهم بمازة من العذاب
أي بمنجاة ولهم عذاب اليم أي مؤلم
ثم قال عز و جل ولله ملك السموات و الارض والله على كل شيء قدير
أي هو خالقهما وخالق ما فيهما
وهذا تكذيب للذين قالوا ان الله فقير ونحن اغنياء
ثم قال عز و جل ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لاولي الالباب أي لعلامات دالة عليه والالباب العقول
وقوله عز و جل الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم
في معنى الآية قولان
أحدهما روي عن عبد الله بن مسعود انه قال من لم

يستطيع ان يصلي قائما صلى قاعدا والا وضجعا
والقول الاخر انهم الذين يوحدون الله عز و جل على كل حال ويذكونه والقول الاول ليس بصحيح الاسناد
وايضا فان الله تعالى انما وصف أولي الالباب بالذكر له على كل الاحوال التي يكون الناس عليها
ويبين لك هذا حديث ابن عباس حين بات عند النبي قال فاستوى على فراشه قاعدا ثم رفع رأسه الى السماء ثم قال سبحان الملك القدوس ثلاث مرات وقرأ ان في خلق السموات والارض حتى ختم السورة

ثم قال عز و جل ويتفكرون في خلق السموات و الا رض
أي ليكون ذلك أزيد في بصيرتهم
ثم قال عز و جل ربنا ما خلقت هذا باطلا أي يقولون ربنا ما خلقت هذا باطلا فحذف يقولون
ثم قال عز و جل سبحانك فقنا عذاب النار
روي عن طلحة بن عبيد الله انه قال سألت النبي عن سبحان فقال تنزيه الله عن السوء

وأصل التنزيه في ياللغة البعد أي التنزيه الله عز و جل عن الانداد والاولاد
وقوله عز و جل ربنا انك من تدخل النار فقد اخزيته
حدثنا عبد الله بن احمد بن عبد السلام قال حدثنا ابو الازهر إملأ قال حدثنا مؤمل بن أسماعيل قال حدثنا ابو هلال عن قتادة عن أنس في قوله عز و جل انك تدخل انار فقد اخريته قال من خلد في النار فقد اخزيته
قال ابو الازهر وحدثنا روح حدثنا حماد بن زيد عن جويبر عن الضحاك انه تلا حديث الشفاعة فقال له رجل انك من تدخل النار فقد اخزيته قال ذلك لهم خزي
فمن ادخل النار فقد خزي وان أخرج منها لان الخزي

انما هو هتك ستر المخزى وفضيحته يقال خزي يخزى اذا ذل وأخزيته اذا أذللته اذلالا يبين عليه وقوله عز و جل ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي للايمان قال محمد ابن كعب هو القرآن وليس كلهم سمع النبي
وقوله عز و جل ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك
لانه وعد من وحده وآمن الجنة
وقوله عز و جل فاستجاب لهم ربهم اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى

ويقرا اني لا اضيع عمل عامل منكم على معنى اني والفتح بمعنى باني لا اضيع عمل عامل منك من ذكر او انثى وروي ان سلمة قالت يارسول الله ما سمعت الله ذكر النساء في الهجرة
فنزل الله عز و جل فاستجاب لهم ربهم اني لا اضيع عما عامل منكم من ذكر أولا انثى بعضكم من بعض
وقوله عز و جل ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب
أي جزاء وأصله من ثاب يثوب اذا رجع والتثويب في النداء ترجيع الصوت
وقوله عز و جل لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد

أي يغرنك تصرفهم وسلامتهم فان اخر مصيرهم الى النار فمن كان آخر مصير الى النار لم يغبط
وقوله عز و جل وان من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما انزل اليكم وما انزل اليهم
روي عن النبي صلى على النجاشي وترحم عليه فقال قوم من المنافقيت صلى عليه وليس من أهل دينه فانزل الله عز و جل وان من اهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما انزل اليكم وما انزل اليهم خاشعين لله أي متواضعين ومنه قال الشاعر واذا افتقرت لاتكن متخشعا وتجمل
ثم قال عز و جل لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا
لانه قد اخبر ان منهم من يثبت على دينه لاخذ الرشا ولئلا تبطل رياسته

قوله عز و جل ياايها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا
أي اصبروا على دينكم وصابروا قال قتادة أي صابروا المشركين
ورابطوا قال قتادة أي جاهدوا
وأصل الرباط والمرابطة عند اهل اللغة ان العدو يربطون خيولهم ويربط المسلمون تحزرا ثم كثر استعمالهم لها حى قيل لكل من اقام بالثغر مرابط
حدثنا عبد الله بن احمد بن عبد السلام قال حدثنا الدرامي قال حدثنا يحيى ابن ابي بكير قال حدثنا جسر عن الحسن ياايها الذين امنوا اصبروا قال عن المصائب وصابروا

قال الصلوات الخمس ورابطوا اعداء الله في سبيل الله
ثم قال عز و جل واتقوا الله أي لم تؤمروا بالجهاد فقط فاتقوا الله عز و جل فيما امركم به ونهاكم عنه
ثم قال عز و جل لعلكم تفلحون أي لتكونوا على رجاء من الفلاح واصل الفلاح البقاء والخلود وقد بيناه فيما تقدم
تمت سورة آل عمران 2


تفسير سورة النساء مدنية وآياتها 176 آية

سورة النساء وهي مكية 1 من ذلك قوله عز و جل يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها قال مجاهد خلقت حواء من قصيرى آدم وفي الحديث خلقت المرأة من ضلع عوجاء

وقيل منها من جنسها 2 ثم قال تعالى وبث منهما رجالا كثيرا ونساء يقال بثثت الشيء وأبثثته اذا نشرته ومنه كالفراش المبثوث 3 وقوله عز و جل واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا قال عكرمة المعنى واتقوا الارحام أن تقطعوها وقال إبراهيم هو من قولهم أسألك بالله والرحم قال أبو جعفر وهذا على قراءة من قرأ بالخفض

4 - وقوله عز و جل وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب قال الضحاك لا تعطوهم زيوفا بجياد وقال غيره لا تتبدلوا الحرام بالحلال 5 ثم قال تعالى ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم قيل المعنى مع أموالكم والاجود أن تكون الى في موضعها ويكون المعنى ولا تضموا أموالهم الى أموالكم

6 - ثم قال عز و جل انه كان حوبا كبيرا قال قتادة الحوب الاثم وروي أن أبا أيوب طلق امرأته أو عزم على أن يطلقها فقال النبي صلى الله عليه و سلم ان طلاق أم أيوب لحوب 7 وقوله عز و جل وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى يقال أقسط الرجل اذا عدل وقسط اذا جار فكأن أقسط أزال القسوط فأما معنى وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فأنكحوا ما طاب لكم من النساء ففيه قولان أحدهما أن ابن عباس قال فيما روي عنه قصر الرجل على أربع من أجل اليتامى

وروي عن جماعة من التابعين شرح هذا القول وروي عن مجاهد والضحاك وقتادة وهذا معنى قولهم ان المسلمين كانوا يسألون عن أمر اليتامى لما شدد في ذلك فقال جل وعز وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى أي فكما تخافون في أمر اليتامى فخافوا في أمر النساء اذا اجتمعن أن تعجزوا عن العدل بينهن والقول الآخر رواه الزهري عن عروة عن عائشة قال سألت عائشة عن قول الله جل وعز وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء فقالت يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها فيعجبه مالها وجمالها فيريد تزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعيطها مثل ما يعطيها غيره

فنهوا أن ينكحوا اليتامى اذا خافوا هذا وأبيح لهم من النساء أربع قالت عائشة ثم ان الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد هذه الآية فأنزل الله عز و جل ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن الى قوله وترغبون أن تنكحوهن قالت والذي ذكر الله أنه يتلى عليكم في الكتاب الآية الاولى التي فيها فانكحوا ما طاب لكم من النساء قالت وقوله وترغبون أن تنكحوهن رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء الا بالقسط من أجل رغبتهن وأهل النظر على هذا القول

قال أبو العباس محمد بن يزيد التقدير وان خفتم ألا تقسطوا في نكاح اليتامى ثم حذف هذا ودل عليه فانكحوا وقد قال بالقول الاول جماعة من أهل اللغة منهم الفراء و ابن قتيبة والقول الثاني أعلى اسنادا وأجود عند أهل النظر وأما من قال معنى مثنى وثلاث ورباع تسع فلا

يلتفت الى قوله ولا يصح في اللغة لان معنى مثنى عند أهل العربية اثنتين اثنتين وليس معناه اثنتين فقط وأيضا فان من كلام العرب الاختصار ولا يجوز أن يكون معناه تسعا لانه لو كان معناه تسعا لم يكن اختصارا أن يقال انكحوا اثنتين وثلاثا وأربعا لان تسعا أخصر من هذا وأيضا فلو كان على هذا القول لما حل لاحد أن يتزوج الا تسعا أو واحدة فقد تبين بطلان هذا 8 وقوله عز و جل ذلك أدنى ألا تعولوا أدنى بمعنى أقرب وروى عمر بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله عز و جل ذلك أدنى ألا تعولوا قال أن لا تجوروا

وقال ابن عباس والحسن وأبو مالك ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك معنى أن لا تعولوا أن لا تميلوا وقال أبو العباس في قول من قال أن لا تعولوا من العيال هذا باطل وخطأ لانه قد أحل له مما ملكت اليمين ما كان من العدد وهن مما يعال

وأيضا فانه انما ذكر النساء وما يحل منهن والعدل بينهن والجور فليس ل أن لا تعولوا من العيال ههنا معنى وهو على قول أهل التفسير أن لا تميلوا ولا تجوروا ومنه عالت الفريضة اذا زادت السهام فنقص من له الفرض ومنه معولتي على فلان أي أنا أميل اليه وأتجاور في ذلك ومنه عالني الشيء اذا تجاوز المقدار ومنه فلان يعول والعويل انما هو المجاوزة وأيضا فانه انما يقال أعال الرجل يعيل اذا كثر عياله 9 وقوله عز و جل وآتوا النساء صدقاتهن نحلة قيل يعنى به الازواج ويروى أن الولي كان يأخذ الصدقة لنفسه فأمر الله عز و جل أن يدفع الى النساء هذا قول أبي صالح

وقال ابو العباس معنى نخلة أنه كان يجوز أن لا يعطين من ذلك شيئا فنحلهن الله عز و جل اياه وقيل معنى نحلة دينا من قولهم فلان ينتحل كذا أي تعبدا من الله جل وعز وقيل فرضا والمعنى واحد لان الفرض متعبد به وقيل لا يكون نحلة الا ما طابت به النفس فأما ما أكره عليه فلا يكون نحلة 10 وقوله عز و جل فان طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا

يعني الصداق أي لا كدر فيه يقال أمرأني الشيء بالالف فاذا قلت هنأني ومرأني هذا مذهب أكثر أهل اللغة قالوا للاتباع وأما أبو العباس فقال لا يقال في الخير الا أمرأني ليفرق بينه وبين الدعاء والمروءة من هذا لان صاحبها يتجشم أمورا يستمرىء عاقبتها 11 وقوله عز و جل ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما قال عبد الله بن عمر وجماعة من التابعين السفهاء النساء والصبيان

وانما قالوا هذا لان السفه في هؤلاء أكثر والسفه الجهل وأصله الخفة يقال ثوب سفيه اذا كان خفيفا وقيل للفاسق سفيه لانه لا قدر له عند المؤمنين وهو خفيف في أعينهم هين عليهم والمعنى ولا تؤتوا السفهاء فوق ما يحتاجون اليه فيفسدوه والدليل على هذا قوله بعد وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا أي علموهم أمر دينهم 12 وقوله عز و جل وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح قال الحسن أي اختبروهم

13 - وقوله تعالى فان آنستم منهم رشدا آنستم بمعنى علمتم وأحسستم ومنه قول الشاعر آنست نبأة وأفزعها القناص عصرا وقد دنا الامساء والرشد الطريقة المستقيمة قال مجاهد العقل وقال سفيان العقل والحفظ للمال قال أبو جعفر وهذا من أحسن ما قيل فيه لانه أجمع أهل العلم على أنه اذا كان عاقلا مصلحا لم يكن ممن يستحق الحجر عليه في ماله

14 - ثم قال تعالى فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا أي مبادرة أن يكبروا فيأخذوها منكم 15 وقوله عز و جل ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف في هذه الآية أقوال أجودها أن لولي اليتيم ما للولي أن يأخذ منه ان كان فقيرا بمقدار ما يقوم به وكذلك روي عن عمر أنه قال أنا في هذا المال بمنزلة ولي اليتيم يأخذ منه ما يصلحه اذا احتاج

وروى القاسم بن محمد أن أعرابيا سأل ابن عباس ما يحل لي من مال يتيمي فرخص له أن يأخذ منه اذا كان يخدمه ما لم يسرف وقال عبيدة والشعبي وأبو العالية ليس له أن يأخذ شيئا الا قرضا وحدثنا عمر بن اسماعيل بن أبي غيلان قال حدثنا داود الضبي قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن عاصم عن أبي العالية ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف قال قرضا ثم تلا هذه الآية فاذا دفعتم اليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وقال أبو يحيى عن مجاهد ليس له أن يأخذ قرضا ولا غير ذلك

وقال بهذا القول من الفقهاء أبو يوسف وذهب الى أن الآية منسوخة نسخها قوله يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة وليس بتجارة 16 وقوله عز و جل للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون يروى أنهم كانوا لا يورثون النساء وقالوا لا يرث الا من طاعن بالرمح وقاتل بالسيف فأنزل الله وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا 17 وقوله عز و جل واذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين

في هذه الآية أقوال أحدهما أنها منسوخة قال سعيد بن المسيب نسختها الميراث والوصية والاجماع من أكثر العلماء في هذا الوقت أنه لا يجب اعطاؤهم وانما هذا على جهة الندبة الى الخير أي اذا حضروا فأعطوهم كما كان المتوفى يؤمر باعطائهم وقال عبيدة والشعبي والزهري والحسن هي محكمة قال ابن أبي نجيح يجب أن يعطوا ما طابت به الانفس

قال أبو جعفر وأن يكون ذلك شكرا على ما رزقهم الله دونه 18 ثم قال تعالى وقولوا لهم قولا معروفا قال سعيد بن جبير يقال لهم خذوا بورك لكم 19 وقوله عز و جل وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم قال سعيد بن جبير ومجاهد في الرجل يحضر عند المريض فيقول له قدم خيرا أو تصدق على أقربائك فأمروا أن يشفقوا على ورثة المريض كما يشفقون على ورثتهم وقال مقسم يقول له من حضره اتق الله وأمسك عليك مالك فليس أحد أحق بمالك من ولدك ولو كانوا ذوي

قرابة من الذي أوصى لاحبوا أن يوصي لاولادهم وقول سعيد بن جبير أشبه بمعنى الآية والله أعلم لان المعنى خافوا عليهم الفقر فالخوف واقع على ذرية الموتى 20 وقوله عز و جل إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما اليتيم في اللغة المنفرد فقيل لمن مات أبوه من بني آدم يتيم وهو في البهائم الذي ماتت أمه

21 - وقوله تعالى إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا هذا مجاز في اللفظ وحقيقته في اللغة أنه لما كان ما يأكلون يؤديهم الى النار كانوا بمنزلة من يأكل النار وان كانوا يأكلون الطيبات 22 وقوله عز و جل يوصيكم الله في أولادكم أي يفرض عليكم كما قال ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ذلكم وصاكم به 23 ثم قال تعالى للذكر مثل حظ الانثيين

خلافا على أهل الجاهلية لانهم كانوا لا يورثون الاناث 24 وقوله عز و جل فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك ولم يسم للاثنتين شيئا ففي هذا أقوال أ منها أنه قيل ان فوقا ههنا زائدة وأن المعنى فان كن نساء اثنتين كما قال فاضربوا فوق الأعناق ب وقيل أعطي الاثنتان الثلثين بدليل لا بنص

لان الله عز و جل جعل هذه الاشياء يدل بعضها على بعض ليتفقه لها المسلمون والدليل أنه جعل فرض الاخوات والاخوة للام اذا كن اثنتين أو أكثر واحدا فقال عز و جل وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فان كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ج ودليل آخر أنه جعل فرض الاخت كفرض البنت فلذلك يجب أن يكون فرض البنتين كفرض الاختين

قال الله عز و جل يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وقال أبو العباس محمد بن يزيد في الآية نفسها دليل على أن للبنتين الثلثين لانه قال للذكر مثل حظ الانثيين وأقل العدد ذكر وأنثى فاذا كان للواحدة الثلث دل ذلك على أن للانثيين الثلثين فهذه أقاويل أهل اللغة وقد قيل ليس للبنات الا النصف والثلثان فلما وجب أن لا يكون للابنتين وجب أن يكون لهما الثلثان على أن ابن عباس قال لهما النصف وقد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه أعطى البنتين الثلثين وروى جابر بن عبد الله أن امرأة سعد بن الربيع أتت النبي صلى الله عليه و سلم فقالت يارسول الله ان زوجي قتل معك وانما

يتزوج النساء للمال وقد خلفني وخلف ابنتين وأخا وأخذ الاخ المال فدعاه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ادفع اليها الثمن والى البنتين الثلثين ولك ما بقي 25 وقوله عز و جل فان كان له أخوة فلامه السدس أجمعت الفقهاء أن الاخوة اثنان فصاعدا الا ابن عباس فانه قال لا يكون الاخوة أقل من ثلاثة والدليل على أن الاثنين يقال لهما اخوة قوله وان كانوا اخوة رجالا ونساء فلا اختلاف بين أهل العلم أن هذا يكون للاثنين فصاعدا والاثنان جماعة لانه واحد جمعته الى آخر

وقال وأطراف النهار يعني طرفيه والله أعلم وصلاة الاثنين جماعة 26 وقوله عز و جل من بعد وصية يوصي بها أو دين روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال انكم تقرؤون من بعد وصية يوصي بها أو دين وان رسول الله صلى الله عليه و سلم قضى بالدين قبل الوصية قال أبو جعفر كأن هذا على التقديم والتأخير وليست أو ههنا بمعنى الواو وانما هي للاباحة والفرق بينها وبين الواو أنه لو قال من بعد وصية يوصي بها ودين جاز أن يتوهم السامع بأن هذا اذا اجتمعا فلما جاء

بأو جاز أن يجتمعا وأن يكون واحد منهما 27 وقوله عز و جل آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا قال ابن عباس في الدنيا وقال غيره اذا كان الابن أرفع درجة من الاب سأل الله أن يلحقه به وكذلك الاب اذا كان أرفع درجة منه 28 ثم قال تعالى فريضة من الله ان الله كان عليما حكيما أي عليم بما فرض حكيم به ومعنى كان ههنا فيه أقوال أحدهما أن معناه لم يزل كأن القوم عاينوا حكمة

وعلما فأعلمهم الله عز و جل أنه لم يزل كذلك وقيل الاخبار من الله في الماضي والمستقبل واحد لانه عنده معلوم 29 وقوله تعالى وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة في الكلالة أقوال قال البصريون الكلالة الميت الذي لا ولد له ولا والد واحتجوا بأنه روي عن أبي بكر باختلاف وعن علي وزيد بن ثابت وابن مسعود وابن عباس وجابر بن زيد أنهم قالوا

الكلالة من لا ولد له ولا والد وقال البصريون هذا مثل قولك رجل عقيم اذا لم يولد له وهو مشتق من الاكليل فكأن الورثة قد أحاطوا به وليس له ولد ولا والد فيجوز المال وقال أهل المدينة وأهل الكوفة الكلالة الورثة الذين لا والد فيهم ولا ولد وروي عن عمر قولان أحدهما أن الكلالة من لا ولد له ولا والد والآخر أنها من لا ولد له

قال أبو جعفر روي عن عطاء قول شاذ قال الكلالة المال وقال ابن زيد الكلالة الميت الذي لا والد له ولا ولد والحي كلهم كلالة هذا يرث بالكلالة وهذا يورث بالكلالة وقال محمد بن جرير الصواب أن الكلالة الذي يرثون الميت من عدا ولده ووالده لصحة خبر جابر يعني ابن عبد الله أنه قال قلت يا رسول الله انما يرثني كلالة فكيف بالميراث فنزلت 30 ثم قال تعالى وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس

وانما يعني ههنا الاخوة والاخوات للام وكذلك روي عن سعد بن أبي وقاص أنه قرأ وله أخ أو أخت من أمه فلكل واحد منهما السدس وقرأ الحسن وأبو رجاء يورث كلالة وقال هارون القارىء قرأ بعض أهل الكوفة يورث كلالة فعلى هاتين القراءتين لا تكون الكلالة الا الورثة أو المال 31 وقوله عز و جل من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار وروي عن الحسن أنه قرأ غير مضار وصية من الله مضاف وقد زعم بعض أهل اللغة أن هذا لحن لان اسم الفاعل لا يضاف الى المصدر

والقراءة حسنة على حذف والمعنى غير مضار ذي وصية أي غير مضار بها ورثته في ميراثهم 32 وقوله عز و جل تلك حدود الله أي ما منع أن يجاوز وحددت منعت 33 ثم قال تعالى ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الانهار أي من يطعه فيما فرض وحد 34 ثم قال تعالى ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا معنى يتعدى يتجاوز أي يتجاوز ما حد له

35 - وقوله عز و جل واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فان شهدوا فأمسكوهن في البيوت هذه الآية منسوخة قال ابن عباس كان الامر كذا حتى نزلت الآية الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة فأما معنى الآية المنسوخة فان سفيان والسدي فالا كان الثيب اذا زنا حبس حتى يموت وكان البكر اذا زنا سب بالقول الا أن الفائدة في الآية كان لا يقبل في الزنا الا اربعة

وزعم مجاهد أن قوله واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم أنها كانت خاصة على النساء دون الرجال والتي بعدها على الرجال خاصة وهي واللذان يأتيانها منكم فآذوهما بالسب ثم نسختا بالحد المفروض هذا معنى قوله قال ابو جعفر وهذا الصحيح في اللغة الذي هو حقيقة فلا يغلب المذكر على المؤنث الا بدليل فأما معنى أو يجعل الله لهن سبيلا فان عبادة بن الصامت روى أن النبي صلى الله عليه و سلم قال خذوا عني قد جعل الله لهن

سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم قيل هذا الحديث منسوخ وهو أن الثيب لا جلد عليه وانما عليه الرجم ونسخ هذا الحديث حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد أ رجلا أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله ان ابني كان عسيفا لهذا وانه فسق بامرأته فافتديت منه ثم خبرت أ على ابني جلد مائة وتغريب عام وعلى امرأته الرجم فقضى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يرد عليه ما أخذ منه وأن يجلد ابنه مائة ويغرب عاما وترجم المرأة ولم يأمر بجلدها

ويقال ان حديث عبادة كان في الابتداء وان التغريب لا يجب الا أن يراه السلطان لانه يجوز أن يكون التغريب منه صلى الله عليه و سلم لشيء علمه من المجلود وقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه ان على الثيب الجلد والرجم هو قول أهل النظر لانه لم يتبين نسخ الجلد مع الرجم فالجلد ثابت وعليه غير دليل 36 وقوله عز و جل انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة قال قتادة اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فرأوا أن كل من عصى الله عز و جل فهو جاهل

37 - وقوله عز و جل ثم يتوبون من قريب روي عن الضحاك أنه قال كل ما كان دون الموت فهو قريب 38 وقوله عز و جل وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر أحدهم الموت قال اني تبت الآن روي عن عبدالله بن عمر أنه قال ما حضور الموت الا السوق يعني أنه اذا عاين تبين له الحق ولا تنفعه التوبة عند ذلك كما قال عز و جل عن فرعون آمنت 39 وقوله عز و جل يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها

قال الزهري وأبو مجلز كان هذا في حي من الانصار كان الرجل اذا توفي وخلف امرأة ألقى عليها وليه رداء فلا تقدر أن تتزوج هذا معنى كلامهما وزاد غيرهما ويتزوجها بغير مهر وربما ضارها ولا تقدر أن تتزوج حتى تفتدي منه فأنزل الله عز و جل يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها الآية فيكون المعنى لا يحل لكم أن ترثوهن من أزواجهن فتكونوا أزواجا لهن ويجوز أن يكون المعنى لا تتزوجوهن لترثوهن كرها فيكون الميراث وقع منهن بالكراهة منهن للعقد الموجب للميراث

ويقرأ كرها والفراء يذهب الى أن معنى كرها أن تكره على الشيء والكره من قبله يذهب الى أنه بمعنى المشقة قال الكسائي الكره والكره واحد وهو عند البصريين كما قال الكسائي وهما لغتان 40 وقوله عز و جل ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن قال مجاهد هو مثل الذي في البقرة يذهب الى أن معناه ولا تحبسوهن

ويروى أن الرجل كان يتزوج المرأة فلا تعجبه فيحبسها ويضارها حتى تفتدي منه 41 ثم قال عز و جل الا أن يأتين بفاحشة مبينة قال الحسن والشعبي يعني الزنا قال الشعبي فان فعلت ذلك صلح لخلع وكان له أن يطالبها به وقال مقسم هذا اذا عصتك وآذتك وقال عطاء الخراساني كان الرجل اذا تزوج المرأة فأتت بفاحشة كان له أن يأخذ منها كلما ساقه اليها فنسخ ذلك

بالحدود 42 وقوله عز و جل وعاشروهن بالمعروف أي في المبيت والنفقة والكلام 43 وقوله عز و جل وان أردتم استبدال زوج مكان زوج أي تطليقا وتزوجا

ثم قال وآتيتم احداهن قنطارا القنطار المال الكثير وقد ذكرناه في سورة آل عمران 44 وقوله عز و جل أتاخذونه بهتانا واثما مبينا والبهتان في اللغة الباطل الذي يتحير من بطلانه ومنه بهت الرجل اذا تحير 45 وقوله عز و جل وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم الى بعض قال ابن عباس الافضاء الغشيان وأصل الافضاء في اللغة المخالطة ويقال للشيء المختلط فضا

قال الشاعر فقلت لها يا عمتا لك ناقتي وتمر فضا في عيبتي وزبيب ويقال القوم فوضى فضا أي مختلطون لا أمير عليهم 46 وقوله عز و جل وأخذن منكم ميثاقا غليظا قال ابن عباس والحسن هو قوله فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف وجعله بمنزلة الميثاق المغلظ أي اليمين مجازا وقال مجاهد وعكرمة استحلتموهن بأمانة الله وملكتموهن بكلمة الله عز و جل

47 - وقوله عز و جل ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء الا ما قد سلف يقال كيف استثنى ما قد سلف مما لم يكن بعد فالجواب أن هذا استثناء ليس من الاول والعرب تقول ما زاد الا ما نقص وسيبوبه يجعل الا بمعنى لكن المعنى لكن ما قد سلف فانه مغفور أو فدعوه 48 ثم قال عز و جل إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا يقال لم جيء ب كان وهو بكل حال فاحشة ففي هذا جوابان

قال أبو اسحاق قال أبو العباس محمد بن يزيد كان ههنا زائدة والمعنى انه فاحشة وأنشد فكيف اذا رأيت ديار قوم وجيران لنا كانوا كرام قال أبو جعفر قال أبو اسحاق وهذا عندي خطأ لان كان لو كانت زائدة وجب أن يكون إنه كان فاحشة ومقت والجواب أن هذا كان مستقبحا عندهم في الجاهلية يسمونه فاحشة ومقتا

والمقت أشد البغض ويسمون المولود منه المقتي فأعلم الله جل وعز أن هذا الذي حرمه كان قبيحا في الجاهلية ممقوتا 49 وقوله جل وعز حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم هذه المحرمات تسمى المبهمات لانها لا تحل بوجه ولا سبب الا قوله وأمهات نسائكم فان أكثر الفقهاء يجعله من الاول

وقال بعضهم اذا تزوجها ولم يدخل بها لم تحرم عليه أمها وهذا القول على مذهب أهل اللغة بعيد لان الشرط لمن يقع عليه ولان قوله من نسائكم اللاتي دخلتم بهن متعلق بقوله وربائبكم اللاتي في حجوركم ولا يجوز أن يكون قوله اللاتي من نعتهما جميعا لان الخبرين مختلفان ولكنه يجوز على معنى أعني وأنشد الخليل وسيبويه ان بها أكتل اورزاما خويربين ينفقان الهاما

خويربين بمعنى أعني والربيبة بنت امرأة الرجل وسميت ربيبة لان زوج أمها يربيها ويجوز أن تسمى ربيبة وان لم يربها لانها ممن يربيها كما يقال أضحية من قبل أن يضحى بها وكذلك حلوبة أي يحلب قال الشاعر فيها اثنتان وأربعون حلوبة سودا كخافية الغراب الاسحم 50 وقوله جل وعز وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم حليلة الرجل امرأته والرجل حليل لان كل واحد منهما يحل على صاحبه

وقيل حليلة بمعنى محلة من الحلال والحرام قال الشاعر وحليل غانية تركت مجدلا تمكو فريصته كشدق الاعلم فأما الفائدة في قوله من أصلابكم فهي على اخراج الحليلات بنات الادعياء المتبنين من هذا غير أن في حجوركم يدل على التربية 51 وقوله جل وعز وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف فهذا استثناء ليس من الاول والمعنى لكن ما قد سلف فانه مغفور

52 - وقوله جل وعز والمحصنات من النساء قال علي وابن عباس وأبو سعيد الخدري هن ذوات الازواج لا تحل واحدة منهن الا أن تسبى قال عبد الله بن عباس نكاح ذوات الازواج زنا الا أن تسبى وقد كان لها زوج فتحل بملك اليمين وقول آخر أنهن الاماء ذوات الازواج اذا استؤنف عليهن الملك كان فاسخا لنكاحهن روي هذا عن ابن مسعود وأبي بن كعب وجابر وأنس

وقول ثالث قال أبو عبيده الا ما ملكت أيمانكم الاربع وأحسنها الاول لحديث أبي سعيد الخدري أصبنا سبيا يوم أوطاس ولهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن فسألنا رسول الله فنزلت هذه الآية فاستحللناهن 53 وقوله جل وعز كتاب الله عليكم أي فرض الله عليكم وقرىء كتب الله عليكم أي فرض الله تحريم هؤلاء ولم يقل انه لا يحرم عليكم سواهن وقد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها

وصح عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب 54 وقوله جل وعز أن تبتغوا بأموالكم محصنين محصنين أي ناكحين غير مسافحين قال مجاهد أي غير زانين وأصله من سفح اذا صب كما قال الشاعر وان شفائي عبرة ان سفحتها فهل عند رسم دارس من معول

فسمي الزنا سفاحا لانه يمنزلة الماء المصبوب 55 وقوله جل وعز فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة في معنى هذه الآية قولان أحدهما أنها منسوخة وروي عن سعيد بن المسيب ذلك وروى عكرمة بن عمار عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم إن الله جل وعز حرم أو أهدر المتعة بالطلاق والنكاح والعدة والميراث

وروى مالك عن الزهري أن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب رحمة الله عليهم والحسن بن محمد بن علي أخبراه أن أباهما أخبرهما أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لابن عباس انك رجل تائه ان رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن المتعة وقالت عائشة حرم الله المتعة بقوله والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم والدليل على أن المستمتع بها غير زوجة أنها لو كانت زوجة للحقها الطلاق وكان عليها عدة الوفاة ولحق ولدها بأبيه ولتوارثا

ومعنى فآتوهن أجورهن المهر والدليل على ذلك أن بعده فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن فهذا باجماع المهر وروي عن أبي بن كعب وابن عباس أنهما قراء فما استمتعم به منهن الى أجل مسمى والقول الآخر أن هذا ليس من المتعة وقال الحسن ومجاهد هو من النكاح فالمعنى فما استمتعتم به منهن من النكاح

أي ان دخلتم بها فلها المهر ومن لم يدخل كان عليه نصف المهر والدليل على أن هذا هو القول الصحيح قوله ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة أي ان وهب لها النصف الآخر فلا جناح وان وهبت له النصف فلا جناح 56 ثم قال عز و جل إن الله كان عليما حكيما أي هو عليم بما فرض عليكم في النكاح 57 وقوله عز و جل ومن لم يستطع منكم طولا أي قدرة على المهر والطول في اللغة الفضل ومنه تطول الله علينا والطول في القامة فضل والطول الحبل ويقال لا أكلمه طوال الدهر

58 - وفي قوله عز و جل أن ينكح المحصنات قولان أحدهما أنهن العفائف والآخر أنهن الحرائر والاشبه أن يكن الحرائر لقوله فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات يعني المملوكات والعرب تقول للمملوك فتى وللملوكة فتاة 59 ثم قال عز و جل بعضكم من بعض

في معنى هذا قولان أحدهما بنو آدم والقول الآخر انكم مؤمنون فأنتم اخوة وانما قيل لهم هذا فيما روي لانهم في الجاهلية كانوا يعيرون بالهجنة ويسمون ابن الامة هجينا فقال عز و جل بعضكم من بعض 60 وقوله جل وعز وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات متزوجات غير مسافحات أي غير زانيات ولا متخذات أخدان الخدن الصديق أي غير زانيات بواحد ولا مبذولات

61 - ثم قال جل وعز فإذا أحصن قال الشعبي معناه فاذا أسلمن وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال الاحصان الاسلام ويقرأ فاذا أحصن قال ابن عباس تزوجن اذا كانت غير متزوجة وقال الزهري معناه فاذا تزوجن قال الزهري تحد الامة اذا زنت وهي متزوجة بالكتاب وتحد اذا زنت ولم تتزوج بالسنة

والاختيار عند أهل النظر فاذا أحصن بالضم لانه قد تقدم ذكر اسلامهن في قوله عز و جل ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فدل ذلك على أن الاحصان الثاني غير الاسلام فالاختيار على هذا أحصن بالضم أي تزوجن وقيل أحصن تزوجن وذا أولى لانه قال من فتياتكم المؤمنات فيبعد أن يقول فاذا أسلمن 62 ثم قال جل وعز فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب يعني نصف الحد ويعني بالمحصنات ههنا الابكار الحراير

لان الثيب عليها الرجم ولا يتبعض قيل وانما قيل للبكر محصنة وان لم تكن متزوجة لان الاحصان يكون لها كما يقال أضحية قبل أن يضحى بها وكما يقال للبقرة مثيرة قبل أن تثير وقيل المحصنات المتزوجات لان عليهن الضرب والرجم في الحديث والرجم لا يتبعض فصار عليهن نصف الضرب 63 ثم قال جل وعز ذلك لمن خشي العنت منكم قال الشعبي الزنا والعنت في اللغة المشقة يقال أكمة عنوت اذا كانت شاقة

64 - ثم قال جل وعز وأن تصبروا خير لكم أي وأن تصبروا عن نكاح الاماء خير لكم وانما شدد في الاماء لان ولد الرجل منها يكون مملوكا وهي تمتهن في الخدمة وهذا شاق على الزوج 65 وقوله عز و جل ويهديكم سنن الذين من قبلكم أي طرق الانبياء والصالحين قبلكم لتتبعوها

66 - وقوله جل وعز ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما أي يريدون أن تعدلوا عن القصد والحق 67 وقوله جل وعز يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الانسان ضعيفا قال طاووس خلق ضعيفا في أمر النساء خاصة وروي عن ابن عباس أنه قرأ وخلق الإنسان ضعيفا أي خلق الله الانسان ضعيفا 68 وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل أي لا يحل لكم الا على ما تقدم من هبة أو مهر

أو صدقة أو بيع أو شراء وما أشبه ذلك 69 وقوله جل وعز ولا تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيما قال عطاء أي لا يقتل بعضكم بعضا وذلك معروف في اللغة لان المؤمن من المؤمن بمنزلة نفسه

وقرأ الحسن ولا تقتلوا أنفسكم على التكثير 70 ثم قال جل وعز ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا العدوان في اللغة المجاوزة للحق والظلم وضع الشيء في غير موضعه 71 ثم قال جل وعز وكان ذلك على الله يسيرا أي سهلا يقال يسر الشيء فهو يسير اذا سهل 72 وقوله جل وعز إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه الكبائر الشرك بالله والسحر وقذف المحصنة وأكل الربا وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف وعقوق الوالدين

وقال عبد الله بن مسعود الكبائر الشرك بالله والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله وأمن مكر الله وقال طاووس قيل لابن عباس الكبائر سبع قال هي الى السبعين أقرب وحقيقة الكبيرة في اللغة أنها ما كبر وعظم مما وعد الله جل وعز عليه النار أو أمر بعقوبة فيه فما كان على غير هذين جاز أن يكون كبيرة وأن يكون صغيرة

73 - ثم قال تعالى نكفر عنكم سيئاتكم قال أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم ما من مسلم يصيبه هم أو نصب الا كفر عنه به 74 ثم قال جل وعز وندخلكم مدخلا كريما قيل يعني به الجنة والله أعلم 75 وقوله جل وعز ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض روي أن أم سلمة قالت يا رسول الله فضل الله الرجال على النساء بالغزو وفي الميراث فأنزل الله ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض وقيل انما نهي عن الحسد والحسد عند أهل اللغة أن يتمنى الانسان ما لغيره بأن يزول

عنه فان تمنى ما لغيره ولم يرد أن يزول عنه سمي ذلك غبطة المعنى ولا تتمنوا تلف ما ثم حذف وقال قتادة كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان فلما ورثوا وجعل للذكر مثل حظ الانثيين تمنى النساء أن لو جعل أنصباؤهن كأنصباء الرجال وقال الرجال انا لنرجوا أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث فنزلت ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن أي المرأة تجزى بحسنتها عشر أمثالها كما يجزى الرجال وقال سعيد بن جبير وأسألوا الله من فضله

العبادة ليس من أمر الدنيا وقيل سلوه التوفيق للعمل لما يرضيه إن الله كان بكل شيء عليما أي بما يصلح عباده 76 وقوله جل وعز ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والاقربون قال مجاهد هم بنو العم وقال قتادة هم الاقرباء منهم الاب والاخ وقال الضحاك يعني الاقرباء وهذا قول أكثر أهل اللغة

77 - وقوله جل وعز والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم هذه الآية منسوخة قال ابن عباس كانوا في الجاهلية يجيء الرجل الى الرجل فيقول له أرثك وترثني فيكون ذلك بينهما حلفا فنسخ الله ذلك بقوله وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله وكذلك روي عن الحسن وعكرمة وقتادة أن الآية منسوخة وقال سعيد بن المسيب كان الرجل يتبنى الرجل فيتوارثان على ذلك فنسخه الله جل وعز

78 - وقوله جل وعز الرجال قوامون على النساء قيل لان منهم الحكام والامراء ومن يغزو 79 ثم قال جل وعز بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من أموالهم أي من المهور 80 ثم قال جل وعز فالصالحات قانتات قال قتادة أي مطيعات وقال غيره أي قيمات لازواجهن بما يجب من حقهن 81 ثم قال عز و جل حافظات للغيب

قال قتادة أي لغيب أزواجهن بما حفظ الله أي بما حفظهن الله به في مهورهن والانفاق عليهن وقرأ أبو جعفر المدني بما حفظ الله ومعناه بأن حفظن الله في الطاعة وتقديره بحفظ الله 82 وقوله جل وعز واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن قال أهل التفسير النشوز العداوة والنشوز في اللغة الارتفاع ويقال لما ارتفع من الارض نشز ونشز

والعداوة هي ارتفاع عما يجب وزوال عنه قال سفيان معنى فعظوهن أي فعظوهن بالله واهجروهن في المضاجع قال سفيان من غير ترك الجماع واضربوهن قال عطاء ضربا غير مبرح

83 - ثم قال جل وعز فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا قال ابن جريج أي لا تطلبوا عليهن طريق عنت 84 ثم قال جل وعز ان الله كان عليا كبيرا أي هو متعال عن أن يكلف الا الحق ومقدار الطاقة

85 - وقوله جل وعز وان خفتم شقاق بينهما قال أبو عبيدة معنى خفتم أيقنتم قال أبو جعفر قال اسحاق هذا عندي خطأ لانا لو أيقنا لم يحتج الى الحكمين و خفتم ههنا على بابها والشقاق العداوة وحقيقته أن كل واحد من المعاديين في شق خلاف شق صاحبه 86 ثم قال جل وعز إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما قال مجاهد يعني الحكمين قال أبو جعفر وهذا قول حسن لانهما اذا اجتمعت كلمتهما قبل منهما على أن في ذلك اختلافا روي عن سعيد بن جبير أنه قال للحكمين أن يطلقا على الرجل اذا اجتمعا على ذلك وهذا قول مالك وفيه قول آخر وهو أنهما لا يطلقان عليه حتى يرضى بحكمهما

وروي هذا القول أيوب وهشام عن محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي رحمه الله أنه قال للحكمين لكما أن تحمعا وأن تفرقا فقال الزوج أما التفرقة فلا قال علي والله لترضين بكتاب الله 87 ثم قال جل وعز إن الله كان عليما خبيرا أي هو عليم بما فيه الصلاح خبير بذلك 88 وقوله جل وعز واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا أي لا تعبدوا معه غيره فتبطل عبادتكم 89 ثم قال جل وعز وبالوالدين احسانا

أي وصاكم بهذا والتقدير وأحسنوا بالوالدين احسانا 90 وقوله جل وعز والجار ذي القربى هو الذي بينك وبينه قرابة ثم قال جل وعز والجار الجنب قال ابن عباس هو الغريب وكذلك هو في اللغة ومنه فلان أجنبي وكذلك الجنابة البعد وأنشد أهل اللغة فلا تحرمني نائلا عن جنابة فاني امرؤ وسط القباب غريب

92 - ثم قال جل وعز والصاحب بالجنب روي عن علي وعبد الله بن مسعود وابن أبي ليلى أنهم قالوا الصاحب بالجنب المرأة وقال مجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك الصاحب بالجنب الرفيق في السفر 93 ثم قال جل وعز وابن السبيل قال قتادة ومجاهد والضحاك هو الضيف والسبيل في اللغة الطريق فنسب اليها لانه اليها يأوي

94 - وقوله عز و جل ان الله لا يحب من كان مختالا فخورا المختال في اللغة ذو الخيلاء فان قيل فكيف ذكر المختال ههنا وكيف يشبه هذا الكلام الاول فالجواب أن من الناس من تكبر على اقربائه اذا كانوا فقراء فأعلم الله عز و جل أنه لا يحب من كان كذا 95 وقوله عز و جل الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا

قال ابراهيم ومجاهد وقتادة نزل هذا في اليهود وهو قل حسن عند أهل اللغة لأن اليهود بخلوا أن يخبروا بصفة النبي صلى الله عليه و سلم وهو عندهم في التوراة وكتموا ما آتاهم الله من فضله أي ما أعطاهم والدليل على هذا قوله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا 96 ثم قال عز و جل والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس قال ابراهيم يعني به اليهود أيضا

وقال غيره يعني به المنافقين 97 ثم قال جل وعز ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا أي من يقبل ما سول له الشيطان فساء عملا عمله 98 وقوله جل وعز ان الله لا يظلم مثقال ذرة أي وزن ذرة يقال هذا مثقال هذا أي وزن هذا ومثقال مفعال من الثقل والذرة النملة الصغيرة

وروى عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه و سلم قال يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من ايمان ثم قال أبو سعيد ان شككتم فاقرؤوا ان الله لا يظلم مثقال ذرة 99 ثم قال جل وعز وان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما قال سعيد بن جبير يعني الجنة ومعنى يضاعفها يجعلها أضعافا وقرأ أبو رجاء العطاردي يضعفها

ومعنى من لدنه من قبله 100 وقوله جل وعز فكيف اذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا في الكلام حذف لعلم السامع والمعنى فكيف تكون حالهم اذا جئنا من كل أمة بشهيد وفي الكلام معنى التوبيخ قال عبد الله بن مسعود قال لي النبي صلى الله عليه و سلم اقرأ علي فقلت آقرأ عليك وعليك أنزل فقال نعم فقرأت عليه من أول النساء حتى بلغت الى قوله فكيف اذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا فرأيت عينيه تذرفان

وقال شهيدا عليهم ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم 101 وقوله جل وعز يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الارض وقرأ مجاهد وأبو عمرو لو تسوى بهم الارض فمن قرأ تسوى فمعناه على ما روي عن قتادة لو تخرقت بهم الارض فساخوا فيها وقيل وهو أبين ان المعنى أنهم تمنوا أن يكونوا ترابا كالارض فيستوون هم وهي ويدل على هذا يا ليتني كنت ترابا

وكذلك تسوى لو سواهم الله عز و جل فصاروا ترابا مثلها والقراءة الاولى موافقة لقولهم كنت ولم يقولوا كونت وروي عن الحسن في قوله تسوى بهم الارض قال تنشق فتسوى عليهم يذهب الى أن معنى بهم عليهم فتكون الباء بمعنى على كما تكون في بمعنى على في قوله عز و جل ولأصلبنكم في جذوع النخل 202 ثم قال عز و جل ولا يكتمون الله حديثا

فيقال أليس قد قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ففي هذا أجوبة منها أن يكون داخلا في التمني فيكون المعنى أنهم يتمنون ألا يكتموا الله حديثا فيكون مثل قولك ليتني ألقى فلانا وأكلمه وقال قتادة هي مواطن في القيامة يقع هذا في بعضها وقال بعض أهل اللغة هم لا يقدرون على أن يكتموا لان الله عالم بما يسرون

وقيل قولهم والله ربنا ما كنا مشركين عندهم أنهم قد صدقوا في هذا فيكون على هذا ولا يكتمون الله حديثا مستأنفا 103 وقوله عز و جل يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون قال الضحاك أي سكارى من النوم وقال عكرمة وقتادة هذا منسوخ وقال قتادة نسخه تحريم الخمر

يذهب الى أن معنى سكارى من الشراب والدليل على أن هذا القول هو الصحيح أن عمر بن الخطاب رحمه الله قال أقيمت الصلاة فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يقربن الصلاة سكران وروي أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى بقوم فقرأ قل يا أيها الكافرون فخلط فيها فنزلت يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى ثم نسخ هذا بتحريم الخمر

104 - ثم قال جل وعز ولا جنبا الا عابري سبيل حتى تغتسلوا قال عبد الله بن عباس وأنس الا أن تمر ولا تجلس وروي عن ابن عباس هو المسافر يمر بالمسجد مجتازا وروي عن عائشة رحمها الله أنها حاضت وهي محرمة فقال لها النبي صلى الله عليه و سلم افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت 105 ثم قال جل وعز وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط

قال بعض الفقهاء المعنى وجاء أحد منكم من الغائط وهذا لا يجوز عند أهل النظر من النحويين لأن ل أو معناها وللواو معناها وهذا عندهم على الحذف والمعنى وان كنتم مرضى لا تقدرون فيه على مس الماء أو على سفر ولم تجدوا ماء واحتجتم الى الماء 106 ثم قال جل وعز أو لامستم النساء قال ابن عباس لامستم جامعتم

ويقرأ أو لمستم قال محمد بن يزيد من ذهب الى أنه الجماع فالاحسن أ يقول لمستم مثل غشيتم وهذا الفعل انما نسب الى الرجل ومن ذهب الى أنه دون الجماع فالاحسن أن يقول لامستم 107 ثم قال جل وعز فتيمموا صعيدا طيبا معنى تيمموا تعمدوا واقصدوا يقال تيممت كذا وتأممته اذا قصدته

والصعيد في اللغة وجه الارض كان عليه تراب أو لم يكن والدليل على هذا قوله عز و جل فتصبح صعيدا زلقا وانما سمي صعيدا لانه نهاية ما يصعد اليه من الارض والطيب النظيف ثم قال تعالى ان الله كان عفوا غفورا لانه قد عفا جل وعز وسهل في التيمم

108 - وقوله جل وعز ألم تر الى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب قال أهل التفسير يعني به اليهود لان عندهم صفة النبي صلى الله عليه و سلم ومعنى يشترون الضلالة يلزمونها وقد صاروا بمنزلة المشتري لها والعرب تقول لكل من رغب في شيء قد اشتراه ومعنى ويريدون أن تضلوا السبيل أي يريدون أن تضلوا طريق الحق 109 ثم قال جل وعز والله أعلم بأعدائكم

أي فهو يكفيكموهم 110 ثم قال جل وعز وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا قال أبو اسحاق انما دخلت الباء في وكفى بالله لان في الكلام معنى الامر والمعنى اكتفوا بالله وليا واكتفوا بالله نصيرا 111 ثم قال جل وعز من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه يجوز أن يكون المعنى ألم تر الى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من الذين هادوا وهو الاولى بالصواب لأن الخبرين

والمعنيين من صفة نوع واحد من الناس وهم اليهود وبهذا جاء التفسير ويجوز أن يكون المعنى وكفى بالله نصيرا من الذين هادوا ويجوز أن يكون المعنى على مذهب سيبويه من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ثم حذف وأنشد النحويون لو قلت ما في قومها لم تيثم يفضلها في حسب ومبسم

قالوا المعنى لو قلت ما في قومها أحد يفضلها ثم حذف ومعنى يحرفون يغيرون ومنه تحرفت عن فلان أي عدلت عنه فمعنى يحرفون يعدلون عن الحق 112 وقوله جل وعز ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع روي عن ابن عباس أنه قال أي يقولون اسمع لا سمعت

وقال الحسن أي اسمع غير مسمع منك أي غير مقبول منك ولو كان كذا لكان غير مسموع وقوله عز و جل وراعنا نهي المسلمون أن يقولوها وأمروا أن يخاطبوا النبي صلى الله عليه و سلم بالاجلال والاعظام وقرأ الحسن وراعنا منونا جعله من الرعونة وقد استقصينا شرحه في سورة البقرة

113 - ثم قال جل وعز ليا بألسنتهم وطعنا في الدين أي يلوون ألسنتهم ويعدلون عن الحق 114 ثم قال جل وعز ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ومعنى انظرنا انتظرنا ومعنى سمعنا قبلنا لكان خيرا لهم أي عند الله جل وعز وأقوم أي وأصوب في الرأي والاستقامة منه 115 ثم قال جل وعز ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون الا قليلا ويجوز أن يكون المعنى فلا يؤمنون الا ايمانا قليلا لا يستحقون اسم الايمان

ويجوز أن يكون المعنى فلا يؤمنون الا قليلا منهم 116 وقوله عز و جل يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها روي عن أبي بن كعب أنه قال من قبل أن نضلكم اضلالا لا تهتدون بعده يذهب الى أنه تمثيل وأنه ان لم يؤمنوا فعل هذا بهم عقوبة وقال مجاهد في الضلالة وقال قتادة معناه من قبل أن نجعل الوجوه أقفاء

ومعنى من قبل أن نطمس وجوها عند أهل اللغة نذهب بالانف والشفاه والاعين والحواجب فنردها على أدبارها نجعلها أقفاء فان قيل فلم لم يفعل بهم هذا ففي هذا جوابان أحدهما أنه انما خوطب بهذا رؤساؤهم وهم ممن آمن روي هذا القول عن ابن عباس والقول الآخر أنهم حذروا أن يفعل هذا بهم في القيامة وقال محمد بن جرير ولم يكن هذا لانه قد آمن منهم جماعة 117 ثم قال جل وعز أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت

قال قتادة أو نمسخهم قردة وخنازير 118 وقوله عز و جل ان الله لا يغفر أن يشرك به وقد قال ان الله يغفر الذنوب جميعا فهذا معروف والمعنى أن يقال أنا أغفر لك كل ذنب ولا يستثنى ما يعلم أنك لا تغفر وقد روي أن النبي صلى الله عليه و سلم تلا إن الله يغفر الذنوب

جمعيا فقال له رجل يا رسول الله والشرك فنزلت ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء قال بعض أهل اللغة معناه الا الكبائر وقيل معناه بعد التوبة 119 وقوله عز و جل ألم تر الى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء أصل الزكاء النماء في الصلاح

قال قتادة يعني اليهود لانهم زكوا أنفسهم فقالوا نحن أبناء الله وأحباؤه وكذلك قال الضحاك 120 ثم قال جل وعز ولا يظلمون فتيلا قال ابن عباس الفتيل ما فتلته بأصبعيك وقال غيره الفتيل ما في بطن النواة والنقير النقرة التي فيها والتي تنبت منها النخلة والقطمير القشرة الملفوفة عليها من خارج

والمعنى لا يظلمون مقدار هذا 121 ثم قال جل وعز أنظر كيف يفترون على الله الكذب معنى يفترون يختلقون ويكذبون 122 وقوله عز و جل ألم تر الى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت روي عن عمر رحمه الله أنه قال الجبت السحر والطاغوت الشيطان وكذلك روي عن الشعبي وقال قتادة الجبت الشيطان والطاغوت الكاهن

وروي عن ابن عباس أن الجبت والطاغوت رجلا من اليهود وهما كعب بن الاشرف وحيي بن أخطب والجبت والطاغوت عند أهل اللغة كل ما عبد من دون الله أو أطيع طاعة فيها معصية أو خضع له فهذه الاقوال متقاربة لانهم اذا أطاعوهما في معصية الله والكفر بأنبيائه كانوا بمنزلة من عبدهما كما قال جل وعز اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله حدثني من أثق به عن بن يونس بن عبد الاعلى عن ابن وهب عن مالك قال الطاغوت ما عبد من دون الله

ومنه واجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها فقلت لمالك ما الجبت فقال سمعت من يقول هو الشيطان ويدل على هذا ما حدثناه أحمد بن محمد الازدي قال حدثنا ابن أبي داود قال حدثنا الحماني قال حدثنا مروان بن معاوية وابن المبارك عن عوف عن حيان بن قطن عن قبيصة بن مخارق قال سمعت النبي رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول العيافة والطيرة والطرق من الجبت 123 ثم قال جل وعز ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا قال قتادة هم اليهود وقال غيره يبين بهذا أنهم عاندوا لانهم قالوا لمن عبد

الاصنام ولم يقر بكتاب هؤلاء أهدى من المؤمنين الذين صدقوا بالكتب 124 وقوله جل وعز أولئك الذين لعنهم الله اللعنة الابعاد أي باعدهم من توفيقه ورحمته 125 وقوله جل وعز أم لهم نصيب من الملك قيل انهم كانوا أصحاب بساتين ومال وكانوا مع ذلك بخلاء وقيل انهم لو ملكوا لبخلوا

126 - وقوله جل وعز أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة قال الضحاك قالت اليهود يزعم محمد أنه قد أحل له من النساء ما شاء فأنزل الله عز و جل أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فالمعنى بل يحسدون النبي صلى الله عليه و سلم على ما أحل له من النساء قال السدي وقد كانت لداود صلى الله عليه و سلم مائة امرأة ولسليمان أكثر من ذلك وقال قتادة أولئك اليهود حسدوا هذا الحي من العرب حين بعث فيهم نبي فيكون الفضل ههنا النبوة

وقد شرف بالنبي صلى الله عليه و سلم العرب أي فكيف لا يحسدون ابراهيم صلى الله عليه و سلم وغيره من الانبياء وقد أوتي سليمان الملك 127 ثم قال جل وعز وآتيناهم ملكا عظيما قال مجاهد يعني النبوة وقال همام بن الحارث أيدوا بالملائكة والجنود 128 ثم قال جل وعز فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه قال مجاهد يعني القرآن وقيل بالنبي صلى الله عليه و سلم

ويجوز أن يكون المعنى فمنهم من آمن بهذا الخبر ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا والسعير شدة توقد النار 129 وقوله جل وعز ان الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا المعنى نلقيهم فيها يقال أصليته اصلاء اذا ألقيته في النار القاء كأنك تريد الاحراق وصليت اللحم إذا شويته أصليه صليا وصليت بالامر أصلى اذا قاسيت شدته

وفي الحديث أن يهودية أهدت الى النبي صلى الله عليه و سلم شاة مصلية أي مشوية 130 ثم قال جل وعز كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها في هذا قولان أحدهما أن الالم انما يقع على النفوس والجلود وان بدلت فالالم يقع على الانسان والقول الآخر أن يكون الجلد الاول أعيد جديدا كما تقول صغت الخاتم

131 - ثم قال جل وعز ليذوقوا العذاب أي لينالهم ألم العذاب ثم قال تعالى ان الله كان عزيزا حكيما أي هو حكيم فيما عاقب به من العذاب 132 وقوله جل وعز والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الانهار أي ماء الانهار 133 ثم قال جل وعز خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة أي من الادناس والحيض

ثم قال تعالى وندخلهم ظلا ظليلا أي يظل من الحر والبرد وليس كذا كل ظل 134 وقوله جل وعز ان الله يأمركم أن تؤدوا الامانات الى أهلها قيل عن ابن عباس هذا عام وروي عن شريح أنه قال لاحد خصمين أعطه حقه فان الله عز و جل يقول ان الله يأمركم أن تؤدوا الامانات الى أهلها

ثم قال شريح وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة فانما هذا في الربا خاصة وقيل انه نزلت ان الله يأمركم أن تؤدوا الامانات الى أهلها لما أخذت مفاتح البيت من شيبة بن عثمان وقال ابن زيد هم الولاة واستحسن هذا القول أن يكون خطابا لولاة أمور الناس أمروا بأداء الامانة الى من ولوا أمره فيهم وحقوقهم وما ائتمنوا عليه من أمورهم وبالعدل منهم فأوصوا بالرعية

ثم أوصى الرعية بالطاعة فقال جل وعز بعده يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم الا أن ابن عباس قال وأولوا الأمر منكم وأولوا الفقه والدين وقال مجاهد أصحاب محمد وقال أبو هريرة هم الامراء وهذا من أحسنها الا أنه في ما وافق الحق كما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم فمن أمر بمعصية فلا طاعة

135 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم قال جابر بن عبد الله أولو الامر أولوا الفقه والعلم وقال بهذا القول من التابعين الحسن ومجاهد وعطاء وقال أبو هريرة يعني به امراء السرايا وقال بهذا القول السدي ويقويه أن أبا هريرة روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصاني فقد عصى الله ومن عصى أميري فقد عصاني وقال عكرمة أولوا الامر أبو بكر وعمر وهذه الاقوال كلها ترجع الى شيء واحد لان أمراء السرايا

من العلماء لانه كان لا يولى الا من يعلم وكذلك أبو بكر وعمر من العلماء 136 ثم قال جل وعز فان تنارعتم في شيء فردوه الى الله والرسول اشتقاق المنازعة أن كل واحد من الخصمين ينتزع الحجة لنفسه 137 وفي قوله جل وعز فردوه إلى الله والرسول قولان أحدهما قاله مجاهد وقتادة فردوه الى كتاب الله وسنة رسوله وكذلك قال عمرو بن ميمون فردوه الى كتاب الله ورسوله فاذا مات رسول الله صلى الله عليه و سلم فردوه الى سنته

والقول الآخر فقولوا الله ورسوله أعلم وهذا تغليظ في الاختلاف لقوله ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا قال قتادة وأحسن تأويلا وأحسن عاقبة

وهذا أحسن في اللغة ويكون من آل الى كذا ويجوز أن يكون المعنى وأحسن من تأويلكم 138 وقوله جل وعز ألم تر الى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا الى الطاغوت قال الضحاك نزل هذا في رجلين اختصما أحدهما يهودي والآخر منافق فقال اليهودي بيني وبينك محمد وقال المنافق بيني وبينك كعب بن الأشرف 139 وقوله عز و جل واذا قيل لهم تعالوا الى ما أنزل الله والى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا أي يصدون عن حكمك 140 وقوله عز و جل فكيف اذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم

المعنى فكيف حالهم اذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله ان أردنا الا احسانا وتوفيقا يروى أن عمر قتل المنافق الذي قال لليهودي امض بنا الى كعب بن الاشرف يقض بيننا فجاء أصحابه الى النبي صلى الله عليه و سلم يحلفون بالله ان أردنا بطلب الدم الا احسانا وموافقة للحق وقيل المعنى اذا نزلت بهم عقوبة لم تردعهم وحلفوا كاذبين أنهم ما أرادوا باحتكامهم اليه الا الاحسان من بعضهم الى

بعض والصواب فيه 141 ثم قال جل وعز أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم وهو عالم بكل شيء والفائدة أنه قد علم أنهم منافقون فأعلموا ذلك 142 ثم قال جل وعز فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا أي قل لهم من خالف حكم النبي صلى الله عليه و سلم وكفر به وجب عليه القتل

143 - وقوله جل وعز وما أرسلنا من رسول الا ليطاع بإذن الله من زائدة للتوكيد ويدل على معنى الجنس ومعنى الا باذن الله الا بأنه أذن الله وقيل يجوز أن يكون معناه الا بعلم الله 144 وقوله عز و جل فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم 9

أي فيما اختلفوا فيه ومنه تشاجر القوم وأصل هذا من الشجر لاختلاف أغصانه ومنه شجره بالرمح أي جعله فيه بمنزلة الغصن في الشجرة ومنه اشتجر القوم قال زهير متى يشتجر قوم يقل سرواتهم هم بيننا فهم رضى وهم عدل 145 وقوله جل وعز ثم لا يجدون في أنفسهم حرجا مما قضيت أي شكا وضيقا وأصل الحرج الضيق 146 ثم قال جل وعز ويسلموا تسليما أي ويسلموا لامرك وقوله تسليما مؤكد

147 - وقوله جل وعز ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم يروى أن قوما من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم قالوا يا رسول الله أنت معنا في الدنيا وترفع يوم القيامة لفضلك فأنزل الله عز و جل ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا فعرفهم أن الاعلين ينحدرون الى من هو أسفل منهم فيجتمعون ليذكروا ما أنعم الله عليهم به 148 وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا

قال قتادة الثبات الفرق وقال الضحاك الثبات العصب والجميع المجتمعون وقال أهل اللغة الثبات الجماعات في تفرقة والمعنى انفروا جماعة بعد جماعة أو انفروا بأجمعكم وواحد الثبات ثبة وهي مشتقة من قولهم ثبيت الرجل اذا أثنيت عليه في حياته لانك كأنك جمعت محاسنه 149 وقوله جل وعز وان منكم لمن ليبطئن فان أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي أي يبطىء عن القتال و يبطىء على التكثير يعنى به المنافقون فان أصابتكم مصيبة أي هزيمة

ولئن أصابكم فضل من الله أي غنيمة ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة لله وقرأ الحسن ليقولن بضم اللام وهو محمول على المعنى لان من لجماعة فهذا معترض والمعنى هو قد أنعم الله علي اذ لم أكن معهم شهيدا كأن لم يكن بينكم وبينه مودة أي كأن لم يعاقدكم على الجهاد ويجوز أن يكون المعنى يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما كأن لم يكن بينكم وبينه مودة 150 وقوله جل وعز فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة معنى يشرون يبيعون يقال شريت الشيء اذا

بعته واذا اشتريته 151 ثم قال جل وعز ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما وقرأ محمد بن اليماني فيقتل أو يغلب 152 وقوله جل وعز وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان قال الزهري المعنى في سبيل الله وفي سبيل المستضعفين قال أبو جعفر قال أبو العباس يجوز أن يكون المعنى وفي المستضعفين ويجوز أن يكون المعنى وفي سبيل المستضعفين وقال الضحاك هؤلاء قوم أسلموا ولم يقدروا على الهجرة وأقاموا بمكة فعذرهم الله جل وعز

153 - ثم قال جل وعز الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها يعنى مكة 154 وقوله جل وعز أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة قال قتادة البروج القصور المحصنة ومعروف في اللغة أن البروج الحصون والمشيدة تحتمل معنيين 1 أن تكون مطولة 2 والآخر أن تكون مشيدة بالشيد وهو الجص وكذلك قال عكرمة وقال السدي هي قصور بيض في السماء الدنيا مبنية وقيل المشيدة المطولة والمشيدة مخففة المعمولة بالشيد وقيل المشيدة على التكثير يقع للجميع 155 وقوله جل وعز وان تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله

وان تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك الحسنة ههنا الخصب والسيئة الجدب 156 وقوله جل وعز ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك من حسنة أي خصب وقيل هذا للنبي صلى الله عليه و سلم لان المخاطبة له بمنزلة المخاطبة لجميع الناس والمعنى ما أصابك من حسنة فمن الله أي من خصب ورخاء

وما أصابك من سيئة أي من جدب وشدة فمن نفسك أي فبذنبك عقوبة قاله قتادة ويروى أن اليهود قالوا لما قدم المسلمون الى المدينة أصابنا الجدب وقل الخصب فأعلم الله جل وعز أن ذلك بذنوبهم وروى عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس أنه قرأ وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأنا كتبتها عليك وقيل القول محذوف أي يقولون هذا

157 - وقوله جل وعز ويقولون طاعة والمعنى ويقولون أمرنا طاعة ومنا طاعة وفي الكلام حذف والمعنى ويقولون اذا كانوا عندك طاعة ودل على هذا قوله تعالى فاذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول معنى بيت عند أهل اللغة أحكم الامر بليل وفكر فيه أي أظهر المعصية في بيته والعرب تقول أمر بيت بليل اذا أحكم وانما خص الليل بذلك لانه وقت يتفرغ فيه قال الشاعر أجمعوا أمرهم بليل فلما أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء

ومن هذا بيت الصيام وقال أبو رزين معنى بيت ألف وليس هذا بخارج عن قول أهل الغة لانه يجوز أن يكون التأليف بالليل وقيل معنى بيت بدل ولا يصح هذا 158 ثم قال جل وعز والله يكتب ما يبيتون يحتمل معنيين أحدهما أنه ينزله في كتابه ويخبر به

وفي ذلك أعظم الآيات للنبي صلى الله عليه و سلم لانه يخبر بما يسرونه ويحتمل أن يكون المعنى والله يعلم ويحصي ما يبيتون 159 ثم قال جل وعز فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا قال الضحاك يعنى به المنافقون والمعنى لا تخبر بأسمائهم 160 وقوله جل وعز أفلا يتدبرون القرآن معنى تدبرت الشيء فكرت في عاقبته ويقال أدبر

القوم اذا تولى أمرهم الى آخره وفي الحديث لا تدابروا أي لا تعادوا أي لا يولي أحدكم صاحبه دبره من العداوة 161 ثم قال جل وعز ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا أي لو كان ما يخبرون به مما يسرونه من عند غير الله لاختلف ومذهب قتادة وابن زيد أن المعنى لو كان القرآن من عند غير الله لوجدوا فيه تفاوتا وتناقضا لان كلام الناس يختلف ويتناقض

162 - وقوله عز و جل واذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به قال الضحاك أفشوه وسعوا به وهم المنافقون وقال غيره هم ضعفة المسلمين كانوا اذا سمعوا المنافقين يفشون أخبار النبي صلى الله عليه و سلم توهموا انه ليس عليهم في ذلك شيء فأفشوه فعاتبهم الله على ذلك فقال ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم أي اولوا العلم لعلمه الذين يستنبطونه منهم أي يستخرجونه يقال نبطت البئر اذا اخرجت منها النبط وهو ما يخرج منها ومن هذا سمي النبط لانهم يخرجون ماء في الارض فالمعنى لعلموا ما ينبغي أن يفشى وما ينبغي أن يفشى يكتم

163 - وقوله جل وعز ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا في هذه الاية ثلاثة اقوال احدها ان المعنى ولولا ما تفضل الله به مما بين وأمر لاتبعتم الشيطان الا قليلا والقول الاخر ان المعنى اذاعوا به الا قليلا وهذا القول للكسائي وهو صحيح عن ابن عباس والقول الاخر قول قتاده وابن جريج وهو الذي كان يختاره أبو اسحاق ان المعنى لعلمه الذين يستنبطونه منهم الا قليلا ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان

قيل هو استثناء من لاتبعتم الشيطان يعنى به قوم لم يكونوا هموا بما هم به الاخرون من اتباع الشيطان كما قال الضحاك هم اصحاب النبي عليه السلام الا قليلا الا طائفة منهم وقيل معنى الا قليلا كلكم وقال ابو جعفر وهذا غير معروف في اللغة

ومن أحسن هذه الاقوال قول من قال أذاعوا به الا قليلا لانه يبعد أن يكون المعنى يعلمونه الذين يستنبطونه منهم الا قليلا لانه اذا بين استوى الكل في علمه فبعد استثناء بعض المستنبطين منه 164 ثم قال جل وعز فقاتل في سبيل الله لا تكلف الا نفسك وهذا متصل بقوله وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله فأمره الله جل وعز بالقتال ولو كان وحده لانه قد وعده النصر 165 ثم قال جل وعز عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والبأس الشدة

و عسى من الله واجبة لانها للترجي فاذا أمر أن يترجى شيء كان 166 وقوله جل وعز من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها قال الحسن من شفع أثيب وان لم يشفع لانه قال جل وعز من يشفع ولم يقل من يشفع وقال ابو موسى الاشعري رحمه الله كنا عند النبي صلى الله عليه و سلم فجاء سائل فقال النبي صلى الله عليه و سلم اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء

146 - ثم قال جل وعز ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها روي عن أبي موسى أنه قال الكفل النصيب أو قل الحظ كذا في الحديث وقال قتادة الكفل الاثم والمعروف عند أهل اللغة أن الكفل النصيب ويقال اكتفلت البعير اذا جعلت على موضع منه كساء أو غيره لتركبه وهذا مأخوذ من ذاك لانك انما تجعله على نصيب مثله 147 وقوله جل وعز وكان الله على كل شيء مقيتا في معناه قولان روى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مقيتا

يقول حفيظا وباسناده مقيتا يقول قديرا وحكى الكسائي أنه قال أقات يقيت اذا قدر وقال الشاعر وذي ضغن كففت النفس عنه وكنت على مساءته مقيتا والقول أن المقيت الحفيظ قال أبو اسحاق وهذا القول عندي أصح من ذاك لانه مأخوذ من القوت مقدار ما يحفظ الانسان

وقال الشاعر ألي الفضل أم علي اذا حو سبت اني على الحساب مقيت وفي الحديث كفى بالمرء اثما أن يضيع من يقيت أي يحفظ ويروى يقوت 148 وقوله جل وعز واذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها قيل هذا في السلام اذا قال سلام عليكم رد عليه وعليك السلام ورحمة الله واذا قال السلام عليك ورحمة الله

قيل وعليك السلام ورحمة الله وبركاته قال الشيخ أبو بكر وجدت في غير نسختي واذا قال سلام عليكم ورحمة الله وبركاته رد عليه وعليك يروى هذا عن النبي صلى الله عليه و سلم وروي عن الحسن أنه قال السلام سنة ورده فريضة

149 - ثم قال جل وعز إن الله كان على كل شيء حسيبا قال مجاهد أي حفيظا والحسيب عند بعض أهل اللغة البصريين الكافي يقال أحسبه اذا كفاه ومنه عطاء حسابا ومنه حسبك

وهذا عندي غلط لانه لا يقال في هذا أحسب على الشيء فهو حسيب عليه انما يقال بغير على والقول أنه من الحساب يقال حاسب فلانا على كذا وهو محاسبه عليه وحسيبه أي صاحب حسابه 150 وقوله جل وعز الله لا إله الا هو ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه قيل انما سميت القيامة لان الناس يقومون لرب العالمين أي يوم القيام ثم زيدت الهاء للمبالغة وقيل انما ذلك لان الناس يقومون من قبورهم كما قال جل وعز يخرجون من الاجداث سراعا والاجداث القبور

151 - وقوله جل وعز فمالكم في المنافقين فئتين أي فرقتين مختلفتين قال زيد بن ثابت تخلف قوم عن النبي صلى الله عليه و سلم يوم أحد فصار أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فرقتين فقال بعضهم اقتلهم وقال بعضهم اعف عنهم فأنزل الله عز و جل فما لكم في المنافقين فئتين قال مجاهد هم قوم أسلموا ثم أستأذنوا النبي صلى الله عليه و سلم أن يخرجوا الى مكة فيأخذوا بضائع لهم فصار أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فيهم فرقتين قوم يقولون هم منافقون وقوم يقولون هم مؤمنون حتى نتبين أمرهم أنهم منافقون فأنزل الله عز و جل فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا

وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ ركسهم بغير ألف يقال أركسهم وركسهم اذا ردهم والمعنى ردهم الى حكم الكفار 152 ثم قال جل وعز أتريدون أن تهدوا من أضل الله أي انهم قد ضلوا ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا

أي طريقا مستقيما 153 وقوله عز و جل الا الذين يصلون الى قوم بينكم وبينهم ميثاق قال مجاهد صاروا الى هلال بن عويمر وكان بينه وبين النبي حلف وقال غيره كان قوم يوادعون النبي صلى الله عليه و سلم ولا يقاتلونه فأمر المسلمون أن لا يقاتلوا من صار إليهم واتصل بهم ووادع كما وادعوا وقال أبو عبيدة معنى يصلون ينتسبون

وهذا خطأ لان النبي صلى الله عليه و سلم قاتل قريشا وهم أنسباء المهاجرين الأولين 154 ثم قال جل وعز أو جاءوكم حصرت صدورهم أي أو يصلون الى قوم جاؤوكم حصرت صدروهم قال الكسائي معنى حصرت ضاقت قال مجاهد وهو هلال بن عويمر الذي حصر أن يقاتل المسلمين أو يقاتل قومه فدفع عنهم قال أبو العباس محمد بن يزيد المعنى على الدعاء أي أحصر الله صدورهم وقال أبو اسحق يجوز أن يكون خبرا بعد خبر فالمعنى

أو جاؤوكم ثم خبر بعد فقال حصرت صدورهم كما قال جل وعز ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب وقيل المعنى أو جاؤوكم قد حصرت صدورهم ثم حذف قد وقد قرأ الحسن حصرة صدورهم وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ الا الذين يصلون الى قوم بينكم وبينهم ميثاق وحصرت صدورهم فالمعنى على هذه القراءة الا الذين يصلون الى قوم بينكم وبينهم ميثاق وحصرت صدورهم

أي قوم حصرة صدورهم أي ضيقة 155 وقوله جل وعز فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم أي كفوا عن قتالكم وألقوا اليكم السلم أي الانقياد فما جعل الله لكم عليهم سبيلا قال قتادة هذه الآية منسوخة نسخها فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم في براءة 156 وقوله جل وعز ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا الى الفتنة أركسوا فيها قال مجاهد هؤلاء قوم من أهل مكة كانوا يأتون النبي صلى الله عليه و سلم فيسلمون ثم يرجعون الى الكفار فيرتكسون في الاوثان

157 - ثم قال جل وعز فان لم يعتزلوكم ويلقوا اليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم ومعنى ثقفتموهم وجدتموهم واحد وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا أي حجة بينة بأنهم غدرة لا يوفون بعهد ولا هدنة 158 وقوله جل وعز وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ فهذا استثناء ليس من الاول قال أبو اسحق المعنى ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا

البتة ثم قال الا خطأ أي لكن ان قتله خطأ ومن قال ان الا بمعنى الواو فقوله خطأ من جهتين احداهما أنه لا يعرف أن تكون الا بمعنى حرف عاطف والجهة الاخرى أن الخطأ لا يحصر لانه ليس بشيء يقصد ولو كان يقصد لكان عمدا وذكر سيبويه أن إلا تأتي بمعنى لكن كثير وأنشد من كان أسرع في تفرق فالج فلبونه جربت معا وأغدت

الا كنا شرة الذي ضيعتم كالغصن في غلوائه المتنبت وكان سبب نزول هذه الآية فيما روى ابن أبي نجيح عن مجاهد أن عياش بن أبي ربيعة أخا أبي جهل لامه قتل رجلا مؤمنا كان يعذبه مع أبي جهل في اتباع النبي صلى الله عليه و سلم فحسب أنه كافر كما هو فقتله

159 - وقوله جل وعز ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة الى أهله الا أن يصدقوا وانما غلظ في قتل الخطأ ليتحرز من القتل والمعنى الا أن يتصدقوا عليكم بالدية وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ الا أن يتصدقوا وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي الا أن تصدقوا والمعنى الا أن تتصدقوا ثم أدغم التاء في الصاد ويجوز على هذه القراءة الا أن تصدقوا بحذف احدى التاءين 160 وقوله جل وعز فان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة معنى عدو كمعنى أعداء وروى عكرمة عن ابن عباس أن المعنى وان كان مؤمنا

وقومه كفار فلا تدفعوا اليهم الدية وعليكم عتق رقبة فمعنى هذا اذا قتل مسلم خطأ وليس له قوم مسلمون فلا دية على قاتله كان قتله في دار المسلمين أو في دار الحرب وروى عطاء بن السائب عن أبي عياض قال كان الرجل يجيء يسلم ثم يأتي قومه وهم مشركون فيقيم معهم فيفرون فيقتل فيمن يقتل فنزلت وان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة قال وليس له دية فمعنى هذا أن يقتل في دار الحرب خاصة وقال قوم وان قتل في دار الاسلام فحكمه حكم المسلمين 161 ثم قال جل وعز وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة الى أهله وتحرير رقبة مؤمنة

قال الزهري الميثاق العهد فالمعنى ان كان المقتول من قوم بينكم وبينهم عهد فادفعوا اليهم الدية لئلا توغروا صدورهم 162 ثم قال جل وعز فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين أي فمن لم يجد الدية وعتق رقبة فعليه هذا توبة من الله أي فعل هذا ليتوبوا توبة 163 وقوله جل وعز ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها روى شعبة عن منصور عن سعيد بن جبير قال أمرني

ابن أبزى أن أسأل ابن عباس عن هذه الآية ومن يقتل مؤمنا متعمدا فسألته فقال ما نسخها شيء وروي عن زيد بن ثابت نزلت الشديدة بعد الهينة لستة أشهر ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم بعد التى في الفرقان والذين لا يدعون مع الله الها آخر الى قوله جل وعز الا من تاب

وذهب قوم الى أن هذا على المجازاة ان جازاه بذلك وأن العفو مرجو له مع التوبة

وهذا لا يحتاج أن يقال فيه ان جازاه ولكن القول فيه عند العلماء أهل النظر أنه محكم وأنه يجازيه اذا لم يتب فان تاب فقد بين أمره لقوله عز و جل واني لغفار لمن تاب فهذا لا يخرج عنه شيء 164 وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا اذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا وتقرأ فتثبتوا قال أبو عبيد واحداهما قريبة من الاخرى وقال غيره قد يتثبت ولا يتبين فالاختيار فتبينوا ومعنى ضربتم سافرتم 165 ثم قال جل وعز ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلم لست مؤمنا

وقرأ ابن عباس لمن ألقى اليكم السلام فمن قرأ السلم فمعناه عنده الانقياد والاستسلام ومن قرأ السلام فتحتمل قراءته معنيين أحدهما أن يكون بمعنى السلم والآخر أن يكون من التسليم وروى عطاء وعكرمة عن ابن عباس أن قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم مروا براع فقال السلام عليكم فقالوا انما تعوذ فقتلوه وأتوا بغنمه الى النبي صلى الله عليه و سلم فأنزل الله عز و جل ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا

قال ابن عباس يعني الغنيمة وروي عن أبي جعفر أنه قرأ مؤمنا بفتح الميم الثانية من أمنته اذا أجرته فهو مؤمن 166 وقوله جل وعز كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم قال سعيد بن جبير أي كذلك كنتم تخفون ايمانكم فمن الله عليكم أي فمن الله عليكم بالغزو واظهار الدين

واختار أبو عبيد القاسم بن سلام ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام وخالفه أهل النظر فقالوا السلم ههنا أشبه لانه بمعنى الانقياد والتسلم كما قال جل وعز فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء 167 وقوله تعالى لا يستوي القاعدون من المؤمنين قال ابن عباس لا يستوي القاعدون عن بدر والخارجون إليها

168 - ثم قال جل وعز غير أولي الضرر الضرر الزمانة وتقرأ غير رفعا ونصبا قال أبو اسحق ويجوز الخفض فمن رفع فالمعنى لا يستوي القاعدون غير أولي الضرر أي لا يستوي القاعدون الذين هم غير أولي الضرر والمعنى لا يستوي القاعدون الاصحاء ومن قرأ غير نصبا فهو يحتمل معنيين أحدهما الاستثناء ويكون المعنى الا أولي الضرر فانهم

يستوون مع المجاهدين والمعنى الآخر أن يكون غير في موضع الحال أي لا يستوي القاعدون أصحاء والمعنى على النصب لانه روى زيد بن ثابت والبراء بن عازب أنه لما نزل على النبي صلى الله عليه و سلم لا يستوي القاعدون من المؤمنين قام ابن أم مكتوم فقال يا رسول الله أنا ضرير فنزلت غير أولي الضرر فألحقت بها هذا معنى الحديث ومن قرأ بالخفض فالمعنى عنده من المؤمنين الذين هم غير أولي الضرر أي من المؤمنين الاصحاء 169 وقوله جل وعز وكلا وعد الله الحسنى المجاهدين وأولي الضرر وعد الله الحسنى

قال أهل التفسير يعني بالحسنى الجنة 170 ثم قال جل وعز وفضل الله المجاهدين على القاعدين الذين ليس لهم ضرر أجرا عظيما درجات منه وروي عن ابن محيريز أنه قال تلك سبعون درجة ما بين الدرجتين حضر الفرس الجواد المضمر سبعين سنة 171 وقوله جل وعز ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم وقرأ عيسى وهو ابن عمر ان الذين يتوفاهم الملائكة هذا على تذكير الجمع

ومن قرأ توفاهم فهو يحتمل معنيين أحدهما أن يكون فعلا ماضيا ويكون على تذكير الجمع أيضا والآخر أن يكون مستقبلا ويكون على تأنيث الجماعة والمعنى تتوفاهم ثم حذف إحدى التاءين قال عكرمة والضحاك هؤلاء قوم أظهروا الاسلام ثم لم يهاجروا الى بدر مع المشركين فقتلوا فأنزل الله جل وعز فيهم ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم أكنتم في أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم أم كنتم مشركين هذا سؤال توبيخ 172 ثم قال جل وعز الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان

=============

ج2. الكتاب : معاني القرآن الكريم ابو جعفر احمد بن محمد بن اسماعيل النحاس


قال مجاهد هؤلاء قوم أسلموا وثبتوا على الاسلام ولم تكن لهم حيلة في الهجرة فعذرهم الله فقال فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وعسى ترج واذا أمر الله جل وعز أن يترجى شيء فهو واجب كذلك الظن به 173 وقوله جل وعز ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الارض مراغما كثيرا وسعة المراغم عند أهل اللغة والمهاجر واحد يقال راغمت فلانا اذا هجرته وعاديته كأنك لا تباليه وان لصق أنفه بالرغام وهو التراب

وقيل انما سمي مهاجرا ومراغما لان الرجل كان اذا أسلم عادى قومه وهجرهم فسمي خروجه مراغما وسمي مصيره الى النبي صلى الله عليه و سلم هجرة وروى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مراغما يقول متحولا من أرض الى ارض قال وسعة يقول في الرزق وقال قتادة من الضلالة الى الهدى أي سعة من تضييق ما كان فيه من انه لا يقدر على اظهار دينه

واللفظة تحتمل المعنيين لانه لا خصوص فيها 174 وقوله جل وعز ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله قال سعيد بن جبير نزلت في رجل يقال له ضمرة من خزاعة كان مصابا ببصره فقال أخرجوني فلما صاروا به الى التنعيم مات فنزلت هذه الآية فيه 175 وقوله جل وعز واذ ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة

قال يعلى بن أمية سألت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقلت انما كان هذا وقت الخوف وقد زال اليوم فقال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فأقبلوا صدقته ومعنى ضربتم في الارض سافرتم كما قال وآخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله وفي معنى قوله جل وعز فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة قولان أحدهما أنه اباحة لا حتم كما قال فلا جناح عليهما أن يتراجعا والقول الآخر أن هذا فرض المسافر كما روت عائشة

فرضت الصلاة ركعتين فأقرت في السفر وزيد في صلاة الحضر ويكون مثل قوله فلا جناح عليه أن يطوف بهما والطواف حتم وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم الذين كفروا وليس فيه ان خفتم فالمعنى على قراءته كراهة أن يفتنكم الذين كفروا ثم حذف مثل واسأل القرية يقال قصر الصلاة وقصرها وأقصرها

176 - ثم قال جل وعز ان الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا عدو ههنا بمعنى أعداء 177 وقوله عز و جل واذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة روى سفيان عن منصور عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي قال صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بعسفان والمشركون بينه وبين القتال فيهم أو عليهم خالد بن الوليد فقال المشركون لقد كانوا في صلاة لو أصبنا منهم لكانت الغنيمة فقال المشركون انها ستجيء صلاة هي أحب اليهم من آبائهم وأبنائهم قال ونزل جبريل بالآيات فيما بين الظهر والعصر وذكر الحديث وسنذكر حديث صالح بن خوات الذي يذهب أهل المدينة

اليه وكرهنا الاطالة في ذلك وحديث صالح فيه قضاء كل طائفة صلاتها قبل انصرافها من القبلة وليس كذا غيره والمعنى واذا كنت فيهم وثم خوف 178 ثم قال جل وعز فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم والمعنى وليأخذ الباقون أسلحتهم 179 ثم قال جل وعز فاذا سجدوا فليكونوا من ورائكم

وأهل المدينة يذهبون في صلاة الخوف الى حديث يحيى بن سعيد الانصاري عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات الانصاري أن سهل بن أبي حثمة حدثه أن صلاة الخوف أن يقوم الامام مستقبل القبلة ومعه طائفة من أصحابه وطائفة مواجهة العدو فيركع الامام ركعة ويسجد بالذين معه ثم يقوم فاذا استوى قائما ثبت وأتموا لانفسهم الركعة الثانية ثم سلموا وانصرفوا والامام قائم فيكونون وجاه العدو ثم يقبل الآخرون الذين لم يصلوا فيكبرون مع الامام فيركع بهم ركعة ويسجد ثم يسلم فيقومون فيركعون لانفسهم الركعة الباقية ثم يسلمون 180 وقوله جل وعز وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم يجوز أن يكون هذا للجميع لانه وان كان الذين في

الصلاةلا يحاربون فانهم اذا كان معهم السلاح كان ذلك أهيب للعدو ويجوز أن يكون الذين أمروا بأخذ السلاح الذين ليسوا في الصلاة لان المصلي لا يحارب 181 وقوله عز و جل فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم أي فاذكروه بالشكر والتسبيح وما يقرب منه 182 ثم قال جل وعز فإذا اطمأننتم قال مجاهد فاذ صرتم في الاهل والدور والمعروف في اللغة أنه يقال اطمأن اذا سكن فيكون

المعنى فاذا سكن عنكم الخوف وصرتم الى منازلكم فأقيموا الصلاة قال مجاهد أي فأتموها 183 ثم قال جل وعز ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا وروى ليث عن مجاهد أن الموقوت المفروض وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال موقوتا واجبا وقال زيد بن أسلم موقوتا منجما أي تؤدونها في أنجمها والمعنى عند أهل اللغة مفروض لوقت بعينه يقال وقته فهو موقوت ووقته فهو موقت وهذا قول زيد بن أسلم بعينه

184 - وقوله جل وعز ولا تهنوا في ابتغاء القوم أي لا تضعفوا يقال وهن يهن وهنا ووهونا 185 ثم قال جل وعز ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون قال الضحاك أي تشكون وترجون من الله ما لا يرجون قال الضحاك أي في جراحاتكم يعني من الاجر وقال غيره ترجون من النصر والعافية ما لا يرجون وقيل ترجون تخافون

186 - وقوله عز و جل انا أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما قال مجاهد كان رجل من الانصار يقال له ابن أبيرق واسمه طعمة سرق درعا فلما فطن به استودعها عند رجل من اليهود وادعى أن اليهودي أخذها فجاء قومه يسألون النبي صلى الله عليه و سلم أن يعذره فأنزل الله عز و جل انا أنزلنا اليك الكتاب بالحق الى قوله ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم

والجدال في اللغة أشد الخصومة ويقال رجل أجدل اذا كان شديدا ويقال للصقر أجدل لانه من أقوى الطير 187 ثم قال جل وعز يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم اذ يبيتون ما لا يرضى من القول أي يحكمونه ليلا 188 وقوله جل وعز ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أي يوم تظهر الحقائق وانما يحكم في الدنيا بما يظهر قال أبو جعفر قال أبو اسحق المعنى ها أنتم الذين يذهب الى أن هؤلاء بمعنى الذين

189 - ثم قال جل وعز ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما أي استغفار غير عائد لانه اذا عزم على العودة فليس بتائب 190 ثم قال جل وعز ومن يكسب اثما فانما يكسبه على نفسه أي عقابه يرجع عليه ومن يكسب خطيئة أو اثما ثم يرم به برئيا قال سعيد بن جبير نزلت في ابن أبيرق لما رمى اليهودي بالدرع التي سرقها

191 - ثم قال جل وعز فقد احتمل بهتانا واثما مبينا البهتان الكذب الذي يتحير من عظمه 192 ثم قال جل وعز ولولا فضل الله عليك ورحمته أي بأنه أوحي اليك ما فعله ابن أبيرق لهمت طائفة منهم أن يضلوك أي يخطئوك في الحكم وما يضلون الا أنفسهم وما يضرونك من شيء أي لانك معصوم 193 ثم قال جل وعز وأنزل الله عليك الكتاب

والحكمة أي أنزل عليك الكتاب بالحكمة في أمر ابن أبيرق 194 وقوله جل وعز لا خير في كثير من نجواهم النحوى كل كلام ينفرد به جماعة سرا كان أو جهرا 195 ثم قال جل وعز الا من أمر بصدقة يجوز أن يكون المعنى الا نجوى من أمر بصدقة ثم حذف ويجوز أن يكون استثناء ليس من الاول ويكون المعنى لكن من أمر بصدقة في نجواه خيرا

196 - وقوله جل وعز ومن يشاقق الرسول أي يخالف كأنه يصير في شق خلاف شقة أي في ناحية قال سعيد بن جبير لما أطلع الله النبي على أمر ابن أبيرق هرب الى المشركين فارتد فأنزل الله ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى قال مجاهد أي نتركه وما يعبد وكذلك هو في اللغة يقال وليته ما تولى اذا تركته في اختياره قال سعيد بن جبير لما صار الى مكة نقب بيتا بمكة

فلحقه المشركون فقتلوه فأنزل الله ان الله لا يغفر أن يشرك به الى قوله فقد ضل ضلالا بعيدا 197 وقوله عز و جل ان يدعون من دونه الا اناثا قال مجاهد يعني الاوثان وعن أبي مع كل صنم جنية وقال أهل اللغة انما سميت اناثا لانهم سموها اللات والعزى ومناة وهذا عندهم اناث وقال الحسن أي ما يعبدون الا حجارة وخشبا

قال وكان لكل حي صنم يعبدونه فيقال أنثى بني فلان فأنزل الله هذا وهذا قول حسن في اللغة لان هذه الاشياء يخبر عنها بالتأنيث يقال الحجارة يعجبنه ولا يقال يعجبونه وروي عن ابن عباس أنه قرأ ان يدعون من دونه الا أثنا وهذا جمع الجمع كأنه جمع وثنا على وثان كما تقول مثال ومثل ثم أبدل من الواو همزة لما انضمت كما قال جل وعز واذا الرسل أقتت من الوقت وقرىء ان يدعون من دونه الا أنثا وهو جمع اناث

198 - ثم قال جل وعز وان يدعون الا شيطانا مريدا لعنه الله فالمريد الخارج من الخير المتجرد منه وأمرد من هذا وقيل المريد الممتد في الشر من قولهم بيت ممرد أي مطول ومعنى لعنه باعده من رحمته 199 ثم قال جل وعز وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا أي موقتا وهو من فرضت أي قطعت 200 ثم قال جل وعز ولاضلنهم ولامنينهم

أي ولاوهمنهم أن لهم حظا في المخالفة 201 ثم قال جل وعز ولآمرنهم فليبتكن آذان الانعام يقال بتك اذا قطع قال قتادة يعني البحيرة والبحيرة الناقة اذا أنتجت خمسة أبطن وكان آخرها ذكرا شقوا آذانها ولم ينتفعوا بها

والتقدير في العربية ولآمرنهم بتبتيك آذان الانعام 202 ثم قال جل وعز ولآمرنهم فليغيرن خلق الله عن ابن عباس دين الله وعنه أيضا الخصاء وكذلك روي عن أنس وقال سعيد بن جبير ومجاهد وابراهيم والضحاك وقتادة يعني دين الله وزاد مجاهد يعني الفطرة أي أنهم ولدوا على الاسلام وأمرهم الشيطان بتغييره

وروي عن عكرمة قولان أحدهما أنه الخصاء والآخر أنه دين الله وهذه الاقوال ليست بمتناقضة لانها ترجع الى الافعال فأما قوله لا تبديل لخلق الله وقال ههنا فليغيرن خلق الله فان التبديل هو بطلان عين الشيء فهو ههنا مخالف للتغيير وقال محمد بن جرير أولاهما أنه دين الله واذا كان ذلك معناه دخل فيه فعل كل ما نهى الله عنه من خصاء ووشم وغير ذلك من المعاصي لأن الشيطان يدعو إلى جميع المعاصي أي

فليغيرن ما خلق الله من دينه 203 وقوله جل وعز أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا المحيص في اللغة المعدل والملجأ يقال حصت وجضت وعدلت بمعنى واحد 204 وقوله جل وعز ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب المعنى ليس الثواب بأمانيكم ودل على أن هذا هو المعنى قوله جل وعز والذين أمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الانهار

205 - وقوله جل وعز من يعمل سوءا يجز به روي عن أبي هريرة أنه قال لما نزلت من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا بكينا وحزنا وقلنا يا رسول الله ما أبقت هذه الآية من شيء قال أما والذي نفسي بيده انها لكما أنزلت ولكن أبشروا وقاربوا وسددوا فانه لا تصيب أحدا منكم مصيبة الا كفر الله عنه بها خطيئة حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه وروى على بن أبي طلحة عن ابن عباس من يعمل سوء يجز به يقول من يشرك به وهو السوء الا أن يتوب قبل موته فيتوب الله عليه حدثنا عبد السلام بن سهل السكري قال حدثنا عبيد الله

قال حدثنا عبد الواحد بن زياد قال حدثنا عاصم عن الحسن من يعمل سوء يجز به قال ذلك لمن أراد الله جل وعز هوانه فأما من أراد كرامته فلا قد ذكر الله قوما وقال أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون والحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم يدل على أنه عام روى عنه أبو هريرة أنه قال لما نزلت هذه الآية كل ما يصاب به العبد كفارة

ولفظ الآية عام لكل من عمل سوءا من مؤمن وكافر كان الذنب صغيرا أو كبيرا وهذا موافق ل نكفر لان معنى نكفر نغطي عليها في القيامة فلا نفضحكم بها 206 وقوله جل وعز ولا يظلمون نقيرا المعنى لا يظلمون مقدار نقير والنقير النقطة التى تكون في النواة يقال ان النخلة تنبت منها 207 وقوله جل وعز واتخذ الله ابراهيم خليلا الخليل في اللغة يكون بمعان أحدها الفقير كأنه به الاختلال كما قال زهير وان أتاه خليل يوم مسألة يقول لا غائب مالي ولا حرم

والخليل المحب وقيل في قول الله جل وعز واتخذ الله ابراهيم خليلا أي محتاجا فقيرا اليه والقول الآخر هو الذي عليه أصحاب الحديث أنه المحب المنقطع الى الله الذي ليس في انقطاعه اختلال والقول الثالث أنه يقال فلان خليل فلان أي هو يختصه ومنه الحديث لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا

فدل بهذا على أنه صلى الله عليه و سلم لا يختص أحدا بشيء من العلم دون غيره 208 وقوله جل وعز ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب و ما في موضع رفع والمعنى قل الله يفتيكم فيهن والقرآن يفتيكم فيهن والذي يفتيكم من القرآن في النساء قوله عز و جل فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع 209 ثم قال جل وعز في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن قالت عائشة رحمها الله هذا في اليتيمة تكون عند الرجل وترغبون أن تنكحوهن رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء الا بالقسط

وفي بعض الروايات عنها هذا في اليتيمة لعلها تكون شريكته في المال ولا يريد أن ينكحها ولا يحب أن تتزوج غيره لئلا يأخذ مالها قال الله جل اسمه وترغبون أن تنكحوهن قال سعيد بن جبير ومجاهد ويرغب في نكاحها اذا كانت كثيرة المال ولاهل اللغة في هذا تقديران أحدهما أن المعنى وترغبون عن أن تنكحوهن ثم حذفت عن

وحديث عائشة يقوي هذا القول والقول الآخر وترغبون في أن تنكحوهن ثم حذفت في واذا تدبرت قول سعيد بن جبير تبينت أنه قد جاء بالمعنيين 210 ثم قال جل وعز والمستضعفين من الولدان قال سعيد بن جبير كانوا لا يورثون الصغير فنزلت يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فعلى قول سعيد بن جبير أفتاهم في المستضعفين قوله يوصيكم الله في أولادكم

211 - ثم قال جل وعز وأن تقوموا لليتامى بالقسط والقسط العدل وأفتاهم في اليتامى قوله جل وعز ولا تأكلوا أموالهم الى أموالكم 212 وقوله جل وعز وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا النشوز من الزوج أن يسيء عشرتها ويمنعها نفسه ونفقته 213 ثم قال جل وعز فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما صلحا وقرأ أكثر الكوفيين أن يصلحا

وقرأ الجحدري وعثمان البتي أن يصلحا والمعنى يصطلحا ثم أدغم فأما تفسير الآية فروى سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال هي المرأة تكون عند الرجل وهي دميمة أو عجوز تكره مفارقته فيصطلحا على أن يجيئها كل ثلاثة أيام أو أربعة وقالت عائشة هو الرجل تكون عنده المرأة لعله لا يكون له منها ولد ولا يحبها فيريد تخليتها فتصالحه فتقول لا تطلقني وأنت في حل من شأني وروى الزهري عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن هذه الآية نزلت في رافع بن خديج طلق امرأته تطليقة وتزوج شابة فلما قاربت انقضاء العدة قالت له أنا أصالحك على بعض الايام فراجعها ثم لم تصبره فطلقها أخرى ثم سألته

ذلك فراجعها فنزلت الآية وفي حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن سودة وهبت يومها لعائشة وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة ابتغت سودة بذلك رضى رسول الله صلى الله عليه و سلم 214 ثم قال جل وعز والصلح خير والمعنى والصلح خير من الفرقة ثم حذف هذا لعلم السامع

وقيل في معنى الله أكبر الله أكبر من كل شيء 215 ثم قال جل وعز وأحضرت الانفس الشح قال عطاء يعني الشح في الايام والنفقة ومعنى هذا أن المرأة تشح بالنفقة على ضرايرها وايثارهن وقال سعيد بن جبير هذا في المرأة تشح بالمال والنفس 216 وقوله جل وعز ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم

قال عبيدة في الحب والجماع 217 ثم قال جل وعز فلا تميلوا كل الميل قال عبيدة يعنى بالانفس وقال مجاهد لا تتعمدوا الاساءة والمعنى اقسموا بينهن بالسوية وروي عن عائشة رحمها الله أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقسم بين نسائه بالعدل ثم يقول اللهم هذا ما أملك فلا تؤاخذني بما تملكه ولا أملكه

218 - ثم قال جل وعز فتذروها كالمعلقة قال الحسن هي التي ليس لها زوج ولا هي مطلقة وقال قتادة كالمحبوسة وكالمسجونة 219 وقوله جل وعز من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة روي أن أكثر المشركين كانوا لا يؤمنون بالقيامة وانما يتقربون الى الله ليوسع عليهم في الدنيا ويدفع عنهم مكروهها فأنزل الله من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة

220 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط القسط والاقساط العدل يقال أقسط يقسط اقساطا اذا عدل وقسط يقسط اذا جار 221 ثم قال جل وعز شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والاقربين ان يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما المعنى ان يكن المشهود له غنيا فلا يمنعكم ذلك من أن تشهدوا وان يكن المشهود عليه فقيرا فلا يمنعكم ذلك من أن

تشهدوا عليه فان قيل كيف يقوم بالشهادة على نفسه وهل يشهد على نفسه قيل يكون عليه حق لغيره فيقر له به فذلك قيامه بالشهادة على نفسه أدب الله عز و جل بهذا المؤمنين كما قال ابن عباس رحمه الله أمروا أن يقولوا الحق ولو على أنفسهم

222 - ثم قال عز و جل فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا المعنى فلا تتبعوا الهوى لان تعدلوا وأدوا ما عندكم من الشهادة فهذا قول أكثر أهل اللغة ويجوز أن يكون المعنى فلا تتبعوا الهوى كراهة أن تعدلوا لانه اذا خالف الحق فكأنه كره العدل 223 ثم قال تعالى وان تلووا أو تعرضوا روى قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال هو في الخصمين يتقدمان الى القاضي فيكون ليه لاحدهما واعراضه عن الآخر وقال مجاهد وان تلووا أي تبدلوا أو تعرضوا تتركوا

فمذهب ابن عباس أن اللي من الحاكم ومذهب مجاهد أنه من الشاهد وكذلك قال الضحاك هو أن يلوي لسانه عن الحق في الشهادة أو يعرض فيكتمها وأصل لوى في اللغة مطل وأنشد سيبويه قد كنت داينت بها حسانا مخافة الافلاس والليانا

وقرىء وان تلوا أو تعرضوا وفيه قولان أحدهما للكسائي قال والمعنى من الولاية وان تلوا شيئا أو تدعوه وقال ابو اسحاق من قرأ وان تلوا فالمعنى على قراءته وان تلووا ثم همز الواو الاولى فصارت تلؤوا كما قال يقال أدؤر في جمع دار ثم ألقى حركة الهمزة على اللام وحذف الهمزة فصارت تلوا كما يقال آدر في جمع دار 224 وقوله عز و جل يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله في معنى هذا قولان أحدهما اثبتوا على الايمان كما يقال للقائم قف حتى أجيء

أي أثبت قائما والقول الآخر أنه خطاب للمنافقين فالمعنى على هذا يا أيها الذين آمنوا في الظاهر أخلصوا لله 225 وقوله جل وعز ان الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا قال مجاهد يعنى به المنافقون قال ومعنى ثم ازدادوا كفرا ماتوا على ذلك

وهذا القول ليس يبعد في اللغة لانهم اذا ماتوا على الكفر فقد هلكوا فهم بمنزلة من ازداد وقال أبو العالية ان الذين آمنوا ثم كفروا اليهود والنصارى ثم ازدادوا كفرا بذنوب عملوها وقال قتادة الذين آمنوا ثم كفروا اليهود والنصارى آمنت اليهود بالتوراة ثم كفرت يعني بالانجيل ثم آمنوا بعزير ثم كفروا بعيسى ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلى الله عليه و سلم وآمنت النصارى بالانجيل ثم كفرت وكفرهم به تركهم اياه ثم ازدادوا كفرا بالقرآن وبمحمد عليه السلام

226 - وقوله جل وعز بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما المعنى اجعل ما يقوم مقام البشارة العذاب وأنشد سيبويه وخيل قد دلفت لها بخيل تحية بينهم ضرب وجيع أي الذي يقوم مقام التحية ضرب وجيع 227 وقوله جل وعز أيبتغون عندهم العزة أيبتغي المنافقون عند الكافرين العزة أي المنعة قال الاصمعي يقال أرض عزاز بالفتح والكسر اذا كانت صلبة شديدة وقولهم يعز علي أي يشتد علي

ومنه قوله تعالى وعزني في الخطاب أي قهرني لانه أعز مني ومنه قولهم من عز بز أي من غلب استلب ومنه قوله فعزته يداه وكاهله 228 وقوله جل وعز قالوا ألم نستحوذ عليكم يقال استحوذ عليه اذا استولى عليه فالمعنى قال المنافقون للكافرين ألم نغلب عليكم بموالاتنا اياكم ونمنعكم من المؤمنين أي أخبرناكم بأخبارهم لتحذروا ما يكون منهم

229 - وقوله جل وعز ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا روي عن علي رضي الله عنه أنه قال ذلك في الآخرة وقال ابن عباس ذاك يوم القيامة وقال السدي السبيل الحجة

وقيل ان المعنى ان الله ناصر المؤمنين بالحجة والغلبة ليظهر دينهم على الدين كله 230 وقوله جل وعز ان المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم قال أهل اللغة سمي الثاني خداعا لانه مجازاة للاول فسمي خداعا على الازدواج كما قال جل وعز وجزاء سيئة سيئة مثلها وقال الحسن اذا كان يوم القيامة أعطي المؤمنون والمنافقون نورا فاذا انتهوا الى الصراط طفىء نور المنافقين فيشفق المؤمنون فيقولون ربنا أتمم لنا نورنا فيمضي المؤمنون بنورهم فينادونهم أنظرونا نقتبس من نوركم الآية قال الحسن فتلك خديعة الله اياهم وهذا القول ليس بخارج من قول أهل اللغة لانه قد سماه

خداعا لانه مجازاة لهم 231 ثم قال جل وعز واذ قاموا الى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله الا قليلا قال الحسن انما قل لانه لغير الله وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال ما قل عمل مع تقى وكيف يقل ما يتقبل 232 ثم قال جل وعز مذبذبين بين ذلك لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء قال قتادة ولا يكونون مخلصين بالايمان ولا مصرحين بالكفر

وروى عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين غنمين اذا جاءت الى هذه نطحتها واذا جاءت الى هذه نطحتها فلا نتبع هذه ولا هذه وأصل التذبذب في اللغة التحرك والاضطراب كما قال ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب فالمعنى ان المنافقين متحيرون في دينهم لا يرجعون الى اعتقاد شيء على صحة ليسوا مع المؤمنين على بصيرة ولا مع المشركين على جهالة فهم حيارى بين ذلك

والنفاق مأخوذ من النافقاء وهو أحد جحور اليربوع اذا أخذت عليه المواضع خرج منه ولا يفطن اليه وكذلك المنافق يظهر الاسلام ويخرج منه سرا وفي الحديث للمنافق ثلاث علامات اذا حدث كذب واذا وعد أخلف واذا ائتمن خان 233 وقوله جل وعز أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا قال قتادة السلطان الحجة وكذلك هو عند أهل اللغة 234 وقوله جل وعز ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار

قال عبد الله بن مسعود يجعلون في توابيت من حديد تغلق عليهم وفي بعض الحديث من نار ثم تطبق عليهم والادراك في اللغة المنازل والطبقات 235 وقوله جل وعز ما يفعل الله بعذابكم ان شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم وقرا زيد بن أسلم وابن أبي اسحاق الا من ظلم وعلى هذه القراءة فيه ثلاثة أقوال قال الضحاك المعنى ما يفعل الله بعذابكم الا من ظلم

وقيل المعنى لا يجهر أحد بالسوء الا من ظلم فانه يجهر به اعتداء وقال أبو اسحاق الزجاج يجوز أن يكون المعنى الا من ظلم فقال سوءا فانه ينبغي أن تأخذوا على يديه ويكون استثناء ليس من الاول وعلى الجوابين الاولين يكون استثناء ليس من الاول أيضا ومن قرأ الا من ظلم ففيه أقوال أحدها روي عن مجاهد أنه قال نزلت هذه الآية في رجل من ضاف قوما فلم يحسنوا إليه فذكرهم بما فعلوا فعذبوه بذلك فنزلت لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم

فالمعنى على هذا لكن من ظلم فله أن يذكر ما فعل به قال الحسن هذا في الرجل يظلم فلا ينبغي أن يدعو على من ظلمه ولكن ليقل اللهم أعني عليه واستخرج لي حقي منه ونحو ذلك وقال قطرب الا من ظلم انما يريد المكره لانه مظلوم وذلك موضوع عنه وان كفر قال ويجوز أن يكون المعنى الا من ظلم على البدل كأنه لا يحب الله الا من ظلم أي لا يحب الظالم وكأنه يقول يحب من ظلم أي يأجر من ظلم والتقدير على هذا القول لا يحب الله ذا الجهر بالسوء الا من ظلم على البدل

236 - وقوله جل وعز ان الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض قال قتادة هم اليهود والنصارى آمنت اليهود بموسى والتوراة والانجيل وكفرت بعيسى والانجيل وآمنت النصارى بعيسى والانجيل وكفرت بمحمد والقرآن 137 ثم قال جل وعز ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا قال قتادة اتخذوا اليهودية والنصرانية وابتدعوهما وتركوا دين الله الاسلام الذي لم يرسل نبي الا به 238 وقوله جل وعز فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة قال قتادة أي عيانا وقال أبو عبيدة هو من صفة القول والمعنى فقالوا

جهرة أرنا الله والقول عند أهل النظر قول قتادة والمعنى فقالوا أرنا الله رؤية منكشفة لان من عرف الله فقد رآه علما 239 وقوله جل وعز ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم الطور الجبل 240 ثم قال جل وعز وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا

قال قتادة كنا نحدث أنه باب من أبواب بيت المقدس 241 ثم قال جل وعز وقلنا لهم لا تعدوا في السبت قال قتادة نهوا عن صيد الحيتان في يوم السبت ويقال عدا يعدو عدوا وعدوانا وعداء وعدوا اذا جاوز الحق ويقرأ تعدوا بمعنى تعتدوا 242 وقوله جل وعز فيما نقضهم ميثاقهم

ما زايدة للتوكيد يؤدي عن معنى قولك حقا وفي معناه ثلاثة أقوال أحدها أن قتادة قال المعنى فبنقضهم ميثاقهم لعناهم فعلى قول قتادة حذف هذا لعلم السامع وقال الكسائي هو متعلق بما قبله والمعنى فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم عطف على ذلك الى قوله فبما نقضهم ميثاقهم فزعم أنه فسر ظلمهم الذي أخذتهم الصاعقة من أجله بما بعده من نقضهم ميثاقهم وقتلهم الانبياء وسائر ما بين من أمورهم التي ظلموا فيها أنفسهم

وهذا خطأ وغلط لان الذين أخذتهم الصاعقة كانوا على عهد موسى والذين قتلوا الانبياء ورموا مريم بالبهتان كانوا بعد موسى عليه السلام بدهر طويل فليس الذين أخذتهم الصاعقة أخذتهم برميهم مريم بالبهتان وقول قتادة أولاها بالصواب قال أبو جعفر قال أبو اسحاق المعنى فبما نقضهم ميثاقهم حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ونقضهم الميثاق أنه أخذ عليهم أن يبينوا صفة النبي صلى الله عليه و سلم فنقضوا ذلك وكتموها 243 وقوله جل وعز وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم

قال قتادة غلف أي لا تفهم ومعنى بل طبع الله عليها ختمها مجازاة على كفرهم وهو تمثيل يقال طبع السيف يطبع طبعا اذا غطاه الصدأ 244 وقوله جل وعز وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم قال مجاهد قتلوا رجلا توهموا أنه عيسى ورفع الله عيسى حيا وقال قتادة قال عيسى أيكم يقذف عليه شبهي فيقتل ويدخل الجنة فقال رجل منهم أنا فقتل

وقال غيره يعذبون على أنهم قتلوا نبيا لان تلك نياتهم 245 ثم قال جل وعز وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه لان مقالتهم فيه مختلفة وهم في شك منه 246 وقوله جل وعز وما قتلوه يقينا المعنى عند أهل اللغة وما قتلوا العلم يقينا كما يقول قتلته علما وقتلته يقينا اذا علمته علما تاما قال أبو عبيد ولو كان المعنى وما قتلوا عيسى يقينا لقال وما قتلوه فقط

247 - وقوله جل وعز وان من أهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته في معنى هذه الآية ثلاثة أقوال أحدها أنه روى الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لينزلن ابن مريم حكما عدلا فليقتلن الدجال وليقتلن الخنزير وليكسرن الصليب وتكون السجدة واحدة لله رب العالمين ثم قال أبو هريرة واقرؤوا ان شئتم وان من أهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته قال أبو هريرة قبل موت عيسى يعيدها ثلاث مرات وقال قتادة قبل موته قبل موت عيسى

ب وقال ابن عباس قبل موته قبل موت الذي من أهل الكتاب وقال بهذا القول الحسن وعكرمة وهذا القول رواه عن ابن عباس عكرمة وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن معنى قبل موته قبل موت عيسى صلى الله عليه و سلم ج وقال غير هؤلاء المعنى وان من أهل الكتاب أحد الا ليؤمنن بمحمد صلى الله عليه و سلم قبل موته

وهذه الاقوال غير متناقضة لانه يتبين عند موته الحق فيؤمن حين لا ينفعه الايمان قال محمد بن جرير أولى هذه الاقوال بالصواب والصحة قول من قال تأويل ذلك الا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى وأن ذلك في خاص من أهل الكتاب ومعني به أهل زمان منهم دون أهل كل الازمنة التي كانت بعد عيسى وان ذلك عند نزوله ولم يجر لمحمد في الآيات التي قبل ذلك ذكر فيجوز صرف الهاء التي في ليؤمنن به الى أنها من ذكره وانما ليؤمنن به في سياق ذكر عيسى وأمه واليهود 248 وقوله جل وعز فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم

يبين هذا قوله عز و جل وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر الى آخر الآية 249 وقوله جل وعز لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل اليكم وما أنزل من قبلك الراسخ الثابت و منهم يعني أهل الكتاب 250 ثم قال جل وعز والمقيمين الصلاة وفيه معنى المدح أي واذكرو المقيمين الصلاة 251 وقوله جل وعز انا أوحينا اليك كما أوحينا الى نوح والنبيين من بعده

هذا متصل بقوله يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فأعلم الله أن أمره كأمر النبيين الذين قبله يوحى اليه كما يوحى اليهم 252 وقوله جل وعز وآتينا داود زبورا ويقرأ زبورا بضم الزاي قال الكسائي من قرأ زبورا فهو عنده واحد مثل التوراة والانجيل وقال غيره هو فعول بمعنى مفعول كما يقال حلوب بمعنى محلوب يقال زبرته فهو مزبور أي كتبته وزبور بمعنى مزبور ومن قرأ زبورا فهو عنده جمع زبر 253 وقوله جل وعز وكلم الله موسى تكليما

مؤكد يدل على معنى الكلام المعروف لانك اذا قلت كلمت فلانا جاز أن يكون أوصلت اليه كلامك واذا قلت كلمته تكليما لم تكن الا من الكلام الذي يعرف فأخبره الله بخصيصاء الانبياء ثم أخبر بما خص به موسى صلى الله عليه و سلم 254 وقوله جل وعز لكن الله يشهد بما أنزل اليك أنزله بعلمه قال القتبي ولكن لا تكون الا بعد نفي قال فهي محمولة على المعنى لانهم لما كذبوا فقد نفوا فقال جل وعز لكن الله يشهد بما أنزل اليك قال أبو جعفر وهذا غلط لان لكن عند النحويين اذا كانت بعدها جملة وقعت بعد النفي والايجاب وبعدها ههنا جملة وانما يقول النحويون لا تكون الا بعد نفي اذا كان بعدها مفرد

وقوله أنزله بعلمه أي أنزله وفيه علمه كما تقول جاء فلان بالسيف أي وهو معه وكما قال جل وعز تنبت بالدهن 255 وقوله جل وعز لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون قال قتادة لن يستنكف لن يحتشم والاستنكاف عند أهل اللغة الانفة وهو من نكف ينكف اذا نحى الدمعة عن خده بيده

256 - وقوله جل وعز يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم قال مجاهد حجة وقال سفيان يعني بالبرهان النبي صلى الله عليه و سلم 257 ثم قال جل وعز وأنزلنا اليكم نورا مبينا قال قتادة هو القرآن وهو عند أهل اللغة تمثيل لان أصل النور هو الذي يبين الاشياء فمثل ما يعلم بالقلب بما يرى عيانا 258 وقوله جل وعز يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة الكلالة من لا والد له ولا ولد وقد شرحنا معناه في أول السورة

قال البراء بن عازب آخر آية نزلت يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة 259 وقوله جل وعز يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم قال الكسائي المعنى يبين الله لكم لئلا تضلوا قال أبو عبيد فحدثت الكسائي بحديث رواه ابن عمر عن النبي صلى اله عليه وسلم أنه قال لا يدعون أحدكم على ولده أن يوافق من الله اجابة فاستحسنه

والمعنى عند أبي عبيد لئلا يوافق من الله اجابة وهذا القول عند البصريين خطأ لا يجيزون اضمار لا والمعنى عندهم يبين الله لكم كراهة أن تضلوا ثم حذف كما قال تعالى واسأل القرية وكذا معنى حديث النبي صلى الله عليه و سلم أي كراهة أن يوافق من الله اجابة وقول ثالث أن المعنى يبين لكم الضلالة لان معنى أن تفعلوا فعلكم كما تقول يعجبني أن تقوم أي قيامك انتهت سورة النساء


تفسير سورة المائدة مدنية وآياتها 120 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة المائدة وهي مدنية روي عن علقمة أنه قال كل ما كان في القرآن يا أيها الذين أمنوا فنزل بالمدينة وكل ما كان في القرآن يا أيها الناس فنزل بمكة 1 من ذلك قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود قال مجاهد العقود العهود وذلك معروف في اللغة يقال عهدت اليه اذا أمرته بأمر وعقدت عليه وعاقدته اذا أمرته واستوثقت منه

وقيل يراد بالعقود ها هنا الفرائض 2 ثم قال جل وعز أحلت لكم بهيمة الانعام الا ما يتلى عليكم قال الحسن الانعام الابل والبقر والغنم وروى عوف عن الحسن بهيمة الانعام الشاة والبعير والبقرة وروى زهير بن معاوية عن قابوس بن أبي ظبيان قال ذبحنا بقرة فأخذ الغلمان من بطنها ولدا ضخما قد أشعر فشووه ثم أتوا به أبا ظبيان فقال حدثنا عبد الله بن عباس أن هذا بهيمة

الانعام قال أبو جعفر الاول أولى لان بعده الا ما يتلى عليكم وليس في الاجنة ما يستثنى وقيل لها بهيمة الانعام لانها أبهمت عن التمييز 3 ثم قال جل وعز غير محلي الصيد وأنتم حرم ان الله يحكم ما يريد واحد الحرم حرام وحرام بمعنى محرم قيل له محرم وحرام لما حرم عليه من النكاح وغيره يقال أحرم اذا دخل في الحرم كما يقال أشتى اذا دخل

في الشتاء وأشهر اذا دخل في الشهر 4 وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله قال أبو عبيدة الشعائر الهدايا الواحدة شعيرة وقال غيره شعيرة بمعنى مشعرة وقال الاصمعي أشعرتها أعلمتها وروى الاسود بن يزيد عن عائشة قالت انما أشعرت ليعلم أنها بدنة وقال مجاهد شعائر الله الصفا والمروة والحرم والمعنى على هذا القول لا تحلوا الصيد في الحرم والتقدير لا تحلوا لانفسكم شعائر الله

ومن قال بأنها البدن فالآية عنده منسوخة قال الشعبي ليس في المائدة آية منسوخة الا يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله وكذلك قال قتادة وقال نسختها فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وكانوا قبل قد منعوا من قتالهم في الشهر اذا كانوا آمين البيت الحرام 5 ثم قال جل وعز ولا الشهر الحرام وهو رجب 6 ثم قال جل وعز ولا الهدي واحد الهدي هدية 7 ثم قال جل وعز ولا القلائد قال الضحاك وعطاء كانوا يأخذون من شجر الحرم فلا يقربون اذا رئي عليهم 8 ثم قال جل وعز ولا آمين البيت الحرام الام القصد

أي لا تستحلوا منع القاصدين البيت الحرام ويجوز أن يكون المعنى لا تحلوا قصد الآمين ثم حذف 9 ثم قال جل وعز يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا قال ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد يبتغون الاجر والتجارة 10 ثم قال جل وعز واذا حللتم فاصطادوا وهذا اباحة بعد حظر وليس بحتم 11 ثم قال تعالى ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا

قال أبو عبيدة ولايجرمنكم لا يكسبنكم وأنشد ولقد طعنت أبا عيينه طعنة جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا وقال الاخفش ولا يحقنكم وقال الفراء ولا يحملنكم وهذه المعاني متقاربة لان من حمل رجلا على ابغاض رجل فقد أكسبه ابغاضه فاذا كان الامر كذلك فالذي هو أحسن أن يقال ما قاله ابن عباس وقتادة قالا أي لا يحملنكم شنآن قوم على العدوان

وقرأ الاعمش ولا يجرمنكم بضم الياء قال الكسائي جرم يجرم وأجرم يجرم بمعنى واحد الفتح في هذا أكثر والضم في الجناية أكثر والشنآن الابغاض ويقرأ شنئان باسكان النون وليس بالحسن لان المصادر لا تكاد تكون على فعلان وقرأ أبو عمرو ان صدوكم بكسر الهمزة بمعنى الشرط وروي عن الاعمش أنه قرأ ان يصدوكم وهو لحن عند النحويين لان ان اذا جزمت لم يتقدم

جوابها والمعنى على قراءة من فتح ولا يجرمنكم شنآن قوم لان صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا ومن كسر فالمعنى عنده ان فعلوا هذا والمعنى على الغتح لانه يروى أن النبي صلى الله عليه و سلم لما فتح مكة قتل رجل من أصحابه رجلا من أهل مكة كان يقتل حلفاء النبي صلى الله عليه و سلم فنزلت هذه الآية 12 وقوله جل وعز حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير يقال ميتة وميتة بمعنى واحد هذا قول من يوثق به من أهل اللغة وقيل الميتة ما لم تمت بعد والميتة التي قد ماتت وروي أنهم كانوا يجعلون الدم في المباعر ثم يشوونها ويأكلونها فحرم الله جل وعز الدم المسفوح وهو المصبوب 13 ثم قال جل وعز وما أهل لغير الله به

أي ذبح لغير الله وذكر عليه غير اسمه وأصل الاهلال الصوت ومنه سمي الاهلال بالحج وهو الصوت بالتلبية وايجاب الحج ومنه استهلال المولود ومنه أهل الهلال لان الناس اذا رأوه أومأوا اليه بأصواتهم 14 ثم قال جل وعز المنخنقة قال قتادة هي التي تموت في خناقها 15 ثم قال جل وعز والموقوذة قال الضحاك كانوا يأخذون الشاة أو غيرها من البهائم فيضربونها عند آلهتم حتى تموت ثم يأكلونها ويقال وقذه وأقذه فهو موقوذ وموقذ اذا ضربه حتى يشفى على الهلاك ومنه قيل فلان وقيذ 16 ثم قال جل وعز والمتردية

قال الضحاك المتردية أن تتردى في ركية أو من جبل ويقال تردى اذا سقط ومنه وما يغني عنه ماله اذا تردى والنطيحة المنطوحة 17 ثم قال جل وعز وما أكل السبع أي ما افترسه فأكل بعضه وقرأ الحسن السبع وهو مسكن استثقالا للضمة 18 ثم قال جل وعز الا ما ذكيتم والتذكية أن تشخب الاوداج دما ويضطرب اضطراب المذبوح وأصل التذكية في اللغة التمام وقال زهير

يفضله اذا اجتهدا عليه تمام السن منه والذكاء ومنه لفلان ذكاء أي هو تام الفهم وذكيت النار أي أتممت ايقادها وذكيت الذبيحة أتممت ذبحها على ما يجب 19 ثم قال جل وعز وما ذبح على النصب وقرأ طلحة على النصب قال مجاهد هي حجارة كانت حوالي مكة يذبحون عليها وربما استبدلوا منها ويجوز أن يكون جمع نصاب 20 ثم قال جل وعز وأن تستقسموا بالازلام قال قتادة كان أحدهم اذا أراد أن يخرج كتب على قدح يعني السهم تأمرني بالخروج وعلى الآخر لا تأمرني بالخروج وجعل بينهما سهما منيحا لم يكتب عليه شيئا فيجيلها فان خرج

الذي عليه تأمرني بالخروج خرج وان خرج الذي عليه لا تأمرني بالخروج لم يخرج وان خرج المنيح رجع فأجالها وانما قيل لهذا الفعل استقسام لانهم كانوا يستقسمون به الرزق وما يريدون كما يقال الاستسقاء في الاستدعاء للسقي ونظير هذا الذي حرمه الله قول المنجم لا تخرج من أجل نجم كذا أو اخرج من أجل نجم كذا وقال جل وعز وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت قال أبو جعفر وذكر محمد بن جرير أن ابن وكيع حدثهم عن أبيه عن شريك عن أبي حصين عن سعيد بن جبير أن الازلام

حصى بيض كانوا يضربون بها قال محمد بن جرير قال لنا سفيان بن وكيع هي الشطرنج 21 ثم قال جل وعز ذلكم فسق والفسق الخروج أي الخروج من الحلال الى الحرام وقوله جل وعز اليوم يئس الذين كفروا من دينكم قال ابن عباس يئس الذين كفروا من دينكم المعنى يئس الذين كفروا أن تعود الجاهلية وقال ورقاء المعنى لآن يئس الذين كفروا من دينكم وهذا معروف عند أهل اللغة كما تقول أنا اليوم قد كبرت عن هذا

22 - وقوله جل وعز اليوم أكملت لكم دينكم روي أن أناسا من اليهود قالوا لو نزلت هذه الآية علينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدا فقال عمر رضي لله عنه نزلت في يوم جمعة يوم عرفة وروي عن على رضي الله عنه أنه قال نزلت يوم عرفة أو عشية عرفة وفي معنى الآية قولان أحدهما الآن أكملت لكم دينكم بأن أهلكت عدوكم وأظهرت دينكم على الدين كله كما تقول قد تم لنا ما نريد اذا كفيت عدوك ويجوز أن يكون المعنى اليوم أكملت لكم دينكم فوق ما تحتاجون اليه من الحلال والحرام في أمر دينكم

وروى اسرائيل عن أبي اسحاق عن أبي ميسرة أنه قال في المائدة ثماني عشرة فريضة ليست في غيرها تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع وما ذبح على النصب والاستقسام بالازلام وتحليل طعام الذين أوتوا الكتاب والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب والجوارح مكلبين وتمام الطهور اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وقوله تعالى والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما وقوله تعالى ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ويروى أنها آخر سورة أنزلت 23 وقوله جل وعز فمن اضطر في مخمصة المخمصة ضمور البطن من الجوع

24 - ثم قال جل وعز غير متجانف لاثم قال قتادة الاثم ها هنا أن تأكل منها فوق الشبع 25 ثم قال جل وعز فان الله غفور رحيم أي رحمكم فأباح لكم هذه الاشياء عند الضرورة 26 وقوله عز و جل يسئلونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين وقرأ عبد الله بن مسعود والحسن وأبو رزين مكلبين ومعنى مكلبين أصحاب كلاب يقال كلب فهو مكلب وكلاب ويقال أكلب فهو مكلب اذا كثرت عنده الكلاب كما يقال أمشى فهو ممش اذا كثرت ماشيته وأنشد الاصمعي

وكل فتى وان أمشى فأثرى ستخلجه عن الدنيا منون وروي عن أبي رافع أنه قال لما أمر النبي صلى الله عليه و سلم بقتل الكلاب سألوه ما يحل من هذه الامة التي أمرت بقتلها فنزلت يسئلونك ماذا أحل لهم وقرأ الى آخر الآية والجوارح في اللغة الكواسب يقال ما لفلانة جارح أي كاسب وقال مجاهد في قول الله عز و جل ويعلم ما جرحتم بالنهار قال ما كسبتم

وقال مجاهد في معنى الجوارح انها الكلاب والطير وقال طاووس يحل صيد الطير لقوله تعالى مكلبين وليس في الآية دليل على تحريم صيد سوى الكلاب لان معنى مكلبين محرشون والاجماع يقوي قول طاووس على تحليل صيد الطير 27 وقوله جل وعز فكلوا مما أمسكن عليكم قال سعد بن أبي وقاص وسلمان وعبد الله بن عمر وأبو هريرة اذا أمسك عليك فكل وان أكل وهذا قول أهل المدينة

وروي عن عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إن أمسك عليك ولم يأكل فكل وهذا قول أهل الكوفة 28 وقوله جل وعز وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم قال مجاهد وابراهيم يعني الذبائح 29 وقوله جل وعز والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أتوا الكتاب من قبلكم روي عن ابن عباس أنه قال المحصنات العفيفات العاقلات وقال الشعبي هو أن تحصن فرجها فلا تزني وتغتسل من الجنابة

والقراءة على قول الشعبي والمحصنات بكسر الصاد وبه قرأ الكسائي والمحصنة تكون العفيفة والمتزوجة والحرة فالحرة ها هنا أولى ولو أريد العفيفة لما جاز أن تتزوج امرأة حتى يوقف على عفتها وقال مجاهد المحصنات الحرائر قال أبو عبيد نذهب الى أنه لا يحل نكاح اماء أهل الكتاب لقوله جل وعز فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات

وهذا القول الذي عليه جلة العلماء ويدل على أنهن الحرائر قوله جل ثناه ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات قال الحسن والزهري ويحيى بن سعيد وابراهيم ومكحول وقتادة لا يحل نكاح اماء أهل الكتاب لقوله تعالى من فتياتكم المؤمنات 30 وقوله جل وعز ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله قال مجاهد وعطاء أي ومن يكفر بالله 31 وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا اذا قمتم الى الصلاة المعنى اذا أردتم القيام الى الصلاة وفي الكلام دليل على هذا

ومثله فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم المعنى واذا أردت أن تقرأ وفي قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اذا قمتم الى الصلاة أقوال أحدها اذا توضأ من حدث ثم دخل عليه وقت الصلاة وهو على طهارة فليس عليه التوضؤ وهذا الذي عليه أكثر الناس وقد صح أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى خمس صلوات بوضوء واحد وقال زيد بن أسلم أي اذا قمتم من المضاجع

والقول الثاني ان الوضوء قد كان واجبا بهذه الآية على كل مريد للقيام الى الصلاة ثم نسخ ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم والقول الثالث ان على كل قائم الى الصلاة مكتوبة الوضوء كما روى شعبة عن مسعود بن علي قال كان علي رضي الله عنه يتوضأ لكل صلاة ويتلو اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم 32 ثم قال جل وعز فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الى المرافق قال بعض أهل اللغة المعنى مع المرافق كما قال من أنصاري الى الله

أي مع الله وهذا القول خطأ لان اليد عند العرب من الاصابع الى الكتف وانما فرض غسل بعضها فلو كانت الى بمعنى مع لوجب غسل اليد كلها ولم يحتج الى ذكر المرافق والمرفق ويقال مرفق ما بعد الايدي مما يرتفق عليه أي يتكأ ومعنى الى ههنا الغاية هي على بابها الا أن أبا العباس قال اذا كان الثاني من الاول فما بعد الى داخل فيما قبله نحو قوله تعالى الى المرافق فالمرافق داخلة في الغسل واذا كان ما بعدها ليس من الاول فليس بداخل فيه نحو ثم أتموا الصيام الى الليل وقال غيره ما بعد الى ليس بداخل فيما قبلها الا

أن المرافق غسلت اتباعا 33 ثم قال جل وعز وامسحوا برءوسكم وأرجلكم الى الكعبين والمعنى فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم على التقديم والتأخير ومن قرأ وأرجلكم ففي قراءته أقوال أحدها ان المسح والغسل واحد قال ذلك أبو زيد

ومنه قولهم تمسحت للصلاة والتقدير وأرجلكم غسلا ودل على هذا قوله الى الكعبين فحددها كما قال في اليدين الى المرافق ودل عليه حديث النبي صلى الله عليه و سلم ويل للاعقاب من النار فلو كان المسح كافيا لجاز المسح على البعض وروي عن الشعبي أنه قال نزل جبريل عليه السلام بالمسح والغسل سنة والقول الثالث روي عن علي رضي الله عنه أنه أجاز المسح قال أبو جعفر الا أن عاصم بن كليب روى عن ابن عبد الرحمن قال قرأ الحسن والحسين رحمة الله عليهما وعلى علي وأرجلكم فسمع علي ذلك وكان يقضي بين الناس فقال وارجلكم

هذا من المقدم والمؤخر من الكلام وروى أبو اسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال اغسلوا الاقدام أي الكعبين وكذا روي عن ابن مسعود وابن عباس رحمهما الله أنهما قرأ وأرجلكم بالنصب والكعب العظم الناتىء في آخر الساق عند القدم وكل مفصل عند العرب كعب الا أنه لم يحتج أن يقال الكعب الذي من قصته كذا لانه ظاهر بين 34 وقوله جل وعز أو جاء أحد منكم من الغائط والغائط في الاصل ما انخفض من الارض

35 - ثم قال جل ذكره أو لامستم النساء في معناه قولان أحدهما رواه عبيدة عن عبد الله بن مسعود أنه قال القبلة من المس وكل ما دون الجماع لمس وكذلك قال ابن عمر ومحمد بن يزيد يميل الى هذا القول قال لانه قد ذكر في أول هذه السورة ما يجب على من جامع في قوله وان كنتم جنبا فاطهروا وقال عبد الله بن عباس اللمس والمس والغشيان الجماع ولكنه جل وعز كنى وقال مجاهد في قول الله عز و جل واذا مروا باللغو مروا كراما قال اذا ذكروا النكاح كنوا عنه

36 - وقوله عز و جل فتيمموا صعيدا طيبا أي فاقصدوا والصعيد وجه الارض قال ابن عباس أطيب الصعيد الحرث 37 وقوله جل وعز ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج قال مجاهد أي من ضيق 38 ثم قال جل وعز ولكن يريد ليطهركم وقراء سعيد بن المسيب ليطهركم والمعنى واحد كما يقال نجاه وأنجاه 39 وقوله جل وعز واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به

مذهب ابن عباس أنه قال الميثاق الذي واثق به المؤمنين من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم على السمع والطاعة فيما أحبوا وكرهوا قال مجاهد الميثاق الذي أخذه على بني آدم يعني قوله واذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم 40 وقوله عز و جل يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط القسط العدل 41 ثم قال جل وعز ولا يجرمنكم شنآن قوم أي لا يحملنكم وقد بيناه فيما تقدم وقرىء ولا يجرمنكم قال الكسائي هما لغتان قال أبو جعفر قال أبو اسحاق معنى لا يجرمنكم لا يدخلنكم في الجرم كما تقول آثمني أي أدخلني في الاثم

والشنآن البغض 42 وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذ هم قوم أن يبسطوا اليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم قال مجاهد هذا في اليهود جاءهم النبي صلى الله عليه و سلم يستعينهم في دية فهموا بقتله فوقاه الله جل وعز منهم وروي عن الحسن أنه قال نزل هذا في رجل من أعداء النبي صلى الله عليه و سلم في بعض غزواته فاستقبل القبلة ليصلي صلاة الخوف فجاء هذا ليقتله فمنعه الله منه

43 - وقوله جل وعز وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا النقيب في اللغة الامين الذي يعرف مداخل القوم كأنه يعرف ما ينقب عليه من أمرهم وروى سعيد عن قتادة قال وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا من كل سبط رجلا شاهدا على سبطه وقال الله اني معكم لئن أقمتم الصلاة الى آخر القصة 44 وقوله جل وعز وآمنتم برسلي وعزرتموهم قال أبو عبيد عزرتموهم عظمتموهم وقال يونس أثنيتم عليها وأحسن من هذين القولين قول ابن أبي نجيح عن مجاهد أن معنى عزرتموهم نصرتموهم والتعظيم داخل في النصرة

والدليل على هذا قوله تعالى وتعزروه وتوقروه وأصل التعزير في اللغة المنع ومنه عزرت فلانا أي أنزلت به ما يمتنع من أجله من المعاودة كما تقول نكلت به أي أنزلت به ما ينكل به عن العودة وروي عن سعد أنه قال لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ما لنا طعام الا الحبلة والسمر ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الاسلام أي تؤدبني وهو يرجع الى ما تقدم أي يمنعونني عما أنا عليه 45 وقوله جل وعز فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية

وتقرأ قسية والقاسية كما تقول علية وعالية وعلي وعال بمعنى واحد والقول الآخر معنى قسية ليست بخالصة الايمان أي فيها نفاق قال قال أبو جعفر وهذا قول حسن لأنه يقال درهم قسي إذا كان مغشوشا بنحاس أو غيره قال أبو جعفر وأولى ما فيه أن تكون قسية بمعنى قاسية مثل زكية وزاكية الا أن فعيلة أبلغ من فاعلة فالمعنى جعلنا قلوبهم غليظة نابية عن الايمان والتوفيق لطاعتي لان القوم لم يوصفوا بشيء من الايمان فتكون قلوبهم موصوفة فان ايمانها خالطه كفر كالدراهم القسية التي خالطها غش 47 ثم قال جل وعز يحرفون الكلم عن مواضعه

يجوز أن يكون معناه يبدلون حروفه ويجوز أن يكون معناه يتناولونه على غير معناه 48 وقوله جل وعز ولا تزال تطلع على خائنة منهم فيه قولان أحدهما قاله قتادة قال على خيانة وهذا جائز في اللغة ويكون مثل قولهم قائلة بمعنى قيلولة والقول الآخر قاله ابن أبي نجيح عن مجاهد وهو أن هذا يراد به اليهود الذين هموا بقتل النبي صلى الله عليه و سلم فيكون التقدير على هذا القول على فرقة خائنة ثم أقام الصفة مقام الموصوف

49 - وقوله جل وعز فنسوا حظا مما ذكروا به أي تركوا ومنه نسوا الله فنسيهم أي تركهم 50 ثم قال جل وعز فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة ومعنى أغرينا في اللغة ألصقنا ومنه قيل الغراء للذي يغرى به قال ابن أبي نجيح يعني اليهود والنصارى وقال الربيع بن أنس يعني به النصارى خاصة أغريت بينهم العداوة والبغضاء أي مجازاة على كفرهم فافترقوا فرقا منهم النسطورية واليعقوبية والملكية وكل فرقة تعادي الاخرى

51 - وقوله جل وعز يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب روي عن ابن عباس أنه قال زنى رجل من اليهود فجاءوا يستفتون النبي صلى الله عليه و سلم ليدرؤا عنه الرجم والرجم عندهم في التوراة فأطلع النبي صلى الله عليه و سلم على ذلك 52 ثم قال جل وعز قد جاءكم من الله نور قيل نور يعني به النبي صلى الله عليه و سلم وهو تمثيل لان النور هو الذي تتبين به الاشياء 53 ثم قال جل وعز يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام

السبل الطرق والسلام يحتمل معنيين أحدهما أن يكون السلام بمعنى السلامة كما يقال اللذاذ واللذاذة والمعنى الآخر أن السلام اسم من أسماء الله جل وعز فالمعنى على هذا يهدي به الله سبله أي من اتبعها نجاه 54 وقوله عز و جل يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل قال قتادة يعني محمدا صلى الله عليه و سلم قال وبلغنا أن الفترة التي كانت بين عيسى ومحمد صلى الله عليه و سلم ست مائة عام والمعنى عند أهل اللغة على انقطاع من الرسل لان الرسل

كانوا متواترين بين موسى وعيسى صلى الله عليهما ثم انقطع ذلك الى أن بعث النبي صلى الله عليه و سلم 55 ثم قال جل وعز أن تقولوا ما جاءنا من بشر ولا نذير قال الكوفيون المعنى أن لا تقولوا ثم حذفت لا كما قال جل وعز يبين الله لكم أن تضلوا ولا يجوز حذف لا عند البصريين لانها تدل على النفي والمعنى عندهم كراهة أن تقولوا 56 وقوله جل وعز وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم اذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا روي عن ابن عباس أنه قال يعني الخادم والمنزل

قال قتادة لم يملك أحد قبلهم خادما وقال الحكم بن عتيبة ومجاهد وعكرمة وجعلكم ملوكا المنزل والخادم والزوجة وكذلك قال زيد بن أسلم الا أنه قال فيما يعلم عن النبي صلى الله عليه و سلم من كان له بيت أو قال منزل يأوي اليه وزوجة وخادم يخدمه فهو ملك 57 ثم قال جل وعز وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين قال مجاهد يعني المن والسلوى وانفراق البحر وانفجار الحجر والتظليل بالغمام 58 ثم قال جل وعز يا قوم ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم

قال قتادة يعني الشام والمقدسة في اللغة المطهرة ومنه سمي بيت المقدس أي الموضع الذي يتطهر فيه من الذنوب 59 ثم قال جل وعز قالوا يا موسى ان فيها قوما جبارين الجبار عند أهل اللغة المتعظم الذي يمتنع من الذل والقهر 60 وقوله جل وعز قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما روي عن مجاهد أنه قال الرجلان من الاثني عشر نقيبا الذين بعثوا وهما يوشع بن نون وكلاب بن قاينا ويقال يوقنا وقال الضحاك هما رجلان مؤمنان كانا في مدينة الجبارين والدليل على هذا أنهما قالا ادخلوا عليهم الباب فاذا

دخلتموه فانكم غالبون وقد علمنا أنهم اذا دخلوا من ذلك الباب كان لهم الغلب وقرأ سعيد بن جبير من الذين يخافون بضم الياء يذهب الى أنهما كانا من الجبارين وأنعم الله عليهما بالاسلام 61 ثم قال جل وعز قالوا يا موسى انا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها أي ليس نقبل مشورة فأعلم الله النبي صلى الله عليه و سلم أن أهل الكتاب لم يزالوا يعصون الانبياء وأن له في ذلك أسوة

قال أبو عبيدة معنى فاذهب انت وربك فقاتلا أي اذهب فقاتل وليعنك ربك 62 ثم قال جل وعز قال رب اني لا أملك الا نفسي وأخي ويجوز أن يكون المعنى وأخي لا يملك إلا نفسه ويجوز أن يكون المعنى وأملك أخي لانه اذا كان يطيعه فهو مالك في الطاعة 63 ثم قال جل وعز فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين قال الضحاك المعنى فاقض بيننا وبين القوم الفاسقين 64 وقوله جل وعز قال فانها محرمة عليهم أي هم ممنوعون من دخولها ويروى أنه حرم عليهم دخولها أبدا

فالتمام على هذا عند قوله عليهم ثم قال تعالى أربعين سنة يتيهون في الارض وقد ذهب بعض أهل اللغة الى أن المعنى فانها محرمة عليهم أربعين سنة ثم ابتدأ فقال يتيهون في الارض 65 ثم قال جل وعز فلا تأس على القوم الفاسقين يجوز أن يكون هذا خطابا للنبي صلى الله عليه و سلم أي فلا تأس على قوم هذه صفتهم ويجوز أن يكون الخطاب لموسى صلى الله عليه و سلم

يقال أسي يأسى أسى اذا حزن ويقال أسى الشيء يأسو أسوا اذا أصلحته والمعنى أنه أزال ما يقع الغم من أجله ولك في فلان اسوة وأسوة أي اذا رأيته مثلك نفض عنك الغم 66 وقوله جل وعز واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق قال مجاهد هما ابنا آدم لصلبه هابيل وقابيل وكان من علامة قربانهم اذا تقبل أن يسجد أحدهم ثم تنزل نار من السماء فتأكل القربان والقربان عند أهل اللغة فعلان مما يتقرب به الى الله جل وعز

قال الحسن هما من بني اسرائيل لان القربان كان فيهم 67 ثم قال عز و جل قال لاقتلنك قال انما يتقبل الله من المتقين المعنى قال الذي لم يتقبل منه للذي تقبل منه لأقتلنك ثم حذف هذا لعلم السامع ويروى أن القتل كان ممنوعا في ذلك الوقت كما كان ممنوعا حين كان النبي صلى الله عليه و سلم بمكة ووقت عيسى عليه السلام فلذلك قال ما أنا بباسط يدي اليك لاقتلك اني أخاف الله رب العالمين

68 - وقوله جل وعز اني أريد أن تبوء باثمي واثمك فتكون من أصحاب النار قال الكسائي يقال باء بالشيء يبوء به بوء وبواء اذا انصرف به قال البصريون يقال باء بالشيء اذا أقر به واحتمله ولزمه ومنه تبوأ فلان الدار أي لزمها وأقام بها يقال البواء التكافؤ والقتل بواء وأنشد فان تكن القتلى بواء فانكم فتى ما قتلتم آل عوف بن عامر قال أبو العباس محمد بن يزيد في قوله تعالى اني أريد أن تبوء باثمي واثمك وهو مؤمن لما كان المؤمن يريد الثواب ولا يبسط يده اليه بالقتل كان بمنزلة من يريد هذا

وسئل أبو الحسن بن كيسان كيف يريد المؤمن أن يأثم أخوه وأن يدخل النار فقال انما وقعت الارادة بعدما بسط يده بالقتل فالمعنى لئن بسطت الي يدك لتقتلني لامتنعن من ذلك مريدا الثواب فقيل له فكيف قال بإثمي وإثمك وأي اثم له اذا قتل فقال فيه ثلاثة أوجه أحدها أن تبوء باثم قتلي واثم ذنبك الذي من أجله لم يتقبل من أجله قربانك ويروى هذا الوجه عن مجاهد والوجه الآخر أن تبوء باثم قتلي وإثم اعتدائك علي لانه قد يأثم في الاعتداء وان لم يقتل والوجه الثالث أنه لو بسط يده اليه أثم فرأى أنه اذا

أمسك عن ذلك فانه يرجع على صاحبه وصار هذا مثل قولك المال بينه وبين زيد أي المال بينهما فالمعنى أن تبوء باثمنا قال أبو جعفر ومن أجل ما روي فيه عن ابن مسعود وابن عباس أن المعنى باثم قتلي واثمك فيما تقدم من معاصيك فان قيل أفليس القتل معصية وكيف يريده قيل لم يقل أن تبوء بقتلي فانما المعنى باثم قتلي ان قتلتني فانما أراد الحق 69 ثم قال جل وعز وذلك جزاء الظالمين يجوز أن يكون هذا إخبارا من الله عن ابن آدم أنه قال هذا

ويجوز أن يكون منقطعا مما قبله 70 وقول جل وعز فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله قال قتادة أي زينت وقال مجاهد أي شجعته يريد أنها ساعدته على ذلك وقال أبو العباس طوعت فعلت من الطوع والطواعية وهي الاجابة الى الشيء 71 ثم قال جل وعز فأصبح من الخاسرين أي ممن خسر حسناته والخسران النقصان ثم قال جل وعز فبعث الله غرابا يبحث في الارض ليريه كيف يواري سوأة أخيه

قال مجاهد بعث الله جل وعز غرابين فاقتتلا حتى قتل أحدهما صاحبه ثم حفر فدفنه وكان ابن آدم هذا أول من قتل ويروى أنه لا يقتل مؤمن الى يوم القيامة الا كان عليه كفل من ذنب من قتله 73 وقوله جل وعز من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنه من قتل نفس بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا وقرأ الحسن أو فسادا في الارض فكأنما قتل الناس جميعا والمعنى على قراءته أو عمل فسادا

وقال ابن عباس في قوله جل وعز فكأنما قتل الناس جميعا أوبق نفسه فصار بمنزلة من قتل الناس جميعا أي في استحقاقه العذاب ويستحق المقتول النصر وطلب الثأر من القاتل على المؤمنين جميعا قال ابن عباس إحياؤها ألا يقتل نفسا حرمها الله عز و جل وقال قتادة عظم الله أمره فألحقه من الاثم هذا وقيل هو تمثيل أي الناس جميعا له خصماء ومعنى أو فساد في الارض وفساده الحرب واخافة السبيل

وفي حديث حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال سمعت عثمان بن عفان رحمه الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا يحل دم امرىء مسلم الا باحدى ثلاث زنى بعد احصان أو كفر بعد ايمان أو قتل نفس بغير حق ومعنى فكأنما أحيا الناس جميعا على قول قتادة أنه يعطى من الثواب على قدر ذلك وقيل وجب شكره على الناس جميعا فكأنما من عليهم جميعا يروى هذا عن مكحول وقول ابن عباس أولاها وأصحها 74 وقوله جل وعز انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف قال الحسن السلطان مخير أي هذه الاشياء شاء فعل وكذلك روى ابن نجيح عن عطاء وهو قول مجاهد وابراهيم والضحاك وهو حسن في اللغة لان أو تقع للتخيير كثيرا

وقال أبو مجلز الآية على الترتيب فمن حارب فقتل وأخذ المال صلب ومن قتل قتل ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ومن لم يقتل ولم يأخذ المال نفي وروى هذا القول حجاج بن أرطاة عن عطية عن ابن عباس مثله غير أنه قال في أوله فمن حارب وقتل وأخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف ثم صلب وليس في قول أبي مجلز قبل الصلب ذكر شيء واحتج أصحاب هذا القول بحديث رواه عثمان وعائشة وابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا يحل دم امرىء مسلم الا باحدى ثلاث وذكر الحديث قالوا فقد امتنع قتله الا أن يقتل فوجب أن تكون الآية على المراتب

وقال الزهري في قوله تعالى أو ينفوا من الارض كلما علم أنه في موضع قوتل حتى يخرج منه وقال أهل الكوفة النفي ها هنا الحبس وقال سعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز ينفى من بلدته الى بلدة أخرى غيرها 75 وقوله جل وعز ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم يقال خزي يخزى خزيا اذا افتضح وتحير وخزي يخزى خزاية اذا استحيا كأنه تحير كراهة أن يفعل القبيح

76 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة قال ابن عباس يعني القربة وكذلك قال الحسن وروى موسى بن وردان عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الوسيلة درجة عند الله جل وعز وليس فوقها درجة 77 وقوله جل وعز يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها قال يزيد الفقير قيل لجابر بن عبد الله أنتم يا أصحاب محمد تقولون ان قوما يخرجون من النار والله يقول وما هم

بخارجين منها فقال جابر انكم تجعلون العام خاصا والخاص عاما انما هذا في الكفار خاصة فقرأت الآية من أولها الى آخرها فاذا هي في الكفار خاصة 78 وقوله جل وعز والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما قال سيبويه المعنى وفيما فرض عليكم السارق والسارقة 79 ثم قال جل وعز جزاء بما كسبا نكالا من الله يقال نكلت به اذا فعلت به ما يجب أن ينكل به عن ذلك الفعل 80 وقوله جل وعز فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فان الله يتوب عليه ان الله غفور رحيم

المعنى غفور له وجعل الله توبة الكافرين تدرأ عنهم الحدود لان ذلك أدعى الى الاسلام وجعل توبة المسلمين عن السرقة والزنا لا تدرأ عنهم الحدود لان ذلك أعظم لاجورهم في الآخرة وأمنع لمن هم أن يفعل مثل فعلهم وقال مجاهد والشعبي قرأ عبد الله بن مسعود والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما 81 وقوله جل وعز يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر أي لا يحزنك مسارعتهم الى الكفر لان الله جل وعز قد وعدك النصر

82 - ثم قال جل وعز من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم قال مجاهد يعني المنافقين 83 ثم قال جل وعز ومن الذين هادوا سماعون للكذب قال مجاهد يعني اليهود فأما معنى سماعون للكذب والانسان يسمع الخير والشر ففيه قولان أحدهما أن المعنى قابلون للكذب وهذا معروف في اللغة أن يقال لا تسمع من فلان أي لا تقبل منه ومنه سمع الله لمن حمده معناه قبل لان الله جل وعز سامع لكل شيء

والقول الآخر أنهم سماعون من أجل الكذب كما تقول أنا أكرم فلانا لك أي من أجلك 84 ثم قال جل وعز سماعون لقوم آخرين لم يأتوك أي هم عيون لقوم آخرين لم يأتوك 85 ثم قال جل وعز يحرفون الكلم من بعد مواضعه أي من بعد أن وضعه الله مواضعه فأحل حلاله وحرم حرامه 86 ثم قال جل وعز يقولون ان أوتيتم هذا فخذوه وان لم تؤتوه فاحذروا أي تقول اليهود ان أوتيتم هذا الحكم المحرف فخذوه وان لم تؤتوه فاحذروا أن تعملوا به ومعنى هذا أن رجلا منهم زنى وهو محصن وقد كتب الرجم على من زنى وهو محصن في التوراة فقال بعضهم أئتوا محمدا لعله

يفتيكم بخلاف الرجم فأتوا النبي صلى الله عليه و سلم فأمر بالرجم بعد أن أحضرت التوراة ووجد فيها فرض الرجم وكانوا قد أنكروا ذلك 87 ثم قال جل وعز ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا قيل معنى الفتنة ها هنا الاختبار وقيل معناها العذاب 88 ثم قال جل وعز أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي أي فضيحة وذل حين أحضرت التوراة فتبين كذبهم وقيل خزيهم في الدنيا أخذ الجزية والذل

89 - ثم قال جل وعز سماعون للكذب أكالون للسحت روى زر عن عبد الله بن مسعود أنه قال السحت الرشوة وقال مسروق سألت عبد الله عن الجور في الحكم قال ذلك الكفر قلت فما السحت قال أن يقضي الرجل لاخيه حاجة فيهدي اليه هدية فيقبلها والسحت في كلام العرب على ضروب يجمعها أنه ما يسحت دين الانسان يقال سحته وأسحته اذا استأصله ومنه وعض زمان يا ابن مروان لم يدع من المال الا مسحتا أو مجلف

90 - وقوله جل وعز فان جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم في هذا قولان أحدهما روي عن ابن عباس أنه قال هي منسوخة نسخها وأن احكم بينهم بما أنزل الله وكذا قال مجاهد وعكرمة قال الشعبي ان شاء حكم وان شاء لم يحكم وكذلك قال ابراهيم وقال الحسن ليس في المائدة شيء منسوخ والاختيار عند أهل النظر القول الاول لانه قول ابن عباس ولا يخلو قوله عز و جل وأن احكم بينهم بما أنزل الله من أن يكون ناسخا لهذه الآية أو يكون معناه وأن احكم بينهم بما أنزل الله ان حكمت فقد صار مصيبا أن حكم بينهم باجماع وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم ما يقويه

روي عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب أن يهوديا مر به على النبي صلى الله عليه و سلم وقد حمم وجهه فسأل عن شأنه فقيل زنى وهو محصن وذكر الحديث وقال في آخره فقال النبي صلى الله عليه و سلم أنا أول من أحيا ما أماتوا من أمر الله فأمر به فرجم ويبين لك أن القول هذا قوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط 91 وقوله جل وعز فاحكم بينهم بالقسط أي بالعدل

92 - وقوله جل وعز انا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور أي فيها بيان أمر النبي صلى الله عليه و سلم وما جاءوا يستفتون فيه 93 ثم قال جل وعز يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا يجوز أن يكون المعنى فيها هدى ونور للذين هادوا يحكم بها النبيون ويجوز أن يكون المعنى يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا وعليهم ثم حذف وقد قيل ان لهم بمعنى عليهم وتأول حديث النبي صلى الله عليه و سلم في أمر بريرة حين قال اشترطي لهم

الولاء أن معناه عليهم لانه صلى الله عليه و سلم لا يأمرها بشيء لا يجب وقال الله جل ذكره وان أسألتم فلها و الذين أسلموا ههنا نعت فيه معنى المدح مثل بسم الله الرحمن الرحيم 94 ثم قال جل وعز والربانيون والاحبار قال أبو رزين الربانيون العلماء الحكماء والرباني عند أهل اللغة معناه رب العلم أي صاحب العلم وجيء بالالف والنون للمبالغة ويقوي هذا أنه يروى أن ابن الحنفية رحمة الله عليه قال لما مات ابن عباس مات رباني العلم

وقال مجاهد الربانيون فوق الاحبار والاحبار العلماء لانهم يحبرون لشيء وهو في صدورهم محبر وقال ابن عباس سمي الحبر الذي يكتب به حبرا لانه يحبر به أي يحقق به وقال الثوري سألت الفراء لم سمي الحبر حبرا فقال يقال للعالم حبر وحبر والمعنى مداد حبر ثم حذف كما قال تعالى واسأل القرية فسألت الاصمعي فقال ليس هذا بشيء انما سمي حبرا لتأثيره يقال على أسنانه حبرة أي صفرة أو سواد 95 ثم قال جل وعز بما استحفظوا من كتاب الله أي استودعوا

96 - وقوله جل وعز ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون قال ابن عباس هو به كافر لا كفرا بالله وملائكته وكتبه وقال الشعبي الاولى في المسلمين والثانية في اليهود والثالثة في النصارى وقال غيره من رد حكما من أحكام الله فقد كفر قلت وقد أجمعت الفقهاء على أنه من قال لا يجب الرجم على من زنى وهو محصن أنه كافر لانه رد حكما من أحكام الله جل وعز ويروى أن حذيفة سئل عن هذه الآيات أهي في بني اسرائيل فقال نعم هي فيهم ولتسلكن سبيلهم حذو النعل بالنعل

وقال الحسن أخذ الله جل وعز على الحكام ثلاثة أشياء أن لا يتبعوا الهوى وأن لا يخشوا الناس ويخشوه وأن لا يشتروا بآياته ثمنا قليلا وأحسن ما قيل في هذا ما رواه الاعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء قال هي في الكفار كلها يعني فأولئك هم الكافرون فأولئك هم الظالمون فأولئك هم الفاسقون والتقدير على هذا القول والذين لم يحكموا بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون

97 - وقوله جل وعز فمن تصدق به فهو كفارة له قال ابن عباس فهو كفارة للجارح وكذلك قال عكرمة والمعنى فمن تصدق بحقه وقال عبد الله بن عمرو فهو كفارة للمجروح أي يكفر عنه من ذنوبه مثل ذلك وكذلك قال ابن مسعود وجابر بن زيد رحمهما الله 98 وقوله جل وعز ومهيمنا عليه قال ابن عباس أي مؤتمنا عليه وقال سعيد بن جبير القرآن مؤتمن على ما قبله من الكتب وقال قتادة أي شاهد

وقال أبو العباس محمد بن يزيد الاصل مؤيمن عليه أي أمين فأبدل من الهمزة هاء كما يقال هرمت الماء وأرمت الماء وقال أبو عبيد يقال هيمن على الشيء يهيمن اذا كان له حافظا وهذه الاقوال كلها متقاربه المعاني لانه اذا كان حافظا للشيء فهو مؤتمن عليه وشاهد وقرأ مجاهد وابن محيص ومهيمنا عليه بفتح الميم وقال مجاهد أي محمد صلى الله عليه و سلم مؤتمن على القرآن 99 وقوله جل وعز لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا قال ابن عباس سبيلا وسنة

وقال قتادة الدين كله واحد والشرائع مختلفة وشرعة وشريعة عند أهل اللغة بمعنى واحد وهو ما بان ووضح ومنه طريق للشارع أي ظاهر بين ومنه هما في الامر شرع أي ظهورهما فيه واحد والمنهاج في اللغة الطريق البين وقال أبو العباس محمد بن يزيد الشريعة ابتداء الطريق والمنهاج الطريق المستمر

100 - وقوله جل وعز ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة قال ابن عباس على دين واحد 101 ثم قال جل وعز ولكن ليبلوكم فيما آتاكم أي ليختبركم 102 وقوله جل وعز أفحكم الجاهية يبغون روي عن الحسن وقتادة والاعرج والاعمش أنهم قرءوا أفحكم الجاهلية يبغون الحكم والحاكم في اللغة واحد وكأنهم يريدون الكاهن وما أشبهه من حكام الجاهلية وصذا في قرأة من قرأ أفحكم ومعنى يبغون يطلبون وقال مجاهد يراد بهذا اليهود يعني في أمر الزانيين حين جاءوا الى النبي صلى الله عليه و سلم يتوهمون أنه يحكم عليهما بخلاف الرجم

103 - ثم قال جل وعز ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون أي من أيقن تبين أن حكم الله جل وعز هو الحق 104 وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء هذا في المنافقين لانهم كانوا يمالئون المشركين ويخبرونهم بأسرار المؤمنين 105 وقوله جل وعز فترى الذين في قلوبهم مرض أي نفاق يسارعون فيهم المعنى يسارعون في معاونتهم ثم حذف كما قال جل وعز واسأل القرية 106 ثم قال جل وعز يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة في معناه قولان

أحدهما روي عن ابن عباس قال يقولون نخشى أن لا يدوم الامر لمحمد والقول الآخر نخشى أن يصيبنا قحط فلا يفضلوا علينا والقول الاول أشبه بالمعنى كأنه من دارت تدور أي نخشى أن يدور أمر ويدل عليه قوله جل وعز فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده لان الفتح النصر قال ابن عباس فأتى الله بالفتح فقتلت مقاتلة بني قريظة وسبيت ذراريهم وأجلي بنو النضير وقيل معنى أو أمر من عنده أي بأمر النبي صلى الله عليه و سلم أن يخبر بأسماء المنافقين فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم

نادمين 107 ثم قال جل وعز ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم أي أهؤلاء الذين اجتهدوا في الأيمان أنهم لا يوالون المشركين ثم قال تعالى حبطت أعمالهم وهذا مثل قوله تعالى الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم 108 وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه في معنى هذا قولان قال الحسن هو والله أبو بكر رضي الله عنه وأصحابه

حدثنا أبو جعفر قال نا الحسن بن عمر بن أبي الاحوص الكوفي قال نا أحمد بن يونس السري يعني ابن يحيى قال قرأ الحسن هذه الآية يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه حتى قرأ الآية فقال الحسن فولاها الله والله أبا بكر وأصحابه وروى شعبة عن سماك بن حرب عن عياض الاشعري قال لما نزلت فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أوما النبي صلى الله عليه و سلم الى أبي موسى الاشعري رحمه الله فقال هم قوم هذا 109 ثم قال جل وعز أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين قال أبو جعفر سمعت أبا اسحاق وسئل عن معنى هذا فقال ليس يريد أذلة من الهوان وانما يريد أن جانبهم لين للمؤمنين وخشن على الكافرين 110 ثم قال جل وعز ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء أي ذلك اللين للمؤمنين والتشديد على الكافرين تفضل

من الله جل وعز منحهم اياه 111 وقوله تبارك اسمه انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا قال أبو عبيد أخبرنا هشيم ويزيد عن عبد الملك بن سليمان عن أبي جعفر محمد بن علي في قوله جل وعز انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا قال يعني المؤمنين فقلت له بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال علي من المؤمنين قال أبو عبيد وهذا يبين لك قول النبي صلى الله عليه و سلم من كنت مولاه فعلي مولاه فالمولى والولي واحد والدليل على هذا قوله جل وعز الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور

ثم قال في موضع آخر ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم فمعنى حديث النبي صلى الله عليه و سلم في ولاية الدين وهي أجل الولايات وقال غير أبي عبيد من كنت ناصره فعلي ناصره 112 وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء وقرأ الكسائي والكفار أولياء والمعنى من الذين أوتوا الكتاب ومن الكفار قال الكسائي في حرف أبي رحمه الله ومن الكفار وروي عن ابن عباس رحمه الله أن قوما من اليهود والمشركين ضحكوا من المسلمين وقت سجودهم فأنزل الله تعالى

يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا الى آخر الآيات 113 وقوله جل وعز قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله وفي هذا قولان روي عن ابن عباس أنه قال قالت اليهود في أمة محمد صلى الله عليه و سلم هم أقل الناس حظا في الدنيا والآخرة فأنزل الله جل وعز قل هل أنبئكم بشر من ذلك

والقول الآخر وهو المعروف الصحيح أن المعنى قل هل أنبئكم بشر من نقومكم علينا ثوابا لان قبله هل تنقمون منا الا أن آمنا بالله قال الكسائي يقال نقمت على الرجل أنقم نقوما ونقمة وقد حكي نقمت أنقم اذا كرهت الشيء أشد الكراهية 114 ثم قال جل وعز من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير قال مجاهد يعني اليهود مسخ منهم

115 - ثم قال جل وعز وعبد الطاغوت وهذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو والكسائي وقرأ أبو جعفر وعبد مثل ضرب ولا وجه لهذا وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ وعبدوا الطاغوت وروي عن أبي بن كعب وعن ابن مسعود من طريق آخر أنهما قرءا وعبدت الطاغوت وقرأ ابن عباس وعبد الطاغوت وروي عن عكرمة عن ابن عباس أنه يجوز وعابد الطاغوت وروي عن الاعمش ويحيى بن وثاب وعبد الطاغوت وقرأ أبو واقد الاعرابي وعباد الطاغوت وقرأ حمزة وعبد الطاغوت

فمن قرا وعبد الطاغوت فالمعنى عنده من لعنه الله ومن عبد الطاغوت وحمل الفعل على لفظ من ومن قرأ وعبدوا الطاغوت فهو عنده بذلك المعنى الا أنه حمله على معنى من كما قال جل وعز ومنهم من يستمعون اليك ومن قرأ وعبدت الطاغوت حمله على تأنيث الجماعة كما قال جل وعز قالت الاعراب ومن قرأ وعبد الطاغوت فهو عنده جمع عابد كما يقال شاهد وشهد وغائب وغيب ومن قرأ وعابد فهو عنده واحد يؤدي عن جماعة

ومن قرأ وعبد فهو عنده جمع عباد أو عبيد كما يقال مثال ومثل ورغيف ورغف وقال بعض النحويين هو جمع عبد كما يقال رهن ورهن وسقف وسقف ومن قرأ وعباد فهو جمع عابد كما يقال عامل وعمال ومن قرأ وعبد الطاغوت فأكثر أهل اللغة يذهب الى أنه لحن وهي تجوز على حيلة وذلك أن يجعل عبدا واحدا يدل على جماعة كما يقال رجل حذر وفطن وندس فيكون المعنى وخادم الطاغوت وعلى هذا تتأول هذه القراءة يقال عبده يعبده اذ ذل له أشد الذل ومنه بعير معبد أي مذلل بالقطران ومنه طريق معبد ومنه يقال عبدت أعبد اذا أنفت كما قال

وأعبد أن تهجى تميم بدارم والمعنى على هذا وخادم الطاغوت وقد قيل الفرد بمعنى الفرد وينشد النابغة من وحش وجرة موشي أكارعه طاوي المصير كسيف الصيقل الفرد ويروى الفرد وقيل الطاغوت ها هنا يعنى به الشيطان وكذا روي عن بريدة الاسلمي أنه قرأ وعابد الشيطان وأجاز بعض العلماء وعبد الطاغوت بالخفض على معنى عبدة مثل كاتب وكتبة والهاء تحذف من مثل هذا في الاضافة 116 وقوله عز و جل واذا جاؤكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به

أي لم ينتفعوا بشيء مما سمعوا فخرجوا بكفرهم 117 وقوله جل وعز لولا ينهاهم الربانيون والاحبار وقرأ أبو الجراح لولا ينهاهم الربيون قال مجاهد الربانيون والاحبار العلماء والفقهاء والربانيون فوق الاحبار قال أبو جعفر والربيون الجماعات وهو مأخوذ من الربة والربة الجماعة فنسب اليها فقيل ربي ثم جمع فقيل ربيون قال أبو جعفر والمعنى بئس الصنع ما يصنع هؤلاء الربانيون والاحبار في تركهم نهي هؤلاء

قال الضحاك ما في القرآن آية أخوف عندي منها أننا لا ننهى وفي هذه الآية حكم في أمر العلماء في النهي عن المنكر 118 وقوله عز و جل وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم في هذه الآية ثلاثة أقوال أحسنها ما روي عن ابن عباس أنه قال قالت اليهود ان الله عز و جل بخيل والمعنى عند أهل اللغة على التمثيل أي قالوا هو ممسك عنا لم يوسع علينا حين أجدبوا كما قال تعالى ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك فهذا نظير ذاك والله أعلم

وقيل اليد ها هنا النعمة وقيل هذا القول غلط لقوله بل يداه مبسوطتان فنعم الله جل وعز أكثر من أن تحصى فكيف يكون بل نعمتاه مبسوطتان فقال من احتج لمن قال انهما نعمتان بأن المعنى النعمة الظاهرة والباطنة والقول الثالث أن المعنى أنه لا يعذبنا أي مغلولة عن عذابنا 119 وقوله عز و جل وألقينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة أي جعل بأسهم بينهم فهم متباغضون غير متفقين فهم أبغض خلق الله الى الناس

وقال مجاهد هم اليهود والنصارى والذي قال حسن ويكون راجعا الى لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء 120 ثم قال جل وعز كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله هذا تمثيل أي كلما تجمعوا شتت الله أمرهم وقال قتادة أذلهم الله جل وعز بمعاصيهم فلقد بعث النبي صلى الله عليه و سلم وهم تحت أيدي المجوس 121 ثم قال جل وعز ويسعون في الارض فسادا

أي يسعون في إبطال الاسلام 122 وقوله جل وعز ولو أنهم أقاموا التوراة والانجيل أي لو أظهروا ما فيها من صفة النبي صلى الله عليه و سلم وما أنزل اليهم من ربهم يعني به القرآن والله أعلم 123 ثم قال جل وعز لاكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم فهذا يدل على أنهم كانوا في جدب ومن فوقهم على قول ابن عباس ومجاهد والسدي يعني المطر ومن تحت أرجلهم يعني النبات وقيل يجوز أن يكون تمثيلا أي لوسعنا عليهم كما يقال

فلان في خير من قرنه الى قدمه أي قد شمله الخير والاول قول أهل التأويل 124 وقوله عز و جل يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالاته في معناه قولان أحدهما بلغ كل ما أنزل اليك ويقوي هذا أن مسروقا روى عن عائشة أنها قالت من حدثك أن محمدا صلى الله عليه و سلم كتم شيئا من الوحي فقد كذب والله يقول يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والقول الآخر وعليه أكثر أهل اللغة ان المعنى أظهر ما أنزل اليك من ربك أي بلغه ظاهرا

ودل على هذا قوله تعالى والله يعصمك من الناس أي يمنعك منهم أن ينالوك بسوء مشتق من عصام القربة وهو ما تشد به وقوله جل وعز وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل اليك طغيانا وكفرا أي يكفرون به فيزدادون كفرا على كفرهم 125 ثم قال جل وعز فلا تأس على القوم الكافرين أي فلا تحزن عليهم 126 وقوله جل وعز ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى في هذا قولان أحدهما أنه يعني بالذين آمنوا ها هنا المنافقون

والتقدير ان الذين آمنوا بألسنتهم ودل على هذا قوله تعالى ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم 127 ثم قال جل اسمه من آمن بالله فالمعنى على هذا القول من حقق الايمان بقلبه والقول الآخر ان معنى من آمن بالله من ثبت على ايمانه كما قال تعالى يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله 128 وقوله جل وعز كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون قال اليهود والنصارى يشتركون في التكذيب واليهود تنفرد بالقتل خاصة وكانت الرسل منها من يأتي بالشرائع والكتب والاحكام نحو محمد صلى الله عليه و سلم وموسى وعيسى وهؤلاء

معصومون ومنهم من يأتي بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر والتمسك بالدين نحو يحيى وزكريا عليهما السلام 129 وقوله عز و جل وحسبوا أن لا تكون فتنة فعموا وصموا قال الحسن يعني بالفتنة البلاء وقال غيره معنى فعموا وصموا تمثيل أي لم يعملوا بما سمعوا ولا انتفعوا بما رأوا فهم بمنزلة العمي الصم 130 ثم قال جل وعز ثم تاب الله عليهم أي بعث محمدا صلى الله عليه و سلم يخبرهم بأن الله عز و جل يتوب عليهم ان تركوا الكفر

ثم عمو وصموا أي بعد وضوح الحجة 131 وقوله عز و جل لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح ابن مريم قال ابراهيم النخعي المسيح الصديق قال أبو جعفر ووجدنا للعلماء في تفسير معناه ستة أقوال سوى هذا روي عن ابن عباس سمي مسيحا لانه كان أمسح الرجل لا أخمص له وروى غيره عنه انما سمي مسيحا لانه كان لا يمسح بيده ذا عاهة الا برأ ولا يضع يده على شيء الا أعطي فيه مراده وقال ثعلب لانه كان يمسح الارض أي يقطعها وقيل لسياحته في الارض وقيل لانه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن

وقال أبو عبيد أحسب أصله بالعبرانية مشيحا قال وأما قولهم المسيح الدجال فانما سمي مسيحا لانه ممسوح احدى العينين فهو مسيح بمعنى ممسوح كما يقال قتيل بمعنى مقتول 132 وقوله جل وعز وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام من الصدق وفعيل في كلام العرب للتكثير كما يقال سكيت وقال جل وعز وصدقت بكلمات ربها وكتبه ومن هذا قيل لابي بكر رضي الله عنه صديق

ويروى أنه انما قيل له صديق لانه لما أخبر أن النبي صلى الله عليه و سلم أسري به الى بيت المقدس فقال ان كان قال فقد صدق 133 وقوله جل وعز كانا يأكلان الطعام في معناه قولان أحدهما كناية عن اتيان الحاجة كما يكنى عن الجماع بالغشيان وما أشبهه وقيل كانا يتغذيان كما يتغذى سائر الناس فكيف يكون الها من لا يعيش الا بأكل الطعام 134 ثم قال جل وعز ذكره انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون أي قد بينا لهم العلامات وأوضحنا الامر فمن أين يصرفون

يقال أفكه يأفكه اذا صرفه 135 وقوله جل وعز يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق الغلو التجاوز قال أبو عبيد كما فعلت الخوارج أخرجهم الغلو الى أن كفروا أهل الذنوب قال ويبين لك هذا قول النبي صلى الله عليه و سلم فيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية والمروق هو الغلو بعينه لان السهم يتجاوز الرمية 136 ثم قال جل وعز ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل

قال ابن أبي نجيح عن مجاهد يعني اليهود وقال غيره لانهم اتبعوا شهواتهم وطلبوا دوام رياستهم وآثروا ذلك على الحق والهوى في القرآن مذموم والعرب لا تستعمله الا في الشر فأما في الخير فيستعملون الشهوة والنية والمحبة 137 ثم قال جل وعز وأضلوا كثيرا قال ابن أبي نجيح يعني المنافقين وقال غيره ضلوا باتباعهم اياهم 138 ثم قال جل وعز وضلوا عن سواء السبيل أي قصده 139 وقوله جل وعز لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم قال أبو مالك الذين لعنوا على لسان داود مسخوا قردة

والذين لعنوا على لسان عيسى صلى الله عليه و سلم مسخوا خنازير وروي عن ابن عباس أنه قال الذين لعنوا على لسان داود أصحاب السبت والذين لعنوا على لسان عيسى الذين كفروا بعد نزول المائدة وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أول ما وقع النقص في بني اسرائيل أن أحدهم كان يرى أخاه على المعصية فينهاه ثم لا يمنعه ذلك من الغد أن يكون أكيله وشريبه فضرب الله قلوب بعضهم ببعض وأنزل فيهم القرآن لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ثم قال صلى الله عليه و سلم كلا والذي نفسي بيده حتى

تأخذوا على يدي الظالم فتأطروه على الحق أطرا 140 وقوله جل وعز ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا قال مجاهد يعني المنافقين 141 وقوله جل وعز لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى قال سعيد بن جبير هم سبعون رجلا وجه بهم النجاشي وكانوا أجل من عنده فقها وسنا فقرأ عليهم النبي صلى الله عليه و سلم يس فبكوا وقالوا ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين

وأنزل الله فيهم أيضا الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون الى قوله أولئك يؤتون أجرهم مرتين الى آخر الآية وروي عن ابن عباس أنه قال هم من الحبشة جاءوا الى النبي صلى الله عليه و سلم وكان معهم رهبان من رهبان الشام فآمنوا ولم يرجعوا 142 وقوله جل وعز فاكتبنا مع الشاهدين روى اسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال يعني أمة محمد صلى الله عليه و سلم ويبين لك صحة هذا القول قوله جل وعز وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس 143 وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم

قال الضحاك هؤلاء قوم من المسلمين قالوا نقطع مذاكيرنا ونلبس المسوح وقال قتادة نزلت في جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون قالوا نخصي أنفسنا ونترهب وقال مجاهد نزلت في عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهما قالوا نترهب ونلبس المسوح 144 وقوله جل وعز ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين الاعتداء في اللغة تجاوز ما له الى ما ليس له قال الحسن معناه ألا تأتوا ما نهيتم عنه 145 وقوله جل وعز لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم فيه قولان

أحدهما أنه قول الرجل لا والله وبلى والله وروي هذا القول عن عائشة قال الشافعي وذلك عند اللجاج والغضب والعجلة والقول الآخر أن يحلف الرجل على الشيء هو عنده على ما حلف ثم يكون على خلاف ذلك يروى هذا القول عن ابن عباس وأبي هريرة واللغو في اللغة المطرح فقيل لما لا حقيقة له من الأيمان لغو قال الكسائي يقال لغا يلغو لغوا أو لغي يلغى لغا 146 وقوله جل وعز ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان قال الكسائي معنى عقدتم أوجبتم

قال ابن جريج قلت لعطاء ما معنى عقدتم قال والله الذي لا اليه الا هو وقرأ أبو عمرو عقدتم قال معناه وكدتم وروى نافع أن ابن عمر كان اذا حنث من غير أن يؤكد اليمين أطعم عشرة مساكين لكل مسكين مدا فاذا وكد اليمين أعتق رقبة قيل لنافع ما معنى وكد اليمين قال أن يحلف على الشيء مرارا 147 وقوله جل وعز فكفارته اطعام عشرة مساكين المعنى فكفارة اثمه أي الذي يغطي على اثمه قال أبو جعفر والهاء التي في فكفارته عائدة على ما التي في بما عقدتم الايمان

وهذا مذهب الحسن والشعبي لان المعنى عندهما فكفارة ما عقدتم منها وقيل الهاء عائدة على اللغو والاول أولى 148 ثم قال جل وعز من أوسط ما تطعمون أهليكم قال عبد الله بن عمر من أوسط ما تطعمون أهليكم الخبز والتمر والخبز والزيت وأفضل ما تطعمونهم الخبز واللحم وقال الاسود أوسط ما تطعمون أهليكم الخبز والتمر قال أبو اسحاق يحتمل هذا ثلاثة معان في اللغة يجوز أن يكون معنى من أوسط ما تطعمون أهليكم من أعدل ما تطعمونهم قال عز و جل وكذلك جعلناكم أمة وسطا أي عدلا

ويحتمل أن يكون في القيمة ويحتمل أن يكون في الشبع وقرأ سعيد بن جبير من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كإسوتهم أي كإسوة أهليكم وروي أن رجلا قرأ على مجاهد أو كإسوتهم فقال له لا تقرأ الا أو كسوتهم وقال أرى ذلك ثوبا وفي قراءة عبد الله بن أبي بن كعب فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات 149 ثم قال جل وعز ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم أي ذلك كفارة اثم أيمانكم اذا حلفتم وحنثتم ثم حذف قال أبو جعفر وكان محمد بن جرير يختار في أوسط أن تكون بمعنى أعدل في القلة والكثرة قال فأعدل أقوات الموسع مدان وذلك أعلاه وأعدل أقوات المقتر مد وذلك ربع صاع و ما مصدر فأما الكسوة

فقال الحسن وطاووس وعطاء ثوب ثوب وقال سعيد بن المسيب عباءة وعمامة وقال مجاهد كل ما كسا فهو مجزىء وهذا أشبه باللغة أن يكون كل ما وقع اسم كسوة مما يكون ثوبا فصاعدا لان ما دون الثوب لا خلاف في أنه لا يجوز 150 وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان روى موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال الميسر القمار وقال عبيد الله بن عمر سئل القاسم بن محمد عن الشطرنج أهي ميسر وعن النرد أهو ميسر فقال كل ما صد عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر

قال أبو عبيد تأول قول الله عز و جل ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة وزعم الاصمعي أن الميسر كان في الجزور خاصة كانوا يقتسمونها على ثمانية وعشرين سهما وقال أبو عمرو الشيباني كانوا يقتسمونها على عشرة أسهم ثم يلقون القداح ويتقامرون على مقاديرهم وهذا القول ليس بناقض لما تقدم لان الميسر اذا كان في الجزور خاصة فهو قمار ثم قيل ما كان مثله من اقمار ميسر كما أن الخمر لشيء بعينه ثم قيل لكل مسكر خمر لانه بمنزلتها وقد ذكرنا في أول السورة الانصاب والازلام والرجس النتن 151 ثم قال جل وعز فاجتنبوه لعلكم تفلحون أي كونوا في جانب غير جانبه

ويروى أن عمر رضي الله عنه لم يزل يقول اللهم بين لنا في الخمر حتى نزلت فهل أنتم منتهون فقال قد انتهينا 152 وقوله جل وعز ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا اذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات قال ابن عباس والبراء لما حرمت الخمر قال المسلون يا رسول الله فكيف باخواننا المؤمنين الذين ماتوا وهم يشربونها فأنزل الله جل وعز ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الى آخر الآية وروى الزهري عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن عمر لما أراد حد قدامة بن مظعون قال قدامة ما كان لكم أن تجلدوني قال الله جل وعز ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الآية فقال عمر أخطأت التأويل انك اذا أيقنت اجتنبت ما حرم الله عليك ثم أمر به فجلد

قيل هذا أحسن من الاول لان فيها اذا ما اتقوا وآمنوا و اذا لا تكون للماضي فالمعنى على هذا والله أعلم للمؤمنين قبل وبعد على العموم وقد روي هذا أيضا عن ابن عباس قال أبو جعفر قيل اذا مااتقوا الشرك وآمنوا وصدقوا ثم اتقوا وآمنوا ازدادوا ايمانا ثم اتقوا الصغائر حذرا وأحسنوا تنفلوا وقال محمد بن جرير الاتقاء الاول هو الاتقاء بتلقي أمر الله بالقبول والتصديق والدينونة به والعمل والاتقاء الثاني الاتقاء بالثبات على التصديق والثالث الاتقاء بالاحسان والتقرب بالنوافل 153 وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد المعنى ليختبرن طاعتكم من معصيتكم

154 - ثم قال جل وعز تناله أيديكم ورماحكم قال مجاهد الذي تناله أيديكم البيض والفراخ والذي تناله الرماح ما كان كبيرا 155 وقوله جل وعز لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم روى شريك عن سالم عن سعيد بن جبير يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم قال قتله حرام في هذه الآية قال بعض العلماء أي أنه لما حرم قتل الصيد على المحرم كان قتله اياه غير تذكية 156 وقوله جل وعز ومن قتله منكم متعمدا أكثر الفقهاء على أن عليه الجزاء سواء كان متعمدا أو مخطئا

وذهبوا الى قوله تعالى ومن قتله منكم متعمدا مردود الى قوله جل وعز ومن عاد فينتقم الله منه واحتجوا في ذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن الضبع فقال هي صيد وجعل فيها اذا أصابها المحرم كبشا ولم يقل عمدا ولا خطأ قال الزهري هو في الخطأ سنة وقال بعض أهل العلم انما عليه الجزاء اذا قتله متعمدا واحتجوا بظاهر الآية حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام نا محمد بن يحيى نا أبو الوليد نا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير في قوله جل وعز ومن قتله منكم متعمدا قال ليس عليه في الخطأ شيء انما هو في العمد يعني الصيد

157 - وقوله جل وعز فجزاء مثل ما قتل من النعم قيل النعم في اللغة الابل والبقر والغنم وان انفردت الابل قيل لها نعم وان انفردت البقر والغنم لم يقل لها نعم وقرأ الاعمش فجزاؤه مثل ما والمعنى فعليه جزاؤه ثم أبدل مثلا من جزائه 158 وقوله جل وعز أو كفارة طعام مساكين أو هنا للتخيير وفي معناه أقوال وقيل الحاكم مخير وقيل أنه يعمل بالاول فالاول والقول الاول أحسن لان قاتل الصيد هو المخاطب ولان

المعروف أن أو للتخيير وقرأ طلحة والجحدري أو عدل ذلك صياما وأنكره جماعة من أهل اللغة وقالوا العدل الحمل وقال الكسائي العدل والعدل لغتان بمعنى واحد وقال الفراء عدل الشيء مثله من غير جنسه وعدله مثله من جنسه وأنكر البصريون هذا التفريق وقالوا العدل والعدل المثل كان من الجنس أو من غير الجنس لا يختلف كما أن المثل لا يختلف وفي الحديث لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا فالصرف التوبة والعدل الفدية

روي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أبو حاتم ولا يعرف قول من قال انهما الفريضة والنافلة والذي أنكره أبو حاتم قال المازري 159 ثم قال جل وعز ليذوق وبال أمره أي شدته ومنه طعام وبيل اذا كان ثقيلا ومنه قوله عقيلة شيخ كالوبيل يلندد 160 ثم قال جل وعز عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه قال عطاء عفا الله عما سلف في الجاهلية وقال شريح وسعيد بن جبير يحكم عليه في أول مرة فاذا عاد لم يحكم عليه وقيل له اذهب ينتقم الله منك أي ذنبك أعظم من أن يكفر

كما أن اليمين الفاجرة لا كفارة لها عند أكثر أهل العلم لعظم اثمها قلت قول عطاء في هذا أشبه والمعنى ومن عاد بعد الذي سلف في الجاهلية فينتقم الله منه بأشياء تصيبه من العقوبة أو يكون مثل قوله ليذوق وبال أمره 161 وقوله جل وعز أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة روى عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة عن عمر قال صيد البحر ما صيد منه وطعامه ما قذف وكذلك روى سعيد بن جبير عن ابن عباس

وقيل طعامه ما زرع لانه به ينبت وقال سعيد بن جبير طعامه المليح منه وصيده ما كان طريا البين أن صيده أن تصيدوا وطعامه أن تأكلوا الصيد قال مجاهد لكم لاهل القرى وللسيارة لاهل الامصار وقيل السيارة المسافرون وهذا أولى 162 وقوله جل وعز جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس فيه قولان أحدهما وهو أشبه بالمعنى أنهم يقومون بها ويأمنون قال سعيد بن جبير شدة للدين

والقول الآخر أنهم يقومون بشرائعها فأما قوله جل وعز بعد هذا ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الارض ومجانسة هذا الاول فقال أبو العباس محمد بن يزيد كانوا في الجاهلية يعظمون البيت الحرام والاشهر الحرم حتى انهم كانوا يسمون رجبا وهو من الاشهر الحرم الاصم لانه لا يسمع فيه وقع السلاح فعلم الله عز و جل ما يكون منهم من اغارة بعضهم فألهمهم أن لا يقاتلوا في الاشهر الحرم ولا عند البيت الحرام ولا من كان معه القلائد فالذي ألهمهم هذا يعلم ما في السموات وما في الارض وقال أبو اسحاق وقد أخبر الله جل وعز النبي صلى الله عليه و سلم في هذه السورة بأشياء مما يسره المنافقون واليهود فقال جل وعز

سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك وما كان من أمر الزانيين وقوله جل وعز عن ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الارض متعلق بهذه الاشياء أي الذي أخبركم بها يعلم ما في السموات وما في الارض والدليل على صحة هذا القول قوله تعالى ما على الرسول الا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون 163 وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم معنى ان تبد لكم ان تظهر قال شعبة أخبرني موسى بن أنس بن مالك أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه و سلم يا رسول الله من أبي فقال أبوك فلان فأنزل الله عز و جل يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن

أشياء ان تبد لكم تسؤكم روى ابراهيم الهجري عن أبي عياض عن أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله أفرض الحج في كل سنة فقال لو قلتها لوجبت ولو وجبت فتركتموها لكفرتم وروى أبو صالح عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه و سلم لا يسألني انسان في مجلسي هذا عن شيء الا أنبأته به فقال رجل يا رسول الله من أبي فأخبره ونزلت لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم

وأن لا يكلفهم طلب حقائق الاشياء من عنده جل وعز وقيل انما ينهى عن هذا لان الله جل وعز أحب الستر على عباده رحمة منه لهم وأحب أن لا يقترحوا المسائل وقال النبي صلى الله عليه و سلم اتركوني ما تركتكم فانما هلك من كان قبلكم لكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم وروى عبد الكريم عن سعيد بن جبير قال نزلت لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم في الذين سألوا عن البحيرة والسائبة والوصيلة ألا ترى أن بعده ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام قلت أحسن هذه الأقوال الثاني وأن الله جل وعز أحب الستر على عباده ورد أحكامهم الى الظاهر الذي يقدرون عليه

163 - ودل على أن هذا الصحيح قوله جل وعز قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين قال مقسم فيما سألت الامم أنبياءهم صلى الله عليهم وسلم من الآيات أي فأروهم اياها ثم كفر فومهم بها بعد واختلف أهل التفسير في البحيرة والسائبة والوصيلة والحام قال أبو جعفر ونذكر من قولهم ما وافقه قول أهل اللغة وهو معنى قول ابن عباس والضحاك البحيرة الناقة اذ نتجت خمسة أبطن فكان آخرها ذكرا شقوا أذنها وخلوها لا تمنع من مرعى ولا يركبها أحد وفي رواية ابن عباس وعمدوا الى الخامس فنحروه وكان لحمه للرجال دون النساء وان كانت أنثى استحيوها وتركوها ترعى مع أمها بعد شقهم أذن الام وتركهم الانتفاع بها وان كانت ميتة

اشترك فيها الرجال والنساء وفي اشتقاقه قولان أحدهما أن يقال بحره اذا شقه والقول الآخر انه من الاتساع في الشيء مشبه بالبحر والسائبة أن ينذر أحدهم ان برأ من مرضه ليسيبن ناقة أو ما أشبه ذلك واذا أعتق عبدا فقال هو سائبة لم يكن عليه ولاء وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم رأيت عمرو بن لحيي يجر قصبه في النار وهو أول من سيب السوائب

والوصيلة في الغنم خاصة اذا ولدت الشاة سبعة أبطن فان كان السابع ذكرا ذبحوه وكان لحمه للرجال دون النساء واذا ولدت أنثى لم يذبحوها وقالوا وصلت أخاها وفي الرواية عن ابن عباس قالوا وصلت أخاها ولم يشرب من لبنها الا الذكور خاصة وان كانت ميتة أكلها الرجال والنساء وتلا ابن عباس وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا الآية والحامي البعير اذا ولد له من صلبة عشرة أولاد قالوا قد حمى ظهره فلم يركب وخلي وكان بمنزلة البحيرة وفي الرواية عن ابن عباس انه البعير اذا ركب أولاد أولاده قالوا قد حمى ظهره

فأعلم الله أن هذا افتراء منهم فقال ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون قال الشعبي الذين لا يعقلون الاتباع والذين افتروا فعقلوا أنهم افتروا 164 وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم أي الزموا أنفسكم فأصلحوها وخلصوها من العقاب 165 ثم قال جل وعز لا يضركم من ضل اذا اهتديتم ليس في هذا دليل على الرخصة في ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والله عز و جل قد أمر بذلك وانما المعنى لا تؤاخذون بكفر من كفر وقد بين هذا في الحديث قال قيس بن أبي حازم سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه على المنبر يقول انكم تأولون يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم فاني سمعت رسول الله

صلى الله عليه و سلم يقول ان الناس اذا عمل فيهم بالمعاصي ثم لم يغيروا أوشك الله جل وعز أن يعمهم بعقابه وقال ابن مسعود في هذه الآية قولوها ما قبلت منكم فاذا ردت عليكم فعليكم أنفسكم وقال سعيد بن جبير هي في أهل الكتاب وقال مجاهد هي في اليهود والنصارى ومن كان مثلهم يذهبان الى أن المعنى لا يضركم كفر أهل الكتاب اذا أدوا الجزية وهذا تفسير حديث أبي بكر فأما حديث ابن مسعود فعلى أن تأويل الآية على وقتين ففي أوقات من آخر الزمان يعمل بها كما قال أبو أمية الشعباني قلت لابي ثعلبة الخشني كيف أصنع بهذه الآية يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم

فقال سألت عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ائتمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر حتى اذا رأيت شحا مطاعا وهو متبعا ودنيا مؤثرة واعجاب كل ذي رأي برأيه ورأيت الام لا يدي لك به أو لا يد لك به فعليك بنفسك ودع العوام 166 وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم اذا حضر أحدكم الموت وقرأ الاعرج شهادة بينكم وقرأ أبو عبد الرحمن شهادة بينكم فمن قرأ شهادة بينكم و شهادة بينكم فالمعنى عنده شهادة اثنين ثم حذف شهادة وأقام اثنين مقامها في الاعراب ويجوز أن يكون المعنى ليكن أن يشهد اثنان ومن قرأ شهادة بينكم فهو عنده بغير حذف والمعنى أن يشهد اثنان

167 - فأما قوله تعالى اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ففي هذا اختلاف كبير قال أبو موسى الاشعري وابن عباس ذو عدل منكم من أهل دينكم أو آخران من غيركم من أهل الكتاب وقال بهذا القول من التابعين عبيدة وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وشريح وابن سيرين والشعبي

وقال الحسن والزهري ذوا عدل منكم من أقربائكم لانهم أعلم بأموركم من غيرهم أو آخران من غيركم من غير أقربائكم من المسلمين وقال من احتج لهذا القول قد أجمع المسلمون على أن شهادة أهل الكتاب لا تجوز على المسلمين في غير الوصية واجماعهم يقضي على اختلافهم وقال جل وعز ممن ترضون من الشهداء فدل هذا على أن أحدا منهم ممن لا يرضى فالكافر يجب أن لا يرضى به أيضا فانه قال جل وعز تحبسونهما من بعد الصلاة فكيف يعظم الكافر الصلاة وقال ابراهيم النخعي الآية منسوخة نسخها وأشهدوا

ذوي عدل منكم وقال زيد بن أسلم كان ذلك والارض حرب والناس يتوارثون بالوصية وتوفي رجل وليس عنده أحد من أهل الاسلام فنزلت هذه الآية ثم نسخت الوصية وفرضت الفرائض ومعنى تحبسونهما من بعد الصلاة من بعد صلاة العصر ومعنى لا نشتري به ثمنا بما شهدنا عليه 168 ثم قال جل وعز ولو كان ذا قربى معناه وان كان ذا قربى كما قال سبحانه ولو افتدى به 169 ثم قال جل وعز ولا نكتم شهادة الله انا اذا لمن الآثمين

وقرأ عبد الله بن مسلم ولا نكتم شهادة الله وهو يحتمل معنيين أحدهما أن المعنى ولا نكتم الله شهادة والمعنى الآخر ولا نكتم شهادة والله ثم حذف الواو ونصب وقرأ الشعبي ولا نكتم شهادة الله هذا عند أكثر أهل العربية لحن وان كان سيبوبه قد أجاز حذف القسم والخفض وقرأ أبو عبد الرحمن ولا نكتم شهادة الله على الاستفهام 170 وقوله جل وعز فان عثر على انهما استحقا اثما قال ابراهيم النخعي المعنى فان اطلع 171 ثم قال جل وعز فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الاوليان

ان اطلع عليهما بخيانة فأمر اثنان من أولياء الميت فحلفا واستحقا وقال أبو اسحاق وهذا موضع مشكل من الاعراب والمعنى وقد قيل فيه أقوال منها أن المعنى من الذين استحق فيهم الاوليان فقامت على مقام في كما قامت في مقام على في قوله تعالى ولاصلبنكم في جذوع النخل وقيل المعنى من الذين استحق منهم الاوليان وقامت على مقام من كما قال تعالى الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون أي من الناس قال والقول المختار أن المعنى عندي ليقم الاولى بالميت فالاوليان بدل من الالف في يقومان والمعنى من الذين استحق عليهم الايصاء

وأنكر ابن عباس هذه القراءة وقرأ من الذين استحق عليهم الاولين وقال أرأيت ان كان الاوليان صغيرين 172 وقوله جل وعز يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم هذا السؤال على جهة التوبيخ لمن كذبهم وفي معنى الآية قولان أحدهما أنهم لما سئلوا فزعوا فزال وهمهم فقالوا لا علم لنا قال مجاهد لما قيل لهم ماذا أجبتم فزعوا فقالوا لا علم لنا فلما ثابت عقولهم خبروا بما علموا والقول الآخر أن المعنى لا علم لنا بما غاب عنا وقيل يدل على صحة هذا القول انك أنت علام الغيوب

وهذا مذهب ابن جريج وروى حجاج عن ابن جريج في قوله عز و جل يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا قال قيل لهم ما علمتم من الامم بعدكم قالوا لا علم لنا قال أبو عبيد ويشبه هذا حديث النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال يرد الحوض أقوام فيختلجون فأقول أمتي فيقال انك لا تدري ما أحدثوا بعدك 173 وقوله عز و جل اذ قال الله يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك نعمته على مريم أنه جل وعز اصطفاها وطهرها

وقال جل وعز كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا 174 وقوله جل وعز اذ أيدتك بروح القدس أيدتك قويتك وروح القدس جبريل صلى الله عليه و سلم قيل قواه به حين هموا بقتله وقواه به في الحجة 175 وقوله جل وعز واذ أوحيت الى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قيل معنى أوحيت ههنا ألهمت كما قال تعالى وأوحى ربك الى النحل وقيل معناه أمرت كما قال الشاعر وحى لها القرار فاستقرت

وقيل معنى أوحيت ههنا بينت ودللت بالآيات والبراهين 176 وقوله جل وعز اذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء روى شيبة بن نصاح المقري عن القاسم بن محمد عن عائشة أنها قالت كان الحواريون أعرف بالله من أن يقولوا هل يستطيع ربك ولكن قالوا هل تستطيع ربك وقرأ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ومعاذ وابن عباس هل تستطيع ربك وكذلك قرأ سعيد بن جبير

وقال سعيد انما هو هل تستطيع أن تسأل ربك والتقدير عند أهل العربية على هذه القراءة هل تستطيع سؤال ربك ثم حذف كما قال واسأل القرية و هل يستطيع ربك حسن بغير حذف معروف في كلام العرب أن يقال هل يستطيع أن يقوم بمعنى هل يستطيع أن يفعل ذلك بمسألتي وأنت تعرف أنه يستطيعه وفي سؤال الحواريين تنزيل المائدة قولان أحدهما أنهم سألوا ذلك ليتبينوا كما قال ابراهيم عليه السلام رب أرني كيف تحيي الموتى والقول الآخر أن يكون سؤالهم هذا من قبل أن يعلموا أن عيسى يبرىء الاكمه والابرص

فأما قول عيسى لهم اتقوا الله إن كنتم مؤمنين فيعني أن لا تقترحوا الآيات ولا تسألوا ما لم يسأل غيركم من الامم قال أبو عبيدة مائدة من الطعام وهي فاعلة بمعنى مفعولة كما قال جل وعز في عيشة راضية وقال أبو اسحق مائدة عندي من ماد يميد اذا تحرك وقرأ عاصم الجحدري تكون لنا عيدا لاولانا وأخرانا وقرأ الاعمش تكن لنا عيدا

وقيل انها أنزلت وقيل انها لم تنزل والصواب أن يقال انها أنزلت لقوله جل وعز قال الله اني منزلها عليكم وروى قتادة عن خلاس بن عمرو عن عمار بن ياسر وبعضهم يرفعه قال أنزلت المائدة خبزا ولحما وأمروا أن لا يخزنوا ولا يدخروا لغد فخانوا وادخروا ورفعوا فمسخوا خنازير حدثنا القاسم بن زكريا المطرز نا الحسين بن قرعة قال نا ابن حبيب عن سعيد بن قتادة عن خلاس بن عمرو عن عمار بن ياسر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أنزلت المائدة خبزا ولحما فأمروا أن لا يدخروا ولا يرفعوا فادخروا ورفعوا فمسخوا قردة وخنازير

ويروى أن هذه محنة أمر الله جل وعز امتحانهم بها قال عبد الله بن مسعود أشد الناس عذابا أصحاب المائدة وآل فرعون والمنافقون وقال الحسن لما أوعدوا بالعذاب ان هم عصوا قالوا لا حاجة لنا بها فلم تنزل وقال مجاهد لما قيل لهم فمن يكفر بعد منكم فاني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين امتنعوا من نزولها لم تنزل وقيل ان هذا العذاب في الآخرة 177 وقوله جل وعز واذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت

للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله قال سبحانك في معنى هذا قولان أحدهما أن هذا يقال له في الآخرة قال قتادة يقال له هذا يوم القيامة قال ألا ترى أنه قال هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لا يكون الا يوم القيامة وقال السدي انه قال هذا حين رفعه لانه قال ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم فانما هذا على أنهم في الدنيا أي ان تغفر لهم بعد التوبة واحتج لصاحب هذا القول بأن اذ في كلام العرب لما مضى

والقول الاول عليه أكثر أهل التفسير فأما حجة صاحب هذا القول الثاني بأن اذ لما مضى فلا تجب لان اخبار الله جل وعز عما يكون بمنزلة ما كان فعلى هذا يصح أنه للمستقبل وسنذكر قولهم في ان تعذبهم فانهم عبادك 178 وقوله جل وعز تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك قال أبو اسحق النفس عند أهل اللغة على معنيين أحدهما أن يراد بها بعض الشيء والآخر أن يراد بها الشيء كله نحو قولك قتل فلان نفسه فقوله عز و جل تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك معناه تعلم حقيقتي وما عندي

والدليل على هذا قوله انك أنت علام الغيوب وقال غيره تعلم غيبي ولا أعلم غيبك 179 وقوله جل وعز فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم قال قتادة الرقيب الحافظ وكذلك هو عند أهل اللغة 180 وقوله جل وعز ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم في هذا أقوال فمن أحسنها أن هذا على التسليم لله جل وعز وقد علم أنه لا يغفر لكافر ولا يدرى أكفروا بعد أم آمنوا ومن الدليل على صحة هذا القول أن سعيد بن جبير روى عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة عزلا وقرأ صلى الله عليه و سلم كما بدأكم تعودون فيؤمر بأمتي ذات اليمين وذات الشمال فأقول أصحابي

فيقال انهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم بعدك فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم وقرأ الى قوله وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم وروى أبو ذر أن النبي صلى الله عليه و سلم قام ليلة يردد ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم وقيل انه معطوف على قوله ما قلت لهم الا ما أمرتني به والمعنى على هذا القول ما قلت في الدنيا الا هذا وقال أبو العباس محمد بن يزيد لا يراد بهذا مغفرة الكفر

وانما المعنى ولان تغفر لهم كذبهم علي وحكايتهم عني ما لم أقل وقال أبو اسحق قد علم عيسى صلى الله عليه و سلم أن منهم من آمن فالمعنى عندي والله أعلم ان تعذبهم على فريتهم وكفرهم فقد استحقوا ذلك وان تغفر لمن تاب منهم بعد الافتراء العظيم والكفر وقد كان لك أن لا تقبل توبته بعد اجترائه عليك فانك أنت العزيز الحكيم وأما قول من قال ان عيسى صلى الله عليه و سلم لم يعلم أن الكافر لا يغفر له فقول مجترء على كتاب الله جل وعز لان الاخبار من الله جل وعز لا ينسخ وقيل كان عند عيسى صلى الله عليه و سلم أنهم أحدثوا معاصي وعملوا بعده بما لم يأمرهم به الا أنهم على عمود دينه فقال وان تغفر لهم ما أحدثوا بعدي من المعاصي

وقوله جل وعز هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم سئل بعض أهل النظر عن معنى هذا فقيل له لو صدق الكافر وقال أسأت لم ينفعه ذلك والجواب عن هذا أن يوم القيامة يوم مجازاة وليس بيوم عمل فانما المعنى هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم في الدنيا وتركهم الافتراء على الله جل اسمه وعلى رسله وقيل ينفعهم صدقهم في العمل والله أعلم بما أراد انتهت سورة المائدة بعونه تعالى


تفسير سورة الانعام مكية وآياتها 165 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة الانعام وهي مكية
قال أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن اسماعيل النحاس قال حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى حدثنا أبو حاتم روح بن الفرج مولى الحضارمة قال حدثنا أحمد بن محمد أبو بكر العمري قال حدثنا ابن أبي فديك قال حدثني عمر بن طلحة بن علقمة بن وقاص عن نافع أبي سهيل بن مالك عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم نزلت سورة الانعام معها موكب من الملائكة سد ما بين الخافقين لهم زجل بالتسبيح والارض لهم ترتج ورسول الله يقول سبحان ربي العظيم ثلاث مرات

قوله جل وعز الحمد لله الذي خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور قال قتادة خلق الله السماء قبل الارض والليل قبل النهار والجنة قبل النار فأما قوله والارض بعد ذلك دحاها فمعناه بسطها 2 وقوله جل وعز ثم الذين كفروا بربهم يعدلون قال مجاهد أي يشركون قال الكسائي يقال عدلت الشيء بالشيء عدولا اذا ساويته به وهذا القول يرجع الى قول مجاهد لانهم اذا عبدوا مع الله غيره فقد ساووه به وأشركوا

3 - وقوله جل وعز هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده قال الحسن ومجاهد وعكرمة وخصيف وقتادة وهذا لفظ الحسن قضى أجل الدنيا من يوم خلقك الى أن تموت وأجل مسمى عنده يعني الآخرة ثم أنتم تمترون أي تشكون وتعبدون معه غيره 4 وقوله جل وعز وهو الله في السموات وفي الارض والالف واللام في أحد قولي سيبويه مبدلة من همزة والاصل عنده اله

فالمعنى على هذا هو المعبود في السموات وفي الارض ويجوز أن يكون المعنى وهو الله المنفرد بالتأليه في السموات وفي الارض كما تقول هو في حاجات الناس وفي الصلاة ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر ويكون المعنى وهو الله في السموات وهو الله في الارض 5 وقوله جل وعز ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن قيل القرن ستون عاما وقيل سبعون فيكون التقدير على هذا من أهل قرن وأصح من هذا القول القرن كل عالم في عصر لانه مأخوذ من الاقتران أي عالم مقترن بعضهم الى بعض وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم قال خير الناس القرن

الذي أنا فيه يعني أصحابه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وأكثر أصحاب الحديث على أن القرن مائة سنة واحتجوا بأن النبي قال لعبد الله بن بسر تعيش قرنا فعاش مائة سنة 6 وقوله جل وعز وأرسلنا السماء عليهم مدرارا أي تدر عليهم ومدرار على التكثير كما يقال امرأة مذكار اذا كثرت ولادتها للذكور ومئناث 7 وقوله جل وعز ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا ان هذا الا سحر مبين

أي قد جعلوا في أنفسهم الكفر والعناد فاذا رأوا آية قالوا سحر كما أنهم سألوا انشقاق القمر فلما انشق قالوا هذا سحر مستمر كذلك أيضا لو نزل الله عليهم كتابا من السماء لقالوا ان هذا الا سحر مبين 8 وقوله جل وعز وقالوا لولا أنزل عيه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الامر قال ابن أبي نجيح عن مجاهد أي لقامت القيامة والمعنى عند أهل اللغة لحتم بهلاكهم وهو يرجع الى ذلك القول 9 وقوله جل وعز ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا قال قتادة أي في صورة بني آدم

10 - ثم قال تعالى وللبسنا عليهم ما يلبسون قال الضحاك يعني أهل الكتاب لانهم غيروا صفة النبي صلى الله عليه و سلم في كتابهم وعصوا ما أمروا به قال الكسائي يقال لبست عليهم الامر ألبسه لبسا اذا خلطته أي أشكلته 11 وقوله جل وعز فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون الحيق في اللغة ما يعود على الانسان من مكروه فعله ومنه ولا يحيق المكر السيء الا بأهله

12 - وقوله جل وعز قل لمن ما في السموات والارض قل لله هذا احتجاج عليهم لانهم مقرون أن ما في السموات والارض لله فأمر الله النبي صلى الله عليه و سلم أن يحتج عليهم بأن الذي خلق ما في السموات والارض قادر على أن يحييهم بعد الموت 13 ثم قال جل وعز كتب ربكم على نفسه الرحمة لانه أمهلهم الى يوم القيامة ويجوز أن يكون هذا تمام الكلام ويجوز أن تكون ما هذه تبيينا لان قوله ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه معناه يمهلكم فهذا من رحمته جل وعز

14 - وقوله جل وعلا وله ما سكن في الليل والنهار أي ثبت وهذا احتجاج عليهم أيضا 15 وقوله جل وعز وهو يطعم ولا يطعم كما تقول هو يرزق ولا يرزق ويعول ولا يعال وروي عن الاعمش أنه قرأ وهو يطعم ولا يطعم وهي قراءة حسنة أي ولا يأكل 16 وقوله جل وعز من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه المعنى من يصرف عنه العذاب ثم حذف لعلم

السامع وكذلك معنى من يصرف 17 وقوله جل وعز وأوحي إلي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ المعنى ومن بلغه القرآن ثم حذف الهاء لطول الاسم وقال مجاهد ومن أسلم من فصيح وأعجم وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال بلغوا القرآن عن الله جل وعز ومن بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله وقيل المعنى ومن بلغ الحلم كما يقال قد بلغ فلان

18 - وقوله جل وعز الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ويجوز أن يكون المعنى القرآن والحديث يدل أن المعنى يعرفون النبي صلى الله عليه و سلم وروي أن عمر قال لعبد الله بن سلام أتعرف محمدا صلى الله عليه و سلم كما تعرف ابنك فقال نعم وأكثر بعث الله أمينه في سمائه الى أمينه في أرضه بنعته فعرفته وابني لا أدري ما كان من أمه 19 وقوله جل وعز ثم لم تكن فتنتهم الا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين قال أبو سحاق تأويل هذه الآية لطيف جدا أخبر الله جل وعز بقصص المشركين وافتتانهم بشركهم ثم أخبر أن فتنتهم

لم تكن حين رأوا الحقائق الا أن انتفوا من الشرك ونظير هذا في اللغة أن ترى انسانا يحب غاويا فإذا وقع في هلكة تبرأ منه فيقول له ما كانت محبتك اياه الا أن تبرأت منه فأما معنى قولهم والله ربنا ما كنا مشركين وقال في موضع آخر ولا يكتمون الله حديثا معطوف على ما قبله والمعنى وودوا أن لايكتموا الله حديثا والدليل على على صحة هذا القول أنه روي عن سعيد بن جبير في قوله والله ربنا ما كنا مشركين قال اعتذروا وحلفوا وكذلك قال ابن أبي نجيح وقتادة وروي عن مجاهد أنه قال لما رأوا الذنوب تغفر الا الشرك والناس يخرجون من النار الا المشركين قال والله ربنا ما كنا مشركين

وقول بعض أهل اللغة انما قالوا هذا على أنهم صادقون عند أنفسهم ولم يكونوا ليكذبوا وقد عاينوا ما عاينوا وقطرب يذهب الى هذا القول وهو قول مردود لانه قال لم يكونوا ليكذبوا وبعدها انظر كيف كذبوا على أنفسهم ويبين لك الغلط في هذا القول قوله جل وعز يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له الآية قال مجاهد كذبهم الله وقيل معنى ولا يكتمون الله حديثا أنه ظاهر عنده 20 وقوله جل وعز ومنهم من يستمع اليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا

قيل فعل بهم هذا مجازاة على كفرهم وليس المعنى أنهم لا يسمعون ولا يفقهون ولكن لما كانوا لا ينتفعون بما يسمعون ولا ينقادون الى الحق كانوا بمنزلة من لا يسمع ولا يفهم ثم خبر بعنادهم فقال وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها لانهم لما رأوا القمر منشقا قالوا سحر فأخبر الله عز و جل بردهم الآيات بغير حجة وقال حتى اذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا ان هذا الا أساطير الاولين فخبر أن هذا مقدار احتجاجهم 21 وقوله جل وعز وهم ينهون عنه وينأون عنه أكثر أهل التفسير يذهب الى أن المعنى للكفار أي ينهون

عن اتباع النبي صلى الله عليه و سلم ويبعدون عنه قال مجاهد يعني به قريش وكذلك قال قتادة والضحاك يعني به الكفار وروى سفيان عن حبيب بن أبي ثابت قال أخبرني من سمع ابن عباس يقول نزلت في أبي طالب كان ينهى عن أذى النبي صلى الله عليه و سلم ويتباعد عنه والقول الاول أشبه لانه متصل بأخبار الكفار وقولهم

22 - وقوله جل وعز وان يهلكون الا أنفسهم أي وبال ذلك يرجع عليهم لان الله جل وعز يبدد جموعهم وينصره عليهم 23 ثم قال جل وعز وما يشعرون أي وما يشعرون أن وبال ذلك يرجع عليهم 24 وقوله جل وعز ولو ترى اذ وقفوا على النار في معناه ثلاثة أقوال 1 منها أن معنى وقفوا على النار أدخلوها كما يقال وقفت على ما عند فلان أي عرفت حقيقته 2 وقيل معناه رأوها 3 وقيل جاوزا عليها وهي من تحتهم

25 - ثم قال جل وعز فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين المعنى ونحن لا نكذب بآيات ربنا رددنا أو لم نرد قال سيبوبه ومثله دعني ولا أعود أي ولا أعود تركتني أو لم تتركني ومن قرأ ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين فمعناه عنده يا ليتنا وقع لنا الرد وأن لا نكذب قال أبو اسحاق وفيه معنى ان رددنا لم نكذب وقرأ ابن عامر يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين بالنصب وقرأ عبد الله بن مسعود ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين

وقرأ أبي بن كعب ولا نكذب بآيات ربنا أبدا 26 وقال جل وعز بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل المعنى بل ظهر للذين اتبعوا الغواة ما كان الغواة يخفون عنهم من أمر البعث والقيامة لان بعده وقالوا ان هي الا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين وقال بعض أهل اللغة ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه فيه شيء محذوف والمعنى ولو ردوا قبل أن يعاينوا العذاب لانهم لا يكفرون بعدما عاينوا وهذا القول مردود لان الله جل ثناؤه أخبر عنهم أنهم يقولون

هذا يوم القيامة وقد خبر جل وعز عن ابليس أنه كفر بعدما رأى وعنهم أنهم كفروا عنادا وايثارا للرئاسة 27 وقوله جل وعز جاءتهم الساعة بغتة البغتة الفجاءة يقال بغتهم الامر يبغتهم بغتا وبغتة 28 ثم قال جل وعز قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها الفائدة في نداء الحسرة وما كان مثلها مما لا يجيب أن العرب اذا أرادت تعظيم الشيء والتنبيه عليه نادته ومنه قولهم يا عجباه قال سيبويه اذا قلت يا عجباه فمعناه أحضر وتعال يا

عجب فان هذا من أزمانك فهذا أبلغ من قولك تعجبت ومنه قول الشاعر فيا عجبا من رحلها المتحمل 29 وقوله جل وعز وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم واحد الاوزار وزر والفعل منه وزر يزر يراد به الاثم وهو تمثيل وأصله الوزر وهو الجبل ومنه الحديث في النساء اللواتي خرجن في جنازة فقال لهن ارجعن موزورات غير مأجورات قال أبو عبيد والعامة تقول مأزورات كأنه لا وجه له عنده لانه من الوزر ومنه قيل وزير كأنه يحمل الثقل عن صاحبه

30 - وقوله جل وعز فانهم لا يكذبونك هكذا روي عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه أنه قرأ وهو اختيار أبي عبيد واحتج بأنه روي أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه و سلم انا لا نكذبك ولكنا نكذب ما جئت به فأنزل الله عز و جل فانهم لا يكذبونك وقد خولف أبو عبيد في هذا وروي لا نكذبك فأنزل الله جل وعز فانهم لا يكذبونك ويقوي هذا أنه روي أن رجلا قرا على ابن عباس فانهم لا يكذبونك فقال له ابن عباس

فانهم لا يكذبونك لانهم كانوا يسمون النبي صلى الله عليه و سلم الامين ومعنى يكذبونك عند أهل اللغة ينسبونك الى الكذب ويروون عليك ما قلت ومعنى لايكذبونك لا يجدونك كاذبا كما تقول أحمدته اذا وجدته محمودا ويجوز أن يكون معنى المخففه لا يبينون عليك أنك كاذب لأنه يقال أكذبته اذا احتججت عليه وبينت أنه كاذب حدثنا محمد بن جعفر الانباري حدثنا شعيب بن أيوب الواسطي عن معاوية بن هشام عن سفيان الثوري عن أبي اسحاق عن ناجية بن كعب عن علي قال قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه و سلم انا لا نكذبك ولكن نكذب ما جئت به فأنزل الله عز و جل

فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون والقول في هذا مذهب أبي عبيد واحتجاجه لازم لان عليا رحمة الله عليه هو الذي روى الحديث وقد صح عنه أنه قرأ بالتخفيف وحكى الكسائي عن العرب أكذبت الرجل أخبرت أنه جاء بالكذب ورواه وكذبته أخبرت أنه كاذب 31 وقوله جل وعز فان استطعت أن تبتغي نفقا في الارض أو سلما في السماء قال قتادة النفق الشرب في الارض والسلم الدرج وكذلك هو في اللغة ومنه النافقاء أحد جحر اليربوع

قال أبو اسحاق والسلم مشتق من السلامة كأنه يسلمك الى الموضع الذي تريد والمعنى ان استطعت أن تبتغي نفقا في الارض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية فافعل ثم حذف هذا لعلم السامع أي ليس لك من الامر شيء 32 ثم قال جل وعز ولو شاء الله لجمعهم على الهدى أي لاراهم آية تضطرهم الى الايمان ولكنه أراد جل وعز أن يثيب من آمن منهم ومن أحسن ويجوز أن يكون المعنى لطبعهم على الايمان 33 ثم قال جل وعز انما يستجيب الذين يسمعون قال الحسن ومجاهد يراد به المؤمنون والمعنى الذين

يسمعون سماع قبول 34 ثم قال جل وعز والموتى يبعثهم الله قال الحسن ومجاهد يراد به الكفار وقال غيرهما يراد به كل ميت 35 وقوله جل جلاله وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا أمم أمثالكم وأكثر أهل التفسير يذهب الى أن المعنى أنهم يخلقون كما يخلقون ويبعثون كما يبعثون وكذلك قال أبو هريرة يحشر الله جل وعز يوم القيامة الطير والبهائم فيبلغ من عدله أن يأخذ من القرناء للجماء ثم

يقول كوني ترابا فعند ذلك يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا وقال مجاهد في قوله جل وعز الا أمم أمثالكم قال أصناف لهن أسماء تعرف بها كما تعرفون ومعنى يطير بجناحيه على التوكيد لانك قد تقول طرت في حاجتي 36 وقوله جل وعز قل أرأيتكم ان أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة والمعنى أو أتتكم الساعة التي تبعثون فيها 37 ثم قال جل وعز أغير الله تدعون ان كنتم صادقين

في هذا أعظم الاحتجاج عليهم لانهم كانوا يعبدون الاصنام فاذا وقعوا في شدة دعوا الله 38 وقال جل وعز بل اياه تدعون فيكشف ما تدعون اليه ان شاء هذا مجاز والمعنى فيكشف الضر الذي من أجله دعوتموه وهو مثل واسأل القرية في المجاز 39 وقوله جل وعز ولقد أرسلنا الى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء قيل البأساء الجوع والفقر والضراء نقص الاموال والانفس بالمرض والثمرات 40 ثم قال جل وعز لعلهم يتضرعون

أي ليكون العباد على رجاء من التضرع 41 ثم قال تعالى فلولا اذ جاءهم بأسنا تضرعوا أي فهلا وأعلم الله النبي أنه قد ارسل قبله رسولا الى قوم بلغ من قسوتهم أن أخذوا بالبأساء والضراء فلم يتضرعوا 42 وقوله جل وعز فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء قال مجاهد من رخاء الدنيا ويسرها والتقدير عند أهل اللغة فتحنا عليهم أبواب كل شيء كان

مغلقا عنهم 43 وقوله جل وعز فاذا هم مبلسون قال أبو عبيدة المبلس الحزين النادم قال الفراء المبلس المنقطع الحجة 44 وقوله جل وعز فقطع دابر القوم الذين ظلموا الدابر في اللغة الآخر يقال دبرهم يدبرهم اذا جاء آخرهم وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود من الناس من لا يأتي الصلاة الا دبريا أي في آخر الوقت

45 - وقوله جل وعز قل أرأيتم ان أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من اله غير الله يأتيكم به المعنى من اله غير الله يأتيكم بما أخذ منكم والهاء كناية عن المصدر فلذلك وحدت ويجوز أن يكون تعود على السمع مثل والله ورسوله أحق أن يرضوه 46 ثم قال تعالى انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون قال قتادة أي يصدفون عنها 47 وقوله جل وعز قل أرأيتكم ان أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة قال مجاهد البغتة أن يأتيهم فجاءة آمنين والجهرة أن يأتيهم وهم ينظرون

48 - ثم قال جل وعز هل يهلك الا القوم الظالمون أي هل يهلك الا أنتم لانهم كفروا وعاندوا 49 وقوله جل ثناؤه وما نرسل المرسلين الا مبشرين ومنذرين أي لم نرسلهم ليأتوا بالآيات المقترحات وانما يأتون من الآيات بما تظهر معه براهينهم وانما مذهبهم التبشير والانذار 50 وقوله جل وعز قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب هذا متصل بقوله جل وعز لولا نزل عليه آية من ربه أي لا أقول لكم عندي خزائن الله التي يرزق منها ويعطي ولا أعلم الغيب فأخبركم بما غاب عنكم الا بوحي ولا أقول لكم اني ملك لان الملك يشاهد من أمر الله جل وعلا ما لا يشاهد البشر

51 - وقوله جل وعز قل هل يستوي الاعمى والبصير قال مجاهد يعني المسلم والكافر 52 وقوله جل وعز وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا الى ربهم أي بالقرآن وخص من يخاف الحشر لان الحجة عليهم أوكد فان كان مسلما أنذر ليترك المعاصي وان كان من أهل الكتاب أنذر ليتبع الحق 53 ثم قال جل وعز ليس لهم من دونه من ولي ولا شفيع لان اليهود والنصارى قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه

54 - وقوله جل وعز ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه قال سعد نزلت في ستة أنا وعبد الله بن مسعود وأربعة قال المشركون للنبي صلى الله عليه و سلم انا نستحيي أن نكون تبعا لهؤلاء فأنزل الله عز و جل ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه الى قوله أليس الله بأعلم بالشاكرين قال مجاهد نزلت في بلال وعبد الله بن مسعود وقال غيره انما أراد المشركون بهذا أن يحتجوا على النبي صلى الله عليه و سلم لان أتباع الانبياء الفقراء فطلبوا أن يطردهم فيحتجوا

عليه بذلك فعصمه الله مما أرادوا منه 55 وقوله جل وعز وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين المعنى ولا تطرد الذين يدعون ربهم فتكون من الظالمين وما من حسابك من شيء فتطردهم على التقديم والتأخير 56 ثم قال جل وعز وكذلك فتنا بعضهم ببعض أي اختبرنا وابتلينا لأن الفقراء صبروا على الجهد مع فقرهم فكان ذلك أوكد على الأغنياء في الحجة 57 ثم قال جل وعز ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أي ليقول الاغنياء 58 وقوله جل وعز فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة

السلام والسلامة بمعنى واحد ومعنى سلام عليكم سلمكم الله في دينكم وأنفسكم والسلام أسم من أسماء الله جل وعز معناه ذو السلامة وقرأ الحسن وعاصم وعيسى كتب ربكم علىنفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم بفتحها جميعا فالاولى بدل من الرحمة والثانية مؤكدة مكررة لطول الكلام هذا مذهب سيبويه وقرأ أبو عمر والكسائي والاعمش وابن كثير وشبل بكسرهما جميعا والمعنى الاولى قال انه وكسر الثانية لانها مبتدأة بعد الفاء

وقرأ أهل المدينة بفتح الاولى لانها تبيين للرحمة وكسروا الثانية لما تقدم 59 وقوله جل وعز وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين المعنى على هذه القراءة ولتستبين يا محمد سبيل المجرمين قا قيل فقد كان صلى الله عليه و سلم يستبينها فالجواب عند الزجاج أن الخطاب للنبي صلى الله عليه و سلم خطاب لامته بالمعنى ولتستبينوا سبيل المجرمين فان قيل فلم لم تذكر سبيل المؤمنين ففي هذا جوابان

أحدهما أنه اذا استبينت سبيل المجرمين فقد استبينت سبيل المؤمنين والجواب الآخر أن يكون مثل قوله سرابيل تقيكم الحر فالمعنى وتقيكم البرد ثم حذف وكذلك هذا يكون المعنى ولتستبين سبيل المؤمنين ثم حذف 60 وقوله جل وعز قل اني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به أي ما تستعجلون من اقتراح الآيات ويجوز أن يكون المعنى ما تستعجلون به من العذاب

61 - ثم قال جل وعز ان الحكم الا لله يقضي الحق كذلك قرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبو عبد الرحمن السلمي وسعيد بن المسيب واحتج بعض من قرأ هذه القراءة بأن بعده وهو خير الفاصلين والفصل لا يكون الا في القضاء والحكم وقرأ ابن عباس ومجاهد والاعرج يقص الحق قال ابن عباس كما قال جل وعز نحن نقص عليك أحسن القصص واحتج بعض من قرأ هذه القراءة بأنه في السواد بلا ياء قال ولو كانت يقضي لكانت بالحق وهذا الاحتجاج لا يلزم لان مثل هذه الياء تحذف

كثيرا وأما قوله لو كانت يقضي لكانت بالحق فلا يلزم أيضا لان معنى يقضي يأتي ويصنع فالمعنى يأتي الحق ويجوز أن يكون المعنى يقضي القضاء الحق 62 وقوله جل وعز وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو جمع مفتح مفاتح وجمع مفتاح مفاتيح أي الوصلة الى علم الغيب

حدثنا محمد بن الحسن يعرف بابن بدينا قال حدثنا أبو مصعب الزهري قال حدثنا صالح بن قدامة الجحمي عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال مفاتح الغيب خمسة لا يعلمها الا الله لا يعلم ما تغيض الارحام الا الله ولا يعلم ما في غد الا الله ولا يعلم متى يأتي المطر الا الله ولا تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ولا يعلم متى تقوم الساعة الا الله جل وعز 63 وقوله تعالى وما تسقط من ورقة الا يعلمها المعنى أنه يعلمها سقطت أو لم تسقط كما تقول ما يجيئك أحد الا وأنا أعرفه فليس أنك لا تعرفه الا في حال مجيئه و من للتوكيد والدليل على أنها للتوكيد أن الحسن قرأ

ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين أي الا يعلمه علما يقينا ويجوز أن يكون المعنى الا قد كتبه قبل أن يخلقه والله أعلم بما أراد فان قيل ما الفائدة عل هذا الجواب في كتبه وهو يعلمه فالجواب عن هذا أنه لتعظيم الامر أي اعلموا أن هذا الذي ليس فيه ثواب ولا عقاب مكتوب فكيف بما فيه ثواب وعقاب 64 وقوله جل وعز وهو الذي يتوفاكم بالليل أي ينيمكم فيتوفى الانفس التي تميزون بها كما قال الله عز و جل الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها

65 - ثم قال جل وعز ويعلم ما جرحتم بالنهار قال ابن أبي نجيح أي كسبتم ومعروف في اللغة أنه يقال جرح اذا كسب ومنه وما علمتم من الجوارح مكلبين 66 ثم قال جل وعز ثم يبعثكم فيه قال ابن أبي نجيح أي في النهار 67 ثم قال جل عز ليقضى أجل مسمى أي لتستوفوا أجلكم 68 وقوله جل وعز حتى اذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا قال ابراهيم النخعي يعني أعوان ملك الموت يتوفون

الارواح ويدفعونها الى ملك الموت أو يرفعونها كذا في الحديث 69 ثم قال جل وعز وهم لا يفرطون قال أبو عبيدة لا يتوانون وقال غيره معنى فرطت قدمت العجز 70 وقوله جل وعز قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر الظلمات ها هنا الشدائد والعرب تقول يوم مظلم اذا كان شديدا فاذا عظمت ذلك قالت يوم ذو كواكب وأنشد سيبوبه

بني أسد لو تعلمون بلاءنا اذا كان يوم ذو كواكب أشنعا 71 ثم قال جل وعز تدعونه تضرعا وخفية أي تظهرون التضرع وهو أشد الفقر الى الشيء والحاجة اليه وخفية أي وتبطنون مثل ذلك فأمر الله النبي صلى الله عيه وسلم أن يوبخهم اذ كانوا يدعون الله تبارك وتعالى في الشدائد ثم يدعون معه في غير الشدائد الاصنام وهي لا تضر ولا تنفع 72 وقوله جل وعز قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم قال عامر بن عبد الله كان ابن عباس يقول أما العذاب من فوقكم فأئمة السوء وأما العذاب من تحت أرجلكم فخدم السوء وقال الضحاك من فوقكم من كباركم أو من تحت أرجلكم من سفلتكم

قال أبو العباس من فوقكم يعني الرجم أو من تحت أرجلكم يعني الخسف 73 ثم قال جل وعز أو يلبسكم شيعا الشيع الفرق والمعنى شيعا متفرقة مختلفة لا متفقة ولبست خلطت ويبينه قوله جل وعز ويذيق بعضكم بأس بعض قال ابن أبي نجيح عن مجاهد يعني الفتن والاختلاف 74 وقوله عز و جل وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل هذا من قبل أن يؤمر بالحرب أي لست أحاربكم حتى

تؤمنوا أي لست بمنزلة الموكل بكم حتى تؤمنوا 75 ثم قال جل وعز لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون وهذا تهديد اما بعذاب يوم القيامة واما بالامر بالحرب 76 وقوله جل وعز واذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره روى شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال هم الذين يستهزئون بكتاب الله نهاه الله أن يجلس معهم الا أن ينسى فاذا ذكر قام قال تعالى فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين وروى ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال هم الذين يقولون في القرآن غير الحق

77 - ثم قال جل وعز وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء قال مجاهد أي لو جلسوا ولكن لا يجلسوا أي لان الله قد نهاهم 78 وقوله عز و جل وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا قال قتادة هذا منسوخ نسخه قوله تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم 79 ثم قال جل وعز وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت قال مجاهد تسلم وقال الكسائي والاخفش أي تجزى

وقال الفراء أي ترتهن وهذه المعاني متقاربة وقول مجاهد حسن أي تسلم بعملها لا تقدر على التخلص لانه يقال استبسل فلان للموت أي رأى ما لا يقدر على دفعه وينشد وابسالي بني بغير جرم بعوناه ولا بدم مراق قال أبو جعفر بعوناه أي جنيناه 80 وقوله جل وعز وان تعدل كل عدل لا يؤخذ منها

قال قتادة العدل الفدية وقد بيناه فيما تقدم 81 وقوله جل وعز قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا قال مجاهد يعني الاوثان 82 ثم قال جل وعز ونرد على أعقابنا بعد اذ هدانا الله أي الى الكفر قال أبو عبيدة يقال لمن رد عن حاجته ولم يظفر بها قد رد على عقبيه وقال أبو العباس محمد بن يزيد معناه يعقب بالشر بعد الخير وأصله من العاقبة والعقبى وهما ما كان تاليا للشيء راجيا أن يتبعه ومنه والعاقبة للمتقين ومنه عقب الرجل ومنه العقوبة لانها تالية للذنب وعنه تكون

83 - وقوله جل وعز كالذي استهوته الشياطين في الارض حيران معنى استهوته زينت له هواه 84 ثم قال جل وعز له أصحاب بدعونه الى الهدى ائتنا 85 وقوله جل وعز وهو الذي خلق السموات والارض بالحق ويوم يقول كن فيكون والمعنى اتقوا يوم يقول كن فيكون ويجوز أن يكون معطوفا على قوله تعالى وهو الذي خلق السموات والارض بالحق فان قيل ما معنى وخلق يوم يقول كن فيكون فالجواب أن ما أخبر الله جل وعز أنه كائن فهو بمنزلة ما قد كان ويجوز أن يكون المعنى واذكروا وهذا أحسن الاجوبة لان بعده وإذ قال ابراهيم

وقيل المعنى ويوم يقول كن فيكون للصور وقيل المعنى فيكون ما أراد من موت الخلائق وبعثهم والتمام على هذين الجوابين عند قوله فيكون وقيل المعنى فيكون قوله أي فيكون يأمر به ويكون التمام على هذا فيكون قوله الحق قال أبو عبيدة الصور جمع صورة وهذا القول مما رد عليه لان عبد الله بن مسعود قال الصور قرن وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لم يزل صاحب الصور ملتقمه منذ خلقه الله ينتظر متى يؤمر بالنفخ فيه

وقال عمرو بن عبيد قرأ عياض يوم ينفخ في الصور وهذا يعني به الخلق والله أعلم 86 وقوله جل وعز واذ قال ابراهيم لابيه آزر أتتخذ أصناما آلهة فقرأ الحسن آزر بالرفع وفي حرف أبي يا آزر قال الحسن هو اسم أبيه وذهب الحسن الى أنه نداء وقال سليمان التيمي معنى آزر يا أعوج وقيل كان لابيه اسمان كان يقال له تارح وآزر وقيل آزر اسم صنم والمعنى على هذا القول أتتخذ آزر أي أتتخذ أصناما

87 - وقوله جل وعز وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والارض ملكوت في اللغة بمعنى ملك الا أن فيه معنى المبالغة وروى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال يعني الآيات وروى ابن جريج عن القاسم عن ابراهيم النخعي قال فرجت له السموات السبع فنظر اليهن حتى انتهى الى العرش وفرجت له الأرضون فنظر اليهن 88 وقوله جل وعز فلما جن عليه الليل جن عليه وأجنة اذا ستره بظلمته 89 ثم قال جل وعز رأى كوكبا

قال قتادة كنا نحدث أنه الزهرة قال السدي هو المشتري 90 ثم قال جل وعز هذا ربي في هذا أجوبة قال قطرب يجوز أن يكون على الاستفهام وهذا خطأ لان الاستفهام لا يكون الا بحرف أو يكون في الكلام أم وقال بعض أهل النظر انما قال لهم هذا من قبل أن يوحى اليه واستشهد صاحب هذا القول بقوله تعالى لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين قال أبو اسحاق هذا الجواب عندي خطأ وغلط ممن قاله

وقد أخبر الله جل وعز عن ابراهيم أنه قال واجنبني وبني أن نعبد الاصنام وقال جل وعز بقلب سليم أي لم يشرك قط قال والجواب عندي أنه قال هذا ربي على قولكم لانهم كانوا يعبدون الاصنام والشمس والقمر ونظير هذا قول الله جل وعز أين شركائي وهو جل وعز لا شريك له والمعنى أين شركائي على قولكم ويجوز أن يكون المعنى فلما جن عليه الليل رأى كوكبا يقولون هذا ربي ثم حذف القول كما قال جل وعز والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم فحذف القول

91 - وقوله جل وعز فلما أفل قال قتادة أي ذهب قال الكسائي يقال أفل النجم أفولا اذا غاب 92 وقوله جل وعز فلما رأى القمر بازغا يقال بزغ القمر اذا ابتدأ في الطلوع 93 وقوله جل وعز اني وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا فطر خلق والحنيف المائل الى الاسلام كل الميل 94 وقوله جل وعز وحاجه قومه المعنى وحاجه قومه أي في توحيد الله 95 وقوله جل وعز ولا أخاف ما تشركون به الا أن يشاء ربي شيئا

المعنى الا أن يشاء ربي أن يلحقني شيئا بذنب عملته وهذا استثناء ليس من الاول 96 وقوله جل وعز فأي الفريقين أحق بالامن المعنى المؤمن أحق بالامن أم المشرك 97 ثم قال جل وعز الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم يجوز أن يكون هذا اخبار عن ابراهيم صلى الله عليه و سلم أنه قاله ويجوز أن يكون مستأنفا من قول الله جل وعز وفي بعض الروايات عن مجاهد ما يدل أنه اخبار عن ابراهيم وروي عن مجاهد أنه قال في قول الله جل وعز وتلك

حجتنا آتيناها ابراهيم على قومه قال هو قوله فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم قال أبو بكر وعلي رضي الله عنهما وسلمان وحذيفة في قوله تعالى ولم يلبسوا ايمانهم بظلم أي بشرك وروى علقمة عن عبد الله بن مسعود لما نزلت الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وقالوا أينا لا يظلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس كما تظنون انما هو كما قال لقمان ان الشرك لظلم عظيم 98 وقوله جل وعز ومن ذريته داود وسليمان

ويجوز أن يكون المعنى وهدينا داود وسليمان ويكون معطوفا على كل ويجوز أن يكون المعنى ووهبنا له داود وسليمان 100 وقوله جل وعز واجتبيناهم قال مجاهد أخلصناهم وهو عند أهل اللغة بمعنى اخترناهم 101 وقوله تعالى فان يكفر بها هؤلاء قال مجاهد يعني أهل مكة وقال قتادة يعني قوم محمد عليه السلام 102 فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين قال مجاهد يعني أهل المدينة وقال قتادة يعني النبيين الذين قص الله عز و جل

وهذا القول أشبه بالمعنى لانه قال بعد أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده وحدثني محمد بن ادريس قال حدثنا ابراهيم حدثنا عثمان المؤذن عن عوف عن أبي رجاء في قول الله جل وعز فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين قال هم الملائكة 103 وقوله جل وعز وما قدروا الله حق قدره قال أبو عبيدة أي ما عرفوا الله حق معرفته هذا قول حسن لان معنى قدرت الشيء وقدرنه عرفت مقداره ويدل عليه قوله جل وعلا اذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء أي لم يعرفوه حق معرفته اذ أنكروا أن يرسل رسولا وقال غير أبي عبيدة المعنى وما عظموا الله حق عظمته ومن هذا لفلان قدر

والمعنيان متقاربان ويروى أن هذا نزل في بعض اليهود ممن كان يظهر العبادة ويتنعم في السر فقيل له ان في الكتاب أن الله لا يحب الحبر السمين فقال ما أنزل الله على بشر من شيء 104 وقوله جل وعز ولتنذر أم القرى ومن حولها المعنى ولتنذر أهل أم القرى قال قتادة كنا نتحدث أنها مكة لان الارض منها دحيت

وقيل انما سميت أم القرى لانها تقصد من كل قرية 105 وقوله جل وعز ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي الي ولم يوح اليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله قال قتادة بلغنا أن هذا أنزل في مسيلمة قال أبو اسحاق وهذا جواب لقولهم لو نشاء لقلنا مثل هذا وروي عن ابن عباس الذي افترى على الله كذبا مسيلمة والذي قال سأنزل مثل ما أنزل الله عبد الله بن سعد بن أبي سرح

وروى حفص بن عمر عن الحكم بن أبان عن عكرمة أن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث لانه عارض القرآن فقال والطاحنات طحنا والعاجنات عجنا فالخابزات خبزا فاللاقمات لقما 106 ثم قال جل وعز ولو ترى اذ الظالمون في غمرات الموت أي شدائده والملائكة باسطوا أيديهم أي باسطوا أيديهم بالعذاب 107 وقوله جل وعز لقد تقطع بينكم قال مجاهد أي تواصلكم ومن قرأ بينكم فالمعنى لقد تقطع الامر بينكم

108 - وقوله جل وعز ان الله فالق الحب والنوى قال مجاهد يعني الشق فيها وقال الضحاك فالق خالق 109 وقوله جل وعز فالق الاصباح ويقرأ الاصباح وقرأ به الحسن وعيسى وهو جمع صبح والاصباح كما تقول الامساء وقرأ النخعي فلق الاصباح 110 ثم قال جل وعز وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا

والحسبان والحساب واحد أي ذوي حساب يعني دورانهما وقال ابن عباس في قوله جل وعز الشمس والقمر بحسبان أي بحساب 111 وقوله جل وعز وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قال عطاء ومجاهد وقتادة والضحاك وألفاظهم متقاربة فمستقر في الرحم ومستودع في الصلب وقرأ جماعة بالفتح وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال المستقر الرحم والمستودع الارض التي تموت بها

والفتح على معنى ولكم في الارحام مستقر وفي الاصلاب مستودع والكسر بمعنى فمنكم مستقر وقال سعيد بن جبير قال ابن عباس هل تزوجت فقلت لا فقال ان الله جل وعز يستخرج من ظهرك ما استودعه فيه وقرأ ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما فمستقر بالكسر ومستودع وقال ابراهيم النخعي المعنى فمستقر في الرحم ومستودع في الصلب وقال الحسن فمستقر في القبر ومستودع في الدنيا يوشك أن يلحق بصاحبه حدثني محمد بن ادريس قال حدثنا ابراهيم بن مرزوق

قال حدثنا أبو داود عن هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله جل وعز فمستقر ومستودع قال المستقر ما كان في الرحم والمستودع الصلب 112 ثم قال جل وعز قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون قال قتادة فصلنا بمعنى بينا 113 وقوله عز و جل وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا خضرا بمعنى أخضر 114 وقوله عز و جل ومن النخل من طلعها قنوان دانية قال قتادة القنوان العذوق وكذلك هو عند أكثر أهل اللغة

يقال عذق وقنو بمعنى واحد فأما العذق فالنخلة وقيل القنوان الجمار وقال البراء بن عازب دانية قريبة والمعنى ومنها قنوان بعيدة كما قال تعالى سرابيل تقيكم الحر 115 وقوله جل وعز والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه أي مشتبها في المنظر وغير متشابه في الطعم 116 ثم قال جل وعز انظروا الى ثمره اذا أثمر وينعه أي ونضجه يقال ينع وينع وأينع وينع اذا نضج وأدرك

وقال الحجاج في خطبته أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها 117 وقوله جل وعز وجعلوا لله شركاء الجن قيل معناه انهم أطاعوهم كطاعة الله وقيل معناه نسبوا اليهم الافاعيل التي لا تكون الا لله جل وعز أي فكيف يكون الشريك لله المحدث الذي لم يكن ثم كان 118 وقوله جل وعز وخلقهم يحوز أن يكون المعنى وخلق الشركاء ويجوز أن يكون المعنى وخلق الذين جعلوا وقرأ يحيى بن يعمر وخلقهم باسكان اللام قال ومعناه وجعلوا خلقهم لله شركاء

وسئل الحسن عن معنى وخرقوا له بنين وبنات بالتشديد فقال انما هو وخرقوا بالتخفيف كلمة عربية كان الرجل اذا كذب في النادي قيل خرقها ورب الكعبة وقال أهل اللغة معنى خرقوا اختلفوا وافتعلوا خرقوا على التكثير 119 وقوله جل وعز أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة أي من أين يكون له ولد والولد لا يكون له الا من صاحبة وخلق كل شيء أي فليس شيء مثله فكيف يكون له ولد 120 وقوله جل وعز لا تدركه الابصار قيل معناه في الدنيا

وقال الزجاج أي لا يبلغ كنه حقيقته كما تقول أدركت كذا وكذا لانه قد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم الاحاديث في الرؤية يوم القيامة 121 وقوله جل وعز قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه المعنى فلنفسه نفع ذلك ومن عمي فعليها أي فعليها ضرر ذلك 122 وقوله جل وعز وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست هذه قراءة أهل المدينة وأهل الكوفة وابن الزبير ومعناها تلوت وقرأت

وقرأ علي بن أبي طالب دارست وهو الصحيح من قراءة ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وأبي عمرو وأهل مكة قال ابن عباس معنى دارست تاليت قال سعيد بن جبير أي دارست أهل الكتاب وقرأ قتادة درست أي قرئت وقرأ الحسن درست أي امحت وقدمت وروى سفيان بن عيينه عن عمرو بن عبيد عن الحسن أنه قرأ دارست وكان أبو حاتم يذهب الى أن هذه القراءة لا تجوز قال لان الآيات لا تدارس

وقال غيره القراءة بهذا تجوز وليس المعنى على ما ذهب اليه أبو حاتم ولكن معناه دارست أمتك أي دارستك أمتك فان كان لم يتقدم لها ذكر فانه يكون مثل قوله تعالى حتى توارت بالحجاب وحكى الاخفش وليقولوا درست وهو بمعنى درست الا أنه أبلغ وحكى ابو العباس أنه يقرأ وليقولوا درست باسكان اللام على الامر وفيه معنى التهديد أي فليقولوا ما شاءوا فان الحق بين كما قال جل وعز فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا فأما من كسر اللام فانها عنده لام كي قال أبو اسحاق وأهل اللغة يسمونها لام الصيرورة أي

صار الى هذا كما قال جل وعز ربنا ليضلوا عن سبيلك وكما تقول كتب فلان هذا الكتاب لحتفه أي فصار أمره الى ذلك وهذه القراءات كلها يرجع اشتقاقها الى شيء واحد الى التليين والتذليل ودرست قرأت وذللت ودرست الدار ذلت وأمحقت ودرس الحنطة أي داسها 123 وقوله جل وعز ولو شاء الله ما أشركوا قيل معناه لو شاءالله لاستأصلهم والله أعلم بما أراد

124 - ثم قال جل وعز وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل وهذا قبل أن يؤمر بالقتال 125 وقوله جل وعز ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم قال قتادة كان المسلمون يسبون الاصنام فيسب المشركون الله عدوا بغير علم وروي أن في قراءة أهل مكة عدوا بغير علم والقراءة حسنة ومعنى عدوا بمعنى أعداء كما قال تعالى ان الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا وتقرأ عدوا يقال اذا تجاوز في الظلم عدا يعدو

عدوا وعدوا وعدوانا وعداء 126 ثم قال جل وعز كذلك زينا لكل أمة عملهم قيل معناه مجازاة على كفرهم وقيل أعمالهم يعني الاعمال التي يجب أن يعملوا بها وهي الايمان والطاعة والله أعلم بحقيقة ذلك 127 وقوله جل وعز وأقسموا بالله جهد أيمانهم أي اجتهدوا في الحلف لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها يعنون آية مما يقترحون 128 وقوله جل وعز وما يشعركم أنها اذا جاءت لا يؤمنون

قال مجاهد معناه وما يدريكم قال ثم ابتدأ فقال انها اذا جاءت لا يؤمنون وقرأ أهل المدينة أنها اذا جاءت قال الكسائي لا ها هنا زائدة والمعنى وما يشعركم أنها اذا جاءت يؤمنون وشبهه بقوله جل وعز قال ما منعك الا تسجد اذ أمرتك وهذا عند البصريين غلط لان لا لا تكون زائدة في موضع تكون فيه نافيه قال الخليل المعنى لعلها وشبهه بقول العرب ايت السوق أنك تشتري لنا شيئا بمعنى لعلك

وروي أنها في قراءة أبي وما يشعركم لعلها اذا جاءت لا يؤمنون وأنشد أهل اللغة في أن بمعنى لعل أريني جوادا مات هزلا لانني أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا وقيل في الكلام حذف والمعنى وما يشعركم أنها اذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون ثم حذف هذا لعلم السامع ويروى أن المشركين قالوا ادع الله أن ينزل علينا الآية التي قال فيها ان نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين ونحن والله نؤمن فقال المسلمون يا رسول الله

ادع الله أن ينزلها فأنزل الله عز و جل وما يشعركم أنها اذا جاءت لا يؤمنون 129 ثم قال جل وعز ونقلب أفئدتهم وأبصارهم و أفئدة جمع فؤاد 130 وقوله جل وعز ولو أننا نزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا الا أن يشاء الله ويروى أنهم سألوا هذه الاشياء فنزل هذا قال مجاهد قبلا أفواجا أي قبيلا قبيلا يذهب الى أنه جمع قبيل وهو الفرقة وقيل هو جمع قبيل و وقبيل بمعنى كفيل أي لو

كفل لهم الملائكة وغيرهم بصحة هذا لم يؤمنوا كما قال تعالى أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ويجوز أن يكون معنى قبلا كمعنى مقابلة كما قال تعالى ان كان قميصه قد من قبل ومن قرأ قبلا فمعناه عنده معاينة 131 وقوله جل وعز وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا أي كما جعلنا لك ولامتك أعداء وعدو بمعنى أعداء 132 ثم قال جل وعز شياطين الانس والجن وقرأ الاعمش شياطين الجن والانس والمعنى واحد

133 - ثم قال تعالى يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا قال مجاهد أي يزينون لهم ذاك أي يزينون لهم العمل القبيح وكذلك الزخرف في اللغة هو التزيين ومنه قيل للذهب زخرف 134 ثم قال جل وعز ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون أي لو شاء لمنعهم من وسوستهم الانس ولكنه يبتلي بما شاء ليجزل الثواب 135 وقوله جل وعز ولتصغى اليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة يقال صغى يصغى وصغا يصغو وأصغى يصغي اذا مال كما قال الشاعر

تصغي اذا شدها بالرحل جانحة حتى اذا ما استوى في غرزها تثب 136 ثم قال جل وعز وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون أي وليكتسبوا ويقال قرفت الجلد اذا قلعته ويقرأ وليقترفوا وفيه معنى التهديد قال قتادة صدقا فيما وعد وعدلا فيما حكم 137 وقوله جل وعز ان يتبعون الا الظن أعلم جل وعز أنهم ليسوا على بصائر ولا يقين وأنهم لا يتبعون الحق ويقرأ ان ربك هو أعلم من يضل عن سبيله

وهذا على حذف المفعول وفتح الياء أحسن لان بعده وهو أعلم بالمهتدين 138 وقوله جل وعز فكلوا مما ذكر اسم الله عليه أي مما أخلص لله وتحريم الميتة داخل في هذا 139 ثم قال جل وعز وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وروى عكرمة عن ابن عباس أن المشركين قالوا للمسلمين لم تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله لكم فأنزل الله جل وعز وان الشياطين ليوحون الى أوليائهم ليجادلوكم

140 - وقوله جل وعز وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم اليه قال قتادة فصل بين وقرأ عطية العوفي وقد فصل لكم خفيفة ومعناه أبان وظهر كما قرىء آلر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت أي استبانت 141 وقوله جل وعز وذروا ظاهر الاثم وباطنه قال قتادة أي علانيته وسره وقال غيره ظاهر الاثم الزنا وباطنه اتخاذ الاخدان والاشبه باللغة قول قتادة 142 ثم قال جل وعز ان الذين يكسبون الاثم سيجزون بما كانوا يقترفون

أي يكسبون ويعملون ويقال قرفت الجلد أي قلعته قال أبو جعفر اختلف أهل العلم في معنى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه فكان مذهب ابن عباس أن هذا جواب للمشركين حين سألوا النبي صلى الله عليه و سلم وتخاصموا فقالوا كيف لا نأكل مما قتل ربك ونأكل مما قتلنا فأنزل الله عز و جل ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ورواه عنه سعيد بن جبير وعكرمة فالمعنى على هذا ولا تأكلوا من الميتة وقال الشعبي ومحمد بن سيرين لا يؤكل من الذبائح التي لم يسم الله جل وعز عليها كان ذلك عمدا أو نسيانا وقال سعيد بن جبير وعطاء اذا ترك التسمية عمدا لم يؤكل واذا نسي أكل وهذا حسن لأنه لا يسمى فاسقا إذا كان ناسيا

143 - ومعنى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه مما لم يخلص لله وانه لفسق أي خروج من الطاعة ويقال فسقت الرطبة اذا خرجت من قشرها 144 ثم قال جل وعز وان الشياطين ليوحون الى أوليائهم ليجادلوكم أي يوسوسون اليهم وقد ذكرت معنى ليجادلوكم 145 ثم قال جل وعز وان أطعتموهم انكم لمشركون وقال أهل النظر في هذا دليل على أنه من أحل ما حرم الله أو حرم ما أحل الله فقد أشرك

وقيل له مشرك لانه اتبع غير الله فأشرك به غيره جل وعز 146 وقوله جل وعز أومن كان ميتا فأحييناه قال مجاهد المعنى أو من كان ضالا فهديناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس أي هدى كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها قال مجاهد أي في الضلالة قال السدي هذا نزل في عمر بن الخطاب رحمة الله عليه وأبي جهل والذي يوجب المعنى أن يكون عاما الا أن تصح فيه رواية

147 - وقوله جل وعز وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها قال مجاهد أي عظماءهم وقال غيره وخص العظماء والرؤساء لانهم أقدر على الفساد 148 ثم قال تعالى وما يمكرون الا بأنفسهم أي ان وبال ذلك يرجع عليهم 149 وقوله جل وعز سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وان كانوا أعزاء في الدنيا فستلحقهم الذلة يوم القيامة وفي الآية ثلاثة أقوال أحدهما أن المعنى سيصيب الذين أجرموا عند الله صغار على التقديم والتأخير والقول الثاني أن المعنى سيصيب الذين أجرموا صغار ثابت عند الله

وهذا أحسن الاقوال لان عند في موضعها والقول الثالث ذكره الفراء أنه يجوز أن يكون المعنى سيصيب الذين أجرموا صغار من عند الله وهذا خطأ عند البصريين لان من لا تحذف في مثل هذا 150 وقوله جل وعز فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام روي أن عبد الله بن مسعود قال يا رسول الله هل ينشرح الصدر فقال نعم يدخل القلب نور فقال وهل لذلك من علامة فقال صلى الله عليه و سلم التجافي عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل الموت

151 - ثم قال جل وعز ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا أي شديد الضيق وقرأ عمر وابن عباس ضيقا حرجا وروي أن عمر أحضر أعرابيا من كنانة من بني مدلج فقال له ما الحرجة فقال شجرة لا تصل اليها وحشية ولا راعية فقال كذلك قلب الكافر لا يصل اليه شيء من الايمان والخير 152 ثم قال جل وعز كأنما يصعد في السماء وقرأ ابن محيص وابن كثير وشبل كأنما يصعد في السماء وقرأ ابن عبد الرحمن المقرىء وابراهيم النخعي كأنما يصاعد

وروي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ كأنما يتصعد ومعنى هذه القراءة وقراءة من قرأ يصعد ويصاعد واحد والمعنى فيها أن الكافر من ضيق صدره كأنه يريد أن يصعد الى السماء وهو لا يقدر على ذلك كأنه يستدعي ذلك ومن قرأ يصعد فمعناه أنه من ضيق صدره كأنه في حال صعود قد كلفه وقال أبو عبيد من هذا قول عمر مات صعدتني خطبة ما تصعدتني خطبة النكاح وقد أنكر هذا على أبي عبيد وقيل انما هذا من الصعود

وهي العقبة الشاقة قال الله جل وعز سأرهقه صعودا 153 ثم قال جل وعز كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون قال مجاهد الرجس ما لا خير فيه وكذلك الرجس عند أهل اللغة هو النتن فمعنى الآية والله أعلم ويجعل اللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة على الذين لا يؤمنون 154 وقوله جل وعز قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون أي بينا 155 ثم قال جل وعز لهم دار السلام عند ربهم ويجوز أن يكون المعنى دار السلامة أي التي يسلم فيها من الآفات ويجوز أن يكون المعنى دار الله جل وعز وهو السلام

156 - وقوله جل وعز ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس المعنى فيما يقال لهم يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس أي كثر من أغويتم 157 ثم قال جل وعز وقال أولياؤهم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض ففي هذا قولان أحدهما ان الجن أغوت الانس وقبلت الانس منهم والقول الآخر أن الرجل كان اذا سافر في الجاهلية

فخاف قال أعوذ بصاحب هذا الوادي من شر ما أحذر فهذا استمتاع الانس بالجن واستمتاع الجن بالانس أنهم يعترفون أن الجن يقدرون أن يدفعوا عنهم ما يجدون والقول الاول أحسن ويدل عليه يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس 158 وقوله جل وعز قال النار مثواكم المثوى المقام 159 ثم قال جل وعز خالدين فيها الا ما شاء الله في هذا قولان أحدهما أنه استثناء ليس من الاول والمعنى على هذا الا ما شاء الله من الزيادة في عذابهم

وسيبويه يمثل هذا بمعنى لكن والفراء يمثله بمعنى سوى كما تقول لاسكننك هذه الدار حولا الا ما شئت أي سوى ما شئت من الزيادة ومثله خالدين فيه ما دامت السموات والارض الا ما شاء ربك أي سوى ما شاء ربك من الزيادة قال أبو جعفر وقال أبو اسحاق معنى الاستثناء عندي ها هنا والله أعلم انما هو من يوم القيامة أي الا ما شاء ربك من مقدار محشرهم ومحاسبتهم ويدل على هذا الجواب ويوم يحشرهم جميعا لان هذا يراد به يوم القيامة ويجوز أن يكون معنى ما شاء الله عز و جل أن يعذبهم من أصناف العذاب

160 - وقوله جل وعز يا معشر الجن والانس ألم يأتكم رسل منكم والرسل من الانس ففي هذ جوابان أحدهما أنه روي عن ابن عباس أنه قال رسل الجن الذين لقوا قومهم فبلغوهم يعني ابن عباس الذين قالوا انا سمعنا قرآنا عجبا وهم بمنزلة الرسل الى قومهم لانهم قد بلغوهم وكذلك قال مجاهد الرسل في الانس والنذارة في الجن والقول الآخر أنه لما كانت الانس والجن ممن يخاطب ويعقل قيل ألم يأتكم رسل منكم وان كانت الرسل من الانس خاصة 161 وقوله جل وعز كما أنشاكم من ذرية قوم آخرين الانشاء ابتداء الخلق

162 - وقوله جل عز قل يا قوم اعملوا على مكانتكم فيه قولان أحدهما أن المعنى على تمكنكم والقول الآخر أنه كما تقول أثبت مكانك أي اثبت على ما أنت عليه فان قيل كيف يجوز أن يؤمروا بالثبات على ما هم عليه وهم كفار فالجواب أن هذا تهدد كما قال جل وعز فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا ودل عليه قوله فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار والمعنى على هذا اثبتوا على ما انتم عليه ان رضيتم بالنار 163 وقوله جل وعز وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا

في الكلام حذف والمعنى وجعلوا لاصنامهم نصيبا ودل عليه فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا قال مجاهد كانوا يجعلون لله جزء ولشركائهم جزءا فاذا ذهب ما لشركائهم عوضوا منه مما لله واذا ذهب ما لله لم يعوضوا منه شيئا قال الانعام البحيرة والسائبة وقال قتادة كانوا يجعلون لله نصيبا ولشركائهم نصيبا فاذا هلك بعير لشركائهم أخذوا مما لله فجعلوه لشركائهم واذا هلك بعير مما لله جل وعز تركوه وقالوا الله مستغن عن هذا واذا أصابهم سنة أخذوا ما لله جل وعز فنحروه وأكلوه

164 - وقال الله عز و جل ساء ما يحكمون فذم الله ذلك من فعلهم ويقال ذرأ يذرأ ذرء أي خلق 165 وقوله جل وعز وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم يعني الموءودة قال مجاهد زين لهم الشياطين قتل البنات وخوفوهم العيلة قال غير مجاهد شركاؤهم ههنا الذين يخدمون الاصنام 166 وقوله عز و جل وقالوا هذه أنعام وحرث حجر قال قتادة الحجر الحرام

وقيل هذه أشياء كانوا يجعلونها لاصنامهم لا يأكل منها الا من يشاؤهم خدم الاصنام والحرث هو الذي يجعلونه لنفقة أوثانهم ويحرمونها على الناس الا خدمها 167 ثم قال جل وعز وأنعام حرمت ظهورها قال قتادة يعني السائبة والوصيلة 168 وقوله جل وعز وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها أي يذبحونها لآلهتهم ولا يذكرون عليها اسم الله فأعلم الله جل وعز أنه لم يأمرهم بهذا ولا جاءهم به نبي فقال تعالى افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون وقيل معنى وأنعام حرمت ظهورها هو الحامي الذي ذكره الله جل وعز في قوله ولا وصيلة ولا حام

وقيل معنى وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها السائبة لانها لا تركب فيذكر اسم الله عليها وقيل يذبحونها لاصنامهم فلا يذكرون اسم الله عليها والمحرمة ظهورها السائبة والحامي والبحيرة وأصحها ما بدأنا به 170 وقوله جل وعز وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا قال مجاهد يعني البحيرة والسائبة قال غيره كانوا اذا جعلوا لاصنامهم شيئا مما في بطون الانعام فولدت مولودا حيا ذكرا كان للذكران دون الاناث واذا ولدت ميتا ذكرا اشترك فين الذكران والاناث فذلك قوله تعالى وان يكن ميتة فهم فيه شركاء

وقال قطرب اذا أتأمت عشرا فما ولدت بعد ذلك فهو للذكور الا أن يموت فيشترك فيه أكله الذكر والانثى وقرأ الاعمش وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالص لذكورنا قال الكسائي معنى خالص وخالصة واحد الا أن الهاء للمبالغة كما يقال رجل داهية وعلامة وقال الفراء الخاء لتأنيث الانعام لان ما في بطون الانعام مثلها وقرىء خالصه لذكورنا والمعنى على هذه القراءة ما خلص منه حيا لذكورنا ومحرم على أزواجنا أي الاناث قال مجاهد معنى سيجزيهم وصفهم أي سيجزيهم كذبهم

والتقدير عند النحويين سيجزيهم جزاء وصفهم الذي هو كذب 170 وقوله جل وعز قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم يعني قتلهم البنات جهلا 171 ثم قال جل وعز وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين قال أبو رزين ولم يكونوا مهتدين قبل ذلك 172 وقوله جل وعز وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات أنشأ خلق وابتدع والجنات البساتين

وقيل المعروشات الكروم والنخل والزرع مختلفا أكله أي ثمره لانه مما يؤكل والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه قيل مشتبه في المنظر ومختلف في المطعم فيه حلو وحامض وقيل يشبه بعضه بعضا في الطعم ومنه مالا يشبه بعضه بعضا في الطعم 173 ثم قال جل وعز كلوا من ثمره اذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين في هذه الآية ثلاثة أقوال

فمذهب ابن عمر وأبي الدرداء وسعيد بن جبير وأبي العالية ومجاهد وعطاء أن عليه أن يصدق منه سوى الزكاة المفروضة والقول الثاني أن الآية منسوخة قال ابراهيم النخعي نسخها العشر ونصف العشر وروى عن الحسن قولان روى سفيان عن يونس عن الحسن قال نسختها الزكاة المفروضة والقول الآخر وهو القول الثالث في الآية رواه شعبة عن أبي الرجاء قال سألت الحسن عن قوله جل وعز وآتوا حقه يوم حصاده فقال الزكاة المفروضة

وكذلك قال ابن عباس وأنس بن مالك وابن الحنفية وجابر بن زيد وسعيد ابن المسيب وطاووس وقتادة والضحاك وراه ابن وهب عن مالك قال هي الصدقة المفروضة والقول الاول أولاها لانه يبعد أن يعني به الزكاة المفروضه لان الانعام مكية والزكاة انما فرضت بعد مقدم النبي صلى الله عليه و سلم الى المدينة ويقوي القول الاول حديث النبي صلى الله عليه و سلم أنه نهى عن جذاذ الليل قال سفيان كي يحضر المساكين قال سعيد بن المسيب ومعنى ولا تسرفوا ولا تمتنعوا

من الصدقة فتهلكوا وقال غيره معنى ولا تسرفوا لا تدفعوا كل ما لكم الى الغرباء وتتركوا عيالكم كما روي ابدأ بمن تعول السرف في اللغة المجاوزة الى ما لا يحل وهو اسم ذم أي لا تنفقوا في الوجوه المحرمة حتى لا يجد السائل شيئا وقيل معنى ولا تسرفوا لا تنفقوا أموالكم فيما لا يحل لانه قد أخبر عنهم أنهم قالوا وهذا لشركائنا 174 وقوله جل وعز ومن الانعام حمولة وفرشا وروى أبو الاحوص عن عبدالله بن مسعود أنه قال الحمولة ما أطاق الحمل من الابل والفرش ما لم يطق الحمل وكان صغيرا

قال أبو جعفر وهذا المعروف عند أكثر أهل اللغة وقال الضحاك الحمولة من الابل والبقر والفرش الغنم واستشهد لصاحب هذا القول بقوله ثمانية أزواج قال فثمانية بدل من قوله حمولة وفرشا قال الحسن الحمولة الابل والفرش الغنم 175 ثم قال جل وعز كلوا مما رزقكم الله وهو أمر على الاباحة 176 ثم قال جل وعز ولا تتبعوا خطوات الشيطان يعني طرقه أي طريقه الذي يحسنه لكم

وقيل تخطيه الحلال الى الحرام وقيل يعني آثاره 177 وقوله جل وعز ثمانية أزواج كل فرد يحتاج الى آخر عند العرب زوج 178 ثم قال تعالى من الضأن اثنين وهو جمع ضائن كما يقال راكب وركب 179 ثم قال جل وعز ومن المعز اثنين وهذا احتجاج عليهم أي ان كان حرم الذكور فكل ذكر حرام وان كان حرم الاناث فكل أنثى حرام واحتج عليهم بهذا لانهم أحلوا ما ولد حيا ذكرا للذكور وحرموه على الاناث ان كان انثى قال قتادة أمره الله جل وعز أن يقول لهم آلذكرين حرم أم الانثيين أم ما اشتملت عليه أرحام الانثيين ان كان ما اشتملت عليه أرحام الانثيين حراما فكل مولود منها حرام وكلها مولود فكلها اذا حرام وان كان التحريم من جهة الذكور من

الضأن والمعز فكل ذكر حرام عليكم وان كان من جهة الاناث فكل أنثى حرام عليكم وكانوا يحرمون الوصيلة وأخاها على الرجال والنساء 180 ثم قال جل وعز نبئوني بعلم ان كنتم صادقين أي ليس عندكم علم لانهم لا يؤمنون بكتاب 181 ثم قال جل وعز أم كنتم شهداء اذ وصاكم الله بهذا أي لستم تؤمنون بكتاب فهل شهدتم الله عز و جل حرم هذا 182 ثم بين ظلمهم فقال فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا

ثم بين أنه لا يحرم الله شيئا الا بوحي فقال قل لا أجد فيما أوحي الي محرما على طاعم يطعمه روي عن عائشة رحمة الله عليها على طاعم طعمه وعن أبي جعفر محمد بن علي طاعم يطعمه 184 ثم قال جل وعز الا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا قال قتادة المسفوح المصبوب فحرم ما كان مصبوبا خاصة فأما ما كان مختلطا باللحم فهو حلال 184 ثم قال جل وعز فانه رجس أو فسقا أهل لغير الله به أي ذبح لغير الله وذكر عليه غير اسم الله وسماه فسقا لانه خارج عن الدين

والمعنى أو دما مسفوحا أو لحم خنزير أو فسقا أهل لغير الله به فانه رجس والموقوذة والمتردية والنطيحة داخلة في هذه الآية عند قوم لانها أصناف الميتة فأما ما لم يدخل في هذه الآية عند قوم ففيه قولان أحدهما أنه روي عن عائشة وابن عباس أن الآية جامعة لجميع ما حرم من الحيوان خاصة وأنه ليس في الحيوان محرم الا ما ذكر فيها والقول الآخر أن هذه الآية محكمة جامعة للحيوان وغيره وثم أشياء قد حرمها الله سوى هذه وقد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه نهى عن لحوم الحمر الاهلية وعن

كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير فقيل هذا قول قوي في اللغة لان ما مبهمة فقوله جل وعز قل لا أجد فيما أوحي الي محرما يجب أن يكون عاما للحيوان وغيره والله أعلم بما أراد 185 ثم قال جل وعز فمن اضطر غير باغ ولا عاد أحسن ما قيل في الباغي الذي يأكل مضطرا لا متلذذا والعادي الذي يجاوز ما يقيم رمقه

186 - وقوله جل وعز وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر قال مجاهد وقتادة والضحاك كل ذي ظفر الابل والنعام قال قتادة وهو من الطير ما لم يكن مشقوق الظفر نحو البط وما أشبهه وهو عند أهل اللغة من الطير ما كان ذا مخلب ودخل في ذا ما يصطاد بظفره من الطير وجميع أنواع السباع والكلاب والسنانير 187 ثم قال جل وعز ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما الا ما حملت ظهورهما قال قتادة هي شحوم الثروب خاصة ومذهب ابن جريج أنه كل شحم لم يكن مختلطا بعظم ولا على عظم

وهذا أولى لعموم الآية وللحديث المسند قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا أثمانها الا ما حملت ظهورهما أي الا شحوم الجنب وما علق بالظهر فانها لم تحرم عليهم أو الحوايا قال مجاهد وقتادة الحوايا المباعر قال أبو عبيدة هي عندي ما تحوى من البطن أي استدار قال الكسائي واحدها حاوية وحوية

وحكى سيبويه حاوياء قيل المعنى حرمنا عليهم شحومها ثم استثنى فقال الا ما حملت ظهورهما ثم عطف على الاستثناء فقال أو الحوايا أو ما اختلط بعظم أي الا هذه الاشياء فانها حلال وقيل المعنى حرمنا عليهم شحومهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم الا ما حملت ظهورهما فيكون ما بعد الا استثناء على هذا القول داخلا في التحريم ويكون مثل قوله تعالى ولا تطع منهم آثما أو كفورا و أو ها هنا بخلاف معنى الواو أي لا تطع هذا الضرب وقال الكسائي الا ما حملت ظهورهما ما في موضع نصب على الاستثناء والحوايا في موضع رفع بمعنى وما حملت الحوايا فعطف الحوايا على الظهور 188 ثم قال جل وعز أو ما اختلط بعظم

قال فعطفه على المستثنى وهذا أحد قولي الفراء وهذا أصح هذه الاقوال والله أعلم 189 ثم قال جل وعز ذلك جزيناهم ببغيهم وانا لصادقون قال قتادة حرمت عليهم هذه الاشياء عقوبة لهم على بغيهم 190 وقوله جل وعز فان كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة قال مجاهد يعني اليهود 191 وقوله جل وعز سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء قال مجاهد يعني كفار قريش أي لو شاء الله ما حرمنا البحيرة ولا السائبة

وقال غيره فأنكر الله جل وعز عليهم هذا القول وقال كذلك كذب الذين من قبلهم لانه ليس لهم أن يحتجوا بأنه من كان على معصية قد شاء الله أن تكون فهو له عذر لانه لو كان هكذا لكان لمن خالفهم في دينهم عذر لأن الله لو شاء أن يهديه هداه 192 ثم قال جل وعز قل فلله الحجة البالغة أي بارساله الرسل واظهاره البينات 193 وقوله جل وعز قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا والاصل عند الخليل ها ضمت اليها لم ثم حذفت الالف لكثرة الاستعمال وقال غيره الاصل هل زيدت عليها لم

وقيل هي على لفظها تدل على معنى هات وأهل الحجاز يقولون للواحد والاثنين والجماعة هلم وأهل نجد يأتون بالعلامة كما تكون في سائر الافعال 194 وقوله حل وعز وهم بربهم يعدلون أي يجعلون له عدلا فيعبدون غيره جل وعز 195 وقوله عز و جل قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا قيل الذي تلاه عليهم قل لا أجد فيما أوحي الي محرما على طاعم يطعمه الى آخر الآية ويكون معنى أن تقولوا انما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا كذا هذا أن تقولوا

وبعض النحويين يقول المعنى لئلا تقولوا ولا يجوز عند البصريين حذف لا وقيل المعنى وصاكم أن لا تشركوا وقيل المعنى قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أنه بين ما حرم فقال ألا تشركوا به شيئا 197 ثم قال جل وعز وبالوالدين احسانا أي وأحسنوا بالوالدين احسانا قال ابن عباس الآيات المحكمات قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم الى آخر ثلاث آيات 197 وقوله جل وعز ولا تقتلوا أولادكم من املاق

قال قتادة الاملاق الفاقة وقال الضحاك كان أحدهم اذا ولدت له ابنة دفنها حية مخافة الفقر 198 وقوله جل وعز ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن قال قتادة يعني سرها وعلانيتها قال وكانوا يسرون الزنا بالحرة ويظهرونه بالامة قال مجاهد ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن التجارة فيه ولا تشتر منه شيئا ولا تستقرض 199 وقوله جل وعز وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه

وقرأ ابن أبي اسحاق ويعقوب وأن هذا صراطي مستقيما بتخفيف أن وتقرأ إن بكسر الهمزة فمن قرأ وأن هذا فهو عنده بمعنى واتل عليهم أن هذا ويجوز أن يكون المعنى ووصاكم بأن هذا ومن قرأ بتخفيف أن فيجوز أن يكون معناه على هذا ويجوز أن تكون أن زائدة للتوكيد كما قال جل وعز فلما أن جاء البشير ومن قرأ وان هذا قطعه مما قبله وروي عن عبد الله بن مسعود رحمه الله أنه خط خطا في الارض فقال هكذا الصراط المستقيم والسبل حواليه مع كل سبيل شيطان

قال مجاهد السبل البدع والشبهات 200 وقوله جل وعز ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن قال مجاهد المعنى على المؤمن المحسن وقال الحسن كان فيهم محسن وغير محسن وأنزل الكتاب تماما على الذي أحسن والدليل على صحة هذا القول أن ابن مسعود قرأ تماما على الذين أحسنوا وقيل المعنى تماما على الذي أحسن موسى من طاعة الله واتباع أمره

وقرأ ابن يعمر وابن أبي اسحاق على الذي أحسن والمعنى على الذي هو أحسن الاشياء فأما معنى ثم وهي تدل على أن الثاني بعد الاول وقصة موسى صلى الله عليه و سلم وايتائه الكتاب قبل هذا فان القول أنه اخبار من الله جل وعز والمعنى قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ثم اتل ما آتينا موسى 201 وقوله جل وعز أن تقولوا انما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا

أحسن ما قيل في هذا كراهة أن تقولوا قال أبو جعفر قد بينا ما قيل فيه قال قتادة يعني بالطائفتين اليهود والنصارى وقال يعني بالدراسة التلاوة 202 ثم قال جل وعز أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم اهدى منهم أفهم منهم لانهم يحفظون أشعارهم وأخبارهم وهم أميون 203 وقوله عز و جل فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها

قال قتادة في قوله وصدف عنها أي أعرض 204 وقوله جل وعز هل ينظرون الا أن تأتيهم الملائكة قال قتادة أي بالموت أو يأت ربك قال قتادة يعنى يوم القيامة وقال غيره المعنى اهلاك ربك إياهم 205 ثم قال جل وعز أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا روى وكيع عن ابن أبي ليلى عن عطية عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم في قول الله عز و جل يوم يأتي بعض آيات ربك قال طلوع الشمس من مغربها

لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا وروى ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو قال الآية التي لا ينفع نفسا ايمانها عندها اذا طلعت الشمس من مغربها مع القمر في وقت واحد 206 وقوله عز و جل ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء الشيع الفرق ومعنى شايعت في اللغة تابعت ومعنى وكانوا شيعا وكانوا فرقا كل فرقة يتبع بعضها بعضا الا أن الشيع كلها متفقة 208 ثم قال جل وعز لست منهم في شيء انما أمرهم الى الله

قيل هذا قبل الامر بالقتال وروى أبو غالب عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله تعالى فرقوا دينهم وكانوا شيعا قال هم الخوارج وقيل إن الآية تدل على أن من ابتدع من خارجي وغيره فليس النبي صلى الله عليه و سلم منهم في شيء لانهم اذا ابتدعوا تخاصموا وتفرقوا وكانوا شيعا 208 وقوله جل وعز من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها روى الاعمش عن أبي صالح قال الحسنة لا اله الا الله والسيئة الشرك

والمعنى ان ما كان عنده هو النهاية في المجازاة أعطى عشرة أمثاله 209 وقوله جل وعز قل انني هداني ربي الى صراط مستقيم الصراط الطريق والمعنى عرفني الدين الذي هو الحق 210 ثم قال جل وعز دينا قيما ملة ابراهيم حنيفا والقيم المستقيم ومن قرأ قيما فهو مصدر مثل الصغر والكبر 211 وقوله جل وعز قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين النسك جمع النسيكة وهي الذبيحة وأصل هذا من التقرب لله جل وعز ومنه قيل رجل ناسك

وانما قيل هذا لانهم كانوا يذبحون لغير الله جل وعز 213 وقوله جل وعز قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء معنى أبغي أريد وأطلب 213 وقوله جل وعز وهو الذي جعلكم خلائف الارض يعني أمة محمد صلى الله عليه و سلم وقيل لانهم آخر الامم فقد خلفوا من كان قبلهم وقيل لان بعضهم يخلف بعضا حتى تقوم الساعة عليهم والحديث يقوي هذاالقول

214 - ثم قال جل وعز ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم أي فضل بعضكم على بعض في الزرق ليبلوكم فيما آتاكم أي ليختبركم فيما أعطاكم فينظر كيف شكركم وقد علم ما يكون علم غيب وانما تقع المجازاة على الشهادة 215 قم قال جل وعز ان ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم فعقابه جل وعز وإن كان أكثره يوم القيامة فان كل آت قريب

وروي عن ابن عباس أنه قال نزلت سورة الانعام بمكة جملة واحدة الا ثلاث آيات منها فانهن انزلن بالمدينة وهو قوله جل وعز قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم الا تشركوا به شيئا الى آخر الآيات تم بعونه تعالى تفسير سورة الانعام 3

سورة الأعراف وهي مكية 1 قوله جل وعز آلمص آية 1
قال أبو جعفر قد بين معنى فواتح السور في أول سورة البقرة فمن قال معنى آلم أنا الله أعلم قال معنى آلمص أنا الله أفصل
وهذا قول ابن عباس وسعيد بن جبير 2 وقوله جل وعز كتاب أنزل إليك
المعنى هذا كتاب أنزل إليك 3 ثم قال جل وعز فلا يكن في صدرك حرج منه
قال مجاهد وقتادة الحرج الشك

والمعنى على هذا القول فلا تشكوا فيه لأن الخطاب للنبي خطاب لأمته
والحرج في اللغة الضيق فيجوز أن يكون سمي ضيق لأن الشاك لا يعرف حقيقة الشيء فصدره يضيق به
ويجوز أن يكون المعنى فلا يكن في صدرك ضيق من أن تبلغه لأنه روي عن النبي أنه قال
إني أخاف أن يثلغوا رأسي
وفي الكلام تقديم وتأخير المعنى كتاب أنزل إليك لتنذر به وذكرى للمؤمنين فلا يكن في صدرك حرج منه 4 وقوله عز و جل اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم آية 3
قيل هو القرآن والسنة لقوله جل وعز وما آتاكم

الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا 5 ثم قال جل وعز ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون آية 3
أي لا تتخذوا من عدل عن دين الحق وليا وكل من رضي مذهبا فأهل ذلك المذهب أولياؤه
وروي عن مالك بن دينار رحمه الله أنه قرأ ولا تبتغوا من دونه أولياء أي لا تطلبوا
6 - وقوله جل وعز وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون آية 4
المعنى فجاءهم العذاب على غفلة بالليل وهم نائمون أو نصف النهار وهم قائلون
ومعنى أو ههنا التصرف مرة كذا ومرة كذا وهي بمنزلة أو التي تكون للإباحة في الأمر

7 - وقوله جل وعز فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا آية 5
الدعوى ههنا بمنزلة الدعاء والدعوى تكون بمنزلة الإدعاء وتكون بمنزلة الدعاء وأجاز النحويون اللهم أشركنا في صالح دعوى من دعاك
والمعنى إنهم لم يحصلوا عند الهلاك إلا على الإقرار بأنهم كانوا ظالمين
8 - وقوله جل وعز فلنسألن الذين أرسل إليهم و لنسألن المرسلين آية 6
وهذا سؤال توبيخ وتقرير
فأما قوله تعالى فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان فمعناه أنه لا يسأل سؤال استعلام والله أعلم

9 - وقوله جل وعز والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون آية 8
قال عبيد بن عمير يؤتى يوم القيامة بالرجل العظيم الطويل الأكول الشروب فلا يزن جناح بعوضة
قال عمرو بن دينار إن الميزان له كفتان
10 - وقوله جل وعز ولقد مكناكم في الأرض آية 10
أي ملكناكم
وجعلنا لكم فيها معايش
أي ما تعيشون به
ويجوز أن يكون المعنى ما تتوصلون به إلى المعيشة

11 - وقوله جل وعز ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم آية 11
في هذه الآية أقوال
قال الأخفش وهو أحد قول قطرب ثم ههنا بمعنى الواو
وهذا القول خطأ على مذهب أهل النظر من النحويين ولا يجوز أن تكون ثم بمعنى الواو لاختلاف معنييهما
وقيل ثم للإخبار
وقيل ولقد خلقناكم يعني في ظهر آدم ثم صورناكم أي في الأرحام هذا صحيح عن ابن عباس
ولقد خلقناكم يعني ابن آدم وقد علم جل وعز أنه يخلق ذريته فهو بمنزلة ما خلق

وقال مجاهد رواه عنه ابن جريج وابن أبي نجيح معنى ولقد خلقناكم ثم صورناكم في ظهر آدم
قال أبو جعفر وهذا أحسن الأقوال يذهب مجاهد إلى أنه خلقهم في ظهر آدم ثم صورهم حين أخذ عليهم الميثاق ثم كان السجود لآدم بعد
ويقوي هذا وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم
والحديث أنه أخرجهم أمثال الذر فأخذ عليهم الميثاق
قال الزجاج المعنى خلقنا آدم من تراب ثم صورناه قال ويدل عليه خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون فالتقدير خلقنا أصلكم

وقيل المعنى خلقناكم نطفا ثم صورناكم
12 - ثم قال جل وعز فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين آية 11
قيل استثنى إبليس من الملائكة وليس منهم لأنه أمر بالسجود معهم قال جل وعز ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك
وقيل إنه كان منهم
قال أبو جعفر وقد استقصينا هذا في سورة البقرة
13 - وقوله جل وعز قال ما منعك ألا تسجد إذا أمرتك آية 12
هذا سؤال توبيخ وتقرير لأنه قد علم جل وعز ذلك
ولا زائدة للتوكيد كما قال

فما ألوم البيض أن لا تسخرا ... لما رأينا الشمط القفندرا ...
فجاء بجواب لغير ما سئل عنه فقال أنا خير منه ولم يقل منعني كذا و إنما هو جواب من قيل له أيكما خير ولكنه محمول على المعنى كأنه قال منعني فضلي عليه
14 - وقوله جل وعز قال أنظرني إلى يوم يبعثون آية 14
أي أخرني فلم يجب إلى هذا بعينه فأجيب إلى النظرة إلى يوم الوقت المعلوم
15 - وقوله جل وعز قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم آية 16

قيل معناه فبما أضللتني
وقيل معناه خيبتن
وقيل أي فبما دعوتني إلى شيء ضللت من أجله والله أعلم بالمراد
قال مجاهد معنى لأقعدن لهم صراطك المستقيم لأقعدن لهم على الحق
والصراط في اللغة الطريق والمعنى على صراطك ثم حذف على فتعدى الفعل
16 - وقوله عز و جل ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم آية 17
روى سفيان عن منصور عن الحكم بن عتيبة قال ح

من بين أيديهم من دنياهم ومن خلفهم من آخرتهم وعن أيمانهم يعني حسناتهم وعن شمائلهم يعني سيئاتهم
وهذا قول حسن وشرطه أن معنى ولآتينهم من بين أيديهم من دنياهم حتى يكذبوا بما فيها من الآيات وأخبار الأمم السالفة
6 - ومن خلفهم من آخرتهم حتى يكذبوا بها
وعن أيمانهم من حسناتهم وأمور دينهم
ويدل على هذا قوله تعالى إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين
و عن شمائلهم يعني سيئاتهم أي يتبعون الشهوات لأنه يزينها لهم
وقيل ثم لأتينهم من بين أيديهم من آخرتهم
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم
أما قوله تعالى من بين أيديهم فيقول أشككهم في

آخرتهم ومن خلفهم أرغبهم في دنياهم وعن أيمانهم أشبه عليهم أمر دينهم وعن شمائلهم أشهي لهم المعاصي و لا تجد أكثرهم شاكرين يقول موحدين
وبهذا الإسناد من بين أيديهم يعني من الدنيا ومن خلفهم من الآخرة وعن أيمانهم قبل حسناتهم وعن شمائلهم من قبل سيئاتهم
قال أبو جعفر وذلك القول لا يمتنع لأن الآخرة لم تأت بعد فهي بين أيدينا وهي تكون بعد موتنا فمن هذه الجهة يقال هي خلفنا
وقيل معنى ومن خلفهم يخوفهم على تركاتهم ومن يخلفون بعدهم

وقيل معنى وعن أيمانهم وعن شمائلهم من كل جهة يعملون منها ويكون تمثيلا لأن أكثر التصرف باليدين قال الله عز و جل ذلك بما قدمت يداك
وقال مجاهد من بين أيديهم وعن أيمانهم من الحسنات ومن خلفهم وعن شمائلهم من السيئات
17 - وقوله جل وعز قال اخرج منها مذءوما مدحورا آية 18
يقال ذأمته وذمته وذممته بمعنى واحد
وقرأ الأعمش منوما والمعنى واحد إلا أنه خفف الهمزة
وقال مجاهد المذؤم المنفي والمعنيان متقاربان
والمدحور المطرود المبعد يقال اللهم ادحر عنا الشيطان

18 - وقوله جل وعز ولا تقربا هذه الشجرة آية 19
روي عن ابن عباس أنها السنبلة
19 - وقوله جل وعز ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما آية 20
أي ليظهر لهما ما ستر عنهما من فروجهما ومن هذا تواريت من فلان
وقرأ الضحاك ويحيى بن أبي كثير ما أوري عنهما
20 - وقوله جل وعز إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين آية 20
وأكثر الناس على فتح اللام وقال من احتج بكسر اللام قوله جل وعز وملك لا يبلى يدل على القراءة ملكين لأن ملكا من ملك
وأنكر أبو عمرو بن العلاء كسر اللام وقال لم يكن قبل

آدم ملك فيصيرا ملكين
21 - ثم قال جل وعز وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين آية 21
أقسم لهما مثل طارقت النعل
وقيل حلفا أن لا يقبلا منه إلا أن يحلف فحلف لهما
22 - وقوله جل وعز فدلاهما بغرور آية 22
المعنى فدلاهما في المعصية
23 - ثم قال جل وعز فلما ذاقا الشجرة آية 22
وهذا يدل على أنهما لم يمعنا في الأكل

24 - وقوله جل وعز وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة آية 22
أي أخذ يلزقان ومنه خصفت النعل أي رقعتها
قال ابن عباس وهو ورق التين أخذاه فجعلاه على سوءاتهما
والفرق بين معصية آدم ومعصية إبليس أن إبليس أقام على الذنب وتاب آدم ورجع قال الله جل وعز قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين
25 - وقوله جل وعز يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم آية 26
قال مجاهد كان قوم من العرب يطوفون بالبيت عراة فأنزل الله عز و جل 8 يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا

قال مجاهد الريش المال
وقال الكسائي الريش اللباس
وقال أبو عبيدة الريش والرياش ما ظهر من اللباس والشارة
والريش عند أكثر أهل اللغة ما ستر من لباس أو معيشة
وأنشد سيبوية ... فريشي منكم وهواي معكم ... وإن كانت زيارتكم لماما ...
وحكى أبو حاتم عن أبي عبيدة وهبت له دابة بريشها أي بكسوتها وما عليها من اللباس
قال الفراء يكون الرياش جمعا للريش وبمعناه أيضا مثل

لبس ولباس
26 - ثم قال جل وعز ولباس التقوى ذلك خير آية 26
أي لباس التقوى خير من الثياب لأن الفاجر وإن لبس الثياب فهو دنس
وروى قاسم بن مالك عن عوف عن معبد الجهيني قال لباس التقوى الحياء
وقرأ الأعمش ولباس التقوى خير ولم يقرأ ذلك
27 - وقوله جل وعز إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم آية 27
قبيله جنوده
قال مجاهد يعني الجن والشياطين

28 - وقوله جل وعز وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا آية 28
قال مجاهد كانت النساء تطوف بالبيت عراة عليهن الرهاط
وقال الرهاط جمع رهط خرقة من صوف أو سيور كذا قال الفراء
فهذه الفاحشة الذي قالوا وجدنا عليها آباءنا
وقال غيره كان الرجال يطوفون نهارا عراة والنساء بالليل ويقولون لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها
29 - وقوله جل وعز قل أمر ربي بالقسط آية 29
أي بالعدل وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد

قال مجاهد أي استقبلوا القبلة أينما كنتم ولو كنتم في كنيسة
وقال غيره معناه إذا أدركتكم الصلاة في مسجد فصلوا ولا يقل أحدكم لا أصلي إلا في مسجدي
30 - ثم قال جل وعز كما بدأكم تعودون آية 299 ح
قال مجاهد من بدىء سعيدا عاد سعيدا ومن بدىء شقيا عاد شقيا
وقال محمد بن كعب يختم للمرء بما بدىء به ألا ترى أن السحرة كانوا كفارا ثم ختم لهم بالسعادة وأن إبليس كان مع الملائكة مؤمنا ثم عاد إلى ما بدىء به
31 - وقوله جل وعز يا بني آدم خذوا زينتكم عن كل مسجد آية 31

قال عطاء وطاووس والضحاك يعني اللباس لأن قوما من العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة وهو مذهب مجاهد
وروى شعبة عن سلمة بن كهيل قال سمعت مسلم البطين يحدث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة فنزلت خذوا زينتكم عند كل مسجد
قال الزهري كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحمس قريشا وأحلافها فقال الله جل وعز خذوا زينتكم عند كل مسجد
32 - ثم قال جل وعز موبخا لهم قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق آية 32 هو عام

وقيل أي من حرم لبس الثياب في الطواف ومن حرم ما حرموا من البحيرة وغيرها
قال الفراء إن قبائل من العرب كانوا لا يأكلون اللحم أيام حجهم ويطوفون عراة فأنزل الله جل وعز هذا
33 - ثم قال جل وعز قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة آية 32
قال الضحاك يشترك فيها المسلمون والمشركون في الدنيا وتخلص للمسلمين يوم القيامة
وقيل في الحياة الدنيا في الصلة أي آمنوا في ذا الوقت خالصة من الغم والتنغيص
34 - وقوله جل وعز قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن آية 33
روى روح بن عبادة عن زكريا بن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ما ظهر منها نكاح الأمهات في

الجاهلية وما بطن الزنا
وقال قتادة سرها وعلانيتها
35 - ثم قال جل وعز والإثم آية 33
وقال في موضع آخر يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير فدل بهاتين الآيتين على أن الخمر والميسر حرام
36 - وقوله جل وعز ولكل أمة أجل آية 34 أي وقت مؤقت

فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة
المعنى لا يستأخرون ساعة ولا أقل من ساعة إلا أن الساعة خصت بالذكر لأنها أقل أسماء الأوقات
37 - وقوله عز و جل فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته آية 37
المعنى أي ظلم أشنع من الافتراء على الله والتكذيب بآياته
38 - ثم قال جل وعز أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب آية 37
روى جابر عن مجاهد عن ابن عباس قال ما قدر لهم من خير وشر
وروى شريك عن سالم عن سعيد بن جبير أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب قال من الشقوة والسعادة
وروى سفيان عن منصور عن مجاهد قال ما وعدوا فيه من خير وشر
ومعنى هذا القول أنهم ينالهم نصيبهم من العذاب على قدر

كفرهم نحو قوله إن الله لا يغفر أن يشرك به
و إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار
وقال جل وعز يسلكه عذابا صعدا
وكذلك قال الضحاك معناه ينالهم نصيبهم من العذاب
39 - ثم قال جل وعز حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم آية 37
قيل أعوان ملك الموت لما جاءوهم أقروا أنهم كانوا كافرين
وقيل ملائكة العذاب
ومعنى يتوفونهم على هذا يتوفونهم عذابا كما تقول قتلته بالعذاب

ويجوز أن يكون من استيفاء العدد
40 - وقوله جل وعز قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم آية 38
قيل معنى في معنى مع وهذا لا يمتنع لأن قولك زيد في القوم معناه مع القوم وتجوز أن تكون في على بابها
وقال الأصمعي في قول امرىء القيس
... وهل ينعمن من كان آخر عهده ... ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال ...
معنى في معنى مع
41 - وقوله جل وعز حتى إذا اداركوا فيها آية 38

أي تتابعوا واجتعوا
قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا
المعنى قالت أخراهم يا ربنا هؤلاء أضلون لأولاهم أي يعني أولاهم
42 - وقوله جل وعز قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون آية 38
يجوز أن يكون المعنى ولكن لا تعلمون يا أهل الدنيا مقدار ما هم فيه من العذاب
ويجوز أن يكون المعنى لا تعلمون أيها المخاطبون
ومن قرأ ولكن لا يعلمون فمعناه عنده ولكن لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر
43 - وقوله جل وعز وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل آية 39
قال مجاهد أي من تخفيف العذاب

وقال السدي قد ضللتم كما ضللنا
44 - وقوله جل وعز لا تفتح لهم أبواب السماء آية 40
قيل يعني ابواب الجنة لأن الجنة في السماء
وأحسن ما قيل في هذا ما رواه سفيان عن منصور عن مجاهد قال لا تفتح أبواب السماء لكلامهم ولا لعملهم ويدل على صحة هذا القول قوله جل وعز إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه
وفي هذا حديث مسند رواه المنهال عن زاذان عن البراء عن النبي إن العبد الكافر أو المنافق إذا خرجت نفسه أخذتها الملائكة حتى تنتهي إلى سماء الدنيا يفوح منها كأنتن ريح جيفة كانت على وجه الأرض فيستفتح له فلا يفتح ثم تلا رسول الله لا تفتح لهم أبواب السماء فيقول الله اجعلوا كتابه في سجين

وأعيدوه إلى الأرض فتطرح طرحا ثم قرأ عليه السلام ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء
45 - ثم قال جل وعز ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط آية 40
والمعنى لا يدخلون الجنة ألبتة والعرب تستعمل أمثال هذا كثيرا
وسئل عبد الله بن مسعود عن الجمل فقال هو زوج الناقة
كأنه استجهل من سأله عما يعرفه الناس جميعا
ويروى عن ابن عباس أنه قرأ حتى يلج الجمل بضم الجيم وتشديد الميم وقال هو القلس من حبال السفن

وقال أحمد بن يحيى هي الحبال المجموعة جمع جملة
ي وروى عن سعيد بن جبير أنه قرا حتى يلج الجمل بضم الجيم وتخفيف الميم
قيل هو القلس أيضا
والسم و السم ثقب الإبرة وقرا ابن سيرين بضم السين
والخياط والمخيط الإبرة ونظيره قناع ومقنع
46 - ثم قال جل وعز وكذلك نجزي المجرمين آية 40
يعني الكافرين لأنه قد تقدم ذكرهم
47 - ثم قال جل وعز لهم من جهنم مهاد آية 41
أي فراش
ومن فوقهم غواش أي غاشية فوق غاشية من العذاب

وكذلك نجزي الظالمين قيل يعني الكفار والله أعلم
48 - وقوله جل وعز ونزعنا ما في صدورهم من غل آية 43
الغل في اللغة الحقد المعنى إن بعضهم لا يحقد على بعض بما كان بينه وبينه في الدنيا
ويجوز أن يكون المعنى أنه لا يحسد بعضهم على علو المرتبة
ويدل على أن القول هو الأول أنه روي عن علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أنه قال أرجو أن ألون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله فيهم ونزعنا ما في صدورهم من غل
49 - وقوله جل وعز وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا آية 43
أي لما صيرنا إلى هذا
50 - وقوله جل وعز ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون آية 43

ويجوز أن يكون المعنى بأنه تلكم الجنة
ويجوز أن تكون أن مفسرة للنداء
والبصريون يعتبرونها بأي والكوفيون يعتبرونها بالقول والمعنى واحد كأنه ونودوا قيل لهم تلكم الجنة أي هذه تلكم الجنة التي وعدتموها في الدنيا
ويجوز ان يكون لما راوها قيل لهم قبل أن يدخلوها تلكم الجنة
والقول في معنى أن قد وجدنا و أن لعنة الله على الظالمين على ما قلنا في أن تلكم الجنة
51 - وقوله جل وعز يعرفون كلا بسيماهم آية 46
قال قتادة يعرف أهل الجنة ببياض وجوههم وأهل النار

بسواد وجوههم
52 - ثم قال جل وعز لم يدخلوها وهم يطعمون آية 46
قال أكثر أهل التفسير يعني أصحاب الأعراف
53 - وقوله جل وعز ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم آية 48
قال حذيفة أصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فهم بين الجنة والنار ثم إن الله اطلع عليهم فرحمهم فقالوا ادخلوا الجنة لا خوف عليكم و لا أنتم تحزنون
وروى عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس أنه قال الأعراف الشيء المشرف
وروى مجاهد عن ابن عباس أنه قال الأعراف سور له عرف كعرف الديك

والأعراف في اللغة المكان المشرف جمع عرف
وقال أبو مجلز هم من الملائكة
قال والذين صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار أهل الجنة
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار الصوفي قال حدثنا داود الضبي قال حدثنا مسلم بن خالد قال عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في أصحاب الأعراف قال هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم وهم على سور بين الجنة والنار وهم على طمع في دخول الجنة وهم داخلون
وقيل إن أصحاب الأعراف ملائكة بين الجنة والنار
قال أبو جعفر والقول الأول أشهر وأعرف

قال ابن عباس فقال الله جل وعز لهم ادخلوا الجنة لا خوف عليكم و لاأنتم تحزنون
قال عبد الله بن الحارث وهم يدعون مساكين أهل الجنة
54 - وقوله جل وعز فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا آية
قال مجاهد أي نتركهم في النار كما تركوا لقاء يومهم هذا
والمعنى فاليوم نتركهم في العذاب كما تركوا العمل لقاء يومهم هذا
وما كانوا بآياتنا يجحدون أي بجحودهم لآياتنا
54 - وقوله جل وعز هل ينظرون إلا تأويله آية 53
قال مجاهد أي جزاءه

وقال قتادة أي عاقبتة
وهذا قول حسن ومعناه ما وعدوا فيه أنه كائن
55 - ثم قال جل وعز يوم يأتي تأويله آية 53
يعني يوم القيامة
يقول الذين نسوه من قبل
قال مجاهد أي أعرضوا عنه
56 - وقوله جل وعز إن ربكم الله الذي خلق السموات ولأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار آية 54
المعنى يغشي الليل النهار ويغشي النهار الليل ثم حذف لعلم السامع
أي يدخل هذا في هذا وهذا في هذا
57 - وقوله جل وعز ألا له الخلق والأمر آية 54
ففرق بين الشيء المخلوق وين والأمر وهو كلامه فدل على

أن كلامه غير مخلوق وهو قوله كن
وقيل هو مثل قوله جل ثناؤه فيهما فاكهة ونخل ورمان
وقيل المعنى وتصرف الأمر ثم حذف
58 - وقوله جل وعز ادعوا ربكم تضرعا آية 55
أي مستكينين متعبدين وخفية أي وأخفوا العبادة لأن الدعاء عبادة
59 - ثم قال تعالى إنه لايحب المعتدين آية 55
قال قتادة فدل هذا على أن من الدعاء ما فيه اعتداء أي فلا تعتدوا في الدعاء

60 - وقوله جل وعز وادعوه خوفا وطمعا آية 56
والمعنى خوفا منه ورجاء لما عنده
61 - وقوله تعالى وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته آية 57
نشر جمع نشور يقال ريح نشور إذا أتت من ههنا وههنا وقيل نشر مصدر
ومن قرأ نشرا بضم النون وإسكان الشين فإلى هذا المعنى يذهب عند البصريين
وأما الفراء فزعم أنها لغة بمعنى النشر كما يقال خسف وخسف
ومن قرا نشرا فإنه يذهب إلى أن المعنى تنشر نشرا
ومن قرا بشرا فهو جمع بشير عنده مخففة وقد تكون جمع بشرة وقد يكون مصدرا مثل العمر وتقرا بشرا وبشرا

مصدر بشره يبشره بمعنى بشره
ومعنى بين يدي رحمته بين يدي المطر الذي هو من رحمته تعالى
62 - ثم قال جل وعز حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء آية 57
حتى إذا أقلت سحابا ثقالا أي حتى إذا حملت الريح سحابا ثقالا بالماء سقناه يعني السحاب لبلد ميت فأنزلنا به الماء
يجوز ان يكون المعنى فأنزلنا بالبلد الماء
ويجوز أن يكون المعنى فأنزلنا بالسحاب الماء فأخرجنا به من كل الثمرات أي بالماء ويجوز أن يكون المعنى بالبلد بالبلد
63 - وقوله تعالى كذلك نخرج الموتى آية 57
قال مجاهد يبعث الله مطرا فيمطر فينبت الناس كما ينبت الزرع

64 - ثم قال جل وعز لعلكم تذكرون آية 57
أي لتكونوا على رجاء من الاتعاظ بما تذكرون وتخبرون به
65 - وقوله جل وعز والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا آية 58
النكد في اللغة النزر القليل وهذا تمثيل
قال مجاهد يعني إن في بني آدم الطيب والخبيث
66 - وقوله جل وعز قال الملأ آية 608
الرؤساء والأشراف أي المليئون بما يفوض إليهم

67 - وقوله جل وعز إنهم كانوا قوما عمين آية 64
قال قتادة أي عن الحق
68 - وقوله جل وعز قال المل الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة آية 66
السفاهة رقة الحلم والطيش يقال ثوب سفيه إذا كان خفيفا
69 - ثم قال جل وعز جوابا لهم قال يا قوم ليس بي سفاهة آية 67
وهذا أدب في الاحتمال
70 - وقوله جل وعز وإلى ثمود أخاهم صالحا آية 73
قيل إنما قال جل وعز أخاهم لأنه بشرا مثلهم من بنى آدم يفهمون عنه فهو أوكد عليهم في الحجة

وقيل إنما قال 6 أخاهم لأنه من عشيرتهم
71 - وقوله جل وعز قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية 6 آية 73
يروى انها خرجت من صخرة صماء
72 - وقوله جل وعز وبوأكم في الأرض آية 74
أي أنزلكم وقال الشاعر ... وبوئت في صميم معشرها ... فنم في قومها مبوؤها ...
وقيل إنما كانوا ينحتون من الجبال بيوتا لطول أعمارهم لأن السقف والحيطان كانت تنهدم قبل فناء أعمارهم

73 - ثم قال جل وعز فاذكروا آلاء الله آية 74
قال قتادة الآلاء النعم
وحكى ابو عبيدة واحدها ألى و إلى
وزاد غيره إلي
74 - وقوله جل وعز وعتوا ن أمر ربهم 0 آية 77 أي تجاوزا في الكفر
75 - وقوله جل وعز فأخذتهم الرجفة آية 78
الرجفة في اللغة الزلزلة الشديدة
76 - ثم قال تعالى فأصبحوا في دارهم جاثمين آية 78 أي ساقطين على ركبهم ووجوهم
وأصل الجثوم للأرانب وما أشبهها والموضع مجثم قال الشاعر

بها العين والآرام يمشين خلفة ... وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم ...
وروى معمر عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله انه قال لما مر النبي بالحجر قال لا تسألوا الآيات فقد سالها قوم صالح فكانت ترد من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم فعقروها فأخذتهم الصيحة فأهمد الله من تحت السماء منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه
77 - وقوله جل وعز ولوطا إذ قال لقومه اتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين آية 80
دل بهذا على انه لم يتقدمهم أحد في اللواط ومعنى إنهم

أناس يتطهرون أي يتطهرون عن الفاحشة
78 - وقوله جل وعز فانجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين آية 83
قال قتادة الباقين
والغابر عند أهل اللغة من الأضداد يقال لما بقي غابر ولما ذهب وغاب غابر
وقد قيل في الآية إن معناها من الغابرين عن النجاة
قيل من الباقين مع قوم لوط في الموضع الذي عذبوا فيه
و أبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى من المعمرين أي أنها قد هرمت
وقال حذيفه رفع جبريل مدينتهم ثم قلبها فسمعت

امرأته الوجبة فالتفتت فأهلكت معهم
والأكثر في اللغة أن يكون الغابر الباقي قال الراجز ... فما ونى محمد مذ أن غفر ... له الإله ما مضى وما غبر ...
أي وما بقي
79 - وقوله جل وعز ولا تبخسوا الناس أشياءهم آية 85
البخس النقصان
80 - ثم قال تعالى و لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها آية 85 أي بعد أن أصلحها الله بالأمر بالعدل وإرسال الرسل
81 - وقوله جل وعز ولا تقعدوا بكل صراط توعدون آية 86

قال قتادة أي توعدون من أتى شعيبا وغشية وأراد الإسلام بالأذى
ويقال وعدته خيرا أو شرا فإذا قلت وعدته لم يكن إلا للخير وإذا قلت أوعدته لم يكن إلا للشر
82 - ثم قال جل وعز وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبعونها عوجا آية 86
قال قتادة أي وتبغون السبيل عوجا عن الحق
والسبيل الطريق و المذهب
83 - ثم قال جل وعز واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم آية 86
1 - يجوز أن يكونوا قليلي العدد 2 ويجوز أن يكونوا فقراء فكثرهم بالغنى 3 ويجوز أن يكونوا غير ذوي مقدرة

والله أعلم بما أراد إلا أنه ذكرهم نعمة من نعم الله جل وعز كما قال تعالى فاذكروا آلاء الله
84 - وقوله جل وعز قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا آية 88
يقال كيف قالوا هذا لشعيب وهو نبي فعلى هذا جوابان
أحدهما أن يكون معنى لتعودن لتصيرن كما تقول عاد علي من فلان مكروه
والجواب الاخر أنهم لما خلطوا معه من آمن منهم جاز أن يقولوا أو لتعودن في ملتنا يعنون من آمن
قال أولو كنا كارهين أي أنعود في ملتكم ولو كنا

كارهين وقوله وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا على التسليم لله كما قال تعالى وما توفيقي إلا بالله
والدليل على هذا أن بعده وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق قال قتادة إي اقض بيننا وبين قومنا بالحق
وروى إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله تعالى افتح بيني وبينهم فتحا قال معناه النصر
85 - وقوله جل وعز كأن لم يغنوا فيها آية 92
قال قتادة أي كأن لم يعيشوا ولم يتنعموا
قال الأصمعي يقال غنينا بمكان كذا أي أقمنا فيه والمنازل يقال لها المغاني

ومعنى فكيف آسى فكيف أحزن والأسى اشد الحزن
86 - وقوله جل وعز وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء آية 94
قال مرة عن ابن مسعود الباساء الفقر والضراء المرض
وقيل البأساء المصائب في المال يقال بئس الرجل يبأس بأسا وبأساء إذا افتقر
والضراء ما لحق من الأمراض والمصائب في البدن
لعلهم يضرعون أي يخضعون ويستكينون
87 - وقوله تعالى ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة آية 95
قال مجاهد السيئة الشر والحسنة الرخاء والولد
88 - ثم قال جل وعز حتى عفوا آية 95
قال مجاهد أي كثرت أموالهم وأولادهم

وذلك معروف في اللغة ومنه الحديث عن النبي أنه قال أعفوا اللحى أي كثروها
89 - ثم خبر جل وعز عنهم أنهم لم يعتبروا بما أصابهم وقالوا إن العادة في الزمان الخير والشر فقال تعالى وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة آية 95
أي فجأة
90 - وقوله جل وعز ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا آية 96
يقال للمدينة قرية لاجتماع الناس فيها من قريت الماء إذا جمعته
والبركات التي تأتي من السماء المطر والتي تأتي من الأرض النبات

91 - وقوله جل وعز أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون آية 97
أي أفأمن من كذب محمدا أن يأتيهم باسنا بياتا أي ليلا
92 - وقوله جل وعز أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون آية 98
ومعنى وهم يلعبون أي وهم فيما لا يجدي عليهم
يقال لكل من كان فيما يضره ولا يجدي عليه لاعب
93 - ثم قال جل وعز أفأمنوا مكر الله آية 99
أي عذابه إذا وقع بهم ولم يعلموا أنه واقع بهم
94 - وقوله جل وعز أولم يهد للذين يرثون الأرض آية 100
قال مجاهد أي أو لم يبين ومعنى يهد بالياء يتضح ويبين

95 - وقوله جل وعز فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل آية 101
قال مجاهد هذا مثل قوله تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه
وقال غيره هذا مخصوص به أقوام بأعيانهم خبر الله جل وعلا أنهم لا يؤمنون
وأما قول من قال معنى فما كانوا ليؤمنوا ليحكم لهم بالإيمان فلا يصح في اللغة ويدل على بطلانه أن بعده كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين فدل بهذا على أنه قد طبع على قلوبهم هذا قول أبي إسحاق جزاء بما عملوا
96 - وقوله جل وعز وما وجدنا لأكثرهم من عهد آية 102
من زائدة وهي تدل على معنى الجنس ولولا من

لجاز أن يتوهم أنه واحد في المعنى
قال أبو عبيدة المعنى وما وجدنا لأكثرهم حفظا ولا وفاء
97 - وقوله جل وعز فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين آية 103
اصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه فلما كفروا بها جعلوا موضع ما يجب من الإيمان الكفر فقيل ظلموا بها بمعنى كفروا بها
98 - وقوله جل وعز حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق آية 105
قال أبو عبيدة أي حريص
قال أبو عمرو بن العلاء رحمه الله وهي قراءة عبد الله حقيق أن لا أقول وهذا يدل على التخفيف لأن حروف الجر

تحذف مع أن
وقال الكسائي هي في قراءة عبد الله حقيق بأن لا أقول على الله إلا الحق
قال الفراء معنى على أن لا و بأن لا واحد كما يقال جاء فلان على حال حسنة وبحال حسنة
ومن قرأ حقيق علي أن لا أقول على الله إلا الحق فإن معناه عنده واجب علي
99 - وقوله جل وعز فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين آية 107
الثعبان الحية الذكر ومعنى ونزع يده أظهرها
قال مجاهد أخرجها من جيبه بيضاء من غير برص
ويروى أن موسى كان آدم اللون فلما أخرج يده بيضاء كان ذلك آية

100 - وقوله جل وعز قال الملأ من قوم فرعون آية 109
الملأ عند أكثر أهل اللغة الأشراف وفي الحديث عن النبي إن الله عز و جل قال يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى
وقال بعض أهل اللغة الملأ الرهط والنفر الرجال الذين لا نساء معهم
101 - وقوله جل وعز قالوا أرجئه وأخاه آية 111
قال قتادة أي احبسه
والمعروف عند أهل اللغة أن يقال ارجأت الأمر إذا أخرته

ومن قرأ أرجه وأخاه ففي قراءته قولان
أصحهما أنها لغة وإن كانت ليست مشهورة
والقول الآخر حكي عن أبي العباس قال هو من رجا يرجو أي اتركه يرجو
102 - وقوله جل وعز واسترهبوهم آية 116
أي استدعوا منهم الرهبة
103 - وقوله جل وعز فإذا هي تلقف ما يأفكون آية 117
ومعنى تلقف تلتهم
قال أبو حاتم وبلغني في بعض القراءات تلقم بالميم والتشديد
وقال خارجة قرأ الحسن تلقم بفتح القاف

قال مجاهد معنى ما يأفكون ما يكذبون أي به وكذبهم أنهم يجعلون الحبال حيات
ويجوز أن يكون فماذا تأمرون جوابا من فرعون للملأ حين قالوا إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من ارضكم فقال فرعون فماذا تأمرون
ويجوز ان يكون الملأ قالواهذا لفرعون ومن يخصه
قال مجاهد معنى فوقع الحق فظهر
ومعنى أفرغ علينا صبرا أنزل علينا صبرا يشملنا
104 - وقوله جل وعز وذرك وآلهتك آية 127
وقرأ ابن عباس إلاهتك وقال معناه وعبادتك

لأن فرعون كان يعبد ولا يعبد
وقال من احتج لهذه القراءة الدليل على أنه كان يعبد ولا يعبد أنه قال ما علمت لكم من إله غيري
ومن قرأ وآلهتك فإنه يذهب إلى جهتين
إحداهما أنه يعني بالآلهة ههنا من كان يطيعه فرعون كما قيل في قول الله تعالى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله أنهم ماعبدوهم ولكن أطاعوهم فصار تمثيلا
والجهة الأخرى أن سليمان التيمي قال بلغني أن فرعون كان يعبد البقر
قال التيمي فقلت للحسن هل كان فرعون يعبد شئيا فقال نعم إن كان ليعبد شيئا قد جعله الله في عنقه

وقال إسماعيل قول فرعون أنا ربكم الأعلى يدل على أنهم كانوا يعبدون شيئا غيره
وقد يكون معنى وآلهتك أنها آلهة يأمرهم بعبادتها
105 - وقوله جل وعز قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا آية 129
قال مجاهد أي من قبل أن ترسل إلينا
وقال غيره الأذى الذي لحقهم من قبل أن يرسل إليهم قتل أبنائهم والأذى الذي لحقهم بعد أن فرعون قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم
106 - وقوله جل وعز ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين آية 130
قال مجاهد أي بالجوائح

وهذا معروف في اللغة أن يقال أصابتهم سنة أي جدب وتقديره سنة جدب ثم حذف
107 - ثم قال جل وعز ونقص من الثمرات آية 130
قال مجاهد أي دون ذلك
108 - ثم قال جل وعز لعلهم يذكرون آية 130
أي يعتبرون بما أصابهم
109 - ثم قال جل وعز فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه آية 131
قال مجاهد الحسنة ههنا العافية والرخاء لنا هذه أي بحق أصابتنا
وقال غير مجاهد أي كذا العادة أن يصيبنا الخير

110 - ثم قال جل وعز وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه آية 131
قال مجاهد السيئة ههنا البلاء ومعنى يطيروا يتشاءموا
111 - ثم قال جل وعز ألا إنما طائرهم عند الله آية 131
قال مجاهد ألا إنما طائرهم عند الله أي إنما الشؤم فيما يلحقهم يوم القيامة مما وعدوا به من الشر
112 - ثم قال جل وعز ولكن أكثرهم لا يعلمون آية 131
أي هم غافلون عن هذا
113 - وقوله جل وعز فأرسلنا عليهم الطوفان آية 133

قال عطاء الطوفان الموت
وقال مجاهد هو الموت على كل حال
وقال قتادة سال عليهم الماء حتى قاموا قياما فسألوا موسى أن يدعو الله أن يكشفه ففعل
وقال الضحاك جاءهم من المطر شيئ كثير فسألوا موسى أن يدعو الله أن يكشفه عنهم ويرسلوا معه بني إسرائيل فدعا الله فكشفه عنهم وأمرعت البلاد وأخصبت فعادوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل فصب الله على زرعهم الجراد فأكله فسألوا موسى فدعا الله فكشف ذلك عنهم ثم عادوا
قال أبو جعفر الطوفان في اللغة ما كان مهلكا من موت أو سيل أي ما يطيف بهم فيهلكهم
قال مجاهد أرسل الله عليهم الجراد فأكل مساومير

أرتجتهم وثيابهم وأرسل عليهم القمل وهو الدبى فكان يدخل في ثيابهم وفرشهم
وقال عكرمة القمل الجنادب بنات الجراد
وقال حبيب بن أبي ثابت القمل الجعلان
والقمل عند أهل اللغة ضرب من القردان
قال أبو الحسن الأعرابي العدوي القمل دواب صغار من جنس القردان إلا أنها أصغر منه واحدتها قملة
وليس هذا بناقض لما قاله أهل التفسير لأنه يجوز ان تكون هذه الأشياء كلها أرسلت عليهم وهي كلها تجتمع في أنها تؤذيهم
قال مجاهد كانوا يجدون الدم في ثيابهم وشرابهم وطعامهم

ومعنى آيات مفصلات بعضها منفصل عن بعض بين كل واحدة منهم مدة
يروى أنه بين الآية والآية ثمانية أيام
114 - وقوله جل وعز ولما وقع عليهم الرجز آية 134
وقرأ سعيد بن جبير ومجاهد الرجز
قال مجاهد وهو العذاب
قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك ح
قال أبو عبيدة بما أوصاك وأعلمك
لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل يروى أنهم كدوهم في العمل

قال مجاهد إلى أجل هم بالغوه إلى عدة مسماة من أيامهم فأغرقناهم في اليم وهو البحر
115 - وقوله جل وعز وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها آية 137
القوم ههنا بنوإسرائيل وكان فيهم داود و سليمان عليهما السلام
قال قتادة التي بورك فيها الشام
وقيل مصر
116 - ثم قال عز و جل وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا آية 137
قيل يعني بالكلمة عسى ربكم أن يهلك عدوكم

ويستخلفكم في الأرض
قال مجاهد في قوله جل وعز وما كانوا يعرشون آية 137 قال يبنون البيوت والمساكن
ومعنى يعكفون يواظبون ويلازمون ومنه قيل اعتكف فلان
ومعنى متبر مهلك ومدمر ويقال تبرت الشيء إذا كسرته واسم ما انكسر منه التبر
117 - وقوله جل وعز قال أغير الله أبغيكم إلها آية 140
معنى أبغي أطلب ومعنى يسومونكم يولونكم
118 - وقوله جل وعز وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم آية 141
يجوز أن يكون المعنى وفي إنجائه بني إسرائيل نعمة
ويجوز أن يكون المعنى في سومكم بني إسرائيل سوء العذاب بلية عظيمة

119 - وقوله جل وعز وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر آية 142
قال مجاهد الثلاثون ذو القعدة والعشر عشر من ذي الحجة
والفائدة في قوله فتم ميقات ربه اربعين ليلة أنه قد دل على أن العشر ليال وأنها ليست بساعات
وقيل هو توكيد
وقيل هو بمنزلة فذلك أي فليس بعدها شيء يذكر
120 - وقوله جل وعز ولما جاء موسى لميقاتنا آية 143
أي للميقات الذي وقتناه له
6 - وكلمة ربه أي خصه بذلك

121 - وقوله جل وعز فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا آية 143
قال قتادة دك بعضه بعضا
وقال عكرمة إنما هو جعله دكاء من الدكاوات والتقدير على هذه القراءة جعله أرضا دكاء وهي الناتئة لا تبلغ أن تكون جبلا
قال عكرمة لما نظر الله جل وعز إلى الجبل صار صحراء ترابا
122 - ثم قال جل وعز وخر موسى صعقا آية 143
قيل ميتا
وقال سعيد بن عروبة عن قتادة مغشيا عليه فلما افاق قال سبحانك إني تبت إليك
قال مجاهد أي تبت من أن أسألك الرؤيا وأنا أول المؤمنين أي أول من آمن أنه لا يراك أحد في الدنيا إلا مات

لأن سؤاله كان في الدنيا
قال قتادة لما أخذ الألواح فراى فيها وصف أمة محمد وتقريظهم فقال يا رب اجعلهم أمتي فقال تلك أمة أحمد فقال فاجعلني منهم قال إنك لن تدركهم وقال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فرضي موسى
123 - وقوله جل وعز وكتبنا له في الألواح من كل شيء آية 145
قال سفيان أي من الحلال والحرام
124 - ثم قال تعالى موعظة وتفصيلا لكل شيء آية 145
قال سعيد بن جبير أي تفصيلا لما أمروا به ونهوا عنه
125 - ثم قال جل وعز فخذها بقوة آية 145

أي بقوة في دينك وحجتك وقيل بجد وعزم
126 - ثم قال جل وعز وأمر قومك يأخذوا بأحسنها آية 145 وكلها حسنة
فقيل المعنى أنهم أمروا أن يأخذزا بما هو أحسن مما هو مطلق لهم وإن لن آتانا جعيعاء مطلقين نحو قوله تعالى ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل فهذا مباح والعفو أحسن
وقيل بأحسنها بالأحسن منها
وقيل أمروا بشيء وخبروا بما لهم فيه ونهوا عن شيء وخبروا بما عليهم فيه فقيل لهم خذوا بأحسنها
وقيل بالناسخ
127 - ثم قال تعالى سأريكم دار الفاسقين آية 145
قال الحسن يعني جهنم

وقال مجاهد يعني مصيرهم في الآخرة
وقرأ قسامة بن زهير سأورثكم دار الفاسقين
128 - وقوله جل وعز سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق آية 146
قال سفيان بن عيينة أي أمنعهم من كتابي
قال أبو إسحاق المعنى سأجعل جزاءهم على كفرهم الإضلال عن هداية آياتي

وقل سأصرفهم عن نفعها
وقيل عن عزها
ومعنى يتكبرون يحقرون الناس ويرون أن لهم فضلا عليهم ويتكبرون عن الإيمان واتباع النبي
129 - وقوله جل وعز وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا آية 146
ويقرأ سبيل الرشد
وقرأ عبد الرحمن المقرىء سبيل الرشاد
قال أبو عمرو بن العلاء الرشد الصلاح والرشد

في الدين
قال غيره الغي الضلال
130 - وقوله جل وعز ذلك بانهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين آية 146
ويجوز أن يكونوا في تركهم الإيمان وتدبر الحق بمنزلة الغافلين
ويجوز أن يكون غافلين عما يجازون به كما يقال ما أغفل فلانا عما يراد به
131 - وقوله جل وعز واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار آية 148
أي من بعد ما جاء للميقات
من حليهم يقال لما حسن من الذهب والفضة حلي والجمع حلي وحلي عجلا جسدا أي عجلا

جثة أي لا يعقل ولا يميز
وقيل لم يكن له رأس إنما كان جسدا فقط له خوار أي صوت
قال مجاهد جمع الحلي فأخذ قبضة من أثر فرس جبريل فرماها عليه
132 - وقوله جل وعز ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا آية 149
يقال للنادم المتحير سقط في يديه وأسقط
و يقرأ ولما سقط في أيديهم أي ولما سقط الندم

في ايديهم
133 - وقوله جل وعز ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا آية 150
الأسف الشديد الغضب المغيظ ويكون الحزين
ومعنى أعجلتم أمر ربكم اسبقتم ولم تنتظروا أمره ونهيه
134 - ثم قال جل وعز وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه آية 150
قال مجاهد كانت من زمردة خضراء
قال مجاهد في قوله ولا تجعلني مع القوم الظالمين

يعني الذين عبدوا العجل
135 - وقوله جل وعز قال رب اغفر لي ولأخي آية 151
أي اغفر الغضب الذي القيت من أجله الألواح واغفر لأخي ما كان من مساهلته في بني إسرائيل إذ كان ذلك من خشية غضب موسى حين قال إني خشيت ان تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي
وقيل إنما استغفر لذنوب كانت قبل هذا الوقت لأن غضبه ايضا كان لله جل وعز وهارون عليه السلام إنما أخر بني إسرائيل لئلا يتفرقوا ويتحاربوا
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لم يبق من الألواح إلا سدسها

136 - وقوله جل وعز إن الذين آتذوا العجل سينالهم غضب من ربهم آية 152
المعنى إن الذين اتخذوا العجل إلها حذف لعلم السامع
وقيل معنى وذلة في الحياة الدنيا إنها الجزية
وقيل هو ما أمروا به من أن يقتل بعضهم بعضا وما راوه من ضلالهم قال الله جل وعز ورأوا أنهم قد ضلوا
قال أبو جعفر وهذا القول أصح من الأول لأن الجزية لم تؤخذ منهم وإنما أخذت من ذريتهم

137 - وقوله جل وعز ولما سكت عن موسى الغضب آية 154
معناه سكن
قال أبو إسحاق يقال سكت يسكت سكتا إذا سكن وسكت يسكت سكوتا وسكتا إذا قطع الكلام
ومعنى وفي نسختها وفيما نسخ منها أي فيها هدى ورحمة
قال ابن كيسان وفي نسختها فيه قولان
أحدهما أنها جددت له في لوحين
وقيل فيما انتسخ منها وكانت قد تكسرت فذهب أكثرها وانتسخ ما قدر عليه منها وفي تلك النسخة هدى أي بيان ورحمة أي ما يدل على ما يوجب الرحمة ولهذا قال هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون

يجوز أن يكون معنى اللام معنى من أجل كما تقول أنا أكرم فلانا لك
ويجوز أن يكون المعنى رهبتهم لربهم
138 - وقوله جل وعز واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا آية 155
أي ممن لم يعبدوا العجل والمعنى من قومه
139 - ثم قال جل وعز فلما أخذتهم الرجفة آية 155
قال مجاهد أميتوا ثم أحيوا
والرجفة في اللغة الزلزلة الشديدة ويروى أنهم زلزلوا حتى ماتوا
قال ابن عباس إنما أخذتهم الرجفة لأنهم لم ينهوا من عبد

العجل ولم يرضوا عبادته
قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أي أمتهم كما قال تعالى إن أمرؤ هلك
قال ابن كيسان أي لو شئت أهلكتهم من قبل لأنهم أذنبوا بأنهم لم ينهوا من عبد العجل
وإياي بذنبي حين قتلت القبطي فقد رحمتنا ولم تهلكنا بذنوبنا نحن أفتهلكنا بذنوب السفهاء الذين عبدوا العجل وأنت متفضل علينا بالعفو قبل هذا
قال أبو جعفر حقيقة المعنى لست تهلكنا وألف الاستفهام تدل على هذا المعنى في كثير من المواضع كما تقول ما أنا أفعل مثل هذا أي لست أفعله

إن هي إلا فتنتك تضل بها أي بالفتنة من تشاء أن تبتليه فتجعله عاصيا
140 - وقوله عز و جل واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك آية 156
قال مجاهد وأبو العالية وقتادة في قوله تعالى إنا هدنا إليك قالوا تبنا
141 - ثم قال جل وعز قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيئ آية 156
قال الحسن وقتادة وسعت البر والفاجر في الدنيا وهي للتقي خاصة يوم القيامة
142 - وقوله جل وعز فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة آية 156
روى حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن

جبير عن ابن عباس قال كتبها الله جل وعز لهذه الأمة
143 - وقوله جل وعز الذين يتبعون الرسول النبي الأمي آية 157
الأمي الذي لا يكتب
وقيل نسب النبي صلى الله عليه و سلم إلى أم القرى وهي مكة
الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل فكان هذا من براهينه صلى الله عليه و سلم لأنه خبرهم بما في كتابهم
فيجوز أن يكون يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر بما هو مكتوب عندهم
ويجوز أن يكون مستأنفا
ويحل لهم الطيبات
يجوز أن يكون الحلال
ويجوز أن يكون ما حرم عليهم من الطعام

ويحرم عليهم الخبائث العرب تقول لكل حرام خبيث
ويضع عنهم إصرهم
قال سعيد بن جبير الإصر شدة العبادة
وروي عن مجاهد فيه قولان
روى عنه ابن أبي نجيح أنه قال كانوا قد شدد عليهم فس أشياء فمن أسلم وآمن بالنبي صلى الله عليه و سلم خفف عنه
وروى موسى بن قيس عنه أنه قال هي عهود كانت عليهم
والقولان متقاربان أي ما يثقل عليهم

وكذلك الأغلال التي كانت عليهم إنما هو تمثيل أي أشياء قد كلفوعا وضمنوها فهي بمنزلة الأغلال
ويروى أن أحدهم كان إذا أصاب جلده بول وجب عليه أن يقطعه وإذا قتل رجل رجلا لم يكن بد من قتله ولا تؤخذ منه دية
144 - ثم قال جل وعز فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه آية 157 وقيل معنى وعزروه وعظموه
وقيل ومنعوا منه أعداء والمعاني متقاربة
واتبعوا النور الذي أنزل معه بمنزلة النور في البيان
ثم قال فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته آية 158
قال مجاهد معنى يؤمن بالله وكلمته يؤمن بالله

وبعيسى
وقال غيره الكلمة والكلام ح صهنا واحد
145 - وقوله جل وعز وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما آية 160
الأسباط الفرق والواحد سبط والأسباط في ولد إسحاق صلى الله عليه و سلم بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل
والأسباط مأخوذ من السبط وهو شجر تعلفه الإبل
ومعنى فانبجست فانفجرت
146 - وقوله جل وعز واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر آية 163
أمره أن يسألهم سؤال توبيخ ليقررهم بما يعرفونه من عصيان آبائهم ويخبرهم بما لا يعرف إلا من كتاب أو وحي
حدثنا أبو جعفر قال نا محمد بن إدريس قال نا

يونس قال أخبرنا ابن وهب وكذا أخبرني حيوة عن عقيل عن ابن شهاب قال القرية التي كانت حاضرة البحر طبرية والقرية التي قال فيها واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إنطاكية
وعن ابن عباس التي كانت حاضرة البحر أيلة
ومعنى يعدون يعتدون ويجاوزون الحق
والشرع الظاهرة
وقرأ الحسن يسبتون أي يدخلون في السبت
مثل أهللنا ومن فتح الباء قال معناه يعظمون السبت
كما كانوا يعظمونه هذا قول الكلبي وأبي عبيدة

قال مجاهد كانت الحيتان تأتيهم يوم السبت من غير أن يطلبوها ابتلاء من الله جل وعز لهم أي اختبارا
147 - وقوله جل وعز وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا آية 164
معنى أو هاهنا لأحد الأمرين أي قد ظهر منهم ما سيلحقهم من أجله أحد هذين
قالوا معذرة إلى ربكم أي موعظتنا معذرة أي إنما يجب علينا أن نأمرهم بالمعروف ولعلهم يرجعون بموعظتنا
فلما نسوا ما ذكروا به أي تركوا أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس
قال ابن عباس ما أدري ما فعل بالفرقة التي لم تأمر ولم تنه

وقال غيره نجيت لأنها لم تشارك كالذين عصوا
قال مجاهد بئيس أليم شديد وهذا معروف في اللغة يقال بؤس فهو يبأس إذا اشتد
ومن قرأ بيس ففيه قولان
قال الكسائي الأصل فيه بئس خففت الهمزة فالتقت ياءان فحذفت إحداهما وكسر أوله كما يقال رغيف وشهيد
وقيل أراد بئس على فعل فكسر أوله وخففت الهمزة وحذفت الكسرة كما يقال رحم ورحم
قال أبوإسحاق بئيس أي شديد وقد بئس إذا افتقر وبؤس إذا اشتد
قال علي بن سليمان بيس رديء وليس بجار على

الفعل أنما هو كما يقال ناقة نضو والعرب تقول جاء ببنات بيس أي ببنات شيئ رديء
قال أبو جعفر وفيه قراءات سوى هاتين سنذكرها في الإعراب إن شاء الله
148 - وقوله جل وعز وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب آية 167
قال أهل التفسير معناه أعلم ربك
وهذا قول حسن لأنه يقال تعلم بمعنى أعلم وأنشد أبو إسحاق لزهير في مثل هذا ... فقلت تعلم إن للصيد غرة ... فإن لا تضيعها فإنك قاتله ... وروي عن ابن عباس أنه قال في قوله جل وعز ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب قال يعني أخذ

الجزية
فإن قيل فهم قد مسخوا فكيف تؤخذ منهم الجزية
فالجواب إنها تؤخذ من أبنائهم وقد مسخوا ولحق أولادهم الذل فهم أذل قوم وهم اليهود
حدثنا أبو جعفر قال نا أحمد بن محمد بن سلامة قال نا عيسى بن إسحاق الأنصاري قال نا يحيى بن عبد الحميد الحماني عن يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد ابن جبير في قول الله تعالى وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة قال العرب من يسومهم سوء العذاب قال الخراج
وقيل عليهم على اليهود بين أنه كان أخبر بذلك
149 - ثم قال جل وعز وقطعناهم في الأرض أمما آية 168

أي فرقناهم فرقا
150 - وقوله جل وعز وبلوناهم بالحسنات والسيئات آية 168 أي واختبرناهم بالشدة والرخاء والخصب والجدب
151 - وقوله جل وعز فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتباب آية 169
قال مجاهد يعني النصارى
وقال غيره يعني أبنائهم
قال أبو جعفر وهذا أولى القولين والله أعلم لأنه يقال لولد الرجل خلفه يقال للواحد وللاثنين والجمع والمؤنث على لفظ واحد والجمع خلوف

وقيل إنما يستعمل للرديء من الأبناء
فأما الخلف بتحريك اللام فهو البدل من الشيء من ولد أوغيره
152 - ثم قال جل وعز يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا آية 169
قال ابن عباس رحمه الله يستقبلون الدنيا فيأكلونها ويتأولون كتاب الله هذا معنى قوله تعالى وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه
قال مجاهد يأخذون في يومهم ما كان من حلال أو حرام وإن وجدوا ذلك لغد أخذوه
وقال غيره يأخذون الرشى في الحكم ويقولون سيغفر

لنا وهم لا يتوبون
ودل على انهم لا يتوبون قوله تعالى وإن يأتهم عرض مثله يأخذو
والعرض في اللغة متاع الدنيا أجمع
والعرض بتسكين الراء ما كان من المال سوى الدنانير والدراهم وما كان من الدنانير والدراهم قيل له نقد وغيره
ومعنى ودرسوا ما فيه أي قد قرأوه وهم قريبو عهد بقراءته
153 - ثم قال تعالى والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المحسنين آية 170
معنى يمسكون بالكتاب يتبعون ما فيه ويحكمون به
إنا لا نضيع أجر المحسنين أي من أصلح منهم وآمن ولم يعاند
154 - وقوله جل وعز وإذا نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة آية 171

يقال نتقت الشيء أنتقه نتقا ونتوقا إذا زعزعته ورميت به أو قطعته منه امرأة ناتق أي كثيرة الولد كأنها ترمي بالأولاد
ويقال نتقت السقاء إذا نقضته لتخرج ما فيه من الزبد
قال قتادة رفع الجبل على رؤوسهم وقال لهم موسى إن قبلتم ما في الكتاب وإلا سقط عليكم
ومعنى بقوة بجد
155 - وقوله جل وعز وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم آية 172
أحسن ما قيل في هذا ما تواترت به الأخبار عن النبي
إن الله جل وعز مسح ظهر آدم فأخرج منه ذريته أمثال الذر فأخذ عليهم الميثاق
فكأن يفهمهم ما أراد جل وعز كما قال تعالى قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم

وفي الحديث كل مولود يولد على الفطرة
أي على ابتداء أمره حين أخذ عليهم العهد
حدثنا أبو جعفر قال نا عبد الله بن إبراهيم المقرىء البغدادي بالرملة قال نا عباس الدوري قال نا عبدالله بن موسى قال نا أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية عن أبي بن كعب في هذه الآية وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم إلى قوله المبطلون قال جمعهم فجعلهم أزواجا ثم صورهم ثم استنطقهم فقال ألست بربكم قالوا بلى شهدنا إنك ربنا وإلهنا لا رب لنا غيرك و لا إله لنا غيرك قال فارسل إليكم رسلي وأنزل عليكم كتبي فلا تكذبوا رسلي وصدقوا وعيدي وإني سأنتقم ممن اشرك بي ولم يؤمن بي فأخذ عهدهم وميثاقهم وذكر الحديث

قال أبو جعفر ونذكر حديث عمر عن النبي في معنى هذه الاية في الإعراب وغيره إن شاء الله
156 - ثم قال جل وعز قالوا بلى آية 172
وهذا التمام على قراءة من قرأ أن تقولوا بالتاء
قال أبو حاتم وهي مذهبنا لقوله ألست بربكم يخاطبهم فقال على المخاطبة أن تقولوا أي لأن لا تقولوا
وقرأ بن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما أن يقولوا بالياء والمعنى على هذه القراءة وأشهدهم على أنفسهم كراهة أن يقولوا
157 - وقوله جل وعز واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها آية 175

وروى شعبة عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله قال هو بلعام
وروى ابن أبي جريج عن عبد الله بن كثير عن مجاهد عن ابن عباس قال هو بلعام بن باعر من بني إسرائيل
قال سعيد بن جبير كان معه اسم الله الأعظم فسألوه أن يدعوا الله على موسى عليه السلام واصحابه فقال أخروني وكان لا يدعو على أحد حتى يرى ذلك في نومه فبات فنهي في نومه فعادوا إليه وكان موسى قد جاءهم في ثمانين ألفا خلف الفرات فلما سألوه أن يدعو عليه بعدما نهي قال لهم أخرجوا إلى أصحابه النساء ليفتتنوا فتنتصروا عليهم فانسلخ مما كان فيه وكان قد أمر في نومه أن يدعو له
قال عبد الله بن عمرو بن العاص رحمهما الله هو صاحبكم أمية بن أبي الصلت

وقال عكرمة هو من كان من اليهود والنصارى لم يصح إسلامه
يذهب إلى أنهم منافقوا أهل الكتاب
وقال ابن عباس في قوله تعالى فانسلخ منها هو ما نزع منه من العلم
158 - ثم قال جل وعز فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين آية 175
يقال اتبعه إذا أدركه وتبعه إذا سار في أثره هذا الجيد
وقيل هما لغتان
159 - وقوله جل وعز ولو شئنا لرفعناه بها آية 176

قال مجاهد أي لرفعناه عنه ومعناه لعصمناه مما فعل
160 - ثم قال جل وعز ولكنه أخلد إلى الأرض آية 176
قال مجاهد أي سكن والتقدير إلى نعيم الأرض ولذاتها
161 - وقوله جل وعز فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث آية 176
قال مجاهد أي إن تحمل عليه بدابتك أو رجلك يلهث أو تتركه يلهث وكذلك من يقرأ الكتاب ولا يعمل بما فيه
وقال غير مجاهد هذا شر تمثيل في أنه قد غلب عليه هواه حتى صار لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا بكلب لاهث أبدا حمل عليه أو لم يحمل عليه هو لا يملك ترك اللهثان

162 - وقوله جل وعز ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس آية 179 ح
أي خلقنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس
يقال ذرا الله خلقه يذرؤهم ذرءا أي خلقهم
وقوله تعالى أولئك كالنعام وصفهم بأنهم بمنزلة من لا يعقل
163 - ثم قال جل وعز بل هم أضل آية 179 لأن الأنعام إذا أبصرت مضارها اجتنبتها أو أكثرها ولا تكفر معاندة
164 - وقوله جل وعز ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها آية 180
روى أبو هريرة عن النبي أنه قال أن لله تسعة وتسعين اسما مائة غير واحد من أحصاها دخل الجنة

وقال بعض أهل اللغة يجب على هذا أن لا يدعى الله عز و جل إلا بما وصف به نفسه فيقال يأجواد و لا يقال يا سخي
165 - وقوله جل وعز وذروا الذين يلحدون في أسمائه آية 180
قال ابن جريج اشتقوا العزى من العزيز واللات من الله
قال أبو جعفر والإلحاد في اللغة الجور والميل ومته لحد القبر لأنه ليس في الوسط إنما هو مائل في ناحيته
قال أبو جعفر وفرق الكسائي بين ألحد ولحد فقال ألحد عدل عن القصد ولحد ركن إلى الشيء

وعلى هذا قرأ في النحل يلحدون بفتح الياء بمعنى الركون
166 - وقوله جل وعز والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون آية 182
يقال استدرج فلان فلانا إذا اتى بأمر يريد ليلقيه في هلكة
ولا يكون الاستدراج إلا حالا بعد حال ومنه فلان يدرج فلانا ومنه أدرجت الثوب
167 - وقوله جل وعز وأملي لهم إن كيدي متين آية 183
ومعنى أملي أؤخر والملاوة القطعة من الدهر ويقال بالضم والكسر ومنه تمل حبيبك والمتين الشديد

168 - وقوله جل وعز أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض آية 185
قال سفيان يعني خلق السموات والأرض
169 - وقوله جل وعز يسألونك عن الساعة ايان مرساها آية 187
قال قتادة أي متى قيامها
وقال غيره يقال رسى الشيء يرسو رسوا إذا ثبت وأرسيته أثبته
170 - ثم قال جل وعز قل إنما علمها عند ربي آية 187 ح
أي لا يعلم متى قيامها غلا الله
171 - ثم قال جل وعز لا يجليها لوقتها إلا هو آية 187
يقال جلى لي فلان الخبر إذا أظهره وأوضحه

172 - ثم قال جل وعز ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة آية 187
أي خفي علمها وإذا خفي الشيء ثقل
وقيل أي ثقلت المسالة عنها أي عظمت
173 - ثم قال جل وعز لا تأتيكم إلا بغتة آية 187
أي فجأة
174 - وقوله جل وعز يسألونك كأنك خفي عنها آية 187 ح
قال قتادة قالت قريش للنبي نحن أقرباؤك فأسر إلينا متى الساعة فانزل الله جل وعز يسألونك كأنك حفي عنها أي حفي بهم
والمعنى على هذا التقديم والتأخير أي يسألونك عنها

كأنك حفي لهم أي فرح لسؤالهم
وهو معنى قول سعيد بن جبير أبي يسالونك كأنك حفي لهم
175 - وقوله جل وعز ولو كنت أعلم الغيب لا ستكثرت من الخير آية 188 روي عن ابن عباس أنه قال لو أني أعلم سنة القحط والجدب لهيأت لها ما يكفيني
وقيل لو كنت أعلم متى أموت لاستكثرت من العبادة فيكون الخير ها هاهنا هن العبادة
وقيل إن النبي كان يسال عما في قلوب الناس وما يسرونه فقال لوكنت أعلم الغيب أي ما يسرونه وما يقع بكم حتى تحذروا مكروهه لكان أحرى أن تجيبوني إلى ما أدعوكم

لاستكثرت من الخير أي من إجابتكم إلى ما أدعوكم وما مسني السوء منكم بتكذيب أو عداوة إذ كنت عندكم كذلك
ودل على هذا الجواب إن أنا إلا نذير أي لست أعلم من الغيب إلا ما علمني الله
وقيل ولو كنت أعلم الغيب أي كتب الله
وقال الحسن لاستكثرت من الخير من الوحي
176 - وقوله جل وعز هو الذي خلقكم من نفس واحدة آية 189
يعني آدم وجعل منها زوجها يعني حواء فلما تغشاها كناية عن الجماع حملت حملا خفيفا فمرت به
قال الحسن أي فاستمرت به والمعنى أنها مرت به وجاءت لم يثقلها

وقرأ ابن يعمر فمرت به خفيف أي شكت في الحمل
روي عن ابن عباس رحمه الله فاستمرت به
قال أبو حاتم أي استمر بها الحمل فقلب الكلام كما يقال أدخلت الخف في رجلي فلما أثقلت أي استبان حملها دعوا الله ربهما لئن آتينا صالحا
قال الحسن أي غلاما
وقال ابو البختري خافا ان يكون بهيمة
177 - ثم قال جل وعز فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما آية 190

روى خصيف عن سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس قال أتاهما إبليس فقال أنا أخرجتكما من الجنة فإن أطعتماني وإلا جعلت له قرنين فشق بطنك أو أخرجته ميتا فقضي أن يخرج ميتا ثم حملت حملا آخر فقال لهما مثل ذلك فقضي أن يخرج ميتا ثم حملت حملا آخر فقال لهما مثل ذلك فقالت له حواء فيم تريد ان أطيعك قال سميه عبد الحارث فسمته فقال الله جل وعز جعلا له شركاء فيما آتاهما
قال غيره يعني في التسمية خاصة وكان اسم إبليس الحارث

178 - ثم قال تعالى فتعالى اله عما يشركون آية 190
أي عما يشرك الكفار ويدل على هذا أيشركون ما لا يخلق شيئا يعني الأصنام
وروي عن عكرمة أنه قال لم يخص بهذا آدم وحواء وحدهما والتقدير على هذا الجنس كله أي خلق كل واحد منكم من نفس واحدة وجعل منها أي من جنسها زوجها فلما تغشاها على الجنس كله وكذا دعوا يراد به الجنسان الكافران ثم حمل فتعالى الله عما يشركون على معنى الجميع فهذا أولى والله أعلم من أن ينسب إلى الأنبياء عليهم السلام مثل هذا

وقال بعض أهل النظر يراد به غير آدم وحواء وإنما ذكرا لأنهما أصل الناس
179 - وقوله جل وعز إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم آية 194 أي الله جل وعز يهلكهم كما يهلككم
وروي عن سعيد بن جبير أنه قرأ إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم و إن ها هنا بمعنى ما والمعنى ما الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم أي هم الأصنام والقراءة الأولى أكثر وأعرف والسواد عليها
180 - وقوله جل وعز إن وليي الله الذي نزل الكتاب آية 196
قال الأخفش وقرىء إن ولي الله الذي نزل الكتاب يعني جبريل

قال أبو جعفر هي قراءة عاصم الجحدري والقراءة الأولى أولى لقوله تعالى وهو يتولى الصالحين
181 - وقوله جل وعز وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون آية 198
يعني الأصنام
قال الكسائي يقال داري تنظر إلى دار فلان إذا كانت قريبة منها
182 - وقوله جل وعز خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين آية 199
قال عطاء العفو الفضل

قال أبو جعفر وكذلك هو في اللغة ما كان فضلا ولم يكن بتكلف
حدثنا أبو جعفر قال نا أحمد بن عبد الجبار الصوفي قال أنبأنا داود الضبي قال نا مسلم بن خالد عن ابن ابي نجيح عن مجاهد في قوله جل وعز خذ العفو قال خذ من أخلاقهم وأعمالهم في غير تجسس
قال الضحاك والسدي هذا قبل أن تفرض الصدقة وقد نسخته الزكاة
وقال وهب بن كيسان سمعت ابن الزبير رحمه الله يقول خذ العفو والله ما أمر أن يؤخذ إلا من أخلاق الناس والله لآخذنه منهم ما صحبتهم
183 - ثم قال جل وعز وأمر بالعرف آية 199

والعرف المعروف
184 - وقوله جل وعز وإما ينزغنك من الشيطان نزغ آية 200 النزغ أدنى حركة
185 - وقوله جل وعز إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا آية 201
قال مجاهدالطيف الغضب
قال الكسائي الطيف اللمم والطائف كل ما طاف حول الإنسان
وقال أبو عمرو الطيف الوسوسة وحقيقته في اللغة من طاف يطيف إذا تخيل في القلب أو رؤي في النوم وهو طائف وطيف بمعناه

186 - وقوله جل وعز وإخوانهم يمدونهم في الغي آية 202
أي يزيدونهم
187 - وقوله جل وعز وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها آية 203
قال قتادة أي جئت بها من عند نفسك
وكذلك هو في اللغة يقال اجتبيت الشيء وارتجلته واخترعته واختلقته إذا جئت به من عند نفسك
188 - وقوله جل وعز ودون الجهر من القول بالغدو والآصال آية 205
الآصال العشايا الواحد أصل وواحد أصل أصيل

189 - وقوله جل وعز وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا آية 204
هذا عام يراد به الخاص
وقال إبراهيم النخعي وابن شهاب والحسن هذا في الصلاة
وقال عطاء هذا في الصلاة والخطبة
قال أبو جعفر القول الأولى أول لأن الخطبة يجب السكوت فيها إذا قرىء القرآن وإذا لم يقرأ
والدليل على صحة ما رواه إبراهيم الهجري عن أبي عياض عن أبي هريرة قال كانوا يتكلمون في الصلاة فأنزل الله جل وعز وإذا قرىء القرآن إلى آخرها

قال أبو جعفر ولم يختلف في معنى قوله تعالى واذكر ربك في نفسك أنه في الدعاء
وقال بعضهم في قوله جل وعز فاستمعوا له وأنصتوا كان هذا لرسول الله خاصة ليعيه عنه أصحابه تمت سورة الأعراف

تفسير سورة الأنفال مدنية وآياتها 75 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة الأنفال وهي مدنية
قوله جل وعز يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول آية 1
قال ابن عباس نزلت في يوم بدر
وروى إسرائيل عن سماك بن حرب عن مصعب بن سعد عن أبيه قال أصبت سيفا يوم بدر فاستحسنته فقلت يا رسول الله هبه لي فنزلت يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول
قال أبو جعفر المعروف من قراءة سعد بن أبي وقاص

يسألونك الأنفال بغير عن هكذا رواه شعبة عن سماك عن مصعب عن أبيه
قال ابن عباس قال النبي في يوم بدر من قتل قتيلا فله كذا ومن أسر أسيرا فله كذا فلما فتح لهم جاءوا يطلبون ذلك فقام سعد والأشياخ فقالوا يا رسول الله إنما قمنا هذا المقام ردءا لكم لا جبنا فنزلت يسألونك عن الأنفال فسلموا الغنيمة لرسول الله ثم نزلت بعد واعلموا أنما غنمتم من شيء فان لله خمسه
فبين الله جل وعز في هذا أن الأنفال صارت من الخمس لا من الجملة
قال مجاهد وعكرمة هي منسوخة نسخها واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه إلى آخر الآية

قال مجاهد والأنفال الغنائم
قال أبو جعفر والأنفال في اللغة ما يتطوع به الإمام مما لا يجب عليه نحو قوله من جاء بأسير فله كذا ومنه النافلة من الصلوات ثم قيل للغنيمة نفل لأنه يروى أن الغنائم لم تحل لأحد إلا لأمة محمد فكأنهم أعطوها نافلة
وقوله جل وعز فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم آية 1
الذات الحقيقة والبين الوصل ومنه لقد تقطع بينكم
وقوله جل وعز إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم آية 2
قال ابن أبي نجيح أي فرقت وأنشد أهل اللغة ... لعمرك ما أدري وإني لأوجل ... على أينا تغدو المنية أول

وروى سفيان عن السدي في قوله جل وعز الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم قال إذا أراد أن يظلم مظلمة قيل له اتق الله كف ووجل قلبه
ثم قال جل وعز وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا آية 2
أي صدقوا بها فازدادوا إيمانا
قال الحسن الذين يقيمون الصلاة الخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وخشوعها
وقال مقاتل بن حيان إقامتها أن تحافظ على مواقيتها وإسباغ الطهور فيها وتمام ركوعها وسجودها وتلاوة القرآن فيها والتشهد والصلاة على النبي وهذا إقامتها

5 - وقوله جل وعز كما أخرجك ربك من بيتك بالحق آية 5 فيه أقوال
أ قال الكسائي المعنى يجادلونك في الحق مجادلتهم كما أخرجك ربك من بيتك بالحق
ب قال أبو عبيدة ما بمعنى الذي أي والذي أخرجك هذا معنى كلامه
ج وقول ثالث وهو أن المعنى قل الأنفال لله والرسول كما أخرجك ربك من بيتك بالحق أي كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وهم كارهون قل الأنفال لله والرسول وإن كرهوا

وقيل كما أخرجك ربك من بيتك متعلق بقوله تعالى لهم درجات عند ربهم أي هذا الوعد لهم حق في الاخرة كما أخرجك ربك من بيتك بالحق فانجز وعدك بالظفر 6 ثم قال جل وعز يجادلونك في الحق بعد ماتبين آية 6
فكما كان هذا حقا فكذلك كل ما وعدكم به حق يجادلونك في الحق بعد ما تبين وتبيينه أنه لما خبرهم بخبر بعد خبر من الغيوب حقا وجب أن لا يشكوا في خبره
وأحسنها قول مجاهد أن المعنى كما أخرجك ربك من بيتك أي من المدينة إلى بدر على كره كذلك يجادلونك في الحق لأن كلا الأمرين قد كان مع قرب احدهما من الآخر فذلك أولى مما بعد عنه

7 - وقوله
جل وعز وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين انها لكم آية 7
قال قتادة الطائفتان أبو سفيان معه العير وابو جهل معه نفير قريش وكان أصحاب رسول الله يحبون أن يظفروا بالعير واراد الله عز و جل غير ذلك
والشوكة السلاح 8
ثم قال جل وعز ويريد الله أم يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين آية 7 أي
كان في ظهورهم على المشركين وإمدادهم بالملائكة ما أحق به الحق وقطع دابر الكافرين

9 - وقوله جل وعز فاستجاب لكم أني ممدكم بالف من الملائكة مردفين آية 9
قال ابن عباس أي متتابعين
وقال أبو جعفر قال أهل اللغة يقال ردفته وأردفته إذا تبعته
قال مجاهد مردفين أي ممدين
وقوله جل وعز وما جعله الله إلا بشرى آية 10
يعني الإمداد ويجوز أن يكون يعني الإرداف
11 - وقوله جل وعز إذ يغشيكم النعاس أمنة منه آية 11

قال ابن أبي نجيح كان المطر قبل النعاس
ويقال أمن يأمن أمنا وأمانا وأمنة وأمنة وروي عن ابن محيصن أنه قرأ أمنة بإسكان الميم
وقال عبد الله بن مسعود النعاس في الصلاة من الشيطان وفي الحرب أمنة
12 - ثم قال جل وعز وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به آية 11
قال الضحاك سبق المشركون المسلمين إلى الماء ببدر فبقي المسلمون عطاشا محدثين مجنبين لا يصلون إلى الماء فوسوس إليهم الشيطان فقال إنكم تزعمون أنكم على الحق وأن فيكم النبي وعدوكم معه الماء وأنتم لا تصلون إليه فأنزل الله جل وعز المطر فشربوا منه حتى رووا واغتسلوا وسقوا دوابهم

قال ابن أبي نجيح رووا من الماء وسكن الغبار
وقال غيره كان ذلك من الآيات العظام لأنهم كانوا على سبخة لا تثبت فيها الأقدام فلما جاء المطر ثبتت أقدامهم
13 - ثم قال جل وعز ويذهب عنكم رجز الشيطان آية 11
قال ابن ابي نجيح أي وساوسه
قال الضحاك وأما قوله ويثبت به الأقدام فإنه كانت به رميلة لا يقدر احد أن يقف عليها فلما جاء المطر ثبتت الأقدام عليها وخقوله جل وعز إذ يوحى ربك إلى ءالملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا آية 12

يجوز أن يكون المعنى ثبتوهم بشيء تلقونه في قلوبهم
ويجوز ان يكون المعنى ثبتوهم بالنصر والقتال عنهم
15 - وقوله جل وعز فاضربوا فوق الأعناق آية 12
قيل إن فوق ها هنا زائدة وإنما ابيحوا ان يضربوهم على كل حال
ويدل عليه واضربوا منهم كل بنان لأن البنان أطراف الأصابع الواحدة بنانة مشتق من قولهم أبن بالمكان إذا أقام به
16 - ثم قال جل وعز ذلك بانهم شاقوا الله ورسوله آية 13
أي خالفوا كأنهم صاروا في شق آخر

17 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار آية 15
أي إذا واقفتموهم يقال زحفت له إذا ثبت
وقيل التزاحف التداني والتقارب أي متزاحف بعضهم إلى بعض
18 - ثم قال جل وعز ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله آية 16
قال الحسن كان هذا يوم بدر خاصة وليس الفرار من الزحف من الكبائر
وروى شعبة عن داود بن ابي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال نزلت في يوم بدر حدثنا أبو جعفر قال نا ابن سماعه قال نا أبو نعيم قال نا موسى بن محمد عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد ومن يولهم يومئذ

دبره إلى قوله وبئس المصير قال ذلك يوم بدر
وقال عطاء هي منسوخة إلى قوله فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين أهل بدر لم يكن لهم إمام ينحازون إليه إذ كان النبي معهم فلم يكن لهم أن يرغبوا بانفسهم عن نفسه
وفي حديث ابن عمر حصنا حيصة في جيش فخفنا فقلنا يا رسول الله نحن الفرارون فقال أنا فئتكم

وكذا قال عمر يوم القادسية أنا فئة كل مسلم
وقيل ذا عام لأن ذلك حكم من إلا أن يقع دليل فإن خاف رجل على نفسه وتيقن انه لا طاقة له بالمشركين فله الرجوع لئلا يلقي بيده إلى التهلكة
19 - ثم قال جل وعز فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم آية 17
وقال ابن أبي نجيح لما قال هذا قتلت وهذا قتلت
ثم قال سجل وعز وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى آية 17 قال ابن أبي نجيح هذا لما حصبهم رسول الله
قال أبو جعفر وحقيقة هذا في اللغة إنهم خوطبوا على ما يعرفون لن لأن عددهم كان قليلا وأبلغوا من المشركين ويروى أن رسول الله حصبهم بكفه فلم يبق أحد من المشركين إلا وقع في

عينه أي فلو كان إلى ما في يد رسول الله لم يصل إلى ذلك الجيش العظيم ولكن الله فعل بهم ذلك
والتقدير والله أعلم وما رميت بالرعب في قلوبهم إذ رميت بالحصباء في وجوههم وقلت شاهت الوجوه ولكن الله رمى بالرعب في قلوبهم
وقيل المعنى وما رميت الرمي الذي كانت به الإماتة ولكن الله رمى 21 ثم قال جل وعز وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا آية 17 والبلاء ها هنا النعمة

22 - وقوله جل وعز إن تستفتحو فقد جاءكم الفتح آية 19
قال مجاهد أي إن تستنصروا
وقال الضحاك قال أبو جهل اللهم انصر أحب الفئتين إليك فقال الله عز و جل إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح
والمعنى عند أهل اللغة إن تستدعوا الفتح وهو النصر
23 - وقوله جل وعز ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون آية 21
لأنهم استمعوا استماع عداوة ويبينه قوله إن شر الدواب

عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون أي هم بمنزلة الصم في أنهم لا يسمعون سماع من يقبل الحق وبمنزلة البكم لأنهم لا يتكلمون بخير ولا يعقلونه
24 - ثم قال جل وعز ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم آية 23
أي لأسمعهم جواب كل ما يسألون عنه
25 - ثم قال جل وعز ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون آية 23 أي لو أخبرهم بكل ما يسألون عنه لأعرضوا وكفروا معاندة وحسدا
26 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول آية 24
أبو عبيدة يذهب إلى أن معنى استجيبوا أجيبوا وأنشد

وداع دعا يا من يجيب إلى الندى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب ...
27
- ثم قال جل وعز إذا دعاكم لما يحييكم آية 24
أي لما تصيرون به إلى الحياة الدائمة في الآخرة
28 - ثم قال جل وعز واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه 0 آية 24
قال سعيد بن جبير يحول بين المؤمن وبين الكفر وبين الكافر وبين الأيمان
وقال الضحاك يحول بين المؤمن والمعصية وبين الكافر والطاعة
قال أبو جعفر وأول هذا القول بعض أهل اللغة أن

معناه يحول بينهما وبين ذنبك بالموت
وقيل هو تمثيل أي هو قريب كما قال جل وعز ونحن أقرب إليه من حبل الوريد
وقيل كانوا ربما خافوا من عدوهم فأعلمهم الله جل وعز أنه يحول بين المرء وقلبه فيبد لهم من الخوف أمنا ويبدل عدوهم من الأمن خوفا
29 - وقوله جل ؤز واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة آية 25
قيل إنها تعم الظالم وغيره
وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة قال أمر الله المؤمنين ان لا يقروا المنكر

بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب
وقال الضحاك هي في أصحاب محمد خاصة
وروي عن الزبير انه قا ليوم الجمل لما لقي ما توهمت أن هذه الاية نزلت فينا أصحاب محمد إلا اليوم واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة
وقول آخر وهو قول أبي العباس محمد بن يزيد انه نهي بعد أمر نهي الفتنة والمعنى في النهي للظالمين أي لا تقربن الظلم وحكى سيبويه لا أرينك ها هنا أي لا تكن ها هنا فإنه من كان ها هنا رايته
وأبو إسحاق يذهب إلى أن معناه الخبر وجاز دخول التون في الخبر لأن فيه قوة الجزاء
قال أبو جعفر ورأيت علي بن سليمان يذهب إلى أنه

دعاء
30 - وقوله جل وعز واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس آية 26
قال وهب بن منبه يعني بالناس فارس
وقال عكرمة كفار قريش
قال السدي فآواكم إلى المدينة
31 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا آية 29 قال مجاهد وعطاء والضحاك أي مخرجا
قال مجاهد في قوله يوم الفرقان قال يوم بدر فرق الله فيه بين الحق والباطل
قال أبو جعفر والفرقان في اللغة بمعنى الفرق يقال فرقت بين الشيئين فرقا وفرقانا

32 - وقوله جل وعز وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك آية 30
يقال أثبته إذا حبسته
قال مجاهد أراد الكفار أن يفعلوا هذا النبي قبل خروجه من مكة
وقال غيره اجتموا فقالوا نحبسه في بيت ونطعمه ونسقيه فيه أو نقتله جميعا جميعا قتل رجل واحد أو نخرجه فتكون بليته على غيرنا فعصمه الله عز و جل منهم

وفي رواية ابن أبي طلحة عن ابن عباس ليثبتوك هي ليوثقوك ح
33 - وقوله جل وعز وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو أئتنا بعذاب أليم آية 32
قال مجاهد الذي قال هذا النضر بن الحارث بن كلدة
ويروى ان هذا قيل بمكة ويدل على هذا قوله تعالى وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم
قيل في هذه الاية أقوال
روي عن ابن عباس ان النضر بن الحارث قال هذا يريد أهلكنا ومحمدا ومن معه عامة فأنزل الله وما كان ليعذبهم وأنت فيهم إلى وهم يستغفرون أي ومنهم قوم يستغفرون يعني المسلمين وما لهم ألا يعذبهم الله خاصة فعذبهم بالسيف بعد خروج النبي عنهم وفي ذلك نزلت سأل سائل بعذاب واقع

وروى الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير ان المستفتح يوم بدر أبو جهل وانه قال اللهم اخز أقطعنا للرحم فهذا استفنتاحه
وقال عطية في قوله جل وعز وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم يعني المشركين حتى يخرجه عنهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون يعني المؤمنين قال ثم رجع إلى الكفار فقال وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام
قال أبو جعفر وهذا قول حسن ومعناه وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله وأنت بين أظهرهم

وكذلك سنته في الأمم ح
34 - ثم قال جل وعز و ما كان الله معذبهم وهم يستغفرون آية 33
وعاد الضمير على من آمن منهم ح
35 - ثم قال جل وعز وما لهم ألا يعذبهم الله آية 34
أي إذا خرجت من بين أظهرهم
ويجوز ان يكون معناه وما لهم ألا يعذبهم الله في القيامة
وقيل معناه وما كان اله معذبهم لو استغفروه على غير ايجاب لهم كما تقول لا أغضب عليك أبدا وأنت تطيعني أي لو أطعتني لم أغضب عليك على غير ايجاب منك لطاعته
وقال مجاهد معناه وما كان الله عذبهم وهم مسلمون
قال أبو جعفر ومعنى هذا وما كان الله معذبهم ومنهم من يؤول أمره إلى الإسلام
وروي عنه وفي أصلابهم من يستغفر

36 - ثم قال جل وعز وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية آية 35
روى عطية عن ابن عمر أنه قال المكاء الصفير والتصدية التصفيق
قال ابن شهاب يستهزؤن بالمؤمنين
وروى ابن أبي جريج وابن ابي نجيح أنه قال المكاء إدخالهم أصابعهم في أفواهم والتصدية الصفير يريدون ان يشغلوا بذلك محمدا عن الصلاة
قال أبو جعفر والمعروف في اللغة ما روي عن ابن عمر
حكى أبو عبيدة وغيره انه يقال مكا يمكو ومكاء إذا صفر وصدى يصدي تصدية إذا صفق

قال أبو جعفر ويبعد قول ابن زيد التصدية صدهم عن دين الله لأن الفعل من هذا صددت إلا ان تقلب إحدى داليه ياء مثل تظنيت من ظننت وكذا ما روي عن سعيد بن جبير التصدية صدهم عن بيت الله
37 - وقوله جل وعز إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله 0 آية 36
قال مجاهد يعني أبا سفيان وما أنفق على أصحابه يوم أحد 38 وقوله جل وعز ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا آية 37
يقال ركمت الشيء إذا جعلت بعضه فوق بعض

39 - وقوله جل وعز فيجعله في جهنم آية 37
أي الخبيث ليعذبوا به
ويعني بالخبيث الكفار كذا قال ابن عباس ميز أهل السعادة من أهل الشقاء أي بأن اسكن هؤلاء الجنة وهؤلاء النار
أي فيجعل الكفار بعضهم فوق بعض فيجعلهم ركاما أي يجمع بعضهم إلى بعض حتى يكثروا أولئك رده إلى الكافرين ورد فيجعله إلى الخبيث على لفظه ليعذبوا به كما قال تعالى 6 فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم وقوله جل وعز وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين آية 38
قال مجاهد يوم بدر للأمم قبل ذلك فقد فرق الله جل وعز بين الحق والباطل
40 - وقوله جل وعز وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة آية 39

المعنى حتى لا تكون فتنة كفر ودل على هذا الحذف قوله تعالى ويكون الدين كله لله
41 - ثم قال جل وعز وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير آية 40
أي وإن عادوا إلى الكفر وعداوتكم فاعلموا أن الله مولاكم أي وليكم وناصركم فلا تضركم عداوتهم
42 - وقوله جل وعز واعلموا أنما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل آية 41
اختلف في معنى هذه الآية
فقال قوم يقسم الخمس على خمسة أجزاء فأربعة منها لمدة شهر الحرب وواحد منها مقسوم على خمسة فما كان منه للرسول

صير فيما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصيرة فيه
ويروى أنه كان يصيره تقوية للمسلمين وأربعة لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وهذا مذهب الشافعي رحمه الله
وقال بعضهم يقسم هذا السهم على قلته أجزاء للفقراء والمساكين وابن السبيل لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال
لا نورث ما تركنا صدقة وهذا مذهب أبي حنيفة
وقال بعضهم إذا رأى الإمام أن يعطي هؤلاء المذكورين أعطاهم وإن رأى أن غيرهم أحق منهم أعطاهم قال ولو كان ذكرهم بالسهمية يوجب أن لا يخرج عن جملتهم لما جاز إذا ذكر جماعة أن يعطى بعضهم دون بعض وقد قال الله عز و جل إنما الصدقات للفقراء والمساكين إلى آخر الآية ولو جعلت في بعضهم دون بعض لجاز ولكنهم ذكروا لأنهم من أهم من يعطى
وقال جل وعز قل ما أنفقتم من خير فللوالدين

والأقربين
وله أن يعطي غير من سمي وهذا مذهب مالك
وأما معنى فأن لله فهو افتتاح كلام قال قيس بن مسلم الجدبي سألت الحسن بن محمد واعلموا أن ما غنمتم من شيئ فأن لله خمسه فقال هو افتتاح كلام ليس لله نصيب لله الدنيا والآخرة
حدثنا أبو جعفر قال نا محمد بن الحسن بن سماعة قال نا أبو نعيم قال نا أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية واعلموا أن ما غنمتم من شيئ فأن لله خمسه
قال يجاء بالغنيمة فتوضع فيقسمها رسول الله صلى الله عليه و سلم على خمسة أسهم فيعزل سهما منها ويقسم الأربعة بين الناس ثم يضرب

بيده في جميع السهم الذي عزله فما قبض عليه من شيئ جعله للكعبة فهو الذي سمي لله ويقول لا تجعلوا لله نصيبا فإن لله الدنيا والآخرة قال ثم يقسم السهم الذي عزله على خمسة أسهم سهم للنبي صلى الله عليه و سلم وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل
وقيل معنى فأن لله خمسه فأن لسبيل الله مثل واسأل القرية
43 - وقوله جل وعز إن كنتم آمنتم بالله آية 41
أي إن كنتم آمنتم بالله فاقبلوا ما أمركم به
وقيل المعنى فاعلموا أن الله مولاكم وناصركم إن كنتم آمنتم به

44 - وقوله جل وعز وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان آية 41
قال مجاهد هو يوم بدر فرق الله فيه بين الحق والباطل
45 - وقوله جل وعز إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى آية 42
قال قتادة العدوة شفير الوادي وكذلك هو في اللغة
ومعنى الدنيا التي تلي المدينة ومعنى القصوى التي تلي مكة ثم قال تعالى والركب أسفل منكم
قال قتادة يعني العير التي كانت مع أبي سفيان
46 - وقوله جل وعز ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة آية 42
قال أبو جعفر قال ابن أبي إسحاق جعل المعتدي بمنزلة

الحي وجعل الضال بمنزلة الهالك قال أي ليكفر من كفر بعدالحجة بما رأى من الآية والعبرة ويؤمن من آمن على مثل ذلك
وقال غيره ليهلك ليموت من مات عن حجة لله جل وعز وعليه قد قطعت عذره وليعيش من عاش منهم على مثل ذلك وإن الله لسميع لقولكم حين تركتموهم عليم بما تضمره نفوسكم
47 - وقوله جل وعز إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر آية 53
قال ابن أبي نجيح عن مجاهد رآهم النبي في النوم قليلا فقص الرؤيا على أصحابه فثبتهم الله بذلك
وروي عن الحسن أنه قال
المعنى إذ يريكهم الله بعينك التي تنام بها

قال أبو جعفر والمعنى على هذا في موضوع منامك
والقول الأول أحسن لجهتين
إحداهما ما روي من أن النبي رآهم في النوم
والأخرى في قوله وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم فالرؤيا الأولى في النوم والثانية عند الالتقاء
ويجوز ما قال الحسن على بعد على أن يكون قوله إذ يريكموهم خطابا للنبي وأصحابه
والمعنى ويقللكم في أعينهم أي لئلا يستعدوا لكم لما أراد الله جل وعز من ظفر المسلمين بهم
48 - وقوله جل وعز ولا تنازعوا فتفشلوا آية 46
قال أبو إسحاق يقال يفشل فشلا إذا هاب أن يتقدم جبنا

49 - ثم قال جل وعز وتذهب ريحكم آية 46
قال مجاهد أي نصركم
وقال معمر عن قتادة أي ريح الحرب
والمعروف في اللغة انه يقال ذهبت ريحهم أي دولتهم
50 - وقوله جل وعز ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس آية 47
يعني أبا جهل وأصحابه يوم بدر
51 - وقوله جل وعز وزين لهم الشيطان أعمالهم الآية 47
قال المعنى واذكر إذ زين لهم الشيطان أعمالهم
قال الضحاك جاءهم يوم بدر برايته وجنوده فألقى في قلوبهم أنهم لن ينهزمزا وهم يقاتلون على دين آبائهم

52 - وقوله جل وعز فلما تراءت الفئتان آية 48
أي التقتا حتى رأت كل واحدة منهما صاحبتها
53 - ثم قال جل وعز نكص على عقبيه آية 48
أي رجع القهقري ويقال نكص على عقبيه إذا رجع من حيث جاء
وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون
قال الضحاك رأى الملائكة إني أخاف الله والله شديد العقاب
قيل إنما خاف أن يكون الوقت الذي أجل إليه قد حضر
وقيل بل كذب
54 - وقوله جل وعز كدأب آل فرعون والذين من قبلهم آية 52
قال مجاهد أي كفعل والدأب عند أهل اللغة العادة وحقيقتة عندهم أنه من قولك فلان يدأب أي يداوم على الشيء

ويلزمه وهذا معنى العادة
55 - وقوله جل وعز الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون آية 56
قال مجاهد يعني بني قريظه
56 - وقوله جل وعز فإنما تثقفنهم في الحرب آية 57
أي تصادفهم وتظفر بهم فشرد بهم من خلفهم
قال سعيد بن جبير أي أنذر بهم من خلفهم وقال أبو عبيد هي لغة قريش شرد بهم سمع بهم
وقال الضحاك أي نكل بهم
والتشريد في اللغة التبديد والتفريق

57 - وقوله جل وعز وإما تخافن من قوم خيانة آية 58
أي غشا ونقضا للعهد فانبذ إليهم على سواء أي ألق إليهم نقض عهدهم لتكون أنت وهم على سواء في العلم يقال نبذت إليه على سواء أي أعلمته أني قد عرفت منه ما أخفاه
وروى عمر بن عنبة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال من كان بينه وبين قوم عهد إلى مدة فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء
58 - وقوله جل وعز ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا آية 59
قال أبو عبيدة أي فاتوا ثم قال جل وعز إنهم لا يعجزون روي عن ابن محيصن أنه قرأ لا يعجزون بالتشديد وكسر النون

قال أبو جعفر هذا خطأ من جهتين
إحداهما أن معنى عجزه ضعفه وضعف أمره
والأخرى أنه كان يجب أن يكون بنونين
ومعنى أعجزه سبقه وفاته حتى لم يقدر عليه
59 - وقوله جل وعز وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم آية 60
قال عكرمة القوة ذكور الخيل ورباط الخيل إناثها
وقال غيره القوة السلاح وروى عقبة بن عامر ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي
60 - ثم قال عز و جل وآخرين من دونهم لا تعلمونهم آية 60
أي وترهبون آخرين أي تخيفونهم

قال مجاهد هم بنو قريظة وقال ابن زيد هم المنافقون وقيل هم الجن وقال السدي أهل فارس
61 - وقوله جل وعز وإن جنحوا للسلم فاجنح لها آية 61
جنحوا مالوا وقال أبو عمرو والسلم الصلح والسلم الإسلام
وأبو عبيدة يذهب إلى أن السلم والسلم والسلم الصلح
62 - وقوله جل وعز وإن يريدوا أن يخدعوك آية 62
أي بإظهار الصلح فإن حسبك الله أي كافيك وهو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين أي قواك وألف بين قلوبهم
وهذه من الآيات العظام لأن أحدهم كان يلطم اللطمة فيقاتل عنه حتى يستقيدها وكانوا أشد خلق الله حمية فلما بعث النبي صلى الله عليه و سلم كان أحدهم يقاتل أخاه على الإسلام
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن محمد

بالأنبار قال نا نصر بن علي قال حدثني أبي قال حدثنا شعبة قال أخبرنا بشير ابن ثابت من آل النعمان بن بشير في قوله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين حتى بلغ إنه عزيز حكيم قال نزلت في الأنصار
63 - وقوله جل وعز يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين آية 64
أي الله يكفيك ويكفي من اتبعك
وقيل المعنى ومن اتبعك ينصرك
64 - وقوله جل وعز يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال آية 65
التحريض الحث الشديد وهو مأخوذ من الحرض وهو المقاربة

للهلاك أي حثهم حتى يعلم من يخالف أنه قد قارب الهلاك
65 - قال جل عز إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين آية 65 ثم قال ابن عباس فرض على الرجل أن يقاتل عشرة ثم سهل عليهم فقال الآن خفف الله عنكم إلى قوله والله مع الصابرين وكتب عليهم أن لا يفر مائة من مائتين
قال ابن شبرمة وأنا أرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كذا
وروى الأعمش عن مرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله قال لما كان يوم بدر جيء بالأسرى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما ترون في هؤلاء الأسرى فقال أبو بكر يا رسول الله قومك وأصلك استبقهم فلعل الله يتوب عليهم فقال عمر

يا رسول الله كذبوك وأخرجوك وقاتلوك قدمهم فاضرب أعناقهم وذكر الحديث وقال فيه فأنزل الله
66 - ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض آية 67
قال مجاهد الإثخان القتل
وقيل حتى يثخن في الأرض حتى يبالغ في قتل أعدائه
وقيل حتى يتمكن في الأرض
والإثخان في اللغة القوة والشدة
67 - وقوله جل وعز لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم آية 68
فيه أقوال
قال مجاهد سبق من الله أن أحل لهم الغنائم

وقال أبو جعفر ويقوي هذا أنه روى أبو صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ما أحلت الغنائم لقوم سود الرؤوس قبلنا كانت تنزل نار من السماء فتأكلها فلما كان يوم بدر وقع الناس فيما وقعوا فيه فأنزل الله جل وعز لولا كتاب من الله سبق إلى قوله إن الله غفور رحيم
وقيل سبق من الله جل وعز أنه يغفر لأهل بدر ما تقدم من ذنبهم وما تأخر قال ذلك الحسن رواه عنه أشعث
وروى عنه سفيان بن حسين أنه قال سبق من الله جل وعز أن لايعذب قوما إلا بعد تقدمة ولم يكن تقدم إليهم فيها
وروى سالم عن سعيد بن جبير لولا كتاب من الله سبق قال لأهل بدر من السعادة لمسكم فيما أخذتم من الله عذاب عظيم
وقيل سبق من الله أنه يغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر

68 - وقوله جل وعز يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم آية 70
قيل في الأخرة وقيل يعوضكم في الدنيا
وروي عن العباس أنه قال أسرت يوم بدر ومعي عشرون أوقية فأخذت مني فعوضني الله عشرين عبدا ووعدني المغفرة
69 - وقوله جل وعز وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل آية 71
خيانتك أي نقض العهد
70 - وقوله جل وعز إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله آية 72

قيل إنه يقال هاجر الرجل إذا خرج من أرض إلى أرض
وقيل إنما قيل هجر وهاجر فلان لأن الرجل كان إذا أسلم هجره قومه وهجرهم فإذا خاف الفتنة على نفسه رحل عنهم فسمي مسيره هجرة
وقيل هاجر لأنه كان على هجرته لقومه وهجرتهم له فهو مهاجر هجر دار قومه ووطنه وارتحل إلى دار الإسلام وهما هجرتان فالمهاجرون الأولون الذين هاجروا إلى أرض الحبشة والآخرون الذين هاجروا إلى المدينة إلى وقت الفتح
وانقطعت الهجرة لأن الدار كلها دار الإسلام فلا هجرة وهذا قول أهل الحديث ومن يوثق بعلمه
71 - وقوله جل وعز والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيئ آية 72

أي من نصرتهم ووراثتهم
قال قتادة كان الرجل يؤاخي الرجل فيقول ترثني وأرثك ثم نسخ ذلك بقوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله
72 - ثم قال عز و جل والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه آية 73
ومعنى إن لا تفعلوه إن لاتفعلوا النصر والموالاة
وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس إلا تفعلوه قال يقول إلا تأخذوا في الميراث بما أمرتكم به
وقال ابن زيد أي إلا تتركوهم يتوارثون على ما كانوا
قال مجاهد هذا منسوخ نسخه وأولوا الأرحام بعضهم

أولى ببعض
وروي عن عبد اله بن الزبير أنه قال هذا في العصبات كان الرجل يعاقد الرجل على أن يتوارثا فنسخ ذلك وقيل نسخته الفرائض
وأكثر الرواة على أن الناسخ له وأولو ا الأرحام بعضهم الآية
وروى سفيان عن السدي عن أبي مالك قال قال رجل نورث أرحامنا المشركين فنزلت والذين كفروا بعضهم أولياء بعض وروى يونس عن الحسن قال كان الأعرابي لا يرث مهاجرا حتى نزلت وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله فقد تبين أن معنى الآية أن أهل الأرحام يتوارثون بأرحامهم دون الذين حالفوهم ونسخ ذلك ما كان قبله من التوارث بالمخالفة انتهت سورة الأنفال

تفسير سورة التوبة مدنية وآياتها 129 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة التوبة وهي مدنية
قال سعيد بن جبير سالت ابن عباس عن سورة براءة فقال تلك الفاضحة ما زال ينزل ومنهم ومنهم حلى خفنا ألا تدع أحدا
وقال يزيد الفارسي عن ابن عباس سألت عثمان بن عفان رحمة الله عليه لم عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فجمعتم بينهما ولم تفصلوا بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم وجعلتموها مع السبع الطول فقال مكث رسول الله زمانا تنزل عليه السورة ذات العدد وفي بعض الروايات ذات الآيات وربما سالته فيقول ألحقوها في موضع كذا وهي تشبه قصة كذا وكانت براءة من آخر ما نزل وذهب عني ان أساله عنها فوقع بقلبي أنا شبه سورة الأنفال فجعلتها تليها ولم

أفصل بينهما بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو جعفر قال أبو إسحاق حدثني بعض أصحابنا عن صاحبنا محمد بن يزيد أنه قال لم يكتب في أول براءة بسم الله الرحمن الرحيم لأن بسم الله افتتاح خير وبراءة أولها وعيد ونقض للعهود فلذلك لم يكتب في أولها بسم الله 1 قال أبو جعفر ومعنى براءة تبرؤ من الله ورسوله إلى الذين عاهدتهم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر آية 2
أي فيقال لهم سيحوا في الأرض أي اذهبوا وجيئوا آمنين أربعة أشهر ثم لا أمان لكم بعدها

قال مجاهد وقتادة الأربعة الأشهر عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشر من شهر ربيع الآخر
وقال الزهري هن شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم
2 - ثم قال عز و جل واعلموا أنكم غير معجزي الله آية 2 أي وإن أجلتم هذا الأجل سينصر المسلمون عليكم
3 - وقوله جل وعز وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر آية 3
الأذان الإعلام
روى شعبة عن الحكم عن يحيى بن الجزار قال خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى العيد راكبا على دابة فلقيه رجل فقال له وأخذ بلجامه ما يوم الحج الأكبر فقال

هو يومك الذي أنت فيه خل عنها
وكذلك روي الحديث عن علي
وروى شعبة عن سليمان بن عبد الله بن سنان قال سمعت المغيرة بن شعبة يخطب على المنبر وهو يقول يوم الحج الأكبر يوم النحر
وروى سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الله بن شداد قال الحج الأكبر يوم النحر والحج الأصغرالعمرة
وقال عبد الملك بن عمير سألت عبد الله بن أبي أوفى عن يوم الحج الأكبر فقال يوم تهرق فيه الدماء ويحلق فيه الشعر
وروى حماد بن يزيد عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال يوم الحج الأكبر يوم النحر وكذلك قال ابن عمر

وروى غير سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال هو يوم عرفة
وروى ابن جريج عن ابن طاووس عن أبيه قال هو يوم عرفة
وكذا قال مجاهد
وقال ابن سيرين الحج الأكبر العام الذي حج فيه النبي صلى الله عليه و سلم اتفق فيه حج الملل
قال أبو جعفر وأولاها القول الأول لجلة من قاله
ويدلل على صحته حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة بعثني أبو بكر رضي الله عنه فيمن

أذن يوم النحر بمنى ألا يحج بعد هذا العام مشرك
وأيضا فإن عرفات قد يأتيها الناس ليلا وقول النبي صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع أي يوم أحرم قالوا يوم الحج الأكبر قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام آحرمه يومكم هذا
فدل على أنه يوم النحر لأن منى من الحرم وليست عرفات منه وقول يجوز ابن سيرين غلط لأن المسلمين والمشركين حجوا قبل ذلك بعام ونودي فيهم أن لا يحج بعد ذلك مشرك
وقد يجوز أن يكون النداء كان بمنى وعرفات فيصح القولان

4 - وقوله جل وعز إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا آية 4
وقرأ عطاء بن سنان ثم لم ينقضوكم شيئا
يقال إن هذا مخصوص يراد به بنو ضمرة خاصة ثم قال فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم أي وإن كانت أكثر من أربعة أشهر
وقوله جل وعز وخذوهم أي أسروهم ويقال للأسير أخيذ واحصروهم أي احبسوهم
5 - وقوله جل وعز وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله آية 6
أي استجارك من القتل حتى يسمع كلام الله فأجره
6 - وقوله جل وعز فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم آية 7
أي فما أقاموا على العهد ولم ينقضوه فأوفوا لهم

7 - وقوله جل وعز كيف وإن يظهروا عليكم آية 8
معناه كيف يكون لهم عهد وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة
روى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ألإل الله جل وعز
وروى ابن جريج عن مجاهد قال الإل العهد
وقال أبوعبيدة الإل العهد والذمة التذمم
وقال قتادة الحلف والذمه العهد
وقال الضحاك الإل القرابة والذمة العهد

قال أبو جعفر وهذا أحسنها والأصل في هذا أنه يقال أذن موللة أي محددة الألة الحربة فإذا قيل للعهد إل فمعناه أنه قد حدد وإذا قيل للقرابة فمعناه إن أحدهما يحاد صاحبه ويقاربه وأنشد أهل اللغة ... لعمرك إن إلك من قريش ... كإل السقب من رأل النعام ...
فأما ما روي عن أبي مجلز ومجاهد أن الإل الله جل وعز فغير معروف لأن أسماء الله جل وعز معروفة والذمة العهد

قول معروف ومنه أهل الذمة إنما هم أهل العهد وتذممت أن أفعل استحييت فصرت بمنزلة من عليه عهد
8 - وقوله جل وعز فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين آية 11
أي فهم مثلكم قد غفر لهم نقضهم العهد وكفرهم
9 - ثم قال جل وعز وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم آية 12 أي نقضوا وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر أي رؤساءه
وقيل هذا يوجب القتل على من طعن في الإسلام وإن كان له عهد لأن ذلك ينقض عهده
10 - ثم قال جل وعز إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون آية 12
روي عن عمار بن ياسر أنه قال أي لا عهد لهم وقرأ

الحسن لا إيمان لهم
قال أبو جعفر وقراءته تحتمل معنيين
أحدهما لا إسلام لهم على النفي كما تقول لا علم له
والمعنى الآخر أي يكون مصدرا من قولك آمنته إيمانا أي لا تؤمنوهم ولكن اقتلوهم
11 - وقوله جل وعز وهم بدؤكم أول مرة آية 13
قال مجاهد قاتلوا حلفاء رسول الله ثم قال أتخشونهم أي أتخشون عاقبتهم فالله أحق أن تخشوه أي تخشوا عاقبته ثم وعدهم النصر وذلك من علامات النبوة فقال قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين فدل بهذا على أن غيظهم كان قد اشتد

قال مجاهد يعني خزاعة حلفاء رسول الله
1 - ثم قال جل وعز ويتوب الله على من يشاء آية 15
وهذا منقطع مما قبله
13 - وقوله جل وعز أم حسبتم أن تتركوا 0 آية 16 وذلك انهم لما أمروا بالقتال تبين نفاق المنافقين
14 - ثم قال جل وعز ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم آية 16
وقد علم ذلك علم غيب وإنا تقع المجازاة على العلم المشاهد
15 - ثم قال جل وعز ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة 0 آية 16

الوليجة البطانة من ولج يلج ولوجا إذا دخل فالمعنى دخيلة مودة من دون الله ورسوله
16 - وقوله جل وعز ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله آية 17
هكذا قرأ ابن عباس وهو اختيار أبي عمرو واحتج بقوله تعالى فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا
ومن قرأ ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله فتحتمل قراءته معنيين
أحدهما أن يكون لجميع المساجد
والآخر أن يراد به المسجد الحرام خاصة وهذا جائز فيما كان من أسماء الجنس كما يقال قد صار فلان يركب الخيل وإن لم يركب إلا فرسا
والقراءة مساجد أصوب لأنه يحتمل المعنيين وقد أجمعوا على قراءة قوله إنما يعمر مساجد الله على الجمع

17 - وقوله جل وعز أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر آية 19
والمعنى أجعلتم أهل سقاية الحاج كما قال واسال القرية
ومن قرأ أجعلتم سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام فهو عنده على غير حذف
قال الشعبي نزلت في علي بن أبي طالب والعباس
وقال الحسن نزلت في علي والعباس وعثمان بن طلحة الحجبي وشيبة
وقال محمد بن سيرين خرج علي بن أبي طالب رحمة الله عليه من المدينة إلى مكة فقال للعباس يا عم الا تهاجر الا تمضي إلى النبي فقال أنا أعمر البيت وأحجبه فنزلت

أجعلتم سقاية الحاج إلى آخر الاية
18 - وقوله جل وعز أعظم درجة عند الله آية 20
أي من غيرهم أي ارفع منزلة من سقاة الحاج وعمار المسجد الحرام والجهاد هم الفائزون بالجنة الناجون من النار والفايز الذي ظفر بامنيته
19 - ثم قال جل وعز يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان آية 21
أي يعلمهم في الدنيا ولهم في الآخرة

20 - وقوله جل وعز لقد نصركم الله في مواطن كثيرة آية 25
أي في أماكن ومنه استوطن فلان المكان أي أقام به
21 - ثم قال جل وعز ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم آية 26
أي ونصركم يوم حنين
قال قتادة حنين اسم ماء بين مكة والطائف قال وكان النبي في اثني عشر ألفا من المهاجرين والأنصار وألفين من الطلقاء فقال رجل لن تغلبوا اليوم فتفرق أكثرهم ثم دعا النبي فأجيب ونصر فأعلمهم الله جل وعز أنهم لم يغلبوا من كثرة وإنما يغلبون بأن ينصرهم الله

22 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس آية 28
يقال لكل مستقذر نجس فإذا قلت رجس نجس كسرت الراء والنون وأسكنت الجيم
23 - وقوله جل وعز فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا آية 28
روى ابن جريج عن عطاء قال يريد بالمسجد الحرام الحرم كله
وروى ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام إلا ان يكون عبد أو أحد من أهل الجزية
وهذا مذهب الكوفيين ان المشركين في الآية يراد بهم من ليس له عهد وأن ذلك في سائر المساجد
ومذهب المدنيين أن الآية عامة لجميع الكفار وانه يحال بينهم وبين جميع المساجد

ومذهب الشافعي ان المشركين ها هنا عام أيضا كقول مالك إلا أنه قال إنما ذلك في المسجد الحرام خاصة
ومذهب المدنين في هذا أحسن لقول الله جل وعز في بيوت أذن الله أن ترفع أي تصان فيجب على هذا ان ترفع عن دخولهم لأنهم لا يعظمونها في دخولهم
24 - وقوله جل وعز وإن خفتم عيلة آية 28
والعيلة الفقر يقال عال يعيل عيلة ومنه ووجدك عائلا فأغنى
وقال علقمة في مصحف عبد الله بن مسعود وإن خفتم عائلة ومعناه خصلة شاقة يقال عالني الأمر يعولني أي شق علي واشتد
25 - وقوله جل وعز قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر آية 29

المعنى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله إيما الموحدين لأن أهل الكتاب يؤمنون بالله ويقولون له ولد تعالى عن ذلك
ويؤمنون بالآخرة ويقولون لا أكل فيها ولا شراب فهذا خلاف على ما أمر الله له جل وعز
26 - ثم قال جل وعز ولا يدينون دين الحق آية 29
قال أبوعبيدة مجازه ولا يطيعون طاعة الحق
قال أبو جعفر أي طاعة أهل الإسلام وكل مطيع ملكا فهو دائن له يقال دان فلان لفلان
قال زهير ... لئن حللت بجو في بني أسد ... في دين عمرو وحالت دوننا فدك

27 - ثم قال جل وعز من الذين أوتوا الكتاب آية 29
وهم اليهود والنصارى وسن رسول الله صلى الله عليه و سلم في المجوس أن يجروا مجراهم
28 - ثم قال جل وعز حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون آية 29
روى أبو صالح عن ابن عباس في قوله جل وعز وهم صاغرون قال يمشون بها ملبين
وروى عطاء عن أبي البختري عن سلمان قال مذمومين
وروى محمد بن ثور عن معمر عن قتادة عن يد قال عن مهر
وقيل معنى يد عن إنعام يد أي عن إنعام منكم

عليهم لأنهم إذا أخذت منهم الجزية فقد أنعم عليهم بذلك
وقيل وهو أصحها يؤدونها بأيديهم ولا يوجهون بها كما يفعل الجبارون
وقال سعيد بن جبير يدفعها وهو قائم والذي يأخذها منه جالس
وأكثر أهل اللغة على أن المعنى عن قهر وذلة كما تقول اليد في هذا لفلان
ومذهب الشافعي في هذا أن تؤخذ الجزية منهم وأحكام المسلمين جارية عليهم

ثم قال وهم صاغرون
قال أبو عبيدة الصاغر الذليل الحقير
وقال غيره الذي يتلتل ويعنف به
29 - ثم قال جل وعز ذلك قولهم بأفواههم آية 30
يقال قد علم أن القول بالفم فما الفائدة في قوله بأفواههم
والجواب عن هذا انه لا بيان عندهم ولا برهان لهم لأنهم يقولون اتخذ الله صاحبة ويقولون له ولد وقولهم بلا حجة
30 - ثم قال جل وعز يضاهون قول الذين كفروا من قبل آية 30
أي يشابهون ويقتفون ما قالوا
ويقرأ يضاهئون والمعنى واحد يقال امرأة ضهيا مقصورة وضهياء ممدود غير مصروف إذا كانت لا تحيض

ويقال هي التي لا ثدي لها
والمعنى أنها قد أشبهت الرجال في هذه الخصلة فمن جعل الهمزة أصلا قال يضاهئون ومن جعلها زائدة وهو أجود قال يضاهون
31 - ثم قال تعالى قاتلهم الله أنى يؤفكون آية 30
فخوطبوا بما يعرفون أي يجب أن يقال لهم هذا
ثم قال أنى يؤفكون أي من أن يصرفون عن الحق بعد البيان
32 - ثم قال جل وعز اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله آية 31
روى الأعمش وسفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البختري قال سئل حذيفة عن قول الله جل وعز اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله هل عبدوهم فقال لا

ولكنهم أحلوا لهم الحرام فاستحلوه وحرموا عليهم الحلال فحرموه
حدثنا أبو جعفر قال نا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن بنت أحمد بن منيع قال نا الحماني قال نا عبد السلام بن حرب عن غضيف وهو ابن أعين عن مصعب بن سعد عن عدي بن حاتم قال أبصر النبي صلى الله عليه و سلم في رقبتي صليبا من ذهب فقال اطرح هذا عنك قال وسئل عن قوله تعالى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله قال أما إنهم ما كانوا يعبدونهم ولكن كانوا يحلون لهم ما حرم الله عليهم فيستحلونه ويحرمون عليهم ما احل الله لهم فيحرمونه
33 - وقوله جل وعز والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله آية 34
يجوز أن يكون المعنى ولا ينفقون الكنوز لأن الكنوز تشتمل

على الذهب والفضة ها هنا
ويجوز أن يكون لأحدهما كما قال والله ورسوله أحق أن يرضوه
وفي هذه الآية أقوال
روى عكرمة عن ابن عباس وعطية ونافع عن ابن عمر أنهما قالا ما أديت زكاته فليس بكنز
ويقوي ذلك أن ابن جريج روى عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال
إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت شره عنك
وقيل إن هذه الآية نزلت في المشركين
وقال أبو هريرة من خلف عشرة آلاف جعلت صفائح وعذب بها حتى ينقضي الحساب

وقال أبو أمامة من خلف بيضاء أو صفراء كوي بها مغفورا له أو غير مغفور له وإن حله السيف من ذلك
وروى موسى بن عبيدة عن عمران بن أبي أنس عن مالك ابن أوس بن الحدثان عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من جمع دينارا أو درهما أو تبرا أو فضة لا يعده لغريم ولا ينفقه في سبيل الله فهو كنز يكوى به يوم القيامة
وقال معاوية نزلت في أهل الكتاب فرد عليه أبو ذر وقال نزلت فينا وفيهم
وحديث ابن عمر في هذا حسن على توقيه وهو جيد الإسناد رواه مالك وأيوب وعبيد الله عن نافع عن ابن عمر
وقد روي أيضا عن عمر أنه قال ليس كنزا ما أديت زكاته
وكذلك قال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز إلا أنه قال أراها منسوختا لقوله تعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وليس في الخبر ناسخ ولا منسوخ

وروى أبو زبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ما من عبد لا يؤدي زكاة ماله إلا أتى له بماله فأحمي عليه في نار جهنم فتكوى به جنباه وجبهته وظهره حتى يحكم الله بين عباده وذكر الحديث
34 - وقوله جل وعز إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم آية 36
الأربعة الحرم المحرم ورجب وذو القعدة وذوالحجة
ثم قال جل وعز ذلك الدين القيم

الدين ها هنا الحساب أي ذلك الحساب الصحيح والعدد المستوفى
وعن ابن عباس ذلك الدين القيم قال القضاء القيم
وقال أبو عبيدة أي القائم فلا تظلموا فيهن أنفسكم آية 36
أكثر أهل التفسير على أن المعنى فلا تظلموا في الأربعة أنفسكم وخصها تعظيما كما قال فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج
وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران

عن ابن عباس فلا تظلموا فيهن أنفسكم في الاثني عشر
وروى قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد بن الحنفية قال فيهن كلهن
35 - وقوله جل وعز إنما السيء زيادة في الكفر آية 37
النسيء التأخير ومنه نسأ الله في أجلك
36 - ثم قال جل وعز يضل به الذين كفروا آية 37
قال الزهري وقتادة والضحاك وأبو وائل والشعبي كانوا ربما أخروا تحريم المحرم إلى صفر
قال قتادة وكانوا يسمونها الصفرين
وقال مجاهد كان لهم حساب يحسبون فربما قالوا لهم الحج في هذه السنة في المحرم فيقبلون منهم
ودل على هذا قوله ولا جدال في الحج أي إنه في ذي الحجة
قال أبو جعفر وابين ما في هذا ما حدثناه بكر بن سهل قال نا أبو صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس إنما النسيء زيادة في الكفر قال كان جنادة بن

أمية يوافي الموسم كل عام وكان يكنى أبا ثمامة فينادي الا إن ابا ثمامة لا يخاب ولا يعاب الا وإن صفر العام الأول العام حلال فيحله للناس ويحرم صفرا عاما ويحرم المحرم عاما فذلك قول الله جل وعز إنما النسيء زيادة في الكفر الآية قال والنسيء تركهم المحرم عاما وعاما يحرمونه
وقرأ الحسن يضل به الذين كفروا يعني بالذين كفروا الحساب الذين يقولون لهم هذا
ويروى عن عبد الله بن مسعود يضل به الذين كفروا أي يضل به الذين يقبلون من الحساب

ويحتج لمن قال بالقول الأول بقوله جل وعز يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله أي ليوافقوا فيحرموا أربعة كما حرم الله جل وعز أربعة
37 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض آية 38
قال مجاهد في غزوة تبوك أمروا بالخروج في شدة الحر وقد طابت الثمار وقالوا إلى الظلال
38 - ثم قال جل وعز أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة آية 38 أي أرضيتم بنعيم الحياة الدنيا من نعيم الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل
والمتاع المنفعة والنعيم
39 - وقوله جل وعز إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار آية 40

قال الزهري خرج هو وأبو بكر ودخلا غارا في جبل ثور فاقاما فيه ثلاثا
والمعنى فقد نصره الله ثاني اثنين أي نصره الله منفردا إلا من أبي بكر رضي الله عنه
40 - وقوله جل وعز فأنزل الله سكينته عليه آية 40
يجوز أن تكون تعود على أبي بكر والأشبه على قول أهل النظر ان تكون تعود على أبي بكر لأن النبي قد كانت عليه السكينة وهي السكون والطمأنينة لأنه جل وعز أخبر عنه انه قال لاتحزن إن الله معنا وسأذكر هذا في الإعراب على غاية الشرح
41 - وقوله جل وعز انفروا خفافا وثقالا آية 41

في معنى هذا أقوال منها أن أنس بن مالك روى أن أبا طلحة تأولها شبابا وشيوخا
وقال المقداد لا أجدني الا مخفا أو مثقلا
وقال الحسن في العسر واليسر
وروى سفيان عن حصين بن عبد الرحمن عن أبي ملك الغفاري قال أول ما نزل من سورة براءة انفروا خفافا وثقالا
وقال أبو الضحى كذلك أيضا
ثم نزل أولها وآخرها
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد انفروا خفافا وثقالا قال فيه الثقيل وذو الحاجة والضيعة والشغل وانزل الله عز و جل انفروا خفافا وثقالا

وروى سفيان عن منصور في قوله انفروا خفافا وثقالا قال مشاغيل وغير مشاغيل
وقال قتادة ومذهب الشافعي ركبانا ومشاة
وقال قتادة نشاطا وغير نشاط
وقال زيد بن أسلم المثقل الذي له عيال والمخف الذي لا عيال له
وهذا حين كان أهل الإسلام قليلا ثم نزل وما كان المؤمنون لينفروا كافة
قال ابو جعفر وهذه الأقوال متقاربة
والمعنى انفروا على كل الأحوال
ومن أجمع هذه الأقوال قول الحسن
حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن محمد الكناني بالأنبار قال نا نصر بن علي قال أخبرني أبي قال نا شعبة عن منصور بن

زاذان عن الحسن انفروا خفافا وثقالا قال في العسر واليسر
وقول أبي طلحة حسن لأن الشاب تخف عليه الحركة والشيخ تثقل عليه
42 - وقوله جل وعز لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك آية 42
العرض ما يعرض من منافع الدنيا أي لو كانت غنيمة قريبة وسفرا قاصدا أي سهلا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة والشقة الغاية التي يقصد إليها
43 - وقوله جل وعز عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين آية 43
أي حتى يتبين من نافق ومن لم ينافق
قال مجاهد هؤلاء قوم قالوا نستأذن في الجلوس فإن أذن

لنا جلسنا وإن لم يؤذن لنا جلسنا
وقال قتادة نسخ هذه الآية بقوله في سورة النور فإن استأذنوك لبعض شأنهم فاذن لمن شئت منهم
ثم بين أن أمارة الكفر الاستئذان في التخلف فقال تعالى لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم آية 44
44 - وقوله جل وعز ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم آية 46
التثبيط رد الإنسان عما يريد أن يفعله
45 - وقوله جل وعز لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا 0 آية 47 الخبال الفساد وذهاب الشيء

46 - ثم قال جل وعز ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة آية 47 الايضاع سرعة السير
قال أبو إسحاق معنى خلالكم فيما يخل بكم
وقال غيره بينكم
وقيل الفتنة ها هنا الشرك
47 - ثم قال جل وعز وفيكم سماعون لهم آية 47 فيه قولان أحدهما فيكم من يستمع ويخبرهم بما يريدون
والقول الآخر فيكم من يقبل منهم مثل سمع الله لمن حمده

والقول الأول أولى لأنه الأغلب من معنييه أن معنى سماع يسمع الكلام ومثله سماعون للكذب
والقول الثاني لا يكاد يقال فيه إلا سامع مثل قائل
48 - وقوله جل وعز ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني 0 آية 49 فيه قولان
قال الضحاك ولا تكفرني وكذلك قال قتادة أي ولا تؤثمني
ومعناه لا تؤثمني بالخروج وهو لا يتيسر لي فإذا تخلفت أثمت
والقول الآخر وهو قول مجاهد أنه قيل لهم تغزون فتغنمون بنات الأصفر فقال بعضهم لا تفتني ببنات الأصفر

قال أبو إسحاق في الجد بن قيس أحد بني سلمة وهو الذي قال هذا
49 - وقوله جل وعز إن تصبك حسنة تسؤهم آية 50
أي إن تظفر وتغنم يسؤوهم ذلك وإن تصبك مصيبة تهزم يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل أي قد أخذنا بالحزم إذ لم نخرج كذلك
وقال مجاهد معناه حذرنا
50 - وقوله جل وعز قل لن يصيبنا إلا ما تحب كتب الله لنا آية 51 في معناه قولان
أحدهما إلا ما قدر الله علينا
والآخر إلا ما أخبرنا به في كتابه من أنا نقتل فنكون شهداء أو نقتلكم
وكذلك معنى قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين آية 52

51 - وقوله جل وعز فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا آية 55
فيه تقديم وتأخير
المعنى فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم في الآخرة وهذا قول أكثر أهل العربية ويجوز أن يكون المعنى فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم في الدنيا لأنهم منافقون فهم ينفقون كارهين فيعذبون بما ينفقون
ثم قال وتزهق أنفسهم أي تخرج
52 - وقوله جل وعز لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون آية 57
قال قتادة الملجأ الحصون والمغارات الغيران

والمدخل الأسراب
قال أبو جعفر وهذا قول حسن عند أهل اللغة لأنه يقال للحصن ملجأ ولجأ والمغارات من غار يغور إذا استتر
وتقرأ أو مدخلا بتشديد الدال والخاء وتقرأ أو مدخلا ومعانيها متقاربة إلا أن مدخلا من دخل يدخل ومدخلا من أدخل يدخل أي لو يجدون قوما يدخلونهم في جملتهم أو قوما يدخلون معهم أو مكانا يدخلون فيه لولوا إليه أي لو وجدوا أحد هذه الأشياء لولوا إليه وهم يجمحون أي يسرعون لا يرد وجوههم شيء
ومنه فرس جموح
53 - وقوله جل وعز ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا آية 58

قال مجاهد أي يروزك ويسألك
وقال قتادة أي يطعن عليك
قال أبو جعفر والقول عند أهل اللغة قول قتادة يقال لمزه يلمزه إذا عابه ومنه فلان همزة لمزة أي عياب للناس
ويقال اللمزة هو الذي يعيب في سر وإن الهمزة هو الذي يشير بعينيه
وهذا كله يرجع إلى أنه يعيب
54 - وقوله جل وعز إنما الصدقات للفقراء والمساكين آية 60
قال قتادة الفقير المحتاج الذي له زمانه والمسكين

الصحيح المحتاج
وقال مجاهد والزهري الفقير الذي لا يسأل والمسكين الذي يسأل
حدثنا محمد بن إدريس بن أسود قال نا يونس قال أنبأنا ابن وهب قال أخبرني جرير بن حازم عن علي بن الحكم عن الضحاك قال الفقراء من المهاجرين والمساكين من الأعراب
قال وكان ابن عباس يقول الفقراء من المسلمين والمساكين من أهل الذمة
قال أبو جعفر الذي قاله الزهري ومجاهد حسن لأن المسكين مأخوذ من السكون والخضوع فالذين يسألون يظهر عليهم السكون والخضوع
وإن كان الذي يسأل والذي لا يسأل يجتمعان في اسم الفقر

فإن الطي يظهر عليه مع الفقر ما ذكرنا
وفقير في اللغة إنما يعرف بأن يقال إلى كذا
فالمعنى والفقراء إلى الصدقة ومسكين عليه ذلة لأنه قد يكون به فقر إليها ولا ذلة عليه فيها
وقال اهل اللغة لا نعلم بينهم اختلافا
الفقير الذي له بلغة والمسكين الذي لا شيء له
وأنشدوا ... أما الفقير الذي كانت حلوبته ... وفق العيال فلم يترك له سبد ...
وقال يونس قلت لأعرابي أفقير أنت فقال لا بل مسكين

وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم
ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يسأل ولا يفطن له فيعطى ولا يجد غنى يغنيه
قال أبو جعفر قال علي بن سليمان الفقير مشتق من قولهم فقرت له فقرة من مالي أي أعطيته قطعة فالفقير على هذا الذي له قطعة من المال والمسكين مأخوذ من السكون كأنه بمنزلة من لا حركة له
وقال بعض الفقهاء المسكين الذي له شيء واحتج بقول الله عز و جل أما السفينة فكانت لمساكين يعلمون في البحر
قال أبو جعفر وهذا الاحتجاج لا يلزم لأنك تقول هذا التمر لهذه النخلة وهذا البيت لهذه الدار لا تريد الملك فيجوز أن يكون قيل لمساكين لأنهم كانوا يعلمون فيها

وقد قيل إنه إنما تمثيل كما قال النبي صلى الله عليه و سلم لبعض النساء يا مسكينة عليك السكينة
55 - ثم قال عز و جل والعاملين عليها آية 60
وهم السعاة ومن كان مثلهم
56 - ثم قال تعالى والمؤلفة قلوبهم آية 60
قال الشعبي هؤلاء كانوا في وقت النبي صلى الله عليه و سلم يتألفون فلما ولي أبو بكر رضي الله عنه زال هذا
قال أبو جعفر حديث الشعبي إنما رواه عنه جابر الجعفي وقد قال يونس سألت الزهري قال لا أعلم أنه نسخ من ذلك شيء
فعلى هذا الحكم فيهم ثابت فإن كان أحد يحتاج إلى تألفه ويخاف أن يلحق المسلمين منه آفة أو يرجى أن يحسن إسلامه بعد دفع إليه

57 - ثم قال جل وعز وفي الرقاب آية 60
أي وفي فك الرقاب
قيل هم المكاتبون
وقيل تبتاع الرقاب فيكون الولاء للمسلمين
58 - ثم قال جل وعز والغارمين آية 60 قال مجاهد هم الذين أحرقت النار بيوتهم وأذهب السيل مالهم فادانوا لعيالهم
وروي عن ابي جعفر ومجاهد وقتادة قالوا الغارم من استدان لغير معصية
قال أبو جعفر وهذا لا يكون غيره لأنه إذا كان ذا دين في

معصية فقضي عنه فقد اعين على المعصية
والغرم في اللغة الخسران فكأن المستدين لا يجد قضاء دينه قد خسر ماله ومنه إن عذابها كان غراما أي هلاكا وخسرانا
ثم قال تعالى وفي سبيل الله أي في طاعة الله أي للمجاهدين والحجاج وابن السبيل
روى جابر عن أبي جعفر أنه قال هو المجتاز من أرض إلى ارض
قال أبو جعفر والسبيل في اللغة الطريق فابن السبيل هو الذي قطعت عليه الطريق أو جاء من أرض العدو وقد أخذ

ماله
قالت الفقهاء ابناء السبيل الغائبون عن أموالهم الذين لا يصلون إليها لبعد المسافة بينهم وبينها حتى يحتاجوا إلى الصدقة فهي إذ ذاك لهم مباحة فقد صاروا إلى حكم من لا مال له
روى المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن حذيفة في قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين
قال إنما ذكر الله هذه الصدقات لتعرف واي صنف أعطيت منها أجزاك
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس إنما الصدقات لفقراء والمساكين قال في ايها وضعت أجزأ عنك
59 - وقوله جل وعز ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن آية 61
قال مجاهد هؤلاء قوم من المنافقين ذكروا النبي فقالوا نقول فيه فإن بلغه ذلك حلفن له فصدقنا

وكذلك الأذن في اللغة يقال هو أذن إذا كان يسمع ما يقال له ويقبله
فالمعنى إن كان الأمر على ما يقولون أن يكون قريبا منكم يقبل اعتذاركم
60 - ثم قال جل وعز قل اذن خير لكم آية 61
أي إن كان كما قلتم
ثم أخبر انه يؤمن بالله
ومن قرأ قل أذن خير لكم ذهب إلى ان معناه قل هو مستمع خير لكم
61 - وقوله جل وعز والله ورسوله أحق ان يرضوه آية 62 المعنى عند سيبويه والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن

يرضوه ثم حذف كما قال الشاعر ... نحن بما عندنا وانت بما ... عندك راض والرأي مختلف ...
وقال أبو العباس هو على غير حذف والمعنى والله أحق أن يرضوه ورسوله
وقال غيرهما المعنى ورسول الله أحق اين يرضوه وقوله جل وعز والله افتتاح كلام كما تقول هذا لله ولك

62 - وقوله جل وعز الم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله آية 63
معناه يعادي ويجانب يقال حاد فلان أي صار في حدة
غير حده 63 وقوله جل وعز يحذر المنافقون ان تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم آية 649
قال مجاهد هؤلاء قوم من المنافقين ذكروا النبي والمسلمين وقالوا نرجو أن لا يفشي الله علينا
64 - وقوله جل وعز ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب آية 65
فالمعنى ولئن سالتهم عما قالوا
قال قتادة هؤلاء قوم من المنافقين قالوا في غزوة تبوك ايطمع محمد ان يدخل بلاد الروم ويخرب حصونهم فأطلع الله النبي على ما قالوا فدعا بهم فقال اقلتم كذا وكذا فقالوا إنما كنا نخوض ونلعب

وقال سعيد بن جبير قالوا إن كان ما يقول محمد حقا فنحن حمير فأطلعه الله جل وعز على ما قالوا فسألهم فقالوا إنما كنا نخوض ونلعب
65 - قال عز و جل قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم آية 65
أي قد ظهر منكم الكفر بعد ظهور الإيمان
66 - وقوله جل وعز ويقبضون أيديهم آية 67
قال مجاهد أي لا يبسطونها في حق ولا فيما يجب
67 - ثم قال جل وعز نسوا الله فنسيهم آية 67
قال قتادة أي نسيهم من الخير فأما من الشر فلم ينسهم
والمعنى عند أهل اللغة تركوا أمر الله فتركهم من رحمته وتوفيقه يقال نسي الشيء إذا تركه

68 - وقوله جل وعز خالدين فيها هي حسبهم آية 68
أي هي كافيهم أي هي على قدر أعمالهم ويقال أحسبني الشيء أي كفاني
69 - وقوله جل وعز فاستمتعوا بخلاقهم آية 69
قال قتادة أي بدينهم والمعنى عند أهل اللغة فاستمتعوا بنصيبهم من الدنيا
70 - وقوله جل وعز والمؤتفكات آية 70
قال قتادة هي مدائن قوم لوط
وقال أهل اللغة سميت مؤتفكات لأنها ائتفكت بهم أي انقلبت وهو من الإفك وهو الكذب لأنه مقلوب ومصروف عن الصدق
71 - وقوله جل وعز يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم آية 73

قال الحسن أي جاهد الكفار بالسيف والمنافقين بإقامة الحدود عليهم وباللسان
وقال قتادة أي جاهد الكفار بالقتال والمنافقين بالإغلاظ في القول
72 - وقوله جل وعز يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامعم آية 74
قال مجاهد سمعهم رجل من المسلمين وهم يقولون إن كان ما جاء به محمد حقا فنحن حمير فقال لهم فنحن نقول ما جاء به حق فهل نحن حمير فهم المنافق بقتله فذلك قوله وهموا بما لم ينالوا آية 74
وقال غير مجاهد هموا بقتل النبي صلى الله عليه و سلم فأطلعه الله على ذلك
73 - ثم قال جل وعز وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله آية 74
أي ليس ينقمون شيئا كما قال النابغة

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب ...
74 - وقوله جل وعز ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن آية 75
قال قتادة هذا رجل من الأنصار قال لئن رزقني الله شيئا لأودين فيه حقه ولأتصدقن فلما آتاه الله ذلك فعل ما نص عليكم فاحذروا الكذب فإنه يؤدي إلى الفجور
وروى علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة الباهلي أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا

رسول الله ادع الله ان يرزقني مالا فقال ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه قال ثم رجع إليه فقال يا رسول الله ادع الله ان يرزقني مالا
قال ويحك يا ثعلبة اما ترضى ان تكون مثل رسول الله والله لو سألت الله أن يسيل علي الجبال ذهبا وفضة لسالت
ثم رجع فقال يا رسول الله ادع الله ان يرزقني مالا فوالله لئن أتاني الله مالا لأوتين كل ذي حق حقه فقال رسول الله اللهم ارزق ثعلبة مالا اللهم ارزق ثعلبة مالا فاتخذ غنما فنمت حتى ضاقت عليها أزقة المدينة فتنحى بها فكان يشهد الصلوات مع رسول الله ثم نمت حتى تعذرت عليها مراعي المدينة فتنحى بها مكانا يشهد الجمع مع رسول الله ثم نمت فتباعد بها فترك الجمع والجماعات فأنزل الله على رسوله خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها فخرج مصدقوا رسول الله فمنعهم وقال حتى القى رسول الله فانزل الله جل وعز ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله إلى آخر الآية القصة فأخبر ثعلبة فأقبل واضعا على رأسه التراب حتى أتى النبي فلم يقبل منه ثم أتى أبا بكر فلم يقبل منه ثم اتى عمر فأبى

أن يقبل منه ثم أتى عثمان فلم يقبل منه ومات في خلافته
75 - ثم قال جل وعز فأعقبهم نفاقا في قلوبهم آية 77
يجوز ان يكون المعنى فأعقبهم الله نفاقا
ويجوز ان يكون المعنى فاعقبهم البخل لأن قوله بخلوا يدل على البخل
76 - وقوله جل وعز الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات آية 79
قال قتادة أي يعيبون المؤمنين قال وذلك أن عبد الرحمن بن عوف تصدق بنصف ماله وكان ماله ثمانية آلاف دينار فتصدق منها بأربعة آلاف فقال قوم ما أعظم رياه

فأنزل الله جل وعز الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات وجاء رجل من الأنصار بنصف صبرة من تمر فقالوا ما أغنى الله عن هذا فأنزل الله والذين لا يجدون إلا جهدهم
قرىء جهدهم و جهدهم بالضم والفتح
قال أبو جعفر وهما لغتان بمعنى واحد عند البصريين
وقال بعض الكوفيين الجهد المشقة والجهد الطاقة
77 - ثم قال جل وعز فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب اليم آية 79
ومعنى سخر الله منهم جازاهم الله على سخريتهم فسمى

الثاني باسم الأول على الازدواج
78 - وقوله جل وعز استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم آية 80
يروى أن النبي قال لأستغفرن لهم أكثر من سبعين مرة فنزلت سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم فترك الاستغفار لهم
79 - وقوله جل وعز فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا ان يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله آية 81
الخلاف المخالفة والمعنى من أجل مخالفة رسول الله كما تقول جئتك ابتغاء العلم

ومن قرأ خلف رسول الله أراد التأخر عن الجهاد
80 - وقوله جل وعز قل نار جهنم أشد حرا آية 81
فيه معنى الوعيد والتهديد
81 - ثم قال جل وعز فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون آية 82
قال أبو رزين يقول الله أمر الدنيا قليل فليضحكوا فيها ما شاءوا فإنهم سيبكون في النار بكاء لا ينقطع فذلك الكثير
وقال الحسن فليضحكوا قليلا في الدنيا وليبكوا كثيرا في الآخرة في جهنم جزاء بما كانوا يكسبون
82 - وقوله جل وعز فاقعدوا مع الخالفين

آية 83
والخالف الذي يتخلف مع مال الرجل وفي بيته
83 - ثم قال جل وعز ولا تصل على أحد منهم مات أبدا آية 84
روي عن أنس بن مالك ان النبي تقدم ليصلي على عبد الله بن ابي فاخذ جبريل بردائه فقال ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره
ويروى ان النبي كان إذا صلى على واحد منهم وقف على قبره فدعا له

84 - وقوله عز و جل رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون آية 87
قال مجاهد وقتادة الخوالف النساء
وقال غيرهما الخوالف أخساء الناس وأردياؤهم ويقال فلان خالفة اهله إذا كان دونهم
قال أبو جعفر وأصله من خلف اللبن يخلف خلفة إذا حمض من طول مكثه وخلف فم الصائم إذا تغير ريحه
ومنه فلان خلف سوء
فأما قول قتادة فاقعدوا مع الخالفين أي مع النساء فليس بصواب لأن المؤنث لا يجمع كذا ولكن يكون المعنى مع الخالفين للفساد على ما تقدم

ويجوز أن يكون المعنى مع مرضى الرجال وأهل الزمانة
85 - وقوله جل وعز وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم آية 90 وقرأ ابن عباس وجاء المعذرون
قال أبو جعفر المعذرون يحتمل معنيين
أحدهما أن يكون المعنى الأصل المعتذرون ثم أدغمت التاء في الذال ويكونون الذين لهم عذر قال لبيد
... إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

وقد يعتذر ولا عذر
والقول الآخر ان يكون المعذرون الذين لا عذر لهم كما يقال عذر فلان
وزعم أبو العباس أن المعذر هو الذي لاعذر له
قال أبو جعفر ولا يجوز أن يكون بمعنى المعتذر لأنه إذا وقع الإشكال لم يجز الإدغام والمعذرون الذين قد بالغوا في العذر ومنه قد أعذر من أنذر أي قد بالغ في العذر من تقدم إليك فأنذرك
والمعذرون المعتذرون للإتباع والكسر على الأصل
86 - وقوله جل وعز ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع آية 92
قال الحسن وبكر بن عبد الله نزلت في عبد الله بن

المغفل من مزينة اتى النبي يستحمله
87 - وقوله جل وعز الأعراب أشد كفرا ونفاقا 0 آية 97
قال قتادة لأنهم ابعد عن معرفة السنن
وقال غيره لأنهم أجفى وأقسى وأبعد عن سماع التنزيل
88 - ثم قال جل وعز وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله آية 97
أي وأخلق بترك ما أنزل الله على رسوله

89 - وقوله جل وعز ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما آية 98
أي غرما وخسرانا
90 - ثم قال جل وعز ويتربص بكم الدوائر آية 98
الدوائر أي ما يدور به الزمان من المكروه وأصل الدوائر صروف الزمان مرة بالخير ومرة بالشر
91 - ثم قال جل وعز عليهم دائرة السوء آية 98
وتقرأ عليهم دائرة السوء
والسوء البلاء والمكروه والسوء الرداءة ويقال رجل سوء والرجل السوء

92 - وقوله جل وعز ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول آية 99
فالصلاة ها هنا الدعاء
قال الضحاك وصلوات الرسول يقول واستغفار الرسول
والصلاة تقع على ضروب
فالصلاة من الله جل وعز الرحمة والخير والبركة قال الله جل وعز هو الذي يصلي عليكم وملائكته
والصلاة من الملائكة الدعاء
وكذلك هي من النبي كما قال سبحانه وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم
أي دعاؤك تثبيت لهم وطمأنينة كما قال الشاعر ... تقول بنتي وقد قربت مرتحلا ... يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا

عليك مثل الذي صليت فاغتمضي ... نوما فإن لجنب المرء مضطجعا ...
93 - وقوله جل وعز والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان 0 آية 100
وروي عن عمر انه قرأ والأنصار
فمن قرأ بالخفض ذهب إلى أن المعنى ومن الأنصار
ومن قرأ بالرفع اراد الأنصار كلهم ولم يجعلهم من السابقين
قال سعيد بن المسيب وابن سيرين وقتادة والسابقون الذين صلوا القبلتين جميعا
وقال عطاء هم أهل بدر

وقال الشعبي هم الذين بايعوا بيعة الرضوان
94 - ثم قال جل وعز رضي الله عنهم ورضوا عنه آية 100
أي رضي الله أعمالهم ورضوا مجازاته عليها
95 - وقوله جل وعز وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق آية 101
في الكلام تقديم وتأخير المعنى وممن حولكم من الأعراب منافقون مردوا على النفاق ومن أهل المدينة أي من أهل المدينة مثلهم
96 - ثم قال جل وعز لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين آية 101
قال الحسن وقتادة عذاب الدنيا وعذاب القبر

قال قتادة ثم يردون إلى عذاب عظيم أي عذاب جهنم
وقيل سنعذبهم مرتين يعني السباء والقتل
وقال الفراء بالقتل وعذاب القبر
وقال مجاهد بالجوع والقتل
97 - وقوله جل وعز وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا آية 102
قال الضحاك هؤلاء قوم تخلفوا عن غزوة تبوك منهم أبو لبابة فندموا وربطوا أنفسهم إلى سواري المسجد فقال النبي لا اعذرهم فانزل الله جل وعز وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم

وعسى من الله واجبة فأتوا النبي بأموالهم فابى أي يقبلها فأنزل الله خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم
قال أبي وصل عليهم واستغفر لهم
وقيل هم الثلاثة الذين خلفوا والعمل الصالح الذي عملوه أنهم لحقوا برسول الله وربطوا أنفسهم بسواري المسجد وقالو لا نقرب أهلا ولا ولدا حتى ينزل الله عذرنا
وآخر سيئا هو تخلفهم عن غزوة تبوك حتى قدم رسول الله والأول الصحيح
98 - وقوله جل وعز ألم يعلموا ان الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات آية 104

أي ويقبلها
ومنه خذ العفو وأمر بالعرف
ومنه الحديث الصدقة تقع في يد الله عز و جل أي يقبلها
99 - وقوله جل وعز وآخرون مرجون لأمر الله آية 106 أي مؤخرون
يقال ارجأت الأمر وقد حكي أرجيت
100 - ثم قال جل وعز إما يعذبهم وإما يتوب عليهم آي 106
وإما لأحد أمرين ليكونوا كذا عندهم

ويقال إن المرجئين ههنا هم الثلاثة الذين خلفوا وذكرهم الله عز و جل في قوله وعلى الثلاثة الذين خلفوا
وقرأ عكرمة الذين خلفوا بفتح الخاء مخففا وقال أي خلفوا بعقب النبي
ومعنى خلفوا تركوا فلم تقبل توبتهم كما قرء على بكر ابن سهل عن ابي صالح عن الليث عن عقيل عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن ابيه كعب بن مالك وذكر الحديث وقال فيه وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن خلف له واعتذر إليه فقبل منه قال سهل بن سعد وكعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع العمري
قال مجاهد هم من الأوس والخزرج
101 - وقوله جل وعز والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا آية 107

أي ومنهم الذين اتخذوا مسجدا ضرارا أي مضارة
102 - ثم قال تعالى وتفريقا بين المؤمنين وإرصاد لمن حارب الله ورسوله من قبل آية 107
قال مجاهد هو أبو عامر خرج إلى الشام يستنجد قيصر على قتال المسلمين وكانوا يرصدون له
وقال أبو زيد يقال رصدته في الخير وارصدت له في الشر
وقال ابن الأعرابي لا يقال إلا أرصدت ومعناه ارتقيت
103 - وقوله جل وعز لا تقم فيه أبدا لمسجد اسس على التقوى من أول يوم أحق ان تقوم فيه آية 108


===

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب الإبانة عن أصول الديانة علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري أبو الحسن

  كتاب الإبانة عن أصول الديانة علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري أبو الحسن بسم الله الرحمن الرحيم وهو حسبي ونعم الوكيل وصلى الله على...