كتاب: التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح/زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي
بسم الله
الرحمن الرحيم
قال الشيخ إلامام الحافظ مفتي الشام تقي الدين أبو
عمر عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان ابن موسى بن أبي نصر النصري الشهرزوري الشافعي
المعروف بابن الصلاح عليه الرحمة:
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا.
الحمد لله الهادي من استهداه الواقي من اتقاه الكافي
من تحرى رضاه حمدا بالغا أمد التمام ومنتهاه.
والصلاة والسلام إلاتمان إلاكملان على نبينا والنبيين
وآل كل ما رجا راج مغفرته ورحماه آمين.
هذا: وإن علم الحديث من أفضل العلوم الفاضلة وأنفع
الفنون النافعة يحبه
______
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم أعن ويسر صلى الله عليه وسلم.
والحمد لله الذي ألهم لإيضاح ما أبهم وأفهم إلى
إلاصطلاح ولو شاء لم نفهم وأشهد أن لا إله إلا الله الكاشف لما ينوب من الخطوب
ويدهم وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من أنجد وأتهم وأعدل من أنقذ وأسهم و صلى
الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.
فإن أحسن ما صنف أهل الحديث في معرفة إلاصطلاح كتاب
علوم الحديث لابن الصلاح جمع فيه غرر الفوائد فأوعى ودعى له زمر الشوارد فأجابت
طوعا إلا أن فيه غير موضع قد خولف فيه وأماكن أحز تحتاج إلى تقييد وتنبيه فأردت أن
أجمع عليه نكتا تقيد مطلقه وتفتح مغلقه وقد أورد عليه غير واحد من المتأخرين
إيرادات
ذكور الرجال
وفحولتهم ويعنى به محققو العلماء وكملتهم ولا يكرهه من الناس إلا رذالتهم وسفلتهم.
وهو من أكثر العلوم تولجا في فنونها لا سيما الفقه الذي هو إنسان عيونها. ولذلك كثر
غلط العاطلين منه من مصنفي الفقهاء وظهر الخلل في كلام المخلين به من العلماء.
ولقد كان شأن الحديث فيما مضى عظيما عظيمة جموع طلبته
رفيعة مقادير
______
ليست بصحيحة فرأيت أن أذكرها وأبين تصويب كلام الشيخ
وترجيحه لئلا يتعلق بها من لا يعرف مصطلحات القوم ويتفق من مزجى البضاعات ما لا
يصلح للسوم وقد كان الشيخ إلامام العلامة علاء الدين مغلطاى أوقفنى على شئ جمعه
عليه سماه إصلاح ابن الصلاح وقرأ من لفظه موضعا منه ولم أر كتابه المذكور بعد ذلك وأيضا
قد اختصره جماعة وتعقبوه في مواضع منه فحيث كان إلاعتراض عليه غير صحيح ولا مقبول
ذكرته بصيغة اعترض عليه على البناء للمفعول.
وقد أخبرنى بكتاب ابن الصلاح المذكور الشيخان
إلامامان الحافظان البارعان صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدى العلائى وبهائى
الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن أبى بكر بن خليل إلاموى بقراءتى على الثانى
لجميع الكتاب وسماعا على إلاول لبعض الكتاب وإجازة باقيه قإلا أنا بجميعه محمد بن
يوسف بن المهتار الدمشقى قال أخبرنا بمؤلفه الشيخ إلامام تقى الدين أبو عمرو عثمان
بن عبد الرحمن بن موسى الشهرزورى رحمه الله قراءة عليه في الخامسة من عمرى وسميته التقييد
وإلايضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح والله أسأل أستعين أن يوفق لإكماله
ويعين وأن لا يجعل ما علمنا من العلم علينا وبإلا ويجعله خالصا لوجهه تبارك وتعالى
إنه على ما يشاء قدير وبإلاجابة جدير.
قوله ويعنى به محققو العلماء وكملتهم هو بضم الياء
وفتح النون على البناء للمفعول وعليه اقتصر صاحبا الصحاح والمحكم وحكى الهروى في
الغبريين أنه استعمل على البناء للفاعل أيضا فيقال عنى بكذا يعنى به وحكاه المطرزى
أيضا وأنشد عليه عان بأخراها طويل الشغل قال والمبنى للمفعول أفصح.
حفاظه وحملته.
وكانت علومه بحياتهم حية وأفنان فنونه ببقائهم غضة ومغانيه بأهله آهلة فلم يزالوا
في انقراض ولم يزل في اندراس حتى آضت به الحال إلى أن صار أهله إنما هم شرذمة
قليلة العدد ضعيفة العدد لا تغني على إلاغلب في تحمله بأكثر من سماعه غفلا ولا
تعنى في تقييده بأكثر من كتابته عطلا مطرحين علومه التي بها جل قدره مباعدين
معارفه التي بها فخم أمره.
فحين كاد الباحث عن مشكله لا يلفي له كاشفا والسائل
عن علمه لا يلقى به عارفا من الله الكريم تبارك وتعالى علي وله الحمد أن أجمع
بكتاب معرفة أنواع علوم الحديث هذا الذي باح بأسراره الخفية وكشف عن مشكلاته
إلابية وأحكم معاقده وأقعد قواعده وأنار معالمه وبين أحكامه وفصل أقسامه وأوضح
أصوله وشرح فروعه وفصوله وجمع شتات علومه وفوائده وقنص 5 شوارد نكته وفوائده.
فالله العظيم الذي بيده الضر والنفع وإلاعطاء والمنع
أسأل وإليه أضرع وأبتهل متوسلا إليه بكل وسيلة متشفعا إليه بكل شفيع أن يجعله مليا
بذلك وأملى وفيا بكل ذلك وأوفي. وأن يعظم إلاجر والنفع به في الدارين إنه قريب
_______
قوله جعله الله مليا بذلك وأملى وفيا بكل ذلك وأوفي
استعمل المصنف هنا مليا وأملى بغير همز على التخفيف وكتبه بالياء المناسبة قوله
وفيا وأوفي وإلا فإلاول مهموز من قولهم ملوء الرجل بضم اللام وبالهمز أي صار مليئا
أى ثقه وهو ملئ بين الملاء والملاءة ممدودان قاله الجوهرى.
مجيب. وما
توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب
وهذه فهرسة أنواعه:
فإلاول منها: معرفة الصحيح من الحديث
الثاني : معرفة الحسن من الحديث
الثالث : معرفة الضعيف من الحديث
الرابع : معرفة المسند
الخامس : معرفة المتصل
السادس : معرفة المرفوع
السابع : معرفة الموقوف
الثامن : معرفة المقطوع وهو غير المنقطع
التاسع : معرفة المرسل
العاشر : معرفة المنقطع
الحادي عشر: معرفة المعضل ويليه تفريعات منها في
الإسناد المعنعن ومنها في التعليق
الثاني عشر: معرفة التدليس وحكم المدلس
الثالث عشر: معرفة الشاذ
الرابع عشر: معرفة المنكر
الخامس عشر: معرفة إلاعتبار والمتابعات والشواهد
السادس عشر: معرفة زيادات الثقات وحكمها
السابع عشر: معرفة إلافراد
الثامن عشر: معرفة الحديث المعلل
التاسع عشر: معرفة المضطرب من الحديث
العشرون : معرفة المدرج في الحديث
الحادي والعشرون : معرفة الحديث الموضوع
الثاني
والعشرون: معرفة المقلوب.
الثالث والعشرون: معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد
روايته.
الرابع والعشرون: معرفة كيفية سماع الحديث وتحمله
وفيه بيان أنواع الإجازة وأحكامها وسائر وجوه إلاخذ والتحمل وفيه علم جم.
الخامس والعشرون: معرفة كتابة الحديث وكيفية ضبط
الكتاب وتقييده وفيه معارف مهمة رائقة.
السادس والعشرون: معرفة كيفية رواية الحديث وشرط
أدائه وما يتعلق بذلك وفيه كثير من نفائس هذا العلم.
السابع والعشرون: معرفة آداب المحدث.
الثامن والعشرون: معرفة آداب طالب الحديث.
التاسع والعشرون: معرفة الإسناد العالي والنازل.
الموفي ثلاثين: معرفة المشهور من الحديث.
الحادي والثلاثون: معرفة الغريب والعزيز من الحديث.
الثاني والثلاثون: معرفة غريب الحديث.
الثالث والثلاثون : معرفة المسلسل.
الرابع والثلاثون : معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه.
الخامس والثلاثون : معرفة المصحف من أسانيد إلاحاديث
ومتونها.
السادس والثلاثون : معرفة مختلف الحديث.
السابع والثلاثون : معرفة المزيد في متصل إلاسانيد.
الثامن والثلاثون : معرفة المراسيل الخفي إرسالها.
التاسع
والثلاثون: معرفة الصحابة رضي الله عنهم.
الموفي أربعين: معرفة التابعين رضي الله عنهم.
الحادي وإلاربعون: معرفة أكابر الرواة عن إلاصاغر.
الثاني وإلاربعون: معرفة المدبج وما سواه من رواية
إلاقران بعضهم عن بعض.
الثالث وإلاربعون : معرفة إلاخوة وإلاخوات من العلماء
والرواة.
الرابع وإلاربعون: معرفة رواية إلاباء عن إلابناء.
الخامس وإلاربعون: عكس ذلك: معرفة رواية إلابناء عن
إلاباء.
السادس وإلاربعون: معرفة من اشترك في الرواية عنه
راويان متقدم ومتأخر تباعد ما بين وفاتيهما.
السابع وإلاربعون: معرفة من لم يرو عنه إلا راو واحد.
الثامن وإلاربعون : معرفة من ذكر بأسماء مختلفة أو
نعوت متعددة.
التاسع وإلاربعون: معرفة المفردات من أسماء الصحابة
والرواة والعلماء.
الموفي خمسين: معرفة إلاسماء والكنى.
الحادي والخمسون: معرفة كنى المعروفين بإلاسماء دون
الكنى.
الثاني والخمسون: معرفة ألقاب المحدثين.
الثالث والخمسون : معرفة المؤتلف والمختلف.
الرابع والخمسون : معرفة المتفق والمفترق.
الخامس والخمسون : نوع يتركب من هذين النوعين.
السادس والخمسون : معرفة الرواة المتشابهين في إلاسم
و النسب المتمايزين بالتقديم والتأخير في إلابن وإلاب.
السابع والخمسون : معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم.
الثامن
والخمسون : معرفة إلانساب التي باطنها على خلاف ظاهرها.
التاسع والخمسون : معرفة المبهمات.
الموفي ستين : معرفة تواريخ الرواة في الوفيات وغيرها.
الحادي والستون : معرفة الثقات والضعفاء من الرواة.
الثاني والستون : معرفة من خلط في آخر عمره من الثقات.
الثالث والستون : معرفة طبقات الرواة والعلماء.
الرابع والستون : معرفة الموالي من الرواة والعلماء.
الخامس والستون : معرفة أوطان الرواة وبلدانهم.
وذلك آخرها وليس بآخر الممكن في ذلك فإنه قابل
للتنويع إلى ما لا يحصى إذ لا تحصى أحوال رواة الحديث وصفاتهم ولا أحوال متون
الحديث وصفاتها وما من حالة منها ولا صفة إلا وهي بصدد أن تفرد بالذكر وأهلها فإذا
هي نوع على حياله ولكنه نصب من غير أرب وحسبنا الله ونعم الوكيل
النوع إلاول
من أنواع علوم الحديث: معرفة الصحيح من الحديث:
اعلم علمك الله وإياي أن الحديث عند أهله ينقسم إلى
صحيح وحسن وضعيف:
________
النوع إلاول: معرفة الصحيح
قوله اعلم علمك الله وإياي أن الحديث عند أهله ينقسم
إلى صحيح وحسن وضعيف. انتهى.
وقد اعترض عليه بأمرين أحدهما أن في الترمذي مرفوعا:
"إذا دعا أحدكم فليبدأ بنفسه" الاولى أن يقول علمنا الله وإياك انتهى ما
اعترض به هذا المعترض
والحديث الذي ذكره من عند الترمذي ليس هكذا وهو حديث
أبى بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه
ثم قال هذا حديث حسن غريب صحيح ورواه أبو داود أيضا ولفظه كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا دعا بدأ بنفسه وقال رحمة الله علينا وعلى موسى الحديث
ورواه النسائى أيضا في سننه الكبرى وهو عند مسلم أيضا
كما سيأتي فليس فيه ما ذكره من أن كل داع يبدأ بنفسه وإنما هو من فعله صلى الله
عليه وسلم لا من قوله وإذا كان كذلك فهو مقيد بذكره صلى الله عليه وسلم نبيا من
إلانبياء كما ثبت في صحيح مسلم في حديث أبى الطويل في قصة موسى مع الخضر وفيه قال
وكان إذا ذكر أحدا من إلانبياء بدأ بنفسه رحمة الله علينا وعلى أخى وكذا رحمة الله
علينا الحديث
فأما دعاؤه لغير إلانبياء فلم ينقل أنه كان يبدأ
بنفسه كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في قصة زمزم
قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يرحم الله أم اسماعيل لو تركت زمزم
أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا"
.
_________
وفي الصحيحين من حديث عائشة رضى الله عنها ( سمع رسول
الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في سورة بالليل فقال يرحمه الله ) الحديث
وفي رواية للبخارى إن الرجل هو عباد بن بشر وللبخارى
من حديث سلمة ابن إلاكوع: "من السائق؟" قالوا عامر قال: "يرحمة
الله" الحديث
فظهر بذلك أن بدأه بنفسه في الدعاء وكان فيما إذا ذكر
نبيا من إلانبياء كما تقدم على أنه قد دعا لبعض إلانبياء ولم يذكر نفسه معه وذلك
في الحديث المتفق على صحته من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال ( قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "يرحم الله لوطا لقد كان يأوى إلى ركن شديد" الحديث
وفي الصحيحين أيضا من حديث ابن مسعود رضى الله عنه
مرفوعا "يرحم الله موسى لقد أوذى بأكثر من هذا فصبر"
إلامر الثانى أن ما نقله عن أهل الحديث من كون الحديث
ينقسم إلى هذه إلاقسام الثلاثة ليس بجيد فإن بعضهم يقسمه إلى قسمين فقط صحيح وضعيف
وقد ذكر المصنف هذا الخلاف في النوع الثانى في التاسع من التفريعات المذكورة فيه
فقال من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح لاندراجه في
أنواع ما يحتج به قال وهو الظاهر من كلام أبى عبد الله الحاكم في تصرفاته إلى آخر
كلامه فكان ينبغى إلاحتراز عن هذا الخلاف هنا
والجواب أن ما نقله المصنف عن أهله الحديث قد نقله
عنهم الخطابى في خطبة معالم السنن فقال اعلموا أن الحديث عند أهله على ثلاثة أقسام
حديث صحيح وحديث حسن وحديث سقيم ولم أر من سبق الخطابى إلى تقسيمه ذلك وإن كان في
كلام المتقدمين ذكر الحسن وهو موجود في كلام الشافعي رضى الله عنه والبخاري وجماعة
ولكن الخطابى نقل التقسيم عن أهل الحديث وهو إمام ثقة فتبعه المصنف على ذلك هنا ثم
حكى الخلاف في الموضع الذي ذكره فلم يهمل حكاية الخلاف والله أعلم
أما الحديث
الصحيح: فهو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط
إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا.
وفي هذه إلاوصاف احتراز عن المرسل والمنقطع والمعضل
والشاذ وما فيه علة قادحة وما في راويه نوع جرح. وهذه أنواع يأتي ذكرها إن شاء
الله تبارك وتعالى.
فهذا هو الحديث الذي يحكم له بالصحة بلا خلاف بين أهل
الحديث.
_______
"قوله" أما الحديث
الصحيح فهو المسند الذي يتصل إسناده إلى آخر كلامه اعترض عليه بأن من يقبل المرسل
لا يشترط أن يكون مسندا وأيضا اشتراط سلامته من الشذوذ والعلة إنما زادها أهل الحديث
كما قاله ابن دقيق العيد في إلاقتراح قال وفي هذين الشرطين نظر على مقتضى نظر
الفقهاء فإن كثيرا من العلل التي يعلل بها المحدثون لا تجرى على أصول الفقهاء قال
ومن شرط الحد أن يكون جامعا مانعا.
والجواب أن من يصنف في علم الحديث إنما يذكر الحد عند
أهله لا من عند غيرهم من أهل علم آخر.
وفي مقدمة مسلم أن المرسل في أصل قولنا وقول أهل
العلم بإلاخبار وليس بحجة وكون الفقهاء وإلاصوليين لا يشترطون في الصحيح هذين
الشرطين لا يفسد الحد عند من يشترطهما على أن المصنف قد احترز عن خلافهم وقال بعد
أن فرغ من الحد وما يحترز به عنه فهذا هو الحديث الذي يحكم له بالصحة بلا خلاف بين
أهل الحديث.
وقد يختلفون في صحة بعض إلاحاديث لاختلافهم في وجود
هذه إلاوصاف فيه أو لاختلافهم في اشتراط بعض هذه إلاوصاف كما في المرسل انتهى
كلامه فقد احترز المصنف عما اعترض به عليه فلم يبق للاعتراض وجه والله اعلم.
"وقوله" بلا خلاف
بين أهل الحديث إنما قد نفي الخلاف بأهل الحديث لأن غير أهل الحديث قد يشترطون في
الصحيح شروطا زائدة على هذه كاشتراط العدد في الرواية كما في الشهادة فقد حكاه
الحازمى في شروط إلائمة عن بعض متأخرى.
وقد يختلفون
في صحة بعض إلاحاديث لاختلافهم في وجود هذه إلاوصاف فيه أو: لاختلافهم في اشتراط
بعض هذه إلاوصاف كما في المرسل.
ومتى قالوا: هذا حديث صحيح فمعناه: أنه اتصل سنده مع
سائر إلاوصاف المذكورة. وليس من شرطه أن يكون مقطوعا به في
نفس إلامر إذ منه ما ينفرد بروايته عدل واحد وليس من إلاخبار التي أجمعت إلامة على
تلقيها بالقبول.
وكذلك إذا قالوا في حديث: إنه غير صحيح فليس ذلك قطعا
بأنه كذب في نفس إلامر إذ قد يكون صدقا في نفس إلامر وإنما المراد به: أنه لم يصح
إسناده على الشرط المذكور والله أعلم.
_______
المعتزلة على أنه قد حكى أيضا عن بعض أصحاب الحديث
قال البيهقي في رسالته إلى أبى محمد الجوينى رحمهما الله رأيت في الفصول التي
أملاها الشيخ خرسه الله تعالى حكاية عن بعض أصحاب الحديث أنه يشترط في قبول
إلاخبار أن يروى عدلان عن عدلين حتى يتصل مثنى مثنى برسول الله صلى الله عليه وسلم
ولم يذكره قائله إلى آخر كلامه وكأن البيهقي رآه في كلام أبى محمد الجوينى فنبهه
على أنه لا يعرف عن أهل الحديث والله أعلم.
"وقوله" وقد يختلفون في صحة بعض إلاحاديث
لاختلافهم في وجود هذه إلاوصاف فيه انتهى يريد بقوله هذه إلاوصاف أى أوصاف القبول
التي ذكرها في حد الصحيح وإنما نبهت على ذلك وإن كان واضحا لأنى رأيت بعضهم قد
اعترض عليه فقال إنه يعنى إلاوصاف المتقدمة من إرسال وانقطاع وعضل وشذوذ وشبهها
قال وفيه نظر من حيث إن أحدا لم يذكر أن المعضل والشاذ والمنقطع صحيح وهذا إلاعتراض
ليس بصحيح فإنه إنما أراد أوصاف القبول كما قدمته وعلى تقدير أن يكون أراد ما زعم
فمن يحتج بالمرسل لا يتقيد بكونه أرسله التابعى بل لو أرسله أتباع التابعين احتج
به وهو عنده صحيح وإن كان معضلا وكذلك من يحتج بالمرسل يحتج بالمنقطع بل المنقطع
والمرسل عند المتقدمين واحد وقال أبو يعلى الخليلى في إلارشاد إن الشاذ ينقسم إلى
صحيح ومردود فقول هذا المعترض إن أحدا لا يقول في الشاذ إنه صحيح مردود بقول
الخليلى المذكور والله أعلم.
فوائد مهمة
إحداها :الصحيح يتنوع إلى متفق عليه ومختلف فيه كما
سبق ذكره. ويتنوع إلى مشهور وغريب وبين ذلك.
ثم إن درجات الصحيح تتفاوت في القوة بحسب تمكن الحديث
من الصفات المذكورة التي تبتنى الصحة عليها. وتنقسم باعتبار ذلك إلى أقسام يستعصي
إحصاؤها على العاد الحاصر.
ولهذا نرى إلامساك عن الحكم لإسناد أوحديث بأنه الأصح
على الإطلاق. على أن جماعة من أئمة الحديث خاضوا غمرة ذلك فاضطربت أقوالهم.
فروينا عن إسحاق بن راهويه أنه قال: أصح إلاسانيد
كلها: الزهري عن سالم عن أبيه. وروينا نحوه عن أحمد بن حنبل.
وروينا عن عمرو بن علي الفلاس أنه قال: أصح إلاسانيد:
محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي.
وروينا نحوه عن علي بن المديني. روي ذلك عن غيرهما ثم
منهم من عين الراوي عن محمد وجعله أيوب السختياني. ومنهم من جعله ابن عون.
______
"قوله" على أن
جماعة من أهل الحديث خاضوا غمرة ذلك فاضطربت أقوالهم فذكر الخلاف في أصح إلاسانيد
إلى آخر كلامه اعترض عليه بأن الحاكم وغيره ذكروا أن هذا بالنسبة إلى إلامصار أو
إلى إلاشخاص وإذا كان كذلك فلا يبقى خلاف بين هذه إلاقوال انتهى كلام المعترض وليس
بجيد لأن الحاكم لم يقل إن الخلاف مقيد بذلك بل قال لا ينبغى أن يطلق ذلك وينبغى
أن يقيد بذلك فهذا لا ينفي الخلاف المتقدم وأيضا ولو قيدناه بإلاشخاص فالخلاف
موجود فيقال أصح أسانيد على كذا وقيل كذا وقيل كذا وأصح أسانيد ابن عمر كذا وقيل كذا
فالخلاف موجود والله أعلم.
وفيما نرويه
عن يحيى بن معين أنه قال: أجودها: إلاعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله.
وروينا عن أبي بكر بن أبي شيبة قال: أصح إلاسانيد
كلها: الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي.
وروينا عن أبي عبد الله البخاري صاحب الصحيح أنه قال:
أصح إلاسانيد كلها: مالك عن نافع عن ابن عمر. وبنى إلامام أبو منصور عبد القاهر بن
طاهر التميمي على ذلك: أن أجل إلاسانيد الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر.
واحتج بإجماع أصحاب الحديث على أنه: لم يكن في الرواة
عن مالك أجل من الشافعي رضي الله عنهم أجمعين والله أعلم.
الثانية : إذا وجدنا
فيما نروي من أجزاء الحديث وغيرها حديثا صحيح الإسناد ولم نجده في أحد الصحيحين
ولا منصوصا على صحته في شيء من مصنفات أئمة الحديث المعتمدة المشهورة فإنا لا
نتجاسر على جزم الحكم بصحته فقد تعذر في
_______
"قوله" إذا وجدنا
فيما يروى من أجزاء الحديث وغيرهما حديثا صحيح الإسناد ولم نجده في أحد الصحيحين
ولا منصوصا على صحته في شئ من مصنفات أهل الحديث المعتمدة المشهورة فإنا لا نتجاسر
على حزم الحكم بصحته فقد تعذر في هذه إلاعصار إلاستقلال بادراك الصحيح بمجرد
اعتبار إلاسانيد إلى آخر كلامه وقد خالفه في ذلك الشيخ محيى الدين النووى فقال
وإلاظهر عندى جوازه لمن تمكن وقويت معرفته. انتهى كلامه.
وما رجحه النووى هو الذي عليه عمل أهل الحديث فقد صحح
جماعة من المتأخرين أحاديث لم نجد لمن نقدمهم فيها تصحيحا فمن المعاصرين لابن
الصلاح أبو الحسن على بن محمد بن عبد الملك بن القطان صاحب كتاب بيان الوهم
وإلايهام وقد صحح في كتابه المذكور عدة أحاديث منها حديث ابن عمر أنه كان يتوضأ
ونعلاه
هذه إلاعصار
إلاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار إلاسانيد لأنه ما من إسناد من ذلك إلا ونجد
في رجاله من اعتمد في روايته على ما في كتابه عريا عما يشترط في الصحيح من الحفظ
والضبط وإلاتقان. فآل إلامر إذا في معرفة الصحيح والحسن إلى إلاعتماد على ما نص عليه
أئمة الحديث في تصانيفهم المعتدة المشهورة التي يؤمن
_________
في رجليه ويمسح عليهما ويقول كذلك كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يفعل أخرجه أبو بكر البزار في مسنده وقال ابن القطان إنه حديث صحيح
ومنها حديث أنس بن مالك رضى الله عنه كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام ثم يقوم إلى الصلاة رواه هكذا قاسم بن
أصبغ وصححه ابن القطان فقال وهو كما ترى صحح وتوفي ابن القطان هذا هو على قضاء
سجلماسة من المغرب سنة ثمان وعشرين وستمائة ذكره ابن إلابار في التكملة.
وممن صحح أيضا من المعاصرين له الحافظ ضياء الدين
محمد بن عبد الواحد المقدسى جمع كتابا سماه المختارة التزم فيه الصحة وذكر فيه
أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها فيما أعلم وتوفي الضياء المقدسى في السنة التي مات فيها
ابن الصلاح سنة ثلاث وأربعين وستمائة وصحح الحافظ زكى الدين عبد العظيم بن عبد
القوى المنذرى حديثا في جزء له جمع فيه ما ورد فيه غفر له ما تقدم من ذنبه وما
تأخر وتوفي الزكى عبد العظيم سنة ست وخمسين وستمائة.
ثم صحح الطبقة التي تلي هذه أيضا فصحح الحافظ شرف
الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطى حديث جابر مرفوعا "ماء زمزم لما شرب
له" في جزء جمعه في ذلك أورده من رواية عبد الرحمن بن أبى الموال عن محمد بن
المنكدر عن جابر ومن هذه الطريق رواه البيهقي وفي شعب إلايمان وإنما المعروف رواية
عبد الله بن المؤمل عن ابن المنكدر كما رواه ابن ماجه وضعفه النووى وغيره من هذا
الوجه وطريق ابن عباس أصح من طريق جابر ثم صححت الطبقة التي تلي هذه وهم شيوخا فصحح
الشيخ تقى الدين السبكى حديث ابن عمر في الزيارة في تصنيفه المشهور كما أخبرنى به
ولم يزل ذلك دأب من بلغ أهلية ذاك منهم إلا أن منهم من لا يقبل ذاك منهم وكذا كان
المتقدمون وبما صحح بعضهم شيئا فأنكر عليه تصحيحه والله أعلم.
فيها
لشهرتها من التغيير والتحريف وصار معظم المقصود بما يتداول من إلاسانيد خارجا عن
ذلك إبقاء سلسلة الإسناد التي خصت بها هذه إلامة زادها الله تعالى شرفا آمين.
الثالثة : أول من صنف الصحيح البخاري أبو عبد الله
محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم. وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري
القشيري من أنفسهم. و مسلم مع أنه أخذ عن البخاري واستفاد منه يشاركه في أكثر شيوخه
وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز.
وأما ما روينا عن الشافعي رضي الله عنه من أنه قال:
ما أعلم في إلارض كتابا في العلم أكثر صوابا من كتاب مالك ومنهم من رواه بغير هذا
اللفظ فإنما قال ذلك قبل وجود كتابي البخاري ومسلم ثم إن كتاب البخاري أصح
الكتابين صحيحا وأكثرهما فوائد.
_______
"قوله" أول من صنف الصحيح البخاري انتهى اعترض
عليه بأن مالكا صنف الصحيح قبله والجواب أن مالكا رحمه الله لم يفرد الصحيح بل
أدخل فيه المرسل والمنقطع والبلاغات ومن بلاغاته أحاديث لا تعرف كما ذكره ابن عبد
البر فلم يفرد الصحيح إذا والله أعلم.
"قوله" وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج انتهى
كلامه اعترض عليه بقول أبى الفضل أحمد بن سلمة كنت مع مسلم بن الحجاج في تأليف هذا
الكتاب سنة خمس ومائتين هكذا رأيته بخط الذي اعترض على ابن الصلاح سنة خمس ومائتين
فقط وأراد بذلك أن تصنيف مسلم لكتابه قديم فلا يكون تاليا لكتاب البخاري وقد تصحف
التاريخ عليه وإنما هو سنة خمسين ومائتين بزيادة الياء والنون وذلك باطل قطعا لأن مولد
مسلم رحمه الله سنة أربع ومائتين بل البخاري لم يكن في التاريخ المذكور وصنف فضلا
عن مسلم فإن بينهما في العمر عشر سنين ولد البخاري سنة أربع وتسعين ومائة.
وأما ما
رويناه عن أبي علي الحافظ النيسابوري أستاذ الحاكم أبي عبد الله الحافظ من أنه 12
قال: ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم بن الحجاج. فهذا وقول من فضل من
شيوخ المغرب كتاب مسلم على كتاب البخاري إن كان المراد به: أن كتاب مسلم يترجح
بأنه لم يمازجه غير الصحيح فإنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث الصحيح مسرودا غير
ممزوج بمثل ما في كتاب البخاري في تراجم أبوابه من إلاشياء التي لم يسندها على
الوصف المشروط في الصحيح فهذا لا بأس به. وليس يلزم منه أن كتاب مسلم أرجح فيما يرجع
إلى نفس الصحيح على كتاب البخاري.
وإن كان المراد به: أن كتاب مسلم أصح صحيحا فهذا
مردود على من يقوله. والله أعلم.
الرابعة : لم يستوعبا
الصحيح في صحيحيهما ولا التزما ذلك فقد روينا عن البخاري أنه قال: ما أدخلت في
كتابي الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لملال الطول.
وروينا عن مسلم أنه قال: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته
ههنا يعني في كتابه الصحيح إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه قلت: أراد والله أعلم
أنه لم يضع في كتابه إلا إلاحاديث التي وجد عنده فيها شرائط الصحيح المجمع عليه
وإن لم يظهر اجتماعها في بعضها عند بعضهم.
______
قوله فهذا وقول من فضل من شيوخ المغرب كتاب مسلم على
كتاب البخاري إن كان المراد به أن كتاب مسلم يترجح بأنه لم يمازجه غير الصحيح فإنه
ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث الصحيح مسدودا غير ممزوج بمثل ما في كتاب البخاري في
تراجم أبوابه من إلاشياء التي لم يسندها على الوصف المشروط في الصحيح انتهى.
قلت قد روى مسلم بعد الخطبة في كتاب الصلاة بإسناده
الى يحيى بن أبى كثير أنه قال لا يستطاع العلم براحة الجسم فقد مزجه بغير إلاحاديث
ولكنه نادر جدا بخلاف البخاري والله اعلم.
ثم إن أبا
عبد الله بن إلاخرم الحافظ قال: قل ما يفوت البخاري ومسلما مما يثبت من الحديث.
يعني في كتابيهما.
ولقائل أن يقول: ليس ذلك بالقليل فإن المستدرك على
الصحيحين للحاكم أبي عبد الله كتاب كبير يشتمل مما فاتهما على شيء كثير وإن يكن
عليه في بعضه مقال فإنه يصفو له منه صحيح كثير. وقد 13 قال البخاري: أحفظ مائة ألف
حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح.
وجملة ما في كتابه الصحيح سبعة إلاف ومائتان وخمسة
وسبعون حديثا بإلاحاديث المتكررة. وقد قيل: إنها بإسقاط المكررة أربعة إلاف حديث.
إلا أن هذه العبارة قد يندرج تحتها عندهم آثار الصحابة والتابعين. وربما عد الحديث
الواحد المروي بإسنادين حديثين.
ثم إن الزيادة في الصحيح على ما في الكتابين يتلقاها
طالبها مما اشتمل عليه
______
"قوله" وجملة ما في
كتابه الصحيح يعنى البخاري سبعة إلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا بإلاحاديث
المكررة انتهى هكذا أطلق ابن الصلاح عدة أحاديثه والمراد بهذا العدد الرواية
المشهورة وهى رواية محمد بن يوسف الفربرى فأما رواية حماد بن شاكر فهى دونها
بمائتى حديث وأنقص الروايات رواية إبراهيم بن معقل فإنها تنقص عن رواية الفربرى
ثلاثمائة حديث.
ولم يذكر ابن الصلاح عدة أحاديث مسلم وقد ذكرها
النووى من زياداته في التقريب والتيسير فقال إن عدة أحاديثه نحو أربعة إلاف بإسقاط
المكرر انتهى ولم يذكر عدته بالمكرر وهو يزيد على عدة كتاب البخاري لكثرة طرقه وقد
رأيت عن أبى الفضل أحمد بن سلمة أنه اثنا عشر ألف حديث.
"قوله" ثم ان الزيادة في الصحيح على ما في الكتابين
يتلقاها طالبها مما اشتمل عليه أحد المصنفات المعتمدة المشتهرة لأئمة الحديث كأبى
داود الترمذي والنسائى وابن خزيمة والدارقطنى وغيرهم منصوصا على صحته فيها انتهى
كلامه.
ولا يشترط في معرفة الصحيح الزائد على ما في الصحيحين
أن ينص إلائمة المذكورون
أحد المصنفات
المعتمدة المشهورة لأئمة الحديث: كأبي داود السجستاني و أبي عيسى الترمذي و أبي
عبد الرحمن النسائي و أبي بكر بن خزيمة و أبي الحسن الدارقطني وغيرهم. منصوصا على
صحته فيها ولا يكفي في ذلك مجرد كونه موجودا في كتاب أبي داود و كتاب الترمذي و
كتاب النسائي وسائر من جمع في كتابه بين الصحيح وغيره ويكفي مجرد كونه موجودا في
كتب من اشترط منهم الصحيح فيما جمعه ككتاب ابن خزيمة. وكذلك ما يوجد في الكتب
المخرجة على كتاب البخاري و كتاب مسلم ككتاب أبي عوانة إلاسفرائيني و كتاب أبي بكر
إلاسماعيلي و كتاب أبي بكر البرقاني وغيرها من تتمة لمحذوف أو زيادة شرح في كثير
من أحاديث الصحيحين. وكثير من هذا موجود في الجمع بين الصحيحين لأبي عبد الله الحميدي.
________
وغيرهم على صحتها في كتبهم المعتمدة المشتهرة كما قيده
المصنف بل لو نص أحد منهم على صحته بالإسناد الصحيح كما في سؤإلات يحيى بن معين
وسؤإلات إلامام أحمد وغيرهما كفي ذلك في صحته وهذا واضح وإنما قيده المصنف
بتنصيصهم على صحته في كتبهم المشتهرة بناء على اختياره المتقدم أنه ليس لأحد أن
يصح في هذه إلاعصار فلا يكفي على هذا وجود التصحيح بلإسناد صحيح كما لا يكفي في
التصحيح بوجود أصل الحديث بإسناد صحيح.
ولكن قد تقدم أن اختياره هذا خالفه فيه النووى وغيره
من أهل الحديث فإن العمل على خلافه كما تقدم والله أعلم.
"وقوله" ويكفي مجرد
كونه موجودا في كتب من اشترط منهم الصحيح فيما جمعه ككتاب ابن خزيمة وكذلك ما يوجد
في الكتب المخرجة على كتاب البخاري وكتاب مسلم ككتاب أبى عوانة إلاسفراينى وكتاب
أبى بكر إلاسماعيلى وكتاب أبى بكر البرقانى وغيرها من تتمة لمحذوف أو زيادة شرح في
كثير من أحاديث الصحيحين وكثير من هذا موجود في الجمع بين الصحيحين لأبي عبد الله
الحميدي انتهى كلامه وهو يقتضى أن ما وجد من الزيادات على الصحيحين في كتاب الحميدي
يحكم بصحته وليس كذلك لأن المستخرجات المذكورة قد رووها بأسانيدهم الصحيحة فكانت
الزيادات التي تقع فيها صحيحة لوجودها بإسناد صحيح في كتاب مشهور على رأي
واعتنى الحاكم
أبو عبد الله الحافظ بالزيادة في عدد الحديث الصحيح على ما في الصحيحين وجمع ذلك
في كتاب سماه المستدرك أودعه ما ليس في واحد من الصحيحين: مما رآه على شرط الشيخين
قد أخرجا عن رواته في كتابيهما أو على شرط البخاري وحده أو على شرط مسلم وحده وما
أدى اجتهاده إلى تصحيحه وإن لم يكن على شرط واحد منهما وهو واسع الخطو في شرط
الصحيح متساهل في القضاء به. فإلاولى أن نتوسط في أمره فنقول:
ما حكم بصحته ولم نجد ذلك فيه لغيره من إلائمة إن لم يكن من قبيل الصحيح فهو من
قبيل الحسن يحتج به ويعمل به إلا أن تظهر فيه علة توجب ضعفه.
________
المصنف وأما الذي زاده الحميدي في الجمع بين الصحيحين
فإنه لم يروه بإسناده حتى ينظر فيه ولا أظهر لنا اصطلاحا أنه يزيد فيه زوايد التزم
فيها الصحة فيقلد فيها وإنما جمع بين كتابين وليست تلك الزيادات في واحد من
الكتابين فهى غير مقبولة حتى توجد في غيره بإسناد صحيح والله أعلم.
وقد نص المصنف بعد هذا في الفائدة الخامسة التي تلي
هذه أن من نقل شيئا من زيادات الحميدي عن الصحيحين أو أحدهما فهو مخطئ وهو كما ذكر
فمن أنزله أن تلك الزيادات محكوم بصحتها بلا مستند فالصواب ما ذكرناه والله أعلم.
"قوله" واعتنى الحاكم أبو عبد الله الحافظ
بالزيادة في عدد الحديث الصحيح على ما في الصحيحين وجمع ذلك في كتاب سماه المستدرك
أودعه ما ليس في واحد من الصحيحين مما رآه على شرط الشيخين قد أخرجا عن رواته في
كتابيهما الى آخر كلامه فيه أمران أحدهما أن قوله أودعه ما ليس في واحد من
الصحيحين لبس كذلك فقد أودعه أحاديث مخرجه في الصحيح وهما منه في ذلك وهى أحاديث
كثيرة منها حديث أبى سعيد الخدرى مرفوعا "لا تكتبوا عنى شيئا سوى
القرآن" الحديث رواه الحاكم في مناقب أبى سعيد الخدرى وقد أخرجه مسلم في
صحيحه.
وقد بين الحافظ أبو عبد الله الذهبى في مختصر
المستدرك كثيرا من إلاحاديث
ويقاربه في
حكمه صحيح أبي حاتم بن حبان البستي رحمهم الله أجمعين. والله أعلم.
الخامسة : الكتب المخرجة على كتاب البخاري أو كتاب
مسلم رضي الله
_________
التي أخرجها في المستدرك وهى في الصحيح. إلامر الثانى
أن قوله مما رآه على شرط الشيخين قد أخرجا عن رواته في كتابيهما فيه بيان أن ما هو
على شرطهما هو مما أخرجا عن رواته في كتابيهما ولم يرد الحاكم ذلك فقد قال في خطبة
كتابه المستدرك وأنا أستعين الله تعالى على اخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتج مثلها
الشيخان أو أحدهما فقول الحاكم بمثلهما أى بمثل رواتها لابهم أنفسهم ويحتمل أن
يراد بمثل تلك إلاحاديث وفيه نظر.
ولكن الذي ذكره المصنف هو الذي فهمه ابن دقيق العيد
من عمل الحاكم فإنه ينقل تصحيح الحاكم لحديث وأنه على شرط البخاري مثلا ثم يعترض
عليه بأن فيه فلانا ولم يخرج له البخاري وهكذا فعل الذهبى في مختصر المستدرك ولكن
ظاهر كلام الحاكم المذكور مخالف لما فهموه عنه والله أعلم.
"قوله" عند ذكر تساهل الحاكم فإلاولى أن تتوسط في
أمره فنقول ما حكم بصحته ولم نجد ذلك فيه لغيره من إلائمة ان لم يكن من قبيل
الصحيح فهو من قبيل الحسن يحتج به ويعمل به إلا أن تظهر فيه علة توجب ضعفه انتهى
كلامه.
وقد تعقبه بعض من اختصر كلامه وهو مولانا قاضى القضاه
بدر الدين بن جماعة فقال إنه يتتبع ويحكم عليه بما يليق بحاله من الحسن أو الصحة
أو الضعف وهذا هو الصواب.
إلا أن الشيخ أبا عمرو رحمه الله رأيه أنه قد انقطع
التصحيح في هذه إلاعصار فليس لأحد أن يصحح فلهذا قطع النظر عن الكشف عليه والله
أعلم.
"قوله" ويقاربه في حكمه صحيح أبى حاتم بن حبان
البستى انتهى.
وقد فهم بعض المتأخرين من كلامه ترجيح كتاب الحاكم
على كتاب ابن حبان فاعترض على كلامه هذا بأن قال أما صحيح ابن حبان فمن عرف شرطه
واعتبر كلامه
تعالى عنهما
لم يلتزم مصنفوها فيها موافقتهما في ألفاظ إلاحاديث بعينها من غير زيادة ونقصان
لكونهم رووا تلك إلاحاديث من غير جهة البخاري ومسلم طلبا لعلو الإسناد فحصل فيها
بعض التفاوت في إلالفاظ.
وهكذا ما أخرجه المؤلفون في تصانيفهم المستقلة:
كالسنن الكبير للبيهقي و شرح السنة لأبي محمد البغوي وغيرهما مما قالوا فيه: أخرجه
البخاري أو مسلم فلا يستفاد بذلك أكثر من أن البخاري أو مسلما أخرج أصل ذلك الحديث
مع احتمال أن يكون بينهما تفاوت في اللفظ وربما كان تفاوتا في بعض المعنى فقد وجدت
في ذلك ما فيه بعض التفاوت من حيث المعنى.
وإذا كان إلامر في ذلك على هذا فليس لك أن تنقل حديثا
منها وتقول: هو على هذا الوجه في كتاب البخاري أو كتاب مسلم إلا أن تقابل لفظه أو
يكون الذي خرجه قد قال أخرجه البخاري بهذا اللفظ بخلاف الكتب المختصرة من الصحيحين
فإن مصنفيها نقلوا فيها ألفاظ الصحيحين أو أحدهما. غير أن
الجمع بين الصحيحين للحميدي إلاندلسي منها يشتمل على زيادة تتمات لبعض إلاحاديث
كما قدمنا ذكره فربما نقل من لا يميز بعض ما يجده فيه عن الصحيحين أو أحدهما وهو
مخطئ لكونه من تلك الزيادات التي لا وجود لها في واحد من الصحيحين.
ثم إن التخاريج المذكورة على الكتابين يستفاد منها فائدتان:
إحداهما: علو الإسناد. والثانية: الزيادة في قدر الصحيح لما يقع فيها من ألفاظ
زائدة وتتمات في بعض إلاحاديث يثبت صحتها بهذه التخاريج لأنها واردة بإلاسانيد
الثابتة في الصحيحين أو أحدهما وخارجة من ذلك المخرج الثابت والله أعلم.
_________
عرف سموه على كتاب الحاكم وما فهمه هذا المعترض من كلام
المصنف ليس بصحيح وإنما أراد أنه يقاربه في التساهل فالحاكم أشد تساهلا منه وهو
كذلك قال الحازمى ابن حبان أمكن في الحديث من الحاكم.
"قوله" ثم ان التخاريج المذكورة على الكتابين
يستفاد منها فائدتان فذكرهما.
السادسة :ما
أسنده البخاري ومسلم رحمهما الله في كتابيهما بالإسناد المتصل فذلك الذي حكما
بصحته بلا إشكال.
وأما المعلق وهو الذي حذف من مبتدأ إسناده واحد أو
أكثر وأغلب ما وقع ذلك في كتاب البخاري وهو في كتاب مسلم قليل جدا ففي بعضه نظر.
______
ولو قال أن هاتين الفائدتين من فائدة المستخرجات كان
أحسن فإن فيها غير هاتين الفائدتين فمن ذلك تكثير طرق الحديث ليرجح بها عند
التعارض.
قوله وأما الذي حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر
وأغلب ما وقع ذلك في البخاري وهو في كتاب مسلم قليل جدا ففي بعضه نظر وينبغي أن
يقول ما كان من ذلك ونحوه بلفظ فيه جزم وحكم به على من علقه عنه فقد حكم بصحته عنه
مثاله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا قال ابن عباس كذا قال مجاهد كذا
قال عفان كذا قال القعنبي كذا روى أبو هريرة كذا وما أشبه ذلك من العبارات فكل ذلك
حكم منه على من ذكره عنه بأنه قد قال ذلك ورواه فلن يستجيز إطلاق ذلك إلا إذا صح
عنده ذلك عنه ثم اذا كان الذي علق الحديث عنه دون الصحابة فالحكم بصحته يتوقف على
اتصال الإسناد بينه وبين الصحابى
وأما ما لم يكن في لفظه جزم وحكم مثل روى عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وروى عن فلان كذا وفي الباب عن النبي صلى الله
عليه وسلم كذا وكذا وما أشبهه من إلالفاظ ليس منه حكم منه بصحة ذلك من ذكره عنه
لأن مثل هذه العبارات تستعمل في الحديث الضعيف أيضا ومع ذلك فإيراده له في أثناء
الصحيح مستعد بصحة أصله إشعارا يؤنس به ويركن إليه والله أعلم انتهى كلامه.
وفيه أمور أحدها أن قوله وهو في مسلم قليل جدا هو ما
ذكر ولكنى رأيت أن أبين موضع ذلك القليل ليضبط فمن ذلك قول مسلم في التيمم وروى
الليث ابن سعد حدثني جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز إلاعرج عن عمير مولى بن
عباس أنه سمعه يقول أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله
عليه وسلم حتى دخلنا على أبى الجهيم بن الحارث بن العمة إلانصارى فقال أبو الجهيم
أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بير جمل الحديث.
وينبغي أن
تقول: ما كان من ذلك ونحوه بلفظ فيه جزم وحكم به على من علقه عنه فقد حكم بصحته
عنه. مثاله: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:كذا وكذا قال: ابن عباس كذا قال مجاهد: كذا قال
عفان: كذا. قال القعنبي: كذا روى أبو هريرة كذا وكذا وما أشبه ذلك من العبارات. فكل ذلك حكم
منه على من ذكره عنه بأنه قد قال ذلك ورواه فلن يستجيز إطلاق ذلك إلا إذا صح عنده
ذلك عنه.
_________
وقال مسلم في البيوع وروى الليث بن سعد حدثني جعفر بن
ربيعة عن عبد الرحمن ابن هرمز عن عبد الله بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك أنه كان
له مال على عبد الله بن أبى حدرد إلاسلمى الحديث.
وقال مسلم في الحدود وروى الليث أيضا عن عبد الرحمن
بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب بهذا الإسناد مثله وهذان الحديثان إلاخيران قد
رواهما مسلم قبل هذين الطريقين متصلا ثم عقبهما بهذين الإسنادين المعلقين فعلى هذا
ليس في كتاب مسلم بعد المقدمة حديث معلق لم يوصله إلا حديث أبى الجهم المذكور وفيه
بقية أربعة عشر موضعا رواه متصلا ثم عقبه بقول ورواه فلان وقد جمعها الرشيد العطار
في الغرر والمجموعة وقد تبينت ذلك كله في كتاب جمعته فيما تكلم فيه من أحاديث
الصحيحين بضعف أو انقطاع والله أعلم.
إلامر الثانى أن قوله في أمثلة ما حذف من مبتدإ إسناده
واحد أو أكثر قال عفان كذا قال القعنبي كذا ليس بصحيح ولم يسقط من هذا الإسناد شئ
فإن عفان والعقنبي كلاهما من شيوخ البخاري الذين سمع منهم فما روى عنهما ولو بصيغة
لا نقتضى التصريح بالسماع فهو محمول على إلاتصال وقد ذكره ابن الصلاح كذلك على
الصواب في النوع الحادى عشر من كتابه في الرابع من التفريعات التي ذكرها فيه فأنكر
على ابن حزم حكمه بإلانقطاع على حديث أبى مالك إلاشعرى أو أبى عامر في تحريم
المعازف لأن البخاري أورده قائلا فيه قال هشام بن عمار وهشام بن عمار أحد شيوخ
البخاري وذكر المصنف هنا من أمثلة التعليق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا
وكذا قال ابن عباس كذا وكذا روى أبو هريرة كذا وكذا قال الزهري عن أبى سلمة
ثم إذا كان
الذي علق الحديث عنه دون الصحابة: فالحكم بصحته يتوقف على اتصال الإسناد بينه وبين
الصحابي وأما ما لم يكن في لفظه جزم وحكم مثل: روي عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كذا وكذا أو روي عن فلان كذا أو في الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا
وكذا فهذا وما أشبهه من إلالفاظ ليس في شيء منه حكم منه بصحة ذلك عمن ذكره عنه لأن
مثل هذه العبارات تستعمل في الحديث الضعيف أيضا. ومع ذلك فإيراده له في أثناء
الصحيح مشعر بصحة أصله إشعارا يؤنس به ويركن إليه والله أعلم.
______
عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا
وهكذا إلى شيوخ شيوخه قال وأما ما أورده كذلك عن شيوخه فهو من قبيل ما ذكرناه
قريبا في الثالث من هذه التفريعات انتهى كلامه وسيأتي هناك ذكر ما يعكر على كلامه
فراجعه والذي ذكره في ثالث التفريعات أن من روى عمن لقيه بأى لفظ كان فإن حكمه
إلاتصال بشرط السلامة من التدليس هذا حاصل ما ذكره وهو الصواب وليس البخاري مدلسا
ولم يذكره أحد بالتدليس فيما رأيت إلا أبا عبد الله بن منده فإنه قال في جزء له في
اختلاف إلائمة في القراءة والسماع والمناولة والإجازة أخرج البخاري في كتبه
الصحيحة وغيرها قال لنا فلان وهى إجازة وقال فلان وهو تدليس قال وكذلك مسلم أخرجه على
هذا انتهى كلام ابن منده وهو مردود عليه ولم يوافقه عليه أحد علمته.
والدليل على بطلان كلامه أنه ضم مع البخاري مسلما في
ذلك ولم يقل مسلم في صحيحه بعد المقدمة عن أحد من شيوخه قال فلان وإنما روى عنهم
بالتصريح فهذا يدلك على توهين كلام ابن منده لكن سيأتي في النوع الحادى عشر ما
يدلك على أن البخاري قد يذكر الشئ عن بعض شيوخه ويكون بينهما واسطة وهذا هو
التدليس فالله أعلم.
إلامر الثالث أن قوله ثم إذا كان الذي علق عنه الحديث
دون الصحابة فالحكم بصحته يتوقف على اتصال الإسناد بينه وبين الصحابى فيه نقص لابد
منه وهو
________
أنه يشترط مع اتصاله ثقة من أبرزه من رجاله ويحترز
بذلك عن مثل قول البخاري وقال بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه
وسلم الله أحق أن يستحى منه وقد ذكر المصنف بعد هذا أن هذا ليس من شرط البخاري
قطعا قال ولذلك لم يورده الحميدي في جمعه بين الصحيحين.
إلامر الرابع أنه اعترض على المصنف فيما قاله من ان
ما كان مجزوما به فقد حكم بصحته عمن علقه عنه وما لم يكن مجزوما به فليس فيه حكم بصحته
وذلك لأن البخاري يورد بصيغة الشئ التمريض ثم يخرجه في صحيحه مسندا ويجزم بالشئ
وقد يكون لا يصح ثم استدل المعترض بذلك بأن البخاري قال في كتاب الصلاة ويذكر عن
أبى موسى كنا نتناوب النبي صلى الله عليه وسلم عند صلاة العشاء ثم أسنده في باب
فضل العشاء وقال في كتاب الطب ويذكر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في
الرقى بفاتحة الكتاب وهو مذكور عنده هكذا قال حدثنا سيدان بن مضارب حدثني أبو معشر
البراء حدثنا عبد الله بن إلاخنس عن ابن أبى مليكة عن ابن عباس به وقال في كتاب
إلاشخاص ويذكر عن جابر ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رد على المتصدق صدقته قال
وهو ) حديث صحيح عنده دبر رجل عبدا ليس له مال غيره فباعه النبي صلى الله عليه
وسلم من نعيم بن النحام وقال في كتاب الطلاق ويذكر عن على بن أبى طالب وبن المسيب وذكر
نحوا من ثلاثة وعشرين تابعيا كذا قال وفيها ما هو صحيح عنده وفيها ما هو ضعيف أيضا
ثم استدل على الثانى بأن البخاري قال في كتاب التوحيد في باب وكان عرشه على الماء
إثر حديث أبى سعيد الناس يصعقون يوم القيامة فإذا أنا بموسى قال وقال الماجشون وعن
عبد الله بن الفضل عن أبى سلمة عن أبى هريرة فأكون أول من بعث فذكر في أحاديث إلانبياء
حديث الماجشون هذا عن عبد الله بن الفضل عن إلاعرج عن أبى هريرة وكذا رواه مسلم
والنسائى ثم قال قال أبو مسعود إنما يعرف عن الماجشون عن ابن الفضل عن إلاعرج
انتهى ما اعترض به عليه.
والجواب أن ابن الصلاح لم يقل إن صيغة التمريض لا
تستعمل إلا في الضعيف بل في كلامه أنها تستعمل في الصحيح أيضا إلا ترى قوله لأن
مثل هذه العبارات
.
_______
تستعمل في الحديث الضعيف أيضا فقوله أيضا دال على
أنها تستعمل في الصحيح أيضا فاستعمال البخاري لها في موضع الصحيح ليس مخالفا لكلام
ابن الصلاح وإنما ذكر المصنف أنا إذا وجدنا عنده حديثا مذكورا بصيغة التمريض ولم
يذكره في موضع آخر من كتابه مسندا أو تعليقا مجزوما به لم يحكم عليه بالصحة وهو
كلام صحيح.
ونحن لم نحكم على إلامثلة التي اعترض بها المعترض إلا
بوجودها في كتابه مسنده فلو لم نجدها في كتابه إلا في مواضع التمريض لم نحكم
بصحتها على أن هذه إلامثلة الثلاثة التي اعترض بها يمكن الجواب عنها بما ستراه.
والبخاري رحمه الله حيث علق ما هو صحيح إنما يأتي به
بصيغة الجزم وقد يأتي به بغير صيغة الجزم لغرض آخر غير الضعف وهو إذا اختصر الحديث
وآتى به بالمعنى عبر بصيغة التمريض لوجود الخلاف المشهور في جواز الرواية بالمعنى
والخلاف أيضا في جواز اختصار الحديث وإن رأيت أن يتضح لك ذلك فقابل بين موضع
التعليق وبين موضع الإسناد تجد ذلك واضحا.
فأما المثال إلاول فقال البخاري في باب ذكر العشاء والعتمة
ويذكر عن أبى موسى كنا نتناوب النبي صلى الله عليه وسلم عند صلاة العشاء فأعتم بها
ثم قال في باب فضل العشاء حدثنا محمد بن العلا حدثنا أبو أسامة عن يزيد عن أبى
بردة عن أبى موسى قال كنت أنا وأصحابى الذين قدموا معى في السفينة نزولا في بقيع
بطحان والنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فكان يتناوب النبي صلى الله عليه وسلم
عند صلاة العشاء كل ليلة نفر منهم فواقفنا النبي صلى الله عليه وسلم وله بعض الشغل
في بعض أمره فأعتم بالصلاة حتى أبهار الليل الحديث.
فانظر كيف اختصره هناك وذكره بالمعنى فلهذا عدل عن
الجزم لوجود الخلاف في حواز ذلك والله أعلم.
وأما المثال الثانى فقال البخاري في الطب باب الرقا
بفاتحة الكتاب ويذكر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال بعده باب
الشروط في الرقية بقطيع من الغنم سيدان بن مضارب أبو محمد الباهلى قال حدثنا أبو
معشر يوسف بن يزيد البراء
_________
قال حدثني عبد الله بن إلاخنس أبو مالك عن ابن أبى
مليكه عن ابن عباس أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ
أو سليم فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال هل فيكم من راق فإن في الماء رجلا لديفا
أو سليما فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ فجاء بالشاء إلى أصحابه
فكرهوا ذلك فقالوا أخذت على كتاب الله أجرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله " انتهى.
وإنما لم يأت به البخاري في الموضع إلاول مجزوما به لقوله
فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم والرقية بفاتحة الكتاب ليست في الحديث المتصل من
قول النبي صلى الله عليه وسلم ولا من فعله وإنما ذلك من تقديره على الرقية بها
وتقريره أحد وجوه السنن ولكن عزوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم من باب الرواية
بالمعنى.
والذي يدلك على أن البخاري إنما لم يجزم به لما
ذكرناه أنه علقه في موضع آخر بلفظه فجزم به فقال في كتاب الإجازة باب ما يعطى في
الرقية بفاتحة الكتاب.
وقال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أحق ما
أخذتم عليه أجرا كتاب الله.
على أنه يجوز أن يكون الموضع الذي ذكره البخاري بغير
إسناد عن ابن عباس مرفوعا حديثا آخر في الرقية بفاتحة الكتاب غير الحديث الذي رواه
كنحو ما وقع في حديث جابر المذكور بعده.
وأما المثال الثالث فقوله رد على المتصدق صدقته هو
بغيرلفظ بيع العبد المدبر بل أزيد على هذا وأقول الظاهر أن البخاري لم يرد الصدقة
حديث جابر المذكور في بيع المدبر وإنما أراد والله أعلم حديث جابر في الرجل الذي
دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فأمرهم فتصدقوا عليه فجاء في الجمعة الثانية
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة فقام ذلك المتصدق عليه فتصدق بأحد ثوبيه
فردة عليه النبي صلى الله
ثم إن ما
يتقاعد من ذلك عن شرط الصحيح قليل يوجد في كتاب البخاري في مواضع من تراجم إلابواب
دون مقاصد الكتاب وموضوعه الذي يشعر به اسمه الذي سماه به وهو: الجامع المسند
الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه وإلى الخصوص
الذي بيناه يرجع مطلق قوله: ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح.
وكذلك مطلق قول الحافظ أبي نصر الوايلي السجزي: أجمع أهل
العلم الفقهاء وغيرهم على أن رجلا لو حلف بالطلاق: أن جميع ما في كتاب البخاري مما
روي عن
_______
عليه وسلم. وهو حديث ضعيف رواه الدارقطنى وهو الذي
تأول به الحنفية قصة سليك الغطفانى في أمره بتحية المسجد حين دخل في حال الخطبة والله
أعلم.
وأما المثال الرابع: وهو قوله ويذكر عن على بن أبى
طالب إلى آخره فليس فيه عليه اعتراض لأنه إذا جمع بين ما صح وبين ما لم يصح أتى
بصيغة التمريض لأن صيغة التمريض تستعمل في الصحيح ولا تستعمل ولا تستعمل صيغة
الجزم في الضعيف وأما عكس هذا وهو إلاتيان بصيغة الجزم فيما ليس بصحيح فهذا لا
يجوز ولا يظن بالبخاري رحمه الله ذلك ولا يمكن أن يجزم بشئ إلا وهو صحيح عنده.
وقول البخاري في التوحيد: وقال الماجشون إلى آخره هو
صحيح عند البخاري بهذا السند وكونه رواه في أحاديث إلانبياء متصلا فجعل مكان أبى
سلمة إلاعرج فهذا لا يدل على ضعف الطريق التي فيها أبو سلمة ولا مانع من أن يكون
عند الماجشون في هذا الحديث إسنادان وأن شيخه عبد الله بن الفضل سمعت من شيخين من
إلاعرج ومن أبى سلمة فرواه مرة عن هذا ومرة عن هذا ويكون الإسناد الذي وصله به
البخاري أصح من الإسناد الذي علقه به ولا يحكم على البخاري بالوهم والغلط بقول أبى
مسعود الدمشقى بقوله إنه إنما يعرف عن إلاعرج فقد عرفه البخاري عنهما ووصله مرة عن
هذا أو علقه مرة عن هذا إلامر اقتضى ذلك فما وصل إسناده صحيح وما علقه وجزم به
يحكم عليه أيضا بالصحة والله أعلم.
"قوله" وكذلك مطلق قول الحافظ أبى نصر الوائلى
السجزى أجمع أهل العلم
النبي صلى
الله عليه وسلم قد صح عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاله لا شك فيه أنه لا
يحنث والمرأة بحالها في حبالته.
_______
الفقهاء وغيرهم أن رجلا لو حلف بالطلاق أن جميع ما في
كتاب البخاري مما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قد صح عنه ورسول الله صلى الله
عليه وسلم قاله لا شك فيه أنه لا يحنث والمرأة بحالها في حبالته انتهى.
وما ذكره الوايلى لا يقتضى أنه لا يشك في صحته ولا
أنه مقطوع به لأن الطلاق لا يقع بالشك وقد ذكر المصنف هذا في شرح مسلم له فإنه حكى
فيه عن إمام الحرمين أنه لو حلف إنسان بطلاق امرأته إنما في كتاب البخاري ومسلم
مما حكما بصحته من قول النبي صلى الله عليه وسلم لما ألزمته الطلاق ولا خثته
لإجماع علماء المسلمين على صحتهما.
ثم قال الشيخ أبو عمرو: ولقائل أن يقول إنه لا يحنث
ولو لم يجمع المسلمون على صحتهما للشك في الحنث فإنه لو حلف بذلك في حديث ليس هذه
صفته لو يحنث وإن كان راويه فاسقا فعدم الحنث حاصل قبل إلاجماع فلا يضاف إلى
إلاجماع.
ثم قال الشيخ أبو عمرو: والجواب أن المضاف إلى
إلاجماع هو القطع بعدم الحنث ظاهرا وباطنا وأما عند الشك فمحكوم به ظاهرا مع
احتمال وجوده باطنا فعلى هذا يحمل كلام أمام الحرمين فهو إلاليق بتحقيقه.
وقال النووى في شرح مسلم: إن ما قاله الشيخ في تأويل كلام
إمام الحرمين في عدم الحنث فهو بناء على ما اختاره الشيخ وأما على مذهب ألأكثرين
فيحتمل أنه أراد أنه لا يحنث ظاهرا ولا يستحب له التزام الحنث حتى يستحب له الرجعة
كما إذا حلف بمثل ذلك في غير الصحيحين فإنا لا نحنثه لكن تحب له الرجعة احتياطا
لاحتمال الحنث وهو احتمال ظاهر.
قال وأما الصحيحان فاحتمال الحنث فيهما في غاية من
الضعف فلا يحب له الرجعة لضعف احتمال موجبها.
وكذلك ما
ذكره أبو عبد الله الحميدي في كتابه الجمع بين الصحيحين من قوله: لم نجد من إلائمة
الماضين رضي الله عنهم أجمعين من أفصح لنا في جميع ما جمعه بالصحة إلا هذين
إلامامين
فإنما المراد بكل ذلك: مقاصد الكتاب وموضوعه ومتون
إلابواب دون التراجم ونحوها لأن في بعضها ما ليس من ذلك قطعا مثل قول: البخاري باب
ما يذكر في الفخذ ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي صلى الله عليه
وسلم: الفخذ عورة وقوله في أول باب من أبواب الغسل: وقال بهز بن
حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الله أحق أن يستحي
منه" فهذا قطعا ليس من شرطه ولذلك لم يورده الحميدي في جمعه بين الصحيحين
فاعلم ذلك فإنه مهم خاف والله أعلم.
السابعة: وإذا انتهى إلامر في معرفة الصحيح إلى ما
خرجه إلائمة في تصانيفهم الكافلة ببيان ذلك كما سبق ذكره فالحاجة ماسة إلى
________
"قوله" مثل قول
البخاري باب ما يذكر في الفخد ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي صلى
الله عليه وسلم: "الفخد عورة" انتهى.
اعترض عليه بأن حديث جرهد صحيح، وعلى تقدير صحة حديث
جرهد ليس على المصنف رد لأنه لم ينف صحته مطلقا لكن نفي كونه من شرط البخاري فإنه
لما مثل به وبحديث بهز بن حكيم قال فهذا قطعا ليس من شرطه على أنا لا نسلم أيضا
صحته لما فيه من إلاضطراب في إسناده فقيل عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد عن أبيه
عن جده وقيل عن زرعة عن جده ولم يذكر أباه وقيل عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم
لم يذكر جده وقيل عن زرعة بن مسلم بن جرهد عن أبيه عن جده وقيل عن زرعة بن مسلم عن
جده ولم يذكر أباه وقيل عن ابن جرهد عن أبيه ولم يتم وقيل عن عبد الله بن جرهد عن
أبيه.
وقد أخرجه أبو داود وسكت عليه والترمذي من طرق وحسنه
وقال في بعض طرقه وما أرى إسناده بمتصل.
التنبيه على
أقسامه باعتبار ذلك
فأولهما : صحيح أخرجه البخاري ومسلم جميعا
الثاني : صحيح انفرد به البخاري أي عن مسلم
الثالث : صحيح انفرد به مسلم أي عن البخاري
الرابع : صحيح على شرطهما لم يخرجاه
الخامس : صحيح على شرط البخاري لم يخرجه
السادس : صحيح على شرط مسلم لم يخرجه
السابع : صحيح عند غيرهما وليس على شرط واحد منهما
هذه أمهات أقسامه وأعلاها إلاول وهو الذي يقول فيه
أهل الحديث كثيرا: صحيح متفق عليه. يطلقون ذلك ويعنون به اتفاق البخاري ومسلم لا
اتفاق إلامة عليه. لكن اتفاق إلائمة عليه لازم من ذلك
وحاصل معه لاتفاق إلامة على تلقي ما اتفقا عليه بالقبول.
وهذا القسم جميعه مقطوع بصحته والعلم اليقيني النظري
واقع به. خلافا لقول من
_______
وقال البخاري في صحيحه حديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط.
"قوله" عند ذكر أقسام الصحيح فأولها صحيح أخرجه
البخاري ومسلم جميعا انتهى.
اعترض عليه بأن إلاولى أن نقول صحيح على شرط الستة
وقيل في إلاعتراض عليه أيضا الصواب أن يقول أصحها ما رواه الكتب الستة والجواب أن
من لم يشترط في كتابه الصحيح لا يزيد تخريجه للحديث قوة نعم ما اتفق الستة على
توثيق رواته أولى بالصحة مما اختلفوا فيه وإن اتفق عليه الشيخان.
"قوله" في الحديث المتفق عليه وهذا القسم جميعه
مقطوع بصحته والعلم اليقينى النظرى واقع به إلى آخر كلامه وقال في آخره سوى أحرف
يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطنى وغيره وهى معروفة عند أهل
هذا الشأن انتهى كلامه.
وفيه أمران أحدهما أن ما ادعاه من أن ما أخرجه
الشيخان مقطوع بصحته قد سبقه إليه الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسى وأبو نصر
عبد الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف فقإلا إنه مقطوع به وقد عاب الشيخ عز الدين بن
عبد السلام على ابن الصلاح هذا وذكر أن بعض المعتزلة يرون أن إلامة إذا عملت بحديث
نفي ذلك
محتجا بأنه لا يفيد في أصله إلا الظن وإنما تلقته إلامة بالقبول لأنه يجب عليهم
العمل بالظن والظن قد يخطئ وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويا ثم بان لي أن المذهب
الذي اخترناه أولا هو الصحيح لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ. وإلامة في
إجماعها معصومة من الخطأ ولهذا كان إلاجماع المبتني على إلاجتهاد حجة مقطوعا بها
وأكثر إجماعات العلماء كذلك وهذه نكتة نفيسة نافعة ومن فوائدها: القول بأن ما
انفرد به البخاري أو مسلم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته لتلقي إلامة كل واحد من
كتابيهما بالقبول على الوجه الذي فصلناه من حالهما فيما سبق سوى أحرف يسيرة تكلم
عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني وغيره وهي معروفة عند أهل هذا الشأن
والله أعلم.
الثامنة : إذا ظهر بما
قدمناه انحصار طريق معرفة الصحيح والحسن إلان في مراجعة الصحيحين وغيرهما من الكتب
المعتمدة فسبيل من أراد العمل
_________
اقتضى ذلك القطع بصحته قال وهو مذهب ردئ.
وقال الشيخ محيى الدين النووي في التقريب والتيسير
خالف ابن الصلاح المحققون وألأكثرون فقالوا يفيد الظن ما لم يتواتر.
وقال في شرح مسلم نحو ذلك بزيادة قال ولا يلزم من
اجماع إلامة على العمل بما فيهما إجماعهم على أنه مقطوع بأنه كلام النبي صلى الله
عليه وسلم قال وقد اشتد إنكار ابن برهان إلامام على من قال بما قاله الشيخ وبالغ
في تغليظه.
إلامر الثانى إن ما استثناه من المواضع اليسيرة قد
أجاب العلماء عنها بأجوبة ومع ذلك فليست بيسيرة بل هى مواضع كثيرة وقد جمعتها في
تصنيف مع الجواب عنها وقد ادعى ابن حزم في أحاديث من الصحيحين أنها موضوعة ورد
عليه ذلك كما بينته في التصنيف المذكور والله أعلم.
قوله إذا ظهر بما قدمناه انحصار طريق معرفة الصحيح
والحسن إلان في مراجعة الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة فسبيل من أراد العلم أو
إلاحتجاج بذلك إذا كان ممن يسوغ له العمل بالحديث أو إلاحتجاج به لذى مذهب أن يرجع
أو إلاحتجاج
بذلك إذا كان ممن يسوغ له العمل بالحديث أو إلاحتجاج به لدى مذهب أن يرجع إلى أصل
قد قابله هو أو ثقة غيره بأصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة ليحصل له بذلك
مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد بالتبديل والتحريف الثقة بصحة ما اتفقت
عليه تلك إلاصول والله أعلم.
النوع الثاني: معرفة الحسن من الحديث:روينا عن أبي
سليمان الخطابي رحمه الله أنه قال بعد حكايته أن الحديث عند أهله ينقسم إلى
إلاقسام الثلاثة التي قدمنا ذكرها الحسن: ما عرف مخرجه واشتهر رجاله. قال: وعليه
مدار أكثر الحديث وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله
_______
إلى أصل قد قابله هو أو ثقه غير بأصول صحيحة متعددة
مروية بروايات متنوعة إلى آخر كلامه ما اشترطه المصنف من المقابلة بأصول متعددة قد
خالفه فيه الشيخ محيى الدين النووى فقال وإن قابلها بأصل معتمد محقق أجزأه قلت وفي
كلام ابن الصلاح في موضع آخر ما يدل على عدم اشتراط تعدد إلاصول فإنه حين تكلم في
نوع الحسن أن نسخ الترمذي تختلف في قوله حسن أو حسن صحيح ونحو ذلك قال فينبغى أن
تصحح أصلك بجماعة أصول وتعتمد على ما أتفقت عليه فقوله هنا ينبغى يعطى عدم اشتراط
والله أعلم.
النوع الثانى معرفه الحسن.
"قوله" روينا عن أبى سليمان الخطابى رحمه الله
تعالى أنه قال الحسن ما عرف مخرجه واشتهر رجاله انتهى.
ثم ذكر الشيخ بعد ذلك أنه ليس في كلام الترمذي
والخطابى ما يفضل الحسن من الصحيح انتهى وفيه أمران أحدهما أن ما حكاه من صيغة
كلام الخطابى قد اعترض عليه فيه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عمر بن رشيد فيما
حكاه الحافظ أبو الفتح اليعمرى في شرح الترمذي فقال إنه رآه بخط الحافظ أبى على
الجيانى أنه ما عرف مخرجه واستقر حاله أى بالسين المهملة وبالقاف وبالحاء المهملة
دون راء في أوله قال ابن رشيد وأنا بحظ الجيانى عارف انتهى.
عامة
الفقهاء وروينا عن أبي عيسى الترمذي رضي الله عنه أنه يريد بالحسن: أن لا يكون في إسناده
من يتهم بالكذب ولا يكون حديثا شاذا ويروى من غير وجه نحو ذلك.
______
وما اعترض به ابن رشيد مردود فإن الخطابى قد قال ذلك
في خطبة كتابه معالم السنن وهو في النسخ الصحيحة المعتمدة المسموعة كما ذكره
المصنف واشتهر رجاله وليس لقوله واستقر حاله كبير معنى والله أعلم.
إلامر الثانى أن ما ذكره من أنه ليس في كلام الخطابى
ما يفصل الحسن من الصحيح ذكره ابن دقيق العيد أيضا في إلاقتراح وزاده وضوحا فقال
ليس في عبارة الخطابى كبير تلخيص وأيضا فالصحيح قد عرف مخرجه واشتهر رجاله فيدخل
الصحيح في الحسن واعترض الشيخ تاج الدين التبريزى على كلام الشيخ تقى الدين بقوله
فيه نظر لأنه ذكر من بعد أن الصحيح أخص من الحسن قال ودخول الخاص في حد العام
ضرورى والتقييد بما يخرجه للحد وهو اعتراض متجه وقد أجاب بعض المتأخرين عن استشكال
حدى الترمذي والخطابى بأن قول الخطابى ما عرف مخرجه هو كقول الترمذي ويروى نحوه من
غير وجه وقول الخطابى اشتهر رجاله يعنى بالسلامة من وصمة الكذب هو كقول الترمذي
ولا يكون في إسناده من يتهم بالكذب وزاد الترمذي ولا يكون شاذا ولا حاجة إلى ذكره
لأن الشاذ ينافي عرفان المخرج فكأنه كرره بلفظ متباين فلا إشكال فيما قإلاه انتهى.
وما فسر به قول الخطابى ما عرف مخرجه بأن يروى من غير
وجه لا يدل عليه كلام الخطابى أصلا بل الذي رأيته في كلام بعض الفضلاء أن في قوله
ما عرف مخرجه إحترازا عن المرسل وعن خبر المدلس قبل أن يبين تدليسه وهذا أحسن في
تفسير كلام الخطابى لأن المرسل الذي سقط بعض إسناده وكذلك المدلس الذي سقط منه
بعضه لا يعرف فيهما مخرج الحديث لأنه لا يدرى من سقط من إسناده بخلاف من أبرز جميع
رجاله فقد عرف مخرج الحديث من أين والله أعلم.
"قوله" وروينا عن أبى عيسى الترمذي رحمه الله أنه
يريد بالحسن أن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون شاذا أو يروى من غير
وجه نحو ذلك إنتهى.
وقال بعض
المتأخرين:الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل هو الحديث
_______
اعترض بعض من اختصر كلام ابن الصلاح عليه في حكاية
هذا عن الترمذي وهو الحافظ عماد الدين بن كثير فقال وهذا إن كان قد روى عن الترمذي
أنه قاله ففي أى كتاب له قاله وأين إسناده عنه وإن كان فهم من اصطلاحه في كتابه
الجامع فليس ذلك بصحيح فإنه يقول في كثير من إلاحاديث هذا حديث حسن غريب لا نعرفه
إلا من هذا الوجه انتهى.
وهذا إلانكار عجيب فإنه في آخر العلل التي في آخر الجامع
وهى داخلة في سماعنا وسماع المنكر لذلك وسماع الناس نعم ليست في رواية كثير من
المغاربة فإنه وقعت لهم رواية المبارك ابن عبد الجبار الصيرفي وليست في روايته عن
أبى يعلى أحمد ابن عبد الواحد وليست في رواية أبى يعلى عن أبى على السنجى وليست في
رواية أبى على السنجى عن أبى العباس المحبوبى صاحب الترمذي ولكنها في رواية عبد
الجبار ابن محمد الجراحى عن المحبوبى ثم اتصلت عنه بالسماع إلى زماننا بمصر والشام
وغيرهما من البلاد إلاسلامية ولكن استشكل أبو الفتح اليعمرى كون هذا الحد الذي
ذكره الترمذي اصطلاحا عاما لأهل الحديث فنورد لفظ الترمذي أولا:
قال أبو عيسى وما ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن إنما
أردنا به حسن إسناده عندنا كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا
يكون الحديث شاذا ويروى من غير وجه نحو ذاك فهو عندنا حديث حسن انتهى كلامه فقيد
الترمذي تفسير الحسن بما ذكره في كتابه الجامع فلذلك قال أبو الفتح اليعمرى في شرح
الترمذي إنه لو قال قائل إن هذا إنما اصطلح عليه الترمذي في كتابه هذا ولم ينقله
اصطلاحا عاما كان له ذلك فعلى هذا لا ينقل عن الترمذي حد الحديث الحسن بذلك مطلقا
في إلاصطلاح العام والله أعلم.
"قوله" وقال بعض المتأخرين الحديث الذي فيه ضعف
قريب محتمل هو الحديث الحسن انتهى.
وأراد المصنف ببعض المتأخرين هنا أبا الفرج ابن
الجوزى فإنه قال هكذا في كتابيه الموضوعات والعلل المتناهية.
الحسن ويصلح
للعمل به قلت:كل هذا مستبهم لا يشفي الغليل وليس فيما ذكره الترمذي و الخطابي ما
يفصل الحسن من الصحيح. وقد أمعنت النظر في ذلك والبحث جامعا بين أطراف كلامهم
ملاحظا مواقع استعمالهم فتنقح لي واتضح أن الحديث الحسن قسمان:
أحدهما: الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم
تتحقق أهليته غير أنه ليس مغفلا كثير الخطأ فيما يرويه ولا هو متهم بالكذب في الحديث
أي لم يظهر منه تعمد الكذب في الحديث ولا سبب آخر مفسق ويكون متن الحديث مع ذلك قد
عرف بأن روي مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على
مثله أو بما له من شاهد وهو ورود حديث آخر بنحوه فيخرج بذلك عن أن يكون شاذا
ومنكرا وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل
________
قال الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد في إلاقتراح إن
هذا ليس مضبوطا بضابط يتميز به القدر المحتمل من غيره قال وإذا اضطرب هذا الوصف لم
يحصل التعريف المميز للحقيقة.
"قوله" وقد أمعنت النظر في ذلك والبحث جامعا بين
أطراف كلامهم ملاحظا مواقع استعمالهم فتنقح لى واتضح أن الحديث الحسن قسمان إلى آخر
كلامه وقد أنكر بعض العلماء المتأخرين لفظ إلا معان وقال إنه ليس عربيا وكذلك قول
الفقهاء في التنعم أمعن في الطلب ونحو ذلك.
وقد نظرت في ذلك فوجدته مأخوذا من أمعن الفرس في عدوه
أو من أمعن الماء إذا استنبطه وأخرجه وقد حكى إلازهرى في تهذيب اللغة عن الليث بن
المظفر أمعن الفرس وغيره إذا تباعد في عدوه وكذا قال الجوهرى في الصحاح وحكاه
إلازهرى أيضا أمعن الماء إذا أحراه ويحتمل أنه من أمعن إذا أكثر وهو من إلامداد
قال أبو عمر والمعن القليل والمعن الكثير والمعن الطويل والمعن القصير والمعن
إلاقرار بالحق والمعن الجحود والكفر للنعم والمعن الماء الطاهر.
وما ذكره المصنف من كون الحديث الحسن على قسمين إلى
آخر كلامه قد أخذ
القسم الثاني:
أن يكون راويه من المشهورين بالصدق وإلامانة غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح
لكونه يقصر عنهم في الحفظ وإلاتقان وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد ما ينفرد به من
حديثه منكرا ويعتبر في كل هذا مع سلامة الحديث من أن يكون شاذا ومنكرا سلامته من
أن يكون معللا وعلى القسم الثاني يتنزل كلام الخطابي فهذا الذي ذكرناه جامع لما
تفرق في كلام من بلغنا كلامه في ذلك وكأن الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن وذكر الخطابي
النوع إلاخر مقتصرا كل واحد منهما على ما رأى أنه يشكل معرضا عما رأى أنه لا يشكل.
أو أنه غفل عن البعض وذهل والله أعلم هذا تأصيل ذلك وتوضيحه.
تنبيهات وتفريعات.
أحدها : الحسن يتقاصر عن الصحيح في أن الصحيح من
شرطه: أن يكون
________
عليه فيه الشيخ تقى الدين في إلاقتراح إجمإلا فقال
بعد أن حكى كلامه وعليه فيه مؤاحذات ومناقشات.
وقال بعض المتأخرين يرد على القسم إلاول المنقطع
والمرسل الذي في رجاله مستور وروى مثله أو نحوه من وجه آخر ويرد على الثانى المرسل
الذي اشتهر رواته بما ذكر قال فإلاحسن أن يقال الحسن ما في إسناده المتصل مستور له
به شاهد أو مشهود قاصر عن درجة إلاتقان وخلا من العلة والشذوذ والله أعلم.
"قوله" الحسن
يتقاصر عن الصحيح في أن الصحيح من شرطه أن يكون جميع رواته قد تبينت عدالتهم
وضبطهم وإتقانهم إما بالنقل الصريح أو بإلاستفاضة على ما سيبينه إن شاء الله تعالى
وذلك غير مشترط في الحسن فإنه يكتفي فيه بما سبق ذكره من مجئ الحديث من وجوه وغير
ذلك مما تقدم شرحه انتهى كلامه وفيه أمران:
أحدهما: أنه قد اعترض عليه بأن جميع رواة الصحيح لا
يوجد فيهم هذه الشروط إلا في النذر اليسير إنتهى.
جميع رواته
قد ثبتت عدالتهم وضبطهم وإتقانهم إما بالنقل الصريح أو بطريق إلاستفاضة.على ما
سنبينه إن شاء الله تعالى وذلك غير مشترط في الحسن فإنه يكتفي فيه بما سبق ذكره من
مجيء الحديث من وجوه وغير ذلك مما تقدم شرحه.
وإذا استبعد ذلك من الفقهاء الشافعية مستبعد ذكرنا له
نص الشافعي رضي
_________
والجواب أن العدالة تثبت إما بالتنصيص عليها كالمصرح
بتوثيقهم وهم كثير أو بتخريج من التزم الصحة في كتابه له فالعدالة أيضا تثبت بذلك
وكذلك الضبط وإلاتقان درجاته متفاوتة فلا يشترط أعلا وجوه الضبط كمالك وشعبة بل
المراد بالضبط أن لا يكون مغفلا كثير الغلط وذلك بأن يعتبر حديثه بحديث أهل الضبط
وإلاتقان فان وافقهم غالبا فهو ضابط كما ذكره المصنف في المسألة الثانية من النوع الثالث
والعشرين وإذا كان كذلك فلا مانع من وجود هذه الصفات في رواة صحيح إلاحاديث والله
أعلم.
إلامر الثانى: أن قوله في الحسن إنه يكتفي فيه بما سبق
ذكره من مجى الحديث من وجوه فيه نظر إذ لم يسبق اشتراط مجيئه من وجوه بل من غير
وجه كما سبق ذلك في كلام الترمذي وعلى هذا فمجيئه من وجهين كاف في حد الحديث الحسن
والله أعلم.
"قوله" حكاية عن نص الشافعي رضى الله عنه في
مراسل التابعين أنه يقبل منها المرسل الذي جاء نحوه مسندا وكذلك لو وافقه مرسل آخر
أرسله من أخذ العلم عن غير رجال التابعى إلاول في كلام له ذكر فيه وجوها من
إلاستدلال على صحة مخرج المرسل بمجيئه من وجه آخر انتهى كلامه وفيه نظر من حيث أن
الشافعي رضى الله عنه إنما يقبل من المراسيل التي اعتضدت بما ذكر مراسيل كبار
التابعين بشروط أخرى في من أرسل كما نص عليه في الرسالة فقال والمنقطع مختلف فمن
شاهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من التابعين فحدث حديثا منقطعا عن النبي
صلى الله عليه وسلم اعتبر عليه بأمور منها أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث فإن شركه
فيه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل معنى ما روى
كانت هذه دلالة على صحة ما قيل عنه وحفظه.
الله تعالى
عنه في مراسيل التابعين: أنه يقبل منها المرسل الذي جاء نحوه مسندا وكذلك لو وافقه
مرسل آخر أرسله من أخذ العلم عن غير رجال التابعي إلاول في كلام له ذكر فيه وجوها
من إلاستدلال على صحة مخرج المرسل لمجيئه من وجه آخر وذكرنا له أيضا ما حكاه
إلامام أبو المظفر السمعاني وغيره عن بعض أصحاب الشافعي من أنه: تقبل رواية
المستور وإن لم تقبل شهادة المستور ولذلك وجه متجه كيف وإنا لم نكتف في الحديث
الحسن بمجرد رواية المستور على ما سبق آنفا. والله أعلم.
الثاني : لعل الباحث الفهم يقول: إنا نجد أحاديث
محكوما بضعفها مع كونها
_________
وإن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده قبل ما
ينفرد به من ذلك ويعتبر عليه بأن ينظر هل يوافقه مرسل غيره ممن قبل العلم من غير
رجاله الذين قبل عنهم فإن وجد ذلك كانت دلالة تقوى له مرسلة وهى أضعف من إلاولى.
فإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم قولا له فإن وجد يوافق ما روى عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كانت في هذا دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح إن شاء الله
وكذلك إن وجد عوام من أهل للعلم يفتون بمثل معنى ما روى عن النبي صلى الله عليه
وسلم ثم يعتبر عليه بأن يكون إذا سمى من روى عنه الأصل لم يسم مجهولا ولا مرغوبا
عن الرواية عنه فيستدل بذلك على صحته فيما روى عنه ويكون إذا شرك أحدا من الحفاظ
في حديثه لم يخالفه فان وجد حديثه أنقص كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه ومتى
خالف ما وصفت أضر بحديثه حتى لا يسع أحدا قبول مرسله قال وإذا وجدت الدلائل بصحة
حديثه بما وصفت أحببنا أن نقبل مرسله ثم قال فأما من بعد كبار التابعين فلا أعلم
واحدا يقبل مرسله لأمور أحدها أنهم أشد تجوزا فيمن يروون عنه وإلاخر أنه وجد عليهم
الدلائل فيما أرسلوا لضعف مخرجه وإلاخر كثر إلاحالة في إلاخبار وإذا كثرت إلاحالة
كان أمكن للوهم وضعف من يقبل عنه هذه عبارة الشافعي رحمه الله في الرسالة ورواها
عنه بالإسناد الصحيح
قد رويت
بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة مثل حديث: إلاذنان من الرأس ونحوه فهلا جعلتم ذلك
وأمثاله من نوع الحسن لأن بعض ذلك عضد بعضا كما قلتم في نوع الحسن على ما سبق آنفا
وجواب ذلك: أنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من
وجوه بل ذلك يتفاوت فمنه ضعف يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ راويه مع
كونه من أهل الصدق والديانة.
فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر عرفنا أنه مما
قد حفظه ولم يختل فيه ضبطه له. وكذلك إذا كان ضعفه من حيث إلارسال
زال بنحو ذلك كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من
وجه آخر ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره
ومقاومته. وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب أو كون الحديث شاذا
وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث فاعلم ذلك فإنه من النفائس العزيزة.
والله أعلم.
_______
البيهقي في المدخل والخطيب في الكفاية وعلى هذا
فاطلاق الشيخ النقل عن الشافعي ليس بجيد وقد تبعه على ذلك الشيخ محيى الدين في
عامة كتبه ثم تنبه لذلك في شرح الوسيط المسمى بالتنقيح وهو من أواخر تصانيفه فقال
فيه وأما الحديث المرسل فليس بحجة عندنا إلا أن الشافعي قال يجوز إلاحتجاج بمرسل
الكبار من التابعين بشرط أن يعتضد بأحد أمور أربعة فذكرها.
وقول النووى هنا يجوز إلاحتجاج أخذه من عبارة الشافعي
في قوله أحببنا أن نقبل مرسله وقد قال البيهقي في المدخل إن قول الشافعي أحببنا
أراد به اخترنا انتهى.
وعلى هذا فلا يلزم أن يكون إلاحتجاج به جائزا فقط بل
يقال اختار الشافعي إلاحتجاج بالمرسل الموصوف بما ذكر أما كونه على سبيل الجواز أو
الوجوب فلا يدل عليه كلامه والله اعلم.
"قوله" الثانى لعل الباحث الفهم يقول إنا نجد
أحاديث محكوما بضعفها مع كونها
الثالث : إذا كان
راوي الحديث متأخرا عن درجة أهل الحفظ وإلاتقان غير أنه من المشهورين بالصدق
والستر وروي مع ذلك حديثه من غير وجه فقد اجتمعت له القوة من الجهتين وذلك يرقي
حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصحيح. مثاله: حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن
أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أن أشق على أمتي
لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" فمحمد بن عمرو بن علقمة: من المشهورين بالصدق
والصيانة لكنه لم يكن من أهل إلاتقان حتى ضعفه بعضهم من جهة سوء حفظه ووثقه بعضهم
لصدقه وجلالته فحديثه من هذه الجهة حسن. فلما انضم إلى ذلك كونه روي من أوجه أخر
زال بذلك ما كنا نخشاه عليه من جهة سوء حفظه وانجبر به ذلك النقص اليسير فصح هذا
الإسناد والتحق بدرجة الصحيح والله أعلم.
الرابع : كتاب أبي عيسى الترمذي رحمه الله أصل في معرفة
الحديث الحسن وهو الذي نوه باسمه وأكثر من ذكره في جامعه ويوجد في متفرقات من كلام
_______
قد رويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة مثل حديث
"إلاذنان من الرأس" ونحوه إلى آخر كلامه اعترض عليه بأن هذا الحديث رواه
ابن حبان في صحيحه.
والجواب أن ابن حبان أخرجه من رواية شهر بن حوشب عن
أبى أمامة وشهر ضعفه الجمهور ومع هذا فهو من قول أبى أمامة موقوفا عليه وقد بينه
أبو داود في سننه عقب تخريجه له فذكر عن سليمان بن حرب قال يقولها أبو أمامة وقال
حماد بن زيد فلا أدرى أهو من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو أبى أمامة وكذا ذكر
الترمذي قول حماد بن زيد ثم قال الترمذي هذا حديث ليس اسناده بذاك القائم انتهى
وقد روى حديث جماعة من الصحابة جمعهم ابن الجوزى في العلل المتناهية وضعفها كلها
والله أعلم.
"قوله" الرابع كتاب
أبى عيسى الترمذي رحمه الله أصل في معرفة الحديث الحسن وهو الذي نوه باسمه وأكثر
من ذكره في جامعه ويوجد في متفرقات من كلام بعض
بعض مشايخه
والطبقة التي قبله كأحمد بن حنبل و البخاري وغيرهما. وتختلف النسخ من كتاب الترمذي
في قول: هذا حديث حسن. أو: هذا حديث حسن صحيح ونحو ذلك. فينبغي أن
تصحح أصلك به بجماعة أصول وتعتمد على ما اتفقت عليه ونص الدارقطني في سننه على
كثير من ذلك.
ومن مظانه سنن أبى داود السجستاني رحمه الله. روينا
عنه انه قال: ذكرت فيه الصحيح ومايشبه ويقاربه.
وروينا عنه أيضا ما معناه: أنه يذكر في كل باب أصح ما
عرفه في ذلك الباب. وقال: ما كان في كتابي من حديث فيه وهن
شديد فقد بينته ومالم أذكر فيه شيئا فهو صالح وبعضها أصح من بعض.
______
مشايخه والطبقة التي قبله كأحمد بن حنبل والبخاري
وغيرهما انتهى.
وقد وجد التعبير به في شيوخ الطبقة التي قبله أيضا
كالشافعي رحمه الله تعالى فقال في كتاب اختلاف الحديث عند ذكر حديث ابن عمر
"لقد ارتقيت على ظهر بيت لنا" الحديث حديث ابن عمر مسند حسن الإسناد
وقال فيه أيضا وسمعت من يروى بإسناد حسن أن أبا بكرة ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم
أنه ركع دون الصف الحديث.
وقد اعترض أيضا على المصنف في قوله أن الترمذي أكثر
من ذكره في جامعه بأن يعقوب بن شيبة في مسنده وأبا على الطوسي شيخ أبى حاتم أكثرا
من قولهما حسن صحيح انتهى.
وهذا إلاعتراض ليس بجيد لأن الترمذي أول من أكثر من
ذلك ويعقوب وأبو على إنما صنفا كتابيهما بعد الترمذي وكأن كتاب أبى على الطوسى
مخرج على كتاب الترمذي لكنه شاركه في كثير من شيوخه والله أعلم.
"قوله" ومن مظانه
أى الحسن سنن أبى داود روينا عنه أنه قال ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه ثم
قال قال وما كان في كتابى من حديث فيه وهن شديد فقد بينته وما لم أذكر فيه شيئا
فهو صالح وبعضها أصح من بعض قال ابن الصلاح فعلى
قلت: فعلى هذا ما
وجدناه في كتابه مذكورا مطلقا وليس في واحد من الصحيحين ولا نص على صحته أحد ممن
يميز بين الصحيح والحسن عرفناه بأنه من الحسن عند أبى داود
وقد يكون في ذلك ما ليس بحسن عند ه ولا مندرج فيما
حققنا ضبط الحسن به على ما سبق إذ حكى أبو عبد الله بن منده الحافظ: أنه سمع محمد
بن سعد الباوردي بمصر يقول: كان من مذهب أبى عبد الرحمن النسائي أن يخرج عن كل من لم
يجمع على تركه. وقال ابن منده: وكذلك أبو داود السجستاني
________
هذا ما وجدناه في كتابه مذكورا مطلقا وليس في واحد من
الصحيحين ولا نص على صحته أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن عرفاه بأنه من الحسن عند
أبى داود وقد يكون في ذلك ما ليس بحسن عند غيره ولا مندرج فيما حققنا ضبط الحسن به
إلى آخر كلامه وفيه أمور:
أحدها: قد اعترض إلامام أبو عبد الله محمد بن عمر بن
محمد بن رشيد على المصنف في هذا فقال ليس يلزم أن يستفاد من كون الحديث لم ينص
عليه أبو داود بضعف ولا نص عليه غيره بصحة أن الحديث عند أبى داود حسن إذ قد يكون
عنده صحيحا وإن لم يكن عند غيره كذلك حكاه الحافظ أبو الفتح اليعمرى في شرح
الترمذي عن ابن رشيد ثم قال وهذا تعقب حسن انتهى.
والجواب: عن اعتراض
ابن رشيد أن المصنف إنما ذكر مالنا أن نعرف الحديث به عند أبى داود وإلاحتياط أن
لا يرتفع به إلى درجة الصحة وإن جاز أن يبلغها عند أبى داود لأن عبارة أبى داود
فهو صالح إلى إلاحتجاج به فان كان أبو داود يرى الحسن رتبة بين الصحيح والضعيف
فإلاحتياط بل الصواب ما قاله ابن الصلاح وإن كان رأيه كالمتقدمين أن الحديث ينقسم
إلى صحيح وضعيف فما سكت عنه فهو صحيح وإلاحتياط أن يقال فهو صالح كما عبر أبو داود
به والله أعلم.
وهكذا رأيت الحافظ أبا عبد الله بن المواق يفعل في
كتابه بغية النقاد يقول في الحديث الذي سكت عليه أبو داود هذا حديث صالح.
إلامر الثانى: أن الحافظ أبا الفتح اليعمرى تعقب ابن
الصلاح هنا بأمر آخر فقال في شرح الترمذي لم يرسم أبو داود شيئا بالحسن وعمله بذلك
شبيه بعمل مسلم الذي
يأخذ مأخذه
ويخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره لأنه أقوى عنده من رأى الرجال
والله اعلم.
_________
لا ينبغى أن يحمل كلامه على غيره أنه اجتنب الضعيف
الواهى وأتى بالقسمين إلاول والثانى وحديث من مثل به من الرواة من القسمين إلاول
والثانى موجود في كتابه دون القسم الثالث قال فهلا ألزم الشيخ أبو عمرو مسلما من
ذلك ما ألزم به أبا داود فمعنى كلامهما واحد.
قال وقول أبى داود وما يشبهه يعنى في الصحة وما
يقاربه يعنى فيها أيضا قال وهو نحو قول مسلم إنه ليس كل الصحيح نجده عند مالك
وشعبة وسفيان فاحتاج أن ينزل إلى مثل حديث ليث بن أبى سليم وعطاء بن السايب وزيد
بن أبى زياد لما يشمل الكل من اسم العدالة والصدق وأن تفاوتوا في الحفظ وإلاتقان
ولا فرق بين الطريقين غير أن مسلما شرط الصحيح فتخرج من حديث الطبقة الثالثة وأبا
داود لم يشرط فذكر ما يشتد وهنه عنده والتزم البيان عنه قال وفي قول أبى داود أن
بعضها أصح من بعض ما يشير إلى القدر المشترك بينهما من الصحة وأن تفاوتت فيه لما
يقتضيه صيغة أفعل في ألأكثر انتهى كلام أبى الفتح.
والجواب عنه أن مسلما شرط الصحيح بل الصحيح المجمع
عليه في كتابه فليس لنا أن نحكم على حديث في كتابه بأنه حسن عنده لما عرف من قصور
الحسن عن الصحيح وأبو داود قال إنما سكت عنه فهو صالح والصالح يجوز أن يكون صحيحا
ويجوز أن يكون حسنا عند من يرى الحسن رتبة متوسطة بين الصحيح والضعيف.
ولم ينقل لنا عن أبى داود هل يقول بذلك أو يرى ما ليس
بضعيف صحيحا فكان إلاولى بل الصواب أن لا يرتفع بما سكت عنه إلى الصحة حتى يعلم أن
رأيه هو الثانى ويحتاج الى نقل.
إلامر الثالث: أن بعض من اختصر كتاب ابن الصلاح يعقبه
بتعقب آخر وهو الحافظ عماد الدين بن كثير فقال إن الروايات لسنن أبى داود كثيرة
ويوجد في بعضها ما ليس في إلاخرى ولأبى عبيد إلاجرى عنه اسئله في الجرح والتعديل
والتصحيح والتعليل كتاب مفيد ومن ذلك أحاديث ورجال قد ذكرها في سننه فقول ابن
الخامس : ما صار إليه
صاحب المصابيح رحمه الله من تقسيم أحاديثه إلى نوعين: الصحاح والحسان مريدا
بالصحاح ما ورد في أحد الصحيحين أو فيهما وبالحسان ما أورده أبو داود و الترمذي
وأشباههما في تصانيفهم.فهذا اصطلاح لا يعرف وليس الحسن عند أهل الحديث عبارة عن
ذلك. وهذه الكتب تشتمل على حسن وغير حسن كما سبق بيانه والله أعلم.
__________
الصلاح ما سكت عنه فهو حسن ما سكت عليه في سننه فقط
أو مطلقا هذا مما ينبغى التنبيه عليه والتيقظ له أنتهى كلامه وهو كلام عجيب.
وكيف يحسن هذا إلاستفسار بعد قول ابن الصلاح إن من
مظان الحسن سنن أبى داود فكيف يحتمل حمل كلامه على الإطلاق في السنن وغيرها وكذلك
لفظ أبى داود صريح فيه كأنه قال في رسالته ذكرت في كتابى هذا الصحيح إلى آخر كلامه.
وأما قول ابن كثير من ذلك أحاديث ورجال قد ذكرها في
سننه إن أراد به أنه ضعف أحاديث ورجإلا في سؤإلات للآجرى وسكت عليها في السنن فلا
يلزم من ذكره لها في السؤإلات بضعف أن يكون الضعف شديدا فانه يسكت في سننه على
الضعف الذي ليس بشديد كما ذكره هو نعم إن ذكر في السؤإلات أحاديث أو رجإلا بضعف
شديد وسكت عليها في السنن فهو وارد عليه ويحتاج حينئذ إلى الجواب والله أعلم.
"قوله" الخامس ما
صار اليه صاحب المصابيح من تقسيم أحاديثه إلى نوعين الصحاح والحسان مريدا بالصحاح
ما ورد في أحد الصحيحين أو فيهما وبالحسان ما أورده أبو داود والترمذي وأشباههما
في تصانيفهم فهذا اصطلاح لا يعرف إلى آخر كلامه وأجاب بعضهم عن هذا إلايراد على
البغوى بأن البغوى بين في كتابه المصابيح عقب كل حديث كونه صحيحا أو حسنا أو غريبا
ولا يرد عليه ذلك قلت وما ذكره هذا المجيب عن البغوى من أنه يذكر عقب كل حديث كونه
صحيحا أو حسنا أو غريبا ليس كذلك فانه لا يبين الصحيح من الحسن فيما أورده من
السنن وإنما يسكت عليها وإنما يبين الغريب غالبا وقد يبين الضعيف ولذلك قال في خطبة
كتابه وما كان فيها من ضعيف أو غريب أشرت إليه أنهى.
السادس : كتب
المسانيد غير ملتحقة بالكتب الخمسة التي هي: الصحيحان وسنن أبي داود و سنن النسائي
و جامع الترمذي وما جرى مجراها في إلاحتجاج بها والركون إلى ما يورد فيها مطلقا
كمسند أبي داود الطيالسي و مسند عبيد الله بن موسى و مسند أحمد بن حنبل و مسند
إسحاق بن راهويه و مسند عبد بن حميد و مسند الدارمي و مسند أبي يعلى الموصلي و
مسند الحسن بن سفيان و مسند البزار أبي بكر وأشباهها فهذه عادتهم فيها: أن يخرجوا
في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه غير متقيدين بأن يكون حديثا محتجا به. فلهذا
تأخرت مرتبتها وإن جلت لجلالة مؤلفيها عن مرتبة الكتب الخمسة وما التحق بها من
الكتب المصنفة على إلابواب والله أعلم.
________
فإلايرادات باق في مزجه صحيح ما في السنن بما فيها من
الحسن وكأنه سكت عن بيان ذلك لاشتراكهما في إلاحتجاج به والله أعلم.
"قوله" السادس كتب
المسانيد غير ملتحقة بالكتب الخمسة التي هى الصحيحان وسنن أبى داود وسنن النسائى
وجامع الترمذي وما جرى مجرها في إلاحتجاج بها والركون إلى ما يورد فيها مطلقا
كمسند أبى داود الطيالسى ومسند عبيد الله ابن موسى ومسند أحمد بن حنبل ومسند إسحق
بن راهويه ومسند عبد بن حميد ومسند الدارمى ومسند ابى يعلى ومسند الحسن بن سفيان
ومسند البزار أبى بكر وأشباهها فهذه عادتهم فيها أن يخرجوا في مسند كل صحابى ما
رووه من حديثه غير متقيدين بأن يكون حديثا محتجا به فلذلك تأخرت مرتبها إلى آخر
كلامه وفيه أمران" أحدهما" أن عدة مسند
الدارمى في جملة هذه المسانيد مما أفرد فيه حديث كل صحابى وحده وهم منه فانه مرتب
إلابواب كالكتب الخمسة واشتهر تسميته بالمسند كما سمى البخاري المسند الجامع
الصحيح وان كان مرتبا على إلابواب لكون أحاديثه مسنده إلا أن مسند الدارمى كثير
إلاحاديث المرسلة والمنقطعة والمعضلة والمقطوعة والله أعلم.
إلامر الثانى" أنه اعترض على المصنف بالنسبة إلى
صحة بعض هذه المسانيد بأن أحمد بن حنبل شرط في مسنده أن لا يخرج إلا حديثا صحيحا
عنده قاله
.
_________
أبو موسى المدينى وبأن إسحق بن راهويه يخرج مثل ما
ورد عن ذلك الصحابى ذكره عنه أبو زرعة الرازى وبأن مسند الدارمى أطلق عليه اسم
الصحيح غير واحد من الحفاظ وبأن مسند البزار بين فيه الصحيح وغيره انتهى ما اعترض
به عليه.
والجواب أنا لا نسلم أن أحمد اشترط الصحة في كتابه
والذي رواه أبو موسى المدينى بسنده إليه أنه سئل عن حديث فقال انظروه فإن كان في
المسند وإلا فليس بحجة وهذا ليس صريحا في أن جميع ما فيه حجة بل فيه أن ما ليس في
كتابة ليس بحجة على أن ثم أحاديث صحيحة مخرجة في الصحيح وليست في مسند أحمد منها
حديث عائشة في قصة أم زرع.
وأما وجود الضعيف فيه فهو محقق بل فيه أحاديث موضوعة
وقد جمعتها في جزء وقد ضعف إلامام احمد نفسه أحاديث فيه فمن ذلك حديث عائشة مرفوعا
رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا.
وفي إسناده عمارة وهو ابن زاذان قال إلامام أحمد هذا
الحديث كذب منكر قال وعمارة يروى أحاديث مناكير وقد أورد ابن الجوزى هذا الحديث في
الموضوعات وحكى كلام إلامام أحمد المذكور وذكر ابن الجوزى أيضا في الموضوعات مما
في المسند حديث عمر "ليكونن في هذه إلامة رجل يقال له الوليد" وحديث أنس
"ما من معمر يعمر في إلاسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه أنواعا من البلاء
والجنون والجذام والبرص"
وحديث أنس "عسقلان أحد العروسين بيعت منها يوم
القيامة سبعون ألفا لا حساب عليهم".
وحديث ابن عمر "من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد
برأ من الله" الحديث وفي الحكم بوضعه نظر وقد صححه الحاكم.
ومما فيه أيضا من المناكير حديث بريدة "كونوا في
بعث خراسان ثم انزلوا مدينة مرو فإنه بناها ذو القرنين".
ولعبد الله بن أحمد في المسند أيضا زيادات فيها
الضعيف والموضوع فمن الموضوع
السابع : قولهم: هذا
حديث صحيح الإسناد أو حسن الإسناد دون قولهم: هذا حديث صحيح أو حديث حسن لأنه قد
يقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولا يصح لكونه شاذا أو معللا غير أن المصنف المعتمد
منهم إذا اقتصر على قوله: إنه صحيح الإسناد ولم يذكر له علة ولم يقدح فيه فالظاهر
منه الحكم له بأنه صحيح في نفسه لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر والله
أعلم.
الثامن : في قول الترمذي وغيره: هذا حديث حسن صحيح
إشكال لأن الحسن قاصر عن الصحيح كما سبق إيضاحه. ففي الجمع بينهما في حديث واحد
جمع
______
حديث سعد بن مالك وحديث ابن عمر أيضا في "سد
إلابواب إلا باب على" ذكرهما ابن الجوزى في الموضوعات أيضا وقال إنهما من وضع
الرافضة.
وأما مسند إسحق بن راهويه ففيه الضعيف ولا يلزم من
كونه يخرج أمثل ما يجد الصحابى أن يكون جميع ما خرجه صحيحا بل هو أمثل بالنسبة لما
تركه.
ومما فيه من الضعيف حديث سليمان بن نافع العبدى عن
أبيه قال وفد المنذر بن ساوى من البحرين حتى أتى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم
ومعه أناس وأنا غليم أمسك جمالهم فسلموا على النبي صلى الله عليه وسلم ووضع المنذر
سلاحه ولبس ثيابا ومسح لحيته بدهن وأنا مع الجمال أنظر إلى نبي الله صلى الله عليه
وسلم فكأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما أنظر إليك قال ومات أبى وهو ابن
عشرين ومائة قال صاحب الميزان سليمان غير معروف وهو يقتضى أن نافعا عاش إلى دولة
هشام انتهى.
والمعروف أن آخر الصحابة موتا أبو الطفيل كما قاله
مسلم وغيره والله أعلم.
وأما مسند الدارمى فلا يخفي ما فيه من الضعيف لحال
رواته أو لإرساله وذلك كثير فيه كما تقدم.
وأما مسند البزار فإنه مجملا يبين الصحيح من الضعيف
إلا قليلا إلا أنه يتكلم في تفرد بعض رواة الحديث به ومتابعة غيره عليه والله أعلم.
"قوله" الثامن في قول الترمذي وغيره هذا حديث حسن
صحيح إشكال لأن الحسن قاصر عن الصحيح كما سبق إيضاحه ففي الجمع بينهما في ذلك حديث
واحد جمع
بين نفي ذلك
القصور وإثباته. وجوابه: أن ذلك راجع إلى الإسناد فإذا روي الحديث الواحد بإسنادين:
أحدهما إسناد حسن وإلاخر إسناد صحيح استقام أن يقال فيه: إنه حديث حسن صحيح أي إنه
حسن بالنسبة إلى إسناد صحيح بالنسبة إلى إسناد آخر على أنه غير مستنكر أن يكون بعض
من قال ذلك أراد بالحسن معناه اللغوي وهو: ما تميل
إليه النفس ولا يأباه القلب دون المعنى إلاصطلاحي الذي نحن بصدده فاعلم ذلك والله
أعلم.
__________
بين نفي ذلك القصور وإثباته قال وجوابه أن ذلك راجع
إلى الإسناد فاذا روى الحديث الواحد باسنادين أحدهما إسناد حسن وإلاخر باسناد صحيح
استقام أن يقال فيه إنه حديث حسن صحيح أى أنه حسن بالنسبة إلى إسناد صحيح بالنسبة
إلى إسناد آخر على أنه غير مستنكر أن يكون بعض من قال ذلك أراد بالحسن معناه
اللغوى وهو ما تميل اليه النفس ولا يأباه القلب دون المعنى إلاصطلاحى الذي نحن
بصدده فاعلم ذلك انتهى كلامه.
وقد تعقبه الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد في إلاقتراح
بأن الجواب إلاول ترد عليه إلاحاديث التي قيل فيها حسن صحيح مع أنه ليس له إلا
مخرج واحد قال وفي كلام الترمذي في مواضع يقول هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من
هذا الوجه انتهى.
وقد أجاب بعض المتأخرين عن ابن الصلاح بأن الترمذي
حيث قال هذا يريد به تفرد أحد الرواة به عن إلاخر لا التفرد المطلق قال ويوضح ذلك
ما ذكره في الفتن من حديث خالد الحذاء عن ابن سيرين عن أبى هريرة يرفعه من أشار
إلى أخيه بحديدة الحديث قال فيه هكذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه فاستغربه من
حديث خالد لا مطلقا أنتهى.
وهذا الجواب لا يمشى في المواضع التي يقول فيها لا
نعرفه إلا من هذا الوجه كحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا بقى نصف
من شعبان فلا يصوموا" .
التاسع : من أهل
الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح لاندراجه في أنواع ما
يحتج به. وهو الظاهر من كلام الحاكم أبي عبد الله الحافظ في تصرفاته وإليه يومئ في
تسميته كتاب الترمذي بالجامع الصحيح. وأطلق الخطيب
أبو بكر أيضا عليه اسم الصحيح وعلى كتاب النسائي.
_______
قال أبو عيسى حديث أبى هريرة حديث حسن صحيح لا نعرفه
إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ ورد ابن دقيق العيد الجواب الثانى بأنه يلزم عليه
أن يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ أنه حسن وذلك لا يقوله أحد من
المحدثين إذا أجروا على اصطلاحهم انتهى.
قلت قد أطلقوا على الحديث الضعيف بأنه حسن وأرادوا
حسن اللفظ لا المعنى إلاصطلاحى فروى ابن عبد البر في كتاب بيان آداب العلم حديث
معاذ بن جبل مرفوعا: "تعلموا العلم فإن تعلمه ذلك لله خشية وطلبه عبادة
ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة لأنه
معالم الحلال والحرام ومنار سبيل أهل الجنة وهو إلانس في الوحشة والصاحب في الغربة
والمحدث في الخلوة والدليل على السراء والضراء والسلاح على إلاعداء والزين عند
إلاخلاء يرفع الله تعالى به أقواما فيجعلهم في الخير قادة وأئمة تقتص آثارهم
ويقتدى بفعالهم وينتهى إلى رأيهم ترغب الملائكة في خلتهم وبأجنحتها تمسحهم يستغفر
لهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه لأن العلم حياة القلوب
من الجهل ومصابيح إلابصار من الظلم يبلغ العبد بالعلم منازل إلاخيار والدرجات
العلى في الدنيا وإلاخرة التفكر فيه يعدل الصيام ومدارسته تعدل القيام به توصل إلارحام
وبه يعرف الحلال من الحرام هو إمام العمل والعمل تابعه يلهمه السعداء أو يحرمه
إلاشقياء" .
قال ابن عبد البر وهو حديث حسن جدا ولكن ليس له إسناد
قوى انتهى كلامه.
فأراد بالحسن حسن اللفظ قطعا فانه من رواية موسى بن
محمد البلقاوى عن عبد الرحيم ابن زيد العمى والبلقاوى هذا كذاب كذبه أبو زرعة وأبو
حاتم ونسبه ابن حبان والعقيلى إلى وضع الحديث والظاهر أن هذا الحديث مما صنعت يداه
وعبد الرحيم بن زيد العمى متروك الحديث أيضا.
______
روينا عن أمية بن خالد قال قالت لشعبة تحدث عن محمد
بن عبيد الله العرزمى وتدع عبد الملك بن أبى سليمان وقد كان حسن الحديث قال من
حسنها فررت ولما ضعف ابن دقيق العيد ما أجاب به ابن الصلاح عن إلاستشكال المذكور
أجاب عنه بما حاصله أن الحسن لا يشترط فيه قيد القصور عن الصحيح وإنما يجيئه
القصور حيث أنفرد الحسن وأما إذا ارتفع إلى درجة الصحة فالحسن حاصل لا محالة تبعا
للصحة لأن وجود الدرجة العليا وهى الحفظ وإلاتقان لا ينافي وجود الدنيا كالصدق
فيصح أن يقال حسن باعتبار الصفة الدنيا صحيح باعتبار الصفة العليا قال ويلزم على هذا
أن يكون كل صحيح حسنا ويؤيده قولهم حسن في إلاحاديث الصحيحة وهذا موجود في كلام
المتقدمين أنتهى.
وقد سبقه إلى نحو ذلك الحافظ أبو عبد الله المواق
فقال في كتابه بغية النقاد لم يخص الترمذي الحسن بصفة تميزه عن الصحيح فلا يكون
صحيحا إلا وهو غير شاذ ولا يكون صحيحا حتى تكون رواته غير متهمين بل ثقات قال فظهر
من هذا أن الحسن عند أبى عيسى صفة لا تخص هذا القسم بل قد يشركه فيها الصحيح قال
كل صحيح عنده حسن وليس كل حسن صحيحا انتهى كلامه.
وقد اعترض على ابن المواق في هذا الحافظ أبو الفتح
اليعمرى فقال في شرح الترمذي بقى عليه أنه اشترط في الحسن أن يروى من وجه آخر ولم يشترط
ذلك في الصحيح انتهى.
هكذا اعترض أبو الفتح على ابن المواق بهذا في مقدمة
شرح الترمذي ثم إنه خالف ذلك في أثناء الشرح عند حديث عائشة قال كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: "غفرانك" فان الترمذي قال عقبه
هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبى بردة ولا نعرف في
هذا الباب إلا حديث عائشة فأجاب أبو الفتح عن هذا الحديث بأن الذي يحتاج إلى مجيئه
من غير وجه ما كان راويه في درجة المستور ومن لم تثبت عدالته قال وأكثر ما في
الباب أن الترمذي عرف بنوع منه لا بكل أنواعه.
وأجاب بعض المتأخرين وهو الحافظ عماد الدين بن كثير
في مختصره لعلوم الحديث عن أصل إلاستشكال بما حاصله أن الجمع في حديث واحد بين
الصحة والحسن درجة
وذكر الحافظ
أبو الطاهر السلفي الكتب الخمسة وقال: اتفق على صحتها علماء الشرق والغرب
وهذا تساهل لأن فيها ما صرحوا بكونه ضعيفا أو منكرا
أو نحو ذلك من أوصاف الضعيف. وصرح أبو داود فيما قدمنا روايته عنه بانقسام ما في
كتابه إلى صحيح وغيره و الترمذي مصرح فيما في كتابه بالتمييز بين الصحيح والحسن.
ثم إن من سمى الحسن صحيحا لا ينكر أنه دون الصحيح
المقدم المبين أولا فهذا إذا اختلاف في العبارة دون المعنى والله أعلم.
__________
متوسطة بين الصحيح والحسن فقال والذي يظهر أنه يشرب
الحكم بالصحة على الحديث بالحسن كما يشرب الحسن بالصحة قال فعلى هذا يكون ما يقول
فيه حسن صحيح أعلا رتبة عنده من الحسن ودون الصحيح ويكون حكمه على الحديث بالصحة
المحضة أقوى من حكمه عليه بالصحة مع الحسن انتهى.
وهذا الذي ظهر له تحكم لا دليل عليه وهو بعيد من فهم
معنى كلام الترمذي والله أعلم.
"قوله" وذكر الحافظ
أبو طاهر السلفي الكتب الخمسة وقال اتفق على صحتها علماء المشرق والمغرب وهذا
تساهل إلى آخر كلامه وإنما قال السلفي بصحة أصولها كذا ذكره في مقدمة الخطابي فقال
وكتاب أبى داود فهو أحد الكتب الخمسة التي اتفق أهل الحل والعقد من الفقهاء وحفاظ
الحديث إلاعلام النبهاء على قبولها والحكم بصحة أصولها انتهى.
ولا يلزم من كون الشيء له أصل صحيح أن يكون هو صحيحا
فقد ذكر ابن الصلاح عند ذكر التعليق أن ما لم يكن في لفظه جزم مثل روى فليس في شيء
منه حكم منه بصحة ذلك من ذكره عنه قال ومع ذلك فإيراده له في أثناء الصحيح مشعر
بصحة أصله انتهى فلم يحكم في هذا بصحة مع كونه له أصل صحيح والله أعلم.
النوع الثالث: معرفة الضعيف من الحديث:
كل حديث لم
يجتمع فيه صفات الحديث الصحيح ولا صفات الحديث الحسن المذكورات فيما تقدم فهو حديث
ضعيف.
وأطنب أبو حاتم بن حبان البستي في تقسيمه فبلغ به خمسين
قسما إلا واحدا وما ذكرته ضابط جامع لجميع ذلك.
وسبيل من أراد البسط: أن يعمد إلى صفة معينة منها
فيجعل ما عدمت فيه من غير أن يخلفها جابر على حسب ما تقرر في نوع الحسن قسما
واحدا. ثم ما عدمت فيه تلك الصفة مع صفة أخرى معينة قسما ثانيا. ثم ماعدمت فيه مع
صفيتين معينتين قسما ثالثا. وهكذا إلى أن يستوفي الصفات المذكورات جمعاء. ثم يعود
ويعين من إلابتداء
________
النوع الثالث: معرفة الضعيف.
"قوله" كل حديث لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح
ولا صفات الحديث الحسن فهو حديث ضعيف ثم قال وسبيل من أراد البسط أن يعمد إلى صفة
معينة منها فيجعل ما عدمت فيه من غير أن يخلفها جابر على حسب ما تقرر في نوع الحسن
قسما واحدا ثم قال ثم ما عدم فيه جميع الصفات هو القسم إلاخر إلارذل انتهى كلامه.
فقوله ثم ما عدم فيه جميع الصفات أي صفات ما يحتج به
وهو الصحيح والحسن وهى ستة اتصال السند أو جبر المرسل بما يؤكده وعدالة الرجال
والسلامة من كثرة الخطأ والغفلة ومجيء الحديث من وجه آخر حيث كان في الإسناد مستور
ليس منهما كثير الغلط والسلامة من الشذوذ والسلامة من العلة فجعل المصنف ما عدم
فيه هذه الصفات هو القسم إلارذل وخالف ذلك في النوع الحادي والعشرين فقال اعلم أن
الحديث الموضوع شر إلاحاديث الضعيفة وما ذكره هناك هو الصواب أن شر أقسام الضعيف الموضوع
لأنه كذب بخلاف ما عدم فيه الصفات المذكورة فإنه لا يلزم من فقدها كونه كذبا والله
أعلم.
وإلاخر في كلام المصنف بقصر الهمز على وزن الفخذ وهو
بمعنى إلارذل.
صفة غير التي
عينها أولا ويجعل ما عدمت فيه وحدها قسما ثم القسم إلاخر ما عدلت فيه مع عدم صفة
أخرى ولتكن الصفة إلاخرى غير الصفة إلاولى المبدوء بها لكون ذلك سبق في أقسام عدم
الصفة إلاولى وهكذا هلم جرا إلى آخر الصفات.
ثم ما عدم فيه جميع الصفات هو القسم إلاخر إلارذل.
وما كان من الصفات له شروط فاعمل في شروطه نحو ذلك فتتضاعف بذلك إلاقسام.
والذي له لقب خاص معروف من أقسام ذلك: الموضوع
والمقلوب والشاذ والمعلل والمضطرب والمرسل والمنقطع والمعضل في أنواع سيأتي عليها
الشرح إن شاء الله تعالى.
والملحوظ فيما نورده من إلانواع عموم أنواع علوم
الحديث لا خصوص أنواع التقسيم الذي فرغنا إلان من أقسامه. ونسأل الله تبارك وتعالى
تعميم النفع به في الدارين آمين.
النوع الرابع: معرفة المسند:ذكر أبو بكر الخطيب
الحافظ رحمه الله: أن المسند عند أهل الحديث هو الذي اتصل إسناده من راويه إلى
منتهاه وأكثر ما يستعمل ذلك فيما جاء عن رسول الله
______
النوع الرابع: معرفة المسند.
قوله ذكر أبو بكر الخطيب رحمه الله أن المسند عند أهل
الحديث هو الذي اتصل إسناده من راويه إلى منتهاه وأكثر ما يستعمل ذلك فيما جاء عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم دون ما جاء عن الصحابة وغيرهم انتهى.
وقد اعترض عليه بأنه ليس في كلام الخطيب دون ما جاء
عن الصحابة وغيرهم لا في الكفاية ولا في الجامع والجواب أنه ليس في كلام ابن
الصلاح التصريح بنقله عنه وإنما حكي كلام الخطيب ثم قال وأكثر ما يستعمل ذلك إلى
آخر كلامه والله أعلم.
صلى الله
عليه وسلم دون ما جاء عن الصحابة وغيرهم. وذكر أبو عمر بن عبد البر الحافظ: أن
المسند ما رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة. وقد يكون متصلا مثل: مالك عن
نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد يكون منقطعا مثل: مالك عن
الزهري عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذا مسند لأنه قد أسند إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منقطع لأن الزهري لم يسمع من ابن عباس رضي الله
عنهم.
وحكى أبو عمر عن قوم: أن المسند لا يقع إلا على ما
اتصل مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قلت: وبهذا قطع
الحاكم أبو عبد الله الحافظ ولم يذكر في كتابه غيره. فهذه أقوال ثلاثة مختلفة
والله أعلم.
النوع الخامس: معرفة المتصل:ويقال فيه أيضا: الموصول
ومطلقه يقع على المرفوع والموقوف
وهو الذي اتصل إسناده فكان كل واحد من رواته قد سمعه
ممن فوقه حتى ينتهي إلى منتهاه
مثال المتصل المرفوع من الموطأ: مالك عن ابن شهاب عن
سالم بن عبد الله عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثال المتصل الموقوف:
مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر قوله. والله أعلم.
النوع السادس: معرفة المرفوع:وهو:ما أضيف إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم خاصة. ولا يقع مطلقه على غير ذلك نحو الموقوف على الصحابة
وغيرهم.
ويدخل في المرفوع المتصل والمنقطع والمرسل ونحوها فهو
والمسند عند قوم سواء وإلانقطاع وإلاتصال يدخلان عليهما جميعا. وعند قوم يفترقان
في: أن إلانقطاع وإلاتصال يدخلان على المرفوع ولا يقع المسند إلا على المتصل
المضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الحافظ
أبو بكر بن ثابت: المرفوع ما أخبر فيه الصحابي عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم
أو فعله. فخصصه بالصحابة فيخرج عنه مرسل التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: ومن جعل من أهل الحديث المرفوع في مقابلة المرسل
فقد عنى بالمرفوع المتصل والله أعلم.
النوع السابع: معرفة الموقوف:وهو:ما يروي عن الصحابة
رضي الله عنهم من أقوالهم أو أفعالهم ونحوها فيوقف عليهم ولا يتجاوز به إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم. ثم إلى منه ما يتصل الإسناد فيه إلى الصحابي فيكون من
الموقوف الموصول. ومنه ما لايتصل إسناده فيكون من الموقوف غير الموصول على حسب ما عرف
مثله في المرفوع إلى الرسول الله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم وما ذكرناه من
تخصيصه بالصحابي فذلك إذا ذكر الموقوف مطلقا وقد يستعمل مقيدا في غير الصحابي
فيقال: حديث كذا وكذا وقفه فلان على عطاء أو على طاووس أو نحو هذا وموجود في
اصطلاح الفقهاء الخراسانيين تعريف الموقوف باسم إلاثر. قال أبو القاسم الفوراني
منهم فيما بلغنا عنه: الفقهاء يقولون: الخبر ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم
وإلاثر ما يروى عن الصحابة رضي الله عنهم.
النوع الثامن: معرفة المقطوع:وهو غير المنقطع الذي
يأتي ذكره إن شاء الله تعالى. ويقال في جمعه: المقاطع والمقاطيع.
وهو: ما جاء عن التابعين موقوفا عليهم من أقوالهم أو
أفعالهم قال الخطيب
_________
النوع الثامن
"قوله" قول الصحابى
كنا نفعل كذا أو نقول كذا إن لم يضفه إلى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو
من قبيل الموقوف انتهى هكذا جزم به المصنف أنه إن لم يضفه إلى زمنه يكون موقوفا
وتبع المصنف في ذلك الخطيب فإنه كذلك جزم به في الكفاية.
أبو بكر
الحافظ في جامعه: من الحديث المقطوع. وقال: المقاطع هي الموقوفات على التابعين.
والله أعلم.
_________
والخلاف في المسألة مشهور واختلف كلام إلائمة أيضا في
الصحيح وقد حكى النووى الخلاف في مقدمة شرح مسلم وحكي ما جزم به المصنف عن الجمهور
من المحدثين وأصحاب الفقه وإلاصول وقد أطلق الحاكم في علوم الحديث الحكم برفعه ولم
يقيده بإضافته إلى زمنه وكذا أطلق إلامام فخر الدين الرازي في المحصول والسيف
إلامدي في إلاحكام وقال أبو نصر الصباغ في كتاب العدة إنه الظاهر ومثله بقول عائشة
رضي الله عنها كانت اليد لا تقطع في الشئ التافه وحكاه النووى في شرح المهذب عن
كثير من الفقهاء قال وهو قوى من حيث المعنى.
قوله وإذا قال الراوى عن التابعى رفع الحديث أو يبلغ
به فذلك أيضا مرفوع ولكنه مرفوع مرسل انتهى.
ذكر الشيخ فيما يتعلق بالصحابى أربع مسائل إلاولى كنا
نفعل كذا أو كانوا يفعلون كذا ونحوهما والثانية أمرنا بكذا ونحوه والثالثة من
السنة كذا.
والرابعة برفعه ويبلغ به ونحوهما ثم ذكر فيما يتعلق
بالتابعى المسألة الرابعة فقط وسكت عن الحكم في الثلث إلاول إذا قالها التابعى
فأحببت ذكر الحكم فيها فأما المسألة إلاولى فإذا قال التابعى كنا نفعل فليس بمرفوع
قطعا وهل هو موقوف لا يخلو إما أن يضيفه إلى زمن الصحابة أم لا فيحتمل فإن لم يضفه
إلى زمنهم فليس بموقوف أيضا بل هو مقطوع وإن أضافه إلى زمنهم فيحتمل أن يقال إنه
موقوف لأن الظاهر اطلاعهم على ذلك وتقريرهم ويحتمل أن يقال ليس بموقوف أيضا لأن
تقرير الصحابى قد لا ينسب إليه بخلاف تقرير النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أحد
وجوه السنن وأما اذا قال التابعى كانوا يفعلون كذا فقال النووى في شرح مسلم إنه لا
يدل على فعل جميع إلامة بل على البعض فلا حجة فيه إلا أن يصرح بنقله عن أهل
إلاجماع فيكون نقلا للاجماع وفي ثبوته بخبر الواحد خلاف.
وأما المسألة الثانية فإذا قال التابعى أمرنا بكذا أو
نهينا عن كذا فجزم أبو نصر
قلت: وقد
وجدت التعبير بالمقطوع عن المنقطع غير الموصول في كلام إلامام الشافعي و أبي
القاسم الطبراني وغيرهما والله أعلم.
تفريعات:
أحدها : قول
الصحابي: كنا نفعل كذا أو كنا نقول كذا إن لم يضفه إلى زمان رسول الله صلى الله
عليه وسلم فهو من قبيل الموقوف. وإن أضافه إلى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم
فالذي قطع به أبو عبد الله بن البيع الحافظ وغيره من أهل الحديث وغيرهم: أن ذلك من
قبيل المرفوع.
وبلغني عن أبي بكر البر قاني: أنه سأل أبا بكر
إلاسماعيلي إلامام عن ذلك فأنكر كونه من المرفوع
وإلاول هو الذي عليه إلاعتماد لأن ظاهر ذلك مشعر بأن
رسول
______
ابن الصباغ في كتاب العدة في أصول الفقه أنه مرسل
وذكر الغزالى في المستصفي فيه احتمالين من غير ترجيح هل يكون موقوفا أو مرفوعا
مرسلا.
وحكى ابن الصباغ في العدة وجهين فيما إذا قال ذلك
سعيد بن المسيب هل يكون حجة أم لا.
وأما المسألة الثالثة:
فإذا قال التابعى من السنة كذا كقول عبيد الله بن عبد
الله بن عتبة السنة تكبير إلامام يوم الفطر ويوم إلاضحى حين يجلس على المنبر قبل
الخطبة تسع تكبيرات رواه البيهقي في سننه فهل هو مرسل مرفوع أو موقوف متصل فيه
وجهان لأصحاب الشافعي حكاهما النووى في شرح مسلم وشرح المهذب وشرح الوسيط قال
والصحيح أنه موقوف انتهى.
وحكى الداودى في شرح مختصر المزنى أن الشافعي رضى
الله عنه كان يرى في القديم أن ذلك مرفوع اذا صدر من الصحابى أو التابعى ثم رجع عنه
لأنهم قد يطلقونه ويريدون سنة البلد انتهى.
وما حكاه الداودى من رجوع الشافعي عن ذلك فيما إذا
قاله الصحابى لم يوافق عليه فقد احتج به في مواضع من الجديد فيمكن أن يحمل قوله ثم
رجع عنه أى عما إذا قاله التابعى والله أعلم.
الله صلى
الله عليه وسلم: اطلع على ذلك أقررهم عليه. وتقريره أحد
وجوه السنن المرفوعة فإنها أنواع: منها أقواله صلى الله عليه وسلم ومنها أفعاله.
ومنها تقريره وسكوته عن إلانكار بعد اطلاعه ومن هذا القبيل قول الصحابي كنا لا نرى
بأسا بكذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا أو: كان يقال كذا وكذا على عهده.
أو: كانوا يفعلون كذا وكذا في حياته صلى الله عليه وسلم فكل ذلك وشبهه مرفوع مسند
مخرج في كتب المسانيد.
وذكر الحاكم أبو عبد الله فيما رويناه عن المغيرة بن
شعبة قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعون بابه بإلاظافير أن هذا
يتوهمه من ليس من أهل الصنعة مسندا يعني مرفوعا لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيه وليس بمسند بل هو موقوف.
وذكر الخطيب أيضا نحو ذلك في جامعه. قلت: بل هو مرفوع
كما سبق ذكره. وهو بأن يكون مرفوعا أحرى لكونه أحرى باطلاعه صلى الله عليه وسلم
عليه. والحاكم معترف بكون ذلك من قبيل المرفوع.
وقد كنا عددنا هذا فيما أخذناه عليه. ثم تأولناه له
على أنه أراد أنه ليس بمسند لفظا بل هو موقوف لفظا وكذلك سائر ما سبق موقوف لفظا
وإنما جعلناه مرفوعا من حيث المعنى. والله أعلم.
الثاني : قول الصحابي أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا من
نوع المرفوع والمسند عند أصحاب الحديث وهو قول أكثر أهل العلم. وخالف في
ذلك فريق منهم أبو بكر إلاسماعيلي. وإلاول هو الصحيح لأن مطلق ذلك ينصرف بظاهره
إلى من إليه إلامر والنهي وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهكذا قول الصحابي: من السنة كذا فالأصح أنه مسند
مرفوع لأن الظاهر أنه لا يريد به إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يجب
اتباعه وكذلك قول أنس رضي الله عنه:
أمر بلال أن
يشفع إلاذان ويوتر إلاقامة. وسائر ما جانس ذلك. فلا فرق بين أن يقول ذلك في زمان
رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعده صلى الله عليه وسلم.
الثالث : ما قيل من أن تفسير الصحابي حديث مسند فإنما
ذلك في تفسير يتعلق بسبب نزول آية يخبر به الصحابي أو نحو ذلك كقول جابر رضي الله
عنه: كانت اليهود تقول: من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فأنزل
الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} إلاية.
فأما سائر تفاسير الصحابة التي لا تشتمل على إضافة
شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمعدودة في الموقوفات والله أعلم.
الرابع : من قبيل
المرفوع إلاحاديث التي قيل في أسانيدها عند ذكر الصحابي: يرفع الحديث أو: يبلغ به
أو: ينميه أو: رواية مثال ذلك: سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن إلاعرج عن أبي
هريرة رواية: "تقاتلون قوما صغار إلاعين" الحديث وبه عن أبي هريرة يبلغ
به قال: "الناس تبع لقريش" الحديث فكل ذلك وأمثاله كناية عن رفع الصحابي
الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحكم ذلك عند أهل العلم حكم المرفوع
صريحا قلت: وإذا قال الراوي عن التابعي: يرفع الحديث أو: يبلغ به فذلك أيضا مرفوع
ولكنه مرفوع مرسل. والله أعلم.
النوع التاسع: معرفة المرسل:وصورته التي لا خلاف
فيها: حديث التابعي الكبير الذي لقي جماعة من الصحابة وجالسهم كعبيد الله بن عدي
بن الخيار ثم سعيد بن المسيب وأمثالهما إذا قال: قال
________
النوع التاسع: المرسل.
"قوله" وصورته التي لا خلاف فيها حديث التابعي
الكبير الذي لقي جماعة من
رسول الله
صلى الله عليه وسلم. والمشهور: التسوية بين التابعين أجمعين في ذلك رضي الله عنهم
وله صور اختلف فيها: أهي من المرسل أم لا.
إحداها : إذا انقطع
الإسناد قبل الوصول إلى التابعي فكان فيه رواية راو لم يسمع من المذكور فوقه:
فالذي قطع به الحاكم الحافظ أبو عبد الله وغيره من أهل الحديث: أن ذلك لا يسمى
مرسلا وأن إلارسال مخصوص بالتابعين بل إن كان من سقط ذكره قبل الوصول إلى التابعي
شخصا واحدا سمي منقطعا فحسب وإن كان أكثر من واحد سمي معضلا ويسمى أيضا منقطعا. وسيأتي
مثلا ذلك إن شاء الله تعالى والمعروف في الفقه وأصوله: أن كل ذلك يسمى مرسلا وإليه
ذهب من أهل الحديث أبو بكر الخطيب وقطع به وقال: إلا أن أكثر ما يوصف بإلارسال من
حيث إلاستعمال ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما ما رواه تابع التابعي
عن النبي صلى الله عليه وسلم فيسمونه المعضل والله أعلم.
______
الصحابة وجالسهم كعبيد الله بن عدى بن الخيار إلى آخر
كلامه اعترض عليه بأن عبيد الله ابن عدى ذكر في جملة الصحابة وهذا إلاعتراض ليس
بصحيح لأنهم إنما ذكروه جريا على قاعدتهم في ذكر من عاصره لأن عبيد الله ولد في
حياته صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكروا
قيس بن أبى حازم وأمثاله ممن لم ير النبي صلى الله عليه وسلم لكونهم عاصروه على القول
الضعيف في حد الصحابى وإنما روى عبيد الله بن عدى عن الصحابة عمر وعثمان وعلى في
آخرين ولم يسمع من أبى بكر فضلا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
"قوله" إذا انقطع الإسناد قبل الوصول إلى التابعى
فكان فيه رواية راو لم يسمع من المذكور فوقه فالذي قطع به الحاكم الحافظ أبو عبد
الله وغيره من أهل الحديث أن ذلك لا يسمى مرسلا إلى آخر كلامه فقوله قبل الوصول إلى
التابعى ليس بجيد بل الصواب قبل الوصول إلى الصحابى فانه لو سقط التابعى أيضا كان
منقطعا لا مرسلا عند هؤلاء ولكن هكذا وقع في عبارة الحاكم فتبعه المصنف والله أعلم.
الثانية :
قول الزهري وأبي حازم ويحيى بن سعيد الأنصاري وأشباههم من أصاغر التابعين: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم. حكى ابن عبد البر: أن قوما لا يسمونه مرسلا بل
منقطعا لكونهم لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد وإلاثنين وأكثر روايتهم عن التابعين".
______
"قوله الثانية" قول الزهري وأبى حازم ويحيى بن
سعيد الأنصاري وأشباههم من أصاغر التابعين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حكى
ابن عبد البر أن قوما لا يسمونه مرسلا بل منقطعا لكونهم لم يلقوا من الصحابة إلا
الواحد وإلاثنين وأكثر روايتهم عن التابعين انتهى.
وما ذكر في حق من سمى من صغار التابعين أنهم لم يلقوا
من الصحابة إلا الواحد وإلاثنين ليس بصحيح بالنسبة إلى الزهري فقد لقي من الصحابة
ثلاثة عشر فأكثر وهم عبد الله بن عمر وسهل بن سعد وأنس بن مالك وعبد الله بن جعفر
وربيعة ابن عباد بكسر العين وتخفيف الموحدة وسنين أبو جميلة والسايب بن يزيد وأبو
الطفيل عامر بن وائلة والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن أزهر وعبد الله ابن عامر بن
ربيعة ومحمود بن الربيع وسمع منهم كلهم إلا عبد الله بن جعفر فرآه رؤية وإلا عبد
الله بن عمر فقد قال أحمد بن حنبل ويحيى بن معين إنه لم يسمع منه وقال على ابن المدينى
إنه سمع منه وقال ابن حزم إنه لم يسمع أيضا من عبد الرحمن بان أزهر ثم حكى عن أحمد
بن صالح المصرى أنه قال لم يسمع منه فيما أرى ولم يدركه.
قلت وكذا قال أحمد بن حنبل ما أراه سمع منه قال ومعمر
وأسامة يقولان عنه أنه سمع منه ولم يصنعا عندى شيئا وقيل إنه سمع أيضا من جابر بن
عبد الله وسمع من جماعة آخرين مختلف في صحبتهم منهم محمود بن لبيد وعبد الله بن
الحارث بن نوفل وثعلبة بن أبى مالك القرظى وأبو أمامة بن سهل بن حنيف فهؤلاء سبعة عشر
ما بين صحابى ومختلف في صحبته وقد تنبه المصنف لهذا إلاعتراض فأملى حاشية على هذا
المكان من كتابه فقال قوله الواحد وإلاثنين كالمثال وإلا فالزهري قد قيل إنه رأى
عشرة من الصحابة وسمع منهم أنا وسهل بن سعد والسايب بن يزيد ومحمود بن الربيع
وسنينا أبا جميلة وغيرهم وهو مع ذلك أكثر روايته عن التابعين والله أعلم.
قلت: وهذا
المذهب فرع لمذهب من لا يسمي المنقطع قبل الوصول إلى التابعي مرسلا
والمشهور التسوية بين التابعين في اسم إلارسال كما
تقدم والله أعلم.
الثالثة : إذا قيل في
الإسناد: فلان عن رجل أو: عن شيخ عن فلان أو نحو ذلك فالذي ذكره الحاكم في معرفة
علوم الحديث: أنه لا يسمى مرسلا بل منقطعا. وهو في بعض المصنفات المعتبرة في أصول
الفقه معدود من أنواع المرسل والله أعلم.
ثم اعلم: أن حكم المرسل حكم الحديث الضعيف إلا أن يصح
مخرجه بمجيئه من وجه آخر كما سبق بيانه في نوع الحسن. ولهذا احتج الشافعي رضي الله
عنه بمرسلات سعيد بن المسيب رضي الله عنهما فإنها وجدت مسانيد من وجوه أخر ولا
يختص ذلك عنده بإرسال ابن المسيب كما سبق
ومن أنكر ذلك زاعما أن إلاعتماد حينئذ يقع على المسند
دون المرسل فيقع لغوا لا حاجة إليه فجوابه: أنه بالمسند تتبين صحة الإسناد الذي
فيه إلارسال حتى يحكم له مع إرساله بأنه إسناد صحيح تقوم به الحجة على ما مهدنا
سبيله في النوع الثاني. وإنما ينكر هذا من لا مذاق له في هذا الشأن
وما ذكرناه من سقوط إلاحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه هو
المذهب الذي استقر عليه آراء جماهير حفاظ الحديث ونقاد إلاثر وقد تداولوه في
تصانيفهم.
_________
"قوله" الثالثة إذا قيل في الإسناد فلان عن رجل
أو عن شيخ عن فلان أو نحو ذلك فالذي ذكره الحاكم في معرفة علوم الحديث أنه لا يسمى
مرسلا بل منقطعا وهو في بعض المصنفات المعتبرة في أصول الفقه معدود في أنواع
المرسل انتهى.
اقتصر المصنف من الخلاف على هذين القولين وكل من
القولين خلاف ما عليه ألأكثرون فإن ألأكثرين ذهبوا إلى أن هذا متصل في إسناده
مجهول وقد حكاه عن
_______
ألأكثرين الحافظ رشيد الدين العطار في الغرر المجموعة
واختاره شيخنا الحافظ صلاح الدين العلائى في كتاب جامع التحصيل.
وما ذكره المصنف عن بعض المصنفات المعتبرة ولم يسمعه
فالظاهر أنه أراد به البرهان لإمام الحرمين فإنه قال فيه وقول الراوى اخبرنى رجل
أو عدل موثوق به من المرسل أيضا وزاد إلامام فخر الدين في المحصول على هذا فقال إن
الراوى إذا سمى الأصل باسم لا يعرف به فهو كالمرسل.
وما ذكره المصنف عن بعض كتب إلاصول قد فعله أبو داود
في كتاب المراسيل فيروى في بعضها ما أبهم فيه الرجل ويجعله مرسلا بل زاد البيهقي
على هذا في سننه فجعل ما رواه التابعى عن رجل من الصحابة لم يسم مرسلا وهذا ليس
منه بجيد اللهم إلا إن كان يسميه مرسلا ويجعله حجة كمراسيل الصحابة فهو قريب.
وقد روى البخاري عن الحميدي قال إذا صح الإسناد عن
الثقات إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فهو حجة وإن لم يسم ذلك الرجل
وقال إلاثرم قلت لأبى عبد الله يعنى أحمد بن حنبل إذا قال رجل من التابعين حدثني
رجل من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمه فالحديث صحيح قال نعم وقد ذكر
المصنف في آخر هذا النوع التاسع أن الجهالة بالصحابى غير قادحة لأنهم كلهم عدول.
وحكاه الحافظ أبو محمد عبد الكريم الحلبى في كتاب
القدح المعلى عن اكثر العلماء نعم فرق أبو بكر الصيرفي من الشافعية في كتاب
الدلائل بين أن يرويه التابعى عن الصحابى معنعنا أو مع التصريح بالسماع فقال وإذا
قال في الحديث بعض التابعين عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يقبل
لأنى لا أعلم سمع التابعى من ذلك الرجل إذ قد يحدث التابعى عن رجل وعن رجلين عن
الصحابى ولا أدرى هل أمكن لقاء ذلك الرجل أم لا فلو علمت إمكانه منه لجعلته كمدرك العصر
قال وإذا قال سمعت رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل لأن الكل عدول
انتهى كلام الصيرفي وهو حسن متجه وكلام من أطلق قبوله محمول على هذا التفصيل والله
أعلم.
وفي صدر
صحيح مسلم: المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بإلاخبار ليس بحجة
وابن عبد البرحافظ المغرب ممن حكى ذلك عن جماعة أصحاب
الحديث وإلاحتجاج به مذهب مالك و أبي حنيفة وأصحابهما رحمهم الله في طائفة والله
أعلم.
ثم إنا لم نعد في أنواع المرسل ونحوه ما يسمى في أصول
الفقه: مرسل الصحابي مثل ما يرويه ابن عباس وغيره من أحداث الصحابة عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوه منه لأن ذلك في حكم الموصول المسند لأن روايتهم عن
الصحابة والجهالة بالصحابي غير قادحة لأن الصحابة كلهم عدول والله أعلم.
_________
"قوله" وفي صدر صحيح مسلم المرسل في أصل قولنا
وقول أهل العلم بإلاخبار ليس بحجة انتهى.
ومسلم رحمه الله إنما قال ذلك حاكيا على لسان خصمه
الذي نازعه في اشتراط اللقى في الإسناد المعنعن فقال فان قال قلته لأنى وجدت رواة
إلاخبار قديما وحديثا يروى أحدهم عن إلاخر الحديث ولما يعاينه ولا سمع منه شيئا قط
فلما رأيتهم استجادوا رواية الحديث بينهم هكذا على إلارسال من غير سماع والمرسل من
الروايات في أصل قولنا وقول اهل العلم بإلاخبار ليس بحجة احتجت لما وصفت من العلة
إلى البحث عن سماع راوى كل خبر عن راويه إلى آخر كلامه فهذا كما تراه حكاه على
لسان خصمه ولكنه لما لم يرد هذا القدر منه حين رد كلامه كان كأنه قائل به فلهذا
عزاه المصنف إلى كتاب مسلم والله أعلم.
"قوله" ثم إنا لم نعد في أنواع المرسل ونحوه ما
يسمى في أصول الفقه مرسل الصحابى مثل ما يرويه ابن عباس وغيره من احداث الصحابة عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ذلك في حكم الموصول المسند لأن روايتهم عن
الصحابة والجهالة بالصحابى غير قادحة لأن الصحابة كلهم عدول انتهى.
وفيه أمران أحدهما أن قوله لأن روايتهم عن الصحابة
ليس بجيد بل الصواب أن يقال لأن اكثر رواياتهم عن الصحابة إذ قد سمع جماعة من
الصحابة من بعض التابعين وسيأتي
النوع العاشر: معرفة المنقطع:
وفيه وفي
الفرق بينه وبين المرسل مذاهب لأهل الحديث وغيرهم. فمنها ما سبق في نوع المرسل عن
الحاكم صاحب كتاب معرفة أنواع علوم الحديث من أن المرسل مخصوص بالتابعي. وأن
المنقطع: منه: الإسناد فيه قبل الوصول إلى التابعي راو لم يسمع من الذي فوقه
والساقط بينهما غير مذكور لا معينا ولا مبهما.
______
في كلام المصنف في النوع الحادى وإلاربعين أن ابن
عباس وبقية العبادلة رووا عن كعب إلاحبار وهو من التابعين وروى كعب أيضا عن
التابعين وقد صنف الحافظ أبو بكر الخطيب وغيره في رواية الصحابة عن التابعين
فبلغوا جمعا كثيرا إلا أن الجواب عن ذلك أن رواية الصحابة عن التابعين غالبها ليست
أحاديث مرفوعة وإنما هى من إلاسرائيليات أو حكايات أو موقوفات وبلغنى أن بعض أهل
العلم أنكر أن يكون قد وجد شي من رواية الصحابة عن التابعين عن الصحابة عن النبي صلى
الله عليه وسلم فرأيت أن أذكر هنا ما وقع لى من ذلك للفائدة فمن ذلك حديث سهل بن
سعد عن مروان ابن الحكم عن زيد بن ثابت "أن النبي صلى الله عليه وسلم أملى
عليه لا يستوى القاعدون من المؤمنين فجاء ابن أم مكتوم" الحديث رواه
البخاري والنسائى والترمذي وقال حسن صحيح.
وحديث السائب بن يزيد عن عبد الرحمن بن عبد القارى عن
عمر بن الخطاب رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نام عن
حزبه أو عن شي منه فقرأه ما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر كتب له كإنما قرأه من
الليل" رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
وحديث جابر بن عبد الله عن أم كلثوم بنت أبى بكر
الصديق عن عائشة رضي الله عنهم "أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن
الرجل يجامع ثم يكسل هل عليهما من غسل وعائشة جالسة فقال إني لأفعل ذلك أنا وهذه
ثم نغتسل أخرجه مسلم.
وحديث عمرو بن الحرث المصطلقى عن ابن أخي زينب امرأة عبد
الله بن مسعود عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت خطبنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال:
______
"يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن فإنكن أكثر أهل
جهنم يوم القيامة" رواه الترمذي والنسائي والحديث متفق عليه من غير ذكر ابن
أخي زينب جعلاه من رواية عمر بن الحارث عن زينب نفسها والله أعلم.
وحديث يعلى بن أمية عن عبسة بن أبي سفيان عن أخته أم حبيبة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى ثنتي عشرة ركعة بالنهار أو بالليل
بني له بيت في الجنة" رواه النسائي.
وحديث عبد الله بن عمر عن عبد الله بن محمد بن أبى
بكر الصديق عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألم تر أن قومك
حين بنوا الكعبة قصروا عن قواعد إبراهيم" الحديث رواه الخطيب في كتاب رواية
الصحابة عن التابعين بإسناد صحيح والحديث متفق عليه من طريق مالك عن ابن شهاب عن
سالم بن عبد الله أن عبد الله بن محمد بن أبى بكر أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة
بذلك فجعله من رواية سالم عن عبد الله بن محمد وهذا يشهد لصحة طريق الخطيب أن ابن
عمر سمعه من عبد الله ابن محمد عن عائشة والله أعلم.
وحديث ابن عمر عن صفية بنت أبى عبيد عن عائشة "أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم رخص للنساء في الخفين عند إلاحرام" رواه الخطيب في
الكتاب المذكور والحديث عند أبى داود من طريق ابن إسحق قال ذكرت لابن شهاب فقال
حدثني سالم أن عبد الله كان يصنع ذلك يعنى قطع الخفين للمرأة المحرمه ثم حدثته
صفية بنت أبى عبيد أن عائشة حدثتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان رخص
للنساء في الخفين فترك ذلك وحديث جابر بن عبد الله عن أبى عمرو مولى عائشة واسمه
ذكوان عن عائشة ان "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكون جنبا فيريد الرقاد
فيتوضأ وضوءه للصلاة ثم يرقد" رواه أحمد
في مسنده وفي إسناده ابن لهيعة.
وحديث ابن عباس قال أتى على زمان وانا اقول أولاد
المسلمين مع المسلمين وأولاد المشركين مع المشركين حتى حدثني فلان عن فلان أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم سئل عنهم.
ومنه:
الإسناد الذي ذكر فيه بعض رواته بلفظ مبهم نحو: رجل أو: شيخ أو غيرهما.
مثال إلاول: ما رويناه عن عبد الرازق عن سفيان الثوري
عن أبى إسحاق عن زيد بن يثيع عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن وليتموها
_______
فقال الله أعلم بما كانوا عاملين قال فلقيت الرجل
فأخبرنى فأمسكت عن قولى رواه أحمد في مسنده وأبو داود الطيالسى أيضا في مسنده
وإسناده صحيح.
وبين روايه عن الطيالسى وهو يونس بن حبيب أن الصحابى
المذكور في هذا الحديث هو أبى بن كعب وكذا قال الخطيب وترجم له في رواية الصحابة عن
التابعين عبد الله بن عباس عن صاحب لأبى بن كعب.
وحديث ابن عمر عن أسماء بنت زيد بن الخطاب عن عبد
الله بن حنظلة بن أبى عامر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل
صلاة طاهرا أو غير طاهر فلما شق ذلك عليهم أمر بالسواك لكل صلاة".
رواه أبو داود من طريق محمد بن إسحق عن محمد بن يحيى
بن حبان عن عبد الله بن عبد الله بن عمر قال قلت أرايت توضؤ ابن عمر لكل صلاة طاهرا
أو غير طاهر عم ذاك فقال حدثته أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبد الله بن حنظلة بن
أبى عامر حدثها فذكره وفي رواية علقها أبو داود وأسندها الخطيب إلى عبيد الله بن
عبد الله بن عمر كذا أورده الخطيب في رواية عبد الله بن عمر عن أسماء.
والظاهر أنه من رواية ابنه عبيد الله بن عبيد الله بن
عمر عن أسماء وإن كانت حدثت أبن عمر نفسه وكذا جعل المزنى في تهذيب الكمال الراوى
عنها عبد الله بن عبد الله بن عمر وحديث عمر عن أسماء بنت زيد بن الخطاب عن عبد
الله بن حنظلة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أن أشق على أمتي
لأمرنهم بالسواك عند كل صلاة" رواة الخطيب فيه.
.
________
وحديث سليمان بن صرد عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه
قال تذاكروا غسل الجنابة عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال أما أنا فأفيض على
رأسي ثلاثا الحديث رواه الخطيب وهو متفق عليه.
من رواية سليمان عن جبير ليس فيه نافع.
وحديث أبى الطفيل عن بكر بن قرواش عن سعد بن أبى وقاص
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "شيطان الردهة يحذره رحل من بجيلة"
الحديث رواه أبو يعلى الموصلى في مسنده قال صاحب الميزان بكر بن قرواش لا يعرف
والحديث منكر وحديث أبى هريرة عن أم عبد الله أبى أبى ذئاب عن أم سلمة سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما ابتلى الله عبدا ببلاء وهو على طريقة
يكرهها إلا جعل الله ذلك البلاء له كفارة" رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المرض
والكفارات ومن طريقه الخطيب.
وحديث ابن عمر عن صفية بنت أبى عبيد عن حفصة عن النبي
صلى الله عليه وسلم: "من لم يجمع الصوم قبل الصبح فلا صوم له" .
وحديث ابن عمر عن صفية عن حفصة عن النبي صلى الله
عليه وسلم: "لا يحرم من الرضاع إلا عشر رضعات فصاعدا" رواهما الخطيب.
وفي إسنادهما محمد بن عمر الواقدي.
وحديث أنس عن وقاص بن ربيعة عن أبى ذر قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: "ابن آدم إنك إن دنوت منى
شبرا دنوت منك ذراعا" الحديث.
وحديث أبى الطفيل عن عبد الملك بن أخي أبى ذر أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أنهم لن تسلطوا على قتلى ولن يفتنوني عن ديني الحديث.
وحديث أبى أمامة عن عبسة بن أبى سفيان عن أم حبيبة
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من رجل مسلم يحافظ على أربع ركعات
قبل الظهر وأربع بعد الظهر فتمسه النار" .
وحديث أبى الطفيل عن حلام بن جزل عن أبى ذر مرفوعا
الناس ثلاث طبقات الحديث روى هذه إلاحاديث أيضا الخطيب بأسانيد ضعيفة فهذه عشرون
حديثا من رواية الصحابة مرفوعة عن التابعين عن الصحابة مرفوعة ذكرتها للفائدة
والله أعلم.
"الامر الثانى" أنه اعترض على المصنف في قوله ما
يسمى في أصول الفقه بأن المحدثين أيضا يذكرون مراسيل الصحابة فما وجه تخصيصه بأصول
الفقه والجواب أن
أبا بكر
فقوي أمين" الحديث فهذا إسناد إذا تأمله الحديثي وجد صورته صورة المتصل وهو
منقطع في موضعين: لأن عبد الرزاق لم يسمعه من الثوري
وإنما سمعه من النعمان بن أبى شيبه الجندي عن الثوري. ولم يسمعه الثوري أيضا من
أبى إسحاق إنما سمعه من شريك عن أبى إسحاق.
ومثال الثاني: الحديث الذي رويناه عن أبى العلاء بن
عبد الله بن الشخير عن رجلين عن شداد بن أوس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الدعاء في الصلاة اللهم إني أسالك الثبات في إلامر الحديث والله اعلم.
ومنها ما ذكره ابن عبد البر رحمه الله وهو: أن المرسل
مخصوص بالتابعين والمنقطع شامل له ولغيره وهو عنده: كل ما لا يتصل إسناده سواء كان
يعزى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى غيره.
ومنها أن المنقطع مثل المرسل وكلاهما شاملان لكل ما
لا يتصل إسناده.
وهذا المذهب أقرب. صار إليه طوائف من الفقهاء وغيرهم.
وهو الذي ذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في كفايته. إلا أن أكثر ما يوصف بإلارسال من
حيث إلاستعمال: ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأكثر ما يوصف بإلانقطاع:
ما رواه من دون التابعين عن الصحابة مثل مالك عن ابن عمرو نحو ذلك والله أعلم.
_______
المحدثين وإن ذكروا مراسيل الصحابة فإنهم لم يختلفوا
في إلاحتجاج بها وأما إلاصوليون فقد اختلفوا فيها فذهب إلاستاذ أبو إسحق
إلاسفرايني إلى أنه لا يحتج بها وخالفه عامة أهل إلاصول فجزموا بإلاحتجاج بها وفي
بعض شروح المنار في إلاصول الحنفية دعوى إلاتفاق على إلاحتجاج بها ونقل إلاتفاق
مردود بقول إلاستاذ أبى اسحق والله أعلم.
ومنها: ما
حكاه الخطيب أبو بكر عن بعض أهل العلم بالحديث: أن المنقطع ما روي عن التابعي أو
من دونه موقوفا عليه من قوله أو فعله. وهذا غريب بعيد والله أعلم.
النوع الحادي عشر: معرفة المعضل:وهو لقب لنوع خاص من
المنقطع. فكل معضل منقطع وليس كل منقطع معضلا. وقوم يسمونه
مرسلا كما سبق وهو عبارة عما سقط من إسناده اثنان فصاعدا.
وأصحاب الحديث يقولون: أعضله فهو معضل بفتح الضاد.
وهو اصطلاح مشكل المأخذ من حيث اللغة وبحثت فوجدت له قولهم: أمر عضيل أي مستغلق
شديد. ولا التفات في ذلك إلى معضل بكسر الضاد وإن كان مثل عضيل في المعنى.
______
النوع الحادى عشر: معرفة المعضل.
"وقوله" وهو عبارة
عن ما سقط من إسناده اثنان فصاعدا انتهى أطلق المصنف اسم المعضل على ما سقط منه
اثنان فصاعدا ولم يفرق بين أن يسقط ذلك من موضع واحد أو من موضعين وليس المراد
بذلك إلا سقوطهما من موضع واحد فأما إذا سقط راو من مكان ثم راو من موضع آخر فهو
منقطع في موضعين وليس معضلا في إلاصطلاح وهذا مراد المصنف ويوضح مراده المثال الذي
مثل به بعد وهو قوله ومثاله ما يرويه تابع التابعي قائلا فيه قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى آخر كلامه.
"قوله" وأصحاب
الحديث يقولون أعضله فهو معضل بفتح الضاد وهو اصطلاح مشكل المأخذ من حيث اللغة
وبحثت فوجدت له قولهم أمر عضيل أي مستغلق شديد ولا التفات في ذلك إلى معضل بكسر
الضاد وإن كان مثل عضيل في المثنى انتهى.
ومثاله: ما يرويه
تابعي التابعي قائلا فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك ما يرويه من دون
تابعي التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن أبي بكر وعمر وغيرهما غير
ذاكر للوسائط بينه وبينهم.
وذكر أبو نصر السجزي الحافظ قول الراوي بلغني نحو قول
مالك بلغني عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "للمملوك
طعامه وكسوته" الحديث وقال أي السجزي أصحاب الحديث يسمونه المعضل قلت: وقول
المصنفين من
_______
وأراد المصنف بذلك تخريج قول أهل الحديث معضل بفتح
الضاد على مقتضى اللثة فقال إنه وجد له قولهم أمر عضيل ثم زاده المصنف إيضاحا فيما
أملاه حين قراءة الكتاب عليه فقال إن فعيل يدل على الثلاثي قال فعلى هذا يكون لنا
عضل قاصرا واعضل متعديا وقاصرا كما قالوا ظلم الليل وأظلم الليل وأظلم الليل انتهى.
وقد اعترض عليه بأن فعيلا لا يكون من الثلاثي القاصر
والجواب أنه إنما يكون من الثلاثي القاصر إذا كان فعيل بمعنى مفعول فأما اذا كان
بمعنى فاعل فيجئ من الثلاثي القاصر كقولك حريص من حرص وإنما أراد المصنف بقولهم
عضيل أنه بمعنى فاعل من عضل إلامر عاضل وعضيل والله أعلم.
وقرأت بخط الحافظ شرف الدين الحسن بن على بن الصيرفي
على نسخة من كتاب ابن الصلاح في هذا الموضع دلنا قولهم عضيل على أن ماضيه عضل
فيكون أعضله منه لا من أعضل هو وقد جاء ظلم الليل وأظلم وأظلمه الله وغطش وأغطش
وأغطشه الله تعالى والله أعلم.
"قوله" وذكر أبو
نصر السجزى الحافظ قول الراوي بلغني نحو قول مالك بلغني عن أبى هريرة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: "للمملوك طعامه وكسوته" الحديث وقال أصحاب
الحديث يسمونه المعضل أنتهى وقد استشكل كون هذا الحديث معضلا الجواز أن يكون
الساقط بين مالك وبين أبى هريرة واحدا فقد سمع مالك من جماعة من أصحاب أبى هريرة
كسعيد المقبري ونعيم المجمر ومحمد بن المنكدر فلم جعله معضلا والجواب أن مالكا قد
وصل هذا الحديث خارج الموطأ فرواه عن محمد
الفقهاء وغيرهم:
قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا ونحو ذلك كله من قبيل المعضل لما
تقدم. وسماه الخطيب أبو بكر الحافظ في بعض كلامه مرسلا وذلك على مذهب من يسمى كل
مإلا يتصل مرسلا كما سبق.
وإذا روى تابع التابع عن التابع حديثا موقوفا عليه
وهو حديث متصل مسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقد جعله الحاكم أبو عبد
الله نوعا من المعضل مثاله: ما رويناه عن إلاعمش عن الشعبي قال: "يقال للرجل
يوم القيامة: عملت كذا وكذا ؟ فيقول: ما عملته فيختم على فيه" الحديث. فقد
أعضله إلاعمش وهو عند الشعبي: عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متصل مسندا.
قلت: هذا جيد حسن لأن هذا إلانقطاع بواحد مضموما إلى
الوقف يشتمل على إلانقطاع باثنين: الصحابي ورسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك
باستحقاق اسم إلاعضال أولى والله أعلم.
تفريعات :
أحدها :الإسناد المعنعن وهو الذي يقال فيه فلان عن
فلان عده بعض الناس من قبيل المرسل والمنقطع حتى يتبين اتصاله بغيره.
والصحيح والذي عليه العمل أنه من قبيل الإسناد
المتصل. وإلى هذا ذهب الجماهير من أئمة الحديث وغيرهم. وأودعه المشترطون للصحيح في
تصانيفهم فيه وقبلوه وكاد أبو عمر بن عبد البر الحافظ يدعي إجماع أئمة الحديث على
ذلك. وادعى
_________
ابن عجلان عن أبيه عن أبى هريرة فقد عرفنا سقوط اثنين
منه فلذلك سموه معضلا والله أعلم.
"قوله" عند ذكر
الإسناد المعنعن والصحيح الذي عليه العمل أنه من قبيل الإسناد المتصل ثم قال وكاد
أبو عمر بن عبد البر الحافظ يدعى إجماع أئمة الحديث على ذلك إلى آخر كلامه ولا
حاجة إلى قوله كاد فقد ادعاه فقال في مقدمة التمهيد اعلم وفقك الله أنى تأملت
أقاويل أئمة الحديث ونظرت في كتب من اشترط الصحيح في النقل منهم.
أبو عمرو
الداني المقرئ الحافظ إجماع أهل النقل على ذلك وهذا بشرط أن يكون الذين أضيفت
العنعنة إليهم قد ثبتت ملاقاة بعضهم بعضا مع براءتهم من وصمة التدليس. فحينئذ يحمل
على ظاهر إلاتصال إلا أن يظهر فيه خلاف ذلك. وكثر في عصرنا وما قاربه بين
المنتسبين إلى الحديث استعمال عن في الإجازة فإذا قال أحدهم: قرأت على فلان عن
فلان أو نحو ذلك فظن به أنه رواه عنه بالإجازة. ولا يخرجه ذلك من قبيل إلاتصال على
مإلا يخفي والله أعلم.
الثاني: اختلفوا في قول الراوي أن فلانا قال كذا وكذا
هل هو بمنزلة عن في الحمل على إلاتصال إذا ثبت التلاقي بينهما حتى يتبين فيه
إلانقطاع مثاله: مالك عن الزهري: أن سعيد بن المسيب قال كذا فروينا عن مالك رضي
الله عنه أنه كان يرى عن فلان و أن فلانا سواء.
وعن أحمد بن حنبل رضي الله عنه: أنهما ليسا سواء وحكى
ابن عبد البر عن جمهور أهل العلم: أن عن و أن
سواء وأنه لا اعتبار بالحروف والألفاظ وإنما هو باللقاء والمجالسة والسماع
والمشاهدة يعني مع السلامة من التدليس فإذا كان سماع بعضهم من بعض صحيحا كان حديث
بعضهم عن بعض بأي لفظ ورد محمولا على إلاتصال حتى يتبين فيه إلانقطاع.
_______
ومن لم يشترطه فوجدتهم أجمعوا على قبول الإسناد
المعنعن لا خلاف بينهم في ذلك إذا جمع شروطا ثلاثة وهى عدالة المحدثين ولقاء بعضهم
بعضا مجالسة ومشاهدة وأن يكونوا برآء من التدليس ثم قال وهو قول مالك وعامة أهل
العلم.
قوله اختلفوا في قول الراوى أن فلانا قال كذا وكذا هل
هو بمنزلة عن في الحمل على إلاتصال إذا ثبت التلاقى بينهما حتى يتبين فيه إلانقطاع
مثاله مالك عن الزهري أن سعيد بن المسيب قال كذا فروينا عن مالك رضى الله عنه أنه
كان يروى عن فلان وأن فلانا سواء.
0000000000000000000000000000
________
وعن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنهما ليسا سواء.
وحكى ابن عبد البر عن جمهور أهل العلم أن عن وأن سواء
ثم قال وحكى بن عبد البر عن أبى بكر البرديجى أن حرف أن محمول على إلانقطاع حتى
يتبين السماع في ذلك الخبر بعينه من جهة أخرى ثم قال ابن الصلاح ووجدت مثل ما حكاه
عن البرديجى أبى بكر الحافظ للحافظ الفحل يعقوب بن شيبة في مسنده الفحل فإنه ذكر
ما رواه أبو الزبير عن ابن الحنفية عن عمار للحافظ قال أتيت النبي صلى الله عليه
وسلم وهو يصلى فسلمت عليه فرد على السلام وجعله مسندا موصولا وذكر رواية قيس بن
سعد كذلك عن عطاء ابن أبى رباح عن ابن الحنفية أن عمارا مر بالنبى صلى الله عليه
وسلم وهو يصلى فجعله مرسلا من حيث كونه قال إن عمارا فعل ولم يقل عن عمار والله
أعلم انتهى.
وما حكاه المصنف عن أحمد بن حنبل وعن يعقوب بن شيبة
من تفرقتهما بين عن وأن ليس إلامر فيه على ما فهمه من كلامهما ولم يفرق أحمد
ويعقوب بين عن وأن لصيغة أن ولكن لمعنى آخر أذكره وهو أن يعقوب إنما جعله مرسلا من
حيث أن ابن الحنفية لم يسند حكاية القصة إلى عمار وإلا فلو قال ابن الحنفية إن
عمارا قال مررت بالنبى صلى الله عليه وسلم لما جعله يعقوب ابن شيبة مرسلا فلما أتى
به بلفظ أن عمارا مر كان محمد بن الحنفية هو الحاكى لقصة لم يدركها لأنه لم يدرك
مرور عمار بالنبى صلى الله عليه وسلم فكان نقله لذلك مرسلا وهذا أمر واضح ولا فرق
بين أن يقول ابن الحنفية إن عمارا مر بالنبى صلى الله عليه وسلم أو أن النبى صلى الله
عليه وسلم مر به عمار فكلاهما مرسل بإلاتفاق بخلاف ما إذا قال عن عمار قال مررت أو
ان عمارا قال مررت فإن هاتين العبارتين متصلتان لكونهما أسندتا إلى عمار وكذلك ما
حكاه المصنف عن أحمد ابن حنبل من تفرقته بين عن وأن فهو على هذا النحو ويوضح لك
ذلك حكاية كلام أحمد وقد رواه الخطيب وفي الكفاية بإسناده إلى أبى داود قال سمعت
أحمد قيل له أن رجلا قال عروة أن عائشة قالت يا رسول الله وعن عروة عن عائشة سواء
قال كيف هذا سواء ليس هذا سواء انتهى كلام أحمد.
_______
وإنما فرق بين اللفظين لأن عروة في اللفظ إلاول لم
يسند ذلك إلى عائشة ولا ادرك القصة وإلا فلو قال عروة إن عائشة قالت قلت يا رسول
الله لكان ذلك متصلا لأنه أسند ذلك إليها.
وأما اللفظ الثانى فأسنده عروة إليها بالعنعنة فكان
ذلك متصلا فما فعله أحمد ويعقوب بن شيبة صواب سواء ليس مخالفا لقول مالك ولا لقول
غيره وليس في ذلك خلاف بين أهل النقل وجملة القول فيه أن الراوى إذا روى قصة أو
واقعة فإن كان أدرك ما رواه بأن حكى قصة وقعت بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم
وبين بعض أصحابه والراوى لذلك صحابى قد أدرك تلك الواقعة حكمنا لها بإلاتصال وان لم
نعلم أن الصحابى شهد تلك القصة وإن علمنا أنه لم يدرك الواقعة فهو مرسل صحابى وإن
كان الراوى كذلك تابعيا كمحمد بن الحنفية مثلا فهى منقطعة وإن روى التابعى عن
الصحابى قصة أدرك وقوعها كان متصلا ولو لم يصرح بما يقتضى إلاتصال وأسندها إلى
الصحابى بلفظ أن فلانا قال أو بلفظ قال قال فلان فهى متصلة أيضا كرواية ابن
الحنفية إلاولى عن عمار بشرط سلامة التابعى من التدليس كما تقدم وإن لم يدركها ولا
أسند حكايتها إلى الصحابى فهى منقطعة كرواية ابن الحنفية الثانية فهذا الحقيق
القول فيه.
وممن حكى اتفاق أهل النقل على ذلك الحافظ أبو عبد
الله بن المواق في كتاب بغية النقاد فذكر من عند أبى داود حديث عبد الرحمن بن طرفة
أن جده عرفجة قطع أنفه يوم الكلاب الحديث وقال إنه عند أبى داود هكذا مرسل قال وقد
نبه ابن السكن على إرساله فقال فذكر الحديث مرسلا قال ابن المواق وهو أمر بين لا
خلاف بين أهل التمييز من أهل هذا الشأن في انقطاع ما يروى كذلك إذا علم أن الراوى
لم يدرك زمان القصة كما في هذا الحديث وذكر نحو ذلك أيضا في حديث أبى قيس أن عمرو
بن العاص كان على سرية الحديث في التيمم من عند أبى داود أيضا وكذلك فعل ذلك غيره
وهو أمر واضح بين والله اعلم.
وقد ذكر المصنف بعد ما حكاه عن مسند يعقوب بن شيبة أن
الخطيب مثل هذه المسألة بحديث نافع عن ابن عمر عن عمر أنه سأل النبى صلى الله عليه
وسلم أينام أحدنا وهو جنب الحديث وفي رواية أخرى عن نافع عن ابن عمر أن عمر قال يا
رسول الله الحديث ثم قال أى الخطيب ظاهر الرواية إلاولى يوجب أن يكون من مسند
وحكى ابن
عبد البر عن أبي بكر البرديجي: أن حرف أن محمول على إلانقطاع حتى يتبين السماع في ذلك
الخبر بعينه من جهة أخرى. وقال: عندي لا معنى لهذا لإجماعهم على أن الإسناد المتصل
بالصحابي سواء فيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو: أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال أو: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أو سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول والله أعلم.
قلت: ووجدت مثل
ما حكاه عن البرديجي أبي بكر الحافظ للحافظ الفحل يعقوب بن شيبة في مسنده الفحل
فإنه ذكر ما رواه أبو الزبير عن ابن الحنفية عن عمار قال: أتيت النبي
صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فرد علي السلام. وجعله مسندا موصولا.
وذكر رواية قيس بن سعد لذلك عن عطاء بن أبي رباح عن
ابن الحنفية: أن عمارا مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فجعله مرسلا من حيث
كونه قال: إن عمارا فعل ولم يقل عن عمار والله أعلم.
ثم إن الخطيب مثل هذه المسألة بحديث نافع عن ابن عمر
عن عمر: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ الحديث.
وفي رواية أخرى: عن نافع عن ابن عمر أن عمر: قال يا
رسول الله. الحديث. ثم قال: ظاهر الرواية إلاولى يوجب أن يكون من مسند عمر عن
النبي صلى الله عليه وسلم. والثانية ظاهرها يوجب أن يكون من مسند ابن عمر عن النبي
صلى الله عليه وسلم.
قلت: ليس هذا المثال مماثلا لما نحن بصدده لأن
إلاعتماد فيه في الحكم بإلاتصال على مذهب الجمهور إنما هو على اللقي وإلادراك وذلك
في هذا الحديث مشترك متردد لتعلقه بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعمر رضي الله عنه
وصحبة الراوي ابن عمر لهما فاقتضى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.
ذلك من جهة:
كونه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن جهة أخرى: كونه رواه عن عمر عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم والله اعلم.
الثالث : قد ذكرنا ما
حكاه ابن عبد البر من تعميم الحكم بإلاتصال فيما يذكره الراوي عمن لقيه بأي لفظ
كان. وهكذا أطلق أبو بكر الشافعي الصيرفي ذلك فقال: كل من علم له سماع من إنسان
فحدث عنه فهو على السماع حتى يعلم أنه لم يسمع منه ما حكاه. وكل من علم له لقاء
إنسان فحدث عنه فحكمه هذا الحكم وإنما قال هذا فيمن لم يظهر تدليسه.
ومن الحجة في ذلك وفي سائر الباب: أنه لو لم
يكن قد سمعه منه لكان بإطلاقه الرواية عنه من غير ذكر الواسطة بينه وبينه مدلسا
والظاهر السلامة من وصمة التدليس والكلام فيمن لم يعرف بالتدليس.
ومن أمثلة ذلك: قوله قال فلان كذا وكذا مثل أن يقول
نافع: قال ابن عمر. وكذلك لو قال عنه ذكر أو: فعل أو: حدث أو: كان يقول كذا وكذا
وما جانس ذلك فكل ذلك محمول ظاهرا على إلاتصال وأنه تلقى ذلك منه من غير واسطة بينهما
مهما ثبت لقاؤه له على الجملة.
ثم منهم من اقتصر في هذا الشرط المشترط في ذلك ونحوه
على مطلق اللقاء أو السماع كما حكيناه آنفا. وقال فيه أبو عمرو المقري: إذا كان
معروفا بالرواية عنه.
وقال فيه أبو الحسن القابسي: إذا أدرك المنقول عنه
إدراكا بينا.
وذكر أبو المظفر السمعاني في العنعنة: أنه يشترط طول
الصحبة بينهم وأنكر مسلم بن الحجاج في خطبة صحيحه على بعض أهل عصره حيث اشترط في
العنعنة ثبوت اللقاء وإلاجتماع وادعى أنه قول مخترع لم يسبق قائله إليه وأن القول
الشائع المتفق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.
عليه بين
أهل العلم بإلاخبار قديما وحديثا: أنه يكفي في ذلك أن يثبت كونهما في عصر واحد وإن
لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا أو تشافها. وفيما قاله مسلم نظر وقد قيل: إن القول
الذي رده مسلم هو الذي عليه أئمة هذا العلم: علي بن المديني و البخاري وغيرهما
والله أعلم.
قلت: وهذا الحكم لا أراه يستمر بعد المتقدمين فيما
وجد من المصنفين في تصانيفهم مما ذكروه عن مشايخهم قائلين فيه ذكر فلان ونحو ذلك
فافهم كل ذلك فإنه مهم عزيز والله أعلم.
الرابع : التعليق
الذي يذكره أبو عبد الله الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين وغيره من المغاربة في
أحاديث من صحيح البخاري قطع إسنادها وقد استعمله الدارقطني من قبل صورته صورة
إلانقطاع وليس حكمه حكمه ولا خارجا ما وجد ذلك فيه منه من قبيل الصحيح إلى قبيل
الضعيف وذلك لما عرف من شرطه وحكمه على ما نبهنا عليه في الفائدة السادسة من النوع
إلاول.
ولا التفات إلى أبي محمد بن حزم الظاهري الحافظ في
رده ما أخرجه البخاري من حديث أبي عامر أو: أبي مالك إلاشعري عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف"
الحديث. من جهة
______
عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم والثانية ظاهرها
يوجب أن يكون من مسند ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم انتهى وهذا يشهد لما
ذكرناه إلا أن المصنف اعترض على الخطيب بقوله ليس هذا المثال مماثلا لما نحن بصدده
الى آخر كلامه إلا أن كون الرواية الثانية تدل على أنه من مسند ابن عمر لا يخالف
فيه ابن الصلاح وهو موافق لما ذكرناه وهو المقصود من إلاستشهاد به والله أعلم و
صلى الله عليه وسلم على محمد وآله.
"قوله" الرابع التعليق الذى يذكره أبو عبد الله
الحميدى في أحاديث من صحيح البخاري قطع إسنادها صورته صورة إلانقطاع وليس حكمه
حكمه ولا خارجا ما وجد
أن البخاري
أورده قائلا فيه: قال هشام بن عمار وساقه بإسناده فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين
البخاري و هشام وجعله جوابا عن إلاحتجاج به على تحريم المعازف.
وأخطأ في ذلك من وجوه والحديث صحيح معروف إلاتصال
بشرط الصحيح.
و البخاري رحمه الله قد يفعل ذلك لكون ذلك الحديث
معروفا من جهة الثقات عن ذلك الشخص الذي علقه عنه. وقد يفعل ذلك لكونه قد ذكر ذلك
40 الحديث في موضع آخر من كتابه مسندا متصلا وقد يفعل ذلك ليغير ذلك من إلاسباب
التي لا يصحبها خلل إلانقطاع والله أعلم.
وما ذكرناه من الحكم في التعليق المذكور فذلك فيما
أورده منه أصلا ومقصودا لا فيما أورده في معرض إلاستشهاد فإن الشواهد يحتمل فيها
ما ليس من شرط الصحيح معلقا كان أو موصولا
ثم إن لفظ التعليق وجدته مستعملا فيما حذف من مبتدأ
إسناده واحد فأكثر. حتى إن بعضهم استعمله في حذف كل
_______
ذلك فيه منه من قبيل الصحيح إلى قبيل الضعيف لما علم
من شرطه اعترض عليه بأن شرط البخاري إن سمى كتابه المسند الصحيح والصحيح هو ما فيه
من المسند دون ما لم يسنده وهذا إلاعتراض يؤيده قول ابن القطان في بيان الوهم
وإلايهام أن البخاري فيما يعلق من إلاحاديث في إلابواب غير مبال بضعف رواتها فإنها
غير معدودة فيما انتخب وإنما يعد من ذلك ما وصل إلاسانيد به فاعلم ذلك انتهى كلام
ابن القطان.
والجواب أن المصنف إنما يحكم بصحتها إلى من علقها عنه
إذا ذكره بصيغة الجزم كما تقدم ولا يظن بالبخاري أن يجزم القول فيما ليس بصحيح عمن
جزم به عنه فأما إذا ذكر فيما أبرز من السند ضعيفا فإنه ليس صحيحا عند البخاري كما
تقدم والله أعلم.
"قوله" فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري
وهشام انتهى وإنما قال ابن حزم في المحلى هذا حديث منقطع لم يتصل ما بين البخاري
وصدقة بن خالد انتهى وصدقة بن خالد هو شيخ هشام بن عمار في هذا الحديث وهذا قريب
إلا أن المصنف لا يجوز تغيير إلالفاظ في التصانيف وان اتفق المعنى.
الإسناد.مثال
ذلك: قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا. قال ابن عباس كذا وكذا.
روى أبو هريرة كذا وكذا. قال سعيد بن المسيب عن أبي هريرة كذا وكذا. قال الزهري عن
أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا. وهكذا إلى شيوخ
شيوخه
وأما ما أورده كذلك عن شيوخه فهو من قبيل ما ذكرناه
قريبا في الثالث من هذه التفريعات.
______
"قوله" وأما ما
أورده أى البخاري كذلك عن شيوخه فهو من قبيل ما ذكرناه قريبا في الثالث من هذا
التفريعات انتهى يريد أن ما قال فيه البخاري وقال فلان وسمى بعض شيوخه أنه محكوم
فيه بإلاتصال كالإسناد المعنعن ويشكل على ما ذكره المصنف هنا أن البخاري قال في
صحيحه في كتاب الجنائز في باب ما جاء في قاتل النفس وقال حجاج بن منهال حدثنا جرير
بن حازم عن الحسن قال حدثنا جندب في هذا المسجد فما نسيناه وما نخاف أن يكذب جندب
على النبى صلى الله عليه وسلم قال: "كان برجل خراج فقتل نفسه" الحديث فحجاج
بن منهال أحد شيوخ البخاري قد سمع منه أحاديث وقد علق عنه هذا الحديث ولم يسمعه
منه وبينه وبينه واسطة بدليل أنه أورده في باب ما ذكره عن بني إسرائيل فقال حدثنا
محمد حدثنا حجاج حدثنا جرير عن الحسن قال حدثنا جندب فذكر الحديث فهذا يدل على أنه
لم يسمعه من حجاج وهذا تدليس.
فلا ينبغى أن يحمل ما علقه عن شيوخه على السماع منهم
ويجوز أن يقال إن البخاري أخذه عن حجاج بن منهال بالمناولة أو في حالة المذاكرة
على الخلاف الذى ذكره ابن الصلاح وسمعه ممن سمعه منه فلم يستحسن التصريح باتصاله
بينه وبين حجاج لما وقع من تحمله وهو قد صح عنده بواسطة الذى حدثه به عنه فأتى به
في موضع بصيغة التعليق وفي موضع آخر بزيادة الواسطة وعلى هذا فلا يسمى ما وقع من
البخاري على هذا التقدير تدليسا وعلى كل حال فهو محكوم بصحته لكونه أتى به بصيغة
الجزم كما تقدم فما قاله ابن حزم في حديث البخاري عن هشام بن عمار بحديث المعارف
من أنه ليس متصلا عند البخاري يمكن أن يكون البخاري أخذه عن هشام مناولة أو في المذاكرة
فلم يصرح فيه بالسماع.
00000000000000000000000000000000000
_________
"وقوله" إنه لا يصح
وإنه موضع مردود عليه فقد وصله غير البخاري من طريق هشام بن عمار ومن طريق غيره
فقال إلاسماعيلى في صحيحه حدثنا الحسن وهو ابن سفيان إلامام حدثنا هشام بن عمار
وقال الطبراني في مسند الشاميين حدثنا محمد بن يزيد بن عبد الصمد حدثنا هشام بن
عمار حدثنا صدقة بن خالد وقال أبو داود في سننه حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا
بشر بن بكر كلاهما عن عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر بإسناده.
وقد ذكر المصنف فيما تقدم في النوع إلاول في أمثلة
تعليق البخاري قال القعنبي والغضبى من شيوخ البخاري فجعله هناك من باب التعليق
وخالف ذلك هنا وقد يجاب عن المصنف بما ذكره هنا عقب إلانكار عن ابن حزم وهو قوله
والبخاري رحمه الله قد يفعل مثل ذلك لكون ذلك الحديث معروفا من جهة الثقات عن ذلك
الشخص الذي علق عنه وقد يفعل ذلك لكونه قد ذكر ذلك الحديث في موضع آخر من كتابه
مسندا متصلا وقد يفعل ذلك بغير ذلك في إلاسباب التي لا يصحبها خلل إلانقطاع انتهى
فحديث النهى عن المعازف من باب ما هو معروف من جهة الثقات عن هشام كما تقدم وحديث
جندب من باب ما ذكره في موضع آخر من كتابه مسند وقد اعترض على المصنف في قوله وقد
يفعل ذلك لغير ذلك من إلاسباب التي لا يصحبها خلل إلانقطاع بأن حديث جندب الذي ذكر
في الجنائز صحبة خلل للانقطاع لأنه لم يأخذه عن حجاج بن منهال والجواب عن المصنف
أنه لم يرد بقوله لا يصحبها خلل للانقطاع أي في غير الموضع الذي علقه فيه فان
التعليق منقطع قطعا وإنما أراد أنه لا يصحبها خلل إلانقطاع في الواقع بأن يكون
الحديث معروف إلاتصال.
أما في كتابه في موضع آخر كحديث جندب أو في غير كتابه
كحديث أبى مالك إلاشعري فإنه إنما جزم به حيث علم اتصاله وصحته في نفس إلامر كما
تقدم والله تعالى أعلم.
وأختلف في محمد شيخ البخاري في حديث جندب فقيل هو
محمد بن يحيى الدهلى
وبلغني عن
بعض المتأخرين من أهل المغرب أنه جعله قسما من التعليق ثانيا وأضاف إليه قول البخاري
في غير موضع من كتابه وقال لي فلان وزادنا فلان فوسم ذلك بالتعليق المتصل من حيث
الظاهر المنفصل من حيث المعنى وقال: متى رأيت البخاري يقول وقال لي وقال لنا فاعلم
أنه إسناد لم يذكره للاحتجاج به وإنما ذكره للاستشهاد به. وكثيرا ما يعبر المحدثون
بهذا اللفظ عما جرى بينهم في المذاكرات والمناظرات وأحاديث المذاكرة قلما يحتجون
بها.
قلت: وما ادعاه على البخاري مخالف لما قاله من هو
أقدم منه وأعرف 41 بالبخاري وهو العبد الصالح أبو جعفر بن حمدان النيسابوري فقد
روينا عنه أنه قال: كل ما قال البخاري قال لي فلان فهو عرض ومناولة.
قلت: ولم أجد لفظ التعليق مستعملا فيما سقط فيه بعض
رجال الإسناد من وسطه أو من آخره ولا في مثل قوله يروى عن فلان ويذكر عن فلان وما
أشبهه مما ليس فيه جزم على من ذكر ذلك بأنه قاله وذكره. وكأن هذا التعليق مأخوذ من
تعليق الجدار وتعليق الطلاق ونحوه لما يشترك الجميع فيه من قطع إلاتصال والله أعلم.
______
وهو الظاهر فإنه روى عن حجاج بن منهال والبخاري عادته
لا ينسبه إذا روى عنه إما لكونه من أقرانه أو لما جرى بينهما وقيل هو محمد بن جعفر
السمناني.
"قوله" ولم أجد لفظ التعليق مستعملا فيما سقط فيه
بعض رجال الإسناد من وسطه أو من آخره ولا في مثل قوله يروى على فلان ويذكر عن فلان
وما أشبهه مما ليس فيه جزم على من ذكر ذلك عنه بأنه قاله وذكره انتهى.
وقد سمى غير واحد من المتأخرين ما ليس بمجزوم تعليقا
منهم الحافظ أبو الحجاج المزي كقول البخاري في باب مس الحرير من غير لبس ويروى فيه
عن الزبيدي عن
الخامس : الحديث الذي
رواه بعض الثقات مرسلا وبعضهم متصلا: اختلف أهل الحديث في أنه ملحق بقبيل الموصول
أو بقبيل المرسل مثاله: حديث لا نكاح إلا بولي رواه إسرائيل بن يونس في آخرين عن
جده أبي إسحاق السبيعي عن أبي بردة عن أبيه أبي موسى إلاشعري عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم مسندا هكذا متصلا ورواه سفيان الثوري وشعبة عن أبي إسحاق عن أبي
بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا هكذا فحكى الخطيب الحافظ: أن أكثر أصحاب
الحديث يرون الحكم في هذا وأشباهه للمرسل وعن بعضهم: أن الحكم للأكثر وعن بعضهم:
أن الحكم للأحفظ فإذا كان من أرسله أحفظ ممن وصله فالحكم لمن أرسله ثم لا يقدح ذلك
في عدالة من وصله وأهليته.
ومنهم من قال: الحكم لمن أسنده إذا كان عدلا ضابطا فيقبل
خبره وإن خالفه غيره سواء كان المخالف له واحدا أو جماعة قال الخطيب: هذا القول
هو الصحيح.
قلت: وما صححه هو الصحيح في الفقه وأصوله. وسئل البخاري
عن حديث: "لا نكاح إلا بولي" المذكور فحكم لمن وصله وقال: الزيادة من
الثقة مقبولة فقال البخاري: هذا مع أن من أرسله شعبة وسفيان وهما جبلان لهما من
الحفظ وإلاتقان الدرجة العالية.
ويلتحق بهذا ما إذا كان الذي وصله هو الذي أرسله وصله
في وقت وأرسله في وقت.
________
الزهري عن أنس عن النبى صلى الله عليه وسلم فذكره
المزي في إلاطراف وعلم عليه علامة التعليق للبخارى وكذا فعل غير واحد من الحفاظ
يقولون ذكره البخاري تعليقا مجزوما أو تعليقا غير مجزوم به إلا أنه يجوز أن هذا
إلاصطلاح متجدد فلا لوم على المصنف في قوله إنه لم يجده.
"قوله" أما إذا كان الذى وصله هو الذى أرسله وصله
في وقت وأرسله في وقت
وهكذا إذا
رفع بعضهم الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووقفه بعضهم على الصحابي. أو رفعه
واحد في وقت ووقفه هو أيضا في وقت آخر. فالحكم على الأصح في كل ذلك لما زاده الثقة
من الوصل والرفع لأنه مثبت وغيره ساكت ولو كان نافيا فالمثبت مقدم عليه لأنه علم
ما خفي عليه. ولهذا الفصل تعلق بفصل زيادة الثقة في الحديث وسيأتي إن شاء الله
تعالى وهو أعلم.
النوع الثاني عشر: معرفة التدليس وحكم المدلس:التدليس
قسمان:
أحدهما: تدليس
الإسناد وهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمع منه موهما أنه سمعه منه. أو: عمن
عاصره ولم يلقه موهما أنه قد لقيه وسمعه منه. ثم قد يكون بينهما واحد وقد يكون
أكثر
ومن شأنه أن لا يقول في ذلك أخبرنا فلان ولا حدثنا وما
أشبههما. وإنما يقول قال فلان أو: عن فلان ونحو ذلك مثال ذلك: ما روينا عن علي بن
خشرم قال: كنا عند بن عيينة فقال: قال الزهري
_______
ثم قال أو رفعه واحد في وقت ووقفه هو أيضا في وقت آخر
فالحكم على الأصح في كل ذلك لما زاده الثقة من الوصل والرفع إلى آخر كلامه وما
صححه المصنف هو الذى رجحه أهل الحديث.
وصحح إلاصوليون خلافه وهو أن إلاعتبار بما وقع منه أكثر
فإن وقع وصله أو رفعه أكثر من إرساله أو وقفه فالحكم للوصل والرفع وإن كان إلارسال
أو الوقف فأكثر فالحكم له والله أعلم.
النوع الثانى عشر: معرفة التدليس.
"قوله" التدليس
قسمان إلى آخر كلامه ترك المصنف رحمه الله قسما ثالثا من أنواع التدليس وهو شر
إلاقسام وهو الذى يسمونه تدليس التسوية وقد سماه بذلك أبو الحسن بن القطان وغيره
من أهل هذا الشأن وصورة هذا القسم من التدليس
فقيل له:
حدثكم الزهري ؟ فسكت ثم قال: قال الزهري فقيل له: سمعته من الزهري ؟ فقال: لا لم
أسمعه من الزهري ولا ممن سمعه من الزهري حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري.
القسم الثاني: تدليس الشيوخ وهو: أن يروي عن شيخ
حديثا سمعه منه فيسميه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف به كي لا يعرف.
مثاله: ما روي لنا
عن أبي بكر بن مجاهد إلامام المقري: أنه روى عن أبي بكر عبد الله بن أبي داود
السجستاني فقال: حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله. وروى عن أبي بكر محمد بن الحسن
النقاش المفسر المقري فقال: حدثنا محمد بن سند نسبه إلى جد له والله أعلم.
_______
أن يجئ المدلس إلى حديث سمعه من شيخ ثقة وقد سمعه ذلك
الشيخ الثقة من شيخ ضعيف وذلك الشيخ الضعيف يرويه عن شيخ ثقة فيعمل المدلس الذي
سمع الحديث من الثقة إلاول فيسقط منه شيخ شيخه الضعيف ويجعله من رواية شيخه الثقة
عن الثقة الثاني بلفظ محتمل كالعنعنة ونحوها فيصير الإسناد كله ثقات ويصرح هو
بإلاتصال بينه وبين شيخه لأنه قد سمعه منه فلا يظهر حينئذ في الإسناد ما يقتضى عدم
قوله إلا لأهل النقد والمعرفة بالعلل.
ومثال ذلك ما ذكره أبو محمد بن أبى حاتم في كتاب
العلل قال سمعت أبى وذكر الحديث الذي رواه إسحق بن راهويه عن بقية قال حدثني أبو وهب
إلاسدي عن نافع عن ابن عمر مرفوعا: "لا تحمدوا إسلام المرء حتى تعرفوا عقدة
رأيه" فقال أبى إن هذا الحديث له أمر قل من يفهمه روى هذا الحديث عبيد الله
بن عمرو عن إسحق بن أبى فروة عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
وعبيد الله بن عمرو كنيته أبو وهب وهو أسدى فكناه بقية ونسبه إلى بني أسد لكيلا
يفطن له حتى إذا ترك إسحق ابن أبى فروه من الوسط لا يهتدي له قال وكان بقية من
أفعل الناس لهذا انتهى.
وممن كان يصنع هذا النوع من التدليس الوليد بن مسلم
وحكي أيضا عن
______
إلاعمش وسفيان الثورى فأما الوليد بن مسلم فحكى
الدارقطنى عنه أنه كان يفعله وروينا عن أبى مسهر قال كان الوليد ابن مسلم يحدث
بأحاديث إلاوزاعي عن الكذابين ثم يدلسها عنهم وروينا عن صالح جزرة قال سمعت الهيثم
بن خارجة يقول قلت للوليد بن مسلم قد أفسدت حديث إلاوزاعي قال كيف قلت تروى عن إلاوزاعي
عن نافع وعن إلاوزاعي عن الزهري وعن إلاوزاعي عن يحيى بن سعيد وغيرك يدخل بين
إلاوزاعي وبين نافع عبد الله بن عامر إلاسلمى وبينه وبين الزهري إبراهيم ابن مرة
وقرة قال أنبل إلاوزاعي أن يروى عن مثل هؤلاء قلت فإذا روى عن هؤلاء وهم ضعفاء
احاديث مناكير فاسقطتهم أنت وصيرتها من رواية إلاوزاعي عن الثقات ضعف إلاوزاعي فلم
يلتفت إلى قولي.
وأما إلاعمش والثوري فقال الخطيب في الكفاية كان
إلاعمش والثوري وبقية يفعلون مثل هذا والله أعلم.
قال شيخنا الحافظ أبو سعيد العلائى في كتاب جامع
التحصيل وبالجملة فهذا النوع أفحش أنواع التدليس مطلقا وشرها أنتهى.
قلت ومما يلزم منه من الغرور الشديد أن الثقة إلاول
قد لا يكون معروفا بالتدليس ويكون المدلس قد صرح بسماعه من هذا الشيخ الثقة وهو
كذلك فتزول تهمة تدليسه فيقف الواقف على هذا السند فلا يرى فيه موضع علة لأن
المدلس صرح باتصاله والثقة إلاول ليس مدلسا وقد رواه عن ثقة آخر فيحكم له بالصحة وفيه
ما فيه من إلافة التي ذكرناها وهذا قادح فيمن تعمد فعله والله أعلم.
"قوله" وهو أن يروى
عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهما أنه سمعه منه أو عمن عاصره ولم يلقه إلى آخر كلامه
هكذا حد المصنف القسم إلاول من قسمى التدليس اللذين ذكرهما وقد حده غير واحد من
الحفاظ بما هو أخص من هذا وهو أن يروى عمن قد سمع منه ما لم يسمعه منه غير أن يذكر
أنه سمعه منه هكذا حده الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار في جزء
له في معرفة من يترك حديثه أو يقبل وكذا حده الحافظ أبو الحسن بن محمد بن عبد
الملك بن القطان في معرفة كتاب بيان الوهم
أما القسم
إلاول: فمكروه جدا ذمه أكثر العلماء وكان شعبة من أشدهم ذما له. فروينا عن الشافعي
إلامام رضي الله عنه أنه قال: التدليس أخو الكذب. وروينا عنه أنه
قال: لأن أزني أحب إلي من أن أدلس. وهذا من شعبة إفراط محمول على المبالغة في
الزجر عنه والتنفير ثم اختلفوا في قبول رواية من عرف بهذا التدليس: فجعله فريق من
أهل الحديث والفقهاء مجروحا بذلك وقالوا: لا تقبل روايته بحال بين السماع أو لم
يبين.
______
وإلايهام قال ابن القطان والفرق بينه وبين إلارسال هو
أن إلارسال روايته عمن لم يسمع منه انتهى.
ويقابل هذا القول في تضييق حد التدليس القول إلاخر
الذى حكاه ابن عبد البر في التمهيد أن التدليس أن يحدث الرجل بما لم يسمعه قال ابن
عبد البر وعلى هذا فما سلم من التدليس أحد لا مالك ولا غيره وما ذكره المصنف في حد
التدليس هو المشهور بين أهل الحديث وإنما ذكرت قول البزار وابن القطان كيلا يغتر
بهما من وقف عليهما فيظن موافقة أهل هذا الشان لذلك والله أعلم.
"قوله" أما القسم إلاول فمكروه جدا ثم قال ثم
اختلفوا في قبول رواية من عرف بهذا التدليس فجعله فريق من أهل الحديث والفقهاء
مجروحا بذلك وقالوا لا تقبل روايته بحال بين السماع أو لم يبين والصحيح التفصيل
وان ما رواه المدلس بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع وإلاتصال حكمه حكم المرسل
وأنواعه ثم قال وأما القسم الثانى فأمره أخف انتهى كلامه وفيه أمور:
أحدها أن المصنف أجرى الخلاف في الثقة المدلس وان صرح
بالسماع وقد ادعى أبو الحسن بن القطان نفي الخلاف فيه فذكر في كتابه بيان الوهم
وإلايهام أن يحيى ابن أبى كثير كان يدلس وأنه ينبغى أن يجرى في معنعنه الخلاف ثم
قال أما إذا صرح بالسماع فلا كلام فيه فإنه ثقة حافظ صدوق فتقبل منه ذلك بلا خلاف
انتهى كلامه والمشهور ما ذكره المصنف من إثبات الخلاف فقد حكاه الخطيب في الكفاية
عن
والصحيح التفصيل:
وأن مارواه المدلس بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع وإلاتصال حكمه حكم المرسل
وأنواعه. وما رواه بلفظ مبين للاتصال نحو سمعت وحدثنا وأخبرنا وأشباهها فهو مقبول
محتج به وفي الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث هذا الضرب كثير جدا:
كقتادة وإلاعمش والسفيانين وهشام بن بشير وغيرهم وهذا لأن التدليس ليس كذبا وإنما
هو ضرب من إلايهام بلفظ محتمل والحكم بأنه لا يقبل من المدلس حتى يبين قد أجراه
الشافعي رضي الله عنه فيمن عرفناه دلس مرة والله أعلم.
_________
فريق من الفقهاء وأصحاب الحديث وهكذا حكاه غيره
والمثبت للخلاف مقدم على النافي له والله أعلم.
الامر الثانى: أن المصنف ذكر أن ما لم يبين فيه
المدلس إلاتصال حكمه حكم المرسل فاقتضى كلامه أن من يقبل المرسل يقبل معنعن المدلس
وليس ذلك قول جميع من يحتج بالمرسل بل بعض من يحتج بالمرسل يرد معنعن المدلس لما
فيه من التهمة كما حكاه الخطيب في الكفاية فقال إن جمهور من يحتج بالمرسل يقبل خبر
المدلس بل زاد النووى على هذا فحكى في شرح المهذب إلاتفاق على أن المدلس لا يحتج بخبره
إذا عنعن وهذا منه إفراط وكان الذى أوقع النووى في ذلك ما ذكره البيهقى في المدخل
وابن عبد البر في التمهيد مما يدل على ذلك أما البيهقى فإنه حكى عن الشافعى وسائر
أهل العلم أنهم لا يقبلون عنعنة المدلس وأما ابن عبد البر فإنه لما ذكر في مقدمة
التمهيد الحديث المعنعن وأنه يقبل بشروط ثلاثة قال إلا أن يكون الرجل معروفا
بالتدليس فلا يقبل حديثه حتى يقول حدثنا أو سمعت قال فهذا ما لا أعلم فيه أيضا
خلافا انتهى كلامه.
وما ذكر من إلاتفاق لعله محمول على اتفاق من لا يحتج
بالمرسل خصوصا عبارة البيهقي فإن لفظ سائر قد تطلق ويراد به الباقى لا الجميع
والخلاف في كلام غيرهما وممن حكاه الحاكم في كتاب المدخل فإنه قسم الصحيح إلى عشر
أقسام خمسة متفق عليها وخمسة مختلف فيها فذكر من الخمسة المختلف فيها المراسيل
وأحاديث المدلسين إذا لم يذكروا سماعاتهم إلى آخر كلامه وحكى الخلاف أيضا الحافظ أبو
بكر الخطيب في
وأما القسم
الثاني: فأمره أخف وفيه تضييع للمروي عنه وتوعير لطريق معرفته على من يطلب الوقوف
على حاله وأهليته ويختلف الحال في كراهة ذلك بحسب الغرض الحامل عليه فقد يحمله على
ذلك كون شيخه الذي غير سمته غير ثقة أو كونه متأخر الوفاة قد شاركه في السماع منه
جماعة دونه أو كونه أصغر سنا من الراوي عنه أو كونه كثير الرواية عنه فلا يحب
إلاكثار من ذكر شخص واحد على صورة واحدة وتسمح بذلك جماعة من الرواة المصنفين منهم
الخطيب أبو بكر فقد كان لهجا به في تصانيفه والله أعلم.
النوع الثالث عشر: معرفة الشاذ:روينا عن يونس بن عبد
إلاعلى قال: قال الشافعي رحمه الله: ليس الشاذ من
_________
كتاب الكفاية فحكى عن خلق كثير من أهل العلم أن خبر
المدلس مقبول قال وزعموا أن نهاية أمره أن يكون مرسلا والله أعلم.
إلامر الثالث: أن المصنف بين الحكم فيمن عرف بالقسم
إلاول من التدليس ولم يبين الحكم في القسم الثانى وإنما قال إن أمره أخف فأردت
بيان الحكم فيه للفائدة وقد جزم أبو نصر بن الصباغ في كتاب العدة أن من فعل ذلك
لكون من روى عنه غير ثقة عند الناس وإنما أراد أن يغير اسمه ليقبلوا خبره يجب إلا
يقبل خبره وإن كان هو يعتقد فيه الثقة فقد غلط في ذلك لجواز أن يعرف غيره من جرحه مإلا
يعرفه هو وان كان لصغر سنه فيكون ذلك رواية عن مجهول لا يجب قبول خبره حتى يعرف من
روى عنه والله أعلم.
النوع الثالث عشر: معرفة الشاذ.
قوله أما ما حكم الشافعي عليه بالشذوذ فلا إشكال في
أنه غير شاذ مقبول وأما ما حكيناه عن غيره فيشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط
كحديث "إنما إلاعمال بالنيات" فإنه حديث فرد تفرد به عمر رضي الله عنه
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تفرد به عمر عن علقمة بن وقاص ثم عن علقمة
محمد بن إبراهيم ثم عنه يحيى
الحديث أن
يروي الثقة ما لا يروي غيره إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس.
_______
ابن سعيد على ما هو الصحيح عند أهل الحديث انتهى.
وقد اعترض عليه بأمرين:
أحدهما: أن الخليلى والحاكم إنما ذكرا تفرد الثقة فلا
يرد عليهما تفرد الحافظ لما بينهما من الفرقان.
وإلامر الثانى: أن حديث النية لم ينفرد عمر به بل
رواه أبو سعيد الخدرى وغيره عن النبى صلى الله عليه وسلم فيما ذكره الدارقطنى
وغيره انتهى ما اعترض به عليه.
والجواب عن إلاول أن الحاكم ذكر تفرد مطلق الثقة
والخليلى إنما ذكر مطلق الراوى فيرد على إطلاقهما تفرد العدل الحافظ ولكن الخليلى
يجعل تفرد الراوى الثقة شاذا صحيحا وتفرد الراوى غير الثقة شاذا ضعيفا والحاكم ذكر
تفرد مطلق الثقة فيدخل فيه تفرد الثقة الحافظ فلذلك استشكله المصنف وعن الثانى أنه
لم يصح من حديث أبى سعيد ولا غيره سوى عمر وقد أشار المصنف إلى أنه قد قيل ان له
غير طريق عمر بقوله على ما هو الصحيح عند أهل الحديث فلم يبق للاعتراض عليه وجه ثم
ان حديث أبى سعيد الذى ذكره هذا المعترض صرحوا بتغليط ابن أبى داود الذى رواه عن
مالك.
وممن وهمه في ذلك الدارقطنى وغيره وإذ قد اعترض عليه
في حديث عمر هذا فهلا اعترض عليه في الحديث الذى بعده فقد ذكر المصنف أنه أوضح في
التفرد من حديث عمر وهو حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر في النهى عن بيع الولاء
وعن هبته كما سيأتى.
ومما يستغرب حكايته في حديث عمر أنى رأيت في المستخرج
من أحاديث الناس لعبد الرحمن بن منده أن حديث إلاعمال بالنيات رواه سبعة عشر من
الصحابة وأنه رواه عن عمر غير علقمة وعن علقمة غير محمد بن إبراهيم وعن محمد بن
إبراهيم غير يحيى
وحكى الحافظ
أبو يعلى الخليلي القزويني نحو هذا عن الشافعي وجماعة من أهل الحجاز. ثم قال: الذي
عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غير
ثقة. فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يقبل وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به.
وذكر الحاكم أبو عبد الله الحافظ: أن الشاذ هو الحديث
الذي يتفرد به ثقة من الثقات وليس له أصل بمتابع لذلك الثقة. وذكر: أنه يغاير
المعلل من حيث أن المعلل وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه والشاذ لم يوقف
فيه على علته كذلك.
قلت: أما ما حكم الشافعي عليه بالشذوذ فلا إشكال في
أنه شاذ غير مقبول.
وأما ما حكيناه عن غيره فيشكل بما ينفرد به العدل
الحافظ الضابط كحديث: إنما إلاعمال بالنيات فإنه حديث فرد تفرد به عمر رضي الله
عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم تفرد به عن عمر علقمة بن وقاص ثم عن
علقمة محمد بن إبراهيم ثم عنه يحيى بن سعيد على ما هو الصحيح عند أهل الحديث.
______
ابن سعيد وقد بلغنى أن الحافظ أبا الحجاج المزي سئل
عن كلام ابن منده هذا فأنكره واستبعده وقد تتبعت كلام ابن مندة المذكور فوجدت أكثر
الصحابة الذين ذكر حديثهم في الباب إنما لهم أحاديث أخرى في مطلق النية لحديث
يبعثون على نياتهم ولحديث لبس له من غزاته إلا ما نوى ونحو ذلك وهكذا يفعل الترمذي
في الجامع حيث يقول وفي الباب عن فلان وفلان فانه لا يريد ذلك الحديث المعين وإنما
يريد أحاديث أخر يصح أن تكتب في ذلك الباب وان كان حديثا آخر غير الذى يرويه في
أول الباب وهو عمل صحيح إلا أن كثيرا من الناس يفهمون من ذلك أن من سمى من الصحابة
يروون ذلك الحديث بعينه الذى رواه في أول الباب بعينه وليس إلامر على ما فهموه بل
قد يكون كذلك وقد يكون حديثا آخر يصح إيراده في ذلك الباب ثم إنى تتبعت إلاحاديث
التي ذكرها ابن منده فلم أجد منها بلفظ حديث ابن عمر أو قريبا من لفظه بمعناه إلا
وأوضح من
ذلك في ذلك: حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن
بيع الولاء وهبته. تفرد به عبد الله بن دينار وحديث مالك عن الزهري عن أنس: أن
النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه مغفر. تفرد به مالك عن الزهري فكل هذه
مخرجة في الصحيحين مع أنه ليس لها إلا إسناد واحد تفرد به ثقة. وفي غرائب الصحيح
أشباه لذلك غير قليلة. وقد قال مسلم بن الحجاج: للزهري نحو
تسعين حرفا يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيها أحد بأسانيد جياد.
والله أعلم.
_________
حديثا لأبى سعيد الخدري وحديثا لأبى هريرة وحديثا
لأنس بن مالك وحديثا لعلى بن أبى طالب وكلها ضعيفة ولذلك قال الحافظ أبو بكر
البزار في مسنده بعد تخريجه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من حديث عمر
ولا عن عمر إلا من حديث علقمة ولا عن علقمة إلا من حديث محمد بن إبراهيم ولا عن
محمد بن إبراهيم إلا من حديث يحيى بن سعيد والله أعلم.
وذكره المصنف بعد هذا في النوع الحادي والثلاثين
ونبسط الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى.
قوله وأوضح من ذلك في ذلك حديث عبد الله بن دينار عن
ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وهبته" تفرد به
عبد الله بن دينار وحديث مالك عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل
مكة وعلى رأسه المغفر تفرد به مالك عن الزهري فكل هذه مخرجة في الصحيحين مع أنه
ليس لها إلا إسناد واحد انتهى وفيه أمران أحدهما أن الحديث إلاول وهو حديث النهى
عن بيع الولاء وهبته قد روى من حديث عبد الله بن دينار رواه الترمذي في كتاب العلل
المفرد قال حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبى الشوارب حدثنا يحيى بن سليم عن
فهذا الذي
ذكرناه وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس إلامر في ذلك على الإطلاق الذي
أتى به الخليلي و الحاكم بل إلامر في ذلك على تفصيل نبيه فنقول:
إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه: فإن كان ما انفرد به
مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذا مردودا
وإن لم تكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره فينظر في
هذا الراوي المنفرد: فإن كان عدلا حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم
يقدح إلانفراد فيه كما فيما سبق من إلامثلة. وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه
لذلك الذي انفرد به كان انفراده خارما له مزحزحا له عن حيز الصحيح.
ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة بحسب الحال:
فيه فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده استحسنا
حديثه ذلك ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف. وإن كان
بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ المنكر.
فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان: أحدهما: الحديث
الفرد المخالف.
والثاني: الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما
يقع جابرا لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف والله أعلم.
__________
عبيد الله بن عمر عن نافع عن عمر فذكره ثم قال
والصحيح عن عبد الله بن دينار وعبد الله بن دينار قد تفرد بهذا الحديث عن ابن عمر
ويحيى بن سليم أخطأ في حديثه وقال الترمذي أيضا في الجامع أن يحيى بن سليم وهم في
هذا الحديث قلت وقد ورد من غير رواية يحيى بن سليم عن نافع رواه ابن عدي في الكامل
فقال حدثنا عصمة ابن بجماك البخاري حدثنا إبراهيم بن فهد حدثنا مسلم عن محمد بن دينار
عن يونس
النوع الرابع عشر: معرفة المنكر من الحديث:
بلغنا عن
أبي بكر أحمد بن هارون البرديجي الحافظ: أنه الحديث الذي ينفرد به
_________
يعنى ابن عبيد عن نافع عن ابن عمر فذكره أورده في
ترجمه إبراهيم بن فهد ابن حكيم وقال لم أسمعه إلا من عصمة عنه ثم قال وسائر أحاديث
إبراهيم بن فهد مناكير وهو مظلم إلامر وحكى أيضا أن ابن صاعد كان إذا حدثنا عنه
يقول حدثنا إبراهيم بن حليم ينسبه إلى جده لضعفه انتهى.
والجواب عن المصنف أنه لا يصح أيضا إلا من رواية عبد
الله بن دينار كما تقدم في حديث إلاعمال بالنيات والله أعلم.
وإلامر الثانى أن حديث المغفر قد ورد من عدة طرق غير
طريق مالك من رواية ابن أخى الزهري وأبى أويس عبد الله بن عبد الله بن أبى عامر
ومعمر وإلاوزاعي كلهم عن الزهري فأما رواية أخى الزهري عنه فرواها أبو بكر البزار
في مسنده وأما رواية أبى أويس فرواها ابن سعد في الطبقات وابن عدى في الكامل في
ترجمة أبى أويس وأما رواية معمر فذكرها ابن عدى في الكامل وأما رواية إلاوزاعي فذكرها
المزي في إلاطراف وقد بينت ذلك في شرح الترمذي.
وروى ابن مسدى في معجم شيوخه أن أبا بكر بن العربى
قال لأبى جعفر بن المرخى حين ذكر أنه لا يعرف إلا من حديث مالك عن الزهري قد رويته
من ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك فقالوا له أفدنا هذه الفوائد فوعدهم ولم يخرج
لهم شيئا ثم تعقب ابن مسدى هذه الحكاية بأن شيخه فيها وهو أبو العباس العشاب كان
متعصبا على ابن العربي لكونه كان متعصبا على ابن حزم فالله أعلم.
النوع الرابع عشر: معرفة المنكر.
"قوله" المنكر
ينقسم قسمين على ما ذكرناه في الشاذ فانه بمعناه منال إلاول وهو المنفرد المخالف
لما رواه الثقات رواية مالك عن الزهري عن على بن حسين عن عمر
الرجل ولا
يعرف متنه من غير روايته لا من الوجه الذي رواه منه ولا من وجه آخر.
فأطلق البرديجي ذلك ولم يفصل و إطلاق الحكم على
التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث والصواب فيه
التفصيل الذي بيناه آنفا في شرح الشاذ.
وعند هذا نقول: المنكر ينقسم قسمين على ما ذكرناه في
الشاذ فإنه بمعناه.
مثال إلاول وهو المنفرد المخالف لما رواه الثقات:
رواية مالك عن الزهري عن علي بن حسين عن عمر بن عثمان عن أسامة بن زيد عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم"
فخالف مالك غيره من الثقات في قوله: عمر بن عثمان بضم العين.
وذكر مسلم صاحب الصحيح في كتاب التمييز أن كل من رواه
من أصحاب الزهري قال فيه: عمرو بن عثمان يعني بفتح العين.
وذكر أن مالكا كان يشير بيده إلى دار عمر بن عثمان
كأنه علم أنهم يخالفونه.
______
ابن عثمان عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" فخالف مالك
غيره من الثقات في قوله عمر بن عثمان بضم العين.
وذكر مسلم في كتاب التمييز أن كل من رواه من أصحاب الزهري
قال فيه عمرو ابن عثمان يعنى بفتح العين إلى آخر كلامه حكم المصنف على حديث مالك
هذا بأنه منكر ولم أجد من أطلق عليه اسم النكارة ولا يلزم من تفرد مالك بقوله في
الإسناد عمر أن يكون المتن منكرا فالمتن على كل حال صحيح لأن عمر وعمرا كلاهما ثقة
وقد ذكر المصنف مثل ما أشرت إليه في النوع الثامن عشر أن من أمثلة ما وقفت العلة
في إسناده
وعمرو وعمر
جميعا ولد عثمان غير أن هذا الحديث إنما هو عن عمرو بفتح العين وحكم مسلم و غيره
على مالك بالوهم فيه والله أعلم.
ومثال الثاني وهو الفرد الذي ليس في راويه من الثقة
وإلاتقان ما يحتمل معه تفرده: مارويناه من حديث أبي زكير يحيى بن محمد بن قيس عن
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: "كلوا البلح بالتمر فإن الشيطان إذا رأى ذلك غاظه ويقول عاش بن آدم حتى
أكل الجديد بالخلق" . تفرد به أبو زكير وهو شيخ صالح أخرج عنه مسلم في كتابه غير
أنه لم يبلغ مبلغ من يحتمل تفرده والله أعلم.
_________
من غير قدح في المتن ما رواه الثقة يعلى بن عبيد عن
سفيان الثورى عن عمرو بن دينار عن أبى عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
"البيعان بالخيار" الحديث قال فهذا إسناد متصل بنقل العدل عن العدل وهو
معلل غير صحيح.
قال والمتن على كل حال صحيح والعلة في قوله عن عمرو
بن دينار إنما هو عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر هكذا رواه إلائمة من أصحاب سفيان
عنه فوهم يعلى ابن عبيد وعدل عن عبد الله بن دينار إلى عمرو بن دينار وكلاهما ثقة
انتهى كلامه فجعل الوهم في الإسناد بذكر ثقة آخر لا يخرج ذلك المتن عن صحيحا فهكذا
يجب أن يكون الحكم هنا على أنه قد اختلف على مالك رحمه الله في قوله وعمر وعمرو فرواه
النسائى في سننه من رواية عبد الله بن المبارك وزيد بن الحباب ومعاوية بن هشام
ثلاثتهم عن مالك فقالوا في روايتهم عمرو بن عثمان كروايه بقية أصحاب الزهري لكن
قال النسائى بعده والصواب من حديث مالك عن عمر بن عثمان قال ولا نعلم أحدا تابع
مالكا على قوله عمر بن عثمان انتهى.
وقال ابن عبد البر في التمهيد أن يحيى بن بكير رواه
عن مالك على الشك فقال فيه عن عمرو بن عثمان أو عمر بن عثمان قال والثابت عن مالك
عمر بن عثمان كما روى يحيى وتابعه القعنبى وأكثر الرواة انتهى.
.
______
وقد خالف مالكا في ذلك ابن جريج وسفيان بن عيينة
وهشيم بن كثير ويونس ابن يزيد ومعمر بن راشد وابن الهاد ومحمد بن أبى حفصة وغيرهم
فقالوا عمرو وهو الصواب والله أعلم.
وقد رواه سفيان الثورى وشعبة عن عبد الله بن عيسى عن الزهري
فخالفا فيه الفريقين معا فأسقطا منه ذكر عمرو بن عثمان وجعلاه من رواية على بن
حسين عن أسامة والصواب رواية الجمهور والله أعلم.
وإذا كان هذا الحديث لا يصلح مثإلا للمنكر فلنذكر
مثإلا يصلح لذلك وهو ما رواه أصحاب السنن الأربعة من رواية همام بن يحيى عن ابن
جريج عن الزهري عن أنس قال "كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع
خاتمه" قال أبو داود بعد تخريجه هذا حديث منكر.
قال وإنما يعرف عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري
عن أنس أن "النبى صلى الله عليه وسلم أخذ خاتما من ورق ثم ألقاه" وقال والوهم
فيه من همام ولم يروه إلا همام وقال النسائى أيضا بعد تخريجه هذا حديث غير محفوظ
وأما قول الترمذي بعد تخريجه له هذا حديث حسن صحيح غريب فإنه أحرى حكمه على ظاهر
الإسناد.
وقول أبى داود والنسائى أولى بالصواب إلا أنه قد ورد
من غير رواية همام.
رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في سننه من رواية
يحيى بن المتوكل عن ابن جريج وصححه الحاكم على شرط الشيخين وضعفه البيهقى فقال هذا
شاهد ضعيف وكان البيهقى ظن أن يحيى بن المتوكل هو أبو عقيل صاحب بهية وهو ضعيف
عندهم وليس هو به وإنما هو باهلى يكنى أبا بكر ذكره ابن حيان في الثقات ولا يقدح
فيه قول ابن معين لا أعرفه فقد عرفه غيره وروى عنه نحو من عشرين نفسا إلا انه اشتهر
تفرد همام به عن ابن جريج والله أعلم.
"قوله" عقد ذكر أبى زكير يحيى بن محمد بن قيس وهو
شيخ صالح أخرج عنه مسلم في كتابه غير أنه لم يبلغ مبلغ من يحتمل تفرده انتهى.
النوع الخامس عشر: معرفة إلاعتبار والمتابعات والشواهد:
هذه أمور
يتداولونها في نظرهم في حال الحديث هل تفرد به راويه أو لا ؟ وهل هو معروف أو لا ؟
ذكر أبو حاتم محمد بن حبان التميمي الحافظ رحمه الله:
إن طريق إلاعتبار في إلاخبار مثاله: أن يروي حماد بن سلمة حديثا لم يتابع عليه عن
أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فينظر: هل روى ذلك
ثقة غير أيوب عن ابن سيرين: فإن وجد علم أن للخبر أصلا يرجع إليه وإن لم يوجد ذلك: فثقة غير
ابن سيرين رواه عن أبي هريرة. وإلا فصحابي غير أبي هريرة رواه عن النبي صلى الله
عليه وسلم فأي ذلك وجد يعلم به أن للحديث أصلا يرجع إليه وإلا فلا.
_______
ولم يخرج له مسلم احتجاجا وإنما أخرج له في المتابعات
وقد أطلق إلائمة عليه القول بالضعيف فقال يحيى بن معين فيما روى عنه إسحق الكوسج
ضعيف وقال أبو حاتم بن حبان لا يحتج به وقال العقيلى لا يتابع على حديثه وأورد له
ابن عدى أربعة أحاديث مناكير وأما قول المصنف إنه شيخ صالح فأخذه من كلام أبى يعلى
الخليلى فانه كذلك في كتاب إلارشاد والله أعلم.
النوع الخامس عشر: معرفة إلاعتبار والمتابعات
والشواهد.
"قوله" مثال
المتابع والشاهد روينا من حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن ديناد عن عطاء ابن أبى
رباح عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "لو أخذوا فدبغوه فانتفعوا
به" ورواه ابن جريج عن عمر وعن عطاء ولم يذكر فيه الدباغ انتهى.
ورواية ابن جريج ليست كرواية ابن عيينة فإن ابن جريج
جعله من مسند ميمونة من رواية ابن عباس عنها لا من مسند ابن عباس وقد رواه مسلم
على الوجهين معا من طريق ابن عيينة فجعله من مسند ابن عباس ومن طريق ابن جريج فجعله
من مسند ميمونة وكلام المصنف يوهم اتفاقهما في السند وأن إلاختلاف الذي
قلت: فمثال
المتابعة أن يروي ذلك الحديث بعينه عن أيوب غير حماد فهذه المتابعة التامة فإن لم
يروه أحد غيره عن أيوب لكن رواه بعضهم عن ابن سيرين أو عن أبي هريرة أو رواه غير
أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك قد يطلق عليه اسم المتابعة أيضا
لكن يقصر عن المتابعة إلاولى بحسب بعدها منها ويجوز أن يسمى ذلك بالشاهد أيضا فإن
لم يرو ذلك الحديث أصلا من وجه من الوجوه المذكورة لكن روي حديث آخر بمعناه فذلك
الشاهد من غير متابعة فإن لم يرو أيضا بمعناه حديث آخر فقد تحقق فيه التفرد المطلق
حينئذ. وينقسم عند ذلك إلى مردود منكر وغير مردود كما سبق وإذا قالوا في مثل هذا:
تفرد به أبو هريرة وتفرد به عن أبي هريرة ابن سيرين وتفرد به عن ابن سيرين أيوب
وتفرد به عن أيوب حماد بن سلمة كان في ذلك إشعارا بانتفاء وجوه المتابعات فيه.
ثم اعلم: أنه قد يدخل في باب المتابعة وإلاستشهاد رواية
من لا يحتج بحديثه وحده بل يكون معدودا في الضعفاء. وفي كتاب البخاري و مسلم جماعة
من الضعفاء ذكراهم في المتابعات والشواهد وليس كل ضعيف يصلح لذلك ولهذا يقول
الدارقطني وغيره في الضعفاء فلان يعتبر به وفلان لا يعتبر به وقد تقدم التنبيه على
نحو ذلك والله أعلم.
مثال للمتابع والشاهد: روينا من
حديث سفيان وابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس: أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو أخذوا
__________
بينهما في ذكر الدباغ وإذ لم يتفق ابن عيينة وابن
جريج في الإسناد فلنذكر مثإلا اتفق الراويان له على إسناده وأختلفا في ذكر الدباغ
وهو ما رواه البيهقي من رواية إبراهيم بن نافع الصايغ عن عمرو بن دينار عن عطاء عن
ابن عباس ولم يذكر الدباغ والله أعلم.
إهابها
فدبغوه فانتفعوا به" ورواه بن جريج عن عمرو عن عطاء ولم يذكر فيه الدباغ فذكر
الحافظ أحمد البيهقي لحديث ابن عيينة متابعا وشاهدا: أما المتابع: فإن أسامة بن
زيد تابعه عن عطاء. وروى بإسناده عن أسامة عن عطاء عن ابن عباس: أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: "إلا نزعتم جلدها فدبغتموه فاستمتعم به" وأما
الشاهد: فحديث عبد الرحمن بن وعلة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" . والله أعلم.
النوع السادس عشر: معرفة زيادات الثقات وحكمها:وذلك
فن لطيف تستحسن العناية به. وقد كان أبو بكر بن زياد النيسابوري و أبونعيم
الجرجاني و أبو الوليد القرشي إلائمة مذكورين بمعرفة زيادات إلالفاظ الفقهية في
إلاحاديث.
ومذهب الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث فيما حكاه
الخطيب أبو بكر: أن الزيادة من الثقة مقبولة إذا تفرد بها سواء كان ذلك من شخص واحد
بأن رواه
______
النوع السادس عشر: معرفة زيادات الثقات.
"قوله" مثاله ما
رواه مالك عن نافع عن ابن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة
الفطر من رمضان على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين" فذكر أبو عيسى
الترمذي أن مالكا تفرد من بين الثقات بزيادة قوله من المسلمين وروى عبيد الله ابن
عمر وأيوب وغيرهما هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر دون هذه الزيادة انتهى.
وكلام الترمذي هذا ذكره في العلل التي في آخر الجامع ولم
يصرح بتفرد مالك بها مطلقا فقال ورب حديث إنما يستغرب لزيادة تكون في الحديث وإنما
يصح إذا كانت
ناقصا مرة
ورواه مرة أخرى وفيه تلك الزيادة أو كانت الزيادة من غير من رواه ناقصا
خلافا لمن رد من أهل الحديث ذلك مطلقا وخلافا لمن رد
الزيادة منه وقبلها من غيره. وقد قدمنا عنه حكايته عن أكثر أهل الحديث فيما إذا
وصل الحديث قوم وأرسله قوم: أن الحكم لمن أرسله مع أن وصله زيادة من الثقة.
وقد رأيت تقسيم ما ينفرد به الثقة إلى ثلاثة أقسام:
أحدها : أن يقع مخالفا منافيا لما رواه سائر الثقات
فهذا حكمه الرد كما سبق في نوع الشاذ
الثاني : أن لا تكون
فيه منافاة ومخالفة أصلا لما رواه غيره. كالحديث الذي تفرد برواية جملته ثقة ولا
تعرض فيه لما رواه الغير بمخالفة أصلا فهذا مقبول.
وقد ادعى الخطيب فيه اتفاق العلماء عليه وسبق مثاله
في نوع الشاذ
الثالث : ما يقع بين هاتين المرتبتين مثل زيادة لفظه
في حديث لم يذكرها سائر من روى ذلك الحديث.
______
الزيادة ممن يعتمد على حفظه مثل ما روى مالك بن أنس
فذكر الحديث ثم قال وزاد مالك في هذا الحديث من المسلمين وروى أيوب وعبيد الله بن
عمر وغير واحد من إلائمة هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر ولم يذكروا فيه: من
المسلمين.
وقد روى بعضهم عن نافع مثل رواية مالك ممن لا يعتمد
على حفظه انتهى كلام الترمذي فلم يذكر التفرد مطلقا عن مالك وإنما قيده بتفرد
الحافظ كمالك ثم صرح بأنه رواه غيره عن نافع ممن لم يعتمد على حفظه فأسقط المصنف
آخر كلامه وعلى كل تقدير فلم ينفرد مالك بهذه الزيادة بل تابعه عليها جماعة من
الثقات ابنه عمر بن نافع والضحاك ابن عثمان وكثير بن فرقد ويونس بن يزيد والمعلى بن
إسماعيل وعبد الله بن عمر العمرى واختلف في زيادتها على أخيه عبيد الله بن عمر
العمرى وعلى أيوب أيضا.
فأما رواية ابنه عمر بن نافع فأخرجها البخاري في
صحيحه من رواية إسماعيل بن جعفر عن عمر بن نافع عن ابيه فقال فيه من المسلمين وأما
رواية الضحاك بن عثمان
مثاله: ما
رواه مالك عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من
رمضان على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين فذكر أبو عيسى الترمذي: أن مالكا
تفرد من بين الثقات بزيادة قوله: من المسلمين وروى عبيد الله بن عمر وأيوب وغيرهما
هذا الحديث: عن نافع عن ابن عمر دون هذه الزيادة فأخذ بها غير واحد من إلائمة
واحتجوا بها منهم الشافعي و أحمد رضي الله عنهم والله أعلم.
______
فأخرجها مسلم في صحيحه من رواية ابن أبى فديك أخبرنا
الضحاك بن عثمان عن نافع فقال فيه أيضا من المسلمين.
وأما رواية كثير بن فرقد فأخرجها الدارقطنى في سننه
والحاكم في المستدرك من رواية الليث بن سعد عن كثير بن فرقد عن نافع فقال فيها
أيضا من المسلمين وقال الحاكم بعد تخريجه هذا حديث صحيح على شرطهما ولم يخرجاه
انتهى وكثير بن فرقد احتج به البخاري ووثقه ابن معين وأبو حاتم.
أما رواية يونس بن يزيد فأخرجها أبو جعفر الطحاوى في
بيان المشكل من رواية يحيى بن أيوب عن يونس بن يزيد أن نافعا أخبره فذكر فيه أيضا
من المسلمين وأما رواية المعلى بن إسماعيل فأخرجها ابن حبان في صحيحه والدارقطنى
في سننه من رواية أرطاة بن المنذر عن المعلى بن إسماعيل عن نافع فقال فيه عن كل
مسلم وأرطاة وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما والمعلى بن إسماعيل قال فيه
أبو حاتم الرازى ليس بحديثه بأس صالح الحديث لم يرو عنه غير أرطاة وذكره ابن حبان
في الثقات.
وأما رواية عبد الله بن عمر فأخرجها الدارقطنى في
سننه من رواية روح وعبد الوهاب فرقهما كلاهما عن عبد الله بن عمر عن نافع فقال فيه
على كل مسلم وقد رواه أبو محمد بن الجارود في المنتقى فقرن بينه وبين مالك فرواه
من طريق ابن وهب قال حدثني عبد الله بن عمر ومالك وقال فيه من المسلمين وأما إلاختلاف
في زيادتها على عبيد الله بن عمر وأيوب فقد ذكرته في شرح الترمذي والله أعلم.
ومن أمثلة
ذلك حديث: جعلت لنا إلارض مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا. فهذه الزيادة تفرد بها
أبو مالك سعد بن طارق إلاشجعي وسائر الروايات لفظها: وجعلت لنا إلارض مسجدا وطهورا
فهذا وما أشبهه يشبه القسم إلاول من حيث: إن ما رواه
الجماعة عام وما رواه المنفرد بالزيادة مخصوص وفي ذلك مغايرة في الصفة ونوع من
المخالفة يختلف به الحكم ويشبه أيضا القسم الثاني من حيث: إنه لا منافاة بينهما.
وأما زيادة الوصل مع إلارسال: فإن بين الوصل وإلارسال
من المخالفة نحو ما ذكرناه ويزداد ذلك بأن إلارسال نوع قدح في الحديث فترجيحه
وتقديمه من قبيل تقديم الجرح على التعديل. ويجاب عنه: بأن الجرح قدم لما فيه من
زيادة العلم والزيادة ههنا مع من وصل والله أعلم.
______
"قوله" ومن أمثلة ذلك حديث جعلت لنا إلارض مسجدا
وجعل تربتها لنا طهورا فهذه الزيادة تفرد بها أبو مالك سعد بن طارق إلاشجعي وساير
الروايات لفظها وجعلت لنا إلارض مسجدا وطهورا انتهى.
وإنما تفرد أبو مالك إلاشجعي بذكر تربة إلارض في حديث
حذيفة كما رواه مسلم في صحيحه من رواية أبى مالك إلاشجعي عن ربعي عن حذيفة وقد
اعترض على المصنف بأنه يحتمل أن يريد بالتربة إلارض من حيث هى أرض لا التراب فلا
يبقى فيه زيادة ولا مخالفة لمن أطلق في سائر الروايات.
والجواب أن في بعض طرقه التصريح بالتراب كما في رواية
البيهقى وجعل ترابها لنا طهورا ولم يتقدم من المصنف ذكر لحديث حذيفة وإنما أطلق
كون هذه اللفظة تفرد بها أبو مالك فلذلك أحببت أن أذكر أنها وردت من رواية غيره من
حديث على وذلك فيما رواه أحمد في مسنده من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد
بن على إلاكبر أنه سمع على بن أبى طالب رضى الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول "أعطيت ما لم يعطه أحد من إلانبياء" فذكر الحديث وفيه
"وجعل التراب لى طهورا" وهذا إسناد حسن وقد رواه البيهقى أيضا في سننه من
هذا الوجه.
النوع السابع عشر: معرفة إلافراد:
وقد سبق
بيان المهم من هذا النوع في إلانواع التي تليه قبله لكن أفردته بترجمة كما أفرده
الحاكم أبو عبد الله. ولما بقي منه فنقول:
إلافراد منقسمة إلى ما هو فرد مطلقا وإلى ما هو فرد
بالنسبة إلى جهة خاصة أما إلاول فهو ما ينفرد به واحد عن كل أحد وقد سبقت أقسامه
وأحكامه قريبا وأما الثاني: وهو ما هو فرد بالنسبة فمثل ما ينفرد به ثقة عن كل
ثقة. وحكمه قريب من حكم القسم إلاول ومثل ما يقال فيه: هذا حديث تفرد به أهل مكة
أو: تفرد به أهل الشام أو: أهل الكوفة أو: أهل خراسان عن غيرهم. أو: لم يروه عن
فلان غير فلان وإن كان مرويا من وجوه عن غير فلان أو: تفرد به البصريون عن المدنيين
أو: الخراسانيون عن المكيين وما أشبه ذلك ولسنا نطول بأمثلة ذلك فإنه مفهوم دونها.
وليس في شيء من هذا ما يقتضي الحكم بضعف الحديث إلا أن
يطلق قائل قوله: تفرد به أهل مكة أو: تفرد به البصريون عن المدنيين أو: نحو ذلك على
ما لم يروه إلا واحد من أهل مكة أو واحد من البصريين ونحوه ويضيفه إليهم كما يضاف
فعل الواحد من القبيلة إليها مجازا. وقد فعل الحاكم أبو عبد الله هذا فيما نحن فيه
فيكون الحكم فيه على ما سبق في القسم إلاول والله أعلم.
النوع الثامن عشر: معرفة الحديث المعلل:ويسميه أهل
الحديث المعلول وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس: العلة والمعلول مرذول
عند أهل العربية واللغة.
_________
النوع الثامن عشر: معرفة الحديث المعلل.
"قوله" ويسميه أهل الحديث المعلول وذلك منهم ومن
الفقهاء في قولهم في باب القياس العلة والمعلول مرذول عند أهل العربية واللغة
انتهى.
اعلم: أن معرفة
علل الحديث من أجل علوم الحديث وأدقها وأشرفها وإنما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة
والفهم الثاقب وهي عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة فيه.
فالحديث المعلل هو: الحديث الذي اطلع فيه على علة
تقدح في صحته مع أن ظاهرة السلامة منها
ويتطرق ذلك إلى الإسناد الذي رجاله ثقات الجامع شروط
الصحة من حيث الظاهر.
ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له
مع قرائن تنضم إلى ذلك تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول أو وقف في
المرفوع أو دخول حديث في حديث أو وهم واهم بغير ذلك بحيث يغلب على ظنه ذلك فيحكم
به أو يتردد فيتوقف فيه.
_________
وقد تبعه عليه الشيخ محيى الدين النووي فقال في
مختصره إنه لحن واعترض عليه بأنه قد حكاه جماعة من أهل اللغة منهم قطرب فيما حكاه
اللبلي والجوهري في الصحاح والمطر زى في المغرب انتهى والجواب عن المصنف أنه لا شك
في أنه ضعيف وان حكاه بعض من صنف في إلافعال كابن القوطية وقد أنكره غير واحد من
أهل اللغة كابن سيدة والحريري وغيرهما.
فقال صاحب المحكم واستعمل أبو إسحق لفظه المعلول في
المتقارب من العروض ثم قال والمتكلمون يستعملون لفظة المعلول في مثل هذا كثيرا قال
وبالجملة فلست منها على ثقة ولا ثلج لأن المعروف إنما هو أعله الله فهو معل اللهم
إلا أن يكون على ما ذهب سيبويه من قولهم مجنون ومسلول من أنهما جاءا على جننته
وسللته وإن لم يستعملا في الكلام استغنى عنهما بأفعلت.
قالوا وإذ قالوا جن وسل فإنما يقولون جعل فيه الجنون
والسل كما قالوا وفسل انتهى كلامه وأنكره أيضا الحريرى في درة الغواص.
وكل ذلك
مانع ممن الحكم بصحة ما وجد ذلك فيه.
وكثيرا ما يعللون الموصول بالمرسل مثل: أن يجيء
الحديث بإسناد موصول ويجيء أيضا بإسناد منقطع أقوى من إسناد الموصول ولهذا اشتملت
كتب علل الحديث على جمع طرقه.
قال الخطيب أبو بكر: السبيل إلى معرفة علة الحديث أن
يجمع بين طرقه وينظر في اختلاف رواته ويعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم في إلاتقان
والضبط.
وروى عن علي بن المديني قال: الباب إذا لم تجمع طرقه
لم يتبين خطأه ثم قد تقع العلة في إسناد الحديث وهو ألأكثر وقد تقع في متنه ثم ما يقع
في الإسناد قد يقدح في صحة الإسناد والمتن جميعا كما في التعليل بإلارسال والوقف.
وقد يقدح في صحة الإسناد خاصة من غير قدح في صحة المتن.
فمن أمثلة ما وقعت العلة في إسناده من غير قدح في
المتن: ما رواه الثقة يعلى بن عبيد عن سفيان الثوري عن عمرو بن دينار عن ابن عمر
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البيعان بالخيار" الحديث.
فهذا إسناد متصل بنقل العدل عن العدل وهو معلل غير صحيح والمتن على كل حال صحيح
والعلة في قوله: عن عمرو بن دينار إنما
_________
قلت وإلاحسن أن يقال فيه معل بلام واحدة لا معلل فإن
الذي بلامين يستعمله أهل اللغة بمعنى ألهاه بالشيء وشغله به من تعليل الصبي
بالطعام وأما بلام واحدة فهو ألأكثر في كلام أهل اللغة وفي عبارة أهل الحديث أيضا
لأن أكثر عبارات أهل الحديث في الفعل أن يقولوا أعله فلان بكذا وقياسه معل وتقيقال
فيه معل بلام واحدة لا معلل فإن الذي بلامين يستعمله أهل اللغة دم قول صاحب المحكم
أن المعروف إنما هو أعله الله فهو معل وقال الجوهري لا أعلك الله أي لا أصابك بعلة
انتهى.
والتعبير بالمعلول موجود في كلام كثير من أهل الحديث
في كلام الترمذي في
هو عن عبد
الله بن دينار عن ابن عمر هكذا رواه إلائمة من أصحاب سفيان 54 عنه. فوهم يعلى
بن عبيد وعدل عن عبد الله بن دينار إلى عمرو بن دينار وكلاهما ثقة.
ومثال العلة في المتن: ما انفرد مسلم بإخراجه في حديث
أنس من اللفظ المصرح بنفي قراءة بسم الله الرحمن الرحيم فعلل قوم رواية اللفظ
المذكور لما رأوا ألأكثرين إنما قالوا فيه: فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب
العالمين من غير تعرض لذكر البسملة وهو الذي اتفق البخاري ومسلم على إخراجه في
الصحيح و رأوا أن من رواه باللفظ المذكور رواه بالمعنى الذي وقع له. ففهم من
قوله: كانوا يستفتحون بالحمد لله أنهم كانوا لا يبسملون فرواه على ما فهم وأخطأ
لأن معناه أن السورة التي كانوا يفتتحون بها من السور هي الفاتحة وليس فيه تعرض
لذكر التسمية.
_________
جامعه وفي كلام الدارقطنى وأبى أحمد بن عدى وأبى عبد
الله الحاكم وأبى يعلى