قال بسام تاصر
نرى من واقع الناس أن من أحب شيئاً أكثر من ذكره، وأدام الحديث عنه،
فمن أحب التجارة، وجنى بسببها المال الكثير، وذاق حلاوة الأرباح، تجده دائم الحديث عن تجارته،
/ ومن أحب الرياضة تجده من المكثرين في الحديث عن المباريات والدوريات ونجوم الرياضة وأخبارهم وتنقلاتهم بين الأندية،
/ وكذلك من استهواه الفن والمسلسلات والأفلام، فهو مشغول الوقت والذهن بمتابعة كل جديد والحديث عنه،
/ أما أهل الصدق والدين والإيمان فلهم شأن آخر،
/ فهم يحبون ربهم وخالقهم وولي نعمتهم، ويحرصون على كل ما يرضيه، ويرفع درجتهم عنده، ويعلي من مقامهم لديه.
/ إن المداومة على الذكر
1.تحيي القلوب وتوقظها،
2.وتبعث الطمأنينة والسكينة في النفوس،
3.وتورث أصحابها حالة من الرضا والأنس وهدوء البال، يقول تعالى: [الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ] (الرعد:28).
// أي -كما يقول ابن كثير- أي تطيب وتركن إلى جانب الله، وتسكن عند ذكره، وترضى به مولى ونصيراً، ولهذا قال: “أَلاَ بِذِكْرِ ?للَّهِ تَطْمَئِنُّ لْقُلُوبُ”.
للذكر فضائل كثيرة، منها ذلك الحديث الذي تضمن تلك المحاورة بين الرب سبحانه وبين ملائكته الكرام إظهاراً لفضل مجالس الذكر، وبياناً لمكانة الذاكرين عند ربهم، وما أعده لهم من الأجر العظيم والثواب الجزيل.
ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي قال: “إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة، {{وظائفهم من يعن يسير في الارض يبحثون أن الذاكرين }} ومن يبتغون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملأوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء، قال: فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم بهم: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عبادٍ لك في الأرض، يسبحونك، ويكبرونك، ويهللونك، ويحمدونك، ويسألونك
قال: وماذا يسألونني؟
قالوا: يسألونك جئتك،
وهل: رأوا جنتي؟
قالوا: أي يا رب!
قال: فكيف لو رأوا جنتي؟
قالوا: ويستجيرونك،
قال: ومم يستجيروني؟
قالوا: من نارك يا رب،
قال: وهل رأوا ناري؟
قالوا: لا
قال: فكيف لو رأوا ناري؟
قالوا: ويستغفرونك،
قال: فيقول: قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا،
قال: فيقولون: رب فيهم فلان عبد خطاء، إنما مر فجلس معهم
قال: فيقول: وله غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم”.
حيث يصف القرآن الكريم ذلك الصنف من الرجال الذين يعمرون بيوته، ويسبحونه بالغدو والآصال بأنهم {{لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار” (النور: 37)}}
ويفهم من سياق الآية أن المراد بقوله تعالى {عن ذكر الله} قلت المدون أي مع الصلاة فما هو المراد بالذكر هنا؟ أنه كل ذكر لله أي الذكر المطلق، فهؤلاء الرجال الموصوفون في هذه الآية بأن تجارتهم وبيوعهم لا تشغلهم عن ذكر الله هم الذين استجابوا لله في تحذيره
{يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون” (المنافقون:9)}
تأتي أهمية الذكر من كونه الرافد الدائم، للمخزون الإيماني، والمحرك الموقظ لدواعي الطاعة، والحصن الذي يلوذ به المؤمن حينما تداهمه المصائب، وتعترضه عقبات الطريق، ويقعده طائف الشيطان ولماته،
/ إن العبد حينما يكون ذاكرا لله في كل أحياته قد شغل نفسه وألزمها بأذكار وأوراد من تسبيح وتحميد وتهليل وصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، ومداومة على المسنون من الأذكار فإن ذلك يبقي قلبه حيا، ويديم إيمانه نضرا يقظا،
فإذا ما اعترته أهواء النفس البشرية التي بين جنبيه، أو اجتالته الشياطين التي لا تفتر عن محاربته وعداوته، انتفض ذلك القلب الذاكر شامخا بإيمانه، مستعليا على شهوات نفسه، مدافعا لنفثات الشيطان وهمزاته.
يشير القرآن الكريم في معرض ذكره لصفات المتقين إلى صفة لهم تبين ما سبق ذكره، يقول تعالى: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون” (آل عمران :135)
ويقول سبحانه: “إن الذين اتقوا إذا مسهم طآئف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون” (الأعراف: 201).
هذا ويستفيد الذاكر، المواظب على وظائف الذكر وأوراده طاقة إيمانية خاصة حيث تنبعث الروح متوثبة في كل عمل من أعمال البر والطاعة التي يواقعها،
فالمسلمون في أداء عباداتهم ليسوا سواء
1.فإنك ترى المصلين في الصف الأول يتساوون ويتشابهون في أداء أركان الصلاة وواجباتها وسننها وأعمالها الظاهرة، على فروقات بينهم، غير أنهم يتفاوتون في رفع صلاتهم وقبولها عند ربهم بحسب ما يقوم في قلوبهم من تعظيم للرب واستحضار لجلال عظمته، فالمصلون كلهم يتلون في كل ركعة قوله تعالى: “إياك نعبد وإياك نستعين”، فهل يستوي حال من يستحضر أنه يخاطب ربه مع من هو شارد القلب، يستحضر في صلاته كل ما يعجز عنه خارجها؟!.
{ وحاجة المسلم إلى مجالس الذكر والتذكير كحاجة السمك إلى الماء، لأنها محل الحياة لها،
/ وكذلك فإن حياة القلوب وتزكيتها وطهارتها تكون بملازمة تلك المجالس،
/ وترويض النفس على المداومة على الأذكار والأدعية، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت]
/ وفي رواية مسلم “مثل البيت الذي يُذكر الله فيه والبيت الذي لا يُذكر اله فيه مثل الحي والميت”.