كتاب الوابل الصيب
كتاب الوابل الصيب
السعادة بثلاث : شكر النعمة والصبر على البلاء والتوبة من الذنب بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم الله سبحانه وتعالى المسؤول المرجو الإجابة أن يتولاكم في الدنيا والآخرة وأن يسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة وأن يجعلكم ممن إذا أنعم عليه شكر وإذا ابتلي صبر وإذا أذنب استغفر فإن هذه الأمور الثلاثة عنوان سعادة العبد وعلامة فلاحه في دنياه وأخراه ولا ينفك عبد عنها أبدا فإن العبد دائم التقلب بين هذه الأطباق الثلاث الأول : نعم من الله تعالى تترادف عليه فقيدها ( الشكر ) وهو مبني على ثلاثة أركان : الاعتراف بها باطنا والتحدث بها ظاهرا وتصريفها في مرضاة وليها ومسديها ومعطيها فإذا فعل ذلك فقد شكرها مع تقصيره في شكرها الثاني : محن من الله تعالى يبتليه بها ففرضه فيها ( الصبر ) والتسلي والصبر حبس النفس عن التسخط بالمقدور وحبس اللسان عن الشكوى وحبس الجوارح عن المعصية كاللطم وشق الثياب ونتف الشعر ونحوه فمدار الصبر على هذه الأركان الثلاثة فإذا قام به العبد كما ينبغي انقلبت المحنة في حقه منحة واستحالت البلية عطية وصار المكروه محبوبا فإن الله سبحانه وتعالى لم يبتله ليهلكه وإنما ابتلاه ليمتحن صبره وعبوديته فإن لله تعالى على العبد عبودية الضراء وله عبودية عليه فيما يكره كما له عبودية فيما يحب وأكثر الخلق يعطون العبودية فيما يحبون والشأن في إعطاء العبودية في المكاره ففيه تفاوت مراتب العباد وبحسبه كانت منازلهم عند الله تعالى فالوضوء بالماء البارد في شدة الحر عبودية ومباشرة زوجته الحسناء التي يحبها عبودية ونفقته عليها وعلى عياله ونفسه عبودية هذا والوضوء بالماء البارد في شدة البرد عبودية وتركه المعصية التي اشتدت دواعي نفسه إليها من غير خوف من الناس عبودية ونفقته في الضراء عبودية ولكن فرق عظيم بين العبودتين فمن كان عبدا لله في الحالتين قائما بحقه في المكروه والمحبوب فذلك الذي تناوله قوله تعالى : { أليس الله بكاف عبده } وفي القراءة الأخرى { عبادة } وهما سواء لأن المفر مضاف فينعم عموم الجمع فالكفاية التامة مع العبودية التامة والناقصة فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه وهؤلاء هم عباده الذين ليس لعدوه عليهم سلطان قال تعالى { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } ولما علم عدو الله إبليس أن الله تعالى لا يسلم عباده إليه ولا يسلطه عليهم قال : { فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين } وقال تعالى : { ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين * وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك } فلم يجعل لعدوه سلطانا على عباده المؤمنين فإنهم في حرزه وكلاءته وحفظه وتحت كنفه وإن اغتال عدوه أحدهم كما يغتال اللص الرجل الغافل فهذا لا بد منه لأن العبد قد بلي بالغفلة والشهوة والغضب ودخوله على العبد من هذه الأبواب الثلاثة ولو احتزر العبد ما احتزر فلا بد له من غفلة ولا بد له من شهوة ولا بد له من غضب وقد كان آدم أبو البشر ﷺ من أحلم الخلق وأرجحهم عقلا وأثبتهم ومع هذا فلم يزل به عدو الله حتى أوقعه فيه فما الظن بفراشة الحلم ومن عقله في جنب عقل أبيه كتفلة في بحر ؟ ولكن عدو الله لا يخلص إلى المؤمن إلا غيلة على غرة وغفلة فيوقعه ويظن أنه لا يستقبل ربه تعالى بعدها وأن تلك الوقعة قد اجتاحته وأهلكته وفضل الله تعالى ورحمته وعفوه ومغفرته وراء ذلك كله فإذا أراد الله بعبده خيرا فتح له من أبواب ( التوبة ) والندم والانكسار والذل والافتقار والاستعانة به وصدق اللجأ إليه ودوام التضرع والدعاء والتقرب إليه بما أمكن من الحسنات ما تكون تلك السيئة به رحمته حتى يقول عدو الله : يا ليتني تركته ولم أوقعه وهذا معنى قول بعض السلف : إن العبد ليعمل الذنب يدخل به الجنة ويعمل الحسنة يدخل بها النار قالوا : كيف ؟ قال : يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه منه مشفقا وجلا باكيا نادما مستحيا من ربه تعالى ناكس الرأس بين يديه منكسر القلب له فيكون ذلك الذنب أنفع له من طاعات كثيرة بما ترتب عليه من هذه الأمور التي بها سعادة العبد وفلاحه حتى يكون ذلك الذنب سبب دخوله الجنة ويفعل الحسنة فلا يزال يمن بها على ربه ويتكبر بها ويرى نفسه ويعجب بها ويستطيل بها ويقول فعلت وفعلت فيورثه من العجب والكبر والفخر والاستطالة ما يكون سبب هلاكه فإذا أراد الله تعالى بهذا المسكين خيرا ابتلاه بأمر يكسره به ويذل به عنقه ويصغر به نفسه عنده وإن أراد به غير ذلك خلاه وعجبه وكبره وهذا هو الخذلان الموجب لهلاكه فإن العارفين كلهم مجمعون على أن التوفيق أن لا يكلك الله تعالى إلى نفسك والخذلان أن يكلك الله تعالى إلى نفسك فمن أراد الله به خيرا فتح له باب الذل والانكسار ودوام اللجأ إلى الله تعالى والافتقار إليه ورؤية عيوب نفسه وجهلها وعدوانها ومشاهدة فضل ربه وإحسانه ورحمته وجوده وبره وغناه وحمده فالعارف سائر إلى الله تعالى بين هذين الجناحين لا يمكنه أن يسير إلا بهما فمتى فاته واحد منهما فهو كالطير الذي فقد أحد جناحيه قال شيخ الإسلام : العارف يسير إلى الله بين مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل وهذا معنى قوله ﷺ في الحديث الصحيح من حديث بريدة رضي الله تعالى عنه [ سيد الاستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ] فجمع في قوله صلي الله عليه وسلم أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل فمشاهدة المنة توجب له المحبة والحمد والشكر لولي النعم والإحسان ومطالعة عيب النفس والعمل توجب له الذل والانكسار والافتقار والتوبة في كل وقت وأن لا يرى نفسه إلا مفلسا وأقرب باب دخل منه العبد على الله تعالى هو الإفلاس فلا يرى لنفسه حالا ولا مقاما ولا سببا يتعلق به ولا وسيلة منه يمن بها بل يدخل على الله تعالى من باب الافتقار الصرف والافلاس المحض دخول من كسر الفقر والمسكنة قلبه حتى وصلت تلك الكسرة إلى سويدائه فانصدع وشملته الكسرة من كل جهاته وشهد ضرورته إلى ربه تعالى وكمال فاقته وفقره إليه وأن في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة وضرورة كاملة إلى ربه تبارك وتعالى وأنه إن تخلى عنه طرفة عين هلك وخسر خسارة لا تجبر إلا أن يعود الله تعالى عليه ويتداركه برحمته ولا طريق إلى الله أقرب من العبودية ولا حجاب أغلظ من الدعوى والعبودية مدارها على قاعدتين هما أصلها : حب كامل وذل تام ومنشأ هذين الأصلين عن ذينك الأصلي المتقدمين وهما مشاهدة المنة التي تورث المحبة ومطالعة عيب النفس والعمل التي تورث الذل التام وإذا كان العبد قد بنى سلوكه إلى الله تعالى على هذين الأصلين لم يظفر عدوه به إلا على غره وغيلة وما أسرع ما ينعشه الله تعالى ويجبره ويتداركه برحمته
استقامة القلب ( فصل ) وإنما يستقيم له هذا باستقامة قلبه وجواره فاستقامة القلب بشيئين : ( أحدهما ) أن تكون محبة الله تعالى تتقدم عنده على جميع المحاب فإذا تعارض حب الله تعالى وحب غيره سبق حب الله تعالى حب ما سواه فرتب على ذلك مقتضاه ما أسهل هذا بالدعوى وما أصعبه بالفعل فعند الامتحان يكرم المرء أو يهان وما أكثر ما يقدم العبد ما يحبه هو ويهواه أو يحبه كبيره وأميره وشيخه وأهله على ما يحبه الله تعالى فهذا لم تتقدم محبة الله تعالى في قلبه جميع المحاب ولا كانت هي الملكة المؤمرة عليها وسنة الله تعالى فيمن هذا شأنه أن ينكد عليه محابه وينغصها عليه ولا ينال شيئا منها إلا بنكد وتنغيص جزاء له على إيثار هواه وهوى من يعظمه من الخلق أو يحبه على محبة الله تعالى وقد قضى الله تعالى قضاء لا يرد ولا يدفع أن من أحب شيئا سواه عذب به ولا بد وأن من خاف غيره سلط عليه وأن من اشتغل بشيء غيره كان شؤما عليه ومن آثر غيره عليه لم يبارك فيه ومن أرضى غيره بسخطه أسخطه عليه ولا بد ( الأمر الثاني ) الذي يستقيم به القلب تعظيم الأمر والنهى وهو ناشيء عن تعظيم الآمر الناهي فإن الله تعالى ذم من لا يعظم أمره ونهيه قال سبحانه وتعالى : { ما لكم لا ترجون لله وقارا } قالوا في تفسيرها : ما لكم لا تخافون لله تعالى عظمة ما أحسن ما قال شيخ الاسلام في تعظيم الامر والنهي : هو أن لا يعارضا بترخص جاف ولا يعرضا لتشديد غال ولا يحملا على علة توهن الانقياد ومعنى كلامه أن أول مراتب تعظيم الحق تعالى تعظيم أمره ونهيه وذلك المؤمن يعرف ربه تعالى برسالته التي أرسل بها رسول الله ﷺ إلى كافة الناس ومقتضاها الانقياد لامره ونهيه وإنما يكون ذلك بتعظيم أمر الله تعالى واتباعه وتعظيم نهيه واجتنابه فيكون تعظيم المؤمن لأمر الله تعالى ونهيه دالا على تعظيمه لصاحب الأمر والنهي ويكون بحسب هذا التعظيم من الأبرار المشهود لهم بالايمان والتصدق وصحة العقيدة والبراءة من النفاق الاكبر فإن الرجل قد يتعاطى فعل الأمر لنظر الخلق وطلب المنزلة والجاه عندهم ويتقي المناهي خشية سقوطه من أعينهم وخشية العقوبات الدنيوية من الحدود التي رتبها الشارع ﷺ على المناهي فهذا ليس فعله وتركه صادرا عن تعظيم الأمر والنهي ولا تعظيم الآمر والناهي فعلامة التعظيم لللأوامر رعاية أوقاتها وحدودها والتفتيش على أركانها وواجباتها وكمالها والحرص على تحينها في أوقاتها والمسارعة إليها عند وجوبها والحزن والكآبة والأسف عند فوت حق من حقوقها كمن يحزن على فوت الجماعة ويعلم أنه تقبلت منه صلاته منفردا فإنه قد فاته سبعة وعشرون ضعفا ولو أن رجلا يعاني البيع والشراء تفوته صفقة واحدة في بلده من غير سفر ولا مشقة قيمتها سبعة وعشرون دينارا لأكل يديه ندما وأسفا فكيف وكل ضعف مما تضاعف به صلاة الجماعة خير من ألف وألف ألف وما شاء الله تعالى فإذا فوت العبد عليه هذا الربح قطعا ـ وكثير من العلماء لا صلاة له ـ وهو بارد القلب فارغ من هذه المصيبة غير مرتاع لها فهذا عدم تعظيم أمر الله تعالى في قلبه وكذلك إذا فاته أول وقت الذي هو رضوان الله تعالى أو فاته الصف الأول الذي يصلي الله وملائكته على ميامنه ولو يعلم العبد فضيلته لجالد عليه ولكانت قرعة وكذلك فوت الجمع الكثير الذي تضاعف الصلاة بكثرته وقلته كلما كثر الجمع كان أحب إلى الله تعالى وكلما بعدت الخطا كانت خطوة تحط خطيئة وأخرى ترفع درجة وكذلك فوت الخشوع في الصلاة وحضور القلب فيها بين يدي الرب تبارك وتعالى الذي هو روحها ولبها فصلاة بلا خشوع ولا حضور كبدن ميت لا روح فيه أفلا يستحي العبد أن يهدي إلى مخلوق مثله عبدا ميتا أو جارية ميتة ؟ فما ظن هذا العبد أن تقع تلك الهدية ممن قصده بها من ملك أو من أمير أو غيره ؟ فهكذا سواء الصلاة الخيالية عن الخشوع والحضور وجمع الهمة على الله تعالى فيها بمنزلة هذا العبد ـ أو الأمة ـ الميت الذي يريد إهداءه إلى بعض الملوك ولهذا لا يقبلها الله تعالى منه وإن أسقطت الفرض في أحكام الدنيا ولا يثبه عليها فإنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها كما في السنن ومسند الإمام أحمد وغيره عن النبي ﷺ إنه قال [ إن العبد ليصلي الصلاة وما كتب له إلا نصفها إلا ثلثها إلا ربعها إلا خمسها حتى بلغ عشرها ] وينبغي أن يعلم أن سائر الأعمال تجري هذا المجرى فتفاضل الأعمال عند الله تعالى بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص والمحبة وتوابعها وهذا العمل الكامل هو الذي يكفر السيئات تكفيرا كاملا والناقص بحسبه وبهاتين القاعدتين تزول إشكالات كثيرة وهما تفاضل الأعمال بتفاضل ما في القلوب من حقائق الإيمان وتكفير العمل للسيئات بحسب كماله ونقصانه وبهذا يزول الاشكال الذي يورده من نقص حظه من هذا الباب على الحديث الذي فيه [ أن صوم يوم عرفة يكفر سنتين ويوم عاشوراء يكفر سنة ] قالوا : فإذا كان دأبه دائما انه يصوم يوم عرفة فصامه وصام يوم عاشوراء فكيف يقع تكفير ثلاث سنين كل سنة وأجاب بعضهم عن هذا بأن ما فضل عن التكفير ينال به الدرجات ويالله العجب فليت العبد إذا أتى بهذه المكفرات كلها أن تكفر عنه سيئاته باجتماع بعضها إلى بعض والتكفير بهذه مشروط بشروط موقوف على انتفاء الموانع كلها فحينئذ يقع التكفير وأما عمل شملته الغفلة أو لأكثره وفقد الإخلاص الذي هو روحه ولم يوف حقه ولم يقدره حق قدره فأي شيء يكفر هذا ؟ فإن وثق العبد من عمله بأنه وفاه حقه الذي ينبغي له ظاهرا وباطنا ولم يعرض له مانع يمنع تفكيره ولا مبطل يحبطه ـ من عجب أو رؤية نفسه فيه أو يمن به أو يطلب من العباد تعظيمه به أويستشرف بقلبه لمن يعظمه عليه أو يعادي من لا يعظمه عليه ويرى أنه قد بخسه حقه وأنه قد استهان بحرمته ـ فهذا أي شيء يكفر ؟ ومحبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تحصر وليس الشأن في العمل إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه فالرياء وإن دق محبط للعمل وهو أبواب كثيرة لا تحصر وكون العمل غير مقيد باتباع السنة أيضا موجب لكونه باطلا والمن به على الله تعالى بقلبه مفسد له وكذلك المن بالصدقة والمعروف والبر والاحسان والصلة مفسد لها كما قال سبحانه وتعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى } وأكثر الناس ما عندهم خبر من السيئات التي تحبط الحسنات وقد قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون } فحذر المؤمنين من حبوط أعمالهم بالجهر لرسول الله ﷺ كما يجهر بعضهم لبعض وليس هذا بردة بل معصية تحبط العمل وصاحبها لا يشعر بها فما الظن بمن قم على قول الرسول ﷺ وهدية وطريقه قول غيره وهديه وطريقه ؟ أليس هذا قد حبط عمله وهو لا يشعر ؟ ومن هذا قوله ﷺ [ من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله ] ومن هذا قول عائشة رضى الله تعالى عنها وعن أبيها لزيد بن أرقم رضى الله عنه لما باع بالعينة : إنه قد أبطل جهاده مع رسول الله ﷺ إلا أن يتوب وليس التبايع بالعينة ردة وإنما غايته أنه معصية فمعرفة ما يفسد الأعمال في حال وقوعها ويبطلها ويحبطها بعد وقوعها من أهم ما ينبغي أن يفتش عليه العبد ويحرص على عمله ويحذره وقد جاء في أثر معروف إن العبد ليعمل العمل سرا لا يطلع عليه أحدا إلا الله تعالى فيتحدث به فينتقل من ديوان السر إلى ديوان العلانية ثم يصير في ذلك الديوان على حسب العلانية فإن تحدث به للسمعة وطلب الجاه والمنزلة عند غير الله تعالى أبطله كما لو فعله لذلك فإن قيل : فإذا تاب هذا هل يعود إليه ثواب العمل ؟ قيل : إن كان قد عمله لغير الله تعالى وأوقعه بهذه النية فإنه لا ينقلب صالحا بالتوبة بل حسب التوبة أن تمحو عنه عقابه فيصير لا له ولا عليه وإما أن عمله لله تعالى خالصا ثم عرض له عجب ورياء أو تحدث به ثم تاب من ذلك وندم فهذا قد يعود له ثواب عمله ولا يحبط وقد يقال : إنه لا يعود إليه بل يستأنف العمل والمسألة مبنية على أصل وهو أن الردة هل تحبط العمل بمجردها أو لا يحبطه إلا الموت عليها ؟ فيه للعلماء قولان مشهوران وهما روايتان عن الإمام أحمد رضى الله عنه فإن قلنا تحبط العمل بنفسها فمتى أستلم استأنف العمل وبطل ما كان قد عمل قبل الاسلام وإن قلنا لا يحبط العمل إلا إذا مات مرتدا فمتى عاد إلى الاسلام عاد إليه ثواب عمله وهكذا العبد إذا فعل حسنة ثم فعل سيئة تحبطها ثم تاب من تلك السيئة هل يعود إليه ثواب تلك الحسنة المتقدمة ؟ يخرج على هذا الاصل ولم يزل في نفسي من هذه المسألة : ولم أزل حريصا على الصواب فيها وما رأيت أحدا شفي فيها والذي يظهر ـ والله تعالى أعلم وبه المستعان ولا قوة إلا به ـ ان الحسنات والسيئات تتدافع وتتقابل ويكون الحكم فيها للغالب وهو يقهر المغلوبين ويكون الحكم له حتى كان المغلوب لم يكن فإذا غلبت على العبد الحسنات رفعت حسناته الكثيرة سيئاته ومتى تاب من السيئة ترتبت على توبته منها حسنات كثيره قد تربى وتزيد على الحسنة التي حبطت بالسيئة فإذا عزمت التوبة وصحت ونشأت من صميم القلب أحرقت ما مرت عليه من السيئات حتى كأنها لم تكن فإن التائب من الذنب لا ذنب له وقد سأل حكيم بن حزام رضى الله عنه النبي ﷺ عن عتاقة وصلة وبر فعله في الشرك : هل يثاب عليه ؟ فقال النبي ﷺ أسلمت على ما أسلفت من خير فهذا يقتضي أن الاسلام أعاد عليه ثواب تلك الحسنات التي كانت باطلة بالشرك فلما تاب من الشرك عاد إليه ثواب حسناته المتقدمة فهكذا إذا تاب العبد توبة نصوحا صادقة خالصة أحرقت ما كان قبلها من السيئات وأعادت عليه ثواب حسناته يوضح هذا أن السيئات هي أمراض قلبية كما أن الحمى والاوجاع وأمراض بدنية والمريض إذا عوفي من مرضه عافية تامة عادت إليه قوته وأفضل منها حتى كأنه لم يضعف قط فالقوة المتقدمة بمنزلة الحسنات والمرض بمنزلة الذنوب والصحة والعافية بمنزلة التوبة وكما أن المريض من لا تعود إليه صحته أبدا لضعف عافيته ومنهم من تعود صحته كما كانت لتقاوم الأسباب وتدافعها ويعود البدن إلى كماله الأول ومنهم من يعود أصح مما كان وأقوى وأنشط لقوة أسباب العافية وقهرها وغلبتها لاسباب الضعف والمرض حتى ربما كان مرض هذا سببا لعافيته كما قال الشاعر : ( لعل عتبك محمود عواقبه ... وربما صحت الأجسام بالعلل ) فهكذا العبد بعد التوبة على هذه المنازل الثلاث والله الموفق لا إله غيره ولا رب سواه
( دلائل تعظيم الأمر والنهي ) ( فصل ) وأما علامات تعظيم المناهي فالحرص على التباعد من مظانها وأسبابها وما يدعو إليها ومجانبة كل وسيلة تقرب منها كمن يهرب من الأماكن التي فيها الصور التي تقع بها الفتنة خشية الافتتان بها وأن يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس وأن يجانب الفضول من المباحثات خشية الوقوع في المكروه ومجانبة من يجاهر بارتكابها ويحسنها ويدعو اليها ويتهاون بها ولا يبالي ما ركب منها فإن مخالطة مثل هذا داعية إلى سخط الله تعالى وغضبه ولا يخالطه إلا من سقط من قلبه تعظيم الله تعالى وحرماته ومن علامات تعظيم النهي أن يغضب الله تعالى إذا انتهكت محارمه وأن يجد في قلبه حزنا وكسرة إذا عصى الله تعالى في أرضه ولم يضلع باقامة حدوده وأوامره ولم يستطع هو أن يغير ذلك ومن علامات تعظيم الأمر والنهي أن لا يسترسل مع الرخصة إلى حد يكون صاحبه جافيا غير مستقيم على المنهج الوسط مثال ذلك أن السنة وردت بالإبراد بالظهر في شدة الحر فالترخص الجافي أن يبرد إلى فوات الوقت أو مقاربة خروجه فيكون مترخصا جافيا وحكمة هذه الرخصة أن الصلاة في شدة الحر تمنع صاحبها من الخشوع والحضور ويفعل العبادة بتكره وضجر فمن حكمة الشارع ﷺ أن أمرهم بتأخيرها حتى ينكسر الحر فيصلي العبد بقلب حاضر ويحصل له مقصود الصلاة من الخشوع والاقبال على الله تعالى ومن هذا نهيه ﷺ أن يصلي بحضرة الطعام أو عند مدافعة البول والغائط لتعلق قلبه من ذلك بما يشوش عليه مقصود الصلاة ولا يحصل المراد منها فمن فقه الرجل في عبادته أن يقبل على شغله فيعمله ثم يفرغ قلبه للصلاة فيقوم فيها وقد فرغ قلبه لله تعالى ونصب وجهه له وأقبل بكليته عليه فركعتان من هذه الصلاة يغفر للمصلي بهما ما تقدم من ذنبه والمقصود أن لا يترخص ترخصا جافيا ومن ذلك أنه أرخص للمسافر في الجمع بين الصلاتين عند العذر وتعذر فعل كل صلاة في وقتها لمواصلة السير وتعذر النزول أو تعسيره عليه فإذا قام في المنزل اليومين والثلاثة أو أقام اليوم فجمعه بين الصلاتين لا موجب له لتمكنه من فعل كل صلاة في وقتها من غير مشقة فالجمع ليس سنة راتبة كما يعتقد أكثر المسافرين أن سنة السفر الجمع سواء وجد عذر أو لم يوجد بل الجمع رخصة والقصر سنة راتبة فسنة المسافر قصر الرباعية سواء كان له عذر أو لم يكن وأما جمعه بين الصلاتين فحاجة ورخصة فهذا لون وهذا لون ومن هذا أن الشبع في الأكل رخصة غير محرمة فلا ينبغي أن يجفو العبد فيها حتى يصل به الشبع إلى حد التخمة والامتلاء فيتطلب ما يصرف به الطعام فيكون همه بطنه قبل الأكل وبعده بل ينبغي للعبد أن يجوع ويشبع ويدع الطعام وهو يشتهيه وميزان ذلك قول النبي ﷺ [ ثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ] ولا يجعل الثلاثة الأثلاث كلها للطعام وحده وأما تعريض الأمر والنهي للتشديد الغالي فهو كمن يتوسوس في الوضوء متغاليا فيه حتى يفوت الوقت أو يردد تكبيرة الأحرام إلى أن تفوته مع الإمام قراءة الفاتحة أو يكاد تفوته الركعة أو يتشدد في الورع الغالي حتى لا يأكل شيئا من طعام عامة المسلمين خشية دخول الشبهات عليه ولقد دخل هذا الورع الفاسد على بعض العباد الذين نقص حظهم من العلم حتى امتنع أن يأكل شيئا من بلاد الاسلام وكان يتقوت بما يحمل إليه من بلاد النصارى ويبعث بالقصد لتحصيل ذلك فأوقعه الجهل المفرط والغلو الزائد في إساءة الظن بالمسلمين وحسن الظن بالنصارى نعوذ بالله من الخذلان فحقيقة التعظيم للامر والنهي أن لا يعارضا بترخص جاف ولا يعرضا لتشديد غال فإن المقصود هو الصراط المستقيم الموصل إلى الله تعالى بسالكه وما أمر الله تعالى بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان : إما تقصير وتفريط وإما افراط وغلو فلا يبالي بما ظفر من العبد من الخطيئتين فإنه يأتي إلى قلب العبد فيستامه فإن وجد فيه فتورا وتوانيا وترخيصا أخذه من هذه الخطة فثبطه وأقعده وضربه بالكسل والتواني والفتور وفتح له باب التأويلات والرجاء وغير ذلك حتى ربما ترك العبد المأمور جملة وإن وجد عنده حذراص وجدا وتشميرا ونهضة وأيس أن يأخذه من هذا الباب أمره بالاجتهاد الزائد وسول له أن هذا لا يكفيك وهمتك فوق هذا وينبغي لك أن تزيد على العاملين وأن لا ترقد إذا رقدوا ولا تفطر إذا أفطروا وأن لا تفتر إذا فتروا وإذا غسل أحدهم يديه ووجهه ثلاث مرات فاغسل أنت سبعا وإذا توضأ للصلاة فاغتسل أنت لها ونحو ذلك من الإفراط والتعدي فيحمله على الغلو والمجاوزة وتعدي الصراط المستقيم كما يحمل الأول على التقصير دونه وأن لا يقربه ومقصود من الرجلين إخراجهما عن الصراط المسقيم : هذا بأن لا يقربه ولا يدلو منه وهذا بأن يجاوزه ويتعداه وقد فتن بهذا أكثر الخلق ولا ينجي من ذلك إلا علم راسخ وإيمان وقوة على محاربته ولزوم الوسط والله المستعان ومن علامات تعظيم الأمر والنهي أن لا يحمل الأمر على علة تضعف الانقياد والتسليم لأمر الله تعالى بل يسلم لأمر الله تعالى وحكمه ممتثلا ما أمر به سواء ظهرت له حكمته أو لم تظهر فإن ظهرت له حكمة الشرع في أمره ونهيه حمله ذلك على مزيد الانقياد والتسليم ولا يحمله ذلك على الانسلاخ منه وتركه كما حمل ذلك كثيرا من زنادقة الفقراء والمنتسبين إلى التصوف فإن الله تعالى شرع الصلوات الخمس إقامة لذكره واستعمالا للقلب والجوارح واللسان في العبودية وإعطاء كل منها قسطه من العبودية التي هي المقصود بخلق العبد فوضعت الصلاة على أكمل مراتب العبودية فإن الله سبحانه وتعالى خلق هذا الآدمي واختاره من بين سائر البرية وجعل قلبه محل كنوزه من الإيمان والتوحيد والاخلاص والمحبة والحياء والتعظيم والمراقبة وجعل ثوابه إذا قدم عليه أكمل الثواب وأفضله وهو النظر إلى وجهه والفوز برضوانه ومجاورته في جنته وكان مع ذلك قد ابتلاه بالشهوة والغضب والغفلة وابتلاه بعدوه إبليس لا يفتر عنه فهو يدخل عليه من الأبواب التي هي من نفسه وطبعه فتميل نفسه معه لأنه يدخل عليها بما تحب فينفق هو ونفسه وهواه على العبد : ثلاثة مسلطون آمرون فيبعثون الجوارح في قضاء وطرهم والجوارح آلة منقادة فلا يمكنها إلا الانبعاث فهذا شأن هذه الثلاثة وشأن الجوارح فلا تزال الجوارح في طاعتهم كيف أمروا وأين يمموا هذا مقتضى حال العبد فاقتضت رحمة ربه العزيز الرحيم به أن أعانه بجند آخر وأمده بمدد آخر يقاوم به هذا الجند الذي يريد هلاكه فأرسل إليه رسوله وأنزل عليه كتابه وأيده بملك كريم يقابل عدوه الشيطان فإذا أمره الشيطان بأمر أمره الملك بأمر ربه وبين له ما في طاعة العدو من الهلاك فهذا يلم به مرة وهذا مرة والمنصور من نصره الله تعالى والمحفوظ من حفظه الله تعالى وجعل له مقابل نفسه الأمارة نفسا مطمئنة إذا أمرته النفس الأمارة بالسوء نهته عنه النفس المطمئنة وإذا نهته الأمارة عن الخير أمرته به النفس المطمئنة فهو يطيع هذه مرة وهذه مرة وهو الغالب منهما وربما انقهرت إحداهما بالكلية قهرا لا تقوم معه أبدا وجعل له مقابل الهوى الحامل له على طاعة الشيطان والنفس الأمارة نورا وبصيرة وعقلا يرده عن الذهاب مع الهوى الحامل له على طاعة الشيطان والنفس الأمارة نورا وبصيرة وعقلا يرده عن الذهاب مع الهوى فكلما أراد أن يذهب مع الهوى ناداه العقل والبصيرة والنور : الحذر الحذر فإن المهالك والمتالف بين يديك وأنت صيد الحرامية وقطاع الطريق إن سرت خلف هذا الدليل فهو يطيع الناصح مرة فيبن له رشده ونصحه ويمشي خلف دليل الهوى مرة فيقطع عليه الطريق ويؤخذ ماله ويسلب ثيابه فيقول : ترى من أين أتيت ؟ والعجب أنه يعلم من أين أتي ويعرف الطريق التي قطعت عليه وأخذ فيها ويأبى إلا سلوكها لأن دليلها قد يمكن منه وتحكم فيه وقوي عليه ولو أضعفه بالمخالفة له وزجره إذا دعاه ومحاربته إذا أراد أخذه لم يتمكن منه ولكن هو مكنه من نفسه وهو أعطاه يده فهو بمنزلة الرجل يضع يده في يد عدوه فيباشر ثم يساومه سوء العذاب فهو يستغيث فلا يغاث فهكذا يستأسر للشيطان والهوى ولنفسه الأمارة ثم يطلب الخلاص فيعجز عنه فلما أن بلي العبد بما بلي به أعين بالعساكر والعدد والحصون وقيل : قاتل عدوك وجاهده فهذه الجنود خذ منها ما شئت وهذه الحصون تحصن بأي حصن شئت منها ورابط إلى الموت فالأمر قريب ومدة المرابطة يسيرة جدا فكأنك بالملك الأعظم وقد أرسل إليك رسله فنقلوك إلى داره واسترحت من هذا الجهاد وفرق بينك وبين عدوك وأطلقت في داره الكرامة تتقلب فيها كيف شئت وسجن عدوك في أصعب الحبوس وأنت تراه فالسجن الذي كان يريد أن يودعك فيه قد أدخله وأغلقت عليه أبوابه وأيس من الروح والفرج وأنت فيما اشتهت نفسك وقرت عينك جزاء على صبرك في تالك المدة اليسيرة ولزومك الثغر للرباط وما كانت إلا ساعة ثم انقضت وكأن الشدة لم تكن فإن ضعفت النفس عن ملاحظة قصر الوقت وسرعة انقضائه فليتدبر قوله تعالى : { كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة } وقوله تعالى : { كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها } وقوله تعالى : { قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين * قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين * قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون } وقوله تعالى : { يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا * يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا * نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما } وخطب النبي ﷺ أصحابه يوما فلما كانت الشمس على روؤس الجبال وذلك عند الغروب قال : [ إنه لم يبقى من الدنيا فيما مضى إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه ] فليتأمل العاقل الناصح لنفسه هذا الحديث وليعلم أي شيء حصل له من هذا الوقت الذي قد بقي في الدنيا بأسرها ليعلم أنه في غرور وأضغاث أحلام وأنه قد باع سعادة الأبد والنعيم المقيم بحظ خسيس لا يساوي شيئا ولو طلب الله تعالى والدار الآخرة لأعطاه ذلك الحظ موفورا وأكمل منه كما في بعض الآثار : ابن آدم بع الدنيا بالآخرة تربحهما جميعا ولا تبع الآخرة بالدنيا تخسرهما جميعا وقال بعض السلف : ابن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من أحوج فإن بدأت بنصيبك من الدنيا أضعت نصيبك من الآخرة وكنت من نصيب الدنيا على خطر وإن بدأت بنصيبك من الآخرة فزت بنصيبك من الدنيا فانتظمته انتظاما وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يقول في خطبته : أيها الناس إنكم لم تخلقوا عبثا ولم تتركوا سدى وإن لكم معادا يجمعكم الله تعالى فيه للحكم فيكم والفصل بينكم فخاب وشقي عبد أخرجه الله تعالى من رحمته التي وسعت كل شيء وجنته التي عرضها السموات والأرض وإنما يكون الأمان غدا لمن خاف الله تعالى واتقى وباع قليلا بكثير وفانيا بباق وشقاوة بسعادة ألا ترون أنكم في أصلاب الهالكين وسيخلفه بعدكم الباقون ؟ ألا ترون أنكم في كل يوم تشيعون غاديا رائحا إلى الله قد قضى نحبه وانقطع أمله فتضعونه في بطن صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد قد خلع الأسباب وفارق الأحباب وواجه الحساب ؟ والمقصود أن الله تعالى قد أمد العبد في هذه المدة اليسيرة بالجنود والعدد والأمداد وبين له بماذا يحرز نفسه من عدوه وبماذا يفتك نفسه إذا أسر وقد روى الإمام أحمد رضي الله عنه والترمذي من حديث الحارث الاشعري عن النبي ﷺ أنه قال [ إن الله سبحانه وتعالى أمر يحي بن زكريا ﷺ بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعلموا بها وأنه كاد أن يبطيء بها فقال له عيسى عليه السلام : إن الله تعالى أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها فإما أن تأمرهم وإما أن آمرهم فقال يحي : أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي وأعذب فجمع يحي الناس في بيت المقدس فامتلأ المسجد وقعد على الشرف فقال : إن الله تبارك وتعالى أمرني بخمس كلمات أن أعملهن وآمركم أن تعملوا بهن : أولهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وإن من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق فقال : هذه داري وهذا عملي فاعمل وأد إلي فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك ؟ وإن الله أمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يكن يلتفت وأمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك كلهم يعجب أو يعجبه ريحه وأن ريح الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك وأمركم بالصدقة فإن مثل ذلك مثل رجل أسره العدو فأوثقوا يديه إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه فقال : أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير ففدى نفسه منهم وأمركم أن تذكروا الله تعالى فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعا حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى قال النبي صلي الله عليه وسلم وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن : السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع ومن ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثى جهنم فقال رجل : يارسول الله وإن صلى وصام ؟ قال وإن صلى وصام فادعوا بدعوا الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله ] قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح فقد ذكر ﷺ في هذا الحديث العظيم الشأن ـ الذي ينبغي لكل مسلم حفظه وتعقله ـ ما ينجي من الشيطان وما يحصل للعبد به الفوز والنجاة في دنياه وأخراه فذكر مثل الموحد والمشرك : فالموحد كمن عمل لسيده في داره وأدى لسيده ما استعمله فيه والمشرك كمن استعمله سيده في داره فكان يعمل ويؤدي خراجه وعمله إلى غير سيده فهكذا المشرك يعمل لغير الله تعالى في دار الله تعالى ويتقرب إلى عدو الله بنعم الله تعالى ومعلوم أن العبد من بني آدم لو كان مملوكه كذلك لكان أمقت المماليك عنده وكان أشد شيئا غضبا عليه وطردا له وإبعادا وهو مخلوق مثله كلاهما في نعمة غيرهما فكيف برب العالمين الذي ما بالعبد من نعمة فمنه وحده لا شريك له ولا يأتي بالحسنات إلا هو ولا يصرف السيئات إلا هو وهو وحده المنفرد بخلق عبده ورحمته وتدبيره ورزقه ومعافاته وقضاء حوائجه فكيف يليق به مع هذا أن يعدل به غيره في الحب والخوف والرجاء والحلف والنذر والمعاملة فيحب غيره كما يحبه أو أكثر ويخاف غيره ويرجوه كما يخافه أو أكثر وشواهد أحوالهم ـ بل وأقوالهم وأعمالهم ـ ناطقة بأنهم يحبون أنداده من الاحياء والأموات ويخافونهم ويرجونهم ويطلبون رضاءهم ويهربون من سخطهم أعظم مما يحبون الله تعالى ويخافون ويرجون ويهربون من سخطه وهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله تعالى قال الله سبحانه وتعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } والظلم عند الله تعالى يوم القيامة له دواوين ثلاثة : ديوان لا يغفر الله منه شيئا وهو الشرك به فإن الله لا يغفر أن يشرك به وديوان لا يترك الله تعالى منه شيئا وهو ظلم العباد بعضهم بعضا فإن الله تعالى يستوفيه كله وديوان لا يعبأ الله به وهو ظلم العبد نفسه بينه وبين ربه تعالى فإن هذا الديوان أخف الدواوين وأسرعها محوا فإنه يمحي بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية والمصائب المكفرة ونحو ذلك بخلاف ديوان الشرك فإنه لا يمحى إلا بالتوحيد وديوان المظالم لا يمحى إلا بالخروج منها إلى أربابها واستحلالهم منها ولما كان الشرك أعظم الدواوين الثلاثة عند الله تعالى حرم الجنة على أهله فلا تدخل الجنة نفس مشركة وإنما يدخلها أهل التوحيد فإن التوحيد هو مفتاح بابها فمن لم يكن معه مفتاح لم يفتح له بابها وكذلك إن أتى بمفتاح لا أسنان له لم يمكن الفتح به والنهي عن المكر وصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وبر الوالدين فأي عبد اتخذ في هذه الدار مفتاحا صالحا من التوحيد وركب فيه أسنانا من الأوامر جاء يوم القيامة إلى باب الجنة ومعه مفتاحها الذي لا يفتح إلا به فلم يعقه عن الفتح عائق اللهم إلا أن تكون له ذنوب وخطايا وأوزار لم يذهب عنه أثرها في هذه الدار بالتوبة والاستغفار فإنه يحبس عن الجنة حتى يتطهر منها وان لم يطهره الموقف وأهواله وشدائده فلا بد من دخول النار ليخرج خبثة فيها ويتطهر من درنه ووسخه ثم يخرج منها فيدخل الجنة فإنها دار الطيبين لا يدخلها إلا طيب قال سبحانه وتعالى { الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة } وقال تعالى : { وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين } فعقب دخولها على الطيب بحرف الفاء الذي يؤذن بأنه سبب للدخول أي بسبب طيبكم قيل لكم ادخلوها وأما النار فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب ودار الخبيثين فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشئ لتراكب بعضه على بعض ثم يجعله في جهنم مع أهله فليس فيها إلا خبيث ولما كان الناس على ثلاث طبقات : طيب لا يشينه خبيث وخبيث لا طيب فيه وآخرون فيهم خبث وطيب دورهم ثلاثة : دار الطيب المحض ودار الخبيث المحض وهاتان الداران لا تفنيان ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة فإنه لا يبقي في جهنم من عصاة الموحدين أحد فإنه إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة ولا يبقي إلا دار الطيب المحض ودار الخبث المحض
الالتفات في الصلاة وقوله في الحديث [ وأمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت ] الالتفات المنهي عنه في الصلاة قسمان ( احدهما ) التفات القلب عن الله تعالى إلى غير الله تعالى ( الثاني ) التفات البصر وكلاهما منهي عنه ولا يزال الله مقبلا على عبده ما دام العبد مقبلا على صلاته فإذا التفت بقلبه أو بصره أعرض الله تعالى عنه وقد سئل رسول الله ﷺ عن التفات الرجل في صلاته فقال [ اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد ] وفي أثر يقول الله تعالى : ( إلى خير مني إلى خير مني ؟ ) ومثل من يلتفت في صلاته ببصره أو بقلبه أو مثل رجل قد استدعاه السلطان فأوقفه بين يديه وأقبل يناديه ويخاطبه وهو في خلال ذلك يلتفت عن السلطان يمينا وشمالا وقد انصرف قلبه عن السلطان فلا يفهم ما يخاطبه به لأن قلبه ليس حاضرا معه فما ظن هذا الرجل أن يفعل به السلطان ؟ أفليس أقل المراتب في حقه أن ينصرف من بين يديه ممقوتا مبعدا قد سقط من عينيه ؟ فهذا المصلي لا يستوي والحاضر القلب المقبل على الله تعالى في صلاته الذي قد أشعر قلبه عظمة من هو واقف بين يديه فامتلأ قلبه من هيبته وذلت عنقه له واستحى من ربه تعالى أن يقبل على غيره أو يلتفت عنه وبين صلاتيهما كما قال حسان عطية : إن الرجلين ليكونان في الصلاة الواحدة وأن ما بينهما في الفضل كما بين السماء والأرض وذلك أن أحدهما مقبل على الله تعالى والآخر ساه غافل فإذا أقبل العبد على مخلوق مثله وبينه حجاب لم يكن إقبالا ولا تقريبا فما الظن بالخالق تعالى ؟ وإذا أقبل على الخالق تعالى وبينه وبينه حجاب الشهوات والوساوس والنفس مشغوفة بها ملأى منها فكيف يكون ذلك إقبالا وقد ألهته الوساوس والأفكار وذهبت به كل مذهب ؟ والعبد إذا قام في الصلاة غار الشيطان منه فإنه قد قام في أعظم مقام وأقربه وأغيظه للشيطان وأشده عليه فهو يحرص ويجتهد أن لا يقيمه فيه بل لا يزال به يعده ويمنيه وينسيه ويجلب عليه بخيله ورجله حتى يهون عليه شأن الصلاة فيتهاون بها فيتركها فإن عجز عن ذلك منه وعصاه العبد وقام في ذلك المقام أقبل عدو الله تعالى حتى يخطر بينه وبين نفسه ويحول بينه وبين قلبه فيذكره في الصلاة ما لم يذكر قبل دخوله فيها حتى ربما كان قد نسي شئ والحاجة وأيس منها فيذكره إياها في الصلاة ليشغل قلبه بها ويأخذه عن الله تعالى فيقوم فيها بلا قلب فلا ينال من إقبال الله تعالى وكرامته وقربه ما يناله المقبل على ربه تعالى الحاضر بقلبه في صلاته فينصرف من صلاته مثل ما دخل فيها بخطاياه وذنوبه وأثقاله لم تخف عنه بالصلاة فإن الصلاة إنما تكفر سيئات من أدى حقها وأكمل خشوعها ووقف بين يدي الله تعالى بقلبه وقابله فهذا إذا انصرف منها وجد خفة من نفسه وأحس بأثقال قد وضعت عنه فوجد نشاطا وراحة وروحا حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها لأنها قرة عينيه ونعيم روحه وجنة قلبه ومستراحه في الدنيا فلا يزال كأنه في سجن وضيق حتى يدخل فيها فيستريح بها لا منها فالمحبون يقولون : نصلي فنستريح بصلاتنا كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم ﷺ يا بلال أرحنا بالصلاة ولم يقل أرحنا منها وقال ﷺ [ جعلت قرة عيني في الصلاة ] فمن جعلت قرة عينه في الصلاة كيف تقر عينه ﷺ بدونها وكيف يطيق الصبر عنها ؟ فصلاة هذا الحاضر بقلبه الذي قرة عينه في الصلاة هي التي تصعد ولها نور وبرهان حتى يستقبل بها الرحمن تعالى فتقولحفظك الله تعالى كما حفظتني وأما صلاة المفرط المضيع لحقوقها وحدودها وخشوعها فإنها تلف كما يلف الثوب الخلق ويضرب بها وجه صاحبها وتقول ضيعك الله كما ضيعتني وقد روي في حديث مرفوع رواه بكر بن بشر عن سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية عن أبي شجرة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يرفعه أنه قال [ ما من مؤمن يتم الوضوء إلى أمكانه ثم يقوم إلى الصلاة في وقتها فيؤديها لله تعالى لم ينقص من وقتها وركوعها وسجودها ومعالمها شيئا إلا رفعت له إلى الله تعالى بيضاء مسفرة يستضيء بنورها ما بين الخافقين حتى ينتهي بها إلى الرحمن تعالى ومن قام إلى الصلاة فلم يكمل وضوءها واخرها عن وقتها واسترق ركوعها وسجودها ومعالمها رفعت عنه سوداء مظلمة ثم لا تجاوز شعر رأسه تقول : ضيعك الله كما ضيعتني ضيعك كما ضيعتني ] فالصلاة المقبولة والعمل المقبول أن يصلي العبد صلاة تليق بربه تعالى فإذا كانت صلاة تصلح لربه تبارك وتعالى وتليق به كانت مقبولة
والمقبول من العمل قسمان ( أحدهما ) أن يصلي العبد ويعمل سائر الطاعات وقلبه متعلق بالله تعالى ذاكر لله تعالى على الدوام فأعمال هذا العبد تعرض على الله تعالى حتى تقف قبالته فينظر الله تعالى إليها فإذا نظر إليها رآها خالصة لوجهه مرضية قد صدرت عن قلب سليم مخلص محب لله تعالى متقرب إليه أحبها ورضيها وقبلها ( والقسم الثاني ) : أن يعمل العبد الأعمال على العادة والغفلة وينوي بها الطاعة والتقرب إلى الله فأركانه مشغولة بالطاعة وقلبه لاه عن ذكر الله وكذلك سائر أعماله فإذا رفعت أعمال هذا إلى الله تعالى لم تقف تجاهه ولا يقع نظره عليها ولكن توضع حيث توضع دواوين الأعمال حتى تعرض عليه يوم القيامه فتميز فيثيبه على ما كان له منها ويرد عليه ما لم يرد وجهه به منها فهذا قبوله لهذا العمل إثابته عليه بمخلوق من مخلوقاته من القصور والأكل والشرب والحور العين وإثابة الأول رضا العمل لنفسه ورضاه عن معاملة عاملة وتقريبه منه وإعلاء درجته ومنزلته فهذا يعطيه بغير حساب فهذا لون والأول لون
والناس في الصلاة على مراتب خمسة : أحدها : مرتبة الظالم لنفسه المفرط وهو الذي انتقص من وضوئها ومواقيتها وحدودها وأركانها الثاني : من يحافظ على مواقيتها وحدودها وأركانها الظاهرة ووضوئها لكن قد ضيع مجاهدة نفسه في الوسوسة فذهب مع الوساوس والأفكار الثالث : من حافظ على حدودها وأركانها وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار فهو مشغول بمجاهدة عدوه لئلا يسرق صلاته فهو في صلاة وجهاد الرابع : من إذا قام إلى الصلاة أكمل حقوقها وأركانها وحدودها واستغرق قلبه مراعاة حدودها وحقوقها لئلا يضيع شيئا منها بل همه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي وإكمالها واتمامها قد استغرق قلب شأن الصلاة وعبودية ربه تبارك وتعالى فيها الخامس : من إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك ولكن مع هذا قد أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربه تعالى ناظرا بقبله إليه مراقبا له ممتلئا من محبته وعظمته كأنه يراه ويشاهده وقد اضمحلت تلك الوساوس والخطوات وارتفعت حجبها بينه وبين ربه فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أفضل وأعظم مما بين السماء والأرض وهذا في صلاته مشغول بربه تعالى قرير العين به فالقسم الأول معاقب والثاني محاسب والثالث مكفر عنه والرابع مثاب والخامس مقرب من ربه لأن له نصيبا ممن جعلت قرة عينه في الصلاة فمن قرت عينه بصلاته في الدنيا قرت عينه بقربه من ربه تعالى في الآخرة وقرت عينه أيضا به في الدنيا ومن قرت عينه بالله قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تعالى تقطعت نفسه على الدنيا حسرات وقد روي أن العبد إذا قام يصلي قال الله تعالى : ( ارفعوا الحجب فإذا التفت قال أرخوها ) وقد فسر هذا الالتفات بالتفات القلب عن الله تعالى إلى غيره فإذا التفت إلى غيره أرخى الحجاب بينه وبين العبد فدخل الشيطان وعرض عليه أمور الدنيا وأراه إياها في صورة المرآة وإذا أقبل بقلبه على الله ولم يلتفت لم يقدر الشيطان على أن يتوسط بين الله تعالى وبين ذلك القلب وإنما يدخل الشيطان إذا وقع الحجاب فإن فر إلى الله تعالى وأحضر قلبه فر الشيطان فإن التفت حضر الشيطان فهو هكذا شأنه وشأن عدوه في الصلاة
( أنواع القلوب ) فصل : وإنما يقوى العبد على حضوره في الصلاة واشتغاله فيها بربه تعالى إذا قهر شهوته وهواه وإلا فقلب قد قهرته الشهوة وأسره الهوى ووجد الشيطان فيه مقعدا تمكن فيه كيف يخلص من الوساوس والأفكار ؟ والقلوب ثلاثة : قلب خال من الإيمان وجميع الخير فذلك قلب مظلم قد استراح الشيطان من إلقاء الوساوس إليه لأنه قد اتخذ بيتا ووطنا وتحكم فيه بما يريد وتمكن منه غاية التمكن القلب الثاني : قلب قد استنار بنور الإيمان وأوقد فيه مصباحه لكن عليه ظلمة الشهوات وعواصف الاهوية فللشيطان هنالك إقبال وإدبار ومجالات ومطامع فالحرب دول وسجال وتختلف أحوال هذا الصنف بالقلة والكثرة فمنهم من أوقات غلبته لعدوه أكثر ومنهم من أوقات غلبة عدوه له أكثر ومنهم من هو تارة وتارة ( القلب الثالث ) قلب محشو بالإيمان قد استنار بنور الإيمان وانقشعت عنه حجب الشهوات وأقلعت عنه تلك الظلمات فلنوره في صدره إشراق ولذلك الإشراق إيقاد لو دنا منه الوسواس احترق به فهو كالسماء التي حرست بالنجوم فلو دنا منها الشيطان يتخطاها رجم فاحترق وليست السماء بأعظم حرمة من المؤمن وحراسة الله تعالى له أتم من حراسة السماء والسماء متعبد الملائكة ومستقر الوحي وفيها أنوار الطاعات وقلب المؤمن مستقر التوحيد والمحبة والمعرفة والإيمان وفيه أنوارها فهو حقيق أن يحرس ويحفظ من كيد العدو فلا ينال منه شيئا إلا خطفه وقد مثل ذلك بمثال حسن وهو ثلاثة بيوت : بيت للملك فيه كنوزه وذخائره وجواهره وبيت للعبد فيه كنوز العبد وذخائره وليس جواهر الملك وذخائره وبيت خال صفر لا شئ فيه فجاء اللص يسرق من أحد البيوت فمن أيها يسرق ؟ فإن قلت من البيت الخالي كان محالا لأن البيت الخالي ليس فيه شئ يسرق ولهذا قيل لابن عباس رضي الله عنهما : إن اليهود تزعم أنها لا توسوس في صلاتها فقال : وما يصنع الشيطان بالقلب الخراب ؟ وإن قلت : يسرق من بيت الملك كان ذلك كالمستحيل الممتنع فإن عليه من الحرس واليزك وما لا يستطيع اللص الدنو منه كيف وحارسه الملك بنفسه ؟ وكيف يستطيع اللص الدنو منه وحوله من الحرس والجند ما حوله ؟ فلم يبق للص إلا البيت الثالث فهو الذي يشن عليه الغارات فليتأمل اللبيب هذا المثال حق التأمل ولينزله على القلوب فإنها على منواله فقلب خلا من الخير كله وهو قلب الكافر والمنافق فذلك بيت الشيطان قد أحرزه لنفسه واستوطنه واتخذه سكنا ومستقرا فأي شئ يسرق منه وفيه خزائنه وذخائره وشكوكه وخيالاته ووساوسه وقلب قد امتلأ من جلال الله تعالى وعظمته ومحبته ومراقبته والحياء منه فأي شيطان يجترئ على هذا القلب ؟ وإن أراد سرقة شيء منه فماذا يسرق وغايته أن يظفر في الأحايين منه بخطفة ونهب يحصل له على غرة من العبد وغفلة لا بد له إذ هو بشر وأحكام البشرية جارية عليه من الغفلة والسهو والذهول وغلبة الطبع وقد ذكر عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى أنه قال : وفي بعض الكتب الإلهي لست أسكن البيوت ولا تسعني وأي شئ يسعني والسماوات حشو كرسي ؟ ولكن أنا في قلب الوداع التارك لكل شئ سواي وهذا معنى الأثر الآخر ما وسعتني سماواتي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن وقلب فيه توحيد الله تعالى ومعرفته ومحبته والإيمان به والتصديق بوعده ووعيده وفيه شهوات النفس وأخلاقها ودواعي الهوى والطبع وقلب بين هذين الداعيين : فمرة يميل بقلبه داعي الإيمان والمعرفة والمحبة لله تعالى وارادته وحده ومرة يميل بقلبه داعي الشيطان والهوى والطباع فهذا القلب للشيطان فيه مطمع وله منه منازلات ووقائع ويعطي الله النصر من يشاء { وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم } وهذا لا يتمكن الشيطان منه إلا بما عنده من سلاحه فيدخل إليه الشيطان فيجد سلاحه عنده فيأخذه ويقاتله فإن أسلحته هي الشهوات والشبهات والخيالات والأماني الكاذبة وهي في القلب فيدخل الشيطان فيجدها عتيدة فيأخذها ويصول بها على القلب فإن كان عند العبد عدة عتيدة من الإيمان تقاوم تلك العدة وتزيد عليها انتصف من الشيطان وإلا فالدولة لعدوه عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله فإذا أذن العبد لعدوه وفتح له باب بيته وأدخله عليه ومكنه من السلاح يقاتله به فهو الملوم ( فنفسك لم ولا تلم المطايا ... ومت كمدا فليس لك اعتذار )
( خلوف فم الصائم ) عدنا إلى شرح حديث الحارث الذي فيه ذكر ما يحرز العبد من عدوه : قوله ﷺ [ وأمركم بالصيام فإن مثل ذلك مثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك فكلهم يعجب أو يعجبه ريحه وإن ريح الصيام أطيب عند الله من ريح المسك ] إنما مثل ﷺ ذلك بصاحب الصرة التي فيها المسك لأنها مستورة عن العيون مخبوءة تحت ثيابه كعادة حامل المسك وهكذا الصائم صومه مستور عن مشاهدة الخلق لا تدركه حواسهم والصائم هو الذي صامت جوارحه عن الآثام ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور وبطنه عن الطعام والشراب وفرجه عن الرفث فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه فيخرج كلامه كله نافعا صالحا وكذلك أعماله فهي بمنزلة الرائحة التي يشمها من جالس حامل المسك كذلك من جالس الصائم انتفع بمجالسته وأمن فيها من الزور والكذب والفجور والظلم هذا هو الصوم المشروع لا مجرد الإمساك عن الطعام والشراب ففي الحديث الصحيح [ من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه ] وفي الحديث [ رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ] فالصوم هو صوم الجوارح عن الآثام وصوم البطن عن الشراب والطعام فكما أن الطعام والشراب يقطعه ويفسده فهكذا الآثام تقطع ثوابه وتفسد ثمرته فتصيره بمنزلة من لم يصم وقد اختلف في وجود هذه الرائحة من الصائم هل هي في الدنيا أو في الآخرة على قولين ووقع بين الشيخين الفاضلين أبي محمد [ عز الدين ] بن عبد السلام وأبي عمرو ابن الصلاح في ذلك تنازع فمال أبو محمد إلى أن تلك في الآخرة خاصة وصنف فيه مصنفا رد فيه على أبي محمد وسلك أبو عمرو في ذلك مسلك أبي حاتم بن حبان فإنه في صحيحه بوب عليه كذلك فقال [ ذكر البيان بأن خلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك ] ثم ساق حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ [ كل عمل ابن آدم له إلا الصيام والصيام لي وأنا أجزي به ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح ] ثم قال [ ذكر البيان بأن خلوف فم الصائم يكون أطيب عند الله من ريح المسك يوم القيامة ] ثم ساق حديثا من حديث ابن جريج عن عطاء عن أبي صالح الزيات أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم [ قال الله تبارك وتعالى : كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك للصائم فرحتان : إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي الله تعالى فرح بصومه ] قال أبو حاتم : شعار المؤمنين يوم القيامة التحجيل بوضوئهم في الدنيا فرقا بينهم وبين سائر الأمم وشعارهم في القيامة بصومهم طيب خلوف أفواههم أطيب من ريح المسك ليعرفوا من بين ذلك الجمع بذلك العمل جعلنا الله تعالى منهم ثم قال ذكر البيان بأن خلوف فم الصائم قد يكون أيضا من ريح المسك في الدنيا ثم ساق من حديث شعبة عن سليمان ذكوان عن أبي هريرة عن النبي ﷺ [ كل حسنة يعملها أبن آدم بعشر حسنات إلى سبعمائة ضعف يقول الله تعالى : إلا الصوم فهو لي وأنا أجزي به يدع الطعام من أجلي والشراب من أجلي وأنا أجزي به وللصائم فرحتان : فرحة حين يفطر وفرحة حين يلقى ربه تعالى ولخلوف فم الصائم حين يخلف من الطعام أطيب عند الله من ريح المسك ] واحتج الشيخ أبو محمد بالحديث الذي فيه تقييد الطيب بيوم القيامة قلت : ويشهد لقوله الحديث المتفق عليه [ والذي نفسي بيده ما من مكلوم يكلم في سبيل الله ـ والله أعلم بمن يكلم في سبيله ـ إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمى : اللون لون دم والريح ريح المسك ] فأخبر ﷺ عن رائحة كلم المكلوم في سبيل الله تعالى بأنها كريح المسك يوم القيامة وهو نظير اخباره عن خلوف فم الصائم فإن الحس يدل على أن هذا دم في الدنيا وهذا خلوف له ولكن يجعل الله تعالى رائحة هذا وهذا مسكا يوم القيامة واحتج الشيخ أبو عمر بما ذكره أبو حاتم في صحيحه من تقييد ذلك بوقت إخلافه وذلك يدل على أنه في الدنيا فلما قيد المبتدأ وهو خلوف فم الصائم بالظروف وهو قوله حين يخلف كان الخبر عنه وهو قوله أطيب عند الله خبرا عنه في حال تقييده فإن المبتدأ إذا تقيد بوصف أو حال أو ظرف كان الخبر عنه حال كونه مقيدا فدل على أن طيبه عند الله تعالى ثابت حال إخلافه قال : وروى الحسن بن سفيان في مسنده عن جابر أن النبي ﷺ قال [ أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسا ] فذكر الحديث وقال فيه [ وأما الثانية فإنهم يمسون وريح أفواههم أطيب عند الله من ريح المسك ] ثم ذكر كلام الشراح في معنى طيبه وتأويلهم إياه بالثناء على الصائم والرضى بفعله على عادة كثير منهم بالتأويل من غير ضرورة حتى كأنه قد بورك فيه فهو موكل به وأي ضرورة تدعو إلى تأويل كونه أطيب عند الله من ريح المسك بالثناء على فاعله والرضا بفعله وإخراج اللفظ عن حقيقته ؟ وكثير من هؤلاء ينشئ للفظ معنى ثم يدعي إرادة ذلك المعنى بلفظ النص من غير نظر منه إلى استعمال ذلك اللفظ في المعنى الذي عينه أو احتمال اللغة له ومعلوم أن هذا يتضمن الشهادة على الله تعالى ورسوله ﷺ بأن مراده من كلامه كيت وكيت فإن لم يكن ذلك معلوما بوضع اللفظ لذلك المعنى أو عرف الشارع ﷺ وعادته المطردة أو الغالبة باستعمال ذلك اللفظ في هذا المعنى أو تفسيره له به وإلا كانت شهادة باطلة ومن المعلوم أن أطيب ما عند الناس من الرائحة رائحة المسك فمثل النبي ﷺ هذا الخلوف عند الله تعالى بطيب رائحة المسك عندنا وأعظم ونسبة استطابة ذلك إليه سبحانه وتعالى كنسبة سائر صفاته وأفعاله إليه فإنها استطابة لا تماثل استطابة المخلوقين كما أن رضاه وغضبه وفرحه وكراهته وحبه وبغضه لا تماثل ما للمخلوق من ذلك كما أن ذاته سبحانه وتعالى لا تشبه ذوات خلقه وصفاته لا تشبه صفاتهم وأفعالهم وهو سبحانه وتعالى يستطيب الكلم الطيب فيصعد إليه والعمل الصالح فيرفعه وليست هذه الاستطابة كاستطابتنا ثم إن تأويله لا يرفع الإشكال إذ ما استشكله هؤلاء من الاستطابة يلزم مثله الرضا فإن قال رضا ليس كرضا المخلوقين فقولوا استطابة ليس كاستطابة المخلوقين وعلى هذا جميع ما يجيء من هذا الباب ثم قال : وأما ذكر يوم القيامة في الحديث فلأنه يوم الجزاء وفيه يظهر رجحان الخلوف في الميزان على المسك المستعمل لدفع الرائحة الكريهة طلبا لرضاء الله تعالى حيث يؤمر باجتنابها واجتلاب الرائحة الطيبة كما في المساجد والصلوات وغيرها من العبادات فخص يوم القيامة بالذكر وفي بعض الروايات كما خص في قوله تعالى : { إن ربهم بهم يومئذ لخبير } وأطلق في باقيها نظرا إلى أن أصل أفضليته ثابت في الدارين قلت من العجب رده على أبي محمد بما لا ينكره أبو محمد وغيره فإن الذي فسر به الاستطابة المذكورة في الدنيا بثناء الله تعالى على الصائمين ورضائه بفعلهم أمر لا ينكره مسلم فإن الله تعالى قد أثنى عليهم في كتابه وفيما بلغه عنه رسوله ﷺ ورضي بفعله فإن كانت هذه هي الاستطابة فيرى الشيخ أبو محمد [ لا ] ينكرها والذي ذكره الشيخ أبو محمد أن هذه الرائحة إنما يظهر طيبها على طيب المسك في اليوم الذي يظهر فيه طيب دم الشهيد ويكون كرائحة المسك ولا ريب أن ذلك يوم القيامة فإن الصائم في ذلك اليوم يجيء ورائحة فمه أطيب من رائحة المسك كما يجيء المكلوم في سبيل الله تعالى ورائحة دمه كذلك لا سيما والجهاد أفضل من الصيام فإن كان طيب رائحته إنما يظهر يوم القيامة فكذلك الصائم وأما حديث جابر فإنه يمسون وخلوف أفواههم أطيب من ريح المسك فهذه جملة حالية لا خبرية فإن خبر إمسائه لا يقترن بالواو لأنه خبر مبتدأ فلا يجوز اقترانه بالواو وإذا كانت الجملة حالية فلأبي محمد أن يقول : هي حال مقدرة والحال المقدرة يجوز تأخيرها عن زمن الفعل العامل فيها ولهذا لو صرح بيوم القيامة في مثل هذا فقال : يمسون وخلوف أفواههم أطيب من ريح المسك يوم القيامة لم يكن التركيب فاسدا كأنه قال يمسون وهذا لهم يوم القيامة وأما قوله لخلوف فم الصائم حين يخلف فهذا الظرف تحقيق للمبتدأ أو تأكيد له وبيان إرادة الحقيقة المفهومة منه لا مجازة ولا استعارته وهذا كما تقول : جهاد المؤمن حين يجاهد وصلاته حين يصلي يجزيه الله تعالى بها يوم القيامة ويرفع بها درجته يوم القيامة وهذا قريب من قوله ﷺ [ لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ] وليس المراد تقييد نفي الإيمان المطلق عنه حالة مباشرة تلك الأفعال فقط بحيث إذا كملت مباشرته وانقطع فعله عاد إليه الإيمان بل هذا النفي مستمر إلى حين التوبة وإلا فما دام مصرا وإن لم يباشر الفعل فالنفي لاحق به ولا يزول عنه اسم الذنب والأحكام المترتبة على المباشرة إلا بالتوبة النصوح والله سبحانه وتعالى أعلم وفصل النزاع في المسألة أن يقال : حيث أخبر النبي ﷺ بأن ذلك الطيب يكون يوم القيامة فلأنه الوقت الذي يظهر فيه ثواب الأعمال وموجباتها من الخير والشر فيظهر للخلق طيب ذلك الخلوف على المسك كما يظهر فيه رائحة دم المكلوم في سبيله كرائحة المسك وكما تظهر فيه السرائر وتبدو على الوجوه وتصير علانية ويظهر فيه قبح رائحة الكفار وسواد وجوههم وحيث أخبر بأن ذلك حين يخلف وحين يمسون فلأنه وقت ظهور أثر العبادة ويكون حينئذ طيبها على ريح المسك عند الله تعالى وعند ملائكته وإن كانت تلك الرائحة كريهة للعباد فرب مكروه عند الناس محبوب عند الله تعالى وبالعكس فإن الناس يكرهونه لمنافرته طباعهم والله تعالى يستطيبه ويحبه لموافقته أمره ورضاه ومحبته فيكون عنده أطيب من ريح المسك عندنا فإذا كان يوم القيامة ظهر هذا الطيب للعباد وصار علانية وهكذا سائر آثار الأعمال من الخير والشر وإنما يكمل ظهورها ويصير علانية في الآخرة وقد يقوى العمل ويتزايد حتى يستلزم ظهور بعض أثره على العبد في الدنيا في الخير والشر كما هو مشاهد بالبصر والبصيرة قال ابن عباس : أن للحسنة ضياء في الوجه ونورا في القلب وقوة في البدن وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق وإن للسيئة سوادا في الوجه وظلمة في القلب ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق وقال عثمان بن عفان : ما عمل رجل عملا إلا ألبسه الله رداءه إن خيرا فخير وإن شرا فشر وهذا أمر معلوم يشترك فيه وفي العلم به أصحاب البصائر وغيرهم حتى إن الرجل الطيب البر لتشم منه رائحة طيبة وإن لم يمس طيبا فيظهر طيب رائحة روحه على بدنه وثيابه والفاجر بالعكس والمزكوم الذي أصابه الهوى لا يشم لا هذا ولا هذا بل زكامه يحمله على الإنكار فهذا فصل الخطاب في هذه المسألة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
( الصدقة وآثارها ) ( فصل ) وأمركم بالصدقة فإن مثل ذلك مثل رجل أسره العدو فأوثقوا يده منه هذا أيضا من الكلام الذي برهانه وجوده ودليله ووقوعه فإن للصدقة تأثيرا عجيبا في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجر أو من ظالم بل من كافر فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعا من البلاء وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم وأهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم جربوه وقد روى الترمذي في جامعه من حديث أنس بن مالك أن النبي ﷺ قال [ إن الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء ] وكما أنها تطفئ غضب الرب تبارك وتعالى فهي تطفئ الذنوب والخطايا كما تطفئ الماء النار وفي الترمذي عن معاذ بن جبل قال : [ كنت مع رسول الله ﷺ في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقال ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل شعار الصالحين ثم تلا { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون } ] وفي بعض الآثار : باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطى الصدقة وفي تمثيل النبي ﷺ ذلك بمن قدم ليضرب عنقه فافتدى نفسه منهم بماله كفاية فإن الصدقة تفدي العبد من عذاب الله تعالى فإن ذنوبه وخطاياه تقتضي هلاكه فتجئ الصدقة تفديه من العذاب وتفكه منه ولهذا قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح لما خطب النساء يوم العيد [ يا معاشر النساء تصدقن ولو من حليكن فإني رأيتكن أكثر أهل النار ] وكأنه حثهن ورغبهن على ما يفدين به أنفسهن من النار وفي الصحيحين عن عدي بن حاتم قال : قال رسول الله ﷺ [ ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجه فاتقوا النار ولو بشق تمرة ] وفي حديث أبي ذر أنه قال : [ سألت رسول الله ﷺ ماذا ينجي العبد من النار ؟ قال الإيمان بالله قلت : يا نبي الله مع الإيمان عمل ؟ قال أن ترضخ مما خولك الله أو : ترضخ مما رزق الله قلت : يا نبي الله فإن كان فقيرا لا يجد ما يرضخ ؟ قال يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر قلت : إن كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ؟ قال فليعن الأخرق قلت : يا رسول الله أرأيت إن كان لا يحسن أن يصنع ؟ قال فليعن مظلوما قلت : يا رسول الله أرأيت إن كان ضعيفا لا يستطيع أن يعين مظلوما ؟ قال ما تريد أن تترك في صاحبك من خير ؟ ليمسك أذاه عن الناس قلت : يا رسول الله أرأيت إن فعل هذا يدخل الجنة ؟ قال ما من مؤمن يصيب خصلة من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى أدخلته الجنة ] ذكره البيهقي في كتاب شعب الإيمان قال عمر بن الخطاب : ذكر لي أن الأعمال تتباهى فتقول الصدقة : أنا أفضلكم وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال : [ ضرب رسول الله ﷺ مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد أو جنتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثدييهما وتراقيهما فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة أنبسطت عنه حتى تغشى أنامله وتعفو أثره وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة مكانها ] قال أبو هريرة : فأنا رأيت رسول الله ﷺ يقول بإصبعه هكذا في جبته فرأيته يوسعها ولا تسع ولما كان البخيل محبوسا عن الإحسان ممنوعا عن البر والخير وكان جزاؤه من جنس عمله فهو ضيق الصدر ممنوع من الانشراح ضيق العطن صغير النفس قليل الفرح كثير الهم والغم والحزن لا يكاد تقضى له حاجة ولا يعان على مطلوب فهو كرجل عليه جبة من حديد قد جمعت يداه إلى عنقه بحيث لا يتمكن من إخراجها ولا حركتها وكلما أراد إخراجها أو توسيع تلك الجبة لزمت كل حلقة من حلقها موضعها وهكذا البخيل كلما أراد أن يتصدق منعه بخله فبقي قلبه في سجنه كما هو والمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه وانفسح بها صدره فهو بمنزلة اتساع تلك الجبة عليه فكلما تصدق اتسع وانفسح وانشرح وقوي فرحه وعظم سروره ولو لم يكن في الصدقة إلا هذه الفائدة وحدها لكان العبد حقيقا بالاستكثار منها والمبادرة إليها وقد قال تعالى { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } كان عبد الرحمن بن عوف ـ أو سعد بن أبي وقاص ـ يطوف بالبيت وليس له دأب إلا هذه الدعوة : رب قني شح نفسي رب قني شح نفسي فقيل له : أما تدعو بغير هذه الدعوة فقال : إذا وقيت شح نفسي فقد أفلحت والفرق بين الشح والبخل أن الشح هو شدة الحرص على الشيء والاحفاء في طلبه والاستقصاء في تحصيله وجشع النفس عليه والبخل منع إنفاقه بعد حصوله وحبه وإمساكه فهو شحيح قبل حصوله بخيل بعد حصوله فالبخل تمرة الشح والشح يدعو إلى البخل والشح كامن في النفس فمن بخل فقد أطاع شحه ومن لم يبخل فقد عصي شحه ووقي شره وذلك هو المفلح { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } والسخي قريب من الله تعالى ومن خلقه ومن أهله وقريب من الجنة وبعيد من النار والبخيل بعيد من خلقه بعيد من الجنة قريب من النار فجود الرجل يحببه إلى أضداده وبخله يبغضه إلى أولاده : ( ويظهر عيب المرء في الناس ... بخله ويستره عنهم جميعا سخاؤه ) ( تغط بأثواب السخاء فإنني ... أرى كل عيب فالسخاء غطاؤه ) ( وقارن إذا قارنت حرا فإنما ... يزين ويزري بالفتى قرناؤه ) ( وأقلل إذا ... ما اسطعت قولا فإنه إذا قل قول المرء قل خطاؤه ) ( إذا قل مال المرء قل صديقه ... وضاقت عليه أرضه وسماؤه ) ( وأصبح لا يدري وأن كان حازما ... أقدامه خير له أم وراؤه ) ( إذا المرء لم يختر صديقا لنفسه فناد به في الناس هذا جزاؤه ) وحد السخاء بذل ما يحتاج إليه عند الحاجة وأن يوصل ذلك إلى مستحقه بقدر الطاقة وليس ـ كما قال البعض من نقص عمله ـ حد الجود بذل الموجود ولو كان كما قال هذا القائل لارتفع اسم السرف والتبذير وقد ورد الكتاب بذمهما وجاءت السنة بالنهي عنهما وإذا كان السخاء محمودا فمن وقف على حده سمي كريما وكان للحمد مستوجبا ومن قصر عنه كان بخيلا وكان للذم مستوجبا وقد روي في أثر : إن الله تعالى أقسم بعزته ألا يجاوزه بخيل والسخاء نوعان : فأشرفهما سخاؤك عما بيد غيرك والثاني سخاؤك ببذل ما في يدك فقد يكون الرجل من أسخى الناس وهو لا يعطيهم شيئا لأنه سخا عما في أيديهم وهذا معنى قول بعضهم : السخاء أن تكون بمالك متبرعا وعن مال غيرك متورعا وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول : أوحى الله إلى إبراهيم ﷺ أتدري لم اتخذتك خليلا ؟ قال : لا قال لأني رأيت العطاء أحب إليك من الأخذ وهذه صفة من صفات الرب جل جلاله فإنه يعطي ولا يأخذ ويطعم ولا يطعم وهو أجود الأجودين وأكرم الأكرمين وأحب الخلق إليه من اتصف بمقتضيات صفاته فإنه كريم يحب الكريم من عباده وعالم يحب العلماء وقادر يحب الشجعان وجميل يحب الجمال وروى الترمذي في جامعه قال : حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عامر أخبرنا خالد بن الياس عن صالح بن أبي حسان قال سمعت سعيد بن المسيب يقول : إن الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة كريم يحب الكرم جواد يحب الجود فنظفوا أخبيتكم ولا تشبهوا باليهود قال فذكرت للمهاجر بن مسمار فقال : حدثنيه عامر بن سعد عن أبيه رضي الله تعالى عنه عن النبي ﷺ إلا أنه قال فنظفوا أفنيتكم هذا حديث غريب خالد بن الياس يضعف وفي الترمذي أيضا في كتاب البر قال : حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا سعيد بن محمد الوراق عن يحي بن سعيد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال [ السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد من النار والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار ولجاهل سخي أحب إلى الله تعالى من عابد بخيل ] وفي الصحيح [ إن الله تعالى يحب الوتر ] وهو سبحانه وتعالى رحيم يحب الرحماء وإنما يرحم من عباده الرحماء وهو ستير يحب من يستر على عباده وعفو يحب من يعفو عنهم وغفور يحب من يغفر لهم ولطيف يحب اللطيف من عباده ويبغض الفظ الغليظ القاسي الجعظري الجواظ ورفيق يحب الرفق وحليم يحب الحلم وبر يحب البر وأهله وعدل يحب العدل وقابل المعاذير يحب من يقبل معاذير عباده ويجازي عبده بحسب هذه الصفات فيه وجودا وعدما فمن عفا عفا عنه ومن غفر غفر له ومن سامح سامحه ومن حاقق حاققه ومن رفق بعباده رفق به ومن رحم خلقه رحمه ومن أحسن إليهم أحسن إليه ومن جاد عليهم جاد عليه ومن نفعهم نفعه ومن سترهم ستره ومن صفح عنهم صفح عنه ومن تتبع عورتهم تتبع عورته ومن هتكهم هتكه وفضحه ومن منعهم خيره منعه خيره ومن شاق شاق الله تعالى به ومن مكر مكر به ومن خادع خادعه ومن عامل خلقه بصفة عامله الله تعالى بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة فالله تعالى لعبده على حسب ما يكون العبد لخلقه ولهذا جاء في الحديث [ من ستر مسلما ستره الله تعالى في الدنيا والآخرة ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله تعالى عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله تعالى حسابه ومن أقال نادما أقال الله تعالى عثرته ومن أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله تعالى في ظل عرشه ] لأنه لما جعله في ظل الإنظار والصبر ونجاه من حر المطالبة وحرارة تكلف الأداء مع عسرته وعجز نجاه الله تعالى من حر الشمس يوم القيامة إلى ظل العرش وكذلك الحديث الذي في الترمذي وغيره عن النبي ﷺ أنه قال في خطبته يوما [ يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته فكما تدين تدان وكن كيف شئت فإن الله تعالى لك كما تكون أنت ولعباده ] ولما أظهر المنافقون الإسلام وأسروا الكفر وأظهر الله تعالى لهم يوم القيامة نورا على الصراط وأظهر لهم أنهم يجوزون الصراط وأسر لهم أن يطفئ نورهم وأن يحال بينهم وبين الصراط من جنس أعمالهم وكذلك من يظهر للخلق خلاف ما يعمله الله فيه فإن الله تعالى يظهر له في الدنيا والآخرة أسباب الفلاح والنجاح والفوز ويبطن له خلافها وفي الحديث [ من راءى راءى الله به ومن سمع سمع الله به ] والمقصود أن الكريم المتصدق يعطيه الله ما لا يعطي جزاء له من جنس عمله
ذكر الله وفوائده وقوله ﷺ [ وأمركم أن تذكروا الله تعالى فإن مثل ذلك مثل رجل خرج العدو في أثره سراعا حتى إذا أتى حصن حصين فأحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله ] فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة لكان حقيقا بالعبد أن لا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى وأن لا يزال لهجا بذكره فإنه لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر ولا يدخل عليه العدو إلا من باب الغفلة فهو يرصده فإذا غفل وثب عليه وافترسه وإذا ذكر الله تعالى انخنس عدو الله تعالى وتصاغر وانقمع حتى يكون كالوصع وكالذباب ولهذا سمي الوسواس الخناس أي يوسوس في الصدور فإذا ذكر الله تعالى خنس أي كف وأنقبض قال ابن عباس : الشيطان جاثم على قلب أبن آدم فإذا سها وغفل وسوس فإذا ذكر الله تعالى خنس وفي مسند الأمام أحمد عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن زياد أبن أبي زياد مولى عبد الله بن عباس بن أبي ربيعة أنه بلغه عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله ﷺ [ ما عمل آدمي عملا قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله تعالى ] وقال معاذ : قال رسول الله ﷺ [ ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال ذكر الله تعالى ] وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ [ ما من يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان عليهم حسرة ] وفي رواية الترمذي [ ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم ] وفي صحيح مسلم عن الأغر أبي مسلم قال : أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله ﷺ أنه قال [ لا يقعد قوم يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده ] وفي الترمذي عن عبد الله بن بشر أن رجلا قال : يا رسول الله إن أبواب الخير كثيرة ولا أستطيع القيام بكلها فأخبرني بما شئت أتشبث به ولا تكثر علي فأنسى وفي رواية : أن شرائع الإسلام قد كثرت علي وأنا كبرت فأخبرني بشئ أتشبث به قال [ لا يزال لسانك رطبا بذكر الله تعالى ] وفي الترمذي أيضا [ عن أبي سعيد أن رسول الله ﷺ سئل : أي العباد أفضل وأرفع درجة عند الله يوم القيامة ؟ قال الذاكرون الله كثيرا قيل : يا رسول الله ومن الغازي في سبل الله ؟ قال لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى يتكسر ويختصب دما كان الذاكر لله تعالى أفضل منه درجة ] وفي صحيح البخاري عن أبي موسى عن النبي ﷺ قال [ مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت ] وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ [ يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذرعا وإن تقرب إلي ذرعا تقربت منه باعا وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة ] وفي الترمذي عن أنس [ أن رسول الله ﷺ قال إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا : يا رسول الله وما رياض الجنة ؟ قال حلق الذكر ] وفي الترمذي أيضا عن النبي ﷺ عن الله تعالى أنه يقول [ إن عبدي الذي يذكرني وهو ملاق قرنه ] وهذا الحديث هو فصل الخطاب والتفصيل بين الذاكر والمجاهد فإن الذاكر المجاهد أفضل من الذاكر بلا جهاد والمجاهد الغافل والذاكر بلا جهاد أفضل من المجاهد الغافل عن الله تعالى فأفضل الذاكرين المجاهدون وأفضل المجاهدين الذاكرون قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون } فأمرهم بالذكر الكثير والجهاد معا ليكونوا على رجاء من الفلاح وقد قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا } وقال تعالى : { والذاكرين الله كثيرا والذاكرات } أي كثيرا وقال تعالى : { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } ففيه الأمر بالذكر بالكثرة والشدة لشدة حاجة العبد إليه وعدم استغنائه عنه طرفة عين فأي لحظة خلا فيها العبد عن ذكر الله تعالى كانت عليه لا له وكان خسرانه فيها أعظم مما ربح في غفلته عن الله وقال بعض العارفين : لو أقبل عبد على الله تعالى كذا وكذا سنة ثم أعرض عنه لحظة لكان ما فاته أعظم مما حصله وذكر البيهقي عن عائشة عن النبي ﷺ أنه قال [ ما من ساعة تمر بأبن آدم لا يذكر فيها إلا تحسر عليها يوم القيامة ] وذكر عن معاذ بن جبل يرفعه أيضا ليس تحسر أهل الجنة إلا عن ساعة مرت بهم لم يذكروا الله تعالى فيها وعن أم حبيبة زوج النبي ﷺ قالت : قال رسول الله ﷺ [ كلام أبن آدم كله عليه لا له إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو ذكرا لله تعالى ] [ وعن معاذ بن جبل قال : سألت رسول الله ﷺ : أي الأعمال أحب إلى الله تعالى ؟ قال أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله تعالى ] وقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه : لكل شيء جلاء وإن جلاء القلوب ذكر الله تعالى وذكر البيهقي مرفوعا من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه كان يقول [ لكل شيء صقالة وإن صقالة القلوب ذكر الله تعالى وما من شيء أنجى من عذاب الله تعالى من ذكر الله تعالى قالوا : ولا الجهاد في سبيل الله تعالى ؟ قال ولو أن يضرب بسيفه حتى ينقطع ] ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما وجلاؤه بالذكر فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء فإذا ترك صدئ فإذا جلاه وصدأ القلب بأمرين بالغفلة والذنب وجلاؤه بشيئين بالاستغفار والذكر فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته كان الصدأ متراكبا على قلبه وصدأه بحسب غفلته وإذا صدئ القلب لم تنطبع فيه صور المعلومات على ما هي عليه فيرى الباطل في صورة الحق والحق في صورة الباطل لأنه لما تراكم عليه الصدأ أظلم فلم تظهر فيه صورة الحقائق كما هي عليه فإذا تراكم عليه الصدأ واسود وركبه الران فسد تصوره وإدراكه فلا يقبل حقا ولا ينكر باطلا وهذا أعظم عقوبات القلب وأصل ذلك من الغفلة واتباع الهوى فإنهما يطمسان نور القلب ويعميان بصره قال تعالى : { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا } فإذا أراد العبد أن يفتدي برجل فلينظر : هل هو من أهل الذكر أو من الغافلين ؟ وهل الحاكم عليه الهوى أو الوحي فإن كان الحاكم عليه هو الهوى وهو من أهل الغفلة كان أمره فرطا ومعنى الفرط قد فسر بالتضييع أي أمره الذي يجب أن يلزمه ويقوم به وبه رشده وفلاحه ضائع قد فرط فيه وفسر بالاسراف أي قد أفرط وفسر بالإهلاك وفسر بالخلاف للحق وكلها أقوال متقاربة والمقصود أن الله سبحانه وتعالى نهى عن طاعة من جمع هذه الصفات فينبغي للرجل أن ينظر في شيخه وقدوته ومتبوعه فإن وجده كذلك فليبعد منه وإن وجده ممن غلب عليه ذكر الله تعالى تعالى واتباع السنة وأمره غير مفروط عليه بل هو حازم في أمره فليستمسك بغرزه ولا فرق بين الحي والميت إلا بالذكر فمثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت وفي المسند مرفوعا [ أكثروا ذكر الله تعالى حتى يقال مجنون ]
وفي الذكر أكثر من مائة فائدة : ( إحداها ) أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره
( الثانية ) أنه يرضي الرحمن تعالى
( الثالثة ) أنه يزيل الهم والغم عن القلب
( الرابعة ) أنه يجلب للقلب الفرح والسرور والبسط
( الخامسة ) أنه يقوى القلب والبدن
( السادسة ) أنه ينور الوجه والقلب
( السابعة ) أنه يجلب الرزق
( الثامنة ) أنه يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة
( التاسعة ) أنه يورثه المحبة التي هي روح الإسلام وقطب رحى الدين ومدار السعادة والنجاة وقد جعل الله لكل شيء سببا وجعل سبب المحبة دوام الذكر فمن أراد أن ينال محبة الله تعالى فليلهج بذكره فإنه الدرس والمذاكرة كما أنه باب العلم فالذكر باب المحبة وشارعها الأعظم وصراطها الأقوم
( العاشرة ) أنه يورثه المراقبة حتى يدخله في باب الاحسان فيعبد الله كأنه يراه ولا سبيل للغافل عن الذكر إلى مقام الإحسان كما لا سبيل للقاعد إلى الوصول إلى البيت
( الحادية عشرة ) أنه يورثه الإنابة وهي الرجوع إلى الله تعالى فمتى أكثر الرجوع إليه بذكره أورثه ذلك رجوعه بقلبه إليه في كل أحواله فيبقى الله تعالى مفزعه وملجأه وملاذه ومعاذه وقبلة قلبه ومهربه عند النوازل والبلايا
( الثانية عشرة ) أنه يورثه القرب منه فعلى قدر ذكره لله تعالى يكون قربه منه وعلى قدر غفلته يكون بعده منه
( الثالثة عشرة ) أنه يفتح له بابا عظيما من أبواب المعرفة وكلما أكثر من الذكر ازداد من المعرفة
( الرابعة عشرة ) أنه يورثه الهيبة لربه تعالى وإجلاله لشدة استيلائه على قلبه وحضوره مع الله تعالى بخلاف الغافل فإن حجاب الهيبة رقيق في قلبه
( الخامسة عشرة ) أنه يورثه ذكر الله تعالى له كم قال تعالى : { فاذكروني أذكركم } ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها لكفى بها فضلا وشرفا وقال ﷺ فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى [ من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ]
( السادسة عشرة ) أنه يورث حياة القلب وسمعت شيخ الاسلام ابن تيمية قدس الله تعالى روحه يقول : الذكر للقلب مثل الماء للسمك فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء ؟
( السابعة عشرة ) أنه قوت القلب والروح فإذا فقده العبد صار بمنزلة الجسم إذا حيل بينه وبين قوته وحضرت شيخ الاسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار ثم التفت إلي وقال : هذه غدوتي ولو لم أتغد الغداء سقطت قوتي أو كلاما قريبا من هذا وقال لي مرة : لا أترك الذكر إلا بنية إجمام نفسي وإراحتها لأستعد بتلك الراحة لذكر آخر أو كلاما هذا معناه
( الثامنة عشرة ) أنه يورث جلاء القلب من صداه كما تقدم في الحديث وكل صدأ وصدأ القلب الغفلة والهوى وجلاؤه الذكر والتوبة والاستغفار وقد تقدم هذا المعنى
( التاسعة عشرة ) أنه يحط الخطايا ويذهبها فإنه من أعظم الحسنات والحسنات يذهبن السيئات
( العشرون ) أنه يزيل الوحشة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى فإن الغافل بينه وبين الله تعالى وحشة لا تزول إلا بالذكر
( الحادية والعشرون ) أن ما يذكر به العبد ربه تعالى من جلاله وتسبيحه وتحميده يذكر بصاحبه عند الشدة فقد روى الإمام أحمد في المسند عن النبي ﷺ قال [ إن ما تذكرون من جلال الله تعالى من التهليل والتكبير والتحميد يتعاطفن حول العرش لهن دوي كدوي النحل يذكرن بصاحبهن أفلا يحب أحدكم أن يكون له ما يذكر به ] ؟ هذا الحديث أو معناه
( الثانية والعشرون ) أن العبد إذا تعرف إلى الله تعالى بذكره في الرخاء عرفه في الشده وقد جاء أثر معناه أن العبد المطيع الذاكر لله تعالى إذا أصابته شدة أو سأل الله تعالى حاجة قالت الملائكة : يا رب صوت معروف من عبد معروف والغافل المعرض عن الله تعالى إذا دعاه وسأله قالت الملائكة : يا رب صوت منكر من عبد منكر
( الثالثة والعشرون ) أنه ينجي من عذاب الله تعالى كما قال معاذ رضي الله عنه ويروى مرفوعا [ ما عمل آدمي عملا أنجى من عذاب الله تعالى من ذكر الله تعالى ]
( الرابعة والعشرون ) أنه سبب تنزيل السكينة وغشيان الرحمة وحفوف الملائكة بالذاكر كما أخبر به النبي ﷺ
( الخامسة والعشرون ) أنه سبب اشتغال اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش والباطل فإن العبد لا بد له من أن يتكلم فإن لم يتكلم بذكر الله تعالى وذكر أوامره تكلم بهذه المحرمات أو بعضها ولا سبيل الى السلامة منها البتة إلا بذكر الله تعالى والمشاهدة والتجربة شاهدان بذلك فمن عود لسانه ذكر الله صان لسانه عن الباطل واللغو ومن يبس لسانه عن ذكر الله تعالى ترطب بكل باطل ولغو وفحش ولا حول ولا قوة إلا بالله
( السادسة والعشرون ) أن مجالس الذكر مجالس الملائكة ومجالس اللغو والغفلة ومجالس الشياطين فليتخير العبد أعجبهما إليه وأولاهما به فهو مع اهله في الدنيا والآخرة
( السابعة والعشرون ) أنه يسعد الذاكر بذكره ويسعد به جليسه وهذا هو المبارك أين ما كان والغافل واللاغي يشقى بلغوه وغفلته ويشقى به مجالسه
( الثامنة والعشرون ) أنه يؤمن العبد من الحسرة يوم القيامة فإن كل مجلس لا يذكر العبد فيه ربه تعالى كان عليه حسرة وترة يوم القيامة
( التاسعة والعشرون ) أنه مع البكاء في الخلوة سبب لإظلال الله تعالى العبد يوم الحر الأكبر في ظل عرشه والناس في حر الشمس قد صهرتهم في الموقف وهذا الذاكر مستظل بظل عرش الرحمن تعالى
( الثلاثون ) أن الاشتعال به سبب لعطاء الله للذاكر أفضل ما يعطي السائلين ففي الحديث عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله ﷺ [ قال سبحانه وتعالى : من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين ]
( الحادية والثلاثون ) أنه أيسر العبادات وهو من أجلها وأفضلها فإن حركة اللسان أخف حركات الجوارح وأيسرها ولو تحرك عضو من الانسان في اليوم والليلة بقدر حركة لسانه لشق عليه غاية المشقة بل لا يمكنه ذلك
( الثانية والثلاثون ) أنه غراس الجنة فقد روى الترمذي في جامعه من حديث عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله ﷺ [ لقيت ليلة أسرى بي إبراهيم الخليل عليه السلام فقال : يا محمد أقرئ أمتك السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ] قال الترمذي حديث حسن غريب من حديث أبن مسعود وفي الترمذي من حديث أبي الزبير عن جابر عن النبي ﷺ قال [ من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة ] قال الترمذي حديث حسن صحيح
( الثالثة والثلاثون ) أن العطاء والفضل الذي رتب عليه لم يرتب على غيره من الأعمال ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال [ من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه ومن قال : سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر ] وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ [ لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ] وفي الترمذي من حديث أنس أن رسول الله ﷺ قال [ من قال حين يصبح أو يمسي : اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أنك أنت الله لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك أعتق الله ربعه من النار ومن قالها مرتين أعتق الله نصفه من النار ومن قالها ثلاثا أعتق الله ثلاثة أرباعه من النار ومن قالها أربعا أعتقه الله تعالى من النار ] وفيه عن ثوبان أن رسول الله ﷺ قال [ من قال حين يمسي وإذا أصبح : رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد ﷺ رسولا كان حقا على الله أن يرضيه ] وفي الترمذي [ من دخل السوق فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة ]
( الرابعة والثلاثون ) أن دوام ذكر الرب تبارك وتعالى يوجب الأمان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده فإن نسيان الرب سبحانه وتعالى يوجب نسيان نفسه ومصالحها قال تعالى : { ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون } وإذا نسي العبد نفسه أعرض عن مصالحها ونسيها واشتغل عنها فهلكت وفسدت ولا بد كمن له زرع أو بستان أو ماشية أو غير ذلك ومما صلاحه وفلاحه بتعاهده والقيام عليه فأهمله ونسيه واشتغل عنه بغيره وضيع مصالحه فإنه يفسد ولا بد هذا مع إمكان قيام غيره مقامه فيه فكيف الظن بفساد نفسه وهلاكها وشقائها إذا أهملها ونسيها واشتغل عن مصالحها وعطل مراعاتها وترك القيام عليها بما يصلحها فما شئت من فساد وهلاك وخيبة وحرمان وهذا هو الذي صار أمره كله فرطا فانفرط عليه أمره وضاعت مصالحه وأحاطت به أسباب القطوع والخيبة والهلاك ولا سبيل إلى الامان من ذلك إلا بدوام ذكر الله تعالى واللهج به وأن لا يزال اللسان رطبا به وأن يتولى منزلة حياته التي لا غنى له عنها ومنزلة غذائه الذي إذا فقده فسد جسمه وهلك وبمنزلة الماء عند شدة العطش وبمنزلة اللباس في الحر والبرد وبمنزلة الكن في شدة الشتاء والسموم فحقيق بالعبد أن ينزل ذكر الله منه بهذه المنزلة وأعظم فأين هلاك الروح والقلب وفسادهما من هلاك البدن وفساده ؟ هذا هلاك لا بد منه وقد يعقبه صلاح لا بد وأما هلاك القلب والروح فهلاك لا يرجى معه صلاح ولا فلاح ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم في فوائد الذكر وادامته إلا هذه الفائدة وحدها لكفي بها فمن نسي الله تعالى أنساه نفسه في الدنيا ونسيه في العذاب يوم القيامة قال تعالى : { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى } أي تنسى في العذاب كما نسيت آياتي فلم تذكرها ولم تعمل بها وإعراضه عن ذكره يتناول إعراضه عن الذكر الذي أنزله وهو أن يذكر الذي أنزله في كتابه وهو المراد بتناول إعراضه عن أن يذكر ربه بكتابه وأسمائه وصفاته وأوامره وآلائه ونعمه فإن هذه كلها توابع إعراضه عن كتاب ربه تعالى فإن الذكر في الآية إما مصدر مضاف إلى الفاعل أو مضاف إضافة الأسماء المحضة أعرض عن كتابي ولم يتله ولم يتدبره ولم يعمل به ولا فهمه فإن حياته ومعيشته لا تكون إلا مضيقة عليه منكدة معذبا فيها والضنك الضيق والشدة والبلاء ووصف المعيشة نفسها بالضنك مبالغة وفسرت هذه المعيشة بعذاب البرزخ والصحيح أنها تتناول معيشته في الدنيا وحاله في البرزخ فإنه يكون في ضنك في الدارين وهو شدة وجهد وضيق وفي الآخرة تنسى في العذاب وهذا عكس أهل السعادة والفلاح فإن حياتهم في الدنيا أطيب الحياة ولهم في البرزخ وفي الآخرة أفضل الثواب قال تعالى : { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة } فهذا في الدنيا ثم قال : { ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } فهذا في البرزخ والآخرة وقال تعالى : { والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون } وقال تعالى : { وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا } حسنا { إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله } فهذا في الآخرة وقال تعالى : { قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } فهذه أربعة مواضيع ذكر الله تعالى فيها أنه يجزي المحسن بإحسانه جزاءين : جزاء في الدنيا وجزاء في الآخرة فالاحسان له جزاء معجل ولا بد والإساءة لها جزاء معجل ولا بد ولو لم يكن إلا ما يجازي به المحسن من انشراح صدوره في انفساح قلبه وسروره ولذاته بمعاملة ربه تعالى وطاعته وذكره ونعيم روحه بمحبته وذكره وفرحه بربه سبحانه وتعالى أعظم مما يفرح القريب من السلطان الكريم عليه بسلطانه وما يجازي به المسيء من ضيق الصدر وقسوة القلب وتشتته وظلمته وحزازاته وغمه وهمه وحزنه وخوفه وهذا أمر لا يكاد من له أدني حس وحياة يرتاب فيه بل الغموم والهموم والاحزان والضيق عقوبات عاجلة ونار دنيوية وجهنم حاضرة والاقبال على الله تعالى والانابة إليه والرضاء به وعنه وامتلاء القلب من محبته واللهج بذكره والفرح والسرور بمعرفته ثواب عاجل وجنة وعيش لا نسبة لعيش الملوك إليه البتة وسمعت شيخ الإسلام أبن تيمية قدس الله روحه يقول : أن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة وقال لي مرة : ما يصنع أعدائي بي ؟ أنا جنتي وبستاني في صدري إن رحت فهي معي لا تفارقني إن حبسي خلوة وقتلي شهادة وإخراجي من بلدي سياحة وكان يقول في محبسه في القلعة : لو بذلت ملء هذه القاعة ذهبا ما عدل عندي شكر هذه النعمة أو قال ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير ونحو هذا وكان يقول في سجوده وهو محبوس اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ما شاء الله وقال لي مرة : المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى والمأسور من أسره هواه ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال : { فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب } وعلم الله ما رأيت أحدا أطيب عيشا منه قط مع ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم بل ضدها ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشا وأشرحهم صدرا وأقواهم قلبا وأسرهم نفسا تلوح نضرة النعيم على وجهه وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله وينقلب انشراحا وقوة ويقينا وطمأنينة فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه وفتح لهم أبوابها في دار العمل فآتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها وكان بعض العارفين يقول : لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف وقال آخر : مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها ؟ قيل : وما أطيب ما فيها ؟ قال : محبة الله تعالى ومعرفته وذكره أو نحو هذا وقال آخر : إنه لتمر بالقلب أوقات يرقص فيها طربا وقال آخر : إنه لتمر بي أوقات أقول إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب فمحبة الله تعالى ومعرفته ودوام ذكره والسكون إليه والطمأنينة إليه وإفراده بالحب والخوف والرجاء والتوكل والمعاملة بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد وعزماته وإرادته هو جنة الدنيا والنعيم الذي لا يشبهه نعيم وهو قوة عين المحبين وحياة العارفين وإنما تقر عيون الناس به على حسب قرة أعينهم بالله تعالى فمن قرت عينه بالله قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات وإنما يصدق هذا من في قلبه حياة وأما ميت القلب فيوحشك ما له ثم فاستأنس بغيبته ما أمكنك فإنك لا يوحشك إلا حضوره عندك فإذا ابتليت به فأعطه ظاهرك وترحل عنه بقلبك وفارقه بسرك ولا تشغل به عما هو أولى بك واعلم أن الحسرة كل الحسرة الاشتغال بمن لا يجر عليك الاشتغال به إلا فوت نصيبك وحظك من الله تعالى وانقطاعك عنه وضياع وقتك وضعف عزيمتك وتفرق همك فإذا بليت بهذا ـ ولا بد لك منه ـ فعامل الله تعالى فيه واحتسب عليه ما أمكنك وتقرب إلى الله تعالى بمرضاته فيه واجعل اجتماعك به متجرا لك لا تجعله خسارة وكن معه كرجل سائر في طريقه عرض له رجل وقفه عن سيره فاجتهد أن تأخذه معك وتسير به فتحمله ولا يحملك فإن أبى ولم يكن في سيره مطمع فلا تقف معه بلا ركب الدرب ودعه ولا تلتفت إليه فإنه قاطع الطريق ولو كان من كان فانج بقلبك وضن بيومك وليلتك لا تغرب عليك الشمس قبل وصول المنزلة فتؤخذ أو يطلع الفجر أنى لك بلماقهم
( الخامسة والثلاثون ) أن الذكر يسير العبد هو في فراشه وفي سوقه وفي حال صحته وسقمه وفي حال نعيمه ولذته وليس شيء يعم الأوقات والأحوال مثله حتى يسير العبد وهو نائم على فراشه فيسبق القائم مع الغفلة فيصبح هذا وقد قطع الركب وهو مستلق على فراشه ويصبح ذلك الغافل في ساقة الركب وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وحكى عن رجل من العباد أنه نزل برجل ضيفا فقام العابد ليله يصلي وذلك الرجل مستلق على فراشه فلما أصبحا قال له العابد : سبقك الركب أو كما قال فقال : ليس الشأن فيمن بات مسافرا وأصبح مع الركب الشأن فيمن بات على فراشه وأصبح قد قطع الركب وهذا ونحوه له محمل صحيح ومحمل فاسد فمن حكم على أن الراقد المضطجع على فراشه يسبق القائم القانت فهو باطل وإنما محمله أن هذا المستلقي على فراشه علق بربه تعالى وألصق حبة قلبه بالعرش وبات قلبه يطوف حول العرش مع الملائكة قد غاب عن الدنيا ومن فيها وقد عاقه عن قيام الليل عائق من وجع أو برد يمنعه القيام أو خوف على نفسه من رؤية عدو يطلبه أو غير ذلك من الأعذار فهو مستلق على فراشه وفي قلبه ما الله تعالى به عليم وآخر قائم يصلي ويتلو وفي قلبه من الرياء والعجب وطلب الجاه والمحمدة عند الناس ما الله به عليم أو قلبه في واد وجسمه في واد فلا ريب أن ذلك الراقد يصبح وقد سبق هذا القائم بمراحل كثيرة فالعمل على القلوب لا على الأبدان والمعول على الساكن ويهيج الحب المتوارى ويبعث الطلب الميت
الذكر وحقيقة النور الإلهي ( السادسة والثلاثون ) أن الذكر نور للذاكر في الدنيا ونور له في قبره ونور له في معاده يسعى بين يديه على الصراط فما استنارت القلوب والقبور بمثل ذكر الله تعالى قال الله تعالى : { أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها } فالأول هو المؤمن استنار بالايمان بالله ومحبته ومعرفته وذكره والآخر هو الغافل عن الله تعالى المعرض عن ذكره ومحبته والشأن كل الشأن والفلاح كل الفلاح في النور والشقاء كل الشقاء في فواته ولهذا كان النبي ﷺ يبالغ في سؤال ربه تبارك وتعالى حين يسأله أن يجعله في لحمه وعظامه وعصبه وشعره وبشره وسمعه وبصره ومن فوقه ومن تحته وعن يمينه وعن شماله وخلفه وأمامه حتى يقول واجعلني نورا فسأل ربه تبارك وتعالى أن يجعل النور في ذراته الظاهرة والباطنة وأن يجعله محيطا به من جميع جهاته وأن يجعل ذاته وجملته نورا فدين الله تعالى نور وكتابه نور ورسوله نور وداره التي أعدها لأوليائه نور يتلألأ وهو تبارك وتعالى نور السماوات والأرض ومن أسمائه النور وأشرقت الظلمات لنور وجهه وفي دعاء النبي ﷺ يوم الطائف [ أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل علي غضبك أو ينزل بي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك ] وقال أبن مسعود رضي الله عنه : ليس عند ربكم ليل ولا نهار نور السماوات من نور وجهه ذكره عثمان الدارمي وقد قال تعالى : { وأشرقت الأرض بنور ربها } فإذا جاء تبارك وتعالى يوم القيامة للفصل بين عباده وأشرقت بنوره الأرض وليس إشراقها يومئذ بشمس ولا قمر فإن الشمس تكور والقمر يخسف ويذهب نورهما وحجابه تبارك وتعالى النور قال أبو موسى : قام فينا رسول الله ﷺ بخمس كلمات فقال [ إن الله لا ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل حجابه النور لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ] ثم قرأ { أن بورك من في النار ومن حولها } فاستنارة ذلك الحجاب بنور وجهه ولولاه لاحرقت سبحات وجهه ونوره ما انتهى إليه بصره ولهذا لما تجلى تبارك وتعالى للجبل وكشف من الحجاب شيئا يسيرا ساخ الجبل في الأرض وتدكدك ولم يقم لربه تبارك وتعالى وهذا معنى قول أبن عباس في قوله سبحانه وتعالى : { لا تدركه الأبصار } : قال : ذلك الله تعالى إذا تجلى بنوره لم يقم له شيء وهذا من بديع فهمه رضي الله تعالى عنه ودقيق فطنته كيف وقد دعا له رسول الله ﷺ أن يعلمه الله التأويل فالرب تبارك وتعالى يرى يوم القيامة بالأبصار عيانا ولكن يستحيل إدراك الأبصار له وأن رأته فالادراك أمر وراء الرؤية وهذه الشمس ـ ولله المثل الأعلى ـ نراها ولا ندركها كما هي عليه ولا قريبا من ذلك ولذلك قال ابن عباس لمن سأله وأورد عليه { لا تدركه الأبصار } فقال : ألست ترى السماء ؟ قال : بلى قال : أفتدركها ؟ قال : لا قال : فالله تعالى أعظم وأجل وقد ضرب سبحانه وتعالى النور في قلب عبده مثلا لا يعقله إلا العالمون فقال سبحانه وتعالى : { الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم } قال أبي بن كعب : مثل نوره في قلب المسلم وهذا هو النور الذي أودعه في قلبه من معرفته ومحبته والايمان به وذكره وهو نوره الذي أنزله إليهم فأحياهم به وجعلهم يمشون به بين الناس وأصله في قلوبهم ثم تقوى مادته فتتزايد حتى يظهر على وجوههم وجوارحهم وأبدانهم بل ثيابهم ودورهم يبصره من هو من جنسهم وسائر الخلق له منكر فإذا كان يوم القيامة برز ذلك النور وصار بإيمانهم يسعى بين أيديهم في ظلمة الجسر حتى يقطعوه وهم فيه على حسب قوته وضعفه في قلوبهم في الدنيا فمنهم من نوره كالشمس وآخر كالقمر وآخر كالنجوم وآخر كالسراج وآخر يعطي نورا على إبهام قدمه يضيء مرة ويطفأ أخرى إذا كانت هذه حال نوره في الدنيا فأعطى على الجسر بمقدار ذلك بل هو نفس نوره ظهر له عيانا ولما لم يكن للمنافق نور ثابت في الدنيا بل كان نوره ظاهرا لا باطنا أعطى نورا ظاهرا مآله إلى الظلمة والذهاب وضرب الله تعالى لهذا النور ومحله وحامله ومادته مثلا بالمشكاة وهي الكوة في الحائط فهي مثل الصدر وفي تلك المشكاة زجاجة من أصفى الزجاج وحتى شبهت بالكوكب الدري في بياضه وصفائه وهي مثل القلب وشبه بالزجاجة لأنها جمعت أوصافا هي في قلب المؤمن وهي الصفاء والرقة فيرى الحق والهدى بصفائه وتحصل منه الرأفة والرحمة والشفقة برقته ويجاهد أعداء الله تعالى ويغلظ عليهم ويشتد في الحق ويصلب فيه بصلابته ولا تبطل صفة منه صفة أخرى ولا تعارضها بل تساعدها وتعاضدها { أشداء على الكفار رحماء بينهم } وقال تعالى : { فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك } وقال تعالى : { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم } وفي اثر القلوب آنية الله تعالى في أرضه فأحبها إليه وأرقها وأصلبها وأصفاها وبازاء هذا القلب قلبان مذمومان في طرفي نقيض : أحدهما : قلب حجري قاس لا رحمة فيه ولا إحسان ولا بر ولا له صفاء يرى به الحق بل هو جبار جاهل : لا علم له بالحق ولا رحمة للخلق وبإزائه قلب ضعيف مائي لا قوة فيه ولا استمساك بل يقبل كل صورة وليس له قوة حفظ تلك الصور ولا قوة التأثير في غيره وكل ما خالطه أثر فيه من قوي وضعيف وطيب خبيث وفي الزجاجة مصباح وهو النور الذي في الفتيلة وهي حاملته ولذلك النور مادة وهو زيت قد عصر من زيتونة في أعدل الأماكن تصيبها الشمس أول النهار وآخره فزيتها من أصفى الزيت وأبعده من الكدر حتى إنه ليكاد من صفائه يضيء بلا نار فهذه مادة نور المصباح وكذلك مادة نور المصباح الذي في قلب المؤمن هو من شجرة الوحي التي هي أعظم الأشياء بركة وأبعدها من الانحراف بل هي أوسط الأمور وأعدلها وأفضلها لم تنحرف انحراف النصرانية ولا انحراف اليهودية بل هي وسط بين الطرفين المذمومين في كل شيء فهذه مادة مصباح الإيمان في قلب المؤمن ولما كان ذلك الزيت قد اشتد صفاؤه حتى كاد أن يضيء بنفسه ثم خالط النار فاشتدت بها اضاءته وقويت مادة ضوء النار به كان ذلك نورا على نور وهكذا المؤمن قلبه مضيئ يكاد يعرف الحق بفطرته وعقله ولكن لا مادة له من نفسه فجاءت مادة الوحي فباشرت قلبه وخالطت بشاشته فازداد نورا بالوحي على نوره الذي فطره الله تعالى عليه فاجتمع له نور الوحي إلى نور الفطرة نور على نور فيكاد ينطق بالحق وإن لم يسمع فيه أثر ثم يسمع الأثر مطابقا لما شهدت به فطرته فيكون نورا على نور فهذا شأن المؤمن يدرك الحق بفطرته مجملا ثم يسمع الأثر جاء به مفصلا فينشأ إيمانه عن شهادة الوحي والفطرة فليتأمل اللبيب هذه الآية العظيمة ومطابقتها لهذه المعاني الشريفة فذكر سبحانه وتعالى نوره في السموات والأرض ونوره في قلوب عباده المؤمنين النور المعقول المشهود بالبصائر والقلوب والنور المحسوس المشهود بالأبصار الذي استنارت به أقطار العالم العلوي والسفلي فهما نوران عظيمان أحدهما أعظم من الآخر وكما أنه إذا فقد أحدهما من مكان أو موضع لم يعش فيه آدمي ولا غيره لأن الحيوان إنما يتكون حيث النور ومواضع الظلمة التي لا يشرق عليها نور لا يعيش فيها حيوان ولا يتكون البته فكذلك أمة فقد فيها نور الوحي والإيمان ميتة وقلب فقد منه هذا النور ميت ولا بد لا حياة له البتة كما لا حياة للحيوان في مكان لا نور فيه والله سبحانه وتعالى يقرن بين الحياة والنور كما في قوله تعالى { أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها } وكذلك قوله تعالى { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا } وقد قيل إن الضمير في ( جعلناه ) عائد إلى الأمر وقيل إلى الكتاب وقيل إلى الإيمان والصواب أنه عائد إلى الروح أي جعلنا ذلك الروح الذي أوحيناه إليك نورا فسماه روحا لما يحصل به من الحياة وجعله نورا لما يحصل به الاشراق والاضاءة وهما متلازمان فحيث وجدت هذه الحياة بهذا الروح وجدت الاضاءة والاستنارة وحيث وجدت الاستنارة والاضاءة وجدت الحياة فمن لم يقبل هذا الروح فهو ميت مظلم كما أن المائي والناري لما يحصل بالماء من الحياة وبالنار من الاشراق والنور كما ضرب ذلك في أول سورة البقرة في قوله تعالى : { مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون } وقال : { ذهب الله بنورهم } ولم يقل بنارهم لأن النار فيها الاحراق وكذلك حال المنافقين : ذهب نور إيمانهم بالنفاق وبقي في قلوبهم حرارة الكفر والشكوك والشبهات تغلي في قلوبهم قلوبهم قد صليت بحرها وأذاها وسمومها ووهجها في الدنيا فأصلاها الله تعالى إياها يوم القيامة نارا موقدة تطلع على الأفئدة فهذا مثل من لم يصحبه نور الإيمان في الدنيا بل خرج منه وفارقه بعد أن استضاء به وهو حال المنافق عرف ثم أنكر وأقر ثم جحد فهو في ظلمات أصم أبكم أعمى كما قال تعالى في حق إخوانهم من الكفار { والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات } وقال تعالى : { ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون } وشبه تعالى حال المنافقين في خروجهم من النور بعد أن أضاء لهم بحال مستوقد النار وذهاب نورها عنه بعد أن أضاءت ما حوله لأن المنافقين بمخالطتهم المسلمين وصلاتهم معهم وصيامهم معهم وسماعهم القرآن ومشاهدتهم أعلام الإسلام ومناره قد شاهدوا الضوء ورأوا النور عيانا ولهذا قال تعالى في حقهم { فهم لا يرجعون } إليه لأنهم فارقوا الإسلام بعد أن تلبسوا به واستناروا فهم لا يرجعون إليه وقال تعالى في حق الكفار { فهم لا يعقلون } لأنهم لا يعقلوا الإسلام ولا دخلوا فيه ولا استناروا به ولا يزالون في ظلمات الكفر صم بكم عمي سبحان من جعل كلامه لأدواء الصدور شافيا وإلى الإيمان وحقائقه مناديا وإلى الحياة الأبدية والنعيم المقيم داعيا وإلى الطريق الرشاد هاديا لقد أسمع منادي الإيمان لو صادف آذانا واعية وشفت مواعظ القرآن لو وافقت قلوبا خالية ولكن عصفت على القلوب أهوية الشبهات والشهوات فأطفأت مصابيحها وتمكنت منها أيدي الغفلة والجهالة فأغلقت أبواب رشدها وأضاعت مفاتيحها وران عليها كسبها فلم ينفع فيها الكلام وسكرت بشهوات الغي وشهادة الباطل فلم تصغ بعده إلى الملام ووعظت بمواعظ أنكى فيها الأسنة والسهام ولكن ماتت في بحر الجهل والغفلة وأسر الهوى والشهوة وما لجرح بميت إيلام والمثل الثاني قوله تعالى : { أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين } الصيب المطر الذي يصوب من السماء أي ينزل منها بسرعة وهو مثل القرآن الذي به حياة القلوب كالمطر الذي به حياة الأرض والنبات والحيوان فأدرك المؤمنين ذلك منه وعلموا ما يحصل به من الحياة التي لا تخطر لها فلم يمنعهم منها ما فيه من الرعد والبرق وهو الوعيد والتهديد والعقوبات والمثلات التي حذر الله بها من خالف أمره وأخبر أنه منزلها بمن كذب رسول الله ﷺ أو ما فيه من الأوامر الشديدة كجهاد الأعداء والصبر على الأمر أو الأوامر الشاقة على النفوس التي هي بخلاف إرادتها فهي كالظلمات والرعد والبرق ولكن من علم مواقع الغيث وما يحصل به من الحياة لم يستوحش لما معه من الظلمة والرعد والبرق بل يستأنس لذلك ويفرح به لما يرجو من الحياة والخصب وأما المنافق فإنه عمي قلبه لم يجاوز بصره الظلمة ولم ير إلا برقا يكاد يخطف البصر ورعدا عظيما وظلمة فاستوحش من ذلك وخاف منه فوضع أصابعه في أذنيه لئلا يسمع صوت الرعد وهاله ذلك البرق وشدة لمعانه وعظم نوره فهو خائف أن يختطف معه بصره لأن بصره أضعف من أن يثبت معه فهو في ظلمة يسمع أصوات الرعد القاصف ويرى ذلك البرق الخاطف فإن أضاء له ما بين يديه مشى في ضوئه وأن فقد الضوء قام متحيرا لا يدري أين يذهب ولجهله لا يعلم أن ذلك من لوازم الصيب الذي به حياة الأرض والنبات وحياته هو في نفسه بل لا يدرك إلا رعدا وبرقا وظلمة ولا شعور له بما وراء ذلك فالوحشة لازمة له والرعب والفزع لا يفارقه وأما من أنس بالصيد وعلم أنه لا بد فيه من رعد وبرق وظلمة بسبب الغيم أستأنس بذلك ولم يستوحش منه ولم يقطعه ذلك عن أخذه بنصيبه من الصيب فهذا مثل مطابق للصيب الذي نزل به جبريل ﷺ من عند رب العالمين تبارك وتعالى على قلب رسول الله ﷺ ليحيي به القلوب والوجود أجمع اقتضت حكمته أن يقارنه من الغيم والرعد والبرق ما يقارن الصيب من الماء حكم بالغة وأسبابا منتظمة نظمها العزيز الحكيم فكان حظ المنافق من ذلك الصيب سحابه ورعوده وبروقه فقط لم يعلم ما وراءه فاستوحش بما أنس المؤمنين وارتاب بما اطمأن به العالمون وشك فيما يتقيه المبصرون العارفون فبصره في المثل الناري كبصر الخفاش نحو الظهيرة وسمعه في المثل المائي كسمع من يموت من صوت الرعد وقد ذكر عن بعض الحيوانات أنها تموت من سمع الرعد وإذا صادف هذه العقول والأسماع والأبصار شبهات شيطانية وخيالات فاسدة وظنون كاذبة حالت فيها وصالت وقامت بها وقعدت واتسع فيها مجالها وكثر بها قيلها وقالها فملأت الأسماع من هذيانها والأرض من دواوينها وما أكثر المستجيبين لهؤلاء والقابلين منهم والقائمين بدعوتهم والمحامين عن حوزتهم والمقاتلين تحت ألويتهم والمكثرين لسوادهم ولعموم البلية هم وضرر القلوب بكلامهم هتك الله أستارهم في كتابه غاية الهتك وكشف أسرارهم غاية الكشف وبين علاماتهم وأعمالهم وأقوالهم ولم يزل تعالى يقول : ( ومنهم ومنهم ومنهم ) حتى انكشف أمرهم وبانت حقائقهم وظهرت أسرارهم وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في أول سورة البقرة أوصاف المؤمنين والكفار والمنافقين فذكر في أوصاف المؤمنين ثلاث آيات وفي أوصاف الكفار آيتين وفي أوصاف هؤلاء بضع عشرة آية لعموم الابتلاء بهم وشدة المصيبة بمخالطتهم فإنهم من الجلدة مظهرون الموافقة والمناصرة بخلاف الكافر الذي قد تأبد بالعداوة وأظهر السريرة ودعا لك بما أظهره إلى مزايلته ومفارقته ونظير هذين المثلين المذكورين في سورة الرعد في قوله تعالى : { أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا } فهذا هو المثل المائي شبه الوحي الذي أنزله بحياة القلوب بالماء الذي أنزله من السماء وشبه القلوب الحاملة له بالأودية الحاملة للسيل فقلب كبير يسع علما عظيما كواد كبير يسع ماء كثيرا وقلب صغير كواد صغير يسع علما قليلا فحملت القلوب من هذا العلم بقدرها كما سالت الأودية بقدرها ولما كانت الأودية ومجاري السيول فيها الغثاء ونحوه مما يمر عليه السيل فيحتمله السيل فيطفوا على وجه الماء زبدا عاليا يمر عليه متراكبا ولكن تحته الماء الفرات الذي به حياة الأرض فيقذف الوادي ذلك الغثاء إلى جنبتيه حتى لا يبقى الماء الذي تحت الغثاء يسقي الله تعالى به الأرض فيحيي به البلاد والعباد والشجر والدواب والغثاء يذهب جفاء يجفي ويطرح على شفير الوادي فكذلك العلم والإيمان الذي أنزله في القلوب فاحتملته فأثار منها بسبب مخالطته لها ما فيها من غثاء الشهوات وزبد الشبهات الباطلة يطفو في أعلاها واستقر العلم والإيمان والهدى في جذر القلب فلا يزال ذلك الغثاء والزبد يذهب جفاء ويزول شيئا فشيئا حتى يزول كله ويبقى العلم النافع والإيمان الخالص في جذر القلب يرده الناس فيشربون ويسقون ويمرعون وفي الصحيح من الحديث أبي موسى عن النبي ﷺ قال [ مثل ما بعثني الله تعالى به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكان منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها طائفة أجادب أمسكت الماء فسقى الناس وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه دين الله تعالى ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدي الله الذي أرسلت به ] فجعل النبي ﷺ الناس بالنسبة إلى الهدي والعلم ثلاث طبقات ( الطبقة الأولى ) ورثة الرسل وخلفاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهم الذين قاموا بالدين علما وعملا ودعوة إلى الله تعالى ورسوله ﷺ فهؤلاء أتباع الرسل ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ حقا وهم بمنزلة الطائفة الطيبة من الأرض التي زكت فقبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير فزكت في نفسها وزكا الناس بها وهؤلاء هم الذين جمعوا بين البصيرة في الدين والقوة على الدعوة ولذلك كانوا ورثة الأنبياء صلى الله عليهم وسلم الذين قال تعالى فيهم { واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار } [ أي ] البصائر في دين الله تعالى فبالبصائر يدرك الحق ويعرف وبالقوى يتمكن من تبليغه وتنفيذه والدعوة إليه فهذه الطبقة كان لها قوة الحفظ والفهم في الدين والبصر بالتأويل ففجرت من النصوص أنهار العلوم واستنبطت منها كنوزها ورزقت فيها فهما خاصا كما قال أمير المؤمنين على أبن أبي طالب ـ وقد سئل : هل خصكم رسول الله ﷺ بشيء دون الناس ؟ فقال : ـ لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه فهذا الفهم هو بمنزلة الكلأ والعشب الكثير الذي أنبتته الأرض وهو الذي تميزت به هذه الطبقة عن ( الطبقة الثانية ) فإنها حفظت النصوص وكان همها حفظها وضبطها فوردها الناس وتلقوها منهم فاستنبطوا منها واستخرجوا كنوزها واتجروا فيها وبذروها في أرض قابلة للزرع والنبات ووردها كل بحسبه { قد علم كل أناس مشربهم } وهؤلاء هم الذين قال فيهم النبي ﷺ [ نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها ثم أداها كما سمعها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ] وهذا عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن مقدار ما سمع من النبي ﷺ لم يبلغ نحو العشرين حديثا الذي يقول فيه سمعت ورأيت وسمع الكثير من الصحابة وبورك في فهمه والاستباط منه حتى ملأ الدنيا علما وفقها قال أبو محمد بن حزم : وجمعت فتاويه في سبعة أسفار كبار وهي بحسب ما بلغ جامعها وإلا فعلم أبن عباس كالبحر وفقه واستنباطه وفهمه في القرآن بالموضع الذي فاق به الناس وقد سمع كما سمعوا وحفظ القرآن كما حفظوا ولكن أرضه كانت من أطيب الأراضي وأقبلها للزرع فبذر فيها النصوص فأنبتت من كل زوج كريم { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم } وأين تقع فتاوى أبن عباس وتفسيره واستنباطه من فتاوى أبي هريرة وتفسيره ؟ وأبو هريرة أحفظ منه بل هو حافظ الأمة على الإطلاق يؤدي الحديث كما سمعه ويدرسه بالليل درسا فكانت همته مصروفة إلى الحفظ وبلغ ما حفظه كما سمعه وهمة ابن عباس مصروفة إلى التفقه والاستنباط وتفجير النصوص وشق الأنهار منها واستخراج كنوزها وهكذا الناس بعده قسمان ( قسم حفاظ ) معتنون بالضبط والحفظ والأداء كما سمعوا ولا يستنبطون ولا يستخرجون كنوز ما حفظوه وقسم معتنون بالاستنباط واستخراج الأحكام من النصوص والتفقه فيها فالأول كأبي زرعة وأبي حاتم وابن دارة وقبلهم كبندار ومحمد بن بشار وعمرو الناقد وعبد الرزاق وقبلهم كمحمد بن جعفر غندر وسعيد بن أبي عروية وغيرهم من أهل الحفظ والاتقان والضبط لما سمعوه من غير استنباط وتصرف وأستخراج الأحكام من ألفاظ النصوص ( والقسم الثاني ) كمالك والشافعي والاوزاعي وإسحق والإمام أحمد بن حنبل والبخاري وأبي داود ومحمد بن نصر المروزي ـ وأمثالهم ممن جمع الاستنباط والفقه إلى الرواية ـ فهاتان الطائفتان هما أسعد الخلق بما بعث الله تعالى به رسوله ﷺ وهم الذين قبلوه ورفعوا به رأسا وأما ( الطائفة الثالثة ) ـ وهم أشقى الخلق الذين لم يقبلوا هدي الله ولم يرفعوا به رأسا ـ فلا حفظ ولا فهم ولا رواية ولا دراية ولا رعاية ( فالطبقة الأولى ) أهل رواية ودارية ( والطبقة الثانية ) أهل رواية ورعاية ولهم نصيب من الدراية بل حظهم من الرواية أوفر ( والطبقة الثالثة ) الأشقياء لا رواية ولا دراية ولا رعاية { إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا } فهم الذين يضيقون الديار ويغلون الأسعار إن همة أحدهم إلا بطنه وفرجه فإن ترقت همته كان همه ـ مع ذلك ـ لباسه وزينته فإن ترقت همته فوق ذلك كان همه في الرياسة والانتصار للنفس الغضبية فإن ارتفعت همته عن نصرة النفس [ الغضبية كان همه في نصرة النفس ] الكلبية فلم يعطها إلى نصرة النفس السبعية فلم يعطها أحد من هؤلاء فإن النفوس كلبية وسبعية وملكية فالكلبية تقنع بالعظم والكسرة والجيفة والقذرة والسبعية لا تقنع بذلك بل بقهر النفوس تريد الاستيلاء عليها بالحق والباطل وأما الملكية فقد ارتفعت عن ذلك وشمرت إلى الرفيق الأعلى فهمتها العلم والإيمان ومحبة الله تعالى والإنابة إليه وإيثار محبته ومرضاته وإنما تأخذ من الدنيا ما تأخذ من لتستعين به على الوصول إلى فاطرها وربها ووليها لا لتنقطع به عنه ثم ضرب سبحانه وتعالى مثلا ثانيا وهو المثل الناري فقال : { ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله } وهذا كالحديد والنحاس والفضة والذهب وغيرها فإنها تدخل الكير لتمحص وتخلص من الخبث فيخرج خبثها فيرمى به ويطرح ويبقى خالصها فهو الذي ينفع الناس ولما ضرب الله سبحانه وتعالى هذين المثلين ذكر حكم من استجاب له ورفع بهداه رأسا وحكم من لم يستجب له ولم يرفع بهداه رأسا فقال : { للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد } والمقصود أن الله تعالى جعل الحياة حيث النور والموت حيث الظلمة فحياة الوجودين الروحي والجسمي بالنور وهو مادة الحياة كما أنه مادة الإضاءة فلا حياة بدونه كما لا إضاءة بدونه وكما به حياة القلب فيه انفساحه وانشراحه وسعته كما في الترمذي [ عن النبي ﷺ إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح قالوا : وما علامة ذلك ؟ قال الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله ] ونور العبد هو الذي يصعد عمله وكلمه إلى الله تعالى فإن الله تعالى لا يصعد إليه من الكلم إلا الطيب وهو نور ومصدر عن النور ولا من العمل إلا الصالح ولا من الارواح إلا الطيبة وهي أرواح المؤمنين التي استنارت بالنور الذي أنزله على رسوله ﷺ والملائكة الذين خلقوا من نور كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها [ وعن النبي ﷺ قال خلقت الملائكة من نور وخلقت الشياطين من نار وخلق آدم مما وصف لكم ] فلما كانت مادة الملائكة من نور كانوا هم الذين يعرجون إلى ربهم تبارك وتعالى وكذلك أرواح المؤمنين هي التي تعرج إلى ربها وقت قبض الملائكة لها فيفتح لها باب السماء الدنيا ثم الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة إلى أن ينتهي بها إلى السماء السابعة فتوقف بين يدي الله تعالى ثم يأمر أن يكتب كتابه في أهل عليين فلما كانت هذه الروح روحا زاكية طيبة نيرة مشرقة صعدت إلى الله تعالى مع الملائكة وأما الروح المظلمة الخبيثة الكدرة فإنها لا تفتح لها أبواب السماء ولا تصعد إلى الله تعالى بل ترد من السماء الدنيا إلى عالمها ومحتدها لأنها أرضية سفلية والأولى علوية سمائية فرجعت كل روح إلى عنصرها وما هي منه وهذا منه مبين في حديث البراء بن عازب الطويل الذي رواه الامام أحمد وأبو عوانة الاسفرائيني في صحيحه والحاكم وغيرهم وهو حديث صحيح والمقصود أن الله تعالى لا يصعد إليه من الأعمال والأقوال والأرواح إلا ما كان منها نورا أقربهم إليه وأكرمهم عليه وفي المسند من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ [ أن الله تعالى خلق خلقه في ظلمة وألقى عليهم من نوره فمن أصاب من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك أقوال : جف القلم على علم الله تعالى ] وهذا الحديث العظيم أصل من أصول الإيمان وينفتح به باب عظيم من أبواب سر القدر وحكمته والله تعالى الموفق وهذا النور الذي ألقاه عليهم سبحانه وتعالى هو الذي أحياهم وهداهم فأصابت الفطرة منه حظها ولكن لما لم يستقل بتمامه وكماله أكمله لهم وأتمه بالروح الذي ألقاه على رسله عليهم الصلاة والسلام والنور الذي أوحاه إليهم فأدركته الفطرة بذلك النور السابق الذي حصل لها يوم إلقاء النور فانضاف نور الوحي والنبوة إلى نور الفطرة نور على نور فأشرقت منه القلوب واستنارت به الوجوه وحييت به الأرواح وأذعنت به الجوارح للطاعات طوعا واختيارا فازدادت به القلوب الصفات العليا الذي يضمحل فيه كل نور سواء فشاهدته ببصائر الإيمان مشاهدة نسبتها إلى القلب نسبة المرئيات إلى العين ذلك لاستيلاء اليقين عليها وانكشاف حقائق الإيمان لها حتى كأنها تنظر إلى عرش الرحمن تبارك وتعالى بارزا وإلى استوائه عليه كما أخبر به سبحانه وتعالى في كتابه وكما أخبر به عنه رسوله ﷺ يدبر أمر الممالك ويأمر وينهي ويخلق ويرزق ويميت ويحي ويقضي وينفذ ويعز ويذل ويقلب الليل والنهار ويداول الأيام بين الناس ويقلب الدول فيذهب بدولة ويأتي بأخرى والرسل من الملائكة عليهم الصلاة والسلام بين صاعد إليه بالأمر ونازل من عنده به وأوامره ومراسيمه متعاقبة على تعاقب الآيات نافذة بحسب إرادته فما شاء كما شاء في الوقت الذي يشاء على الوجه الذي يشاء من غير زيادة ولا نقصان ولا تقدم ولا تأخر وأمره وسلطانه نافذ في السماوات وأقطارها وفي الأرض وما عليها وما تحتها وفي البحار والجو وفي سائر أجزاء العالم وذراته يقلبها ويصرفها ويحدث فيها ما يشاء وقد أحاط بكل شئ علما وأحصى كل شئ عددا ووسع كل شئ رحمة وحكمة ووسع سمعه الأصوات فلا تختلف عليه ولا تشتبه عليه بل يسمع ضجيجها باختلاف لغاتها على كثرة حاجاتها لا يشغله سمع عن سمع ولا تغلطه كثرة المسائل ولا يتبرم بإلحاح ذوي الحاجات وأحاط بصره بجميع المرئيات فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء فالغيب عنده شهادة والسر عنده علانية يعلم السر وأخفى من السر فالسر ما انطوى عليه ضمير العبد وخطر بقلبه ولم تتحرك به شفتاه وأخفى منه ما لم يخطر بعد فيعلم أنه سيخطر بقلبه كذا وكذا في وقت كذا وكذا له الخلق والأمر وله الملك والحمد وله الدنيا والآخرة وله النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن له الملك كله وله الحمد كله وبيده الخير كله وإليه يرجع الأمر كله شملت قدرته كل شئ ووسعت رحمته كل شئ وسعت نعمته إلى كل حي { يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن } يغفر ذنبا ويفرج هما ويكشف كربا ويجبر كسيرا ويغني فقيرا ويعلم جاهلا ويهدي ضالا ويرشد حيران ويغيث لهفان ويفك عانيا ويشبع جائعا ويكسو عاريا ويشفي مريضا ويعافي مبتل ويقبل تائبا ويجزي محسنا وينصر مظلوما ويقصم جبارا ويقيل عثرة ويستر عورة ويؤمن روعة ويرفع أقواما ويضع آخرين لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل حجابه النور : لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلفه ويمينه ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق الخلق فإنه لم يغض ما في يمينه قلوب العباد وتواصيهم بيده وأزمة الأمور معقودة بقضائه وقدره الأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه يقبض سمواته كلها بيده الكريمة والأرض باليد الأخرى ثم يهزهن ثم يقول : أنا الملك أنا الملك أنا الذي بدأت الدنيا ولم تكن شيئا وأنا الذي أعيدها كما بدأتها لا يتعاظمه ذنب أن يغفره ولا حاجة يسألها أن يعطيها لو أن أهل سمواته وأهل أرضه وأول خلقه وآخرهم وإنسهم وجنهم كانوا على أتقى قلب رجل منهم ما زاد ذلك في ملكه شيئا ولو أن أول خلقه وآخرهم وإنسهم وجنهم كانوا على أفجر قلب رجل منهم ما نقص ذلك من ملكه شيئا ولو أن أهل سمواته وأهل أرضه وإنسهم وجنهم وحيهم وميتهم ورطبهم ويابسهم قاموا في صعيد واحد فسألوه فأعطى كلا منهم ما سأله ما نقص ذلك مما عنده مثقال ذرة ولو أن أشجار الأرض كلها ـ من حين وجدت إلى أن تنقضي الدنيا ـ أقلام والبحر ـ وراءه سبعة أبحر تمده من بعده ـ مداد فكتب بتلك الأقلام وذلك المداد لفنيت الأقلام ونفد المداد ولم تنقد كلمات الخالق تبارك وتعالى وكيف تفنى كلماته تعالى جلاله وهي لا بداية لها ولا نهاية والمخلوق له بداية ونهاية فهو أحق بالفناء والنفاد ؟ وكيف يفنى المخلوق غير المخلوق ؟ هو الأول الذي ليس قبله شئ والآخر الذي ليس بعده شئ والظاهر الذي ليس دونه شئ والباطن الذي ليس دونه شئ تبارك وتعالى أحق من ذكر وأحق من عبد وأحق من حمد وأولى من شكر وأنصر من ابتغى وأراف من ملك وأجود من سئل وأعفى من قدر وأكرم من قصد وأعدل من انتقم حلمه بعد علمه وعفوه بعد قدرته ومغفرته عن عزته ومنعه عن حكمته وموالاته عن إحسانه ورحمته ( ما للعباد عليه حق واجب كلا ولا سعي لديه ضائع ) ( إن عذبوا فبعدله أو نعموا فبفضله وهو الكريم الواسع ) وهو الملك لا شريك له والفرد فلا ند له والغني فلا ظهير له والصمد فلا ولد له ولا صاحبة والعلي فلا شبيه له ولا سمي له كل شئ هالك إلا وجهه وكل ملك زائل إلا ملكه وكل ظل قالص إلا ظله وكل فضله منقطع إلا فضله لن يطاع إلا بإذنه ورحمته ولن يعصى إلا بعلمه وحمكته يطاع بيشكر ويعصي فيتجاوز ويغفر كل نقمه منه عدل وكل نعمة منه فضل أقرب شهيد وأدنى حفيظ حال دون النفوس وأخذ بالنواصي وسجل الآثار وكتب الآجال فالقلوب له مفضية والسر عنده علانية والغيب عنده شهادة عطاؤه كلام وعذابه كلام { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } فإذا أشرقت على القلب أنوار هذه الصفات اضمحل عندها كل نور ووراء هذا ما لا يخطر بالبال ولا تناله عبارة والمقصود أن الذكر ينور القلب والوجه والأعضاء وهو نور العبد في دنياه وفي البرزخ وفي القيامة وعلى حسب نور الإيمان في قلب العبد تخرج أعماله وأقواله ولها نور وبرهان حتى أن المؤمن من يكون نور أعماله إذا صعدت إلى الله تبارك وتعالى كنور الشمس وهكذا نور روحه إذا قدم بها على الله تعالى وهكذا يكون نور وجهه في القيامة والله تعالى المستعان وعليه الاتكال
( السابعة والثلاثون ) أن الذكر رأس الأصول وطريق عامة الطائفة ومنشور الولاية : فمن فتح له فيه فقد فتح له باب الدخول على الله تعالى فليتطهر وليدخل على ربه تعالى يجد عنده كل ما يريد فإن وجد ربه تعالى وجد كل شئ وإن فاته ربه تعالى فاته كل شئ
( الثامنة والثلاثون ) في القلب خلة وفاقه لا يسدها شئ البته إلا ذكر الله تعالى فإذا صار شعار القلب بحيث يكون هو الذاكر بطريق الأصالة واللسان تبع له فهذا هو الذكر الذي يسد الخلة ويفني الفاقه فيكون صاحبه غنيا بلا مال عزيزا بلا عشيرة مهيبا بلا سلطان فإذا كان غافلا عن ذكر الله تعالى فهو بضد ذلك فقير مع كثرة جدته ذليل مع سلطانه حقير مع كثرة عشيرته
( التاسعة والثلاثون ) أن الذكر يجمع المتفرق ويفرق المجتمع ويقرب البعيد ويبعد القريب فيجمع ما تفرق على العبد من قلبه وإرادته وهمومه وعزومه والعذاب كل العذاب في تفرقتها وتشتتها عليه وانفراطها له والحياة والنعيم في اجتماع قلبه وهمه وعزمه وإرادته ويفرق ما اجتمع عليه من الهموم والغموم والأحزان والحسرات على فوت حظوظه ومطالبه ويفرق أيضا ما اجتمع عليه من ذنوبه وخطاياه وأوزاره حتى تتساقط عنه وتتلاشى وتضمحل ويفرق أيضا ما اجتمع على حربه من جند الشيطان فإن إبليس لا يزال يبعث له سرية وكلما كان أقوى طلبا لله سبحانه وتعالى وأمثل تعلقا به وإرادة له كانت السرية أكثف وأكثر وأعظم شوكة بحسب ما عند العبد من مواد الخير والإرادة ولا سبيل إلى تفريق هذا الجمع إلا بدوام الذكر وأما تقريبه البعيد فإنه يقرب إليه الآخرة التي يبعدها منه الشيطان والأمل فلا يزال يلهج بالذكر حتى كأنه قد دخلها وحضرها فحينئذ تصغر في عينه الدنيا وتعظم في قلبه الآخرة ويبعد القريب إليه وهي الدنيا التي هي أدنى إليه من الآخرة فإن الآخرة متى قربت من قلبه بعدت منه الدنيا كلما قربت منه هذه مرحلة بعدت منه هذه مرحلة ولا سبيل إلى هذا إلا بدوام الذكر
( الأربعون ) أن الذكر ينبه القلب من نومه ويوقظه من سنته والقلب إذا كان نائما فاتته الأرباح والمتاجر وكان الغالب عليه الخسران فإذا استيقظ وعلم ما فاته في نومته شد المئزر وأحيا بقية عمره واستدرك ما فاته ولا تحصل يقظته إلا بالذكر فإن الغفلة نوم ثقيل
( الحادية والأربعون ) أن الذكر شجرة تثمر المعارف والأحوال التي شمر إليها السالكون فلا سبيل إلى نيل ثمارها إلا من شجرة الذكر وكلما عظمت تلك الشجرة ورسخ أصلها كان أعظم لثمرتها فالذكر يثمر المقامات كلها من اليقظة إلى التوحيد وهو أصل كل مقام وقاعدته التي ينبي ذلك المقام عليها كما يبني الحائط على رأسه وكما يقوم السقف على حائطه وذلك أن العبد أن لم يستيقظ لم يمكنه قطع منازل السير ولا يستيقط إلا بالذكر كما تقدم فالغفلة نوم القلب أو موته
( الثانية والأربعون ) أن الذكر قريب من مذكوره ومذكوره معه وهذه المعية معية خاصة غير معية العلم والإحاطة العامة فهي معية بالقرب والولاية والمحبة النصرة والتوفيق كقوله تعالى : { إن الله مع الذين اتقوا } { والله مع الصابرين } { وإن الله لمع المحسنين } { لا تحزن إن الله معنا } وللذاكر من هذه المعية نصيب وافر كما في الحديث الإلهي أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه وفي أثر آخر وأهل ذكري أهل مجالستي وأهل شكري أهل زيارتي وأهل طاعتي أهل كرامتي وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي : إن تابوا فأنا حبيبهم فأني أحب التوابين وأحب المتطهرين وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب والمعية الحاصلة للذاكر معية لا يشبهها شئ وهي أخص من المعية الحاصلة للمحسن والمتقي وهي معية لا تدركها العبارة ولا تنالها الصفة وإنما تعلم بالذوق وهي مزلة أقدام إن لم يصحب العبد فيها تمييز بين القديم والمحدث بين الرب والعبد بين الخالق والمخلوق بين العابد والمعبود وإلا وقع في حلول يضاهي به النصارى أو اتحاد يضاهي به القائلين بوحدة الوجود وأن وجود الرب عين وجود هذه الوجودات بل ليس عندهم رب وعبد ولا خلق وحق بل الرب هو العبد والعبد هو الرب والخلق المشبه هو الحق المنزه تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا والمقصود أنه إن لم يكن مع العبد عقيدة صحيحة وإلا فإذا استولى عليه سلطان الذكر وغاب بمذكوره عن ذكره وعن نفسه ولج باب الحلول والاتحاد ولا بد
( الثالثة والأربعون ) أن الذكر يعدل عتق الرقاب ونفقة الأموال والحمل على الخيل في سبيل الله تعالى ويعدل الضرب بالسيف في سبيل الله تعالى وقد تقدم أن [ من قال في يوم مائة مرة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه حتى يمسي ] الحديث وذكر أبن أبي الدنيا عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد قال : قيل لأبي الدرداء : إن رجلا أعتق مائة نسمة قال : إن مائة نسمة من مال رجل كثير وأفضل من ذلك وأفضل إيمان ملزوم بالليل والنهار أن لا يزال لسان أحدكم رطبا من ذكر الله تعالى وقال أبن مسعود : لأن أسبح الله تعالى تسبيحات أحب إلي من أن أنفق عددهن دنانير في سبيل الله تعالى وجلس عبد الله بن عمرو وعبد الله بن مسعود فقال عبد الله : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي من أنفق عددهن دنانير في سبيل الله تعالى فقال عبد الله بن عمرو : لأن أجد في طريق فأقولهن أحب إلي من أحمل عددهن على الخيل في سبيل الله تعالى وقد تقدم حديث أبي الدرداء قال : [ قال رسول الله ﷺ ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الورق والذهب وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال اذكروا الله ] رواه ابن ماجه والترمذي وقال الحاكم : صحيح الإسناد
( الرابعة والأربعون ) أن الذكر رأس الشكر فما شكر الله تعالى من لم يذكره وذكر البيهقي عن زيد بن أسلم أن موسى عليه السلام قال : رب قد أنعمت علي كثيرا فدلني على أن أشكرك كثيرا قال : اذكرني كثيرا فإذا ذكرتني كثيرا فقد شكرتني كثيرا وإذا نسيتني فقد كفرتني وقد ذكر البيهقي أيضا في شعب الإيمان عن عبد الله بن سلام قال : قال موسى عليه السلام : يا رب ما الشكر الذي ينبغي لك ؟ فأوحى الله تعالى إليه أن لا يزال لسانك رطبا من ذكري قال : يارب إني أكون على حال أجلك أن أذكرك فيها قال : وما هي ؟ قال : أكون جنبا أو على الغائط أو إذا بلت فقال : وإن كان قال : يا رب فما أقول ؟ قال تقول سبحانك وبحمدك وجنبني الأذي وسبحانك وبحمدك فقني الأذى قلت قالت عائشة : كان رسول الله ﷺ يذكر الله تعالى على كل أحيانه ولم تستثن حالة من حالة وهذا يدل على أنه كان يذكر ربه تعالى في حال طهارته وجنابته وأما في حال التخلي فلم يكن يشاهده أحد يحكي عنه ولكن شرع لأمته من الأذكار قبل التخلي وبعده ما يدل على مزيد الأعتناء بالذكر وأنه لا يخل به عند قضاء الحاجة وبعدها وكذلك شرع للأمة من الذكر عند الجماع أن يقول أحدهم [ بسم الله اللهم جنبنا الشيطان ما رزقتنا ] وأما عند نفس قضاء الحاجة وجماع الأهل فلا ريب أنه لا يكره بالقلب لأنه لا بد لقلبه من ذكر ولا يمكنه صرف قلبه عن ذكر من هو أحب إليه فلو كلف القلب نسيانه لكان تكليفه بالمحال كما قال القائل : ( يراد من القلب نسيانكم وتأبى الطباع على الناقل ) فأما الذكر باللسان على هذه الحالة فليس مما شرع لنا ولا ندبنا إليه رسول الله ﷺ ولا نقل عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم وقال عبد الله بن أبي الهذيل : إن الله تعالى ليحب أن يذكر في السوق ويحب أن يذكر على كل حال إلا على الخلاء ويكفي في هذه الحال استشعار الحياء والمراقبة والنعمة عليه في هذه الحالة وهي من أجل الذكر فذكر كل حال بحسب ما يليق بها واللائق بهذه الحال التقنع بثوب الحياء من الله تعالى وإجلاله وذكر نعمته عليه وإحسانه إليه في إخراج هذا العدو المؤذي له لو بقي فيه لقتله فالنعمة في تيسير خروجه كالنعمة في التغذي به وكان علي بن أبي طالب إذا خرج من الخلاء مسح بطنه وقال : يالها نعمة لو يعلم الناس قدرها وكان بعض السلف يقول : الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى في منفعته وأذهب عني مضرته وكذلك ذكره حال الجماع ذكر هذه النعمة التي من بها عليه وهي أجل نعم الدنيا فإذا ذكر نعمة الله تعالى عليه بها هاج من قلبه هائج الشكر فالذكر رأس الشكر وقال النبي ﷺ لمعاذ [ والله يا معاذ إني لأحبك فلا تنس أن تقول دبر كل صلاة : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ] فجمع بين الذكر والشكر كما جمع سبحانه وتعالى بينهما في قوله تعالى : { فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون } فالذكر والشكر جماع السعادة والفلاح
( الخامسة والأربعون ) أن أكرم الخلق على الله تعالى من المتقين من لا يزال لسانه رطبا بذكره فإنه اتقاه في أمره ونهيه وجعل ذكره شعاره فالتقوى أوجبت له دخول الجنة والنجاة من النار وهذا هو الثواب والأجر والذكر يوجب له القرب من الله تعالى والزلفى لديه وهذه هي المنزلة وعمال الآخرة على قسمين : منهم من يعمل على الأجر والثواب ومنهم من يعمل على المنزلة والدرجة فهو ينافس غيره في الوسيلة والمنزلة عند الله تعالى ويسابق إلى القرب منه وقد ذكر الله تعالى النوعين في سورة الحديد في قول الله تعالى : { إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم } فهؤلاء أصحاب الأجور والثواب ثم قال : { والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون } فهؤلاء أصحاب المنزلة والقرب ثم قال : { والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم } فقيل هذا عطف على الخبر من { الذين آمنوا بالله ورسله } أخبر عنهم بأنهم هم الصديقون وأنهم الشهداء الذين يشهدون على الأمم ثم أخبر عنهم أن لهم أجرا وهو قوله تعالى { لهم أجرهم ونورهم } فيكون قد أخبر عنهم بأربعة أمور : أنهم صديقون وشهداء فهذه هي المرتبة والمنزلة قيل : تم الكلام عند قوله تعالى : { الصديقون } ثم ذكر بعد ذلك حال الشهداء فقال : { والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم } فيكون قد ذكر المتصدقين أهل البر والإحسان ثم المؤمنين الذين قد رسخ الإيمان في قلوبهم وامتلأوا منه فهم الصديقون وهم أهل العلم والعمل والأولون أهل البر والإحسان ولكن هؤلاء أكمل صديقية منهم : ثم ذكر الشهداء وأنه تعالى يجري عليهم رزقهم ونورهم لأنهم لما بذلوا أنفسهم لله تعالى أثابهم الله تعالى عليها أن جعلهم أحياء عنده يرزقون فيجري عليهم رزقهم ونورهم فهؤلاء السعداء ثم ذكر الاشقياء فقال : { والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم } والمقصود أنه سبحانه وتعالى ذكر أصحاب الأجور والمراتب وهذان الأمران هما اللذان وعدهما فرعون السحرة إن غلبوا موسى E فقالوا : { إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين * قال نعم وإنكم لمن المقربين } أي أجمع لكم بين الأجر والمنزلة عندي والقرب مني فالعمال عملوا على الأجور والعارفون عملوا على المراتب والمنزلة والزلفى عند الله وأعمال هؤلاء القلبية أكثر من أعمال أولئك وأعمال أولئك البدنية قد تكون أكثر من أعمال هؤلاء وذكر البيهقي عن محمد بن كعب القرظي رحمه الله تعالى قال : قال موسى عليه السلام : يا رب أي خلقك أكرم عليك ؟ قال : الذي لا يزال لسانه رطبا بذكري قال : يا رب فأي خلقك أعلم ؟ الذي يلتمس إلى عمله علم غيره قال : يا رب أي خلقك أعدل ؟ قال : الذي يقضي على نفسه كما يقضي على الناس قال يا رب أي خلقك أعظم ذنبا ؟ قال الذي يتهمني قال : يا رب وهل يتهمك أحد ؟ قال : الذي يستخبرني ولا يرضى بقضائي وذكر أيضا عن أبن عباس قال : لما وقد موسى عليه السلام إلى طور سيناء قال : يا رب أي عبادك أحب إليك ؟ قال الذي يذكرني ولا ينساني وقال كعب : قال موسى عليه السلام : يا رب أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك ؟ فقال تعالى : يا موسى أنا جليس من ذكرني قال : أني أكون على حال أجلك عنها قال : ما هي يا موسى ؟ قال : عند الغائط والجنابة قال : أذكرني على كل حال وقال عبيد بن عمير : تسبيحة بحمد الله في صحيفة مؤمن خير له من جبال الدنيا تجري معه ذهبا وقال الحسن : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم أين الذين كانت { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون } قال فيقومون فيتخطون رقاب الناس قال : ثم ينادي مناد : سيعلم أهل الجع من أولى بالكرم أين الذي كانت { لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله } قال فيقومون فيتخطون من رقاب الناس قال ثم ينادي مناد : وسيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم أين الحمادون لله على كل حال ؟ قال فيقومون وهم كثير ثم يكون التنعيم والحساب فيمن بقي وأتى رجل مسلم الخولاني فقال له : أوصني يا أبا مسلم قال : أذكر الله تعالى تحت كل شجرة ومدرة فقال له زدني فقال : أذكر الله حتى يحسبك الناس من ذكر الله تعالى مجنونا قال : وكان أبو مسلم يكثر ذكر الله تعالى فرآه رجل وهو يذكر الله تعالى فقال : أمجنون صاحبكم هذا ؟ فسمعه أبو مسلم فقال : ليس هذا بالجنون يا ابن أخي ولكن هذا ذو الجنون
( السادسة والأربعون ) أن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى وذكر حماد بن زيد عن المعلى أبن زياد أن رجلا قال للحسن : يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلب قال : أذبه بالذكر وهذا لأن القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة فإذا ذكر الله تعالى ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار فما أذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر الله تعالى
( السابعة والأربعون ) أن الذكر شفاء القلب ودواؤه والغفلة مرضه فالقلوب مريضة وشفاؤها دواؤها في ذكر الله تعالى قال مكحول : ذكر الله تعالى شفاء وذكر الناس داء وذكر البيهقي عن مكحول مرفوعا ومرسلا ذكرته شفاها وعافاها فإذا غفلت عنه انتكست كما قيل : ( إذا مرضنا تداوينا بذكركم فتترك الذكر أحيانا فننتكس )
( الثامنة والأربعون ) أن الذكر أصل موالاة الله تعالى ورأسها والغفلة أصل معاداته ورأسها فإن العبد لا يزال يذكر ربه تعالى حتى يحبه فيواليه ولا يزال يغفل عنه حتى يبغضه فيعاديه قال الاوزاعي : قال حسان ابن عطية : ما عادى عبد ربه بشئ أشد عليه من أن يكره ذكره أو من يذكره فهذه المعاداة سببها الغفلة ولا تزال بالعبد حتى يكره ذكر الله ويكره من ذكره فحينئذ يتخذه عدوا كما اتخذه الذاكر وليا
( التاسعة والأربعون ) أنه ما استجلبت نعم الله تعالى واستدفعت نقمة بمثل ذكر الله تعالى فالذكر جلاب للنعم دافع للنقم قال سبحانه وتعالى { إن الله يدافع عن الذين آمنوا } وفي القراءة الأخرى { إن الله يدافع } فدفعه ودفاعه عنهم بحسب قوة إيمانهم وكماله ومادة الإيمان وقوته بذكر الله تعالى فمن كان أكمل إيمانا وأكثر ذكرا كان دفع الله تعالى عنه ودفاعه أعظم ومن نقص نقص ذكرا بذكر ونسيانا بنسيان وقال سبحانه وتعالى : { وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم } والذكر رأس الشكر كما تقدم والشكر جلاب النعم وموجب للمزيد قال بعض السلف رحمة الله عليهم : ما أقبح الغفلة عن ذكر من لا يغفل عن ذكرك
( الخمسون ) أن الذكر يوجب صلاة الله تعالى وملائكته على الذاكر ومن صلى الله تعالى عليه وملائكته فقد أفلح كل الفلاح وفاز كل الفوز قال سبحانه وتعالى : { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا * هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما } فهذه الصلاة منه تبارك وتعالى ومن ملائكته إنما هي سبب الإخراج لهم من الظلمات إلى النور فأي خير لم يحصل لهم وأي شر لم يندفع عنهم ؟ فيا حسرة الغافلين عن ربهم ماذا حرموا من خيره وفضله وبالله التوفيق
( الحادية والخمسون ) إن من شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا وغيره من حديث جابر بن عبد الله قال : [ خرج علينا رسول الله ﷺ فقال يا أيها الناس ارتعوا في رياض الجنة قلنا : يا رسول الله وما رياض الجنة ؟ قال مجالس الذكر ثم قال اغدوا وروحوا وأذكروا فمن كان يحب أن يعلم منزلته عند الله تعالى فلينظر كيف منزلة الله تعالى عنده فإن الله تعالى ينزل العمل منه حيث أنزله من نفسه ]
( الثانية والخمسون ) إن مجالس الذكر مجالس ملائكة فليس من مجالس الدنيا لهم مجلس إلا مجلس يذكر الله تعالى فيه كما أخرجا في الصحيحين من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : [ إن لله ملائكة فضلا عن كتاب الناس يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تعالى تنادوا : هلموا إلى حاجتكم قال : فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا : فيسألهم ربهم تعالى ـ وهو أعلم بهم : ما يقول عبادي ؟ قال : يقولون : يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك قال فيقول : هل رأوني ؟ قال : فيقولون : لا والله ما رأوك قال : فيقول : كيف لو رأوني ؟ قال : فيقولون : لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تحميدا وتمجيدا وأكثر لك تسبيحا قال : فيقول : ما يسألوني ؟ قال : يسألونك الجنة قال : يقول : وهل رأوها ؟ قال : يقولن : لا والله يا رب ما رأوها قال فيقول : فكيف لو أنهم رأوها ؟ قال يقولون : لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا وأعظم فيها رغبة فيقول : فمم يتعوذون ؟ قال : يقولون : من النار قال : يقول : وهل رأوها ؟ قال : يقولون : لا والله يا رب ما رأوها قال : يقول : فكيف لو رأوها ؟ قال : يقولون : لو رأوها كانوا أشد منها فرارا وأشد لها مخافة قال : يقول : فأشهدكم أني قد غفرت لهم فيقول ملك من الملائكة : فيهم فلان ليس منهم وإنما جاء لحاجة قال : هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم ] فهذا من بركتهم على نفوسهم وعلى جليسهم فلهم نصيب من قوله { وجعلني مباركا أين ما كنت } فهكذا المؤمن مبارك أين حل والفاجر مشؤوم أين حل فمجالس الذكر مجالس الملائكة ومجالس الغفلة مجالس الشياطين وكل مضاف إلى شكله وأشباهه امرئ يصير إلى ما يناسبه
( الثالثة والخمسون ) إن الله تعالى يباهي بالذاكرين ملائكته كما روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال : خرج معاوية على حلقة في المسجد فقال : ما أجلسكم ؟ قالوا : جلسنا نذكر الله تعالى قال : آلله ما أجلسكم إلا ذاك ؟ قالوا : والله ما أجلسنا إلا ذاك قال : أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله ﷺ أقل عنه حديثا مني [ وإن رسول الله ﷺ خرج على حلقة من أصحابه فقال : ما أجلسكم ؟ قالوا : جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن علينا بك قال : آلله ما أجلسكم إلا ذاك ؟ قالوا : والله ما أجلسنا إلا ذاك قال : أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله تبارك وتعالى يباهي بكم الملائكة ] فهذه المباهاة من الرب تبارك وتعالى دليل على شرف الذكر عنده ومحبته له وأن له مزية على غيره من الأعمال
( الرابعة والخمسون ) إن مدمن الذكر يدخل الجنة وهو يضحك لما ذكر ابن أبي الدنيا عن عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي عن أبيه عن أبي الدرداء قال : الذين لا تزال ألسنتهم رطبة من ذكر الله تعالى يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك
( الخامسة والخمسون ) إن جميع الأعمال إنما شرعت إقامة لذكر الله تعالى والمقصود بها تحصيل ذكر الله تعالى قال سبحانه وتعالى : { وأقم الصلاة لذكري } قيل المصدر مضاف إلى الفاعل أي لأذكرك بها وقيل مضاف إلى المذكور أي لتذكروني بها واللام على هذا لام التعليل وقيل : هي اللام الوقتية أي أقم الصلاة عند ذكري كقوله : { أقم الصلاة لدلوك الشمس } وقوله تعالى : { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة } وهذا المعنى المراد بالآية لكن تفسيرها به يجعل معناها فيه نظر لأن هذه اللام الوقتية يليها أسماء الزمان والظروف والذكر مصدر إلا أن يقدر زمان محذوف أي عند وقت ذكري وهذا محتمل والأظهر أنها لام التعليل أي أقم الصلاة لأجل ذكري ويلزم من هذا أن تكون إقامتها عند ذكره وإذا ذكر العبد ربه فذكر الله تعالى سابق على ذكره فإنه لما ذكره ألهمه ذكره فالمعاني الثلاثة حق وقال سبحانه وتعالى : { اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر } فقيل : المعنى أنكم في الصلاة تذكرون الله وهو من ذكره ولذكره الله تعالى إياكم أكبر من ذكركم إياه وهذا يروى عن ابن عباس وسلمان وأبي الدرداء وابن مسعود رضي الله عنهم وذكر ابن أبي الدنيا عن فضيل ابن مرزوق عن عطية { ولذكر الله أكبر } قال : وهو قوله تعالى : { فاذكروني أذكركم } فذكر الله تعالى لكم أكبر من ذكركم إياه وقال ابن زيد وقتادة : معناه : ولذكر الله أكبر من كل شيء وقيل لسلمان : أي الأعمال أفضل ؟ أما تقرأ القرآن { ولذكر الله أكبر } ويشهد لهذا حديث أبي الدرداء المتقدم [ ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق ] الحديث وكان شيخ الإسلام أبو العباس قدس الله روحه يقول : الصحيح أن معنى الآية أن الصلاة فيها مقصودان عظيمان وأحدهما أعظم من الآخر : فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وهي مشتملة على ذكر الله تعالى ولما فيها من ذكر الله أعظم من نهيها عن الفحشاء والمنكر وذكر ابن أبي الدنيا عن ابن عباس أنه سئل : أي العمل أفضل ؟ قال : ذكر الله أكبر وفي السنن عن عائشة عن النبي صلى اله عليه وسلم قال : [ إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله تعالى ] رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح
( السادسة والخمسون ) أن أفضل أهل كل عمل أكثرهم فيه ذكرا لله تعالى فأفضل الصوام أكثرهم ذكرا لله تعالى في صومهم وأفضل المتصدقين أكثرهم ذكرا لله تعالى وأفضل الحاج أكثرهم ذكرا لله تعالى وهكذا سائر الأحوال وقد ذكر ابن أبي الدنيا حديثا مرسلا في ذلك [ أن النبي ﷺ سئل : أي أهل المسجد خير ؟ قال : أكثرهم ذكرا لله تعالى قيل : أي الجنازة خير ؟ قال : أكثرهم ذكرا لله تعالى قيل : فأي المجاهدين خير ؟ قال : أكثرهم ذكرا لله تعالى قيل فأي الحجاج خير ؟ قال : أكثرهم ذكرا لله تعالى قيل : وأي العباد خير ؟ قال : أكثرهم ذكرا لله تعالى ] قال أبو بكر : ذهب الذاكرون بالخير كله وقال عبيد بن عمير : إن أعظمكم هذا الليل أن تكابدوه وبخلتم على المال أن تنفقوه وجبنتم عن العدو أن تقاتلوه : فأكثروا من ذكر الله تعالى
( السابعة والخمسون ) أن إدامته تنوب عن التطوعات وتقوم مقامها سواء كانت بدنية أو مالية كحج التطوع وقد جاء ذلك صريحا في حديث أبي هريرة : [ أن فقراء المهجرين أتوا رسول الله ﷺ فقالوا : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم والمقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل أموالهم يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون فقال : ألا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا أحد يكون أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة الحديث متفق عليه فجعل الذكر عوضا لهم عما فاتهم من الحج والعمرة والجهاد وأخبر أنهم يسبقونهم بهذا الذكر فلما سمع أهل الدثور بذلك عملوا به فازدادوا ـ إلى صدقاتهم وعبادتهم بمالهم ـ التعبد بهذا الذكر فحازوا الفضيلتين فنفسهم الفقراء وأخبروا رسول الله ﷺ بأنهم قد شاركوهم في ذلك وانفردوا لهم بما لا قدرة لهم عليه فقال : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ] وفي حديث عبد الله بن بسر قال : [ جاء أعرابي فقال : يا رسول الله كثرت علي خلال الإسلام وشرائعه فأخبرني بأمر جامع يكفيني قال : عليك بذكر الله تعالى قال : ويكفيني يا رسول الله ؟ قال : نعم ويفضل عنك ] فدله الناصح ﷺ على شيء يبعثه على شرائع الإسلام والحرص عليها والاستكثار منها فإنه إذا اتخذ ذكر الله شعاره أحبه وأحب ما يحب فلا شيء أحب من التقرب بشرائع الإسلام فدله ﷺ على ما يتمكن به من شرائع الإسلام وتسهل به عليه وهو ذكر الله تعالى يوضحه :
( الثامنة والخمسون ) أن ذكر الله تعالى من أكبر العون على طاعته فإنه يحببها إلى العبد ويسهلها عليه ويلذذها له ويجعل قرة عينه فيها ونعيمه وسروره بها بحيث لا يجد لها من الكلفة والمشقة والثقل ما يجد الغافل والتجربة شاهدة بذلك يوضحه :
( التاسعة والخمسون ) أن ذكر الله تعالى يسهل الصعب وييسر العسير ويخفف المشاق فما ذكر الله تعالى على صعب إلا هان ولا على عسير إلا تيسر ولا مشقة إلا خفت ولا شدة إلا زالت ولا كربة إلا انفرجت فذكر الله تعالى هو الفرج بعد الشدة واليسر بعد العسر والفرج بعد الغم والهم يوضحه
( الستون ) أن ذكر الله تعالى يذهب عن القلب مخاوفه كلها وله تأثير عجيب في حصول الأمن فليس للخائف الذي قد اشتد خوفه أنفع من ذكر الله تعالى إذ بحسب ذكره يجد الأمن ويزول خوفه حتى كأن المخاوف التي يجدها أمان له والغافل خائف مع أمنه حتى كأن ما هو فيه من الأمن كله مخاوف ومن له أدنى حس قد جرب هذا وهذا والله المستعان
( الحادية والستون ) أن الذكر يعطي الذاكر قوة حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يظن فعله بدونه وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في سننه وكلامه وإقدامه وكتابه أمرا عجيبا فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعه وأكثر وقد شاهد العسكر من قوته في الحرب أمرا عظيما وقد علم النبي ﷺ ابنته فاطمة وعليا رضي الله عنهما أن يسبحا كل ليلة إذا أخذوا مضاجعهما ثلاثا وثلاثين ويحمدا ثلاثا وثلاثين ويكبرا أربعا وثلاثين لما سألته الخادم وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن والسعي والخدمة فعلمها ذلك وقال : إنه خير لكما من خادم فقيل أن من داوم على ذلك وجد قوة في يومه مغنيه عن خادم وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يذكر أثرا في هذا الباب ويقول : إن الملائكة لما أمروا بحمل العرش قالوا : يا ربنا كيف نحمل عرشك وعليه عظمتك وجلالك ؟ فقال : قولوا : لا حول ولا قوة إلا بالله فلما قالوا حملوه حتى رأيت ابن أبي الدنيا قد ذكر هذا الأثر بعينه عن الليث بن سعد عن معاوية بن صالح قال : حدثنا مشيختنا أنه بلغهم أن أول ما خلق الله تعالى ـ حين كان عرشه على الماء ـ حملة العرش قالوا : ربنا لم خلقتنا ؟ قال : خلقتكم لحمل عرشي قالوا : ربنا ومن يقوى على حمل عرشك وعليه عظمتك وجلالك ووقارك ؟ قال : لذلك خلقتكم فأعادوا عليه ذلك مرارا فقال لهم : قولوا : لا حول ولا قوة إلا بالله فحملوه وهذه الكلمة لها تأثير عجيب في معالجة الأشغال الصعبة وتحمل المشاق والدخول على الملوك ومن يخاف وركوب الأهوال ولها أيضا تأثير في دفع الفقر كما روى ابن أبي الدنيا عن الليث بن معاوية بن صالح عن أسد بن وداعة رضي الله تعالى عنه قال : [ قال رسول الله ﷺ : من قال لا حول ولا قوة إلا بالله مائة مرة في كل يوم لم يصبه فقر أبدا ] وكان حبيب بن سلمة يستحب إذا لقي عدوا أو ناهض حصنا قال : لا حول ولا قوة إلا بالله وإنه ناهض يوما حصنا للروم فانهزم فقالها المسلمون وكبروا فانهدم الحصن
( الثانية والستون ) أن عمال الآخرة كلهم في مضمار السباق والذاكرون هم أسبقهم في ذلك المضمار ولكن القترة والغبار يمنع من رؤية سبقهم فإذا انجلى الغبار وانكشف رآهم الناس وقد حازوا قصب السبق قال الوليد بن مسلم قال محمد بن عجلان : سمعت عمرو مولى غفرة يقول : إذا انكشف الغطاء [ للناس ] يوم القيامة عن ثواب أعمالهم لم يروا عملا أفضل ثوابا من الذكر فيتحسر عند ذلك أقوام فيقولون : ما كان شيء أيسر علينا من الذكر وقال أبو هريرة : قال رسول الله ﷺ : سيروا سبق المفردون قال : الذين أهتروا في ذكر الله تعالى يضع عنهم أوزارهم أهتروا بالشيء وفيه أولعوا به ولزموه وجعلوه دأبهم وفي بعض ألفاظ الحديث المستهترون بذكر الله ومعناه الذين أولعوا به يقال : استهتر فلان بكذا إذا ولع به وفيه تفسير آخر أن أهتروا في ذكر الله أي كبروا وهلك أقرانهم وهم في ذكر الله تعالى يقال أهتر الرجل فهو مهتر إذا سقط في كلامه من الكبر والهتر السقط من الكلام كأنه بقي في ذكر الله تعالى حتى خرف وأنكر عقله والهتر الباطل أيضا ورجل مستهتر إذا كان كثير الأباطيل وفي حديث ابن عمر : أعوذ بالله أن أكون من المستهترين وحقيقة اللفظ أن الاستهتار الإكثار من الشيء والولوع به حقا كان أو باطلا وغلب استعماله على المبطل حتى إذا قيل فلان مستهتر لا يفهم منه إلا الباطل وإنما إذا قيد بشيء تقيد به نحو مستهتر وقد أهتر في ذكر الله تعالى أي أولع به وأغري به ويقال : استهتر فيه وبه وتفسير هذا في الأثر الآخر : [ أكثروا ذكر الله تعالى حتى يقال مجنون ]
( الثالثة والستون ) أن الذكر سبب لتصديق الرب تعالى عبده فإنه أخبر عن الله تعالى بأوصاف كماله ونعوت جلاله فإذا أخبر بها العبد صدقه ربه ومن صدقه الله تعالى لم يحشر مع الكاذبين ورجي له أن يحشر مع الصادقين وروى أبو إسحاق عن الأغر أبي مسلم أنه شهد على أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أنهما شهدا على رسول الله ﷺ أنه قال : [ إذا قال العبد : لا إله إلا الله والله أكبر قال : يقول الله تبارك وتعالى : صدق عبدي لا إله إلا أنا وأكبر وإذا قال : لا إله إلا الله وحده قال : صدق عبدي لا إله إلا أنا وحدي وإذا قال : لا إله إلا الله لا شريك له قال : صدق عبدي لا إله إلا أنا لا شريك لي وإذا قال : لا إله إلا الله له الملك وله الحمد قال : صدق عبدي لا إله إلا أنا لي الملك ولي الحمد وإذا قال : لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله قال : صدق عبدي لا إله إلا أنا ولا حول ولا قوة إلا بي ] قال أبو إسحق : ثم قال : [ في ] الآخر شيئا لم أفهمه قلت لأبي جعفر : ما قال ؟ قال : [ من رزقهن عند موته لم تمسه النار ]
( الرابعة والستون ) أن دور الجنة تبنى بالذكر فإذا أمسك الذاكر عن الذكر أمسكت الملائكة عن البناء ذكر ابن أبي الدنيا في كتابه عن حكيم بن محمد الأخنسي قال : بلغني أن دور الجنة تبنى بالذكر فإذا أمسك عن الذكر أمسكوا عن البناء فيقال لهم : فيقولون : حتى تأتينا نفقة وذكر ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : [ من قال : سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم - سبع مرات - بني له برج في الجنة ] وكما أن بناءها بالذكر فغراس بساتينها بالذكر كما تقدم في حديث النبي ﷺ عن إبراهيم الخليل عليه السلام [ أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وإنها قيعان وإن غرسها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فالذكر غراسها وبناؤها ] وذكر ابن أبي الدنيا من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال : [ أكثروا من غراس الجنة قالوا : يا رسول الله وما غراسها ؟ قال : ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله ]
( الخامسة والستون ) إن الذكر سد بين العبد وبين جهنم فإذا كانت له إلى جهنم طريق من عمل من الأعمال كان الذكر سدا في تلك الطريق فإذا كان ذكرا دائما كاملا كان سدا محكما لا منفذ فيه وإلا فبحسبه قال عبد العزيز بن أبي رواد : كان رجل بالبادية قد اتخذ مسجدا فجعل في قلبه سبعة أحجار كان إذا قضى صلاته قال : يا أحجار أشهدكم أنه لا إله إلا الله قال : فمرض الرجل فعرج بروحه قال : فرأيت في منامي أنه أمر بي إلى النار قال : فرأيت حجرا من تلك الأحجار أعرفه قد عظم فسد عني بابا من أبواب جهنم ثم أتى ‘لى الباب الآخر وإذا حجر من تلك الحجار أعرفه قد عظم فسد عني بابا من أبواب جهنم حتى سدت عني بقية الأحجار أبواب جهنم
( السادسة والستون ) إن الملائكة تستغفر للذاكر كما تستغفر للتائب كما روى حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عامر الشعبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : أجد في كتاب الله المنزل أن العبد إذا قال : الحمد لله قالت الملائكة رب العالمين وإذا قال : الحمد لله رب العالمين قالت الملائكة : اللهم اغفر لعبدك وإذا قال : سبحان الله قالت الملائكة : اللهم اغفر لعبدك وإذا قال : لا إله إلا الله قالت الملائكة : اللهم اغفر لعبدك
( السابعة والستون ) إن الجبال والقفار تتباهى وتستبشر بمن يذكر الله تعالى عليها قال ابن مسعود : إن الجبل لينادي الجبل باسمه : أمر بك اليوم أحد يذكر الله تعالى ؟ فإذا قال : نعم استبشر وقال عون بن عبد الله : إن البقاع لينادي بعضها بعضا : يا جارتاه أمر بك اليوم أحد يذكر الله ؟ فقائلة : نعم وقائلة : لا فقال الأعمش عن مجاهد : إن الجبل لينادي الجبل باسمه : يا فلان هل مر بك اليوم ذاكر لله تعالى ؟ فمن قائل : لا ومن قائل : نعم
( الثامنة والستون ) إن كثرة ذكر الله تعالى أمان من النفاق فإن المنافقين قليلو الذكر لله تعالى قال الله تعالى في المنافقين : { ولا يذكرون الله إلا قليلا } وقال كعب : من أكثر ذكر الله تعالى برئ من النفاق ولهذا - والله أعلم - ختم الله تعالى سورة المنافقين بقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون } فإن في ذلك تحذيرا من فتنة المنافقين الذين غفلوا عن ذكر الله تعالى فوقعوا في النفاق وسئل بعض الصحابة رضي الله عنهم عن الخوارج : منافقون هم ؟ قال : لا المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا فهذا من علامة النفاق قلة ذكر الله تعالى وكثرة ذكره أمان من النفاق والله تعالى أكرم من أن يبتلي قلبا ذاكرا بالنفاق وإنما ذلك لقلوب غفلت عن ذكر الله تعالى
( التاسعة والستون ) إن للذكر من بين الأعمال لذة لا يشبهها شيء فلو لم يكن للعبد من ثوابه إلا اللذة الحاصلة للذاكر والنعيم الذي يحصل لقلبه لكفى به ولهذا سميت مجالس الذكر رياض الجنة قال مالك بن دينار : وما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله تعالى فليس شيء من الأعمال أخف مؤنة منه ولا أعظم لذة ولا أكثر فرحة وابتهاجا للقلب
( السبعون ) إنه يكسو الوجه نضرة في الدنيا ونورا في الآخرة فالذاكرون أنضر الناس وجوها في الدنيا وأنورهم في الآخرة ومن المراسيل عن النبي ﷺ قال : [ من قال كل يوم مائة مرة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير أتى الله تعالى يوم القيامة ووجهه أشد بياضا من القمر ليلة البدر ]
( الحادية والسبعون ) إن في دوام الذكر في الطريق والبيت والحضر والسفر والبقاع تكثيرا لشهود العبد يوم القيامة فإن البقعة والدار والجبل والأرض تشهد للذاكر يوم القيامة قال تعالى : { إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها * وقال الإنسان ما لها * يومئذ تحدث أخبارها * بأن ربك أوحى لها } فروى الترمذي في جامعه من حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : [ قرأ رسول الله ﷺ هذه الآية : { يومئذ تحدث أخبارها } فقال : أتدرون ما أخبارها ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها تقول : عمل يوم كذا كذا وكذا ] قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح والذاكر لله تعالى في سائر البقاع مكثر شهوده ولعلهم أو أكثرهم أن يقبلوه يوم القيامة يوم قيام الأشهاد وأداء الشهادات فيفرح ويغتبط بشهادتهم
( الثانية والسبعون ) إن في الاشتغال بالذكر اشتغالا عن الكلام الباطل من الغيبة واللغو ومدح الناس وذمهم وغير ذلك فإن الإنسان لا يسكت البتة : فإما لسان ذاكر وإما لسان لاغ ولا بد من أحدهما فهي النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل وهو القلب إن لم تسكنه محبة الله تعالى سكنه محبة المخلوقين ولا بد وهو اللسان إن لم تشغله بالذكر شغلك باللغو وما هو عليك ولا بد فاختر لنفسك إحدى الخطتين وأنزلهها في إحدى المنزلتين
( الثالثة والسبعون ) وهي التي بدأنا بذكرها وأشرنا إليها فنذكرها ههنا مبسوطة لعظيم الفائدة بها وحاجة كل أحد بل ضرورته إليها وهي أن الشياطين قد احتوشت العبد وهم أعداؤه فما ظنك برجل قد احتوشه أعداؤه المحنقون عليه غيظا وأحاطوا به وكل منهم يناله بما يقدر عليه من الشر والأذى ولا سبيل إلى تفريق جمعهم عنه إلا بذكر الله تعالى وفي هذا الحديث العظيم الشريف القدر الذي ينبغي لكل مسلم أن يحفظه فنذكره بطوله لعموم فائدته وحاجة الخلق إليه وهو حديث سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن سمرة بن جندب قال : خرج علينا رسول الله ﷺ يوما وكنا في صفه بالمدينة فقام علينا فقال : [ إني رأيت البارحة عجبا : رأيت رجلا من أمتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه فجاءه بره والديه فرد ملك الموت عنه ورأيت رجلا من أمتي قد بسط عليه عذاب القبر فجاءه وضوؤه فاستنقذه من ذلك ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته الشياطين فجاءه ذكر الله تعالى فطرد الشيطان عنه ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته ملائكة العذاب فجاءته صلاته فاستنقذته من أيديهم ورأيت رجلا من أمتي يلهب ـ وفي رواية يلهث ـ عطشا كلما دنا من حوض منع وطرد فجاءه صيام شهر رمضان فأسقاه وأرواه ورأيت رجلا من أمتي ورأيت النبيين جلوسا حلقا حلقا كلما دنا إلى حلقة طرد فجاءه غسله من الجنابة فأخذ بيده فأقعده إلى جنبي ورأيت رجلا من أمتي بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن يساره ظلمة ومن فوقه ظلمة ومن تحته ظلمة وهو متحير فيها فجاءه حجه وعمرته فاستخرجاه من الظلمة وأدخلاه في النور ورأيت رجلا من أمتي يتقي بيده وهج النار وشرره فجاءته صدقته فصارت سترة بينه وبين النار وظللت على رأسه ورأيت رجلا من أمتي يكلم المؤمنين ولا يكلمونه فجاءته صلته لرحمه فقالت : يا معشر المسلمين إنه كان وصولا لرحمه فكلموه فكلمه المؤمنون وصافحوه وصافحهم ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته الزبانية فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستنقذه من أيديهم وأدخله في ملائكة الرحمة ورأيت رجلا من أمتي جاثيا على ركبتيه وبينه وبين الله تعالى حجاب فجاءه حسن خلقه فأخذ بيده فأدخله على الله تعالى ورأيت رجلا من أمتي قد ذهبت صحيفته من قبل شماله فجاءه خوفه من الله تعالى فأخذ صحيفته فوضعها في يمينه ورأيت رجلا من أمتي خف ميزانه فجاءه أفراطه ورأيت رجلا من أمتي قائما على شفير جهنم فجاءه رجاؤه في الله تعالى فاستنقذه من ذلك ومضى ورأيت رجلا من أمتي قد أهوى في النار فجاءته دمعته التي بكى من خشية الله فاستنقذته من ذلك ورأيت رجلا من أمتي قائما على الصراط يرعد كما ترعد السعفة في ريح عاصف فجاءه حسن ظنه بالله تعالى فسكن رعدته ومضى ورأيت رجلا من أمتي يزحف على الصراط ويحبو أحيانا فجاءته صلاته علي فأقامته على قدميه وأنقذته ورأيت رجلا من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة فغلقت الأبواب دونه فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله ففتحت له الأبواب وأدخلته الجنة ] رواه الحافظ أبو موسى المديني في كتاب الترغيب في الخصال المنجية والترهيب من الخلال المردية وبنى كتابه عليه وجعله شرحا له وقال : هذا حديث حسن جدا رواه عن سعيد بن المسيب عمرو بن آزر وعلي بن زيد بن جدعان وهلال أبو جبلة وكان شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يعظم شأن هذا الحديث وبلغني عنه أنه كان يقول : شواهد الصحة عليه والمقصود منه قوله ﷺ [ ورأيت رجلا من أمتي احتوشته الشياطين ذكر الله تعالى فطرد الشيطان عنه ] فهذا مطابق لحديث الحارث الأشعري الذي شرحناه في هذه الرسالة وقوله فيه : [ وأمركم بذكر الله تعالى وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو فانطلقوا في طلبه سراعا وانطلق حتى أتى حصنا حصينا فأحرز نفسه فيه ] فكذلك الشيطان لا يحرز العباد أنفسهم منه إلا بذكر الله تعالى وفي الترمذي عن أنس بن مالك : قال رسول الله ﷺ : [ من قال ـ يعني إذا خرج من بيته ـ بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله يقال له : كفيت وهديت ووقيت وتنحى عنه الشيطان فيقول لشيطان آخر : كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي ] ؟ رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال : حديث حسن وقد تقدم قوله ﷺ [ من قال في يوم مائة مرة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كانت له حرزا من الشيطان حتى يمسي ] وذكر سفيان عن أبي الزبير عن عبد الله بن ضمرة عن كعب قال : إذا خرج الرجل من بيته فقال بسم الله قال هديت وإذا قال توكلت على الله قال الملك كفيت وإذا قال لا حول ولا قوة إلا بالله قال الملك حفظت فيقول الشياطين بعضهم لبعض : ارجعوا ليس لكم عليه سبيل كبف لكم بمن كفي وهدي وحفظ ؟ وقال أبو خلاد المصري : من دخل في الإسلام دخل في حصن ومن دخل المسجد فقد دخل في حصنين ومن جلس في حلقة يذكر الله تعالى فيها فقد دخل في بيته حصونا وقد روى الحافظ أبو موسى في كتابه من حديث أبي عمران الجوني عن أنس عن النبي ﷺ قال : [ إذا وضع العبد جنبه على فراشه فقال : بسم الله وقرأ فاتحة الكتاب أمن من شر الجن والإنس ومن كل شيء ] وفي صحيح البخاري عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال : ولاني رسول الله ﷺ زكاة رمضان أن أحتفظ بها فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقال : دعني فأني لا أعود فذكر الحديث وقال : فقال له في الثالثة : أعلمك كلمات ينفعك الله بهن إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها إلى آخرها فإنه لا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فخلى سبيله فأصبح فأخبر النبي ﷺ بقوله فقال : [ صدقك وهو كذوب ] وذكر الحافظ أبو موسى من حديث أبي الزبير عن جابر قال : [ قال رسول الله ﷺ : إذا أوى الإنسان إلى فراشه ابتدره ملك وشيطان فيقول الملك اختم بخير ويقول الشيطان وبات يكلؤه فإذا استيقظ ابتدره ملك وشيطان فيقول الملك : افتح بخير ويقول الشيطان : افتح بشر فإن قال : الحمد لله الذي أحيا نفسي بعد موتها ولم يمتها في منامها الحمد لله الذي يمسك عليها الأخرى إلى أجل مسمى الحمد لله الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده الحمد لله الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه طرد الملك الشيطان وظل يكلؤه ] وفي الصحيحين من حديث سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ [ أما إن أحدكم إذا أتى أهله قال : بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فيولد بينهما ولد لا يضره الشيطان أبدا ] وذكر الحافظ أبو موسى عن الحسن بن علي قال : أنا ضامن لمن قرأ هذه العشرين الآية أن يعصمه الله تعالى من كل شيطان ظالم ومن كل شيطان مريد ومن كل سبع ضار ومن كل لص عاد : آية الكرسي وثلاث آيات من الأعراف { إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض } وعشرا من الصافات وثلاث آيات من الرحمن { يا معشر الجن والإنس } وخاتمة سورة الحشر { لو أنزلنا هذا } وقال محمد بن أبان : بينما رجل يصلي في المسجد إذا هو بشيء إلى جنبه فجفل منه فقال : ليس عليك مني بأس إنما جئتك في الله تعالى ائت عروة فسله : ما الذي يتعوذه ؟ يعني من إبليس الأباليس قال : قل آمنت بالله العظيم وحده وكفرت بالجبت والطاغوت واعتصمت بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم حسبي الله وكفى سمع الله لمن دعا ليس وراء الله منتهى وقال بشر بن منصور عن وهيب ابن الورد قال : خرج رجل إلى الجبانة بعد ساعة من الليل قال : فسمعت حسا ـ أو صوتا ـ شديدا وجيء بسرير حتى وضع وجاء شيء حتى جلس عليه قال : واجتمعت إليه جنوده ثم صرخ فقال : من لي بعروة بن الزبير ؟ فلم يجبه أحد حتى تتابع ما شاء الله من الأصوات فقال واحد : انا أكفيكه قال : فتوجه نحو المدينة وأنا ناظر ثم أوشك الرجعة فقال : لا سبيل إلى عروة وقال : ويلكم وجدته يقول كلمات إذا أصبح وإذا أمسى فلا نخلص إليه معهن قال الرجل : فلما أصبحت قلت لأهلي جهزوني فأتيت المدينة فسألت عنه حتى دللت عليه فإذا بشيخ كبير فقلت : شيئا تقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت ؟ فأبى أن يخبرني فأخبرته بما رأيت وما سمعت فقال : ما أدري غير أني أقول إذا أصبحت : آمنت بالله العظيم وكفرت بالجبت والطاغوت واستمسكت بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها والله سميع عليم وإذا أصبحت قلت ثلاث مرات وإذا أمسيت قلت ثلاث مرات وذكر أبو موسى عن مسلم البطين قال : قال جبريل للنبي ﷺ : إن عفريتا من الجن يكيدك فإذا أويت إلى فراشك فقل : أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ من الأرض وما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن وقد ثبت في الصحيح أن الشيطان يهرب من الأذان قال سهل بن أبي صالح : أرسلني أبي إلى بني حارثة ومعي غلام ـ أو صاحب ـ لنا فنادى مناد من حائط باسمه فأشرف الذي معي على الحائط فلم ير شيئا فذكرت ذلك لأبي فقال : لو شعرت أنك تلقى هذا لم أرسلك ولكن إذا سمعت صوتا فناد بالصلاة فإني سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله ﷺ أنه قال : [ إن الشيطان إذا نودي بالصلاة ولى وله حصاص ] وفي رواية [ إذا سمع النداء ولى وله ضراط حتى لا يسمع التأذين ] الحديث وذكر الحافظ أبو موسى من حديث أبي بكر الصديق قال : قال رسول الله ﷺ [ استكثروا من لا إله إلا الله والاستغفار فإن الشيطان قال : قد أهلكتهم بالذنوب وأهلكوني بقول لا إله إلا الله والاستغفار فلما رأيت ذلك منهم أهلكتهم بالأهواء حتى يحسبون مهتدون فلا يستغفرون ] وذكر أيضا عن إبراهيم بن الحكم عن أبيه عن عكرمة قال : بينا رجل مسافر إذ مر برجل نائم ورأى عنده شياطين فسمع المسافر أحد الشياطين يقول لصاحبه : اذهب فأفسد على هذا النائم قلبه فلما دنا منه رجع إلى صاحبه فقال : لقد نام على آية ما لنا إليه سبيل فذهب إلى النائم فلما دنا منه رجع قال : صدقت فذهب ثم إن المسافر أيقظه وأخبره بما رأى من الشياطين فقال : أخبرني على أي آية نمت قال : على هذه الآية { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين } وقال أبو النضر هاشم بن القاسم : كنت أرى في داري فقيل : يا أبا النضر تحول عن جوارنا قال : فاشتد ذلك علي فكتبت إلى الكوفة إلى ابن إدريس والمحاربي وأبي أسامة فكتب إلي المحاربي : إن بئرا بالمدينة كان يقطع رشاؤها فنزل بهم ركب فشكوا ذلك إليهم فدعوا بدلو من ماء ثم تكلموا بهذا الكلام فصبوه في البئر فخرجت نار من البئر فطفئت على رأس البئر قال أبو النضر : فأخذت تورا من ماء ثم تكلمت فيه بهذا الكلام ثم تتبعت به زوايا الدار فرششته فصاحوا بي : أحرقتنا نحن نتحول عنك وهو : بسم الله أمسينا بالله الذي ليس منه شيء ممتنع وبعزة الله التي لا ترام ولا تضام وبسلطان الله المنيع نحتجب وبأسمائه الحسنى كلها عائذ من الأبالسة ومن شر شياطين الإنس والجن ومن شر معلن أو مسر ومن شر ما يخرج بالليل ويكمن بالنهار ويكمن بالليل ويخرج بالنهار ومن شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر إبليس وجنوده ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم أعوذ بالله بما استعاذ به موسى وعيسى وإبراهيم الذي وفى من شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر إبليس وجنوده ومن شر ما يبغي أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم { والصافات صفا * فالزاجرات زجرا * فالتاليات ذكرا * إن إلهكم لواحد * رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق * إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب * وحفظا من كل شيطان مارد * لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب * دحورا ولهم عذاب واصب * إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب } فهذا بعض ما يتعلق بقوله ﷺ لذلك العبد [ يحرز نفسه من الشيطان بذكر الله تعالى ]
ولنذكر فصولا نافعة تتعلق بالذكر تكميلا للفائدة : الفصل الأول : الذكر نوعان : أحدهما ذكر أسماء الرب تبارك وتعالى وصفاته والثناء عليه بهما وتنزيهه وتقديسه عما لا يليق به تبارك وتعالى وهذا أيضا نوعان : ( أحدهما ) إنشاء الثناء عليه بها من الذاكر وهذا النوع هو المذكور في الأحاديث نحو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ونحو ذلك فأفضل هذا النوع أجمعه للثناء وأعمه نحو سبحان الله عدد خلقه فهذا أفضل من مجرد سبحان الله وقولك الحمد لله عدد ما خلق في السماء وعدد ما خلق في الأرض وعدد ما بينهما وعدد ما هو خالق أفضل من مجرد قولك الحمد لله وهذا في حديث جويرية أن النبي ﷺ قال لها : [ لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن : سبحان الله عدد خلقه سبحان الله رضا نفسه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله مداد كلماته ] رواه مسلم وفي الترمذي وينن أبي داود عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله على امرأة بين يديها نوى أو حصى تسبح بها فقال : [ سبحان الله عدد ما خلق في السماء وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض وسبحان الله عدد ما بين ذلك وسبحان الله عدد ما هو خالق والله أكبر مثل ذلك ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك ] ( الثاني ) الخبر عن الرب تعالى بأحكام أسمائه وصفاته نحو قولك : الله تعالى يسمع أصوات عباده ويرى حركاتهم ولا تخفى عليه خافية من أعمالهم وهو أرحم بهم من آبائهم وأمهاتهم وهو على كل شيء قدير وهو أفرح بتوبة عبده من الفاقد راحلته ونحو ذلك وأفضل هذا النوع الثناء عليه بما أثنى به على نفسه وبما أثنى به رسول الله ﷺ من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تشبيه ولا تمثيل وهذا النوع أيضا ثلاثة أنواع : حمد وثناء ومجد فالحمد لله الإخبار عنه بصفات كماله سبحانه وتعالى مع محبته والرضاء به فلا يكون المحب الساكت حامدا ولا المثني بلا محبة حامدا حتى تجتمع له المحبة والثناء فإن كرر المحامد شيئا بعد الشيء كانت ثناء فإن كان المدح بصفات الجلال والعظمة والكبرياء والملك كان مجدا وقد جمع الله تعالى لعبده الأنواع الثلاثة في أول الفاتحة فإذا قال العبد : { الحمد لله رب العالمين } قال الله تعالى : حمدني عبدي وإذا قال : { الرحمن الرحيم } قال : أثنى علي عبدي وإذا قال : { مالك يوم الدين } قال : مجدني عبدي ( النوع الثاني ) من الذكر ذكر أمره ونهيه وأحكامه وهو أيضا نوعان : ( أحدهما ) ذكره بذلك إخبارا عنه أمر بكذا ونهى عنه كذا وأحب كذا وسخط كذا ورضي كذا ( والثاني ) ذكره عند أمره فيبادر إليه وعند نهيه فيهرب منه فذكر أمره ونهيه شيء وذكره عند أمره ونهيه شيء آخر فإذا اجتمعت هذه الأنواع للذاكر فذكره أفضل الذكر وأجله وأعظمه ( فائدة ) فهذا الذكر من الفقه الأكبر وما دونه أفضل الذكر إذا صحت فيه النية ومن ذكره سبحانه وتعالى ذكر آلائه وإنعامه وإحسانه وأياديه ومواقع فضله على عبيده وهذا أيضا من أجل أنواع الذكر فهذه خمسة أنواع وهي تكون بالقلب واللسان تارة وذلك أفضل الذكر وبالقلب وحده تارة وهي الدرجة الثانية وباللسان وحده تارة وهي الدرجة الثالثة فأفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده لأن ذكر القلب يثمر المعرفة ويهيج المحبة ويثير الحياء ويبعث على المخافة ويدعو إلى المراقبة ويزع عن التقصير في الطاعات والتهاون في المعاصي والسيئات وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئا منها فثمرته ضعيفة
( الفصل الثاني ) الذكر أفضل من الدعاء الذكر ثناء على الله تعالى بجميل أوصافه وآلائه وأسمائه والدعاء سؤال العبد حاجته فأين هذا من هذا ؟ ولهذا جاء في الحديث [ من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين ] ولهذا كان المستحب في الدعاء أن يبدأ الداعي بحمد الله والثناء عليه بين يدي حاجته ثم يسأل حاجته كما في حديث فضالة بن عبيد [ أن رسول الله ﷺ سمع رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله تعالى ولم يصل على النبي ﷺ فقال رسول الله ﷺ عجل هذا ثم دعاه فقال له أو لغيره : إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه تعالى والثناء عليه ثم يصلي على النبي ﷺ ثم يدعو بعد بما بشاء ] رواه الإمام أحمد والترمذي وقال : حديث حسن صحيح ورواه الحاكم في صحيحه وهكذا دعاء ذي النون عليه السلام قال فيه النبي ﷺ [ دعوة أخي ذي النون ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربته : { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } ] وفي الترمذي [ دعوة أخي ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } فإنه لم يدع بها مسلم قط إلا استجاب له ] وهكذا عامة الأدعية النبوية على قائلها أفضل الصلاة والسلام ومنه قوله ﷺ في دعاء الكرب [ لا إله إلا الله الحليم العظيم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم ] ومنه حديث بريدة الأسلمي الذي رواه أهل السنن وابن حبان في صحيحه أن رسول الله ﷺ سمع رجلا يدعو وهو يقول : [ اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقال : والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى ] وروى أبو داود والنسائي من حديث أنس [ أنه كان مع النبي ﷺ جالسا ورجل يصلي ثم دعا : اللهم إني أسألك بأن لك الحمد ولا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم فقال النبي ﷺ : لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى ] فأخبر النبي ﷺ أن الدعاء يستجاب إذا تقدمه هذا الثناء والذكر وأنه اسم الله الأعظم فكان ذكر الله تعالى والثناء عليه أنجح ما طلب به العبد حوائجه وهذه فائدة أخرى من فوائد الذكر والثناء أنه يجعل الدعاء مستجابا فالدعاء الذي تقدمه الذكر والثناء أفضل وأقرب إلى الإجابة من الدعاء المجرد فإن انضاف إلى ذلك إخبار العبد بحاله ومسكنته وافتقاره واعترافه كان أبلغ في الإجابة وأفضل فإنه يكون قد توسل المدعو بصفات كماله وإحسانه وفضله وعرض بل صرح بشدة حاجته وضرورته وفقره ومسكنته فهذا المقتضى منه وأوصاف المسئول مقتضى من الله فاجتمع المقتضي من السائل والمقتضى من المسؤول في الدعاء وكان أبلغ وألطف موقعا وأتم معرفة وعبودية وأنت ترى في المشاهد ـ ولله المثل الأعلى ـ أن الرجل إذا توسل إلى ما يريد معروفة بكرمه وجوده وبره وذكر حاجته هو وفقره ومسكنته كان أعطف لقلب المسؤول وأقرب لقضاء حاجته فإذا قال له : أنت جودك قد سارت به الركبان وفضلك كالشمس لا تنكر ونحو ذلك وقد بلغت بي الحاجة والضرورة مبلغا لا صبر معه ونحو ذلك كان أبلغ في قضاء حاجته من أن يقول ابتداء أعطني كذا وكذا فإذا عرفت هذا فتأمل قول موسى ﷺ في دعائه { رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير } وقول ذي النون في دعائه { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } وقول أبينا آدم { ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } وفي الصحيحين أن أبا بكر الصديق قال : يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي فقال : [ قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ] فجمع في هذا الدعاء الشريف العظيم القدر بين الاعتراف بحاله والتوسل إلى ربه تعالى بفضله وجوده وأنه المنفرد بغفران الذنوب ثم سأل حاجته بعد التوسل بالأمرين معا فهكذا أدب الدعاء وآداب العبودية
الفصل الثالث في قراءة القرآن أفضل من الذكر والذكر أفضل من الدعاء هذا من حيث النظر لكل منهما مجردا وقد يعرض للمفضول ما يجعله أولى من الفاضل بل يعينه فلا يجوز أن يعدل عنه إلى الفاضل وهذا كالتسبيح في الركوع والسجود فإنه أفضل من قراءة القرآن فيهما بل القراءة فيهما منهي عنها نهي تحريم أو كراهة وكذلك التسميع والتحميد في محلهما أفضل من القراءة وكذلك التشهد وكذلك [ رب اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني ] بين السجدتين أفضل من القراءة وكذلك الذكر عقيب السلام من الصلاة ـ ذكر التهليل والتسبيح والتكبير والتحميد ـ أفضل من الاشتغال عنه بالقراءة وكذلك إجابة المؤذن والقول كما يقول أفضل من القراءة وإن كان فضل القرآن على كل كلام كفضل الله تعالى على خلقه لكن لكل مقام مقال متى فات مقاله فيه وعدل عنه إلى غيره اختلت الحكمة وفقدت المصلحة المطلوبة منه وهكذا الأذكار المفيدة بمحال مخصوصة أفضل من القراءة المطلقة والقراءة المطلقة أفضل من الأذكار المطلقة اللهم إلا أن يعرض للعبد ما يجعل الذكر أو الدعاء أنفع له من قراءة القرآن مثاله أن يتفكر في ذنوبه فيحدث ذلك له توبة من استغفار أو يعرض له ما يخاف أذاه من شياطين الإنس والجن فيعدل إلى الأذكار والدعوات التي تحصنه وتحفظه وكذلك أيضا قد يعرض للعبد حاجة ضرورية إذا اشتغل عن سؤالها أو ذكر لم يحضر قلبه فيهما وإذا أقبل على سؤالها والدعاء إليها اجتمع قلبه كله على الله تعالى وأحدث له تضرعا وخشوعا وابتهالا فهذا يكون اشتغاله بالدعاء والحالة هذه أنفع وإن كان كل من القراءة والذكر أفضل وأعظم أجرا وهذا باب نافع يحتاج إلى فقه نفس وفرقان بين فضيلة الشيء في نفسه وبين فضيلته العارضة فيعطي كل ذي حق حقه ويوضع كل شيء موضعه : فللعين موضع وللرجل موضع وللماء موضع وللحم موضع وحفظ المراتب هو من تمام الحكمة التي هي نظام الأمر والنهي والله تعالى الموفق وهكذا الصابون والأشنان أنفع للثوب في وقت والتجمير وماء الورد وكيه أنفع له في وقت وقلت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يوما : سئل بعض أهل العلم أيهما أنفع للعبد التسبيح أو الاستغفار ؟ فقال : إذا كان الثوب نقيا فالبخور وماء الورد أنفع له وإذا كان دنسا فالصابون والماء الحار أنفع له فقال لي رحمه الله تعالى : فكيف والثياب لا تزال دنسة ؟ ومن هذا الباب أن سورة { قل هو الله أحد } تعدل ثلث القرآن ومع هذا فلا تقوم مقام آيات المواريث والطلاق والخلع والعدد ونحوها بل هذه الآيات في وقتها وعند الحاجة إليها أنفع من تلاوة سورة الإخلاص ولما كانت الصلاة مشتملة على القراءة والذكر والدعاء وهي جامعة لأجزاء العبودية على أتم الوجوه كانت أفضل من كل من القراءة والذكر والدعاء بمفرده لجمعها ذلك كله مع عبودية سائر الأعضاء فهذا أصل نافع جدا يفتح للعبد باب معرفة مراتب الأعمال وتنزيلها منازلها لئلا يشتغل بمفضولها عن فاضلها فيربح إبليس الفضل الذي بينهما أو ينظر إلى فاضلها فيشتغل به عن مفضولها إن كان ذلك وقته فتفوته مصلحته بالكلية لظنه أن اشتغاله بالفاضل أكثر ثوابا وأعظم أجرا وهذا يحتاج إلى معرفة بمراتب الأعمال وتفاوتها ومقاصدها وفقه في إعطاء كل عمل منها حقه وتنزله في مرتبته وتفويته لما هو أهم منه أو تفويت ما هو أولى منه وأفضل لإمكان تداركه والعود إليه وهذا المفضول إن فات لا يمكن تداركه فالاشتغال به أولى ـ وهذا كترك القراءة لرد السلام وتشميت العاطس ـ وإن كان القرآن أفضل لأنه يمكنه الاشتغال بهذا المفضول والعود إلى الفاضل بخلاف ما إذا اشتغل بالقراءة فاتته مصلحة رد السلام وتشميت العاطس وهكذا سائر الأعمال إذا تزاحمت والله تعالى الموفق
الفصل الأول في ذكر طرفي النهار وهما ما بين الصبح وطلوع الشمس وما بين العصر والغروب قال سبحانه وتعالى { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا } والأصيل : قال الجوهري هو الوقت بعد العصر إلى المغرب وجمعه أصل وآصال وأصائل كأنه أصيلة قال الشاعر : ( لعمري لأنت أكرم أهله وأقعد في أفيائه بالأصائل ) ويجمع أيضا على أصلان مثل بعير وبعران ثم صغروا الجمع فقالو أصيلان ثم أبدلوا من النون لاما فقالوا أصيلال قال الشاعر : ( وقفت فيها أصيلالا أسائلها أعيت جوابا وما بالربع من أحد ) وقال تعالى : { وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار } فالإبكار أول النهار والعشي آخره وقال تعالى : { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب } وهذا تفسير ما جاء في الأحاديث : من قال كذا وكذا حين يصبح وحين يمسي أن المراد به قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وأن محل هذه الأذكار بعد الصبح وبعد العصر وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : [ من قال حين يصبح وحين يمسي : سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه ] وفي صحيحه أيضا عن ابن مسعود قال : كان نبي الله ﷺ إذا أمسى قال : [ أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها وأعوذ بك من شر هذه الليلة وشر ما بعدها رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر ] وإذا أصبح قال ذلك أيضا : [ أصبحنا وأصبح الملك لله ] وفي السنن عن عبد الله بن حبيب قال : [ قال رسول الله ﷺ قل قلت : يا رسول الله ما أقول ؟ قال : { قل هو الله أحد } والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء ] قال الترمذي : حديث حسن صحيح وفي الترمذي أيضا عن أبي هريرة أن النبي ﷺ كان يعلم أصحابه يقول : [ إذا أصبح أحدكم فليقل : اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور وإذا أمسى فليقل : اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا وبك نحيا وبك نموت وإليك المصير ] قال الترمذي : حديث حسن صحيح وفي صحيح البخاري عن شداد بن أوس عن النبي ﷺ قال : [ سيد الاستغفار : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت من قالها حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة ومن قالها حين يصبح فمات من يومه دخل الجنة ] وفي الترمذي عن أبي هريرة [ عن أبي بكر الصديق قال لرسول الله ﷺ : مرني بشيء أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت قال : قل : اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السموات والأرض رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه وأن نقترف سوءا على أنفسنا أو نجره إلى مسلم قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك ] قال الترمذي : حديث حسن صحيح وفي الترمذي أيضا عن عثمان بن عفان قال : قال رسول الله ﷺ : [ ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة : بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم - ثلاث مرات - فيضره شيء ] قال الترمذي : حديث حسن صحيح وفيه أيضا عن ثوبان وغيره أن رسول الله ﷺ قال : [ من قال حين يمسي وإذا أصبح : رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد ﷺ نبيا كان حقا على الله أن يرضيه ] وقال : حديث حسن صحيح وفي الترمذي أيضا عن أنس أن رسول الله ﷺ قال : [ من قال حين يصبح أو يمسي : اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أنك أنت الله لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك أعتق الله ربعه من النار ومن قالها مرتين أعتق الله نصفه من النار ومن قالها ثلاثا أعتق الله ثلاثة أرباعه من النار ومن قالها أربعا أعتقه الله من النار ] وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن غنام أن رسول الله ﷺ قال : [ من قال حين يصبح : اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك لك الحمد ولك الشكر فقد أدى شكر يومه ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته ] وفي السنن وصحيح الحاكم عن عبد الله بن عمر قال : لم يكن النبي ﷺ يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح : [ اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي ] قال وكيع : يعني الخسف وعن طلق بن حبيب قال : جاء رجل إلى أبي الدرداء فقال : يا أبا الدرداء قد احترق بيتك فقال : ما احترق لم يكن الله ليفعل ذلك لكلمات سمعتهن من رسول الله ﷺ من قالها أول النهار لم تصبه مصيبة حتى يمسي ومن قالها آخر النهار لم تصبه مصيبة حتى يصبح : [ اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم اعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة ربي آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ]
الفصل الثاني في أذكار النوم وفي الصحيحين عن حذيفة قال : كان رسول الله ﷺ إذا أراد أن ينام قال : [ باسمك اللهم أموت وأحيا ] وإذا استيقظ من منامه قال : [ الحمد لله الذي أماتنا بعد ما أحيانا وإليه النشور ] وفي الصحيحين أيضا عن عائشة [ أن النبي ﷺ كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما { قل هو الله أحد } و { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات ] وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة أنه أتاه آت يحثو من الصدقة وكان قد جعله النبي ﷺ ليلة بعد ليلة فلما كان في الليلة الثالثة قال : لأرفعنك إلى رسول الله ﷺ قال : دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بهن ـ وكان أحرص شيء على الخير ـ فقال : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } حتى ختمها فإنه لا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فقال النبي ﷺ : [ صدقك وهو كذوب ] وقد روى الإمام أحمد نحو هذه القصة في مسنده أنها جرت لأبي الدرداء ورواها الطبراني في معجمه أنها جرت لأبي بن كعب وفي الصحيحين عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي ﷺ قال : [ من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة كفتاه ] الصحيح أن معناه كفتاه من شر ما يؤذيه قيل كفتاه من قيام الليل وليس بشيء قال علي بن أبي طالب : ما كنت أرى أحدا يغفل قبل أن يقرأ الآيات الثلاث والأواخر من سورة البقرة وفي الصحيحين عن أبي عريرة أن رسول الله ﷺ قال : [ إذا قام أحدكم عن فراشه ثم رجع إليه فلينفضه بصنفة إزاره ثلاث مرات فإنه لا يدري ما خلفه عليه بعده وإذا اضطجع فليقل : باسمك اللهم وضعت جنبي وبك أرفعه فإن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ] وفي الصحيحين عنه عن النبي ﷺ [ إذا استيقظ أحدكم فليقل : الحمد لله الذي عافاني في جسدي ورد علي روحي وأذن لي بذكره ] وقد تقدم حديث علي ووصية النبي ﷺ له ولفاطمة رضي الله تعالى عنهما أن يسبحا إذا أخذا مضاجعهما للنوم ثلاثا وثلاثين ويحمدا ثلاثا وثلاثين ويكبرا أربعا وثلاثين وقال : [ هو خير لكما من خادم ] قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه : بلغنا أنه من حافظ على هذه الكلمات لم يأخذه إعياء فيما يعانيه من شغل ومن غيره وفي سنن أبي داود عن حفصة أم المؤمنين أن النبي ﷺ كان إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خده ثم يقول : [ اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك ] ثلاث مرات قال الترمذي : حديث حسن وفي صحيح مسلم عن أنس أن النبي ﷺ كان إذا أوى إلى فراشه قال : [ الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي ] وفي صحيحه أيضا عن ابن عمر أمر رجلا إذا أخذ مضجعه أن يقول [ اللهم أنت خلقت نفسي وأنت تتوفاها لك مماتها ومحياها وإن أحييتها فاحفظها وإن أمتها فاغفر لها اللهم إني أسألك العافية ] قال ابن عمر : سمعتهن من رسول الله ﷺ وفي الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ﷺ : [ من قال حين يأوي إلى فراشه : أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه - ثلاث مرات - غفر الله ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر وإن كانت عدد رمل عالج وإن كانت عدد أيام الدنيا ] وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي ﷺ كان إذا أوى إلى فراشه قال : [ اللهم رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى منزل التوراة والإنجيل والفرقان أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته أنت الأول وليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر ] وفي الصحيحين عن البراء بن عازب قال : قال لي رسول الله ﷺ : [ إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل : اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فإن مت مت على الفطرة واجعلهن آخر ما تقول ]
الفصل الثالث في أذكار الانتباه من النوم روى البخاري في صحيحه عن عبادة بن الصامت عن النبي ﷺ قال : [ من تعار من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال : اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له فإن توضأ وصلى قبلت صلاته ] وفي الترمذي عن أبي أمامة قال : سمعت رسول اله ﷺ يقول : [ من أوى إلى فراشه طاهرا وذكر الله تعالى حتى يدركه النعاس لم ينقلب ساعة من الليل يسأل الله تعالى فيها خيرا إلا أعطاه إياه ] حديث حسن وفي سنن أبي داود عن عائشة أن الرسول ﷺ كان إذا استيقظ من الليل قال : [ لا إله إلا أنت سبحانك اللهم أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك اللهم زدني علما ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ]
الفصل الرابع في أذكار الفزع في النوم والفكر روى الترمذي عن بريدة قال : شكا خالد بن الوليد إلى النبي ﷺ فقال : يا رسول الله ما أنام الليل من الأرق فقال النبي ﷺ [ إذا أويت إلى فراشك فقل : اللهم رب السموات السبع وما أظلت ورب الأرضين وما أقلت ورب الشياطين وما أضلت كن لي جارا من شر خلقك كلهم جميعا أن يفرط علي أحد منهم أو أن يطغي علي تعالى ثناؤك ولا إله غيرك ولا إله إلا أنت ] وفي الترمذي عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله ﷺ كان يعلمهم من الفزع كلمات [ أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وشر عباده ومن همزات الشياطين أن يحضرون ] وكان عبد الله بن عمرو يعلمهن من عقل من بنيه ومن لم يعقل كتبه وعقله عليه
الفصل الخامس في أذكار من رأى رؤيا يكرهها أو يحبها في الصحيحين عن أبي قتادة قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : [ الرؤيا من الله والحلم من الشيطان فإذا رأى أحدكم الشيء يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات إذا استيقظ وليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره إن شاء الله ] قال أبو قتادة : كنت أرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت رسول الله ﷺ يقول : [ الرؤيا الصالحة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب وإذا رأى ما يكرهه فلا يحدث به وليتفل عن يساره وليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومن شر ما رأى فإنها لا تضره ] وفي صحيح مسلم عن جابر عن رسول الله ﷺ قال : [ إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاث مرات وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا وليتحول عن جنبه الذي كان عليه ] ويذكر عن النبي ﷺ أن رجلا قص عليه رؤيا فقال : [ خيرا رأيت وخيرا يكون ] وفي رواية [ خيرا تلقاه وشرا توقاه خيرا لنا وشرا على أعدائنا ] والحمد لله رب العالمين
الفصل السادس في أذكار الخروج من المنزل في السنن عن أنس قال : قال رسول الله ﷺ : [ من قال - يعني إذا خرج من بيته - بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله يقال له : كفيت ووقيت وهديت وتنحى عنه الشيطان فيقول لشيطان آخر : كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي ] وفي مسند الإمام أحمد [ بسم الله آمنت بالله اعتصمت بالله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ] حديث حسن وفي السنن الأربع عن أم سلمة قالت : ما خرج رسول الله ﷺ من بيتي إلا رفع طرفه إلى السماء فقال : [ اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي ] قال الترمذي : حديث حسن صحيح
الفصل السابع في أذكار دخول المنزل وفي صحيح مسلم عن جابر قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : [ إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله قال الشيطان : أدركتم المبيت فإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه قال : أدركتم المبيت والعشاء ] وفي سنن أبي داود عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله ﷺ : [ إذا ولج الرجل بيته فليقل : اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج بسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا ثم ليسلم على أهله ] وفي الترمذي عن أنس قال لي رسول الله ﷺ : [ يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم تكن بركة عليك وعلى أهل بيتك ] وقال الترمذي : حديث حسن صحيح
الفصل الثامن في أذكار دخول المسجد والخروج منه في صحيح مسلم عن أبي حميد - أو أبي أسيد - قال : قال رسول الله ﷺ : [ إذا دخل أحدكم إلى مسجد فليسلم على النبي ﷺ وليقل : اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل : اللهم إني أسألك من فضلك ] وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ أنه إذا دخل المسجد قال : [ أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم ] فإذا قال ذلك قال الشيطان : حفظ مني سائر اليوم
الفصل التاسع في أذكار الأذان في الصحيحين عن أبي سعيد قال : قال رسول الله ﷺ : [ إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن ] وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أنه سمع رسول الله ﷺ يقول : [ إذا سمعتم المؤذن فقولو مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ] وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله ﷺ : [ إذا قال المؤذن : الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله فقال أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال أشهد أن محمدا رسول الله فقال أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال الله أكبر الله أكبر قال الله أكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله قال لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة ] وفي صحيح البخاري عن جابر أن رسول الله ﷺ قال [ من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة ] وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو قال : يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا فقال رسول الله ﷺ [ قل كما يقولون فإذا انتهيت فسل تعطه ] وفي الترمذي عن أنس قال : [ قال رسول الله ﷺ الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة قالوا : فماذا نقول يا رسول الله ؟ قال : سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة ] قال الترمذي : حديث حسن صحيح وفي سنن أبي داود عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله ﷺ : [ ثنتان لا تردان أو قلما تردان : الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضا ] وفي سنن أبي داود عن أم سلمة قالت : علمني رسول الله ﷺ أن أقول عند المغرب [ اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك وحضور صلواتك فاغفر لي ] وفي سنن أبي داود عن بعض أصحاب النبي ﷺ [ أن بلالا أخذ في الإقامة فلما أن قال قد قامت الصلاة قال النبي ﷺ أقامها الله وأدامها ] فهذه خمس سنن في الأذان : إجابته وقول رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد ﷺ رسولا وسؤال الله تعالى لرسوله ﷺ الوسيلة والفضيلة والصلاة عليه ﷺ والدعاء لنفسه ماشاء وعن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله ﷺ قال [ من قال حين يسمع المؤذن : وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد ﷺ رسولا غفر الله ذنوبه ]
الفصل العاشر في أذكار الاستفتاح وفي الصحيحين أن النبي ﷺ كان يقول في استفتاحه [ اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد ] وفي سنن أبي داود عن جبير بن مطعم أنه رأى رسول الله ﷺ يصلي صلاة قال [ الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا ( ثلاثا ) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه وهمزه ] قال : نفثه : الشعر ونفخه وهمزه الموتة وفي السنن الأربعة عن عائشة وأبي سعيد وغيرهما أن النبي ﷺ كان إذا استفتح الصلاة قال [ سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ] وهو في صحيح مسلم عن عمر موقوف عليه وفي صحيح مسلم عن ابن أبي طالب قال : كان رسول الله ﷺ إذا قام إلى الصلاة قال [ وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين : اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك أنا بك وإليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك ] وكان إذا ركع يقول في ركوعه [ اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي ] وإذا رفع رأسه من الركوع يقول [ سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد ] وإذا سجد يقول في سجوده [ اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين ] وكان آخر ما يقول بين التشهد والتسليم [ اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني إنك أنت المقدم والمؤخر لا إله إلا أنت ] وفي صحيح مسلم عن عائشة كان رسول الله ﷺ يفتح صلاته إذا قام من الليل [ اللهم رب جبريل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ] وفي الصحيحين عن ابن عباس قال : كان رسول الله ﷺ يقول إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل [ اللهم لك الحمد وأنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيام السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق وقولك الحق ولقاؤك الحق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت إلهي لا إله إلا أنت ]
الفصل الحادي عشر في ذكر الركوع والسجود والفصل بينهما وبين السجدتين في السنن الأربعة عن حذيفة رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله ﷺ يقول إذا ركع [ سبحان ربي العظيم ] ثلاث مرات وإذا سجد قال [ سبحان ربي الأعلى ] ثلاث مرات وفيه حديث علي رضي الله عنه وقد سبق بالفصل قبله بطوله وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله ﷺ يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده [ سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ] وفي صحيح مسلم عنها رضي الله عنها كان رسول الله ﷺ يقول في ركوعه وسجوده [ سبوح قدوس رب الملائكة والروح ] وفي سنن أبي داود عن عوف بن مالك رضي الله عنه أن النبي ﷺ كان يقول في ركوعه وسجوده [ سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ] وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : كان رسول الله ﷺ إذا رفع رأسه من الركوع قال [ اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد : لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ] وفي صحيح البخاري عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال : [ كنا نصلي يوما وراء النبي ﷺ فلما رفع رأسه من الركعة قال سمع الله لمن حمده فقال رجل من ورائه : ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه فلما انصرف قال من المتكلم ؟ قال : أما يا رسول الله قال لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول ] وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال : [ أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء ] وعنه رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ كان يقول في سجوده : [ اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وعلانيته وسره ] وقالت عائشة رضي الله عنها : افتقدت النبي ﷺ ذات ليلة فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد هما منصوبتان وهو يقول : [ اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيته على نفسك ] روى مسلم هذه الأحاديث وفي سنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : كان رسول الله ﷺ يقول بين السجدتين [ اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وعافني وارزقني ] وفي السنن أيضا عن حذيفة رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله ﷺ كان يقول بين السجدتين : [ رب اغفر لي رب اغفر لي ]
الفصل الثاني عشر في أدعية الصلاة بعد التشهد في الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ [ إذا فرغ أحدكم من التشهد فليتعوذ بالله من أربع : من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ] وفيهما أيضا عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ يدعو في الصلاة [ اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم ] فقال قائل : ما أكثر ما تستعيذ من المغرم ؟ فقال [ إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف ] وقد تقدم في الصحيحين أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال لرسول الله ﷺ : علمني دعاء أدعو به في صلاتي فقال [ قل : اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ] وفي صحيح مسلم من حديث علي رضي الله عنه في صفة صلاة رسول الله ﷺ وقد تقدم بطوله في الفصل العاشر وفي سنن أبي داود [ أن النبي ﷺ قال لرجل كيف تقول في الصلاة ؟ قال : أتشهد وأقول : اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ فقال النبي ﷺ حولها ندندن ] وفي المسند والسنن عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ كان يقول في صلاته [ اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم واستغقرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب ] وفي سنن النسائي أن عمار بن ياسر صلى صلاة ودعا بدعوات وقال : سمعتهن من رسول الله ﷺ [ اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني إذا علمت الحياة خيرا لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيما لا ينفد وأسألك قرة عين لا تنقطع وأسألك الرضا بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا مهتدين ]
الفصل الثالث عشر في الأذكار المشروعة بعد السلام وهو أدبار السجود وفي صحيح مسلم عن ثوبان رضي الله عنه قال : كان رسول الله ﷺ إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثا وقال [ اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ] وفي الصحيحين عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله ﷺ كان إذا فرغ من الصلاة قال : [ لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو عل كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ] وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما أن رسول اله ﷺ كان يهلل دبر كل صلاة حين يسلم بهؤلاء الكلمات [ لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ] وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال [ من سبح لله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وكبر الله ثلاثا وثلاثين وحمد الله ثلاثا وثلاثين وقال تمام المائة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر ] وفي السنن عن عبد الله بن عمر عن النبي ﷺ قال [ خصلتان - أو خلتان - لا يحافظ عليهما عبد مسلم إلا دخل الجنة هما يسير ومن يعمل بهما قليل : يسبح الله في دبر كل صلاة عشرا ويحمده عشرا ويكبره عشرا فذلك خمسون ومائة باللسان وألف وخمسمائة في الميزان ويكبر أربعا وثلاثين إذا أخذ مضجعه ويحمد ثلاثا وثلاثين ويسبح ثلاثا وثلاثين فذلك مائة باللسان وألف في الميزان ] قال : ولقد رأيت رسول الله ﷺ يعقدها بيده قالوا : يا رسول الله كيف هما يسير ومن يعمل بهما قليل ؟ قال يأتي أحدكم - يعني الشيطان - في منامه فينومه قبل أن يقولهما ويأتيه في صلاته فيذكره حاجته قبل أن يقولهما وفي السنن عن عقبة بن عامر قال : أمرني رسول الله ﷺ أن أقرأ بالمعوذتين دبر كل صلاة وفي النسائي الكبير عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ [ من قرأ آية الكرسي عقب كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت ] يعني : لم يكن بينه وبين دخول الجنة إلا الموت
الفصل الرابع عشر في ذكر التشهد في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال : علمني رسول الله ﷺ التشهد - وكفي بين كفيه - كما يعلمني السورة من القرآن [ التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ] وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال : كان رسول الله ﷺ يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن وكان يقول [ التحيات المباركات والصلوات والطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ] وفي صحيح مسلم عن أبي موسى أن النبي ﷺ علمهم التشهد [ التحيات الطيبات والصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ] وروى أبو داود عن عمر بن الخطاب عن رسول الله ﷺ في التشهد [ التحيات لله والصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ] وروى أبو داود عن سمرة بن جندب : أمرنا رسول الله ﷺ [ إذا كان في وسط الصلاة أو حين انقضائها فابدأوا قبل السلام فقولوا : التحيات والصلوات الملك لله ثم سلموا على اليمين ثم على قارئكم وعلى أنفسكم ] وذكر مالك في الموطأ أن عمر كان يعلم الناس التشهد وهو على المنبر يقول : قولوا التحيات لله الزاكيات لله الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فأي تشهد أتي به من هذه التشهدات أجزأه وذهب الإمام أحمد وأبو حنيفة إلى تشهد ابن مسعود وذهب الشافعي إلى تشهد ابن عباس وذهب مالك إلى تشهد عمر رضي الله عنه والكل كاف يجزئ
الفصل الخامس عشر في ذكر الصلاة على النبي ﷺ في الصحيحين عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول الله ﷺ فقلنا : قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك ؟ قال : [ قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد ] وفي الصحيحين أيضا عن أبي حميد الساعدي أنهم قالوا : يا رسول الله كيف نصلي عليك ؟ قال : [ قولوا : اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ] وفي صحيح مسلم عن أبي مسعود الأنصاري قال : أتانا رسول الله ﷺ ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد : أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله كيف نصلي عليك ؟ قال فسكت رسول الله ﷺ حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال رسول الله ﷺ [ قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم ] وذكر ابن ماجه في سننه عن عبد الله بن مسعود قال : إذا صليتم على رسول الله ﷺ فأحسنوا الصلاة فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه قال فقالوا له : فعلمنا قال قولوا : اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك إمام الخير ورسول الرحمة اللهم ابعثه مقاما يغبطه به الأولون اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد
الفصل السادس عشر في الاستخارة في صحيح البخاري عن جابر قال : كان رسول اله ﷺ يعلمنا الاستخارة في الأمر كما يعلمنا السورة من القرآن إذا هم أحكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل : [ اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر - ويسمي حاجته - خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به ] وفي مسند الإمام أحمد من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي ﷺ أنه قال : [ من سعادة ابن آدم استخارة الله ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله ومن شقوة ابن آدم تركه استخارة الله ومن شقوة ابن آدم سخطه بما قضى الله ] وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه يقول : ما ندم من استخار الخالق وشاور المخلوقين وثبت في أمره وقد قال سبحانه وتعالى : { وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله } وقال قتادة : ما تشاور قوم يبتغون وجه الله إلا هدوا إلى أرشد أمرهم
الفصل السابع عشر في أذكار الكرب والغم والحزن والهم وفي الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ كان يقول عند الكرب [ لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم ] وفي الترمذي عن أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ كان إذا حز به أمر قال [ يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ] وفيه أيضا عن أبي هريرة أن النبي ﷺ كان إذا أهمه الأمر رفع رأسه إلى السماء فقال [ سبحان الله العظيم ] وإذا اجتهد في الدعاء قال [ يا حي يا قيوم ] وفي سنن أبي داود عن أبي بكرة أن رسول الله ﷺ قال [ دعوات المكروب : اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت ] وفي السنن أيضا عن أسماء بنت عميس قالت : قال رسول الله ﷺ [ ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب - أو في الكرب - الله الله ربي لا أشرك به شيئا ] وفي رواية أنها تقال سبع مرات وفي الترمذي عن سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله ﷺ [ دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجيب له ] وفي رواية [ إني لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلا فرج الله عنه كلمة أخي يونس عليه السلام ] وفي مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان عن عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ قال [ ما أصاب عبدا هم ولا حزن فقال : اللهم إني عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور بصري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحا ]
الفصل الثامن عشر في الأذكار الجالبة للرزق الدافع للضيق والأذى قال الله سبحانه وتعالى عن نبيه نوح ﷺ : { فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا } وفي بعض المسانيد عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال : [ من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب ] وذكر أبو عمر عن عبد البر في ( التمهيد ) له حديثا مرفوعا إلى النبي ﷺ [ من قرأ سورة الواقعة كل يوم لم تصبه فاقة أبدا ]
الفصل التاسع عشر في الذكر عند لقاء العدو ومن يخاف سلطانا وغيره في سنن أبي داود والنسائي عن أبي موسى أن النبي ﷺ كان إذا خاف قوما قال [ اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم ] ويذكر عن النبي ﷺ أنه كان يقول عند لقاء العدو [ اللهم أنت عضدي وأنت ناصري وبك أقاتل ] وعنه ﷺ أنه كان في غزوة فقال [ يا مالك يوم الدين إياك أعبد وإياك أستعين ] قال أنس فلقد رأيت الرجال تصرعها الملائكة من بين يديها ومن خلفها وعن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ [ إذا خفت سلطانا أو غيره فقل : لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم لا إله إلا أنت عز جارك وجل ثناؤك ] وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال : [ حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم ﷺ حين ألقي في النار وقالها محمد ﷺ حين قال له الناس { إن الناس قد جمعوا لكم } ]
الفصل العشرون في الأذكار التي تطرد الشيطان قد تقدم أن من قرأ آية الكرسي عند نومه لم يقربه شيطان وأن من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة كفتاه ومن قال في يوم مائة مرة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كانت له حرزا من الشيطان يومه كله وقد قال تعالى : { وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين * وأعوذ بك رب أن يحضرون } وكان النبي ﷺ يقول [ أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ] وقال سبحانه وتعالى : { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم } وهو الأذان يطرد الشيطان كما تقدم وعن زيد بن أسلم أنه ولي معادن فذكروا كثرة الجن فأمرهم أن يؤذنوا كل وقت ويكثروا من ذلك فلم يكونوا يرون بعد ذلك شيئا وفي صحيح مسلم عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله إن الشيطان حال بيني وبين صلاتي وبين قراءتي يلبسها علي فقال رسول الله ﷺ [ ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا ] ففعلت ذلك فأذهبه الله تعالى عني وأمر ابن عباس رجلا وجد في نفسه شيئا من الوسوسة والشك أن يقرأ { هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم } ومن أعظم ما يندفع به شره قراءة المعوذتين وأول الصافات وآخر الحشر
الفصل الحادي والعشرون في الذكر الذي تحفظ به النعم وما يقال عند تجردها قال الله سبحانه وتعالى في قصة الرجلين { ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله } فينبغي لمن دخل بستانه أو داره أو رأى في ماله وأهله ما يعجبه أن يبادر إلى هذه الكلمة فإنه لا يرى فيه سوءا وعن أنس قال : قال رسول الله ﷺ [ ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل ومال وولد فقال { ما شاء الله لا قوة إلا بالله } فيرى فيه آفة دون الموت ] وعنه ﷺ أنه كان إذا رأى ما يسره قال [ الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وإذا رأى ما يسوءه قال الحمد لله على كل حال ]
الفصل الثاني والعشرون في الذكر عند المصيبة قال الله تعالى : { وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } ويذكر عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ [ ليسترجع أحدكم في كل شيء حتى في شسع نعله فإنها من المصائب ] وقالت أم سلمة : سمعت رسول الله ﷺ يقول [ ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا آجره الله تعالى في مصيبته وأخلف له خيرا منها ] قالت : فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله ﷺ فأخلف الله لي خيرا منه رسول الله ﷺ وروي أيضا عنها رضي الله عنها قالت : [ دخل رسول الله ﷺ على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال إن الروح إذا قبض تبعه البصر فضج ناس من أهله فقال : لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ثم قال اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين وأخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه ]
الفصل الثالث والعشرون في الذكر الذي يدفع به الدين ويرجى قضاؤه في الترمذي عن علي رضي الله عنه أن مكاتبا جاءه فقال : إني عجزت عن كتابتي فأعني فقال : ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله ﷺ لو كان عليك مثل جبل أحد دينا إلا أداه الله عنك قل [ اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك ] قال الترمذي : حديث حسن
الفصل الرابع والعشرون في الذكر الذي يرقى به من اللسعة واللدغة وغيرهما في صحيح البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : كان رسول الله ﷺ يعوذ الحسن والحسين رضي الله عنهما ويقول [ إن أباكما إبراهيم كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق : أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامه ومن كل عين لامة ] وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلا من أصحاب النبي ﷺ رقى لديغا بفاتحة الكتاب فجعل يتفل عليه ويقرأ { الحمد لله رب العالمين } فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قلبه الحديث وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ كان إذا اشتكى الإنسان الشيء أو كانت قرحة به أو جرح قال النبي ﷺ بأصبعه هكذا - ووضع سفيان بن عيينة إصبعه بالأرض ثم رفعها - وقال : [ بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفي به سقيمنا بإذن ربنا ] وفي الصحيحين أيضا عنها رضي الله عنه أن النبي ﷺ كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول [ اللهم رب الناس أذهب الباس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما ] وفي صحيح مسلم عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه شكا إلى رسول الله ﷺ وجعا يجده في جسده منذ أسلم فقال النبي ﷺ [ ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل : بسم الله - ثلاثا - وقل سبع مرات : أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وما أحاذر ] وفي السنن عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال [ من عاد مريضا لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات : أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ويعافيك إلا عافاه الله تعالى ] وفي سنن أبي داود والنسائي عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول [ من اشتكى منكم أو اشتكى أخ له فليقل : ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض اغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين أنزل رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع ] فيبرأ
الفصل الخامس والعشرون في ذكر دخول المقابر في صحيح مسلم عن بريدة قال : كان رسول الله ﷺ يعلمهم إذا خرجوا من المقابر أن يقول قائلهم [ السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية ] وفي سنن ابن ماجة عن عائشة أنها فقدت النبي ﷺ فإذا هو بالبقيع فقال [ السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم لنا فرط وإنا بكم لاحقون اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم ]
الفصل السادس والعشرون في ذكر الاستسقاء قال تعالى : { استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا } عن جابر بن عبد الله قال : أتت النبي ﷺ بواك فقال : [ اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل ] فأطبقت عليهم السماء وعن عائشة : شكا الناس إلى رسول الله ﷺ قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المعلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه فخرج رسول الله ﷺ حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله تعالى ثم قال [ إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم وقد أمركم الله سبحانه وتعالى أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم ] ثم قال [ الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لا إله إلا الله يفعل ما يريد اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغا إلى حين ] ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ثم حول إلى الناس ظهره وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه ثم أقبل على الناس فنزل فصلى ركعتين فأنشأ الله تعالى سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله تعالى فلم يأت مسجده حتى سالت السيول فلما رأى سرعتهم إلى السكن ضحك النبي ﷺ حتى بدت نواجذه وقال [ أشهد أن الله على كل شيء قدير وأني عبد الله ورسوله ] وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو : كان رسول الله ﷺ إذا استسقى قال [ اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت ] قال الشعبي : خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار فقالوا : ما رأيناك استسقيت فقال : لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي يستنزلون بها المطر ثم قرأ { استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا } { وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى } الآية
الفصل السابع والعشرون في أذكار الرياح إذا هاجت قال أبو هريرة : سمعت رسول الله ﷺ يقول [ الريح من روح الله تعالى تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب فإذا رأيتموها فلا تسبوها واسألوا الله من خيرها واستعيذوا بالله من شرها ] رواه أبو داود وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت : كان النبي ﷺ إذا عصفت الريح قال [ اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت به ] وفي سنن أبي داود عن عائشة أيضا رضي الله عنها أن النبي ﷺ كان إذا رأى ناشئا في أفق السماء ترك العمل - وإن في صلاة - ثم يقول [ اللهم إني أعوذ بك من شرها ] فإن أمطرت قال [ اللهم صيبا هنيئا ]
الفصل الثامن والعشرون في الذكر عند الرعد كان عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما إذا سمع الرعد ترك الحديث فقال : [ سبحان الذي { يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته } ] وعن كعب أنه قال : [ من قال ذلك ثلاثا عوفي من ذلك الرعد ] وفي الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله ﷺ كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق قال [ اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك ]
الفصل التاسع والعشرون في الذكر عند نزول الغيث في الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني قال : [ صلى بنا رسول الله ﷺ صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب وأما من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكواكب ] وقد قيل : إن الدعاء عند نزول الغيث مستجاب وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ كان إذا رأى المطر قال [ صيبا نافعا ] وفي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال : [ أصابنا ونحن مع رسول الله ﷺ مطر فحسر رسول الله ﷺ ثوبه حتى أصابه المطر فقلنا : يا رسول الله لم صنعت هذا ؟ قال لأنه حديث عهد بربه ]
الفصل الثلاثون في الذكر والدعاء عند زيادة المطر وكثرة المياه والخوف منها وفي الصحيحين عن أنس قال : [ دخل رجل المسجد يوم جمعة ورسول الله ﷺ قائم يخطب الناس فقال : يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا فرفع رسول الله ﷺ يديه ثم قال اللهم أغثنا اللهم أغثنا قال أنس : والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من بنيان ولا دار فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت فلا والله ما رأينا الشمس ستا ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله ﷺ قائم يخطب فاستقبله قائما فقال : يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها عنا فرفع رسول الله ﷺ يديه ثم قال اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر ] قال : فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس
الفصل الحادي والثلاثون في الذكر عند رؤية الهلال عن عبد الله بن عمر قال : كان رسول الله ﷺ إذا رأى الهلال قال [ الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى ربنا وربك الله ] وفي سنن أبي داود عن قتادة أنه بلغه أن نبي الله ﷺ كان إذا رأى الهلال قال [ هلال خير ورشد هلال خير ورشد آمنت بالله الذي خلقك ] ثلاث مرات ثم يقول [ الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا ]
الفصل الثاني والثلاثون في الذكر للصائم وعند فطره عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ [ ثلاثة لا ترد دعوتهم : الصائم حين يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم ] رواه الترمذي وقال : حديث حسن وروى ابن ماجة عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عمر : سمعت رسول الله ﷺ يقول [ إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد ] قال ابن أبي مليكة : سمعت عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما إذا أفطر يقول : اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي ويذكر عن النبي ﷺ أنه كان إذا أفطر قال [ اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ] ومن وجه آخر [ اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبل منا إنك أنت السميع العليم ]
الفصل الثالث والثلاثون في أذكار السفر روى الطبراني عن النبي ﷺ أنه قال [ ما خلف أحد عند أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد سفرا ] وفي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي ﷺ أنه قال [ من أراد سفرا فليقل لمن يخلف : أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ] وفي المسند أيضا عن عمر عن النبي ﷺ قال [ إن الله إذا استودع شيئا حفظه ] وقال سالم : كان ابن عمر يقول للرجل إذا أراد سفرا : أدن مني أودعك كما كان رسول الله ﷺ يودعنا فيقول [ أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ] ومن وجه آخر كان النبي ﷺ إذا ودع رجلا أخذ بيده فلا يدعها حتى يكون الرجل هو الذي يدع النبي ﷺ وذكر تمام الحديث قال الترمذي : حديث حسن صحيح وقال أنس رضي الله عنه : [ جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال : يا رسول الله أريد سفرا فزودني فقال : زودك الله التقوى قال زدني قال وغفر ذنبك قال زدني قال ويسر لك الخير حيث ما كنت ] قال الترمذي : حديث حسن وعن أبي هريرة أن رجلا قال : يا رسول الله إني أريد أن أسافر فأوصني قال [ عليك بتقوى الله تعالى والتكبير على كل شرف ] فلما ولى الرجل قال : [ اللهم اطو له البعد وهون عليه السفر ] قال الترمذي : حديث حسن
الفصل الرابع والثلاثون في ركوب الدابة والذكر عنده قال علي بن ربيعة : شهدت عليا بن أبي طالب رضي الله عنه أتي بدابة ليركبها فلما وضع رجله في الركاب قال : بسم الله فلما استوى على ظهرها قال : الحمد لله ثم قال { سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون } ثم قال : الحمد لله ثلاث مرات ثم قال : الله أكبر ثلاث مرات ثم قال : سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ثم ضحك فقيل : يا أمير المؤمنين من أي شيء ضحكت ؟ فقال : رأيت النبي ﷺ فعل كما فعلت ثم ضحك فقلت : يا رسول الله من أي شيء ضحكت ؟ فقال [ إن ربك سبحانه وتعالى يعجب من عبده إذا قال : اغفر لي ذنوبي يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري ] رواه أهل السنن وصححه الترمذي وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبر ثلاثا ثم قال [ { سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون } اللهم نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل ] وإذا رجع قالهن وزاد فيهن [ آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ] وفي وجه آخر : [ وكان رسول الله ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم إذا علوا الثنايا كبروا وإذا هبطوا سبحوا ]
الفصل الخامس والثلاثون في ذكر الرجوع من السفر قال عبد الله بن عمر : كان رسول الله ﷺ إذا قفل من غزو أو حج أو اعتمر يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث مرات ثم يقول [ لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده وهزم الأحزاب وحده ] رواه البخاري ومسلم
الفصل السادس والثلاثون في الذكر على الدابة إذا استصعبت قال يونس بن عبيد : ليس رجل يكون على دابة صعبة فيقول في أذنها { أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون } إلا وقفت بإذن الله تعالى قال شيخنا قدس الله روحه : وقد فعلنا ذلك فكان كذلك
الفصل السابع والثلاثون في الدابة إذا انفلتت وما يذكر عند ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال [ إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد : يا عباد الله احبسوا فإن لله تعالى حاضرا سيحبسه ]
الفصل الثامن والثلاثون في الذكر عند القرية أو البلدة إذا أراد دخولها عن صهيب رضي الله عنه أن النبي ﷺ لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها [ اللهم رب السموات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما ذرين أسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها ] رواه النسائي
الفصل التاسع والثلاثون في ذكر المنزل يريد نزوله قالت خولة بنت حكيم رضي الله عنها : سمعت رسول الله ﷺ يقول [ من نزل منزلا ثم قال : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره حتى يرتحل من منزله ذلك ] رواه مسلم وعن عبد الله بن عمر قال : [ كان رسول الله ﷺ إذا سافر فأقبل الليل قال يا أرض ربي وربك الله أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما خلق فيك وشر ما يدب عليك وأعوذ بالله من أسد وأسود ومن الحية والعقرب ومن ساكن البلد ومن والد وما ولد ] رواه أبو داود
الفصل الأربعون في ذكر الطعام والشراب قال سبحانه وتعالى { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون } وقال عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه : قال لي رسول الله ﷺ [ يا بني سم الله تعالى وكل بيمينك وكل مما يليك ] متفق عليه وقالت عائشة رضي الله عنها : قال رسول الله ﷺ [ إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى في أوله فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل : بسم الله أوله وآخره ] قال الترمذي : حديث حسن صحيح وقال أمية بن مخشى رضي الله عنه : كان رسول الله ﷺ جالسا ورجل يأكل فلم يسم حتى لم يبق من طعامه إلا لقيمة فلما رفعها إلى فيه قال : بسم الله أوله وآخره فضحك النبي ﷺ ثم قال [ ما زال الشيطان يأكل معه فلما ذكر اسم الله تعالى استقاء ما في بطنه ] رواه أبو داود وقال رسول الله ﷺ [ إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها ] رواه مسلم في صحيحه من حديث أنس رضي الله عنه وقال أبو هريرة : [ ما عاب رسول الله ﷺ طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه ] متفق عليه وعن وحشي أن أناسا قالوا : يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع قال ولعلكم تفترقون ؟ قالوا : نعم قال [ فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله تعالى يبارك لكم فيه ] رواه أبو داود وعن معاذ رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ [ من أكل أو شرب فقال : الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه ] قال الترمذي حديث حسن وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي ﷺ كان إذا فرغ من طعامه قال [ الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين ] رواه أبو داود والترمذي وذكر النسائي عن رجل خدم النبي ﷺ [ أنه كان يسمع النبي ﷺ إذا قرب إليه طعامه يقول بسم الله وإذا فرغ من طعامه قال اللهم أطعمت وسقيت وأغنيت وأقنيت وهديت واجتبيت فلك الحمد على ما أعطيت ] وفي صحيح البخاري عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي ﷺ كان إذا رفع مائدته قال [ الحمد لله كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغني عنه ربنا ]
الفصل الحادي والأربعون في ذكر الضيف إذا نزل بقوم عن عبد الله بن بسر قال : [ نزل رسول الله ﷺ على أبي فقربنا إليه طعاما ووطبة فأكل منها ثم أتي بتمر فكان يأكله ويلقي النوى بين أصبعيه ويجمع السبابة والوسطى ] قال شعبة : هو ظني وهو فيه إن شاء الله إلقاء النوى ثم أتي بشراب فشربه ثم ناوله الذي عن يمينه قال فقال أبي - وأخذ بلجام دابته - : ادع الله تعالى لنا فقال [ اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم ] رواه مسلم وعن أنس أن النبي ﷺ جاء إلى سعد بن عبادة فجاء بخبز وبزيت فأكل ثم قال النبي ﷺ : [ أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة ] رواه أبو داود وعن جابر قال : صنع أبو الهيثم بن التيهان للنبي ﷺ طعاما فدعا النبي ﷺ وأصحابه فلما فرغوا قال أثيبوا أخاكم قالوا يا رسول الله وما إثابته ؟ قال [ إن الرجل إذا دخل بيته فأكل طعامه وشرابه فادعوا له فذلك إثابته ] رواه أبو داود
الفصل الثاني والأربعون في السلام عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا سأل رسول الله ﷺ : أي الإسلام خير ؟ قال [ تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ] متفق عليه وقال أبو هريرة : قال رسول الله ﷺ [ لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم ] رواه أبو داود وقال عمار بن ياسر رضي الله عنهما : ثلاث من جمعهن جمع الإيمان الإنصاف من نفسك وبذل السلام للعالم والإنفاق من الإقتار ذكره البخاري وقال عمران بن حصين : [ جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال : السلام عليكم فرد عليه ثم جلس فقال النبي ﷺ عشر ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه فجلس فقال عشرون ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد عليه فجلس فقال ثلاثون ] قال الترمذي : حديث حسن وعن أبي أمامة قال : قال رسول الله ﷺ [ إن أولى الناس بالله من بدأ بالسلام ] قال الترمذي حديث حسن وخرج أبو داود عن علي رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال [ يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم ] وقال أنس : مر النبي ﷺ على صبيان يلعبون فسلم عليهم [ حديث صحيح وقال أبو هريرة : قال رسول الله ﷺ ] إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم فإذا أراد أن يقوم فليسلم فليست الأولى بأحق من الآخرة
الفصل الثالث والأربعون في الذكر عند العطاس قال أبو هريرة عن النبي ﷺ [ إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان على كل من سمعه أن يقول : يرحمك الله وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك الشيطان منه ] رواه البخاري وعنه أيضا عن النبي ﷺ قال [ إذا عطس أحدكم فليقل : الحمد لله وليقل له أخوه أو صاحبه : يرحمك الله فإذا قال : يرحمك الله فليقل : يهديكم الله ويصلح بالكم ] رواه البخاري وفي لفظ أبي داود [ الحمد لله على كل حال ] وقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه : سمعت رسول الله ﷺ يقول [ إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه ]
الفصل الرابع والأربعون في ذكر النكاح والتهنئة به وذكر الدخول بالزوجة قال ابن مسعود : علمنا رسول الله ﷺ خطبة الحاجة [ الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ] وفي رواية زيادة : [ أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } * { واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } * { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما } ] رواه أهل السنن الأربعة وقال الترمذي : حديث حسن وعن أبي هريرة أن النبي ﷺ كان إذا رفأ الإنسان إذا تزوج قال [ بارك الله لك وبارك عليكما وجمع بينكما في خير ] حديث حسن صحيح وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ قال [ إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترة خادما فليقل : اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك ] رواه أبو داود وفي الصحيحين عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال [ إن أحدكم إذا أتى أهله قال : بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فقضى بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدا ]
الفصل الخامس والأربعون في الذكر عند الولادة والذكر المتعلق بالولد يذكر أن فاطمة رضي الله عنها لما دنا ولادها أمر النبي ﷺ أم سلمة وزينب بنت جحش أن تأتيا فتقرأ عليها آية الكرسي و { إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض } إلى آخر الآيتين وتعوذانها بالمعوذتين وقال أبو رافع : رأيت رسول الله ﷺ أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة قال الترمذي : حديث حسن صحيح ويذكر عن الحسين بن علي قال : قال رسول الله ﷺ [ من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى لم تضره أم الصبيان ] وقالت عائشة : [ كان النبي ﷺ يؤتى بالصبيان فيدعو لهم بالبركة ويحنكهم ] رواه أبو داود وقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما بالصبيان : [ إن النبي ﷺ أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق ] قال الترمذي : حديث حسن وقد سمى النبي ﷺ ابنه إبراهيم وإبراهيم بن أبي موسى وعبد الله بن أبي طلحة والمنذر بن أسيد قريبا من ولادتهم وعن أبي الدرداء قال : قال رسول الله ﷺ [ إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم فأحسنوا أسماءكم ] ذكره أبو داود وذكر مسلم عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله ﷺ [ إن أحب أسمائكم إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن ] وعن أبي وهب الجشمي رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ [ تسموا بأسماء الأنبياء وإن أحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة ] رواه أبو داود والنسائي وغير النبي ﷺ الأسماء المكروهة إلى أسماء حسنة فغير اسم برة إلى زينب وغير اسم حزن إلى سهل وغير اسم عاصية فسماها جميلة وغير اسم أصرم إلى زرعة وسمى حربا سلما وسمى المضطجع المنبعث وسمى أرضا يقال لها عفرة خضرة وشعب الضلالة سماه شعب الهدى وبنو الزينة سماهم بني الرشدة
الفصل السادس والأربعون في صياح الديكة والنهيق والنباح في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال [ إذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا وإذا سمعتم صياح الديكة فسلوا الله من فضله فإنها رأت ملكا ] وفي سنن أبي داود عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ [ إذا سمعتم نباح الكلاب ونهيق الحمير بالليل فتعوذوا بالله منهن فإنهن يرين ما لاترون ] رواه أبو داود
الفصل السابع والأربعون في الذكر يطفأ به الحريق يذكر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : [ إذا رأيتم الحريق فكبروا فإن التكبير يطفئه ]
الفصل الثامن والأربعون في كفارة المجلس عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ [ من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا كفر الله له ما كان في مجلسه ذلك ] قال الترمذي حديث حسن صحيح وفي حديث آخر أنه إن كان في مجلس خير كان كالطابع له وإن كان في مجلس تخليط كان كفارة له وفي السنن عن أبي هريرة عن النبي ﷺ [ ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة ] وعن ابن عمر قال : قلما كان رسول الله ﷺ يقوم من مجلس حتى يدعوا بهؤلاء الكلمات لأصحابه [ اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مضار الدنيا اللهم أمتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا ] قال الترمذي حديث حسن
الفصل التاسع والأربعون فيما يقال ويفعل عند الغضب قال الله سبحانه وتعالى : { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم } وقال سليمان بن صرد : كنت جالسا مع النبي ﷺ ورجلان يستبان أحدهما قد احمر وجهه وانتفخت أوداجه فقال النبي ﷺ [ إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ] متفق عليه وعن عطية بن عروة قال : قال رسول الله ﷺ [ إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ] رواه أبو داود وفي حديث آخر أنه [ أمر من غضب إن كان قائما أن يجلس وإن كان جالسا أن يضطجع ]
الفصل الخمسون فيما يقال عند رؤية أهل البلاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال [ من رأى مبتلي فقال : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا لم يصبه ذلك البلاء ] وقال الترمذي : حديث حسن
الفصل الحادي والخمسون في الذكر عند دخول السوق عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ [ من دخل السوق فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة ] رواه الترمذي وعن بريدة رضي الله عنه قال : كان رسول الله ﷺ إذا دخل السوق قال [ بسم الله اللهم إني أسألك خير هذه السوق وخير ما فيها وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها اللهم إني أعوذ بك أن أصيب بها يمينا فاجرة أو صفقة خاسرة ]
الفصل الثاني والخمسون في الرجل إذا خدرت رجله عن الهيثم بن حنش قال : كنا عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فخدرت رجله فقال له رجل : اذكر أحب الناس إليك فذكر محمدا فكأنما نشط من عقال وعن مجاهد رحمه الله قال : خدرت رجل رجل عند ابن عباس رضي الله عنهما فقال : اذكر أحب الناس إليك فقال : محمد ﷺ فذهب خدره
الفصل الثالث والخمسون في الدابة إذا عثرت عن أبي المليح عن رجل قال : كنت رديف النبي ﷺ فعثرت دابته فقلت : تعس الشيطان فقال : [ لا تقل تعس الشيطان فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت ولكن قل : بسم الله فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب ]
الفصل الرابع والخمسون في من أهدى هدية أو تصدق بصدقة فدعا له ماذا يقول ؟ عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : [ أهديت لرسول الله ﷺ شاة فقال : اقتسميها وكانت عائشة رضي الله عنها إذا رجعت الخادم تقول : ما قالوا ؟ تقول الخادم قالوا : بارك الله فيكم تقول عائشة رضي الله عنها : وفيهم بارك الله نرد عليهم مثل ما قالوا ويبقى أجرنا لنا ] وقد روي عنها في الصدقة مثل ذلك
الفصل الخامس والخمسون فيمن أميط عنه أذى عن أبي أيوب رضي الله عنه أنه تناول من لحية رسول الله ﷺ أذى فقال رسول الله ﷺ [ مسح الله عنك يا أبا أيوب ما تكره ] وفي لفظ آخر [ لا يكن بك السوء يا أبا أيوب ] وعن عمر رضي الله عنه : أنه أخذ عن رجل شيئا فقال الرجل : صرف الله عنك السوء فقال عمر رضي الله عنه : صرف الله عنا السوء منذ أسلمنا ولكن إذا أخذ عنك شيئا فقل أخذت يداك خيرا
الفصل السادس والخمسون في رؤية باكورة الثمرة قال أبو هريرة رضي الله عنه : كان الناس إذا رأوا الثمر جاؤوا به إلى رسول الله ﷺ فقال [ اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا ] ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان رواه مسلم
الفصل السابع والخمسون في الشيء يراه ويعجبه ويخاف عليه العين قال الله سبحانه وتعالى : { ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله } وقال النبي ﷺ [ العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين ] حديث صحيح ويذكر عن النبي ﷺ أنه قال [ إذا رأى أحدكم ما يعجبه في نفسه أو ماله فليتبرك عليه فإن العين حق ] ويذكر عنه ﷺ أنه قال [ من رأى شيئا فأعجبه فليقل : ما شاء الله لا قوة إلا بالله ] ويذكر عنه ﷺ فيمن خاف أن يصيب شيئا بعينه قال [ اللهم بارك لنا فيه ولا تضره ] وقال أبو سعيد : [ كان رسول الله ﷺ يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان فلما نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما ] قال الترمذي حديث حسن ورواه ابن ماجه في سننه
الفصل الثامن والخمسون في الفأل والطيرة قال النبي ﷺ [ لا عدوى ولا طيرة أصدقها الفأل قيل : وما الفأل ؟ قال الكلمة الحسنة يسمعها الرجل ] وكان النبي ﷺ يعجبه الفأل كما كان في سفر الهجرة فلقيهم رجل فقال : ما اسمك ؟ قال بريدة قال برد أمرنا وقال ﷺ [ رأيت في منامي كأني في دار عقبة بن رافع وأتينا من رطب ابن طاب فأولتها الرفعة لنا في الدنيا والعافية لنا في الآخرة وأن ديننا قد طاب ] وأما الطيرة فقال معاوية بن الحكم : قلت يا رسول الله منا رجال يتطيرون قال [ ذلك شيء تجدونه في صدوركم فلا يصدنكم ] وهذه الأحاديث في الصحاح وعن عقبة بن عامر قال : سئل رسول الله ﷺ عن الطيرة فقال [ أصدقها الفأل ولا ترد مسلما وإذا رأيتم من الطيرة شيئا تكرهونه فقولوا : اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يذهب بالسيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بالله ]
الفصل التاسع والخمسون في الحمام يذكر عن أبي هريرة أنه قال : نعم البيت الحمام يدخله المسلم إذا دخله سأل الله الجنة واستعاذ به من النار
الفصل الستون في الذكر عند دخول الخلاء والخروج منه في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال : كان النبي ﷺ إذا دخل الخلاء قال [ اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ] وزاد سعيد بن منصور [ بسم الله ] وفي مسند الإمام أحمد عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله ﷺ [ إن هذه الحشوش محتضرة فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل : أعوذ بالله من الخبث والخبائث ] وفي سنن ابن ماجة عن أبي أمامة أن رسول الله ﷺ قال [ لا يعجز أحدكم إذا دخل موقعه أن يقول : اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم ] وفي الترمذي عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ [ ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول : بسم الله ] وقالت عائشة : [ كان رسول الله ﷺ إذا خرج من الغائط قال غفرانك ] رواه الإمام أحمد وأهل السنن وفي سنن ابن ماجه عن أنس رضي الله عنه : كان النبي ﷺ إذا خرج من الخلاء قال [ الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ]
الفصل الحادي والستون في الذكر عند إرادة الوضوء ثبت في النسائي عنه ﷺ أنه وضع يده في الجفنة وقال [ توضأ ببسم الله ] وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه في حديثه الطويل وفيه [ يا جابر ناد بوضوء فقلت : ألا وضوء ؟ ألا وضوء ؟ وفيه فقال خذ يا جابر فصب علي وقل : بسم الله فصببت عليه وقلت : بسم الله فرأيت الماء يفور من بين أصابع رسول الله ﷺ ] وفي المسند والسنن من حديث سعد بن زيد عن النبي ﷺ [ لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ] قال البخاري : هذا أحسن شيء في هذا الباب وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ [ لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ] رواه الإمام أحمد وأبو داود وفي المسند عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي ﷺ [ لا وضوء لمن لمن يذكر اسم الله عليه ]
الفصل الثاني والستون في الذكر بعد الفراغ من الوضوء روى مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب عن النبي ﷺ قال [ ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ - أو فيسبغ - الوضوء ثم يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ] وزاد فيه الترمذي بعد ذكر الشهادتين [ اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ] وفي بعض طرقه ذكرها أبو داود والإمام أحمد [ فأحسن الوضوء ثم قال ثلاث مرات : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ] وفي سنن النسائي عن أبي سعيد الخدري قال : من توضأ ففرغ من وضوئه وقال : سبحانك اللهم أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك طبع عليها بطابع ثم رفعت تحت العرش فلم تكسر إلى يوم القيامة هكذا رواه من قول أبي سعيد رضي الله عنه وأما الأذكار التي يقولها العامة على الوضوء عند كل وضوء فلا أصل لها عن رسول الله ﷺ ولا عن أحد من الصحابة والتابعين ولا الأئمة الأربعة وفيها حديث كذب على رسول الله ﷺ
الفصل الثالث والستون في ذكر صلاة الجنازة في صحيح مسلم عن عوف بن مالك قال : صلى رسول الله ﷺ على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول [ اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ] قال : حتى تمنيت أن أكون ذلك الميت لدعاء رسول الله ﷺ وفي لفظ [ وقه فتنة القبر وعذاب النار ] وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة قال : صلى رسول الله ﷺ على جنازة فقال [ اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده ] وفي سنن أبي داود أيضا عن واثلة بن الأصقع : صلى رسول الله ﷺ على رجل من المسلمين فأسمعه يقول [ اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك وحبل جوارك فقه فتنة القبر وعذاب النار وأنت أهل الوفاء والحمد اللهم فاغفر له وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم ] وسأل مروان أبا هريرة : كيف سمعت رسول الله ﷺ يصلي على الجنازة ؟ قال [ اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت هديتها للإسلام وأنت قبضت روحها وأنت أعلم بسرها وعلانيتها جئنا شفعاء فاغفر لنا ] رواه الإمام أحمد وأبو داود
الفصل الرابع والستون في الذاكر إذا قال هجرا أو جرى على لسانه ما يسخط ربه تعالى ثبت عن النبي ﷺ [ من حلف منكم فقال في حلفه واللات والعزى فليقل لا إله إلا الله ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق فكل من حلف بغير الله فقد أشرك ] حديث صحيح فهذا كفارة لأن النبي ﷺ قال [ من حلف بغير الله فقد أشرك ] حديث صحيح وكفارة الشرك التوحيد وهو كلمة لا إله إلا الله ومن قال تعال أقامرك فقد تكلم بهجر وفحش يتضمن أكل المال وإخراجه بالباطل وكفارة هذه الكلمة بضد القمار وهو إخراج المال بحق في مواضعه وهو الصدقة وقال مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه : حلفت باللات والعزى - وكان العهد قريبا - فذكرت ذلك للنبي ﷺ فقال [ قد قلت هجرا قل : لا إله إلا الله وحده لا شريك له وانفث عن يسارك سبعا ولا تعد ]
الفصل الخامس والستون فيما يقول من اغتاب أخاه المسلم يذكر عن النبي ﷺ أن كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته تقول [ اللهم اغفر لنا وله ] ذكره البيهقي في الدعوات الكبير وقال : في إسناده ضعف وهذه المسألة فيها قولان للعلماء - هما روايتان عن الإمام أحمد - وهما : هل يكفي في التوبة من الغيبة للاستغفار للمغتاب أم لا بد من إعلامه وتحليله ؟ والصحيح أنه لا يحتاج إلى إعلامه بل يكفيه الاستغفار وذكره بمحاسن ما فيه في المواطن التي اغتابه فيها وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره والذين قالوا لا بد من إعلامه جعلوا الغيبة كالحقوق المالية والفرق بينهما ظاهر فإن الحقوق المالية ينتفع المظلوم بعود نظير مظلمته إليه فإن شاء أخذها وإن شاء تصدق بها وأما في الغيبة فلا يمكن ذلك ولا يحصل له بإعلامه إلا عكس مقصود الشارع ﷺ فإنه يوغر صدره ويؤذيه إذا سمع ما رمى به ولعله يهيج عداوته ولا يصفو له أبدا وما كان هذا سبيله فإن الشارع الحكيم ﷺ لا يبيحه ولا يجوزه فضلا عن أن يوجبه ويأمر به ومدار الشريعة على تعطيل المفاسد وتقليلها لا على تحصيلها وتكميلها والله تعالى أعلم
الفصل السادس والستون فيما يقال ويفعل عند كسوف الشمس وخسوف القمر في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ قال [ إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وتصدقوا ] وفي صحيح مسلم عن عبد الرحمن بن سمرة قال : بينا أنا أرمي بأسهم لي في حياة رسول الله ﷺ إذ كسفت الشمس فنبذتهن وقلت : لأنظرن ما حدث لرسول الله ﷺ في كسوف الشمس اليوم فانتهت إليه وهو رافع يديه يسبح ويحمد ويهلل ويدعوه حتى حسر عن الشمس فقرأ بسورتين وركع ركعتين والنبي ﷺ أمر بالكسوف بالصلاة والعتاقة والمبادرة إلى ذكر الله تعالى والصدقة فإن هذه الأمور تدفع أسباب البلاء
الفصل السابع والستون فيما يقول من ضاع له شيء ويدعو به ذكر علي بن العيني عن سفيان عن ابن عجلان عن عمر بن كثير بن أفلح قال : كان ابن عمر يقول للرجل إذا أضل شيئا : قل اللهم رب الضالة هادي الضالة تهدي من الضلالة رد علي ضالتي بقدرتك وسلطانك فإنها من عطائك وفضلك وفي وجه آخر : سئل ابن عمر رضي الله عنه عن الضالة فقال : يتوضأ ويصلي ركعتين ثم يتشهد ويقول : اللهم راد الضالة هادي الضلالة تهدي من الضلال رد علي ضالتي بعزتك وسلطانك فإنها من فضلك وعطائك قال البيهقي هذا موقوف وهو حسن وقد قيل : إن من ضاع له شيء فقال : يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه رد علي ضالتي ردها الله تعالى عليه
الفصل الثامن والستون في عقد التسبيح بالأصابع وأنه أفضل من السبحة روى الأعمش عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد بن عمر قال : رأيت رسول اله ﷺ يعقد التسبيح بيمينه رواه أبو داود وروت بسيرة إحدى المهاجرات رضي الله عنها قالت : قال رسول الله ﷺ [ عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس ولا تغفلن فتنسين الرحمة واعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات ومستنطقات ]
الفصل التاسع والستون في أحب الكلام إلى الله تعالى بعد القرآن ثبت في صحيح مسلم عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله ﷺ [ أحب الكلام إلى الله تعالى أربع لا يضرك بأيهن بدأت : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ] وفي وجه آخر [ أفضل الكلام بعد القرآن أربع وهن من القرآن : سبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ] وفي أثر آخر [ أفضل الكلام ما اصطفى الله لملائكته : سبحان الله وبحمده ] وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي ﷺ [ كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ] وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال [ لأن أقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ]
الفصل السبعون في الذكر المضاعف في صحيح مسلم [ عن جويرية أم المؤمنين أن النبي ﷺ خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعدما أضحى وهي جالسة فقال ما زلت على الحال التي فارقتك عليها ؟ قالت : نعم فقال النبي ﷺ لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن : سبحان الله عدد خلقه سبحان الله رضاء نفسه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله مداد كلماته ] و [ عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله ﷺ على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح فقال أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل فقال سبحان الله عدد ما خلق في السماء سبحان الله عدد ما خلق في الأرض سبحان الله عدد ما بين ذلك سبحان الله عدد ما هو خالق والله أكبر مثل ذلك ولا إله إلا الله مثل ذلك والحمد لله مثل ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك ] رواه أبو داود والترمذي قال : حديث حسن
الفصل الحادي والسبعون فيما يقال لمن حصل له وحشة روينا في معجم الطبراني عن البراء بن عازب أن رجلا اشتكى إلى رسول الله ﷺ الوحشة فقال [ قل : سبحان الله الملك القدوس رب الملائكة والروح جللت السموات والأرض بالعزة والجبروت ] فقالها الرجل فأذهب الله عنه الوحشة
الفصل الثاني والسبعون في الذكر الذي يقوله أو يقال له إذا لبس ثوبا جديدا عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول الله ﷺ إذا استجد ثوبا سماه باسمه قميصا أو إزارا أو عمامة يقول [ اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك من خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له ] قال أبو نضرة : وكان أصحاب رسول الله ﷺ إذا رأى أحدهم على صاحبه ثوبا قال : تبلى ويخلف الله تعالى ذكره البيهقي وعن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه أن رسول الله ﷺ قال [ من لبس ثوبا فقال : الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ]
الفصل الثالث والسبعون فيما يقال عند رؤية الفجر روى ابن وهب عن سليمان بن بلال عن سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال : كان رسول الله ﷺ إذا كان في سفر فبدا له الفجر قال [ سمع سامع بحمد الله ونعمته وحسن بلائه علينا ربنا صاحبنا فأفضل علينا عائذا بالله من النار ] يقول ذلك ثلاث مرات ويرفع بها صوته هذا إسناد صحيح على شرط مسلم
الفصل الرابع والسبعون في التسليم للقضاء والقدر بعد بذل الجهد في تعاطي ما أمر به من الأسباب قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير } نهى سبحانه عباده أن يتشبهوا بالقائلين : لو كان كذا وكذا لما وقع قضاؤه بخلافه وقال النبي ﷺ [ وإياك واللو فإن اللو تفتح عمل الشيطان ] وقال أبو هريرة : قال النبي ﷺ [ المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان ] رواه مسلم وعن عوف بن مالك أن النبي ﷺ قضى بين رجلين فقال المقضي عليه لما أدبر : حسبنا الله ونعم الوكيل فقال النبي ﷺ [ إن الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكيس فإذا غلبك أمر فقل : حسبي الله ونعم الوكيل ] فنهى النبي ﷺ أن يقول عند جريان القضاء ما يضره ولا ينفعه وأمره أن يفعل من الأسباب ما لا غنى له عنه فإن أعجزه القضاء قال : حسبي الله فإذا قال حسبي الله بعد تعاطي ما أمره من الأسباب قالها وهو محمود فانتفع بالفعل والقول وإذا عجز ترك الأسباب وقالها قالها وهو ملوم بترك الأسباب التي اقتضتها حكمة الله تعالى فلم تنفعه الكلمة نفعها لمن فعل ما أمر به
الفصل الخامس والسبعون في جوامع أدعية النبي ﷺ وتعوذاته لا غنى للمرء عنها قالت عائشة : كان النبي ﷺ يحب الجوامع من الدعاء ويدع ما بين ذلك وفي المسند والنسائي وغيرهما أن سعدا سمع ابنا له يقول : اللهم إني أسألك الجنة وغرفها لقد سألت الله خيرا كثيرا وتعوذت من شر كثير وإني سمعت رسول الله ﷺ يقول [ سيكون قوم يعتدون في الدعاء ] وبحسبك أن تقول : [ اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم وفي مسند الإمام أحمد وسنن النسائي عن ابن عباس قال : كان من دعاء النبي ﷺ ] رب أعني ولا تعن علي وانصرني ولا تنصر علي وامكر لي ولا تمكر علي وانصرني على من بغى علي رب اجعلني لك شكارا لك ذكارا لك رهابا لك مخبتا إليك أواها منيبا رب تقبل توبتي واغسل حوبتي وأجب دعوتي وثبت حجتي واهد قلبي وسدد لساني واسلل سخيمة قلبي [ هذا حديث صحيح ورواه الترمذي وحسنه وصححه وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك قال : كنت أخدم النبي ﷺ فكنت أسمعه يكثر أن يقول ] اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال [ وفي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله ﷺ يقول كان يقول ] اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر اللهم آت نفسي تقواها زكها أنت خير من زكاها إنك وليها ومولاها اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ونفس لا تشبع وعلم لا ينفع ودعوة لا يستجاب لها [ وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله ﷺ كان يدعو ] اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم [ فقال قائل : ما أكثر ما تستعيذ من المغرم ؟ قال ] إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف [ وفي صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كان من دعاء النبي ﷺ ] اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك ومن فجاءة نقمتك ومن جميع سخطك [ وفي الترمذي عن عائشة قالت : قلت : يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر ما أسأل ؟ قال ] قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني [ قال الترمذي : صحيح وفي مسند الإمام أحمد عن أبي بكر الصديق عن النبي ﷺ أنه قال ] عليكم بالصدق فإنه مع البر وهما في الجنة وإياكم والكذب فإنه مع الفجور وهما في النار وسلوا الله المعافاة فإنه لم يؤت رجل بعد اليقين خيرا من المعافاة [ وفي صحيح الحاكم عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال ] ما سئل الله تعالى شيئا أحب إليه من أن يسأل العافية [ وذكر الفريابي في كتاب الذكر من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال : أي الدعاء أفضل ؟ قال ] تسأل الله العفو والعافية فإذا أعطيت ذلك فقد أفلحت [ وفي الدعوات للبيهقي عن معاذ بن جبل قال : مر رسول الله ﷺ برجل يقول : اللهم إني أسألك الصبر قال ] سألت الله البلاء فسل العافية [ ] ومر برجل يقول : اللهم إني أسألك تمام النعمة فقال وما تمام النعمة ؟ قال : سألت وأنا أرجو الخير قال له تمام النعمة الفوز من النار ودخول الجنة [ وفي صحيح مسلم عن أبي مالك الأشجعي رضي الله عنه قال : كان رسول الله ﷺ يعلم من أسلم أن يقول ] اللهم اهدني وارزقني وعافني وارحمني [ وفي المسند عن بسر بن أرطاة رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول ] اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة [ وفي المسند وصحيح الحاكم عن ربيعة بن عامر عن النبي ﷺ ] ألظوا بياذا الجلال والإكرام [ أي الزموها وداوموا عليها وفي صحيح الحاكم أيضا عن أبي هريرة ] أن رسول الله ﷺ قال أتحبون أيها الناس أن تجتهدوا في الدعاء ؟ قالوا : نعم يا رسول الله قال [ اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ] وفي الترمذي وغيره أن النبي ﷺ أوصى معاذا أن يقولها دبر كل صلاة وفي صحيحه أيضا عن أنس قال : [ كنا مع النبي ﷺ في حلقة ورجل قائم يصلي فلما ركع وسجد تشهد ودعا فقال في دعائه : اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت بديع السموات والأرض ياذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم فقال النبي ﷺ لقد سأل الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى ] وفي المسند وصحيح الحاكم أيضا عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله [ يا شداد إذا رأيت الناس يكنزون الذهب والفضة فاكنز هؤلاء الكلمات : اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب ] وفي الترمذي [ أن حصين بن المنذر الخزاعي رضي الله عنه قال له النبي ﷺ كم تعبد إلها ؟ قال : سبعة : ستة في الأرض وواحد في السماء قال فمن تعد لرغبتك ورهبتك ؟ قال الذي في السماء قال أما لو أسلمت لعلمتك كلمتين تنفعانك فلما أسلم قال : يا رسول الله علمني الكلمتين قال قل : اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي ] حديث صحيح وزاد الحاكم فيه في صحيحه [ اللهم قني شر نفسي واعزم لي على أرشد أمري اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت وما أخطأت وما تعمدت ما علمت وما جهلت ] وإسناده على شرط الصحيحين وفي صحيح الحاكم عن عائشة قالت : دخل علي أبو بكر رضي الله عنهما فقال : هل سمعت من رسول الله ﷺ دعاء علمنيه ؟ قلت : ما هو قال : كان عيسى بن مريم ﷺ يعلمه أصحابه قال [ لو كان على أحدكم جبل ذهب دينا فدعا الله بذلك لقضاه الله عنه : اللهم فارج الهم كاشف الغم مجيب دعوة المضطرين رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما أنت ترحمني فارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك ] وفي صحيحه أيضا عن أم سلمة عن النبي ﷺ : هذا ما سأل محمد ربه [ اللهم إني أسألك خير المسألة وخير الدعاء وخير النجاح وخير العمل وخير الثواب وخير الحياة وخير الممات وثبتني وثقل موازيني وحقق إيماني وارفع درجتي وتقبل الخير وخواتمه وأوله وآخره وظاهره وباطنه والدرجات العلى من الجنة آمين اللهم إني أسألك خير ما آتي وخير ما أفعل وخير ما بطن وخير ما ظهر اللهم إني أسألك أن ترفع ذكري وتضع وزري وتصلح أمري وتطهر قلبي وتحصن فرجي وتنور لي قلبي وتغفر لي ذنبي وأسألك أن تبارك لي في نفسي وفي سمعي وفي بصري وفي روحي وفي خلقي وأهلي وفي محياي وفي مماتي وفي عملي وتقبل حسناتي وأسألك الدرجات العلى من الجنة آمين ] وفي صحيحه أيضا من حديث معاذ قال : أبطأ عنا رسول الله ﷺ بصلاة الفجر حتى كادت أن تدركنا الشمس ثم خرج فصلى بنا فخفف ثم أقبل علينا بوجهه فقال [ على مكانكم أخبركم ما بطأني عنكم اليوم : إني صليت في ليلتي هذه ما شاء الله ثم ملكتني عني فنمت فرأيت ربي تبارك وتعالى فألهمني أن قلت : اللهم إني أسألك الطيبات وفعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تتوب علي وتغفر لي وترحمني وإذا أردت في خلقك فتنة فنجني إليك منها غير مفتون اللهم وأسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يبلغني إلى حبك ] ثم أقبل رسول الله ﷺ فقال [ تعلموهن وادرسوهن فإنهن حق ] ورواه الترمذي والطبراني وابن خزيمة وغيرهم بألفاظ أخر وفي صحيح الحاكم أيضا عن ابن عباس قال : كان النبي ﷺ يدعو [ اللهم متعني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف على كل غائبة لي بخير ] وفيه عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ كان يقول [ اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وارزقني علما ينفعني ] وفيه أيضا عن عائشة أن رسول الله ﷺ أمرها أن تدعو بهذا الدعاء [ اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم وأسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل وأسألك من خير ما سألك عبدك ورسولك محمد وأسألك ما قضيت لي من أمر أن تجعل عاقبته رشدا ] وفيه عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ أوصى سلمان الخير فقال له [ إني أريد أن أمنحك كلمات تسألن الرحمن وترغب إليه فيهن وتدعو بهن في الليل والنهار : قل : اللهم إني أسألك صحة في إيمان وإيمانا في حسن خلق ونجاحا يتبعه فلاح ورحمة منك وعافية ومغفرة منك ورضوانا ] وفيه أيضا عن أم سلمة عن النبي ﷺ أنه كان يدعو بهؤلاء الدعوات [ اللهم أنت الأول لا شيء قبلك وأنت الآخر لا شيء بعدك أعوذ بك من شر كل دابة ناصيتها بيدك وأعوذ بك من الإثم والكسل ومن عذاب القبر ومن فتنة الغنى ومن فتنة الفقر وأعوذ بك من المأثم والمغرم الهم نق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس اللهم بعد بيني وبين خطيئتي كما بعدت بين المشرق والمغرب ] وفي مسند الإمام أحمد وصحيح الحاكم أيضا عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه صلى صلاة أوجز فيها فقيل له في ذلك قال : لقد دعوت الله فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله ﷺ [ اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضى وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيما لا ينفد وأسألك قرة عين لا تنقطع وأسألك الرضا بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر إلى وجهك وأسألك الشوق إلى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين ] وفي صحيح الحاكم أيضا عن ابن مسعود قال : كان من دعاء رسول الله ﷺ [ اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار ] وفيه أيضا عن رسول الله ﷺ أنه كان يدعو [ اللهم احفظني بالإسلام قائما واحفظني بالإسلام قاعدا واحفظني بالإسلام راقدا ولا تشمت بي عدوا حاسدا اللهم إني أسألك من خير خزائنه بيدك وأعوذ بك من شر خزائنه بيدك ] وعن النواس بن سمعان سمعت رسول الله ﷺ يقول [ ما من قلب إلا بين أصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه ] وكان رسول الله ﷺ يقول [ يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك والميزان بيد الرحمن تعالى يرفع أقواما ويخفض آخرين إلى يوم القيامة ] حديث صحيح رواه الإمام أحمد والحاكم في صحيحه وفي صحيح الحاكم أيضا عن ابن عمر أنه لم يكن يجلس مجلسا - كان عنده أحد أو لم يكن - إلا قال [ اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت ما أسرفت وما أنت أعلم به مني اللهم ارزقني من طاعتك ما تحول به بيني وبين معصيتك وارزقني من خشيتك ما تبلغني به رحمتك وارزقني من اليقين ما تهون به علي مصائب الدنيا وبارك لي في سمعي وبصري واجعلهما الوارث مني اللهم اجعل ثأري على من ظلمني وانصرني على من عاداني ولا تجعل الدنيا أكبر همي ولا مبلغ علمي اللهم لا تسلط علي من لا يرحمني ] فسئل عنهن ابن عمر فقال : كان رسول الله ﷺ يختم بهن مجلسه
* *
والحمد لله رب العالمين حمدا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله ملء سمواته وملء أرضه وملء ما بينهما وملء ما شاء من شيء بعد حمدا لا ينقطع ولا يبيد ولا يفنى عدد ما حمده الحامدون وعدد ما غفل عن ذكره الغافلون وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد خاتم أنبيائه ورسله وخيرته من بريته وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عباده فاتح أبواب الهدى ومخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد الذي بعثه للإيمان مناديا وإلى الصراط المستقيم هاديا وإلى جنات النعيم داعيا وبكل المعروف آمرا وعن كل منكر ناهيا فأحيا به القلوب بعد مماتها وأنارها بعد ظلماتها وألف بينها بعد شتاتها فدعا إلى الله تعالى على بصيرة بالحكمة والموعظة الحسنة وجاهد في الله تعالى حق جهاده حتى عبد الله وحده لا شريك له وسارت دعوته سيرة الشمس في الأقطار وبلغ دينه الذي ارتضاه لعباده ما بلغ الليل والنهار وصلى الله تعالى وملائكته وجميع خلقه عليه كما عرف بالله تعالى ودعا إليه وسلم تسليما