الخميس، 24 يونيو 2021

ج2.كتاب: التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح تأليف: زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي

ج2.كتاب: التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح
تأليف: زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي  

الرابعة عشرة: أعرض الناس في هذه إلاعصار المتأخرة عن اعتبار مجموع ما بينا من الشروط في رواة الحديث ومشايخه فلم يتقيدوا بها في رواياتهم لتعذر الوفاء بذلك على نحو ما تقدم وكان عليه من تقدم ووجه ذلك: ما قدمنا في أول كتابنا هذا من كون المقصود المحافظة على خصيصة هذه إلامة في إلاسانيد والمحاذرة من انقطاع سلسلتها. فليعتبر من الشروط المذكورة ما يليق بهذا الغرض على تجرده. وليكتف في أهلية الشيخ بكونه: مسلما بالغا عاقلا غير متظاهر بالفسق والسخف وفي ضبطه: بوجود سماعه مثبتا بخط غير مهتم وبروايته من أصل موافق لأصل شيخه.
وقد سبق إلى نحو ما ذكرناه الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي رحمه الله تعالى فإنه ذكر في ما روينا عنه توسع من توسع في السماع من بعض محدثي زمانه الذين لا يحفظون حديثهم ولا يحسنون قراءته من كتبهم ولا يعرفون ما يقرأ عليهم بعد أن يكون القراءة عليهم من أصل سماعهم.
ووجه ذلك: بأن إلاحاديث التي قد صحت أو وقفت بين الصحة والسقم قد دونت وكتبت في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث. ولا يجوز أن يذهب شيء منها على جميعهم وإن جاز أن يذهب على بعضهم لضمان صاحب الشريعة حفظها.
قال البيهقي: فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لم يقبل منه ومن جاء بحديث معروف عندهم: فالذي يرويه لا ينفرد بروايته والحجة قائمة بحديثه برواية غيره. والقصد من روايته والسماع منه أن يصير الحديث مسلسلا بحدثنا وأخبرنا وتبقى هذه الكرامة التي خصت بها هذه إلامة شرفا لنبينا المصطفي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والله أعلم.
_________
وما ذكره المصنف بحثا قد نص عليه أبو حاتم بن حبان فقال إن من بين له خطأه

الخامسة عشر: في بيان إلالفاظ المستعملة بين أهل هذا الشأن في الجرح والتعديل. وقد رتبها أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في كتابه الجرح والتعديل فأجاد وأحسن. ونحن نرتبها كذلك ونورد ما ذكره ونضيف إليه ما بلغنا في ذلك عن غيره إن شاء الله تعالى.
أما ألفاظ التعديل فعلى مراتب:
الأولى: قال ابن أبي حاتم: إذا قيل للواحد إنه ثقة أو: متقن فهو ممن يحتج بحديثه.
قلت: وكذا إذا قيل ثبت أو: حجة. وكذا إذا قيل في العدل إنه حافظ أو: ضابط والله أعلم.
________
وعلم فلم يرجع عنه وتمادى في ذلك كان كذابا بعلم صحيح فقيد ابن حبان ذلك بكونه علم خطأه وإنما يكون عنادا إذا علم الحق وخالفه وقيد أيضا بعض المتأخرين ذلك بأن يكون الذى بين له غلطة عالما عند المبين له أما إذا كان ليس بهذا المثابة عنده فلا حرج إذن.
"
قوله" أما ألفاظ التعديل فعلى مراتب الأولى قال ابن أبى حاتم إذا قيل للواحد إنه ثقة أو متقن فهو ممن يحتج به انتهى.
اقتصر المصنف تبعا لابن أبى حاتم على أن هذه الدرجة الأولى وكذا قال الحافظ أبو بكر الخطيب في الكفاية أرفع العبارات أن يقال حجة أو ثقة انتهى.
وقد زاد الحافظ أبو عبد الله الذهبى في مقدمة كتابه ميزان الاعتدال درجة قبل هذه هى أرفع منها وهى أن يكرر لفظ التوثيق المذكور في الدرجه الأولى إما باللفظ بعينه كقولهم ثقة ثقة أو مع مخالفة اللفظ الأول كقولهم ثقة ثبت أو ثبت حجة أو نحو ذلك وهو كلام صحيح لأن التأكيد الحاصل بالتكرار لابد أن يكون له مرية على الكلام الخالى عن التأكيد والله أعلم.
"
قوله" قلت وكذا إذا قيل ثبت أو حجة انتهى.
وقد اعترض عليه بأن قوله ثبت ذكرها ابن أبى حاتم فلا زيادة عليه إذا انتهى.

الثانية : قال ابن أبي حاتم: إذا قيل إنه صدوق أو: محله الصدق أو لا بأس به فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه وهي المنزلة الثانية.
قلت: هذا كما قال لأن هذه العبارات لا تشعر بشريطة الضبط فينظر في حديثه ويختبر حتى يعرف ضبطه. وقد تقدم بيان طريقه في أول هذا النوع.
وإن لم يستوف النظر المعرف لكون ذلك المحدث في نفسه ضابطا مطلقا واحتجنا إلى حديث من حديثه اعتبرنا ذلك الحديث ونظرنا: هل له أصل من رواية غيره ؟ كما تقدم بيان طريق إلاعتبار في النوع الخامس عشر ومشهور عن عبد الرحمن بن مهدي القدوة في هذا الشأن أنه حدث فقال: حدثنا أبو خلدة فقيل له: أكان ثقة؟ فقال: كان صدوقا وكان مأمونا وكان خيرا وفي رواية: وكان خيارا الثقة شعبة وسفيان.
ثم إن ذلك مخالف لما ورد عن ابن أبي خيثمة قال: قلت ليحيى بن معين
_________
قلت وليس في بعض النسخ الصحيحة من كتابه إلا ما نقله المصنف عنه كما تقدم ليس فيه ذكر ثبت وفي بعض النسخ إذا قيل للواحد أنه ثقة أو متقن ثبت فهو ممن يحتج بحديثه هكذا في نسختي منه أو ميقن ثبت لم يقل فيه أو ثبت والله أعلم.
"
قوله" الثانية قال ابن أبى حاتم إذا قيل إنه صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه انتهى.
سوى ابن أبى حاتم بين قولهم صدوق وبين قولهم محله الصدق فجعلهما في درجة وتبعه المصنف وجعل صاحب الميزان قولهم محله الصدق في الدرجة التي تلي قولهم صدوق والله أعلم.
"
قوله" حكاية عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال الثقة شعبة وسفيان انتهى.
وقد اعترض عليه بأن الذي في كتاب الخطيب وغيره الثقة شعبة ومسعر لم يذكر

إنك تقول: فلان ليس به بأس وفلان ضعيف ؟ قال: إذا قلت لك: ليس به بأس فهو ثقة وإذا قلت لك: هو ضعيف فليس هو بثقة لا تكتب حديثه.
قلت: ليس في هذا حكاية ذلك عن غيره من أهل الحديث فإن نسبه إلى نفسه خاصة بخلاف ما ذكره ابن أبي حاتم والله أعلم.
الثالثة : قال ابن أبي حاتم: إذا قيل شيخ فهو بالمنزلة الثالثة يكتب حديثه وينظر فيه إلا أنه دون الثانية.
الرابعة : قال: إذا قيل صالح الحديث فإنه يكتب حديثه للاعتبار.
قلت: وجاء عن أبي جعفر أحمد بن سنان قال: كان عبد الرحمن بن مهدي ربما جرى ذكر حديث الرجل فيه ضعف وهو رجل صدوق فيقول: رجل صالح الحديث والله أعلم.
وأما ألفاظهم في الجرح فهي أيضا على مراتب:
أولاها : قولهم لين الحديث. قال ابن أبي حاتم: إذا أجابوا في الرجل بلين الحديث فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه اعتبارا.
قلت: وسأل حمزة بن يوسف السهمي أبا الحسن الدار قطني الإمام فقال له
_______
والجواب أن المصنف لم يحك ذلك عن الخطيب وعلى تقدير كونه في كتاب الخطيب هكذا فيحتمل أنه من النساخ فليس غلط المصنف بأولى من تغليطهم على أن المشهور المشهور عن ابن مهدى ما ذكره المصنف هكذا وحكاه عمرو بن على القلاس وكذا رواه ابن أبى حاتم في الجرح والتعديل وكذلك ذكره الحافظ أبو الحجاج المزى في تهذيب الكمال في ترجمة أبى خلده ونقل في ترجمة مسعر من رواية القلاس أيضا عن ابن مهدى الثقة شعبة ومسعر وعلى هذا فلعله سئل عنه مرتين فإن المنقول في هذ الرواية أن أحمد ابن حنبل سأله ولعله قال الثقة شعبة وسفيان ومسعر فاقتصر الفلاس على التمثيل باثنين فمرة ذكر سفيان ومرة ذكر مسعرا والله أعلم.

إذا قلت فلان لين ايش تريد به ؟ قال: لا يكون ساقطا متروك الحديث ولكن مجروحا بشيء لا يسقط عن العدالة.
الثانية : قال ابن أبي حاتم: إذا قالوا ليس بقوي فهو بمنزلة إلاول في كتب حديثه إلا أنه دونه.
الثالثة : قال: إذا قالوا ضعيف الحديث فهو دون الثاني لا يطرح حديثه بل يعتبر به.
الرابعة : قال: إذا قالوا متروك الحديث أ و ذاهب الحديث أوكذاب فهو ساقط الحديث لا يكتب حديثه وهي المنزلة الرابعة.
73
قال الخطيب أبو بكر: أرفع العبارات في أحوال الرواة أن يقال حجة أو: ثقة. وأدونها أن يقال كذاب ساقط. أخبرنا أبو بكر بن عبد المنعم الصاعدي الفراوي قراءة عليه بنيسابور قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل الفارسي قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي الحافظ: أخبرنا الحسين بن الفضل: أخبرنا عبد الله بن جعفر: حد ثنا يعقوب بن سفيان قال: سمعت أحمد بن صالح قال: لا يترك حديث رجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه. قد يقال: فلان ضعيف فأما أن يقال: فلان متروك فلا إلا أن يجمع الجميع على ترك حديثه.
ومما لم يشرحه ابن أبي حاتم وغيره من إلالفاظ المستعملة في هذا الباب قولهم فلان قد روى الناس عنه فلان وسط فلان مقارب الحديث فلان مضطرب
_________
"
قوله" ومما لم يشرحه ابن أبى حاتم وغيره من الألفاظ المستعملة في هذا الباب فقولهم فلان قد روى الناس عنه فلان وسط فلان مقارب الحديث إلى آخر كلامه فيه

الحديث فلان لا يحتج به فلان مجهول فلان لا شيء فلان ليس بذاك وربما قيل ليس بذاك القوي فلان فيه أو: في حديثه ضعف. وهو في الجرح أقل من قولهم فلان ضعيف الحديث فلان ما أعلم به بأسا. وهو في التعبير دون قولهم لا بأس به. وما من لفظة منها ومن أشباهها إلا ولها نظير شرحناه أو أصل أصلناه ننبه إن شاء الله تعالى به عليها. والله أعلم.
______
أمور: أحدها: أن المصنف ذكر هنا ألفاظا للتوثيق وألفاظا للتجريح لم يميز بينها وقال إن ابن أبى حاتم وغيره لم يشرحوها وأراد بكونهم لم يشرحوها أنهم لم يبينوا ألفاظ التوثيق من أي رتبة هي من الثانية أو الثالثة مثلا وكذلك ألفاظ التجريح لم يبينوا من أي منزلة هي وليس المراد أنهم لم يبينوا هل هي من ألفاظ التوثيق أو التجريح فإن هذا أمر لا يخفي على أهل الحديث وإذا كان كذلك فقد رأيت أن اذكر كل لفظ منها من أي رتبة هو لتعرف منزلة الراوي به فأقول الألفاظ التي هي للتوثيق من هذه الألفاظ التي جمع بينها المصنف أربعة ألفاظ وهى قولهم فلان روى عنه الناس وفلان وسط وفلان متقارب الحديث وفلان ما أعلم به بأسا وهذه الألفاظ الأربعة من الرتبة الرابعة وهى الأخيرة من ألفاظ التوثيق وأما بقية الألفاظ التي ذكرها هنا فإنها من ألفاظ الجرح وهى سبعة ألفاظ فمن الرتبة الأولى وهى الين ألفاظ الجرح قولهم فلان ليس بذاك وفلان ليس بذاك القوى وفلان فيه ضعف وفلان في حديثه ضعف ومن الدرجة الثانية وهى أشد في الجرح من التي قبلها.
"
قوله" فلان لا يحتج به فلان مضطرب الحديث ومن الدرجة الثالثة وهى أشد من اللتين قبلها.
"
قوله" فلان لا شيء فهذا ما ذكره المصنف هنا مهملا من مراتبه وذكر فيها أيضا فلا مجهول وقد تقدم ذكر المجهول في الموضع الذي ذكره المصنف وإنه على ثلاثة أقسام فأغنى ذلك عن ذكره هنا.


________
الأمر الثاني أن قوله مقارب الحديث ضبط في الأصول الصحيحة المسموعة على المصنف بكسر الراء كذا ضبطه الشيخ محيى الدين النووي في مختصره وقد اعترض بعض المتأخرين بأن ابن السيد حكى فيه الوجهين الكسر والفتح وأن اللفظين حينئذ لا يستويان لأن كسر الراء من ألفاظ التعديل وفتحها من ألفاظ التجريح انتهى.
وهذا الاعتراض والدعوى ليسا صحيحين بل الوجهان فتح الراء وكسرها معروفان وقد حكاهما ابن العربي في كتاب الأحوذي وهما على كل حال من ألفاظ التوثيق وقد ضبط أيضا في النسخ الصحيحة عن البخاري بالوجهين وممن ذكره من ألفاظ التوثيق الحافظ أبو عبد الله الذهبي في مقدمة الميزان وكأن المعترض فهم من فتح الراء أن الشيء المقارب هو الرديء وهذا فهم عجيب فإن هذا ليس معروفا في اللغة وإنما هو في ألفاظ العوام وإنما هو على الوجهين من قوله سددوا وقاربوا فمن كسر قال إن معناه أن حديثه مقارب لحديث غيره ومن فتح قال إن معناه أن حديثه يقاربه حديث غيره ومادة فاعل تقتضى المشاركة إلا في مواضع قليلة والله أعلم.
واعلم أن ابن سيدة حكى في الرجل المقارب الكسر فقط فقال ورجل بالكسر مقارب ومتاع مقارب بالفتح ليس بنفيس وقال بعضهم دين مقارب بالكسر ومتاع مقارب بالفتح هذه عبارته في المحكم فلم يحك الفتح إلا في المتاع فقط وأما الجوهري فجعل الكل بالكسر وقال ولا تقل مقارب أي بالفتح.
الأمر الثالث أن المصنف أهمل من ألفاظ التوثيق والجرح أكثر مما زاده على ابن أبى حاتم فرأيت أن اذكر منها ما يحضرني لتعرف وتضبط فأما ألفاظ التوثيق فمن المرتبة الثانية على مقتضى عمل المصنف قولهم فلان مأمون فلان خيار وهاتان من الرتبة الثالثة على مقتضى عمل الذهبي في جعله أعلى الدرجات تكرار التوثيق كما تقدم ومن الرتبة الرابعة أو الثالثة قولهم فلان إلى الصدق ما هو فلان جيد الحديث فلان حسن الحديث وفلان صويلح وفلان صدوق إن شاء الله وفلان أرجو أنه لا بأس به وأما ألفاظ التجريح فمن الرتبة الأولى وهى ألين ألفاظ التجريح قولهم فلان فيه مقال وفلان ضعف وفلان تعرف وتنكر فلان ليس بالمتين أو ليس بحجة أو ليس بعمدة أو ليس بالمرضى وفلان للضعف ما هو وسيئ الحفظ وفيه خلف وطعنوا فيه وتكلموا فيه ومن

النوع الرابع والعشرون: معرفة كيفية سماع الحديث وتحمله وصفة ضبطه:

اعلم: أن طرق نقل الحديث وتحمله على أنواع متعددة ولنقدم على بيانها بيان أمور:
أحدها : يصح التحمل قبل وجود الأهلية فتقبل رواية من تحمل قبل الإسلام وروى بعده. وكذلك رواية من سمع قبل البلوغ وروى بعده ومنع من ذلك قوم فأخطأوا لأن الناس قبلوا رواية أحداث الصحابة كالحسن بن علي وابن عباس وابن الزبير والنعمان بن بشير وأشباههم من غير فرق بين ما تحملوه قبل البلوغ وما بعده. ولم يزالوا قديما وحديثا يحضرون الصبيان مجالس التحديث والسماع ويعتدون بروايتهم لذلك والله أعلم.
الثاني : قال أبو عبد الله الزبيري: يستحب كتب الحديث في العشرين لأنها مجتمع العقل. قال: وأحب أن يشتغل دونها بحفظ القرآن والفرائض وورد عن سفيان الثوري قال: كان الرجل إذا أراد أن يطلب الحديث تعبد قبل ذلك عشرين سنة.
وقيل لموسى بن إسحاق: كيف لم تكتب عن أبي نعيم ؟ فقال: كان أهل الكوفة
________
الرتبة الثانية وهى أشد من الأولى فلان واه فلان ضعفوه فلان منكر الحديث ومن الرتبة الثالثة وهى أشد منهما قولهم فلان ضعيف جدا فلان واه بمرة فلان لا يساوى شيئا فلان مطرح وطرحوا حديثه ورام به ورد حديثه ومن الرتبة الرابعة فلان متهم بالكذب وهالك وليس بثقة ولا يعتبر به وفيه نظر وسكتوا عنه وهاتان العبارتان يقولهما البخاري فيمن تركوا حديثه ومن الرتبة الخامسة ولم يذكرها المصنف فلان وضاع فلان دجال ولهم ألفاظ أخر يستدل بهذه عليها والله أعلم.

لا يخرجون أولادهم في طلب الحديث صغارا حتى يستكملوا عشرين سنة. وقال موسى بن هارون: أهل البصرة يكتبون لعشر سنين. وأهل الكوفة لعشرين وأهل الشام لثلاثين والله أعلم.
قلت: وينبغي بعد أن صار الملحوظ إبقاء سلسلة الإسناد أن يبكر بإسماع الصغير في أول زمان يصح فيه بسماعه. وأما الاشتغال بكتبه الحديث وتحصيله وضبطه وتقييده فمن حين يتأهل لذلك ويستعد له. وذلك يختلف باختلاف الأشخاص وليس ينحصر في سن مخصوص كما سبق ذكره آنفا عن قوم والله أعلم.
الثالث : اختلفوا في أول زمان يصح فيه سماع الصغير فروينا عن موسى بن هارون الحمال أحد الحفاظ النقاد أنه سئل: متى يسمع الصبي الحديث ؟ فقال: إذا فرق بين البقرة والدابة وفي رواية بين البقرة والحمار وعن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه سئل: متى يجوز سماع الصبي للحديث ؟ فقال: إذا عقل وضبط. فذكر له عن رجل أنه قال: لا يجوز سماعه حتى يكون له خمس عشرة سنة. فأنكر قوله وقال: بئس القول وأخبرني الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله إلاسدي عن أبي محمد عبد الله بن محمد إلاشيري عن القاضي الحافظ عياض بن موسى السبتي اليحصبي قال: قد حدد أهل الصنعة في ذلك أن أقله سن محمود بن الربيع. وذكر رواية 75 البخاري في صحيحه بعد أن ترجم متى يصح سماع الصغير بإسناده عن محمود بن الربيع قال: عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو. وفي رواية أخرى: أنه كان ابن أربع سنين.
قلت: التحديد بخمس هو الذي استقر عليه عمل أهل الحديث المتأخرين فيكتبون لابن خمس فصاعدا سمع ولمن لم يبلغ خمسا حضر أو: أحضر. والذي ينبغي في ذلك: أن تعتبر في كل صغير حاله على الخصوص فإن وجدناه مرتفعا عن حال من لا يعقل فهما للخطاب وردا للجواب ونحو ذلك صححنا سماعه وإن كان دون

خمس. وإن لم يكن كذلك لم نصحح سماعه وإن كان ابن خمس بل ابن خمسين.
وقد بلغنا عن إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: رأيت صبيا ابن أربع سنين قد حمل إلى المأمون قد قرأ القرآن ونظر في الرأي غير أنه إذا جاع يبكي وعن القاضي أبي محمد عبد الله بن محمد إلاصبهاني قال: حفظت القرآن ولي خمس سنين. وحملت إلى أبي بكر بن المقرئ لأسمع منه ولي أربع سنين. فقال بعض الحاضرين: لا تسمعوا له فيما قرئ فإنه صغير. فقال لي ابن المقرئ: اقرأ سورة الكافرين فقرأتها فقال: اقرأ سورة التكوير فقرأتها فقال لي غيره: اقرأ سورة المرسلات فقرأتها ولم أغلط فيها. فقال ابن المقرئ: سمعوا له والعهدة علي وأما حديث محمود بن الربيع: فيدل على صحة ذلك من ابن خمس مثل محمود ولا يدل على انتفاء الصحة فيمن لم يكن ابن خمس ولا على الصحة فيمن كان ابن خمس ولم يميز تمييز محمود رضي الله عنه والله أعلم.
_______
النوع الرابع والعشرون- معرفة كيفية سماع الحديث.
"
قوله" وقد بلغنا عن إبراهيم بن سعيد الجوهري قال رأيت صبيا ابن أربع سنين وقد حمل إلى المأمون قد قرأ القرآن ونظر في الرأي غير انه إذا جاع يبكى انتهى.
أحسن المصنف في التعبير عن هذه الحكاية بقوله بلغنا ولم يجزم بنقلها فقد رأيت بعض الأئمة من شيوخنا يستبعد صحتها ويقول على تقدير وقوعها لم يكن ابن أربع سنين وإنما كان ضئيل الخلقة فيظن صغره والذي يغلب على الظن عدم صحتها وقد رواها الخطيب بإسناده في الكفاية وفي إسنادها أحمد بن كامل القاضي قال فيه الدارقطنى كان متساهلا ربما حدث من حفظه بما ليس عنده في كتابه وأهلكه العجب فإنه كان يختار ولا يضع لأحد من العلماء أصلا وقال صاحب الميزان كان يعتمد على حفظه فيهم.

بيان أقسام طرق نقل الحديث وتحمله. ومجامعها ثمانية أقسام:
القسم الأول: السماع من لفظ الشيخ: وهو ينقسم إلى إملاء وتحديث من غير إملاء وسواء كان من حفظه أو من كتابه وهذا القسم أرفع الأقسام عند الجماهير. وفيما نرويه عن القاضي عياض بن موسى السبتي أحد المتأخرين المطلعين قوله: لا خلاف أنه يجوز في هذا أن يقول السامع منه حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت فلانا يقول وقال لنا فلان وذكر لنا فلان قلت: في هذا نظر وينبغي فيما شاع استعماله من هذه الألفاظ مخصوصا بما سمع من غير لفظ الشيخ على ما نبينه إن شاء الله تعالى أن لا يطلق فيما سمع من لفظ الشيخ لما فيه من الإيهام والإلباس والله أعلم.
وذكر الحافظ أبو بكر الخطيب: أن أرفع العبارات في ذلك سمعت ثم حدثنا وحدثني فإنه لا يكاد أحد يقول سمعت في أحاديث الإجازة والمكاتبة ولا في تدليس ما لم يسمعه.
وكان بعض أهل العلم يقول فيما أجيز له حدثنا. وروي عن الحسن أنه كان يقول حدثنا أبو هريرة ويتأول أنه حدث أهل المدينة وكان الحسن إذ ذاك بها إلا أنه لم يسمع منه شيئا.
قلت: ومنهم من أثبت له سماعا من أبي هريرة والله أعلم.
ثم يتلو ذلك قول أخبرنا وهو كثير في الاستعمال حتى أن جماعة من أهل العلم كانوا لا يكادون يخبرون عما سمعوه من لفظ من حدثهم إلا بقولهم أخبرنا. منهم حماد بن سلمة وعبد الله بن المبارك وهشيم بن بشير وعبيد الله بن موسى وعبد الرزاق بن همام ويزيد بن هارون وعمرو بن عون ويحي بن يحيى التميمي وإسحاق بن راهويه وأبو مسعود أحمد بن الفرات ومحمد بن أيوب الرازيان وغيرهم. وذكر

الخطيب عن محمد بن رافع قال: كان عبد الرزاق يقول أخبرنا حتى قدم أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه فقإلا له: قل حدثنا فكل ما سمعت مع هؤلاء قال: حدثنا وما كان قبل ذلك قال: أخبرنا
وعن محمد بن أبي الفوارس الحافظ قال: هشيم ويزيد بن هارون وعبد الرزاق لا يقولون إلا أخبرنا فإذا رأيت حدثنا فهو من خطأ الكاتب والله أعلم.
قلت: وكان هذا كله قبل أن يشيع تخصيص أخبرنا بما قرئ على الشيخ ثم يتلو قول أخبرنا قول أنبأنا و نبأنا وهو قليل في إلاستعمال.
قلت: حدثنا وأخبرنا أرفع من سمعت من جهة أخرى وهي أنه ليس في سمعت دلالة على أن الشيخ رواه الحديث وخاطبه به وفي حدثنا وأخبرنا دلالة على أنه خاطبه به ورواه له أو هو ممن فعل به ذلك
سأل الخطيب أبو بكر الحافظ شيخه أبا بكر البرقاني الفقيه الحافظ رحمهما الله تعالى عن السر في كونه يقول فيما رواه عن أبي القاسم عبد الله بن إبراهيم الجرجاني إلابندوني سمعت ولا يقول حدثنا ولا أخبرنا فذكر له: أن أبا القاسم كان مع ثقته وصلاحه عسرا في الرواية فكان البرقاني يجلس بحيث لا يراه أبو القاسم ولا يعلم بحضوره فيسمع منه ما يحدث به الشخص الداخل إليه. فلذلك يقول سمعت ولا يقول حدثنا ولا أخبرنا لأن قصده كان الرواية للداخل إليه وحده.
وأما قوله قال لنا فلان أو ذكر لنا فلان فهو من قبيل قوله حدثنا فلان غير أنه لائق بما سمعه منه في المذاكرة وهو به أشبه من حدثنا.
وقد حكينا في فصل التعليق عيب النوع الحادي عشر عن كثير من المحدثين استعمال ذلك معبرين به عما جرى بينهم في المذاكرات والمناظرات وأوضع العبارات في ذلك أن يقول: قال فلان أو: ذكر فلان من غير ذكر قوله لي ولنا ونحو

ذلك. وقد قدمنا في فصل الإسناد المعنعن أن ذلك وما أشبهه من إلالفاظ محمول عندهم على السماع إذا عرف لقاؤه له وسماعه منه على الجملة لا سيما إذا عرف من حاله أنه لا يقول قال فلان إلا فيما سمعه منه.
وقد كان حجاج بن محمد إلاعور يروي عن ابن جريج كتبه ويقول فيها قال ابن جريج فحملها الناس عنه واحتجوا برواياته وكان قد عرف من حاله أنه لا يروي إلا ما سمعه.
وقد خصص الخطيب أبو بكر الحافظ القول بحمل ذلك على السماع بمن عرف من عادته مثل ذلك والمحفوظ المعروف ما قدمنا ذكره. والله أعلم.
القسم الثاني من أقسام إلاخذ والتحمل: القراءة على الشيخ وأكثر المحدثين يسمونها عرضا من حيث إن القارئ يعرض على الشيخ ما يقرؤه كما يعرض القرآن على المقرئ وسواء كنت أنت القارئ أو قرأ غيرك وأنت تسمع أو قرأت من كتاب أو من حفظك أو كان الشيخ يحفظ ما يقرأ عليه أو لا يحفظه لكن يمسك أصله هو أو ثقة غيره ولا خلاف أنها رواية صحيحة إلا ما حكي عن بعض من لا يعتد بخلافه والله أعلم.
واختلفوا في أنها: مثل السماع من لفظ الشيخ في المرتبة أو دونه أو فوقه فنقل عن أبي حنيفة و ابن أبي ذئب وغيرهما: ترجيح القراءة على الشيخ على السماع من لفظه. وروي ذلك عن مالك أيضا
وروي عن مالك وغيره: أنهما سواء. وقد قيل: إن التسوية بينهما مذهب معظم علماء الحجاز والكوفة و مذهب مالك وأصحابه وأشياخه من علماء المدينة ومذهب البخاري وغيرهم
والصحيح: ترجيح السماع من لفظ الشيخ والحكم بأن القراءة عليه مرتبة ثانية. وقد قيل: إن هذا مذهب جمهور أهل المشرق والله أعلم.

وأما العبارة عنها عند الرواية بها فهي على مراتب: أجودها وأسلمها أن يقول قرأت على فلان. أو قرئ على فلان وأنا أسمع فأقر به فهذا شائع من غير إشكال ويتلو ذلك ما يجوز من العبارات في السماع من لفظ الشيخ مطلقة إذا أتى بها هنا مقيدة بأن يقول حدثنا فلان قراءة عليه أو: أخبرنا قراءة عليه ونحو ذلك. وكذلك أنشدنا قراءة عليه في الشعر.
وأما إطلاق حدثنا وأخبرنا في القراءة على الشيخ فقد اختلفوا فيه على مذاهب:
فمن أهل الحديث من منع منهما جميعا وقيل: إنه قول ابن المبارك ويحيى بن يحيى التميمي وأحمد بن حنبل والنسائي وغيرهم ومنهم من ذهب إلى تجويز ذلك وأنه كالسماع من لفظ الشيخ في جواز إطلاق حدثنا وأخبرنا وأنبأنا. وقد قيل: إن هذا مذهب معظم الحجازيين والكوفيين وقول الزهري ومالك وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان في آخرين من ألائمة المتقدمين وهو مذهب البخاري صاحب الصحيح في جماعة من المحدثين.
ومن هؤلاء من أجاز فيها أيضا أن يقول سمعت فلانا
والمذهب الثالث: الفرق بينهما في ذلك والمنع من إطلاق حدثنا وتجويز إطلاق أخبرنا. وهو مذهب الشافعي وأصحابه وهو منقول عن مسلم صاحب الصحيح وجمهور أهل المشرق.
وذكر صاحب كتاب الإنصاف محمد بن الحسن التميمي الجوهري المصري: أن هذا مذهب ألأكثر من أصحاب الحديث الذين لا يحصيهم أحد وأنهم جعلوا أخبرنا علما يقوم مقام قول قائله: أنا قرأته عليه لا أنه لفظ به لي. قال: وممن كان يقول به من أهل زماننا أبو عبد الرحمن النسائي في جماعة مثله من محدثينا قلت: وقد قيل: إن أول من أحدث الفرق بين هذين اللفظين ابن وهب بمصر
وهذا يدفعه أن ذلك مروي عن ابن جريج والأوزاعي حكاه عنهما الخطيب أبو بكر إلا أن يعني أنه أول من فعل ذلك بمصر والله أعلم.

قلت: الفرق بينهما صار هو الشائع الغالب على أهل الحديث والاحتجاج لذلك من حيث اللغة عناء وتكلف.
وخير ما يقال فيه: إنه اصطلاح منهم أرادوا به التمييز بين النوعين ثم خصص النوع الأول بقول حدثنا لقوة إشعاره بالنطق والمشافهة والله أعلم.
ومن أحسن ما يحكى عمن يذهب هذا المذهب ما حكاه الحافظ أبو بكر البرقاني عن أبي حاتم محمد بن يعقوب الهروي أحد رؤساء أهل الحديث بخراسان: أنه قرأ على بعض الشيوخ عن الفربري صحيح البخاري وكان يقول له في كل حديث حدثكم الفربري فلما فرغ من الكتاب سمع الشيخ يذكر: أنه إنما سمع الكتاب من الفربري قراءة عليه فأعاد أبو حاتم قراءة الكتاب كله وقال له في جميعه أخبركم الفربري. والله أعلم.

تفريعات:
إلاول : إذا كان أصل الشيخ عند القراءة عليه بيد غيره وهو موثوق به مراع لما يقرأ أهل لذلك: فإن كان الشيخ يحفظ ما يقرأ عليه فهو كما لو كان أصله بيد نفسه بل أولى لتعاضد ذهني شخصين عليه. وإن كان الشيخ لا يحفظ ما يقرأ عليه فهذا مما اختلفوا فيه: فرأى بعض أئمة الأصول أن هذا سماع غير صحيح. والمختار أن ذلك صحيح وبه عمل معظم الشيوخ وأهل الحديث.
وإذا كان الأصل بيد القارئ وهو موثوق به دينا ومعرفة فكذلك الحكم فيه وأولى بالتصحيح
وأما إذا كان أصله بيد من لا يوثق بإمساكه له ولا يؤمن إهماله لما يقرأ فسواء كان بيد القارئ أو بيد غيره في أنه سماع غير معتد به إذا كان الشيخ غير حافظ للمقروء عليه والله أعلم.
________
"
قوله" إذا كان أصل الشيخ عند القراءة عليه بيد غيره إلى أن قال وإن كان الشيخ لا يحفظ ما يقرأ عليه فهذا مما اختلفوا فيه فرأى بعض أئمة الأصول أن هذا سماع غير صحيح والمختار أن ذلك صحيح انتهى.
هذا الذى أبهم المصنف ذكره هو إمام الحرمين فإنه اختار ذلك وحكى القاضى عياض أيضا أن القاضى أبا بكر الباقلانى تردد فيه قال وأكثر ميله إلى المنع انتهى.
ووهن السلفي هذا الاختلاف لاتفاق العلماء على العمل بخلافه فإنه ذكر ما حاصله أن الطالب إذا أراد أن يقرأ على شيخ شيئا من سماعه هل يجب أن يريه سماعه في ذلك الجزء أم يكفي إعلام الطالب الثقة للشيخ أن هذا الجزء سماعه على فلان فقال السلفي هما سيان على هذا عهدنا علماءنا عن آخرهم قال ولم تزل الحفاظ قديما وحديثا يخرجون للشيوخ من الأصول فتصير تلك الفروع بعد المقابلة أصولا وهل كانت الأصول أولا إلا فروعا انتهى.

الثاني : إذا قرأ القارئ على الشيخ قائلا أخبرك فلان أو: قلت أخبرنا فلان أو نحو ذلك والشيخ ساكت مصغ إليه فاهم لذلك غير منكر له فهذا كاف في ذلك واشترط بعض الظاهرية وغيرهم إقرار الشيخ نطقا وبه قطع الشيخ أبو إسحاق الشيرازي و أبو الفتح سليم الرازي و أبو نصر بن الصباغ من الفقهاء الشافعيين. قال أبو نصر: ليس له أن يقول حدثني أو أخبرني وله أن يعمل بما قرئ عليه وإذا أراد روايته عنه قال قرأت عليه أو: قرئ عليه وهو يسمع وفي حكاية بعض المصنفين للخلاف في ذلك: أن بعض الظاهرية شرط إقرار الشيخ عند تمام السماع: بأن يقول القارئ للشيخ وهو كما قرأته عليك ؟ فيقول: نعم والصحيح أن ذلك غير لازم وأن سكوت الشيخ على الوجه المذكور نازل منزلة تصريحه بتصديق القارئ اكتفاء بالقرائن الظاهرة. وهذا مذهب الجماهير من المحدثين والفقهاء وغيرهم والله أعلم.
الثالث : فيما نرويه عن الحاكم أبي عبد الله الحافظ رحمه الله قال: الذي أختاره في الرواية وعهدت عليه أكثر مشايخه وأئمة عصري: أن يقول في الذي يأخذه من المحدث لفظا وليس معه أحد حدثني فلان وما يأخذه من المحدث لفظا ومعه غيره حدثنا فلان وما قرأ على المحدث بنفسه أخبرني فلان وما قرئ على المحدث وهو حاضر أخبرنا فلان وقد روينا نحو ما ذكره عن عبد الله بن وهب صاحب مالك رضي الله عنهما. وهو حسن رائق.
فإن شك في شيء عنده أنه من قبيل حدثنا أو: أخبرنا أو من قبيل حدثني أو: أخبرني لتردده في أنه كان عند التحمل والسماع وحده أو مع غيره فيحتمل أن نقول: ليقل حدثني أو: أخبرني لأن عدم غيره هو الأصل. ولكن ذكر علي بن عبد الله
______
"
قوله" فإن شك في شئ عنده أنه من قبيل حدثنا أو أخبرنا أو من قبيل حدثنى أو أخبرنى لتردده في أنه كان عند التحمل والسماع وحده أو مع غيره فيحتمل أن نقول ليقل حدثنى أو أخبرنى لأن عدم غيره هو الأصل انتهى.

المديني إلامام عن شيخه يحيى بن سعيد القطان إلامام فيما إذا شك أن الشيخ قال: حدثني فلان أو قال حدثنا فلان أنه يقول حدثنا.
وهذا يقتضي فيما إذا شك في سماع نفسه في مثل ذلك أن يقول حدثنا. وهو عندي يتوجه بأن حدثني أكمل مرتبة و حدثنا أنقص مرتبة فليقتصر إذا شك على الناقص لأن عدم الزائد هو الأصل وهذا لطيف. ثم وجدت الحافظ أحمد البيهقي رحمه الله قد اختار بعد حكايته قول القطان ما قدمته
ثم إن هذا التفصيل من أصله مستحب وليس بواجب حكاه الخطيب الحافظ عن أهل العلم كافة. فجائز إذا سمع وحده أن يقول حدثنا أو نحوه لجواز ذلك للواحد في كلام العرب. وجائز إذا سمع في جماعة أن يقول حدثني لأن المحدث حدثه وحدث غيره والله أعلم.
الرابع : روينا عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال: اتبع لفظ الشيخ في قوله حدثنا وحدثني وسمعت وأخبرنا ولا تعدوه.
_________
سوى المصنف رحمه الله بين الشك في أنه هل سمع من لفظ الشيخ وحده أو كان معه غيره يسمع وبين مسألة ما إذا شك هل قرأ هو بنفسه على الشيخ أو سمع عليه بقراءة غيره عليه وما قاله ظاهر في المسألة الأولى.
وأما المسألة الثانية فإنه يتحقق فيها سماع نفسه ويشك هل قرأ بنفسه أم لا والأصل أنه لم يقرأ هذا إذا مشينا على ما ذكره المصنف تبعا للحاكم أن القارئ يقول أخبرنى سواء سمع بقراءته معه غيره أم لا أما إذا قلنا بما جزم به ابن دقيق العيد في الاقتراح من أن القارئ إذا كان معه غيره يقول اخبرنا فيتجه حينئذ أن يقال الأصل عدم الزايد لكن الذى ذكره ابن الصلاح هو الذى قاله عبد الله بن وهب وأبو عبد الله الحاكم وهو المشهور والله أعلم.
والأحسن فيما إذا شك هل قرأ بنفسه أو سمع بقراءة غيره ما حكاه الخطيب في الكفاية عن البرقانى أنه ربما يشك في الحديث هل قرأه هو أو قرئ وهو يسمع فيقول فيه قرأنا على فلان فإنه يسوغ إثباته بهذه الصيغة فيما قرأه بنفسه وفيما سمعه بقراءة غيره.

قلت: ليس لك فيما تجده في الكتب المؤلفة من روايات من تقدمك أن تبدل في نفس الكتاب ما قيل فيه: أخبرنا ب حدثنا ونحو ذلك وإن كان في إقامة أحدهما مقام إلاخر خلاف وتفصيل سبق لاحتمال أن يكون من قال ذلك ممن لا يرى التسوية بينهما. ولو وجدت من ذلك إسنادا عرفت من مذهب رجاله التسوية بينهما فإقامتك أحدهما مقام إلاخر من باب تجويز الرواية بالمعنى. وذلك وإن كان فيه خلاف معروف فالذي نراه إلامتناع من إجراء مثله في إبدال ما وضع في الكتب المصنفة والمجامع المجموعة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وما ذكره الخطيب أبو بكر في كفايته من إجراء ذلك الخلاف في هذا فمحمول عندنا على ما يسمعه الطالب من لفظ المحدث غير موضوع في كتاب مؤلف والله أعلم.
الخامس : اختلف أهل العلم في صحة سماع من ينسخ وقت القراءة فورد عن إلامام إبراهيم الحربي و أبي أحمد بن عدي الحافظ وإلاستاذ أبي إسحاق إلاسفرائيني الفقيه إلاصولي وغيرهم نفي ذلك
وروينا عن أبي بكر أحمد بن إسحاق الصبغي أحد أئمة الشافعيين بخراسان: أنه سئل عمن يكتب في السماع ؟ فقال: يقول حضرت ولا يقل حدثنا ولا أخبرنا وورد عن موسى بن هارون الحمال تجويز ذلك. وعن أبي حاتم الرازي قال: كتبت عند عارم وهو يقرأ وكتبت عند عمرو بن مرزوق وهو يقرأ. وعن عبد الله بن المبارك: أنه قرئ عليه وهو ينسخ شيئا آخر غير ما يقرأ ولا فرق بين النسخ من السامع والنسخ من المسمع.
________
وقد سئل أحمد بن صالح المصرى عن الرجل يسمع بقراءة غيره فأجاب بأنه لا بأس أن يقول قرأنا وقد قال النفيلى قرأنا على مالك وإنما سمع بقراءة غيره والله أعلم.
"
قوله" ليس لك فيما تجده في الكتب المؤلفة من روايات من تقدمك أن تبدل في نفس الكتاب ما قيل فيه أخبرنا بحدثنا ونحو ذلك وإن كان في إقامة أحدهما مقام الآخر خلاف وتفصيل سبق لاحتمال أن يكون من قال ذلك ممن لا يرى التسوية بينهما ولو وجدت.

قلت: وخير من هذا الإطلاق التفصيل. فنقول لا يصح السماع إذا كان النسخ بحيث يمتنع معه فهم الناسخ لما يقرأ حتى يكون الواصل إلى سمعه كأنه صوت غفل ويصح إذا كان بحيث لا يمتنع معه الفهم. كمثل ما رويناه عن الحافظ العالم أبي الحسن الدارقطني: أنه حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصفار فجلس بنسخ جزءا كان معه وإسماعيل يملي فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعك وأنت تنسخ. فقال: فهمي للإملاء خلاف فهمك. ثم قال: تحفظ كم أملى الشيخ من حديث إلى الآن ؟ فقال: لا. فقال الدارقطني: أملى ثمانية عشر حديثا فعدت الأحاديث فوجدت كما قال. ثم قال أبو الحسن: الحديث الأول منها عن فلان عن فلان ومتنه كذا. والحديث الثاني عن فلان عن فلان ومتنه كذا. ولم يزل يذكر أسانيد الأحاديث ومتونها على ترتيبها في الإملاء حتى أتى على آخرها فتعجب الناس منه والله أعلم.
السادس : ما ذكرناه في النسخ من التفصيل يجري مثله فيما إذا كان الشيخ أو السامع يتحدث أو كان القارئ خفيف القراءة يفرط في إلاسراع. أو كان يهينم بحيث يخفي بعض الكلم أو كان السامع بعيدا عن القارئ وما أشبه ذلك.
ثم الظاهر: أن يعفي في كل ذلك عن القدر اليسير نحو الكلمة والكلمتين.
ويستحب للشيخ أن يجيز لجميع السامعين رواية جميع الحزء أو الكتاب الذي سمعوه وإن جرى على كله اسم السماع. وإذا بذل لأحد منهم خطه بذلك كتب له: سمع مني هذا الكتاب وأجزت له روايته عني. أو نحو هذا كما كان بعض الشيوخ يفعل. وفيما نرويه عن الفقيه أبي محمد بن أبي عبد الله بن عتاب الفقيه إلاندلسي عن أبيه رحمهما الله أنه قال: لا غنى في السماع عن الإجازة لأنه قد يغلط القارئ ويغفل الشيخ أو يغلط الشيخ إن كان القارئ ويغفل السامع فينجبر له ما فاته بالإجازة
هذا الذي ذكرناه تحقيق حسن وقد روينا عن صالح بن أحمد بن حنبل رضي الله عنهما قال: قلت

لأبي: الشيخ يدغم الحرف يعرف أنه كذا وكذا ولا يفهم عنه ترى أن يروي ذلك عنه ؟ قال: أرجو أن لا يضيق هذا وبلغنا عن خلف بن سالم المخرمي قال سمعت ابن عيينة يقول نا عمرو بن دينار يريد حدثنا عمرو بن دينار لكن اقتصر من حدثنا على النون والألف فإذا قيل له قل حدثنا عمرو قال: لا أقول لأني لم أسمع من قوله حدثنا ثلاثة أحرف وهي حدث لكثرة الزحام.
_______
من ذلك إسنادا عرفت من مذهب رجاله التسوية بينهما فإقامتك أحدهما مقام الآخر من باب تجويز الرواية بالمعنى وذلك وإن كان فيه خلاف معروف فالذي نراه الامتناع من إجراء مثله في إبدال ما وضع في الكتب المصنفة والمجاميع المجموعة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وما ذكره أبو بكر الخطيب في كفايته من إجراء ذلك الخلاف في هذا فمحول عندنا على ما يسمعه الطالب من لفظ المحدث غير موضوع في كتاب مؤلف والله أعلم انتهى.
وفيه أمران أحدهما أن ما أختاره المصنف قد ضعفه ابن دقيق العيد في الاقتراح فقال ومما وقع في اصطلاح المتأخرين أنه إذا روى كتاب مصنف بيننا وبينه وسايط تصرفوا في اسماء الرواة وقلبوها على أنواع إلى أن يصلوا إلى المصنف فإذا وصلوا إليه تبعوا لفظه من غير تغيير قال وهنا بحثان فذكر الأول ثم قال البحث الثانى الذى اصطلحوا عليه من عدم التغيير للالفاظ بعد وصولهم إلى المصنف ينبغى أن ينظر فيه هل هو على سبيل الوجوب أو هو اصطلاح على سبيل الأولى قال وفي كلام بعضهم ما يشير الى أنه ممتنع لأنه وإن كان له الرواية بالمعنى فليس له تغيير التصنيف قال وهذا كلام له فيه ضعف قال وأقل ما فيه إنه يقتضى تجويز هذا فيما ينقل من المصنفات المتقدمة إلى أجزائنا وتخاريجنا فإنه ليس فيه تغيير التصنيف المتقدم وليس هذا جاريا على الاصطلاح فإن الاصطلاح على أن لا نغير الألفاظ بعد الانتهاء إلى الكتب المصنفة سواء رويناها فيها أو نقلناها منها انتهى.
وما ذكره من أنه يقتضى تجويزه فيما ينقل من المصنفات المتقدمة إلى أجزائنا وتخاريجنا ليس بمسلم بل آخر كلام ابن الصلاح يشعر أنه إذا نقل حديث من كتاب وعزى إليه لا يجوز فيه الإبدال سواء نقلناه في تأليف لنا أو لفظا والله أعلم.

قلت: قد كان كثير من أكابر المحدثين يعظم الجمع في مجالسهم جدا حتى ربما بلغ ألوفا مؤلفة ويبلغهم عنهم المستملون فيكتبون عنهم بواسطة تبليغ المستملين فأجاز غير واحد لهم رواية ذلك عن المملي روينا عن إلاعمش رضي الله عنه قال: كنا نجلس إلى إبراهيم فتتسع الحلقة فربما يحدث بالحديث فلا يسمعه من تنحى عنه فيسأل بعضهم بعضا عما قال ثم يروونه وما سمعوه منه.
وعن حماد بن زيد: أنه سأله رجل في مثل ذلك فقال: يا أبا إسماعيل كيف قلت ؟ فقال: استفهم ممن يليك وعن بن عيينة: أن أبا مسلم المستملي قال له: إن الناس كثير لا يسمعون قال إلا تسمع أنت؟ قال: نعم قال: فأسمعهم وأبى آخرون ذلك.
روينا عن خلف بن تميم قال: سمعت من سفيان الثوري عشرة آلاف حديث.
_______
الأمر الثانى إن تعليل المصنف المنع باحتمال أن يكون من قال ذلك ممن لا يرى التسوية بين أخبرنا وحدثنا ليس بجيد من حيث أن الحكم لا يختلف في الجائز والممتنع بأن يكون الشيخ يرى الجائز ممتنعا أو الممتنع جائزا وقد صرح أهل الحديث بذلك في مواضع منها أن يكون الشيخ ممن يرى جواز إطلاق حدثنا وأنبأنا في الإجازة وأذن للطالب أن يقول ذلك إذا روى عنه بالإجازة فإنه لا يجوز للطالب وإن أذن له الشيخ وقد صرح به المصنف كما سيأتى.
وكذلك أيضا لم يشترطوا في جواز الرواية بالمعنى أن لا يكون في الإسناد من يمنع ذلك كابن سيرين بل جوزوا الرواية بالمعنى بشروط ليس منها هذا.
قوله قلت قد كان كثير من أكابر المحدثين يعظم الجمع في مجالسهم جدا حتى ربما بلغ ألوافا مؤلفة ويبلغهم عنهم المستملون فيكتبون عنهم بوساطة تبليغ المستملين وأجاز غير واحد لهم رواية ذلك عن المملى ثم قال وأبى آخرون ذلك ثم قال قلت والأول تساهل بعيد انتهى.


______
أطلق المصنف حكاية الخلاف من غير تقييد بكون المملى يسمع لفظ المستملى الذى يملى أم لا والصواب التقييد بما ذكرناه فإن كان الشيخ صحيح السمع بحيث يسمع لفظ المستملى الذى يملى عليه فالسماع صحيح ويجوز له أن يرويه عن المملى دون ذكر الواسطة كما لو سمع على الشيخ بقراءة غيره فإن القارئ والمستملى واحد وإن كان في سمع الشيخ ثقل بحيث لا يسمع لفظ المستملى فإنه لا يسوغ لمن لم يسمع لفظ الشيخ أن يرويه عنه إلا بواسطة المستملى أو المبلغ له عن الشيخ أو المفهم للسامع ما لم يبلغه كما ثبت في الصحيحين من رواية عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: "يكون اثنا عشر أميرا فقال كلمة لم أسمعها فقال أبى إنه قال كلهم من قريش" لفظ البخارى وقال مسلم ثم تكلم بكلمة خفيت على فسألت أبى ماذا قال قال كلهم من قريش فلم يرو جابر بن سمرة الكلمة التى خفيت عليه إلا بواسطة أبيه ويمكن أن يستدل القائلون بالجواز بما رواه مسلم في صحيحه من رواية عامر بن سعد ابن أبى وقاص قال كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامى نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فكتب إلى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة عشية رحم الأسلمى قال: "لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش" فلم يفصل جابر بن سمرة الكلمة التى لم يسمعها من النبي صلى الله عليه وسلم وقد يجاب عنه بأمور:
أحدها : أنه يحتمل أن بعض الرواة أدرجه وفصلها الجمور وهم عبد الملك بن عمير والشعبى وحصين وسماك بن حرب ووصله عامر.
والثانى: أنه قد اتفق الشيخان على رواية الفصل وانفرد مسلم برواية الوصل.
والثالث أن رواية الجمهور سماع لهم من جابر بن سمرة ورواية عامر بن سعد كتابة ليست متصلة بالسماع.
والرابع: أن الإرسال جائز خصوصا إرسال الصحابة عن بعضهم فإن الصحابة كلهم عدول ولهذا كانت مراسيلهم حجة خلافا للاستاذ أبى إسحق الاسفرائينى لأن الصحابة قد يروون عن التابعين والله أعلم.

أو نحوها فكنت أستفهم جليسي فقلت لزائدة فقال لي: لا تحدث منها إلا بما تحفظ بقلبك وسمع أذنك قال: فألقيتها.
وعن أبي نعيم: أنه كان يرى فيما سقط عنه من الحرف الواحد وإلاسم مما سمعه من سفيان و إلاعمش واستفهمه من أصحابه: أن يرويه عن أصحابه لا يرى غير ذلك واسعا له.
قلت: إلاول تساهل بعيد. وقد روينا عن أبي عبد الله بن منده الحافظ إلاصبهاني أنه قال لواحد من أصحابه: يا فلان يكفيك من السماع شمه. وهذا إما متأول أو متروك على قائله. ثم وجدت عن عبد الغني بن سعيد الحافظ عن حمزة بن محمد الحافظ بإسناده عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: يكفيك من الحديث شمه. قال عبد الغني: قال لنا حمزة: يعني إذا سئل عن أول شيء عرفه وليس يعني التسهيل في السماع والله أعلم.
السابع : يصح السماع ممن هو وراء حجاب إذا سمع صوته فيما إذا حدث بلفظه وإذا عرف حضوره بمسمع منه فيما إذا قرئ عليه. وينبغي أن يجوز إلاعتماد في معرفة صوته وحضوره على خبر من يوثق به. وقد كانوا يسمعون من عائشة رضي الله عنها وغيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من وراء حجاب ويروونه عنهن اعتمادا على الصوت. واحتج عبد الغني بن سعيد الحافظ في ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: "أن بلإلا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم" . وروى بإسناده عن شعبة أنه قال: إذا حدثك المحدث فلم تر وجهه فلا ترو عنه فلعله شيطان قد تصور في صورته يقول حدثنا وأخبرنا والله أعلم.
الثامن : من سمع من شيخ حديثا ثم قال له: لا تروه عني أو: لا آذن لك في روايته عني أو قال: لست أخبرك به أو: رجعت عن إخباري إياك به فلا تروه عني غير

مسند ذلك إلى أنه أخطأ فيه أو شك فيه ونحو ذلك بل منعه من روايته عنه مع جزمه بأنه حديثه وروايته فذلك غير مبطل لسماعه ولا مانع له من روايته عنه وسأل الحافظ أبو سعيد بن عليك النيسابوري إلاستاذ أبا إسحاق إلاسفرائيني رحمها الله عن محدث خص بالسماع قوما فجاء غيرهم وسمع منه من غير علم المحدث به هل يجوز له رواية ذلك عنه ؟ فأجاب: بأنه يجوز. ولو قال المحدث: إني أخبركم ولا أخبر فلانا لم يضره والله أعلم.
القسم الثالث من أقسام طرق نقل الحديث وتحمله: الإجازة وهي متنوعة أنواعا:
أولها : أن يجيز لمعين في معين مثل أن يقول أجزت لك الكتاب الفلاني أو: ما اشتملت عليه فهرستي هذه فهذا على أنواع الإجازة المجردة عن المناولة. وزعم بعضهم أنه لا خلاف في جوازها ولا خالف فيها أهل الظاهر. وإنما خلافهم في غير هذا النوع. وزاد القاضي أبو الوليد الباجي المالكي فأطلق نفي الخلاف وقال: لا خلاف في جواز الرواية بالإجازة من سلف هذه إلامة وخلفها وادعى إلاجماع من غير تفصيل وحكى الخلاف في العمل بها.
قلت: هذا باطل فقد خالف في جواز الرواية بالإجازة جماعات من أهل الحديث والفقهاء وإلاصوليين وذلك إحدى الروايتين عن الشافعي رضي الله عنه. روي عن صاحبه الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي لا يرى الإجازة في الحديث. قال الربيع: أنا أخالف الشافعي في هذا
وقد قال بإبطالها جماعة من الشافعيين منهم: القاضيان حسين بن محمد المروروذي و أبو الحسن الماوردي وبه قطع الماوردي في كتابه الحاوي وعزاه إلى مذهب الشافعي وقإلا جميعا: لو جازت الإجازة لبطلت الرحلة. وروي أيضا هذا الكلام عن شعبة وغيره.
وممن أبطلها من أهل الحديث إلامام إبراهيم بن إسحاق الحربي و أبو محمد

عبد الله بن محمد إلاصبهاني الملقب بأبي الشيخ و الحافظ أبو نصر الوايلي السجزي. وحكى أبو نصر فسادها عن بعض من لقيه. قال أبو نصر: وسمعت جماعة من أهل العلم يقولون: قول المحدث قد أجزت لك أن تروي عني تقديره أجزت لك ما لا يجوز في الشرع لأن الشرع لا يبيح رواية ما لم يسمع.
قلت: ويشبه هذا ما حكاه أبو بكر محمد بن ثابت الخجندي أحد من أبطل الإجازة من الشافعية عن أبي طاهر الدباس أحد أئمة الحنفية قال: من قال لغيره أجزت لك أن تروي عني ما لم تسمع فكأنه يقول أجزت لك أن تكذب علي ثم إن الذي استقر عليه العمل وقال به جماهير أهل العلم من أهل الحديث وغيرهم: القول بتجويز الإجازة وإباحة الرواية بها وفي إلاحتجاج لذلك غموض. ويتجه أن يقول: إذا أجاز له أن يروي عنه مروياته و قد أخبره بها جملة فهو كما لو أخبره تفصيلا وإخباره بها غير متوقف على التصريح نطقا كما في القراءة على الشيخ كما سبق وإنما الغرض حصول إلافهام والفهم وذلك يحصل بالإجازة المفهمة والله أعلم.
ثم إنه كما تجوز الرواية بالإجازة يجب العمل بالمروي بها خلافا لمن قال من أهل الظاهر ومن تابعهم: إنه لا يجب العمل به وإنه جار مجرى المرسل. وهذا باطل لأنه ليس في الإجازة ما يقدح في اتصال المنقول بها وفي الثقة به والله أعلم.
النوع الثاني: من أنواع الإجازة: أن يجيز لمعين في غير معين مثل أن يقول: أجزت لك أو: لكم جميع مسموعاتي أو: جميع مروياتي وما أشبه ذلك. فالخلاف في هذا النوع أقوى وأكثر. والجمهور من العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم على تجويز الرواية بها أيضا وعلى إيجاب العمل بما روي بها بشرطه والله أعلم.

النوع الثالث- من أنواع الإجازة:
أن يجيز لغير معين بوصف العموم مثل أن يقول أجزت للمسلمين أو: أجزت لكل أحد أو: أجزت لمن أدرك زماني وما أشبه ذلك فهذا نوع تكلم فيه المتأخرون ممن جوز أصل الإجازة واختلفوا في جوازه.
______
النوع الثالث من أنواع الإجازة أن يجيز لغير معين بوصف العموم.
"
قوله" فإن كان ذلك مقيدا بوصف حاصر أو نحوه فهو إلى الجواز أقرب انتهى.
تقدم أن المصنف اختار عدم صحة الإجازة العامة وقال في هذه الصورة منها أنها أقرب إلى الجواز فلم يظهر من كلامه في هذه الصورة المنع أو الصحة والصحيح في هذه الصورة الصحة فقد قال القاضى عياض في كتاب الإلماع ما أحسبهم اختلفوا في جوازه ممن تصح عنده الإجازة ولا رأيت منعه لأحد لأنه محصور موصوف كقوله لأولاد فلان أو أخوة فلان.
"
قوله" قلت ولم نر ولم نسمع عن أحد ممن يقتدى به أنه استعمل هذه الإجازة فروى بها ولا عن الشرذمة المستأخرة الذين سوغوها والإجازة في أصلها ضعف وتزداد بهذا التوسع والاسترسال ضعفا كثيرا لا ينبغى احتماله والله أعلم انتهى.
وفيه أمور: أحدها : أنه اعترض على المصنف بأن الظاهر من كلام مصححها جواز الرواية بها وهذا مقتضى صحتها وأى فائدة لها غير الرواية بها انتهى.
ولا يحسن هذا الاعتراض على المصنف فإنه إنما أنكر أن يكون رأى أو سمع عن أحد أنه استعملها فروى بها ولا يلزم من ترك استعمالهم للرواية بها عدم صحتها إما لاستغنائهم عنها بالسماع أو احتياطا للخروج من خلاف من منع الرواية بها.
الأمر الثانى: أن ما رجحه المصنف من عدم صحتها خالفه فيه جمهور المتأخرين وصححه النووى في الروضه من زياداته فقال الأصح جوازها انتهى.

فإن كان ذلك مقيدا بوصف حاصر أو نحوه فهو إلى الجواز أقرب. وممن جوز ذلك كله الخطيب أبو بكر الحافظ. وروينا عن أبي عبد الله بن منده الحافظ أنه قال: أجزت لمن قال لا إله إلا الله. وجوز القاضي أبو الطيب الطبري أحد الفقهاء المحققين فيما حكاه عنه الخطيب الإجازة لجميع المسلمين من كان منهم موجودا عند الإجازة.
وأجاز أبو محمد بن سعيد أحد الجلة من شيوخ إلاندلس: لكل من دخل قرطبة من طلبة العلم. ووافقه على جواز ذلك منهم أبو عبد الله بن عتاب رضي الله عنهم. وأنبأني من سأل الحازمي أبا بكر عن الإجازة العامة هذه فكان من جوابه:
__________
وممن أجازها أبو الفضح أحمد بن الحسين بن خيرون البغدادى وأبو الوليد ابن رشد من أئمة المالكية وأبو طاهر السلفي وخلائق كثيرون جمعهم الحافظ أبو جعفر محمد بن الحسين بن أبى البدر الكاتب البغدادى في جزء كبير رتب أسماءهم فيه على حروف المعجم لكثرتهم ورجحه أيضا أبو عمرو بن الحاجب من أئمة المالكية الأصولين.
الأمر الثالث أن المصنف ذكر أنه لم ير ولم يسمع أن أحدا ممن يقتدى به روى بها وقد أحسن من وقف عندما انتهى إليه ومع هذا فقد روى بها بعض الأئمة المتقدمين على ابن الصلاح كالحافظ أبى بكر محمد بن خير بن عمر الأموى بفتح الهمزة الأشبيلى خال أبى القاسم السهيلى فروى في برنامجه المشهور بالإجازة العامة وحدث بها من الحفاظ المتأخرين الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطى بإجازته العامة من المؤيد الطوسى وسمع بها الحفاظ أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزى وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبى وأبو محمد القاسم بن محمد البرزالى على الركن الطاووسى بإجازته العامة من أبى جعفر الصيدلانى وغيره وقرأ بها شيخنا الحافظ أبو سعيد العلائى على أبى العباس أحمد ابن نعمة بإجازته العامة من داود بن معمر بن الفاخر وبالجملة ففي النفس من الرواية بها شئ الاحتياط ترك الرواية بها والله أعلم.

أن من أدركه من الحفاظ نحو أبي العلاء الحافظ وغيره كانوا يميلون إلى الجواز والله أعلم.
قلت: ولم نر ولم نسمع عن أحد ممن يقتدى به: أنه استعمل هذه الإجازة فروى بها ولا عن الشرذمة المستأخرة الذين سوغوها. والإجازة في أصلها ضعف وتزداد بهذا التوسع وإلاسترسال ضعفا كثيرا لا ينبغي احتماله والله أعلم.
النوع الرابع- من أنواع الإجازة: الإجازة للمجهول أو بالمجهول.
ويتشبث بذيلها الإجازة المعلقة بالشرط. وذلك مثل أن يقول أجزت لمحمد بن خالد الدمشقي. وفي وقته ذلك جماعة مشتركون في هذا إلاسم والنسب ثم لا يعين المجاز له منهم. أو يقول أجزت لفلان أن يروي عني كتاب السنن وهو يروي جماعة من كتب السنن المعروفة بذلك ثم لا يعين فهذه إجازة فاسدة لا فائدة لها وليس من هذا القبيل ما إذا أجاز لجماعة مسمين معينين بأنسابهم والمجيز جاهل بأعيانهم غير عارف بهم فهذا غير قادح كما لا يقدح عدم معرفته به إذا حضر شخصه في السماع منه والله أعلم.
وإن أجاز للمسلمين المنتسبين في إلاستجازة ولم يعرفهم بأعيانهم ولا بأنسابهم ولم يعرف عددهم ولم يتصفح أسماءهم واحدا فواحدا فينبغي أن يصح ذلك أيضا كما يصح سماع من حضر مجلسه للسماع منه وإن لم يعرفهم أصلا ولم يعرف عددهم ولا تصفح أشخاصهم واحدا واحدا.
وإذا قال أجزت لمن يشاء فلان أو نحو ذلك فهذا فيه جهالة وتعليق بشرط فالظاهر أنه لا يصح وبذلك أفتى القاضي أبو الطيب الطبري الشافعي إذ سأله الخطيب الحافظ عن ذلك وعلل بأنه إجازة لمجهول فهو كقوله أجزت لبعض الناس من غير تعيين.

وقد يعلل ذلك أيضا بما فيها من التعليق بالشرط فإن ما يفسد بالجهالة يفسد بالتعليق على ما عرف عند قوم.
وحكى الخطيب عن أبي يعلي بن الفراء الحنبلي و أبي الفضل بن عمروس المالكي أنهما أجازا ذلك وهؤلاء الثلاثة كانوا مشايخ مذاهبهم ببغداد إذ ذاك وهذه الجهالة ترتفع في ثاني الحال عند وجود المشيئة بخلاف الجهالة الواقعة فيما إذا أجاز لبعض الناس. وإذا قال: أجزت لمن شاء فهو كما لو قال أجزت لمن شاء فلان بل هذه أكثر جهالة وانتشارا من حيث إنها معلقة بمشيئة من لا يحصر عددهم بخلاف تلك. ثم هذا فيما إذا أجاز لمن شاء الإجازة منه له.
فإن أجاز لمن شاء الرواية عنه فهذا أولى بالجواز من حيث إن مقتضى كل إجازة تفويض الرواية بها إلى مشيئة المجاز له فكان هذا مع كونه بصيغة التعليق
________
النوع الرابع- من أنواع الإجازة للمجهول أو بالمجهول.
"
قوله" فإن أجاز لمن شاء الرواية عنه فهذا أولى بالجواز من حيث أن مقتضى كل إجازة تفويض الرواية بها إلى مشيئة المجاز له فكان هذا مع كونه بصيغة التعليق تصريحا بما يقتضيه الإطلاق وحكاية للحال لا تعليقا في الحقيقة ولهذا أجاز بعض أئمة الشافعيين في البيع بعتك هذا بكذا إن شئت فيقول انتهى.
ولم يبين المصنف أيضا تصحيحا في هذه الصورة بل جعلها أولى بالجواز والصحيح فيها عدم الصحة وقياس المصنف لهذه الصورة على تجويز بعض الأئمة قول القائل بعتك هذا بكذا إن شئت ليس بجيد والفرق بين المسألتين أن المبتاع معين في مسألة البيع والشخص المجاز مبهم في مسألة الإجازة وإنما وزان مسألة البيع أن يقول أجزت لك أن تروى عنى إن شئت الرواية عنى فإن الأظهر الأقوى في هذه الصورة الجواز كما ذكره المصنف بعد ذلك وفي مسألة البيع التى قاس عليها المصنف مسألة الإجازة وجهان حكاهما الرافعى وقال أظهرهما أنه ينعقد.

تصريحا بما يقتضيه الإطلاق وحكاية للحال لا تعليقا في الحقيقة. ولهذا أجاز بعض أئمة الشافعيين في البيع أن يقول: بعتك هذا بكذا إن شئت فيقول: قبلت.
ووجد بخط أبي الفتح محمد بن الحسين إلازدي الموصلي الحافظ أجزت رواية ذلك لجميع من أحب أن يروي ذلك عني.
أما إذا قال أجزت لفلان كذا و كذا إن شاء روايته عني أو: لك إن شئت أو أحببت أو أردت فإلاظهر إلاقوى أن ذلك جائز إذ قد انتفت فيه الجهالة وحقيقة التعليق ولم يبق سوى صيغته والعلم عند الله تعالى.
النوع الخامس- من أنواع الإجازة: الإجازة للمعدوم. ولنذكر معه الإجازة للطفل الصغير.
هذا نوع خاض فيه قوم من المتأخرين واختلفوا في جوازه ومثاله: أن يقول: أجزت لمن يولد لفلان
فإن عطف المعدوم في ذلك على الموجود بأن قال: أجزت لفلان ولمن يولد له أو: أجزت لك ولولدك ولعقبك ما تناسلوا كان ذلك أقرب إلى الجواز من الأول.
ولمثل ذلك أجاز أصحاب الشافعي رضي الله عنه في الوقف القسم الثاني دون الأول.
وقد أجاز أصحاب مالك و أبي حنيفة رضي الله عنهما أو من قال ذلك منهم في الوقف القسمين كليهما وفعل هذا الثاني في الإجازة من المحدثين المتقدمين أبو بكر بن أبي داود السجستاني فإنا روينا عنه أنه سئل الإجازة فقال: قد أجزت لك ولأولادك ولحبل الحبلة. يعني الذين لم يولدوا بعد.
وأما الإجازة للمعدوم ابتداء من غير عطف على موجود: فقد أجازها الخطيب

أبو بكر الحافظ وذكر أنه سمع أبا يعلى بن الفراء الحنبلي و أبا الفضل بن عمروس المالكي يجيزان ذلك. وحكى جواز ذلك أيضا أبو نصر بن الصباغ الفقيه فقال: ذهب قوم إلى أنه يجوز أن يجيز لمن يخلق. قال: وهذا إنما ذهب إليه من يعتقد أن الإجازة إذن في الرواية لا محادثة. ثم بين بطلان هذه الإجازة وهو الذي استقر عليه رأي شيخه القاضي أبي الطيب الطبري إلامام وذلك هو الصحيح الذي لا ينبغي غيره لأن الإجازة في حكم إلاخبار جملة بالمجاز على ما قدمناه في بيان صحة أصل الإجازة فكما لا يصح إلاخبار للمعدوم لا تصح الإجازة للمعدوم. ولو قدرنا أن الإجازة إذن فلا يصح أيضا ذلك للمعدوم كما لا يصح إلاذن في باب الوكالة للمعدوم لوقوعه في حالة لا يصح فيها المأذون فيه من المأذون له.
وهذا أيضا يوجب بطلان الإجازة للطفل الصغير الذي لا يصح سماعه قال الخطيب: سألت القاضي أبا الطيب الطبري عن الإجازة للطفل الصغير هل يعتبر في صحتها سنه أو تمييزه كما يعتبر ذلك في صحة سماعه ؟ فقال: لا يعتبر ذلك. قال: فقلت له: أن بعض أصحابنا قال: لا تصح الإجازة لمن لا يصح سماعه. فقال: قد يصح أن يجيز ذلك للغائب عنه ولا يصح السماع له.
واحتج الخطيب لصحتها للطفل: بأن الإجازة إنما هي إباحة المجيز للمجاز له أن يروي عنه وإلاباحة تصح للعاقل وغير العاقل.
قال وعلى هذا رأينا كافة شيوخنا يجيزون للأطفال الغيب عنهم من غير أن يسألوا عن مبلغ أسنانهم وحال تمييزهم. ولم نرهم أجازوا لمن يكن مولودا في الحال.
قلت: كأنهم رأوا الطفل أهلا لتحمل هذا النوع من أنواع تحمل الحديث ليؤدي به بعد حصول أهليته حرصا على توسيع السبيل إلى بقاء الإسناد الذي اختصت به هذه إلامة وتقريبه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

النوع السادس- من أنواع الإجازة:
إجازة ما لم يسمعه المجيز ولم يتحمله أصلا بعد ليرويه المجاز له إذا تحمله المجيز بعد ذلك أخبرني من أخبر عن القاضي عياض بن موسى من فضلاء وقته بالمغرب قال: هذا لم أر من تكلم عليه من المشايخ ورأيت بعض المتأخرين والعصريين يصنعونه.
ثم حكى عن أبي الوليد يونس بن مغيث قاضي قرطبة: أنه سئل الإجازة بجميع ما رواه إلى تاريخها وما يرويه بعد فامتنع من ذلك فغضب السائل. فقال له بعض أصحابه: يا هذا يعطيك ما لم يأخذه ؟ هذا محال قال عياض: وهذا هو الصحيح.
قلت: ينبغي أن يبنى هذا على أن الإجازة في حكم إلاخبار بالمجاز جملة أو: هي إذن ؟ فإن جعلت في حكم إلاخبار لم تصح هذه الإجازة إذ كيف يخبر بما لا خبر عنده منه. وإن جعلت إذنا انبنى هذا على الخلاف في تصحيح إلاذن في باب الوكالة فيما لم يملكه إلاذن الموكل بعد مثل أن يوكل في بيع العبد الذي يريد أن يشتريه. وقد أجاز ذلك بعض أصحاب الشافعي والصحيح بطلان هذه الإجازة. وعلى هذا يتعين على من يريد أن يروي بالإجازة عن شيخ أجاز له جميع مسموعاته مثلا: أن يبحث حتى يعلم أن ذاك الذي يريد روايته عنه مما سمعه قبل تاريخ هذه الإجازة. وأما إذا قال: أجزت لك ما صح ويصح عندك من مسموعاتي فهذا ليس من هذا القبيل. وقد فعله الدارقطني وغيره. وجائز أن يروي بذلك عنه ما صح عنده بعد الإجازة أنه سمعه قبل الإجازة. ويجوز ذلك وإن اقتصر على قوله: ما صح عندك ولم يقل وما يصح لأن المراد: أجزت لك أن تروي عني ما صح عندك. فالمعتبر إذا فيه صحة ذلك عنده حالة الرواية. والله أعلم.

النوع السابع- من أنواع الإجازة:
إجازة المجاز. مثل أن يقول الشيخ أجزت لك مجازاتي. أو: أجزت لك رواية ما أجيز لي روايته فمنع من ذلك بعض من لا يعتد به من المتأخرين.
والصحيح والذي عليه العمل أن ذلك جائز ولا يشبه ذلك ما امتنع من توكيل الوكيل بغير إذن الموكل. ووجدت عن أبي عمرو السفاقسي الحافظ المغربي قال: سمعت أبا نعيم الحافظ إلاصبهاني يقول: الإجازة على الإجازة قوية جائزة.
وحكى الخطيب الحافظ تجويز ذلك عن الحافظ إلامام أبي الحسن الدارقطني و الحافظ أبي العباس المعروف بابن عقدة الكوفي وغيرهما. وقد كان الفقيه الزاهد نصر بن إبراهيم المقدسي يروي بالإجازة عن الإجازة حتى ربما والى في روايته بين إجازات ثلاث وينبغي لمن يروي بالإجازة عن الإجازة أن يتأمل كيفية إجازة شيخ شيخه ومقتضاها حتى لا يروي بها ما لم يندرج تحتها. فإذا كان مثلا صورة إجازة شيخ شيخه أجزت له ما صح عنده من سماعاتي فرأى شيئا من مسموعات شيخ شيخه فليس له أن يروي ذلك عن شيخه عنه حتى يستبين أنه مما كان قد صح عند شيخه كونه من سماعات شيخه الذي تلك إجازته ولا يكتفي بمجرد صحة ذلك عنده إلان عملا بلفظه وتقييده. ومن لا يتفطن لهذا وأمثاله يكثر عثاره والله أعلم.
هذه أنواع الإجازة التي تمس الحاجة إلى بيانها ويتركب منها أنواع أخر سيتعرف المتأمل حكمها مما أمليناه إن شاء الله تعالى.
ثم إنا ننبه على أمور:
أحدها : روينا عن أبي الحسين أحمد فارس إلاديب المصنف رحمه الله قال: معنى الإجازة في كلام العرب مأخوذ من جواز الماء الذي يسقاه المال من الماشية

والحرث يقال منه: استجزت فلانا فأجاز لي إذا أسقاك ماء لأرضك أو ماشيتك. كذلك طالب العلم: يسأل العالم أن يجيزه علمه فيجيزه إياه.
قلت: فللمجيز على هذا أن يقول أجزت فلانا مسموعاتي أو: مروياتي فيعديه بغير حرف جر من غير حاجة إلى ذكر لفظ الرواية أو نحو ذلك. ويحتاج إلى ذلك من يجعل الإجازة بمعنى التسويغ وإلاذن وإلاباحة وذلك هو المعروف فيقول أجزت لفلان رواية مسموعاتي مثلا ومن يقول منهم أجزت له مسموعاتي فعلى سبيل الحذف الذي لا يخفي نظيره والله أعلم.
الثاني : إنما يستحسن الإجازة إذا كان المجيز عالما بما يجيز والمجاز له من أهل العلم لأنها توسع وترخيص يتأهل له أهل العلم لمسيس حاجتهم إليها. وبالغ بعضهم في ذلك فجعله شرطا فيها. وحكاه أبو العباس الوليد بن بكر المالكي عن مالك رضي الله عنه.
وقال الحافظ أبو عمر: الصحيح أنها لا تجوز إلا لماهر بالصناعة وفي شيء معين لا يشكل إسناده والله أعلم.
الثالث : ينبغي للمجيز إذا كتب أجازته أن يتلفظ بها فإن اقتصر على الكتابة كان ذلك إجازة جائزة إذا اقترن بقصد الإجازة. غير أنها أنقص مرتبة من الإجازة الملفوظ بها. وغير مستبعد تصحيح ذلك بمجرد هذه الكتابة في باب الرواية التي جعلت فيه القراءة على الشيخ مع أنه لم يلفظ بما قرئ عليه إخبارا منه بما قرئ عليه على ما تقدم بيانه والله أعلم.

القسم الرابع من أقسام طرق تحمل الحديث وتلقيه: المناولة.
وهي على نوعين:
أحدهما : المناولة المقرونة بالإجازة وهي أعلى أنواع الإجازة على الإطلاق. ولها صور:
منها: أن يدفع الشيخ إلى الطالب أصل سماعه أو فرعا مقابلا به ويقول هذا سماعي أو: روايتي عن فلان فاروه عني أو: أجزت لك روايته عني ثم يملكه إياه. أو يقول خذه وانسخه وقابل به ثم رده إلي أو نحو هذا.
ومنها: أن يجيء الطالب إلى الشيخ بكتاب أو جزء من حديثه فيعرضه عليه فيتأمله الشيخ وهو عارف متيقظ ثم يعيده إليه ويقول له وقفت على ما فيه وهو حديثي عن فلان أو: روايتي عن شيوخي فيه فاروه عني أو: أجزت لك روايته عني. وهذا قد سماه غير واحد من أئمة الحديث عرضا. وقد سبقت حكايتنا في القراءة على الشيخ أنها تسمى عرضا فلنسم ذلك عرض القراءة وهذا عرض المناولة والله أعلم.
وهذه المناولة المقترنة بالإجازة: حالة محل السماع عند مالك وجماعة من أئمة أصحاب الحديث. وحكى الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري في عرض المناولة المذكور عن كثير من المتقدمين: أنه سماع. وهذا مطرد في سائر ما يماثله من صور المناولة المقرونة بالإجازة. فممن حكى الحاكم ذلك عنهم ابن شهاب الزهري و ربيعة الرأي و يحيى بن سعيد الأنصاري و مالك بن أنس إلامام في آخرين من المدنيين و مجاهد و أبو الزبير و ابن عيينة في جماعة من المكيين وعلقمة وإبراهيم النخعيان والشعبي

في جماعة من الكوفيين وقتادة وأبو العالية وأبو المتوكل الناجي في طائفة من البصريين وابن وهب وابن القاسم وأشهب في طائفة من المصريين وآخرون من الشاميين والخراسانيين ورأى الحاكم طائفة من مشايخه على ذلك وفي كلامه بعض التخليط من حيث كونه خلط بعض ما ورد في عرض القراءة بما ورد في عرض المناولة وساق الجميع مساقا واحدا.
والصحيح: أن ذلك غير حال محل السماع وأنه منحط عن درجة التحديث لفظا وإلاخبار قراءة.
وقد قال الحاكم في هذا العرض: أما فقهاء إلاسلام الذين أفتوا في الحلال والحرام فإنهم لم يروه سماعا وبه قال الشافعي وإلاوزاعي والبويطي والمزني وأبو حنيفة وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وابن المبارك ويحيى بن يحيى وإسحاق بن راهويه. قال: وعليه عهدنا أئمتنا وإليه ذهبوا وإليه نذهب والله أعلم.
_________
القسم الرابع من أقسام طرق تحمل الحديث وتلقيه المناولة.
قوله قال الحاكم في هذا العرض أي عرض المناولة أما فقهاء الإسلام الذين أفتوا في الحلال والحرام فإنهم لم يروه سماعا وبه قال الأوزاعي والشافعي والبويطي والمزني وأبو حنيفة وسفيان الثوري إلى آخر كلامه اعترض على المصنف بذكر أبى حنيفة مع المذكورين فإن من عدا أبا حنيفة يرى صحة المناولة وأنها دون السماع وأما أبو حنيفة فلا يرى صحتها أصلا كما ذكره صاحب القنية فقال إذا أعطاه المحدث الكتاب وأجاز له ما فيه ولم يسمع ذلك ولم يعرفه فعند أبى حنيفة ومحمد لا يجوز روايته وعند أبى يوسف يجوز انتهى.
قلت لم يكتف صاحب القنية في نقله عن أبى حنيفة لعدم الصحة بكونه لم ويسمعه فقط بل زاد على ذلك بقوله ولم يعرفه فإن كان الضمير في يعرفه عائدا على المجاز وهو الظاهر لتتفق الضمائر فمقتضاه أنه إذا عرف المجاز ما أجيز له أنه يصح بخلاف ما ذكر المعترض

ومنها: أن يناول الشيخ الطالب كتابه ويجيز له روايته عنه ثم يمسكه الشيخ عنده ولا يمكنه منه فهذا يتقاعد عما سبق لعدم احتواء الطالب على ما تحمله وغيبته عنه. وجائز له رواية ذلك عنه إذا ظفر بالكتاب أو: بما هو مقابل به على وجه يثق معه بموافقته لما تناولته الإجازة على ما هو معتبر في الإجازات المجردة عن المناولة.
ثم إن المناولة في مثل هذا لا يكاد يظهر حصول مزية بها على الإجازة الواقعة في معين كذلك من غير مناولة. وقد صار غير واحد من الفقهاء والأصوليين إلى أنه لا تأثير لها ولا فائدة. غير أن شيوخ أهل الحديث في القديم والحديث أو من حكي ذلك عنه منهم يرون لذلك مزية معتبرة والعلم عند الله تبارك وتعالى.
ومنها: أن يأتي الطالب الشيخ بكتاب أو جزء فيقول هذا روايتك فناولنيه وأجز لي روايته فيجيبه إلى ذلك من غير أن ينظر فيه ويتحقق روايته لجميعه فهذا لا يجوز ولا يصح.
فإن كان الطالب موثوقا بخبره ومعرفته جاز إلاعتماد عليه في ذلك وكان ذلك
_________
أنه لا يرى صحتها أصلا وإن كان الضمير يعود على الشيخ المجيز فقد ذكر المصنف بعد هذا أن الشيخ إذا لم ينظر ويتحقق روايته لجميعه لا يجوز ولا يصح ثم استثنى ما إذا كان الطالب موثوقا بخبره فإنه يجوز الاعتماد عليه انتهى.
وهذه الصورة لا يوافق على صحتها أبو حنيفة بل لابد أن يكون الشيخ حافظا لحديثه أو ممسكا لأصله وهو الذى صححه إمام الحرمين كما تقدم بل أطلق الآمدي النقل عن أبى حنيفة وأبى يوسف أن الإجازة غير صحيحة والله تعالى أعلم.
ويجوز أن يكون أبو حنيفة وأبو يوسف إنما يمنعان صحة الإجازة الخالية عن المناولة فقد حكى القاضى عياض في كتاب الإلماع عن كافة أهل النقل والآراء والتحقيق من أهل النظر القول بصحة المناولة المقروبة بالإجازة.

إجازة جائزة كما جاز في القراءة على الشيخ إلاعتماد على الطالب حتى يكون هو القارىء من الأصل إذا كان موثوقا به معرفة ودينا.
قال الخطيب أبو بكر رحمه الله: ولو قال حدث بما في هذا الكتاب عني إن كان من حديثي مع براءتي من الغلط والوهم كان ذلك جائزا حسنا والله أعلم.
الثاني : المناولة المجردة عن الإجازة بأن يناوله الكتاب كما تقدم ذكره أولا ويقتصر على قوله هذا من حديثي أو: من سماعاتي ولا يقول اروه عني أو: أجزت لك روايته عني ونحو ذلك
فهذه مناولة مختلة لا تجوز الرواية بها وعابها غير واحد من الفقهاء وإلاصوليين على المحدثين الذين أجازوها وسوغوا الرواية بها.
وحكى الخطيب عن طائفة من أهل العلم: أنهم صححوها وأجازوا الرواية بها وسنذكر إن شاء الله سبحانه وتعالى قول من أجاز الرواية بمجرد إعلام الشيخ الطالب: أن هذا الكتاب سماعه من فلان. وهذا يزيد على ذلك ويترجح بما فيه من المناولة فإنها لا تخلو من إشعار بالإذن في الرواية والله أعلم.
القول في عبارة الراوي بطريق المناولة والإجازة:
حكي عن قوم من المتقدمين ومن بعدهم: أنهم جوزوا إطلاق حدثنا وأخبرنا في الرواية بالمناولة حكي ذلك عن الزهري ومالك وغيرهما وهو لائق بمذهب جميع من سبقت الحكاية عنهم: أنهم جعلوا عرض المناولة المقرونة بالإجازة سماعا. وحكي أيضا عن قوم مثل ذلك في الرواية بالإجازة.
وكان الحافظ أبو نعيم إلاصبهاني صاحب التصانيف الكثيرة في علم الحديث يطلق أخبرنا فيما يرويه بالإجازة. روينا عنه أنه قال: أنا إذا قلت حدثنا فهو سماعي وإذا قلت أخبرنا على الإطلاق فهو إجازة من غير أن أذكر فيه إجازة

أو كتابة أو كتب إلي. أو أذن لي في الرواية عنه.
وكان أبو عبيد الله المرزباني إلاخباري صاحب التصانيف في علم الخبر يروي أكثر ما في كتبه إجازة من غير سماع ويقول في الإجازة أخبرنا ولا يبينها وكان ذلك فيما حكاه الخطيب مما عيب به.
والصحيح والمختار الذي عليه عمل الجمهور وإياه اختار أهل التحري والورع المنع في ذلك من إطلاق حدثنا وأخبرنا ونحوهما من العبارات وتخصيص ذلك بعبارة تشعر به بأن يقيد هذه العبارات فيقول: أخبرنا أو: حدثنا فلان مناولة وإجازة أو: أخبرنا إجازة أو: أخبرنا مناولة أو: أخبرنا إذنا أو: في إذنه أو: فيما أذن لي فيه أو: فيما أطلق لي روايته عنه. أو يقول: أجاز لي فلان أو: أجازني فلان كذا وكذا أو: ناولني فلان وما أشبه ذلك من العبارات وخصص قوم الإجازة بعبارات لم يسلموا فيها من التدليس أو طرف منه كعبارة من يقول في الإجازة أخبرنا مشافهة إذا كان قد شافهه بالإجازة لفظا كعبارة من يقول أخبرنا فلان كتابة أو: فيما كتب إلي أو: في كتابه إذا كان قد أجازه بخطه. فهذا وإن تعارفه في ذلك طائفة من المحدثين المتأخرين فلا يخلو عن طرف من التدليس لما فيه من الاشتراك والاشتباه بما إذا كتب إليه ذلك الحديث بعينه.
وورد عن الأوزاعي أنه خصص الإجازة بقوله خبرنا بالتشديد والقراءة عليه بقوله أخبرنا واصطلح قوم من المتأخرين على إطلاق أنبأنا في الإجازة وهو الوليد ابن بكر صاحب الوجازة في الإجازة.
وقد كان أنبأنا عند القوم فيما تقدم بمنزلة أخبرنا وإلى هذا نحا الحافظ المتقن

أبو بكر البيهقي إذ كان يقول أنبأني فلان إجازة وفيه أيضا رعاية لاصطلاح المتأخرين والله أعلم.
وروينا عن الحاكم أبي عبد الله الحافظ رحمه الله أنه قال: الذي أختاره وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري: أن يقول فيما عرض على المحدث فأجاز له روايته شفاها أنبأني فلان وفيما كتب إليه المحدث من مدينة ولم يشافهه بالإجازة كتب إلي فلان.
وروينا عن أبي عمرو بن أبي جعفر بن حمدان النيسابوري قال: سمعت أبي يقول: كل ما قال البخاري قال لي فلان فهو عرض ومناولة.
قلت: وورد عن قوم من الرواة التعبير عن الإجازة بقول أخبرنا فلان أن فلانا حدثه أو: أخبره. وبلغنا ذلك عن إلامام أبي سليمان الخطابي أنه اختاره أو حكاه وهذا اصطلاح بعيد عن إلاشعار بالإجازة وهو فيما إذا سمع منه الإسناد فحسب وأجاز له ما رواه قريب فإن كلمة أن في قوله أخبرني فلان أن فلانا أخبره فيها إشعار بوجود أصل إلاخبار وإن أجمل المخبر به ولم يذكره تفصيلا.
قلت: وكثيرا ما يعبر الرواة المتأخرون عن الإجازة الواقعة في رواية من فوق الشيخ المسمع بكلمة عن فيقول أحدهم إذا سمع على شيخ بإجازته عن شيخه قرأت على فلان عن فلان وذلك قريب فيما إذا كان قد سمع منه بإجازته عن شيخه إن لم يكن سماعا فإنه شاك.
وحرف عن مشترك بين السماع والإجازة صادق عليهما والله أعلم.
ثم اعلم: أن المنع من إطلاق حدثنا وأخبرنا في الإجازة لا يزول بإباحة المجيز لذلك كما اعتاده قوم من المشايخ من قولهم في إجازتهم لمن يجيزون له إن شاء قال

حدثنا وإن شاء قال أخبرنا فليعلم ذلك والعلم عند الله تبارك وتعالى.
القسم الخامس: من أقسام طرق نقل الحديث وتلقيه: المكاتبة:
وهي أن يكتب الشيخ إلى الطالب وهو غائب شيئا من حديثه بخطه أو يكتب له ذلك وهو حاضر. ويلتحق بذلك ما إذا أمر غيره بأن يكتب له ذلك عنه إليه وهذا القسم ينقسم أيضا إلى نوعين:
أحدهما: أن تتجرد المكاتبة عن الإجازة والثاني: أن تقترن بالإجازة بأن يكتب إليه ويقول أجزت لك ما كتبته لك أو: ما كتبت به إليك أو نحو ذلك من عبارات الإجازة.
أما إلاول: وهو ما إذا اقتصر على المكاتبة: فقد أجاز الرواية بها كثير من المتقدمين والمتأخرين منهم أيوب السختياني و منصور و الليث بن سعد وقاله غير واحد من الشافعيين وجعلها أبو المظفر السمعاني منهم أقوى من الإجازة وإليه صار غير واحد من إلاصوليين وأبى ذلك قوم آخرون. وإليه صار من الشافعيين القاضي الماوردي وقطع به في كتابه الحاوي والمذهب إلاول هو الصحيح المشهور بين أهل الحديث. وكثيرا ما يوجد في مسانيدهم ومصنفاتهم قولهم كتب إلي فلان قال: حدثنا فلان والمراد به هذا. وذلك معمول به عندهم معدود في المسند الموصول. وفيها إشعار قوي بمعنى الإجازة فهي وإن لم تقترن بالإجازة لفظا فقد تضمنت الإجازة معنى ثم يكفي في ذلك أن يعرف المكتوب إليه خط الكاتب وإن لم تقم البينة عليه ومن الناس من قال: الخط يشبه الخط فلا يجوز إلاعتماد على ذلك. وهذا غير مرضي لأن ذلك نادر والظاهر: أن خط إلانسان لا يشتبه بغيره ولا يقع فيه التباس.
ثم ذهب غير واحد من علماء المحدثين وأكابرهم منهم الليث بن سعد و منصور: إلى جواز إطلاق حدثنا وأخبرنا في الرواية بالمكاتبة والمختار: قول من يقول فيها

كتب إلي فلان قال: حدثنا فلان بكذا وكذا وهذا هو الصحيح اللائق بمذاهب أهل التحري والنزاهة. وهكذا لو قال أخبرني به مكاتبة أو كتابة ونحو ذلك من العبارات أما المكاتبة المقرونة بلفظ الإجازة: فهي في الصحة والقوة شبيهة بالمناولة المقرونة بالإجازة والله أعلم.
القسم السادس: من أقسام الأخذ ووجوه النقل إعلام الراوي للطالب بأن هذا الحديث أو هذا الكتاب سماعه من فلان أو روايته. مقتصرا على ذلك من غير أن يقول اروه عني أو: أذنت لك في روايته ونحو ذلك فهذا عند كثيرين طريق مجوز لرواية ذلك عنه ونقله.
حكي ذلك عن ابن جريج وطوائف من المحدثين والفقهاء والأصليين والظاهريين وبه قطع أبو نصر بن الصباغ من الشافعيين واختاره ونصره أبوالعباس الوليد بن بكر الغمري المالكي في كتاب الوجازة في تجويز الإجازة.
وحكى القاضي أبو محمد بن خلاد الرامهرمزي صاحب كتاب الفاصل بين الراوي والواعي عن بعض أهل الظاهر: أنه ذهب إلى ذلك واحتج له. وزاد فقال: لو قال له هذه روايتي لكن لا تروها عني كان له أن يرويها عنه كما لو سمع منه حديثا ثم قال له لا تروه عني ولا أجيزه لك لم يضره ذلك ووجه مذهب هؤلاء اعتبار ذلك بالقراءة على الشيخ فإنه إذا قرأ عليه شيئا من حديثه وأقر بأنه روايته عن فلان بن فلان جاز له أن يرويه عنه وإن لم يسمعه من لفظه ولم يقل له اروه عني أو: أذنت لك في روايته عني والله أعلم.
والمختار: ما ذكر عن غير واحد من المحدثين وغيرهم من: أنه لا تجوز الرواية بذلك. وبه قطع الشيخ أبو حامد الطوسي من الشافعيين ولم يذكر غير ذلك. وهذا لأنه قد يكون ذلك مسموعه وروايته ثم لا يأذن له في روايته عنه لكونه لا يجوز

روايته لخلل يعرفه فيه ولم يوجد منه التلفظ به ولا ما يتنزل منزلة تلفظه به وهو تلفظ القارئ عليه وهو يسمع ويقر به حتى يكون قول الراوي عنه السامع ذلك حدثنا وأخبرنا صدقا وإن لم يأذن له فيه وإنما هذا كالشاهد إذا ذكر في غير مجلس الحكم شهادته بشيء فليس لمن سمعه أن يشهد على شهادته إذا لم يأذن له ولم يشهده على شهادته وذلك مما تساوت فيه الشهادة والرواية لأن المعنى يجمع بينهما في ذلك وإن افترقا في غيره ثم إنه يجب عليه العمل بما ذكره له إذا صح إسناده وإن لم تجز له روايته عنه لأن ذلك يكفي فيه صحته في نفسه والله أعلم.
القسم السابع من أقسام إلاخذ والتحمل: الوصية بالكتب أن يوصي الراوي بكتاب يرويه عند موته أو سفره لشخص.
فروي عن بعض السلف رضي الله تعالى عنهم: أنه جوز بذلك رواية الموصى له لذلك عن الموصي الراوي. وهذا بعيد جدا وهو إما زلة عالم أو متأول على أنه أراد الرواية على سبيل الوجادة التي يأتي شرحها إن شاء الله تعالى.
وقد احتج بعضهم لذلك فشبهه بقسم إلاعلام وقسم المناولة ولا يصح ذلك فإن لقول من جوز الرواية بمجرد إلاعلام والمناولة مستندا ذكرناه لا يتقرر مثله ولا قريب منه ههنا والله أعلم.

القسم الثامن الوجادة:
وهي مصدر ل وجد يجد مولد غير مسموع من العرب.
روينا عن المعافي بن زكريا النهرواني العلامة في العلوم: أن المولدين فرعوا قولهم وجادة فيما أخذ من العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازة ولا مناولة من تفريق العرب بين مصادر وجد للتمييز بين المعاني المختلفة يعني قولهم وجد ضالته وجدنا ومطلوبه وجودا وفي الغضب موجدة وفي الغنى وجدا وفي الحب وجدا.
مثال الوجادة: أن يقف على كتاب شخص فيه أحاديث يرويها بخطه ولم يلقه أو: لقيه ولكن لم يسمع منه ذلك الذي وجده بخطه ولا له منه إجازة ولا نحوها.
______
القسم الثامن الوجادة
"
قوله" روينا عن المعافي بن عمران أن المولدين فزعوا قولهم وجادة فيما أخذ من العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازة ولا مناولة من تفريق العرب بين مصادر وجد للتمييز بين المعانى المختلفة يعنى قولهم وجد ضالته وجدانا ومطلوبه وجودا وفي الغضب موجدة وفي الغنى وجدا وفي الحب وجدا انتهى.
ذكر المصنف خمسة مصادر مسموعة لوجد باختلاف معانيه وبقى عليه ثلاثة مصادر أحدها وجده في الغضب وفي الغنى أيضا وفي المطلوب أيضا والثانى إجدان بكسر الهمزة في الضالة وفي المطلوب أيضا حكاها صاحب المحكم في الضالة فقط ووجد بكسر الواو في الغنى واقتصر المصنف في كل معنى من المعانى المذكورة على مصدر واحد وقد تقدم أن للضالة مصدرا آخر وهو إجدان وللمطلوب خمسة مصادر أخر وهى جدة كما تقدم ووجد بالفتح ووجد بالضم ووجدان وإجدان وللغضب ثلاثة مصارد أخر وجد بالفتح ووجدة ووجدان كما تقدم وللغنى مصدران آخران وجد بالكسر أيضا وجدة.
"
قوله" مثال الوجادة أن يقف على كتاب شخص فيه أحاديث يرويها بخطه ولم

فله أن يقول وجدت بخط فلان أو: قرأت بخط فلان أو: في كتاب فلان بخطه: أخبرنا فلان بن فلان ويذكر شيخه ويسوق سائر الإسناد والمتن. أو: يقول وجدت أو: قرأت بخط فلان عن فلان ويذكر الذي حدثه ومن فوقه هذا الذي استمر عليه العمل قديما وحديثا وهو من باب المنقطع والمرسل غير أنه أخذ شوبا من الاتصال بقوله وجدت بخط فلان.
وربما دلس بعضهم فذكر الذي وجد خطه وقال فيه عن فلان أو: قال فلان وذلك تدليس قبيح إذا كان بحيث يوهم سماعه منه على ما سبق في نوع التدليس وجازف بعضهم فأطلق فيه حدثنا وأخبرنا وانتقد ذلك على فاعله وإذا وجد حديثا في تأليف شخص وليس بخطه فله أن يقول ذكر فلان أو: قال فلان: أخبرنا فلان أو: ذكر فلان عن فلان. وهذا منقطع لم يأخذ شوبا من الاتصال.
وهذا كله إذا وثق بأنه خط المذكور أو كتابه فإن لم يكن كذلك فليقل بلغني عن فلان أو: وجدت عن فلان أو: نحو ذلك من العبارات. أو ليفصح بالمستند فيه بأن يقول ما قاله بعض من تقدم قرأت في كتاب فلان بخطه وأخبرني فلان أنه بخطه أو يقول وجدت في كتاب ظننت أنه بخط فلان أو: في كتاب ذكر كاتبه أنه فلان بن فلان أو في كتاب قيل إنه بخط فلان.
_________
يلقه أو لقيه ولكن لم يسمع منه ذلك الذي وجده بخطه ولا له منه إجازة ولا نحوها إلى آخر كلامه قلت اشتراط المصنف في الوجادة أن يكون ذلك الشيخ الذي وجد ذلك الموجود بخطه لا إجازة له منه ليس بجيد ولذلك لم يذكره القاضي عياض في حد الوجادة في كتاب الإلماع وجرت عادة أهل الحديث باستعمال الوجادة مع الإجازة فيقول أحدهم وجدت بخط فلان وإجازه لى وكأن المصنف إنما أراد بيان الوجادة الخالية عن الإجازة هل هي مستند صحيح في الرواية أو لا وحكى الخلاف فيه والله أعلم.

وإذا أراد أن ينقل من كتاب منسوب إلى مصنف فلا يقل قال فلان كذا وكذا إلا إذا وثق بصحة النسخة بأن قابلها هو أو ثقة غيره بأصول متعددة كما نبهنا عليه في آخر النوع إلاول. وإذا لم يوجد ذلك ونحوه فليقل بلغني عن فلان أنه ذكر كذا وكذا أو: وجدت في نسخة من الكتاب الفلاني وما أشبه هذا من العبارات.
وقد يتسامح أكثر الناس في هذه إلازمان بإطلاق اللفظ الجازم في ذلك من غير تحر وتثبت فيطالع أحدهم كتابا منسوبا إلى مصنف معين وينقل منه عنه من غير أن يثق بصحة النسخة قائلا قال فلان كذا وكذا أو: ذكر فلان كذا وكذا والصواب ما قدمناه: فإن كان المطالع عالما فطنا بحيث لا يخفي عليه في الغالب مواضع إلاسقاط والسقط وما أحيل عن جهته إلى غيرها رجونا أن يجوز له إطلاق اللفظ الجازم فيما يحكيه من ذلك. وإلى هذا فيما احسب استروح كثير من المصنفين فيما نقلوه من كتب الناس والعلم عند الله تعالى. هذا كله كلام في كيفية النقل بطريق الوجادة.
وأما جواز العمل اعتمادا على ما يوثق به منها: فقد روينا عن بعض المالكية: أن معظم المحدثين والفقهاء من المالكيين وغيرهم لا يرون العمل بذلك.
وحكي عن الشافعي وطائفة من نظار أصحابه جواز العمل به.
قلت: قطع بعض المحققين من أصحابه في أصول الفقه بوجوب العمل به عند حصول الثقة به. وقال: لو عرض ما ذكرناه على جملة المحدثين لأبوه. وما قطع به هو الذي لا يتجه غيره في إلاعصار المتأخرة فإنه لو توقف العمل فيها على الرواية لانسد باب العمل بالمنقول لتعذر شرط الرواية فيها على ما تقدم في النوع إلاول والله أعلم.

النوع الخامس والعشرون: في كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده:

اختلف الصدر إلاول رضي الله عنهم في كتابة الحديث فمنهم من كره كتابة الحديث والعلم وأمروا بحفظه ومنهم من أجاز ذلك وممن روينا عنه كراهة ذلك عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى وأبو سعيد الخدري في جماعة آخرين من الصحابة والتابعين.
وروينا عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكتبوا عني شيئا إلا القرآن ومن كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه" . أخرجه مسلم في صحيحه وممن روينا عنه إباحة ذلك أو فعله علي وابنه الحسن وأنس وعبد الله بن عمرو بن العاص في جمع آخرين من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين.
ومن صحيح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الدال على جواز: ذلك حديث أبي شاه اليمني في التماسه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له شيئا سمعه من خطبته عام فتح مكة وقوله صلى الله عليه وسلم: "اكتبوا لأبي شاه" .
ولعله صلى الله عليه وسلم أذن في الكتابة عنه لمن خشي عليه النسيان ونهى عن الكتابة عنه من وثق بحفظه مخافة إلاتكال على الكتاب. أو نهى عن كتابة ذلك حين خاف عليهم اختلاط ذلك بصحف القرآن العظيم وأذن في كتابته حين أمن من ذلك.
وأخبرنا أبو الفتح بن عبد المنعم الفراوي قراءة عليه بنيسابور جبرها الله أخبرنا أبو المعالي الفارسي: أخبرنا الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو الحسين بن بشران: أخبرنا أبو عمرو بن السماك: حدثنا حنبل بن إسحاق: حدثنا سليمان بن أحمد: حدثنا الوليد هو ابن مسلم قال: كان إلاوزاعي يقول: كان هذا العلم كريما يتلقاه الرجال بينهم فلما دخل في الكتب دخل فيه غير أهله.

ثم إنه زال ذلك الخلاف وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الاعصر الآخرة والله أعلم.
ثم إن على كتبة الحديث وطلبته صرف الهمة إلى ضبط ما يكتبونه أو يحصلونه بخط الغير من مروياتهم على الوجه الذي رووه شكلا ونقطا يؤمن معهما إلالتباس. وكثيرا ما يتهاون بذلك الواثق بذهنه وتيقظه وذلك وخيم العاقبة فإن إلانسان معرض للنسيان وأول ناس أول الناس وإعجام المكتوب يمنع من استعجامه وشكله يمنع من أشكاله ثم لا ينبغي أن يتعنى بتقييد الواضح الذي لا يكاد يلتبس. وقد أحسن من قال: إنما يشكل ما يشكل.
وقرأت بخط صاحب كتاب سمات الخط ورقومه علي بن إبراهيم البغدادي فيه: أن أهل العلم يكرهون إلاعجام وإلاعراب إلا في الملتبس.
وحكى غيره عن قوم أنه ينبغي أن يشكل ما يشكل وما لا يشكل وذلك لأن المبتدئ وغير المتبحر في العلم لا يميز ما يشكل مما لا يشكل ولا صواب الإعراب من خطئه والله أعلم.

وهذا بيان أمور مفيدة في ذلك:
إحداها: ينبغي أن يكون اعتناؤه من بين يلتبس بضبط الملتبس من أسماء الناس أكثر فإنها لا تستدرك بالمعنى ولا يستدل عليها بما قبل وما بعد.
الثاني : يستحب في إلالفاظ المشكلة أن يكرر ضبطها بأن يضبطها في متن الكتاب ثم يكتبها قبالة ذلك في الحاشية مفردة مضبوطة فإن ذلك أبلغ في إبانتها وأبعد من التباسها وما ضبطه في أثناء إلاسطر ربما داخله نقط غيره وشكله مما فوقه وتحته لا سيما عند دقة الخط وضيق إلاسطر وبهذا جرى رسم جماعة من أهل الضبط والله أعلم.
الثالث : يكره الخط الدقيق من غير عذر يقتضيه. روينا عن حنبل بن إسحاق: قال رآني أحمد بن حنبل وأنا أكتب خطا دقيقا فقال: لا تفعل أحوج ما تكون إليه يخونك.
وبلغنا عن بعض المشايخ أنه كان إذا رأى خطا دقيقا قال: هذا خط من لا يوقن بالخلف من الله
والعذر في ذلك هو مثل أن لا يجد في الورق سعة أو يكون رحإلا يحتاج إلى تدقيق الخط ليخف عليه محمل كتابه ونحو هذا والله أعلم.
________
النوع الخامس والعشرون- في كتابة الحديث.
"
قوله" يستحب في الألفاظ المشكلة أن يكرر ضبطها بأن يضبطها في متن الكتاب ثم يكتبها قبالة ذلك في الحاشية مفردة مضبوطة انتهى.
اقتصر المصنف على ذكر كتابة اللفظة المشكلة في الحاشية مفردة مضبوطة ولم يتعرض لتقطيع حروفها وهو متداول بين أهل الضبط وفائدته ظهور شكل الحرف بكتابته مفردا كالنون والياء إذا وقعت في أول الكلمة أو في وسطها ونقله ابن دقيق العيد في الاقتراح عن أهل الاتقان فقال ومن عادة المتقنين أن يبالغوا في إيضاح المشكل فيفرقوا حروف الكلمة في الحاشية ويضبطوها حرفا حرفا.

الرابع : يختار له في خطه التحقيق دون المشق والتعليق. بلغنا عن ابن قتيبة قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: شر الكتابة المشق وشر القراءة الهذرمة وأجود الخط أبينه والله أعلم.
الخامس : كما تضبط الحروف المعجمة بالنقط كذلك ينبغي أن تضبط المهملات غير المعجمة بعلامة إلاهمال لتدل على عدم إعجامها.
وسبيل الناس في ضبطها مختلف:
فمنهم من يقلب النقط فيجعل النقط الذي فوق المعجمات تحت ما يشاكلها من المهملات فينقط تحت الراء والصاد والطاء والعين ونحوها من المهملات.
وذكر بعض هؤلاء أن النقط التي تحت السن المهملة تكون مبسوطة صفا والتي فوق الشين المعجمة تكون كإلاثافي ومن الناس من يجعل علامة إلاهمال فوق الحروف المهملة كقلامة الظفر مضطجعة على قفاها ومنهم من يجعل تحت الحاء المهملة حاء مفردة صغيرة وكذا تحت الدال والطاء والصاد والسين والعين وسائر الحروف المهملة الملتبسة مثل ذلك.
فهذه وجوه من علامات إلاهمال شائعة معروفة.
وهناك من العلامات ما هو موجود في كثير من الكتب القديمة ولا يفطن له
______
"
قوله" وسبيل الناس في ضبطها أى الحروف المهملة مختلف فمنهم من يقلب النقط فيجعل النقط الذى فوق المعجمات تحت ما يشاكلها من المهملات فينقط تحت الراء والصاد والطاء والعين ونحوها من المهملات انتهى.
أطلق المصنف في هذه العلامة قلب النقط العلوية في المعجمات إلى أسفل المهملات وتبع في ذلك القاضى عياضا ولابد من استثناء الحاء المهملة لأنها لو نقطت من أسفل صارت جيما.
"
قوله" وهناك من العلامات ما هو موجود في كثير من الكتب القديمة.

الكثيرون كعلامة من يجعل فوق الحرف المهمل خطا صغيرا وكعلامة من يجعل تحت الحرف المهمل مثل الهمزة والله أعلم.
السادس : لا ينبغي أن يصطلح مع نفسه في كتابه بما لا يفهمه غيره فيوقع غيره في حيرة كفعل من يجمع في كتابه بين روايات مختلفة ويرمز إلى رواية كل راو بحرف واحد من اسمه أو حرفين وما أشبه ذلك. فإن بين في أول كتابه أو آخره مراده بتلك العلامات والرموز فلا بأس. ومع ذلك فإلاولى أن يتجنب الرمز ويكتب عند كل رواية اسم راويها بكماله مختصرا ولا يقتصر على العلامة ببعضه والله أعلم.
السابع : ينبغي أن يجعل بين كل حديثين دارة تفصل بينهما وتميز. وممن بلغنا عنه ذلك من إلائمة أبو الزناد و أحمد بن حنبل و إبراهيم بن إسحاق الحربي و محمد بن جرير الطبري رضي الله عنهم.
واستحب الخطيب الحافظ أن تكون الدارات غفلا فإذا عارض فكل حديث يفرغ من عرضه ينقط في الدارة التي تليه نقطة أو يخط في وسطها خطا.
قال: وقد كان بعض أهل العلم لا يعتد من سماه إلا بما كان كذلك أو في معناه والله أعلم.
الثامن : يكره له في مثل عبد الله بن فلان بن فلان أن يكتب عبد في آخر
________
ولا يفطن له كثيرون كعلامة من يجعل فوق الحرف المهمل خطا صغيرا انتهى.
اقتصر المصنف في هذه العلامة على جعل خط صغير فوق الحرف المهمل وترك فيه زيادة ذكرها القاضى عياض في الإلماع فحكى عن بعض أهل المشرق أنه يعلم فوق الحرف المهمل بخط صغير يشبه النبرة فحذف المصنف منه ذكر النبرة والمصنف إنما أخذ ضبط الحروف المهملة بهذه العلامات من الإلماع للقاضى عياض وإذا كان كذلك فحذفه لقوله يشبه النبرة يخرج هذه العلامة عن صفتها فإن النبرة هى الهمزة كما قال الجوهرى وصاحب المحكم ومقتضى كلام المصنف أنها كالنصبة لا كالهمزة والله أعلم.
"
قوله" يكره له في مثل عبد الله بن فلان بن فلان أن يكتب عبد في آخر سطر والباقى

سطر والباقي في أول السطر إلاخر. وكذلك يكره في عبد الرحمن بن فلان وفي سائر إلاسماء المشتملة على التعبيد لله تعالى أن يكتب عبد في آخر سطر واسم الله مع سائر النسب في أول السطر إلاخر. وهكذا يكره أن يكتب قال رسول في آخر سطر ويكتب في أول السطر الذي يليه الله صلى الله تعالى عليه وسلم وما أشبه ذلك والله أعلم.
التاسع : ينبغي له أن يحافظ على كتبة الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عند ذكره ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته ومن أغفل ذلك حرم حظا عظيما وقد روينا لأهل ذلك منامات صالحة وما يكتبه من ذلك فهو دعاء يثبته لا كلام يرويه فلذلك لا يتقيد فيه بالرواية ولا يقتصر فيه على ما في الأصل وهكذا الأمر في الثناء على الله سبحانه عند ذكر اسمه نحو عز وجل و تبارك وتعالى وما ضاهى ذلك. وإذا وجد شيء من ذلك قد جاءت به الرواية كانت العناية بإثباته وضبطه أكثر.
وما وجد في خط أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه من إغفال ذلك عند ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم: فلعل سببه أنه كان يرى التقيد في ذلك بالرواية وعز عليه اتصالها في ذلك في جميع من فوقه من الرواة.
قال الخطيب أبو بكر: وبلغني أنه كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم نطقا
________
في أول السطر الآخر إلى آخر كلامه اقتصر المصنف في هذا على الكراهة والذى ذكره الخطيب في كتاب الجامع امتناع ذلك فإنه روى فيه عن أبى عبد الله بن بطة أنه قال هذا كله غلط قبيح فيجب على الكاتب أن يتوقاه ويتأمله ويتحفظ منه قال الخطيب وهذا الذى ذكره أبو عبد الله صحيح فيجب اجتنابه انتهى.
واقتصر ابن دقيق العيد في الاقتراح على جعل ذلك من الآداب لا من الواجبات والله أعلم.

لا خطا. قال: وقد خالفه غيره من إلائمة المتقدمين في ذلك وروي عن علي بن المديني و عباس بن عبد العظيم العنبري قإلا: ما تركنا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل حديث سمعناه وربما عجلنا فنبيض الكتاب في كل حديث حتى نرجع إليه والله أعلم.
ثم ليتجنب في إثباتها نقصين:
أحدهما : أن يكتبها منقوصة صورة رامزا إليها بحرفين أو نحو ذلك.
والثاني : أن يكتبها منقوصة معنى بأن لا يكتب وسلم وإن وجد ذلك في خط بعض المتقدمين. سمعت أبا القاسم منصور بن عبد المنعم و أم المؤيد بنت أبي القاسم بقرائتي عليهما قإلا: سمعنا أبا البركات عبد الله بن محمد الفراوي لفظا قال: سمعت المقرئ ظريف بن محمد يقول: سمعت عبد الله بن محمد بن إسحاق الحافظ قال: سمعت أبي يقول: سمعت حمزة الكناني يقول: كنت أكتب الحديث وكنت أكتب عند ذكر النبي صلى الله عليه ولا أكتب وسلم فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فقال لي: ما لك لا تتم الصلاة علي؟ قال: فما كتبت بعد ذلك صلى الله عليه إلا كتبت وسلم.
وقع في الأصل في شيخ المقري ظريف عبد الله وإنما هو عبيد الله بالتصغير ومحمد بن إسحاق أبوه هو أبو عبد الله بن منده فقوله الحافظ إذا مجرور.
قلت: ويكره أيضا إلاقتصار على قوله عليه السلام والله أعلم.
العاشر: على الطالب مقابلة كتابه بأصل سماعه وكتاب شيخه الذي يرويه عنه وإن كان إجازة
روينا عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما أنه قال لابنه هشام: كتبت ؟ قال: نعم قال: عرضت كتابك ؟ قال: لا قال: لم تكتب.
وروينا عن الشافعي الإمام وعن يحيى بن أبي كثير قإلا: من كتب ولم يعارض كمن دخل الخلاء ولم يستنج وعن إلاخفش قال: إذا نسخ الكتاب ولم يعارض ثم
_______
"
قوله" وروينا عن الشافعى الإمام وعن يحيى بن كثير قالا من كتب ولم يعارض كمن دخل الخلاء ولم يستنج انتهى.

نسخ ولم يعارض خرج أعجميا.
ثم إن أفضل المعارضة: أن يعارض الطالب بنفسه كتابه بكتاب الشيخ مع الشيخ في حال تحديثه إياه من كتابه لما يجمع ذلك من وجوه إلاحتياط وإلاتقان من الجانبين. وما لم تجتمع فيه هذه إلاوصاف نقص من مرتبته بقدر ما فاته منها. وما ذكرناه أولى من إطلاق أبي الفضل الجارودي الحافظ الهروي قوله: أصدق المعارضة مع نفسك ويستحب أن ينظر معه في نسخته من حضر من السامعين ممن ليس معه نسخة لا سيما إذا أراد النقل منها وقد روي عن يحيى بن معين: أنه سئل عمن لم ينظر في الكتاب والمحدث يقرأ هل يجوز أن يحدث بذلك ؟ فقال: أما عندي فلا يجوز ولكن عامة الشيوخ هكذا سماعهم.
قلت: وهذا من مذاهب أهل التشديد في الرواية وسيأتي ذكر مذهبهم إن شاء الله تعالى. والصحيح: أن ذلك لا يشترط وأنه يصح السماع وإن لم ينظر أصلا في الكتاب حالة القراءة وأنه لا يشترط أن يقابله بنفسه بل يكفيه مقابلة نسخته بأصل الراوي وإن لم يكن ذلك حالة القراءة وإن كانت المقابلة على يدي غيره إذا كان ثقة موثوقا بضبطه.
_______
هكذا ذكره المصنف عن الشافعى وإنما هو معروف عن الأوزاعى وعن يحيى بن أبى كثير وقد رواه عن الأوزاعى أبو عمر بن عبد البر في كتاب جامع بيان العلم من رواية بقية عن الأوزاعى ومن طريق ابن عبد البر رواه القاضى عياض في كتاب الإلماع بإسناده ومنه يأخذ المصنف كثيرا وكأنه سبق قلمه من الأوزاعى إلى الشافعى وأما قول يحيى بن أبى كثير فرواه ابن عبد البر أيضا والخطيب في كتاب الكفاية وفي كتاب الجامع من رواية أبان بن يزيد عن يحيى بن أبى كثير ولم أر لهذا ذكرا عن الشافعى في شئ من الكتب المصنفة في علوم الحديث ولا في شئ من مناقب الشافعى والله أعلم.

قلت: وجائز أن تكون مقابلته بفرع قد قوبل المقابلة المشروطة بأصل شيخه أصل السماع وكذلك إذا قابل بأصل أصل الشيخ المقابل به أصل الشيخ لأن الغرض المطلوب أن يكون كتاب الطالب مطابقا لأصل سماعه وكتاب شيخه فسواء حصل ذلك بواسطة أو بغير واسطة ولا يجزئ ذلك عند من قال: لا تصح مقابلته مع أحد غير نفسه ولا يقلد غيره ولا يكون بينه وبين كتاب الشيخ واسطة وليقابل نسخته بالأصل بنفسه حرفا حرفا حتى يكون على ثقة ويقين من مطابقتها له. وهذا مذهب متروك وهو من مذاهب أهل التشديد المرفوضة في أعصارنا والله أعلم.
أما إذا لم يعارض كتابه بالأصل أصلا: فقد سئل إلاستاذ أبو إسحاق إلاسفرائيني عن جواز روايته منه فأجاز ذلك. وأجازه الحافظ أبو بكر الخطيب أيضا وبين شرطه. فذكر أنه يشترط أن تكون نسخته نقلت من الأصل وأن يبين عند الرواية أنه لم يعارض. وحكى عن شيخه أبي بكر البرقاني أنه سأل أبا بكر إلاسماعيلي: هل للرجل أن يحدث بما كتب عن الشيخ ولم يعارض بأصله ؟ فقال: نعم ولكن لا بد أن يبين أنه لم يعارض قال: وهذا هو مذهب أبي بكر البرقاوي فإنه روى لنا أحاديث كثيرة قال فيها أخبرنا فلان ولم أعارض بالأصل.
قلت: ولا بد من شرط ثالث وهو: أن يكون ناقل النسخة من الأصل غير سقيم النقل بل صحيح النقل قليل السقط والله أعلم.
ثم إنه ينبغي أن يراعي في كتاب شيخه بالنسبة إلي من فوقه مثل ما ذكرنا أنه يراعيه من كتابه ولا يكونن كطائفة من الطلبة: إذا رأوا سماع شيخ لكتاب قرؤوه عليه من أي نسخة اتفقت والله اعلم.
الحادي عشر: المختار في كيفية تخريج الساقط في الحواشي ويسمى اللحق بفتح الحاء وهو أن يخط من موضع سقوطه من السطر خطا صاعدا إلى فوقه ثم يعطفه بين

السطرين عطفه يسيرة إلى جهة الحاشية التي يكتب فيها اللحق ويبدأ في الحاشية بكتبة اللحق مقابلا للخط المنعطف وليكن ذلك في حاشية ذات اليمين. وإن كانت تلي وسط الورقة إن اتسعت له وليكتبه صاعدا إلى أعلى الورقة لا نازلا به إلى أسفل.
قلت: فإذا كان اللحق سطرين أو سطورا فلا يبتدئ بسطوره من أسفل إلى أعلى بل يبتديء بها من أعلى إلى أسفل بحيث يكون منتهاها إلى جهة باطن الورقة إذا كان التخريج في جهة اليمين وإذا كان في جهة الشمال وقع منتهاها إلى جهة طرف الورقة. ثم يكتب عند انتهاء اللحق صح. ومنهم من يكتب مع صح رجع ومنهم من يكتب في آخر اللحق الكلمة المتصلة به داخل الكتاب في موضع التخريج ليؤذن باتصال الكلام وهذا اختيار بعض أهل الصنعة من أهل المغرب واختيار القاضي أبي محمد بن خلاد صاحب كتاب الفاصل بين الراوي والواعي من أهل المشرق مع طائفة. وليس ذلك بمرضي إذ رب كلمة تجئ في الكلام مكررة حقيقة فهذا التكرير يوقع بعض الناس في توهم مثل ذلك في بعضه واختار القاضي ابن خلاد أيضا في كتابه أن يمد عطفه خط التخريج من موضعه حتى يلحقه بأول اللحق في الحاشية. وهذا أيضا غير مرضي فإنه وإن كان فيه زيادة بيان فهو تسخيم للكتاب وتسويد له لا سيما عند كثرة إلالحاقات والله أعلم.
وإنما اخترنا كتبة اللحق صاعدا إلى أعلى الورقة لئلا يخرج بعده نقص آخر فلا يجد ما يقابله من الحاشية فارغا له لو كان كتب إلاول نازلا إلى أسفل. وإذا كتب إلاول صاعدا فما يجد بعد ذلك من نقص يجد ما يقابله من الحاشية فارغا له وقلنا أيضا يخرجه في جهة اليمين لأنه لو خرجه إلى جهة الشمال فربما ظهر من بعده في السطر نفسه نقص آخر فإن خرجه قدامه إلى جهة الشمال أيضا وقع بين التخريجين إشكال. وإن خرج الثاني إلى جهة اليمين التقت عطفة تخريج جهة

الشمال وعطفة تخريج جهة اليمين أو تقابلتا فأشبه ذلك الضرب على ما بينهما بخلاف ما إذا خرج إلاول إلى جهة اليمين: فإنه حينئذ يخرج الثاني إلى جهة الشمال فلا يلتقيان ولا يلزم إشكال اللهم إلا أن يتأخر النقص إلى آخر السطر فلا وجه حينئذ إلا تخريجه إلى جهة الشمال لقربه منها ولا انتفاء العلة المذكورة من حيث إنا لا نخشى ظهور نقص بعده.
وإذا كان النقص في أول السطر تأكد تخريجه إلى جهة اليمين لما ذكرناه من القرب مع ما سبق
وأما ما يخرج في الحواشي من شرح أو تنبيه على غلط أو اختلاف رواية أو نسخة أو نحو ذلك مما ليس من الأصل فقد ذهب القاضي الحافظ عياض رحمه الله إلى أنه لا يخرج لذلك خط تخريج لئلا يدخل اللبس ويحسب من الأصل وأنه لا يخرج إلا لما هو من نفس الأصل لكن ربما جعل على الحرف المقصود بذلك التخريج علامة كالضبة أو التصحيح إيذانا به.
قلت: التخريج أولى وأدل وفي نفس هذا المخرج ما يمنع إلالباس. ثم هذا التخريج يخالف التخريج لما هو من نفس الأصل: في أن خط ذلك التخريج يقع بين الكلمتين اللتين بينهما سقط الساقط وخط هذا التخريج يقع على نفس الكلمة التي من أجلها خرج المخرج في الحاشية والله اعلم.
الثاني عشر: من شأن الحذاق المتقنين العناية بالتصحيح والتضبيب والتمريض.
أما التصحيح: فهو كتابة صح على الكلام أو عنده ولا يفعل ذلك إلا فيما صح رواية ومعنى غير أنه عرضة للشك أو الخلاف فيكتب عليه صح ليعرف أنه لم يغفل عنه وأنه قد ضبط وصح على ذلك الوجه وأما التضبيب ويسمى أيضا التمريض فيجعل على ما صح وروده كذلك من جهة النقل غير أنه فاسد لفظا أو معنى أو ضعيف أو ناقص مثل: أن يكون غير جائز من حيث العربية أو: يكون شاذا عند

أهلها يأباه أكثرهم أو مصحفا أوينقص من جملة الكلام كلمة أو أكثر وما أشبه ذلك: فيمد على ما هذا سبيله خط أوله مثل الصاد ولا يلزق بالكلمة المعلم عليها كيلا يظن ضربا وكأنه صاد التصحيح بمدتها دون حائها كتبت كذلك ليفرق بين ما صح مطلقا من جهة الرواية وغيرها وبين ما صح من جهة الرواية دون غيرها فلم يكمل عليه التصحيح. وكتب حرف ناقص على حرف ناقص إشعارا بنقصه ومرضه مع صحة نقله وروايته وتنبيها بذلك لمن ينظر في كتابه على أنه قد وقف عليه ونقله على ما هو عليه ولعل غيره قد يخرج له وجها صحيحا أو يظهر له بعد ذلك في صحته ما لم يظهر له إلان. ولو غير ذلك وأصلحه على ما عنده لكان متعرضا لما وقع فيه غير واحد من المتجاسرين الذين غيروا وظهر الصواب فيما أنكروه والفساد فيما أصلحوه.
وأما تسمية ذلك ضبة: فقد بلغنا عن أبي القاسم إبراهيم بن محمد اللغوي المعروف بابن إلاقليلي: أن ذلك لكون الحرف مقفلا بها لا يتجه لقراءة كما أن الضبة مقفل بها والله أعلم.
قلت: ولأنها لما كانت على كلام فيه خلل أشبهت الضبة التي تجعل على كسر أو خلل فاستعير لها اسمها ومثل ذلك غير مستنكر في باب إلاستعارات.
_______
"
قوله" قلت ولأنها لما كانت على كلام فيه خلل أشبهت الضبة التى تجعل على كسر أو خلل فاستعير لها اسمها ومثل ذلك غير مستنكر في باب الاستعارات انتهى.
قلت وفي هذا نظر وبعد من حيث أن ضبة القدح وضعت جبرا للكسر والضبة على المكتوب ليست جابرة وإنما جعلت علامة على المكان المغلق وجهه المستبهم أمره فهي بضبة الباب أشبه كما تقدم نقل المصنف له عن أبى القاسم بن الاقليلى وقد حكاه أبو القاسم هذا عن شيوخه من أهل الأدب كما وجدته في كلامه وحكاه القاضى عياض في الإلماح فقال من أهل المغرب بدل قوله من أهل الأدب والمذكور في كلام أبى القاسم ما ذكرته والله أعلم.
"
قوله" ويسمى ذلك الشق أيضا انتهى.

ومن مواضع التضبيب: أن يقع في الإسناد إرسال أو انقطاع فمن عادتهم تضبيب موضع إلارسال وإلانقطاع وذلك من قبيل ما سبق ذكره من التضبيب على الكلام الناقص ويوجد في بعض أصول الحديث القديمة في الإسناد الذي يجتمع فيه جماعة معطوفة أسماؤهم بعضها على بعض علامة تشبه الضبة فيما بين أسمائهم فيتوهم من لا خبرة له أنها ضبة وليست بضبة وكأنها علامة وصل فيما بينها أثبتت تأكيدا للعطف خوفا من أن تجعل عن مكان الواو والعلم عند الله تعالى.
ثم إن بعضهم ربما اختصر علامة التصحيح فجاءت صورتها تشبه صورة التضبيب والفطنة من خير ما أوتيه الإنسان والله أعلم.
الثالث عشر: إذا وقع في الكتاب ما ليس منه فإنه ينفي عنه بالضرب أو الحك أو المحو أو غير ذلك. والضرب خير من الحك والمحو. روينا عن القاضي أبي محمد بن خلاد رحمه الله قال: قال أصحابنا الحك تهمة. وأخبرني من أخبر عن القاضي عياض قال: سمعت شيخنا أبا بحر سفيان بن العاص الأسدي يحكي عن بعض شيوخه أنه كان يقول: كان الشيوخ يكرهون حضور السكين مجلس السماع حتى لا يبشر شيء لأن ما يبشر منه ربما يصح في رواية أخرى.
وقد يسمع الكتاب مرة أخرى على شيخ آخر يكون ما بشر وحك من رواية هذا صحيحا في رواية الأخر فيحتاج إلى إلحاقه بعد أن بشروحك وهو إذا خط عليه من رواية الأول وصح عند الأخر اكتفي بعلامة الأخر عليه بصحته.
ثم إنهم اختلفوا في كيفية الضرب فروينا عن أبي محمد بن خلاد قال: أجود الضرب أن لا يطمس المضروب عليه بل يخط من فوقه خطا جيدا بينا يدل على إبطاله ويقرأ من تحته ما خط عليه
وروينا عن القاضي عياض ما معناه: أن اختبارات

الضابطين اختلفت في الضرب. فأكثرهم على مد الخط على المضروب عليه مختلطا بالكلمات المضروب عليها ويسمى ذلك الشق أيضا.
ومنهم من لا يخلطه ويثبته فوقه لكنه يعطف طرفي الخط على أول المضروب عليه وآخره ومنهم من يستقبح هذا ويراه تسويدا وتطليسا بل يحوق على أول الكلام المضروب عليه بنصف دائرة وكذلك في آخره. وإذا كثر الكلام المضروب عليه فقد يفعل ذلك في أول كل سطر منه وآخره وقد يكتفي بالتحويق على أول الكلام وآخره أجمع ومن إلاشياخ من يستقبح الضرب والتحويق ويكتفي بدائرة صغير أول الزيادة وآخرها ويسميها صفرا كما يسميها أهل الحساب وربما كتب بعضهم عليه لا في أوله و إلى في آخره. ومثل هذا يحسن فيما صح في رواية وسقط في رواية أخرى والله أعلم.
وأما الضرب على الحرف المكرر: فقد تقدم بالكلام فيه القاضي أبو محمد بن خلاد الرامهرمزي رحمه الله على تقدمه. فروينا عنه قال: قال بعض أصحابنا
______
الشق بفتح الشين المعجمة وتشديد القاف وهذا الاصطلاح لا يعرفه أهل المشرق ولم يذكره الخطيب في الجامع ولا في الكفاية وهو اصطلاح لأهل المغرب وذكره القاضي عياض في الإلماح ومنه أخذه المصنف وكأنه مأخوذ من الشق وهو الصدع أو من شق العصا وهو التفريق فكأنه فرق بين الكلمة الزائدة وبين ما قبلها وبعدها من الصحيح الثابت بالضرب عليها والله أعلم
ويوجد في بعض نسخ علوم الحديث النشق بزيادة نون مفتوحة في أوله وسكون الشين فإن لم يكن تصحيفا وتغييرا من النساخ فكأنه مأخوذ من نشق الظبي في حبالته إذا علق فيها فكأنه إبطال لحركة الكلمة وإهمالها بجعلها في صورة وثاق يمنعها من التصرف والله أعلم.

أولاهما بأن يبطل الثاني لأن إلاول كتب على صواب والثاني كتب على الخطأ فالخطأ أولى بإلابطال
وقال آخرون: إنما الكتاب علامة لما يقرأ فأولى الحرفين بإلابقاء أدلهما عليه وأجودهما صورة
وجاء القاضي عياض آخرا ففصل تفصيلا حسنا: فرأى أن تكرر الحرف إن كان في أول سطر فليضرب على الثاني صيانة لأول السطر عن التسويد والتشويه. وإن كان في آخر سطر فليضرب على أولهما صيانة لآخر السطر فإن سلامة أوائل السطور وأواخرها عن ذلك أولى. فإن اتفق أحدهما في آخر سطر ولا إلاخر في أول سطر آخر فليضرب على الذي في آخر السطر فإن أول السطر أولى بالمراعاة. فإن كان التكرر في المضاف أو المضاف إليه أو في الصفة أو في الموصوف أو نحو ذلك: لم نراع حينئذ أول السطر وآخره بل نراعي إلاتصال بين المضاف والمضاف إليه ونحوهما في الخط فلا نفصل بالضرب بينهما ونضرب على الحرف المتطرف من المتكرر دون المتوسط وأما المحو: فيقابل الكشط في حكمه الذي تقدم ذكره وتتنوع طرقه. ومن أغربها مع أنه أسلمها ما روي عن سحنون بن سعيد التنوخي إلامام المالكي: أنه كان ربما كتب الشيء ثم لعقه. وإلى هذا يومي ما روينا عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه أنه كان يقول: من المروءة أن يرى في ثوب الرجل وشفتيه مداد والله أعلم.
الرابع عشر: ليكن فيما تختلف فيه الروايات قائما بضبط ما تختلف فيه في كتابه جيد التمييز بينها كيلا تختلط وتشتبه فيفسد عليه أمرها. وسبيله: أن يجعل أولا متن كتابه على رواية خاصة. ثم ما كانت من زيادة لرواية أخرى ألحقها. أو من نقص أعلم عليه أو من خلاف كتبه إما في الحاشية وإما في غيرها معينا في كل ذلك من رواه ذاكرا اسمه بتمامه. فإن رمز إليه بحرف أو أكثر فعليه ما قدمنا ذكره من أنه يبين المراد بذلك في أول كتابه أو آخره كيلا يطول عهده به فينسى أو يقع كتابه إلى غيره فيقع من رموزه في حيرة وعمى وقد يدفع إلى إلاقتصار على الرموز عند كثرة الروايات المختلفة واكتفي بعضهم في التمييز بأن خص الرواية

الملحقة بالحمرة فعل ذلك أبو ذر الهروي من المشارقة و أبو الحسن القابسي من المغاربة مع كثير من المشايخ وأهل التقييد فإذا كان في الرواية الملحقة زيادة على التي في متن الكتاب كتبها بالحمرة. وإن كان فيها نقص والزيادة في الرواية التي في متن الكتاب حوق عليها بالحمرة ثم على فاعل ذلك تبيين من له الرواية المعلمة بالحمرة في أول الكتاب أو آخره على ما سبق والله أعلم.
الخامس عشر: غلب على كتبة الحديث إلاقتصار على الرمز في قولهم حدثنا و أخبرنا غير أنه شاع ذلك وظهر حتى لا يكاد يلتبس. أما حدثنا فيكتب منها شطرها إلاخير وهو الثاء والنون والألف. وربما اقتصر على الضمير منها وهو النون والألف. وأما أخبرنا فيكتب منها الضمير المذكور مع إلالف أولا. وليس بحسن ما يفعله طائفة من كتابة أخبرنا بألف مع علامة حدثنا المذكورة أولا وإن كان الحافظ البيهقي ممن فعله وقد يكتب في علامة أخبرنا راء بعد إلالف وفي علامة حدثنا دال في أولها. وممن رأيت في خطه الدال في علامة حدثنا الحافظ أبو عبد الله الحاكم و أبو عبد الرحمن السلمي و الحافظ أحمد البيهقي رضي الله عنهم. والله أعلم.
وإذا كان للحديث إسنادان أو أكثر: فإنهم يكتبون عند إلانتقال من إسناد إلى إسناد ما صورته ح وهي حاء مفردة مهملة ولم يأتنا عن أحد ممن يعتمد بيان لأمرها غير أني وجدت بخط إلاستاذ الحافظ أبي عثمان الصابوني والحافظ أبي مسلم عمر بن علي الليثي البخاري والفقيه المحدث أبي سعيد الخليلي رحمهم الله تعالى في مكانها بدلا عنها صح صريحة. وهذا يشعر بكونها رمزا إلى صح. وحسن إثبات صح ههنا لئلا يتوهم أن حديث هذا الإسناد سقط. ولئلا يركب الإسناد الثاني على الإسناد إلاول فيجعلا إسنادا واحدا.
وحكى لي بعض من جمعتني وإياه الرحلة بخراسان عمن وصفه بالفضل من

الإصبهانيين: أنها حاء مهملة من التحويل أي من إسناد إلى إسناد آخر.وذاكرت فيها بعض أهل العلم من أهل المغرب وحكيت له عن بعض من لقيت من أهل الحديث: أنها حاء مهملة إشارة إلى قولنا الحديث فقال لي: أهل المغرب وما عرفت بينهم اختلافا يجعلونها حاء مهملة ويقول أحدهم إذا وصل إليها الحديث وذكر لي: أنه سمع بعض البغداديين يذكر أيضا أنها حاء مهملة وأن منهم من يقول إذا انتهى إليها في القراءة حا ويمر.
وسألت أنا الحافظ الرحال أبا محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي رحمه الله عنها فذكر أنها حاء من حائل أي تحول بين الإسنادين. قال: ولا يلفظ بشيء عند إلانتهاء في القراءة وأنكر كونها من الحديث وغير ذلك ولم يعرف غير هذا عن أحد من مشايخه وفيهم عدد كانوا حفاظ الحديث في وقته.
قال المؤلف: وأختار أنا والله الموفق أن يقول القارئ عند إلانتهاء إليها حا ويمر فإنه أحوط الوجوه وأعدلها والعلم عند الله تعالى.
السادس عشر: ذكر الخطيب الحافظ: أنه ينبغي للطالب أن يكتب بعد البسملة اسم الشيخ الذي سمع الكتاب منه وكنيته ونسبه ثم يسوق ما سمعه منه على لفظه. قال: وإذا كتب الكتاب المسموع فينبغي أن يكتب فوق سطر التسمية أسماء من سمع معه وتاريخ وقت السماع وإن أحب كتب ذلك في حاشية أول ورقة من الكتاب فكلا قد فعله شيوخنا.
قلت: كتبة التسميع جنب ذكره أحوط له وأحرى بأن لا يخفي على من يحتاج إليه ولا بأس بكتبته آخر الكتاب وفي ظهره وحيث لا يخفي موضعه. وينبغي أن يكون التسميع بخط شخص موثوق به غير مجهول الخط ولا ضير حينئذ في أن لا يكتب الشيخ المسمع خطه بالتصحيح وهكذا لا بأس على صاحب الكتاب

إذا كان موثوقا به أن يقتصر على إثبات سماعه بخط نفسه فطال ما فعل الثقات ذلك.
وقد حدثني بمرو الشيخ أبو المظفر بن الحافظ أبي سعد المروزي عن أبيه عمن حدثه من إلاصبهانية: أن عبد الرحمن بن أبي عبد الله بن منده قرأ ببغداد جزءأ على أبي أحمد الفرضي وسأله خطه ليكون حجة له. فقال له أبو أحمد: يا بني عليك بالصدق فإنك إذا عرفت به لا يكذبك أحد وتصدق فيما تقول وتنقل وإذا كان غير ذلك فلو قيل لك: ما هذا خط أبي أحمد الفرضي ماذا تقول لهم.
ثم إن على كاتب التسميع التحري وإلاحتياط وبيان السامع والمسموع منه بلفظ غير محتمل ومجانبة التساهل فيمن يثبت اسمه والحذر من إسقاط اسم أحد منهم لغرض فاسد. فإن كان مثبت السماع غير حاضر في جميعه لكن أثبته معتمدا على إخبار من يثق بخبره من حاضريه فلا بأس بذلك إن شاء الله تعالى ثم إن من ثبت سماعه في كتابه فقبيح به كتمانه إياه ومنعه من نقل سماعه ومن نسخ الكتاب وإذا أعاره إياه فلا يبطئ به.
روينا عن الزهري أنه قال: إياك وغلول الكتب. قيل له: وما غلول الكتب ؟ قال: حبسها عن أصحابها. وروينا عن الفضيل بن عياض رضي الله عنه أنه قال: ليس من أفعال أهل الورع ولا من أفعال الحكماء أن يأخذ سماع رجل وكتابه فيحبسه عنه ومن فعل ذلك فقد ظلم نفسه.
وفي رواية: ولا من أفعال العلماء أن يأخذ سماع رجل وكتابه فيحبسه عليه. فإن منعه إياه فقد روينا: أن رجلا ادعى على رجل بالكوفة سماعا منعه إياه فتحاكما إلى قاضيها حفص بن غياث فقال لصاحب الكتاب: أخرج إلينا كتبك فما كان من سماع هذا الرجل بخط يدك ألزمناك وما كان بخطه أعفيناك منه.

قال ابن خلاد: سألت أبا عبد الله الزبيري عن هذا فقال: لا يجيء في هذا الباب حكم أحسن من هذا لأن خط صاحب الكتاب دال على رضاه باستماع صاحبه معه. قال ابن خلاد: وقال غيره ليس بشيء.
وروى الخطيب الحافظ أبو بكر عن إسماعيل بن إسحاق القاضي: أنه تحوكم إليه في ذلك فأطرق مليا ثم قال للمدعى عليه: إن كان سماعه في كتابك بخطك فيلزمك أن تعيره وإن كان سماعه في كتابك بخط غيرك فأنت أعلم.
قلت: حفص بن غياث معدود في الطبقة الأولى من أصحاب أبي حنيفة و أبو عبد الله الزبيري من أئمة أصحاب الشافعي و إسماعيل بن إسحاق لسان أصحاب مالك وإمامهم وقد تعاضدت أقوالهم في ذلك ويرجع حاصلها إلى: أن سماع غيره إذا ثبت في كتابه برضاه فيلزمه إعارته إياه. وقد كان لا يبين لي وجهه ثم وجهته بأن ذلك بمنزلة شهادة له عنده فعليه أداؤها بما حوته وإن كان فيه بذل ماله كما يلزم متحمل الشهادة أداؤها وإن كان فيه بذل نفسه بالسعي إلى مجلس الحكم لأدائها والعلم عند الله تعالى.
ثم إذا نسخ الكتاب فلا ينقل سماعه إلى نسخته إلا بعد المقابلة المرضية. وهكذا لا ينبغي لأحد أن ينقل سماعا إلى شيء من النسخ أو يثبته فيها عند السماع ابتداء إلا بعد المقابلة المرضية بالمسموع كيلا يغتر أحد بتلك النسخة غير المقابلة إلا أن يبين مع النقل وعنده كون النسخة غير مقابلة والله أعلم.

النوع السادس والعشرون: في صفة رواية الحديث وشرط أدائه وما يتعلق بذلك:

وقد سبق بيان كثير منه في ضمن النوعين قبله
شدد قوم في الرواية فأفرطوا وتساهل فيها آخرون ففرطوا.
ومن مذاهب التشديد مذهب من قال: لا حجة إلا فيما رواه الراوي من حفظه وتذكره وذلك مروي عن مالك و أبي حنيفة رضي الله عنهما. وذهب إليه من أصحاب الشافعي أبو بكر الصيدلاني المروزي.
ومنها مذهب من أجاز إلاعتماد في الرواية على كتابه غير أنه لو أعار كتابه وأخرجه من يده لم ير الرواية منه لغيبته عنه.
_______
النوع السادس والعشرون: في صفة رواية الحديث وشرط أدائه وما يتعلق بذلك.
"
قوله" إذا سمع كتابا ثم أراد روايته من نسخة ليس فيها سماعه ولا هى مقابلة بنسخة سماعه غير أنه سمع منها على شيخه لم يجز له ذلك قطع به الإمام أبو نصر الصباغ الفقيه فيما بلغنا عنه إلى آخر كلامه وقد اعترض عليه بأنه ذكر في النوع الذى قبله أن الخطيب والاسفرائينى جوزا الرواية من كتاب لم يقابل أصلا ولم ينكره الشيخ بل أقره انتهى.
قلت الصورة التى تقدمت هى فيما إذا نقل كتابه من الأصل فإن الخطيب شرط في ذلك أن يكون نسخته نقلت من الأصل وأن يبين عند الرواية أنه لم يعارض وزاد ابن الصلاح على ذلك شرطا آخر وهو أن يكون ناقل النسخة من الأصل غير سقيم النقل بل صحيح النقل قليل السقط وأما الصورة التى في هذا النوع فإن الراوى منها ليس على ثقة من موافقتها للأصل وقد أشار المصنف هنا إلى التعليل بذلك فقال إذ لا يؤمن أن يكون فيها زوايد ليست في نسخة سماعه والله أعلم.

وقد سبقت حكايتنا لمذاهب عن أهل التساهل وإبطالها في ضمن ما تقدم من شرح وجوه إلاخذ والتحمل.
ومن أهل التساهل قوم سمعوا كتبا مصنفة وتهاونوا حتى إذا طعنوا في السن واحتيج إليهم حملهم الجهل والشره على أن رووها من نسخ مشتراة أو مستعارة غير مقابلة فعدهم الحاكم أبو عبد الله الحافظ في طبقات المجروحين. قال: وهم يتوهمون أنهم في روايتها صادقون.
قال: وهذا مما كثر في الناس وتعاطاه قوم من أكابر العلماء والمعروفين بالصلاح.
قلت: ومن المتساهلين عبد الله بن لهيعة المصري ترك إلاحتجاج بروايته مع جلالته لتساهله. ذكر عن يحيى بن حسان: أنه رأى قوما معهم جزء سمعوه من ابن لهيعة فنظر فيه فإذا ليس فيه حديث واحد من حديث ابن لهيعة فجاء إلى ابن لهيعة فأخبره بذلك. فقال: ما أصنع ؟ يجيئوني بكتاب فيقولون: هذا من حديثك فأحدثهم به.
ومثل هذا واقع من شيوخ زماننا يجيء إلى أحدهم الطالب بجزء أو كتاب فيقول: هذا روايتك فيمكنه من قراءته عليه مقلدا له من غير أن يبحث بحيث يحصل له الثقة بصحة ذلك.
والصواب: ما عليه الجمهور وهو التوسط بين إلافراط والتفريط. فإذا قام الراوي في إلاخذ والتحمل بالشرط الذي تقدم شرحه وقابل كتابه وضبط سماعه على الوجه الذي سبق ذكره جازت له الرواية منه وإن أعاره وغاب عنه: إذا كان الغالب من أمره سلامته من التبديل والتغيير لا سيما إذا كان ممن لا يخفي عليه في الغالب لو غير شيء منه وبدل تغييره وتبديله وذلك لأن إلاعتماد في باب الرواية على غالب الظن فإذا حصل أجزأ ولم يشترط مزيد عليه والله أعلم.

تفريعات :
أحدها : إذا كان الراوي ضريرا ولم يحفظ حديثه من فم من حدثه واستعان بالمأمونين في ضبط سماعه وحفظ كتابه ثم عند روايته في القراءة منه عليه واحتاط في ذلك على حسب حاله بحيث يحصل معه الظن بالسلامة من التغيير صحت روايته. غير أنه أولى بالخلاف والمنع من مثل ذلك من البصير.
قال الخطيب الحافظ: والسماع من البصير إلامي والضرير اللذين لم يحفظا من المحدث ما سمعاه منه لكنه كتب لهما بمثابة واحدة وقد منع منه غير واحد من العلماء ورخص فيه بعضهم والله أعلم.
الثاني : إذا سمع كتابا ثم أراد روايته من نسخة ليس فيها سماعه ولا هي مقابلة بنسخة سماعه غير أنه سمع منها على شيخه لم يجز له ذلك. قطع به إلامام أبو نصر بن الصباغ الفقيه فيما بلغنا عنه. وكذلك لو كان فيها سماع شيخه أو روى منها ثقة عن شيخه فلا تجوز له الرواية منها اعتمادا على مجرد ذلك إذ لا أن تكون فيها زوائد ليست في نسخة سماعه.
ثم وجدت الخطيب قد حكى مصداق ذلك عن أكثر أهل الحديث. فذكر فيما: إذا وجد أصل المحدث ولم يكتب فيه سماعه أو وجد نسخة كتبت عن الشيخ تسكن نفسه إلى صحتها: أن عامة أصحاب الحديث منعوا من روايته من ذلك. وجاء عن أيوب السختياني و محمد بن بكر البرساني الترخص فيه.
قلت: اللهم إلا أن تكون له إجازة من شيخه عامة لمروياته أو نحو ذلك فيجوز له حينئذ الرواية منها إذ ليس فيه أكثر من رواية تلك الزيادات بالإجازة بلفظ أخبرنا أو حدثنا من غير بيان للإجازة فيها. وإلامر فيه ذلك قريب يقع مثله في محل التسامح.

وقد حكينا فيما تقدم أنه لا غناء في كل سماع عن الإجازة ليقع ما يسقط في السماع على وجه السهو وغيره من كلمات أو أكثر مرويا بالإجازة وإن لم يذكر لفظها.
فإن كان الذي في النسخة سماع شيخ شيخه أو هي مسموعة على شيخ شيخه أو مروية عن شيخ شيخه فينبغي له حينئذ في روايته منها أن تكون له إجازة شاملة من شيخه ولشيخه إجازة شاملة من شيخه وهذا تيسير حسن هدانا الله له وله الحمد والحاجة إليه ماسة في زماننا جدا. والله أعلم.
الثالث : إذا وجد الحافظ في كتابه خلاف ما يحفظه نظر: فإن كان إنما حفظ ذلك من كتابه فليرجع إلى ما في كتابه وإن كان حفظه من فم المحدث فليعتمد حفظه دون ما في كتابه إذا لم يتشكك وحسن أن يذكر إلامرين في روايته فيقول حفظي كذا وفي كتابي كذا.
هكذا فعل شعبة وغيره وهكذا إذا خالفه فيما يحفظه بعض الحفاظ فليقل حفظي كذا وكذا وقال فيه فلان أو قال فيه غيري: كذا وكذا أو شبه هذا من الكلام. كذلك فعل سفيان الثوري وغيره والله أعلم.
الرابع : إذا وجد سماعه في كتابه وهو غير ذاكر لسماعه ذلك فعن أبي حنيفة رحمه الله وبعض أصحاب الشافعي رحمه الله: أنه لا تجوز له روايته, ومذهب الشافعي وأكثر أصحابه و أبي يوسف و محمد: أنه يجوز له روايته.
قلت: هذا الخلاف ينبغي أن يبنى على الخلاف السابق قريبا في جواز اعتماد الراوي على كتابه في ضبط ما سمعه فإن ضبط أصل السماع كضبط المسموع فكما كان الصحيح وما عليه أكثر أهل الحديث تجويز إلاعتماد على الكتاب المصون في ضبط المسموع حتى يجوز له أن يروي ما فيه وإن كان لا يذكر أحاديثه حديثا

حديثا كذلك ليكن هذا إذا وجد شرطه وهو: أن يكون السماع بخطه أو بخط من يثق به والكتاب مصون بحيث يغلب على الظن سلامة ذلك من تطرق التزوير والتغيير إليه على نحو ما سبق ذكره في ذلك. وهذا إذا لم يتشكك فيه وسكنت نفسه إلى صحته فإن تشكك فيه لم يجز الإعتماد عليه والله أعلم.
الخامس : إذا أراد رواية ما سمعه على معناه دون لفظه فإن لم يكن عالما عارفا بإلالفاظ ومقاصدها خبيرا بما يحيل معانيها بصيرا بمقادير التفاوت بينها فلا خلاف أنه لا يجوز له ذلك وعليه أن لا يروي ما سمعه إلا على اللفظ الذي سمعه من غير تغيير فأما إذا كان عالما عارفا بذلك فهذا مما اختلف فيه السلف وأصحاب الحديث وأرباب الفقه وإلاصول: فجوزه أكثرهم ولم يجوزه بعض المحدثين وطائفة من الفقهاء وإلاصوليين من الشافعيين وغيرهم.
ومنعه بعضهم في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجازه في غيره والأصح: جواز ذلك في الجميع إذا كان عالما بما وصفناه قاطعا بأنه أدى معنى اللفظ الذي بلغه لأن ذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة والسلف إلاولين. وكثيرا ما كانوا ينقلون معنى واحدا في أمر واحد بألفاظ مختلفة وما ذلك إلا لأن معولهم كان على المعنى دون اللفظ.
ثم إن هذا الخلاف لا نراه جاريا ولا أجراه الناس فيما نعلم فيما تضمنته بطون الكتب فليس لأحد أن يغير لفظ شيء من كتاب مصنف ويثبت بدله فيه لفظا آخر بمعناه فإن الرواية بالمعنى رخص فيها من رخص لما كان عليهم في ضبط الألفاظ والجمود عليها من الحرج والنصب وذلك غير موجود فيما اشتملت عليه بطون الأوراق والكتب ولأنه إن ملك تغيير اللفظ فليس يملك تغيير تصنيف غيره والله أعلم.
السادس : ينبغي لمن يروي حديثا بالمعنى أن يتبعه بأن يقول أو كما قال أو

نحو هذا أو ما أشبه ذلك من إلالفاظ, روي ذلك من الصحابة عن ابن مسعود و أبي الدرداء و أنس رضي الله عنهم.
قال الخطيب: والصحابة أرباب اللسان وأعلم الخلق بمعاني الكلام ولم يكونوا يقولون ذلك إلا تخوفا من الزلل لمعرفتهم بما في الرواية على المعنى من الخطر.
قلت: وإذا اشتبه على القاريء فيما يقرؤه لفظة فقرأها على وجه يشك فيه ثم قال أو كما قال فهذا حسن وهو الصواب في مثله لأن قوله أو كما قال يتضمن إجازة من الراوي وإذنا في رواية صوابها عنه إذا بان ثم لا يشترط إفراد ذلك بلفظ الإجازة لما بيناه قريبا والله أعلم.
السابع : هل يجوز اختصار الحديث الواحد ورواية بعضه دون بعض ؟ اختلف أهل العلم فيه:
فمنهم من منع من ذلك مطلقا بناء على القول بالمنع من النقل بالمعنى مطلقا ومنهم من منع من ذلك مع تجويزه النقل بالمعنى إذا لم يكن قد رواه على التمام مرة أخرى ولم يعلم أن غيره قد رواه على التمام ومنهم من جوز ذلك وأطلق ولم يفصل.
وقد روينا عن مجاهد أنه قال: أنقص من الحديث ما شئت ولا تزد فيه والصحيح التفصيل وأنه يجوز ذلك من العالم العارف إذا كان ما تركه متميزا عما نقله غير متعلق به بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة فيما نقله بترك ما تركه. فهذا ينبغي أن يجوز وإن لم يجز النقل بالمعنى لأن الذي نقله والذي تركه والحالة هذه بمنزلة خبرين منفصلين في أمرين لا تعلق لأحدهما بالآخر.
ثم هذا إذا كان رفيع المنزلة بحيث لا يتطرق إليه في ذلك تهمة نقله أولا تماما ثم نقله ناقصا أو: نقله أولا ناقصا ثم نقله تاما.
فأما إذا لم يكن كذلك: فقد ذكر الخطيب الحافظ: أن من روى حديثا على التمام

وخاف إن رواه مرة أخرى على النقصان أن يتهم بأنه زاد في أول مرة ما لم يكن سمعه أو أنه نسي في الثاني باقي الحديث لقلة ضبطه وكثرة غلطه فواجب عليه أن ينفي هذه الظنة عن نفسه.
وذكر إلامام أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي الفقيه: أن من روى بعض الخبر ثم أراد أن ينقل تمامه وكان ممن يتهم بأنه زاد في حديثه: كان ذلك عذرا له في ترك الزيادة وكتمانها.
قلت: من كان هذا حاله فليس له من الابتداء أن يروي الحديث غير تام إذا كان قد تعين عليه أداء تمامه لأنه إذا رواه أولا ناقصا أخرج باقية عن حيز الاحتجاج به ودار: بين أن لا يرويه أصلا فيضيعه رأسا وبين أن يرويه متهما فيه فيضيع ثمرته لسقوط الحجة فيه والعلم عند الله تعالى.
وأما تقطيع المصنف متن الحديث الواحد وتفريقه في الأبواب: فهو إلى الجواز أقرب ومن المنع أبعد وقد فعله مالك و البخاري وغير واحد من أئمة الحديث ولا يخلو من كراهية والله أعلم.
الثامن : ينبغي للمحدث أن لا يروي حديثه بقراءة لحان أو مصحف. روينا عن النضر بن شميل أنه قال: جاءت هذه إلاحاديث عن الأصل معربة.
وأخبرنا أبو بكر بن أبي المعالي الفراوي قراءة عليه قال: أخبرنا إلامام أبو جدي أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي قال: أخبرنا أبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي قال: أخبرنا إلامام أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي قال: حدثني محمد بن معاذ قال: أخبرنا بعض أصحابنا عن أبي داود السنجي قال: سمعت إلاصمعي يقول: إن أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو: أن يدخل في جملة قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار" لأنه صلى الله عليه وسلم

لم يكن يلحن فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه.
قلت: فحق على طالب الحديث أن يتعلم من النحو واللغة ما يتخلص به من شين اللحن والتحريف ومعرتهما روينا عن شعبة قال: من طلب الحديث ولم يبصر العربية فمثله مثل رجل عليه برنس ليس له رأس أو كما قال وعن حماد بن سلمة قال: مثل الذي يطلب الحديث ولا يعرف النحو مثل الحمار عليه مخلاة لا شعير فيها.
وأما التصحيف: فسبيل السلامة منه الأخذ من أفواه أهل العلم والضبط فإن من حرم ذلك وكان أخذه وتعلمه من بطون الكتب كان من شأنه التحريف ولم يفلت من التبديل والتصحيف والله أعلم.
التاسع: إذا وقع في روايته لحن أو تحريف فقد اختلفوا فمنهم من كان يري أنه يرويه على الخطأ كما سمعه. وذهب إلى ذلك من التابعين محمد بن سيرين و أبو معمر عبد الله بن سخبرة. وهذا غلو في مذهب اتباع اللفظ والمنع من الرواية بالمعني.
ومنهم من رأى تغييره وإصلاحه وروايته على الصواب. روينا ذلك عن الأوزاعي و ابن المبارك وغيرهما وهو مذهب المحصلين والعلماء من المحدثين. والقول به في اللحن الذي لا يختلف به المعنى وأمثاله لازم على مذهب تجويز رواية الحديث بالمعنى وقد سبق أنه قول الأكثرين.
وأما إصلاح ذلك وتغييره في كتابه وأصله: فالصواب تركه وتقرير ما وقع في الأصل على ما هو عليه مع التضبيب عليه وبيان الصواب خارجا في الحاشية فإن ذلك أجمع للمصلحة وأنفي للمفسدة.
وقد روينا أن بعض أصحاب الحديث رئي في المنام وكأنه قد مر من شفته أو لسانه شيء فقيل له في ذلك فقال: لفظة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم غيرتها برأيي ففعل بي هذا.

وكثيرا ما نرى ما يتوهمه كثير من أهل العلم خطأ وربما غيروه صوابا ذا وجه صحيح وإن خفي واستغرب لا سيما فيما يعدونه خطأ من جهة العربية. وذلك لكثرة لغات العرب وتشعبها.
وروينا عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: كان إذا مر بأبي لحن فاحش غيره وإذا كان لحنا سهلا تركه وقال: كذا قال الشيخ.
وأخبرني بعض أشياخنا: عمن أخبره عن القاضي الحافظ عياض بما معناه واختصاره أن الذي استمر عليه عمل أكثر إلاشياخ أن ينقلوا الرواية كما وصلت إليهم ولا يغيروها في كتبهم حتى في أحرف من القرآن استمرت الرواية فيها في الكتب على خلاف التلاوة المجمع عليها ومن غير أن يجيء ذلك في الشواذ. ومن ذلك ما وقع في الصحيحين و الموطأ وغيرها لكن أهل المعرفة منهم ينبهون على خطئها عند السماع والقراءة وفي حواشي الكتب مع تقريرهم ما في الأصول على ما بلغهم.
ومنهم من جسر على تغيير الكتب وإصلاحها منهم أبو الوليد هشام بن أحمد الكناني الوقشي فإنه لكثرة مطالعته وافتتانه وثقوب فهمه وحدة ذهنه جسر على الإصلاح كثيرا وغلط في أشياء من ذلك. وكذلك غيره ممن سلك مسلكه والأولى سد باب التغيير والإصلاح لئلا يجسر على ذلك من لا يحسن وهو أسلم مع التبيين فيذكر ذلك عند السماع كما وقع ثم يذكر وجه صوابه: إما من جهة العربية وإما من جهة الرواية. وإن شاء قرأه أولا على الصواب ثم قال وقع عند شيخنا أو: في روايتنا أو: من طريق فلان كذا وكذا. وهذا أولى من الأول كيلا يتقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل.
وأصلح ما يعتمد عليه في الإصلاح: أن يكون ما يصلح به الفاسد قد ورد في

أحاديث أخر فإن ذاكره آمن من أن يكون منقولا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل والله أعلم.
العاشر : إذا كان الإصلاح بزيادة شيء قد سقط فإن لم يكن في ذلك مغايرة في المعنى: فإلامر فيه على ما سبق وذلك كنحو ما روي عن مالك رضي الله عنه أنه قيل له: أرأيت حديث النبي صلى الله عليه وسلم يزاد فيه الواو والألف والمعنى واحد ؟ فقال: أرجو أن يكون خفيفا وإن كان الإصلاح بالزيادة يشتمل على معنى مغاير لما وقع في الأصل: تأكد فيه الحكم بأنه يذكر ما في الأصل مقرونا بالتنبيه على ما سقط ليسلم من معرة الخطأ ومن أن يقول على شيخه ما لم يقل.
حدث أبو نعيم الفضل بن دكين عن شيخ له بحديث قال فيه عن بحينة فقال أبو نعيم: إنما هو ابن بحينة ولكنه قال بحينة.
وإذا كان من دون موضع الكلام الساقط معلوما أنه قد أوتي به وإنما أسقطه من بعده ففيه وجه
آخر: وهو أن يلحق الساقط في موضعه من الكتاب مع كلمة يعني كما فعل الخطيب الحافظ إذ روى عن ابن عمر بن مهدي عن القاضي المحاملي بإسناده عن عروة عن عمرة بنت عبد الرحمن تعني عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إلي رأسه فأرجله قال الخطيب: كان في أصل ابن مهدي عن عمرة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إلي رأسه فألحقنا فيه ذكر عائشة إذ لم يكن منه بد وعلمنا أن المحاملي كذلك رواه وإنما سقط من كتاب شيخنا أبي عمر وقلنا فيه تعني عن عائشة رضي الله عنها لأجل أن ابن مهدي لم يقل لنا ذلك.
وهكذا رأيت غير واحد من شيوخنا يفعل في مثل هذا. ثم ذكر بإسناده عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه قال: سمعت وكيعا يقول: إنا لنستعين في الحديث بيعني.

قلت: وهذا إذا كان شيخه قد رواه له على الخطأ. فأما إذا وجد ذلك في كتابه وغلب على ظنه أن ذلك من الكتاب لا من شيخه فيتجه ههنا إصلاح ذلك في كتابه وفي روايته عند تحديثه به معا
ذكر أبو داود أنه قال: لأحمد بن حنبل: وجدت في كتابي حجاج عن جريج عن أبي الزبير يجوز لي أن أصلحه ابن جريج ؟ فقال: أرجو أن يكون هذا لا بأس به والله أعلم.
وهذا من قبيل ما إذا درس من كتابه بعض الإسناد أو المتن فإنه يجوز له استدراكه من كتاب غيره إذا عرف صحته وسكنت نفسه إلى أن ذلك هو الساقط من كتابه وإن كان في المحدثين من لا يستجيز ذلك. وممن فعل ذلك نعيم بن حماد فيما روى عن يحيى بن معين عنه.
قال الخطيب الحافظ: ولو بين ذلك في حال الرواية كان أولى وهكذا الحكم في استثبات الحافظ ما شك فيه من كتاب غيره أو من حفظه وذلك مروي عن غير واحد من أهل الحديث منهم عاصم و أبو عوانة و أحمد بن حنبل وكان بعضهم يبين ما ثبته فيه غيره فيقول حدثنا فلان وثبتني فلان كما روي عن يزيد بن هارون أنه قال: أخبرنا عاصم وثبتني شعبة عن عبد الله بن سرجس
وهكذا إلامر فيما إذا وجد في أصل كتابه كلمة من غريب العربية أو غيرها غير مقيدة وأشكلت عليه فجائز أن يسأل عنها أهل العلم بها ويرويها على ما يخبرونه به.
روي مثل ذلك عن إسحاق بن راهويه و أحمد بن حنبل وغيرهما رضي الله عنهم والله أعلم.
الحادي عشر: إذا كان الحديث عند الراوي عن اثنين أو أكثر وبين روايتهما تفاوت في الفظ والمعنى واحد كان له أن يجمع بينهما في الإسناد ثم يسوق الحدي على لفظ أحدهما خاصة ويقول: أخبرنا فلان وفلان واللفظ لفلان

أو هذا لفظ فلان قال. أو: قإلا: أخبرنا فلان أو ما أشبه ذلك من العبارات.
و لمسلم صاحب الصحيح مع هذا في ذلك عبارة أخرى حسنة مثل قوله: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد إلاشج كلاهما عن أبي خالد قال أبو بكر: حدثنا أبو خالد إلاحمر عن إلاعمش وساق الحديث. فإعادته ثانيا ذكر أحدهما خاصة إشعار بأن اللفظ المذكور له وأما إذا لم يخص لفظ أحدهما بالذكر بل أخذ من لفظ هذا ومن لفظ ذاك وقال أخبرنا فلان وفلان وتقاربا في اللفظ قإلا: أخبرنا فلان فهذا غير ممتنع على مذهب تجويز الرواية بالمعنى وقول أبي داو د صاحب السنن حدثنا مسدد وأبو توبة المعنى قإلا: حدثنا أبو إلاحوص مع أشباه لهذا في كتابه يحتمل أن يكون من قبيل إلاول فيكون اللفظ لمسدد ويوافقه أبو توبة في المعنى. ويحتمل أن يكون من قبيل الثاني فلا يكون قد أورد لفظ أحدهما خاصة بل رواه بالمعنى عن كليهما وهذا إلاحتمال يقرب في قوله حدثنا مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل المعنى واحد قإلا: حدثنا أبان.
وأما إذا جمع بين جماعة رواة قد اتفقوا في المعنى وليس ما أروده لفظ كل واحد منهم وسكت عن البيان لذلك فهذا مما عيب به البخاري أو غيره ولا بأس به على مقتضى مذهب تجويز الرواية بالمعنى.
وإذا سمع كتابا مصنفا من جماعة ثم قابل نسخته بأصل بعضهم دون بعض وأراد أن يذكر جميعهم في الإسناد ويقول واللفظ لفلان كما سبق: فهذا يحتمل أن يجوز كإلاول لأن ما أورده قد سمعه بنصه ممن ذكر أنه بلفظه ويحتمل أن لا يجوز لأنه لا علم عنده بكيفية رواية إلاخرين حتى يخبر عنها بخلاف ما سبق فإنه اطلع على رواية غير من نسب اللفظ إليه وعلى موافقتهما من حيث المعنى فأخبر بذلك والله أعلم.

الثاني عشر: ليس له أن يزيد في نسب من فوق شيخه من رجال الإسناد على ما ذكره شيخه مدرجا عليه من غير فصل مميز فإن أتى بفصل جاز مثل أن يقول هو ابن فلان الفلاني أو يعني: ابن فلان ونحو ذلك.
وذكر الحافظ إلامام أبو بكر البرقاني رحمه الله في كتاب اللقط له بإسناده عن علي بن المديني قال: إذا حدثك الرجل فقال: حدثنا فلان ولم ينسبه فأحببت أن تنسبه فقل حدثنا فلان: أن فلان بن فلان حدثه والله أعلم.
وأما إذا كان شيخه قد ذكر نسب شيخه أو صفته في أول كتاب أو جزء عند أول حديث منه واقتصر فيما بعده من إلاحاديث على ذكر اسم الشيخ أو بعض نسبه.
مثاله: أن أروي جزءا عن الفراوي فأقول في أوله أخبرنا أبو بكر منصور بن عبد المنعم بن عبد الله الفراوي قال أخبرنا فلان. وأقول في باقي أحاديثه أخبرنا منصور أخبرنا منصور فهل يجوز لمن سمع ذلك الجزء مني أن يروي عني إلاحاديث التي بعد الحديث إلاول متفرقة ويقول في كل واحد منها أخبرنا فلان قال: أخبرنا أبو بكر منصور بن عبد المنعم بن عبد الله الفراوي قال: أخبرنا فلان وإن لم أذكر له ذلك في كل واحد منها اعتمادا على ذكري له أولا ؟ فهذا قد حكى الخطيب الحافظ عن أكثر أهل العلم: أنهم أجازوه. وعن بعضهم أن إلاولى أن يقول يعني ابن فلان.
وروى بإسناده عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه: أنه كان إذا جاء اسم الرجل غير منسوب قال يعني ابن فلان. وروي عن البرقاني بإسناده عن علي بن المديني ما قدمنا ذكره عنه.
ثم ذكر أنه هكذا رأى أبا بكر أحمد بن علي إلاصبهاني نزيل نيسابور يفعل وكان أحد الحفاظ المجودين ومن أهل الورع والدين وأنه سأله عن أحاديث كثيرة رواها له قال فيها أخبرنا أبو عمرو بن حمدان: أن أبا يعلى أحمد بن علي بن المثنى

الموصلي أخبرهم وأخبرنا أبو بكر بن المقري: أن إسحاق بن أحمد بن نافع حدثهم. وأخبرنا أبو أحمد الحافظ: أن أبا يوسف محمد بن سفيان الصفار أخبرهم فذكر له أنها أحاديث سمعها قراءة على شيوخه في جملة نسخ نسبوا الذين حدثوهم بها في أولها واقتصروا في بقيتها على ذكر أسمائهم, قال: وكان غيره يقول في مثل هذا أخبرنا فلان قال: أخبرنا فلان هو ابن فلان ثم يسوق نسبه إلى منتهاه
قال: وهذا الذي أستحبه لأن قوما من الرواة كانوا يقولون فيما أجيز لهم أخبرنا فلان: أن فلانا حدثهم.
قلت: جميع هذه الوجوه جائزة وأولاها أن يقول هو ابن فلان أو: يعني ابن فلان ثم أن يقول إن فلان بن فلان ثم أن يذكر المذكور في أول الجزء بعينه من غير فصل والله أعلم.
الثالث عشر: جرت العادة بحذف قال ونحوه فيما بين رجال الإسناد خطأ ولا بد من ذكره حالة القراءة لفظا.
ومما قد يغفل عنه من ذلك ما إذا كان في أثناء الإسناد قرئ على فلان: أخبرك فلان فينبغي للقارئ أن يقول فيه قيل له: أخبرك فلان. ووقع في بعض ذلك قرئ على فلان: حدثنا فلان فهذا يذكر فيه قال فيقال قرئ على فلان قال: حدثنا فلان وقد
_________
"
قوله" جرت العادة بحذف قال ونحوه فيما بين رجال الإسناد خطا ولابد من ذكره حال القراءة لفظا انتهى.
هكذا قال المصنف هنا إنه لابد من النطق بقال لفظا ومقتضاه أنه لا يصح السماع بدونها وخالف المصنف ذلك في الفتاوى فإنه سئل فيها عن ترك القارى قال فقال هذا خطأ من فاعله والأظهر أنه لا يبطل السماع به لأن حذف القول جائز اختصارا جاء به القرآن العظيم وكذا قال النووى في التقريب والتيسير تركها خطأ والظاهر صحة السماع والله أعلم.

جاء هذا مصرحا به خطأ هكذا في بعض ما رويناه. وإذا تكررت كلمة قال كما في قوله في كتاب البخاري حدثنا صالح بن حيان قال: قال عامر الشعبي حذفوا إحداهما في الخط وعلى القارئ أن يلفظ بهما جميعا والله أعلم.
الرابع عشر: النسخ المشهورة المشتملة على أحاديث بإسناد واحد كنسخة همام بن منبه عن أبي هريرة رواية عبد الرزاق عن معمر عنه ونحوها من النسخ والأجزاء. منهم من يجدد ذكر الإسناد في أول كل حديث منها.
ويوجد هذا في كثير من إلاصول القديمة وذلك أحوط.
ومنهم من يكتفي بذكر الإسناد في أولها عند أول حديث منها أو: في أول كل مجلس من مجالس سماعها ويدرج الباقي عليه ويقول في كل حديث بعده وبالإسناد أو وبه وذلك هو الأغلب ألأكثر.
وإذا أراد من كان سماعه على هذا الوجه تفريق تلك الأحاديث ورواية كل حديث منها بالإسناد المذكور في أولها جاز له ذلك عند الأكثرين. منهم وكيع بن الجراح و يحيى بن معين و أبو بكر الاسماعيلى.
وهذا لأن الجميع معطوف على الأول فالإسناد المذكور أولا في حكم المذكور في كل حديث وهو بمثابة تقطيع المتن الواحد في أبواب بإسناده المذكور في أوله والله أعلم.
ومن المحدثين من أبى إفراد شيء من تلك الأحاديث المدرجة بالإسناد المذكور أولا ورآه تدليسا. وسأل بعض أهل الحديث الأستاذ أبا إسحاق الإسفرائيني الفقيه الأصولي عن ذلك فقال: لا يجوز.
وعلى هذا من كان سماعه على هذا الوجه فطريقه أن يبين ويحكي ذلك كما جرى كما فعله مسلم في صحيحه في صحيفة همام بن منبه نحو قوله: حدثنا محمد بن رافع قال:

حدثنا عبد الرزاق: قال أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة وذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أدنى مقعد أحدكم في الجنة أن يقول له: تمن" الحديث.
وهكذا فعل كثير من المؤلفين والله أعلم.
الخامس عشر: إذا قدم ذكر المتن على الإسناد أو ذكر المتن وبعض الإسناد ثم ذكر الإسناد عقيبه على إلاتصال. مثل أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا أو يقول روى عمرو بن دينار عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا ثم يقول أخبرنا به فلان قال: أخبرنا فلان ويسوق الإسناد حتى يتصل بما قدمه فهذا يلتحق بما إذا قدم الإسناد في كونه يصير به مسندا للحديث لا مرسلا له.
فلو أراد من سمعه منه هكذا أن يقدم الإسناد ويؤخر المتن ويلفقه كذلك: فقد ورد عن بعض من تقدم من المحدثين أنه جوز ذلك.
قلت: ينبغي أن يكون فيه خلاف نحو الخلاف في تقديم بعض متن الحديث على بعض. وقد حكى الخطيب: المنع من ذلك على القول بأن الرواية على المعنى لا تجوز والجواز على القول بأن الرواية على المعنى تجوز ولا فرق بينهما في ذلك والله أعلم.
وأما ما يفعله بعضهم من إعادة ذكر الإسناد في آخر الكتاب أو الجزء بعد ذكره أولا فهذا لا يرفع الخلاف الذي تقدم ذكره في إفراد كل حديث بذلك الإسناد عند روايتها لكونه لا يقع متصلا بكل واحد منها ولكنه يفيد تأكيدا واحتياطا ويتضمن إجازة بالغة من أعلى أنواع الإجازات والله أعلم.
السادس عشر: إذا روى المحدث الحديث بإسناد ثم أتبعه بإسناد آخر وقال عند انتهائه مثله فأراد الراوي عنه أن يقتصر على الإسناد الثاني ويسوق لفظ الحديث المذكور عقيب الإسناد الأول: فالأظهر المنع من ذلك.

وروينا عن أبي بكر الخطيب الحافظ رحمه الله قال: كان شعبة لا يجيز ذلك.
وقال بعض أهل العلم: يجوز ذلك إذا عرف أن المحدث ضابط متحفظ يذهب إلى تمييز إلالفاظ وعد الحروف فإن لم يعرف ذلك منه لم يجز ذلك. وكان غير واحد من أهل العلم إذا روى مثل هذا يورد الإسناد ويقول مثل حديث قبله متنه كذا وكذا ثم يسوقه. وكذلك إذا كان المحدث قد قال نحوه. قال: وهذا هو الذي أختاره.
أخبرنا أبو أحمد عبد الوهاب بن أبي منصور علي بن علي البغدادي شيخ الشيوخ بها بقراءتي عليه بها قال أخبرنا والدي رحمه الله: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد الصريفيني: أخبرنا أبو القاسم بن حبابة: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي: حدثنا عمرو بن محمد الناقد: حدثنا وكيع قال: قال شعبة: فلان عن فلان مثله لا يجزئ. قال وكيع: وقال سفيان الثوري: يجزئ.
وأما إذا قال نحوه فهو في ذلك عند بعضهم كما إذا قال مثله نبئنا بإسناد عن وكيع قال: قال سفيان: إذا قال نحوه فهو حديث وقال شعبة نحوه شك وعن يحيى بن معين: أنه أجاز ما قدمنا ذكره في قوله مثله ولم يجزه في قوله نحوه قال الخطيب: وهذا القول على مذهب من لم يجز الرواية على المعنى. فأما على مذهب من أجازها فلان فرق بين مثله و نحوه والله أعلم.
قلت: هذا له تعلق بما رويناه عن مسعود بن علي السجزي: أنه سمع الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: إن مما يلزم الحديثي من الضبط وإلاتقان أن يفرق بين أن يقول مثله أو يقول نحوه فلا يحل له أن يقول مثله إلا بعد أن يعلم أنهما على لفظ واحد ويحل أن يقول نحوه إذا كان على مثل معانيه والله أعلم.
السابع عشر: إذا ذكر الشيخ إسناد الحديث ولم يذكر من متنه إلا طرفا ثم قال وذكر الحديث أو قال وذكر الحديث بطوله فأراد الراوي عنه أن يروي

عنه الحديث بكماله وبطوله فهذا أولى بالمنع مما سبق ذكره في قوله مثله أو نحوه. فطريقه: أن يبين ذلك بأن يقتص ما ذكره الشيخ على وجهه فيقول قال: وذكر الحديث بطوله ثم يقول والحديث بطوله هو كذا وكذا ويسوقه إلى آخره.
وسأل بعض أهل الحديث أبا إسحاق إبراهيم بن محمد الشافعي المقدم في الفقه وإلاصول عن ذلك فقال: لا يجوز لمن سمع على هذا الوصف أن يروي الحديث بما فيه من إلالفاظ على التفصيل. وسأل أبو بكر البرقاني الحافظ الفقيه أبا بكر إلاسماعيلي الحافظ الفقيه عمن قرأ إسناد حديث على الشيخ ثم قال وذكر الحديث هل يجوز أن يحدث بجميع الحديث ؟ فقال: إذا عرف المحدث والقارئ ذلك الحديث فأرجو أن يجوز ذلك والبيان أولى أن يقول كما كان.
قلت: إذا جوزنا ذلك فالتحقيق فيه: أنه بطريق الإجازة فيما لم يذكره الشيخ لكنها إجازة أكيدة قوية من جهات عديدة فجاز لهذا مع كون أوله سماعا إدراج الباقي عليه من غير إفراد له بلفظ الإجازة والله أعلم.
الثامن عشر: الظاهر أنه لا يجوز تغيير عن النبي إلى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا بالعكس وإن جازت الرواية بالمعنى فإن شرط ذلك أن لا يختلف المعنى والمعنى في هذا مختلف.
__________
قوله الظاهر أنه لا يجوز تغيير عن النبى إلى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا بالعكس وإن جازت الرواية بالمعنى فإن شرط ذلك أن لا يختلف المعنى والمعنى في هذا مختلف انتهى.
وفيه نظر من حيث أن المعنى لا يختلف في نسبة الحديث لقائله بأى وصف وصف من تعريفه بالنبى أو رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نحو ذلك فإن اختلف مدلول لفظ النبى والرسول فليس المقصود هنا بيان وصفه إنما المراد تعريف القائل بأى وصف عرف به واشتهر وأما ما استدل به بعض من اختصر كتاب ابن الصلاح على منع ذلك.

وثبت عن عبد الله بن أحمد بن حنبل أنه رأى أباه إذا كان في الكتاب النبي فقال المحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب وكتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقال الخطيب أبو بكر: هذا غير لازم وإنما استحب أحمد اتباع المحدث في لفظه وإلا فمذهبه الترخيص في ذلك. ثم ذكر بإسناده عن صالح بن أحمد بن حنبل قال: قلت لأبي: يكون في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجعل إلانسان قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: أرجو أن لا يكون به بأس.
وذكر الخطيب بسنده عن حماد بن سلمة: أنه كان يحدث وبين يديه عفان وبهز فجعلا يغيران النبي صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما حماد: أما أنتما فلا تفقهان أبدا والله أعلم.
التاسع عشر: إذا كان سماعه على صفة فيها بعض الوهن فعليه أن يذكرها في حالة الرواية فإن في إغفالها نوعا من التدليس وفيما مضى لنا أمثلة لذلك. ومن أمثلته: ما إذا حدثه المحدث من حفظه في حالة المذاكرة فليقل حدثنا فلان مذاكرة أو حدثناه في المذاكرة فقد كان غير واحد من متقدم العلماء يفعل ذلك وكان جماعة من حفاظهم يمنعون من أن يحمل عنهم في المذاكرة شيء منهم عبد الرحمن بن مهدي و أبو زرعة الرازي ورويناه عن ابن المبارك وغيره. وذلك لما قد يقع فيها من المساهلة مع أن الحفظ خوان ولذلك امتنع جماعة من أعلام الحفاظ من رواية
______
من حديث البراء بن عازب في الصحيح حين علمه صلى الله عليه وسلم ما يدعو به عند النوم من قوله "آمنت بكتابك الذى أنزلت ونبيك الذى أرسلت" فقال البراء يستذكرهن وبرسولك الذى أرسلت فقال صلى الله عليه وسلم "لا قل ونبيك الذى أرسلت" فليس فيه حجة على منع ذلك في الرواية لأن ألفاظ الأذكار توقيفية في تعيين اللفظ وتقدير الثواب وربما كان اللفظ سر ليس في لفظ آخر يرادفه ولعله أراد الجمع بين وصفه بالنبوة والرسالة في موضع واحد لا حرم أن النووى قال الصواب جوازه لأنه لا يختلف به هنا معنى والله أعلم.

ما يحفظونه إلا من كتبهم منهم أحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين والله أعلم
العشرون : إذا كان الحديث عن رجلين: أحدهما مجروح مثل أن يكون عن ثابت البناني وأبان بن أبي عياش عن أنس. فلا يستحسن إسقاط المجروح من الإسناد وإلاقتصار على ذكر الثقة خوفا من أن يكون فيه عن المجروح شيء لم يذكره الثقة قال نحوا من ذلك أحمد بن حنبل ثم الخطيب أبو بكر.
قال الخطيب: وكان مسلم بن الحجاج في مثل هذا ربما أسقط المجروح من الإسناد ويذكر الثقة ثم يقول وآخر كناية عن المجروح. قال: وهذا القول لا فائدة فيه.
قلت: وهكذا ينبغي إذا كان الحديث عن رجلين ثقتين أن لا يسقط أحدهما منه لتطرق مثل إلاحتمال المذكور إليه وإن كان محذور إلاسقاط فيه أقل. ثم لا يمتنع ذلك في الصورتين امتناع تحريم لأن الظاهر اتفاق الروايتين. وما ذكر من إلاحتمال نادر بعيد فإنه من إلادراج الذي لا يجوز تعمده كما سبق في نوع المدرج والله أعلم.
الحادي والعشرون: إذا سمع بعض حديث من شيخ وبعضه من شيخ آخر فخلطه ولم يميزه وعزي الحديث جملة إليهما مبينا أن عن أحدهما بعضه وعن إلاخر بعضه فذلك جائز كما فعل الزهري في حديث إلافك حيث رواه عن عروة وابن المسيب وعلقمة بن وقاص الليثي وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة رضي الله عنها. وقال: وكلهم حدثني طائفة من حديثها قالوا: قالت: الحديث
ثم إنه ما من شيء من ذلك الحديث إلا وهو في الحكم كأنه رواه عن أحد الرجلين على إلابهام حتى إذا
_________
"
قوله" إذا سمع بعض حديث من شيخ وبعضه من شيخ آخر فخلطه ولم يميزه وعزى الحديث جملة إليهما مبينا أن عن أحدهما بعضه وعن الآخر بعضه فذلك جايز كما فعل الزهرى في حديث الإفك فذكره ثم قال وغير جائز لأحد بعد اختلاط ذلك أن يسقط ذكر أحد

كان أحدهما مجروحا لم يجز إلاحتجاج بشيء من ذلك الحديث وغير جائز لأحد بعد اختلاط ذلك أن يسقط ذكر أحد الراويين ويروي الحديث عن الآخر وحده بل يجب ذكرهما جميعا مقرونا بإلافصاح بأن بعضه عن أحدهما وبعضه عن الآخر والله أعلم.
_________
الراويين ويروى الحديث عن الآخر وحده إلى آخر كلامه وقد اعترض عليه بأن البخارى أسقط ذكر أحد شيخيه أو شيوخه في مثل هذه الصورة واقتصر على ذكر شيخ واحد فقال في كتاب الرقاق من صحيحه في باب كيف كان عيش النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتخليهم من الدنيا حدثنى أبو نعيم بنصف من هذا الحديث حدثنا عمر بن ذر حدثنا مجاهد أن أبا هريرة كان يقول آلله الذى لا إله إلا هو إن كنت لاعتمد بكبدى على الأرض من الجوع الحديث انتهى.
والجواب أن الممتنع إنما هو إسقاط بعض شيوخه وإيراد جميع الحديث عن بعضهم لأنه حينئذ يكون قد حدث عن المذكور ببعض ما لم يسمعه منه فأما إذا بين أنه لم يسمع منه إلا بعض الحديث كما فعل البخارى هنا فليس بممتنع وقد بين البخاري في موضع آخر من صحيحه القدر الذي سمعه من أبى نعيم من هذا الحديث أو بعض ما سمعه منه فقال في كتاب الاستئذان حدثنا أبو نعيم حدثنا عمر بن ذر ح وحدثنا محمد بن مقاتل أنبأنا عبد الله أنبأنا عمر بن ذر أنبأنا مجاهد عن أبى هريرة رضي الله عنه قال "دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد لبنا في قدح فقال: أبا هر ألحق الصفة أهل فادعهم إلى" قال فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فدخلوا انتهى.
فهذا هو بعض حديث أبى نعيم الذي ذكره في الرقاق وأما بقية الحديث فيتحمل أن البخاري أخذه من كتاب أبى نعيم وجادة أو إجازة له سمعه من شيخ آخر غير أبى نعيم أما محمد بن مقاتل الذي روى عنه في الاستئذان بعضه أو غيره ولم يبين ذلك بل اقتصر على اتصال بعض الحديث من غير بيان ولكن ما من قطعة منه إلا وهى محتملة لأنها غير متصلة بالسماع إلا القطعة التي صرح البخاري في الاستيذان باتصالها والله أعلم.

النوع السابع والعشرون: معرفة آداب المحدث:

وقد مضى طرف منها اقتضته إلانواع التي قبله.
علم الحديث علم شريف يناسب مكارم إلاخلاق ومحاسن الشيم وينافر مساوي إلاخلاق ومشاين الشيم وهو من علوم إلاخرة لا من علوم الدنيا. فمن أراد التصدي لإسماع الحديث أو لإفادة شيء من علومه فليقدم تصحيح النية وإخلاصها وليطهر قلبه من إلاغراض الدنيوية وأدناسها وليحذر بلية حب الرياسة ورعوناتها.
وقد اختلف في السن الذي إذا بلغه استحب له التصدي لإسماع الحديث وإلانتصاب لروايته. والذي نقوله: إنه متى احتيج إلى ما عنده استحب له التصدي لروايته ونشره في أي سن كان. وروينا عن القاضي الفاضل أبي محمد بن خلاد رحمه الله أنه قال: الذي يصح عندي من طريق إلاثر والنظر في الحد الذي إذا بلغه الناقل حسن به أن يحدث هو: أن يستوفي الخمسين لأنها انتهاء الكهولة وفيها مجتمع إلاشد. قال سحيم بن وثيل:
أخو خمسين مجتمع أشدي ونجذني مداورة الشؤون
قال: وليس بمنكر أن يحدث عند استيفاء الأربعين لأنها حد الاستواء ومنتهى الكمال نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين وفي الأربعين تتناهى عزيمة الإنسان وقوته ويتوفر عقله ويجود رأيه.
وأنكر القاضي عياض ذلك على ابن خالد وقال: كم من السلف المتقدمين ومن بعدهم من المحدثين من لم ينته إلى هذا السن ومات قبله وقد نشر من الحديث والعلم ما لا يحصى هذا عمر بن عبد العزيز توفي ولم يكمل الأربعين و سعيد بن جبير لم يبلغ الخمسين.
وكذلك إبراهيم النخعي وهذا مالك بن أنس جلس للناس ابن نيف وعشرين

وقيل: ابن سبع عشرة والناس متوافرون وشيوخه أحياء.
وكذلك محمد بن إدريس الشافعي: قد أخذ عنه العلم في سن الحداثة وانتصب لذلك. والله أعلم.
قلت: ما ذكره ابن خلاد غير مستنكر وهو محمول على أنه قاله: فيمن يتصدى للتحديث ابتداء من نفسه من غير براعة في العلم تعجلت له قبل السن الذي ذكره. فهذا إنما ينبغي له ذلك بعد استيفاء السن المذكور فإنه مظنة الاحتياج إلى ما عنده.
وأما الذين ذكرهم عياض ممن حدث قبل ذلك: فالظاهر أن ذلك لبراعة منهم في العلم تقدمت ظهر لهم معها الاحتياج إليهم فحدثوا قبل ذلك أو لأنهم سئلوا ذلك إما بصريح السؤال وإما بقرينة الحال.
وأما السن الذي إذا بلغه المحدث انبغى له الإمساك عن التحديث: فهو السن الذي يخشى عليه فيه من الهرم والخرف ويخاف عليه فيه أن يخلط ويروي ما ليس من حديثه والناس في بلوغ هذه السن يتفاوتون بحسب اختلاف أحوالهم. وهكذا إذا عمي وخاف أن يدخل عليه ما ليس من حديثه فليمسك عن الرواية وقال ابن خلاد: أعجب إلي أن يمسك في الثمانين لأنه حد الهرم فإن كان عقله ثابتا ورأيه مجتمعا يعرف حديثه ويقوم به وتحرى أن يحدث احتسابا رجوت له خيرا ووجه ما قاله: أن من بلغ الثمانين ضعف حاله في الغالب وخيف عليه إلاختلال وإلاخلال أو أن لا يفطن له إلا بعد أن يخلط كما اتفق لغير واحد من الثقات منهم عبد الرزاق و سعيد بن أبي عروة.
وقد حدث خلق بعد مجاوزة هذا السن فساعدهم التوفيق وصحبتهم السلامة منهم: أنس بن مالك و سهل بن سعد و عبد الله بن أبي أوفي من الصحابة و مالك

و الليث و ابن عيينة و علي بن الجعد في عدد جم من المتقدمين والمتأخرين. وفيهم غير واحد حدثوا بعد استيفاء مائة سنة منهم: الحسن بن عرفة و أبو القاسم البغوي و أبو إسحاق العجيمي و القاضي أبو الطيب الطبري رضي الله عنهم أجمعين والله أعلم.
ثم إنه لا ينبغي للمحدث أن يحدث بحضرة من هو أولى منه بذلك. و كان إبراهيم و الشعبي إذا اجتمعا لم يتكلم إبراهيم بشيء.
وزاد بعضهم: فكرة الرواية ببلد فيه من المحدثين من هو أولى منه لسنه أو لغير ذلك.
روينا عن يحيى بن معين قال: إذا حدثت في بلد فيه مثل أبي مسهر فيجب للحيتي أن تحلق.
وعنه أيضا: إن الذي يحدث بالبلدة وفيها من هو أولى بالتحديث منه فهو أحمق.
وينبغي للمحدث إذا التمس منه ما يعلمه عند غيره في بلده أو غيره بإسناد أعلى من إسناده أو أرجح من وجه آخر أن يعلم الطالب به ويرشده إليه فإن الدين النصيحة.
ولا يمتنع من تحديث أحد لكونه غير صحيح النية فيه فإنه يرجى له حصول النية من بعد روينا عن معمر قال: كان يقال: إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبى عليه العلم حتى يكون لله عز وجل
وليكن حريصا على نشره مبتغيا جزيل أجره.
وقد كان في السلف رضي الله عنهم من يتألف الناس على حديثه منهم عروة بن الزبير رضي الله عنهما وليقتد بمالك رضي الله عنه: فيما أخبرناه أبو القاسم الفراوي

بنيسابور أخبرنا أبو المعالي الفارسي: أخبرنا أبو بكر البيهقي الحافظ قال: أنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني حدثنا جدي: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: كان مالك بن أنس إذا أراد أن يحدث توضأ وجلس على صدر فراشه وسرح لحيته وتمكن في جلوسه بوقار وهيبة وحدث. فقيل له في ذلك. فقال: أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحدث إلا على طهارة متمكنا وكان يكره أن يحدث في الطريق أو هو قائم أو يستعجل. وقال أحب أن أتفهم ما أحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروي أيضا عنه أنه كان يغتسل لذلك ويتبخر ويتطيب فإن رفع أحد صوته في مجلسه زبره وقال: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} . فمن رفع صوته عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنما رفع صوته فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروينا أو: بلغنا عن محمد بن أحمد بن عبد الله الفقيه أنه قال: القارئ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام لأحد فإنه يكتب عليه خطيئة".
ويستحب له مع أهل مجلسه ما ورد عن حبيب بن أبي ثابت أنه قال: إن من السنة إذا حدث الرجل القوم أن يقبل عليهم جميعا والله أعلم.
ولا يسرد الحديث سردا يمنع السامع من إدراك بعضه.
وليفتتح مجلسه وليختتمه بذكر ودعاء يليق بالحال. ومن أبلغ ما يفتتحه به أن يقول: الحمد لله رب العالمين أكمل الحمد على كل حال. والصلاة والسلام الأتمان على سيد المرسلين كلما ذكره الذاكرون وكلما غفل عن ذكره الغافلون. اللهم صل

عليه وعلى آله وسائر النبيين وآل كل وسائر الصالحين نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون.
ويستحب للمحدث العارف عقد مجلس لإملاء الحديث فإنه من أعلى مراتب الراوين والسماع فيه من أحسن وجوه التحمل وأقواها وليتخذ مستمليا يبلغ عنه إذا كثر الجمع فذلك دأب أكابر المحدثين المتصدين لمثل ذلك.
وممن روي عنه ذلك: مالك و شعبة و وكيع و أبو عاصم و يزيد بن هارون في عدد كثير من الأعلام السالفين وليكن ستمليه محصلا متيقظا كيلا يقع في مثل ما روينا: أن يزيد بن هارون سئل عن حديث فقال: حدثنا به عدة فصاح به مستمليه: يا أبا خالد عدة ابن من ؟ فقال له: عدة ابن فقدتك.
وليستمل على موضع مرتفع من كرسي أو نحوه فإن لم يجد استملى قائما.
وعليه أن يتبع لفظ المحدث فيؤديه على وجهه من غير خلاف. والفائدة في استملاء المستملي: توصل من يسمع لفظ المملي على بعد منه إلى تفهمه وتحققه بإبلاغ المستملي.
وأما من لم يسمع إلا لفظ المستملي: فليس يستفيد بذلك جواز روايته لذلك عن المملي مطلقا من غير بيان الحال فيه. وفي هذا كلام قد تقدم في النوع الرابع والعشرين.
______
النوع السابع والعشرون: معرفه آداب المحدث.
"
قوله" وأما من لم يسمع إلا لفظ المستملى فليس يستفيد بذلك جواز روايته لذلك عن المملى مطلقا من غير بيان الحال فيه وفي هذا كلام قد تقدم في النوع الرابع والعشرين انتهى.
والذي قدمه هناك أنه حكى هناك قولين أحدهما الجواز والثاني المنع وقال إن الأول بعيد فاقتضى كلامه هناك رجحان الامتناع والصواب كما قدمته هناك أنه إن كان المملى

ويستحب افتتاح المجلس بقراءة قارئ لشيء من القرآن العظيم. فإذا فرغ استنصت المستملي أهل المجلس إن كان فيه لغط ثم يبسمل ويحمد الله تبارك وتعالى ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتحرى الأبلغ في ذلك ثم يقبل على المحدث ويقول: من ذكرت أو ما ذكرت رحمك الله أو غفر الله لك أو نحو ذلك وكلما انتهى إلى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه وذكر الخطيب أنه يرفع صوته بذلك وإذا انتهى إلى ذكر الصحابي قال رضي الله عنه.
ويحسن بالمحدث الثناء على شيخه في حالة الرواية عنه بما هو أهل له فقد فعل ذلك غير واحد من السلف والعلماء كما روي عن عطاء بن أبي رباح أنه كان إذا حدث عن ا بن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني البحر وعن وكيع أنه قال حدثنا سفيان أمير المؤمنين في الحديث.
وأهم من ذلك الدعاء له عند ذكره فلا يغفلن عنه.
ولا بأس بذكر من يروي عنه بما يعرف به من لقب كغندر لقب محمد بن جعفر صاحب شعبة و لوين لقب محمد بن سليمان المصيصي. أو نسبة إلى أم عرف بها كيعلى بن منية الصحابي وهو ابن أمية ومنية أمه وقيل: جدته أم أبيه أو وصف بصفة
_________
يسمع لفظ المستملى فحكم حكم القارئ وعلى الشيخ فيجوز لسامع المستملى أن يرويه عن المملى لكن لا يجوز أن يقول سمعت ولا أخبرنى فلان املاء إنما يجوز ذلك لمن سمع لفظ المملى ويجوز أن يقول أنبأنا فلان ويطلق ذلك على الصحيح وهل يجوز أن يقيد ذلك بقوله قراءة عليه تحتمل أن يقال بالجواز لأن المستملى كالقارئ على الشيخ ويحمل أن لا يجوز ذلك لأن موضوع المستملى تبليغ ألفاظ الشيخ وليس قصده القراءة على الشيخ الأول أظهر كما تقدم هناك والله أعلم.
قوله أو نسبة إلى أم عرف بها كيعلى بن منية الصحابى وهو ابن أمية ومنية أمه وقيل جدته أم أبيه انتهى

نقص في جسده عرف بها كسليمان إلاعمش وعاصم إلاحول. إلا ما يكرهه من ذلك كما في إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية وهي أمه وقيل: أم أمه. روينا عن يحيى بن معين أنه كان يقول حدثنا إسماعيل بن علية فنهاه أحمد بن حنبل وقال: قل إسماعيل بن إبراهيم فإنه بلغني أنه كان يكره أن ينسب إلى أمه فقال: قد قبلنا منك يا معلم الخير.
وقد استحب للملي أن يجمع في إملائه بين الرواية عن جماعة من شيوخه مقدما للأعلى إسنادا أو إلاولى من وجه آخر. ويملي عن كل شيخ منهم حديثا واحدا ويختار ما علا سنده وقصر متنه فإنه أحسن وأليق. وينتقي ما يمليه ويتحرى المستفاد منه وينبه على ما فيه من فائدة وعلو وفضيلة. ويتجنب ما لا تحتمله عقول الحاضرين وما يخشى فيه من دخول الوهم عليهم في فهمه.
وكان من عادة غير واحد من المذكورين ختم إلاملاء بشيء من الحكايات والنوادر وإلانشادات بأسانيدها وذلك حسن والله أعلم.
وإذا قصر المحدث عن تخريج ما يمليه فاستعان ببعض حفاظ وقته فخرج له فلا بأس بذلك
قال الخطيب: كان جماعة من شيوخنا يفعلون ذلك.
وإذا نجز إلاملاء فلا غنى عن مقابلته وإتقانه وإصلاح ما فسد منه بزيغ القلم
_______
رجح المصنف هنا أن منية أم يعلى واقتصر في النوع السابع والخمسين على كونها جدته وحكاه عن الزبير بن بكار وأنها جدته أم أبيه وما قاله الزبير هو الذى حزم به أبو نصر بن ماكولا ولكن قال ابن عبد البر لم يصب الزبير انتهى.
والذى ذكره الطبرى ورجحه أبو الحجاج المزى أنها أم يعلى لا جدته فما رجحه المصنف وهو الراجح والله أعلم.
"
قوله" وإذا نجز الإملاء فلا غناء عن مقابلته واتقانه انتهى.

وطغيانه هذه عيون من آداب المحدث اجتزأنا بها معرضين عن التطويل بما ليس من مهماتها أو هو ظاهر ليس من مستبهماتها والله الموفق والمعين وهو أعلم.
النوع الثامن والعشرون- معرفة آداب طالب الحديث:وقد اندرج طرف منه في ضمن ما تقدم فأول ما عليه تحقيق الإخلاص والحذر من أن يتخذه وصلة إلى شيء من الأغراض الدنيوية روينا عن حماد بن سلمه رضي الله عنه أنه قال: من طلب الحديث لغير الله مكر به وروينا عن سفيان الثوري رضي الله عنه قال: ما أعلم عملا هو أفضل من طلب الحديث لمن أراد الله به.
وروينا نحوه عن ابن المبارك رضي الله عنه. ومن أقرب الوجوه في إصلاح النية فيه: ما روينا عن أبي عمرو إسماعيل بن نجيد: أنه سأل أبا جعفر أحمد بن حمدان وكانا عبدين صالحين فقال له: بأي نية أكتب الحديث؟ فقال: ألستم تروون أن عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة ؟ قال: نعم. قال: فرسول الله صلى الله عليه وسلم رأس الصالحين.
وليسأل الله تبارك وتعالى التيسير والتأييد والتوفيق والتسديد وليأخذ نفسه بالأخلاق
________
هكذا ذكره المصنف هنا أنه لاغناء عن مقابلة الإملاء وتقدم في كلامه في النوع الخامس والعشرين الترخص في الرواية من نسخة غير قابلة بشروط ثلاثة فيحتمل أن يكون كلامه هنا محمولا على ما تقدم هناك ويحتمل أن يفرق بين النسخ من أصل السماع والنسخ من إملاء الشيخ حفظا لأن الحفظ يخون فربما تذكر الشيخ عند المعارضة ما لعله سبق إلى لفظه والله أعلم.
"
قوله" نجز هو بكسر الجيم على المشور وبه جزم الجوهرى فقال نجز الشئ بالكسر ينجز نجزا أى انقضى وفنى انتهى.
وهذا هو الذى قيد عن المصنف في حاشية علوم الحديث حين قرئ عليه والذى صدر به صاحب المحكم كلامه بالفتح فقال نجز الكلام بالفتح انقطع ونجز الوعد ينجز نجزا حضر قال وقد يقال نجز قال ابن السكيت كأن نجز فنى وكأن نجز قضى حاجته انتهى.

الزكية والآداب المرضية. فقد روينا عن أبي عاصم النبيل قال: من طلب هذا الحديث فقد طلب أعلى أمور الدين فيجب أن يكون خير الناس وفي السن الذي يستحب فيه الابتداء بسماع الحديث وبكتبته اختلاف سبق بيانه في أول النوع الرابع والعشرين وإذا أخذ فيه فليشمر عن ساق جهده واجتهاده ويبدأ بالسماع من أسند شيوخ مصره ومن الأولى فالأولى من حيث العلم أو الشهرة أو الشرف أو غير ذلك.
وإذا فرغ من سماع العوالي والمهمات التي ببلده فليرحل إلى غيره.
روينا عن يحيى بن معين أنه قال: أربعة لا يؤنس منهم رشد: حارس الدرب ومنادي القاضي وابن المحدث ورجل يكتب في بلده ولا يرحل في طلب الحديث وروينا عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قيل له: أيرحل الرجل في طلب العلو ؟ فقال: بلى والله شديدا لقد كان علقمة والأسود يبلغهما الحديث عن عمر رضي الله عنه فلا يقنعهما حتى يخرجا إلى عمر رضي الله عنه فيسمعانه منه والله أعلم.
وعن إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه أنه قال: إن الله تعالى يدفع البلاء عن هذه الأمة برحلة أصحاب الحديث ولا يحملنه الحرص والشره على التساهل في السماع والتحمل والإخلال بما يشترط عليه في ذلك على ما تقدم شرحه.
وليستعمل ما يسمعه من الأحاديث الواردة بالصلاة والتسبيح وغيرهما من الأعمال الصالحة فذلك زكاة الحديث على ما روينا عن العبد الصالح بشر بن الحارث الحافي رضي الله عنه.
وروينا عنه أيضا أنه قال: يا أصحاب الحديث أدوا زكاة هذا الحديث اعملوا من كل مأتي حديث بخمسة أحاديث.
وروينا عن عمرو بن قيس الملائي رضي الله عنه قال: إذا بلغك شيء من

الخير فاعمل به ولو مرة تكن من أهله وروينا عن وكيع قال: إذا أرت أن تحفظ الحديث فاعمل به.
وليعظم شيخه ومن يسمع منه فذلك من إجلال الحديث والعلم ولا يثقل عليه ولا يطول بحيث يضجره فإنه يخشى على فاعل ذلك أن يحرم الانتفاع.
وقد روينا عن الزهري أنه قال: إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيب.
ومن ظفر من الطلبة بسماع شيخ فكتمه غيره لينفرد به عنهم كان جديرا بأن لا ينتفع به وذلك من اللؤم الذي يقع فيه جهلة الطلبة الوضعاء. ومن أول فائدة طلب الحديث الإفادة.
روينا عن مالك رضي الله عنه أنه قال: من بركة الحديث إفادة بعضهم بعض.
وروينا عن إسحاق بن إبراهيم راهويه: أنه قال لبعض من سمع منه في جماعة: انسخ من كتابهم ما قد قرأت. فقال: إنهم لا يمكنونني. قال إذا والله لا يفلحون قد رأينا أقواما منعوا هذا السماع فو الله ما أفلحوا ولا أنجحوا.
قلت: وقد رأينا نحن أقواما منعوا السماع فما أفلحوا ولا أنجحوا ونسأل الله العافية والله أعلم.
ولا يكن ممن يمنعه الحياء أو الكبر عن كثير من الطلب.
وقد روينا عن مجاهد رضي الله عنه أنه قال: لا يتعلم مستحي ولا مستكبر.
وروينا عن عمر بن الخطاب وابنه رضي الله عنهما أنهما قإلا: من رق وجهه رق علمه.
ولا يأنف من أن يكتب عمن دونه ما يستفيده منه. روينا عن وكيع بن الجراح رضي الله عنه أنه قال: لا ينبل الرجل من أصحاب الحديث حتى يكتب عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه وليس بموفق من ضيع شيئا من وقته في إلاستكثار من

الشيوخ لمجرد اسم الكثرة وصيتها وليس من ذلك قول أبي حاتم الرازي: إذا كتبت فقمش وإذا حدثت ففتش وليكتب وليسمع ما يقع إليه من كتاب أو جزء على التمام ولا ينتخب. فقد قال ابن المبارك رضي الله عنه: ما انتخبت على عالم قط إلا ندمت. وروينا عنه أنه قال: لا ينتخب على عالم إلا بذنب.
وروينا أو بلغنا عن يحيى بن معين أنه قال: سيندم المنتخب في الحديث حين لا تنفعه الندامة
فإن ضاقت به الحال عن إلاستيعاب وأحوج إلى إلانتقاء وإلانتخاب تولى ذلك بنفسه إن كان أهلا مميزا عارفا بما يصلح للانتقاء وإلاختيار. وإن كان قاصرا عن ذلك استعان ببعض الحفاظ لينتخب له. وقد كان جماعة من الحفاظ متصدين للانتقاء على الشيوخ والطلبة تسمع وتكتب بانتخابهم منهم: إبراهيم بن أرمة إلاصبهاني و أبو عبد الله الحسين بن محمد المعروف بعبيد العجل و أبو الحسن الدارقطني و أبو بكر الجعاني في آخرين وكانت العادة جارية برسم الحافظ علامة في أصل الشيخ على ما ينتخبه فكان النعيمي أبو الحسن يعلم بصاد ممدودة و أبو محمد الخلال بطاء ممدودة و أبو الفضل الفلكي بصورة همزتين وكلهم يعلم بحبر في الحاشية اليمنى من الورقة وعلم الدارقطني في الحاشية اليسرى بخط عريض بالحمرة. وكان أبو القاسم اللالكائي الحافظ يعلم بخط صغير بالحمرة على أول إسناد الحديث ولا حجر في ذلك ولكل الخيار.
ثم لا ينبغي لطالب الحديث: أن يقتصر على سماع الحديث وكتبه دون معرفته وفهمه فيكون قد أتعب نفسه من غير أن يظفر بطائل وبغير أن يحصل في عداد أهل الحديث بل لم يزد على أن صار من المتشبهين المنقوصين المتحلين بما هم منه عاطلون.
أنشدني أبو المظفر بن الحافظ أبي سعد السمعاني رحمه الله لفظا بمدينة مرو قال: أنشدنا والدي لفظا أو قراءة عليه قال: أنشدنا محمد بن ناصر ألسلامي من لفظه قال

أنشدنا الأديب الفاضل فارس بن الحسين لنفسه:
يا طالب العلم الذي ذهبت بمدته الرواية
كن في الرواية ذا العناية بالرواية والدراية
وارو القليل وراعه فالعلم ليس له نهاية ولتقدم العناية بالصحيحين ثم بسنن أبي داود وسنن النسائي وكتاب الترمذي ضبطا لمشكلها وفهما لخفي معانيها ولا يخدعن عن كتاب السنن الكبير للبيهقي فإنا لا نعلم مثله في بابه ثم بسائر ما تمس حاجة صاحب الحديث إليه من كتب المساند كمسند أحمد ومن كتب الجوامع المصنفة في إلاحكام المشتملة على المسانيد وغيرها وموطأ مالك هو المقدم منها ومن كتب علل الحديث ومن أجودها كتاب العلل عن أحمد بن حنبل وكتاب العلل عن الدارقطني ومن كتب معرفة الرجال وتواريخ المحدثين ومن أفضلها تاريخ البخاري الكبير و كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ومن كتب الضبط لمشكل إلاسماء ومن أكملها كتاب إلاكمال لأبي ناصر بن ماكولا وليكن كلما مر به اسم مشكل أو كلمة من حديث مشكلة بحث عنها وأودعها قلبه فإنه يجتمع له بذلك علم كثير في يسر
وليكن تحفظه للحديث على التدريج قليلا قليلا مع إلايام والليالي فذلك أحرى بأن يمتع بمحفوظه.
وممن ورد ذلك عنه من حفاظ الحديث المتقدمين شعبة و ابن علية و معمر.
وروينا عن معمر قال: سمعت الزهري يقول من طلب العلم جملة فاته جملة وإنما يدرك العلم حديثا وحديثين. وليكن إلاتقان من شأنه فقد قال عبد الرحمن بن مهدي: الحفظ إلاتقان ثم إن المذاكرة بما يتحفظه من أقوى أسباب إلامتاع به.
روينا عن علقمة النخعي قال: تذاكروا الحديث فإن حياته ذكره. وعن إبراهيم النخعي قال: من سره أن يحفظ الحديث فليحدث به ولو أن يحدث به من لا يشتهيه.

وليشتغل بالتخريج والتأليف والتصنيف إذا استعد لذلك وتأهل له فإنه كما قال الخطيب الحافظ يثبت الحفظ ويذكي القلب ويشحذ الطبع ويجيد البيان ويكشف الملتبس ويكسب جميل الذكر ويخلده إلى آخر الدهر وقل ما يمهر في علم الحديث ويقف على غوامضه ويسبين الخفي من فوائده إلا من فعل ذلك. وحدث الصوري الحافظ محمد بن علي قال: رأيت أبا محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ في المنام فقال لي: يا أبا عبد الله خرج وصنف قبل أن يحال بينك وبينه ها أنا ذا تراني قد حيل بيني وبين ذلك.
وللعلماء بالحديث في تصنيفه طريقتان:
إحداهما : التصنيف على إلابواب وهو تخريجه على أحكام الفقه وغيرها وتنويعه أنواعا وجمع ما ورد في كل حكم وكل نوع في باب فباب.
والثانية : تصنيفه على المسانيد وجمع حديث كل صحابي وحده وإن اختلفت أنواعه. ولمن اختار ذلك أن يرتبهم على حروف المعجم في أسمائهم. وله أن يرتبهم على القبائل فيبدأ ببني هاشم ثم بإلاقرب فإلاقرب نسبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وله أن يرتب على سوابق الصحابة فيبدأ بالعشرة ثم بأهل بدر ثم بأهل الحديبية ثم بمن أسلم وهاجر بين الحديبية وفتح مكة ويختم بأصاغر الصحابة كأبي الطفيل ونظرائه ثم بالنساء وهذا أحسن وإلاول أسهل. وفي ذلك من وجوه الترتيب غير ذلك.
ثم إن من أعلى المراتب في تصنيفه تصنيفه معللا بأن يجمع في كل حديث طرفه واختلاف الرواة فيه كما فعل يعقوب بن شيبة في مسنده. ومما يعتنون به في التأليف جمع الشيوخ أي جمع حديث شيوخ مخصوصين كل واحد منهم على انفراده. قال عثمان بن سعيد الدارمي: يقال من لم يجمع حديث هؤلاء الخمسة فهو مفلس في

الحديث: سفيان و شعبة و مالك و حماد بن زيد و ابن عيينة وهم أصول الدين وأصحاب الحديث يجمعون حديث خلق كثير غير الذين ذكرهم الدارمي منهم: أيوب السختياني و الزهري و إلاوزاعي
ويجمعون أيضا التراجم وهي أسانيد يخصون ما جاء بها بالجمع والتأليف مثل: ترجمة مالك عن نافع عن ابن عمر وترجمة سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة وترجمة هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها في أشباه لذلك كثيرة.
ويجمعون أيضا أبوابا من أبواب الكتب المصنفة الجامعة للأحكام فيفردونها بالتأليف فتصير كتبا مفردة نحو باب رؤية الله عز وجل وباب رفع اليدين. وباب القراءة خلف إلامام وغير ذلك ويفردون أحاديث فيجمعون طرقها في كتب مفردة نحو: طرق حديث قبض العلم وحديث الغسل يوم الجمعة وغير ذلك. وكثير من أنواع كتابنا هذا قد أفردوا أحاديثه بالجمع والتصنيف وعليه في كل ذلك تصحيح القصد والحذر من قصد المكاثرة ونحوه بلغنا عن حمزة بن محمد الكناني: أنه خرج حديثا واحدا من نحو مأتي طريق فأعجبه ذلك فرأى يحيى بن معين في منامه فذكر له ذلك فقال له: أخشى أن يدخل هذا تحت: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} .
ثم ليحذر أن يخرج إلى الناس ما يصنفه إلا بعد تهذيبه وتحريره وإعادة النظر فيه وتكريره
وليتق أن يجمع ما لم يتأهل بعد لاجتناء ثمرته واقتناص فائدة جمعه كيلا يكون حكمه ما رويناه عن علي بن المديني قال: إذا رأيت الحدث أول ما يكتب الحديث يجمع حديث الغسل وحديث: من كذب فاكتب على قفاه لا يفلح.
ثم إن هذا الكتاب مدخل إلى هذا الشأن مفصح عن أصوله وفروعه شارح لمصطلحات أهله ومقاصدهم ومهماتهم التي ينقص المحدث بالجهل بها نقصا فاحشا فهو إن شاء الله جدير بأن تقدم العناية به ونسأل الله سبحانه فضله العظيم وهو أعلم.

النوع التاسع والعشرون: معرفة الإسناد العالي والنازل:

أصل الإسناد أولا: خصيصة فاضلة من خصائص هذه الأمة وسنة بالغة من السنن المؤكدة روينا من غير وجه عن عبد الله بن المبارك رضي الله عنه أنه قال: الإسناد من الدين لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء وطلب العلو فيه سنة أيضا ولذلك استحبت الرحلة فيه على ما سبق ذكره.
قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه: طلب الإسناد العالي سنة عمن سلف وقد روينا: أن يحيى بن معين رضي الله عنه قيل له في مرضه الذي مات فيه: ما تشتهي ؟ قال: بيت خالي وإسناد عالي.
قلت: العلو يبعد الإسناد من الخلل لأن كل رجل من رجاله يحتمل أن يقع الخلل من جهته سهوا أو عمدا ففي قلتهم قلة جهات الخلل وفي كثرتهم كثرة جهات الخلل وهذا جلي واضح.
ثم إن العلو المطلوب في رواية الحديث على أقسام خمسة:
أولها : القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد نظيف غير ضعيف وذلك من أجل أنواع العلو. وقد روينا عن محمد بن أسلم الطوسي الزاهد العالم رضي الله عنه أنه قال: قرب الإسناد قرب أو قربة إلى الله عز وجل. وهذا كما قال لأن قرب الإسناد قرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرب إليه قرب إلى الله عز وجل.
الثاني : وهو الذي ذكره الحاكم أبو عبد الله الحافظ: القرب من إمام من أئمة الحديث وإن كثر العدد من ذلك لإمام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذا وجد ذلك في إسناد وصف بالعلو نظرا إلى قربه من ذلك الإمام وإن لم يكن عاليا بالنسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكلام الحاكم يوهم أن القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعد من العلو المطلوب أصلا.
وهذا غلط من قائله لأن القرب منه صلى الله عليه وسلم بإسناد نظيف غير ضعيف أولى بذلك.
ولا ينازع في هذا من له مسك من معرفة وكأن الحاكم أراد بكلامه ذلك إثبات العلو للإسناد بقربه من إمام وإن لم يكن قريبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والإنكار على من يراعي في ذلك مجرد قرب الإسناد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان إسنادا ضعيفا ولهذا مثل ذلك بحديث أبي هدبة و دينار والأشج وأشباههم والله أعلم.
الثالث: العلو بالنسبة إلى رواية الصحيحين أو أحدهما أو غيرهما من الكتب المعروفة المعتمدة وذلك ما اشتهر آخرا من الموافقات والإبدال والمساواة والمصافحة.
______
النوع التاسع والعشرون معرفة الإسناد العالي والنازل.
"
قوله" الثالث العلو بالنسبة إلى رواية الصحيحين أو أحدهما أو غيرهما من الكتب المعروفة ثم قال ثم اعلم أن هذا النوع من العلو علو تابع لنزول إذ لولا نزول ذلك الإمام في إسناده لم تعل أنت في إسنادك انتهى.
أطلق المصنف أن هذا النوع من العلو تابع لنزول وليس ذلك على إطلاقه وإنما هو الغالب وربما يكون هذا النوع من العلو غير تابع لنزول بل يكون عاليا من حديث ذلك الإمام أيضا. ومثاله حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان على موسى يوم كلمه الله كساء صوف وجبة صوف" الحديث. رواه الترمذي عن علي بن حجر عن خلف ابن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود وقد وقع لنا عاليا بدرجتين أخبرني به أبو الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومي أنبأنا أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد المنعم الحراني وأخبرني أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم

وقد كثر اعتناء المحدثين المتأخرين بهذا النوع. وممن وجدت هذا النوع في كلامه أبو بكر الخطيب الحافظ وبعض شيوخه و أبو نصر بن ماكولا و أبو عبد الله الحميدي وغيرهم من طبقتهم وممن جاء بعدهم.
أما الموافقة: فهي أن يقع لك الحديث عن شيخ مسلم فيه مثلا عاليا بعدد أقل من العدد الذي يقع لك به ذلك الحديث عن ذلك الشيخ إذا رويته عن مسلم عنه.
وأما البدل: فمثل أن يقع لك هذا العلو عن شيخ غير شيخ مسلم هو مثل شيخ مسلم في ذلك الحديث وقد يرد البدل إلى الموافقة فيقال فيما ذكرناه: إنه موافقة عالية في شيخ شيخ مسلم ولو لم يكن ذلك عاليا فهو أيضا موافقة وبدل لكن لا يطلق عليه اسم الموافقة والبدل لعدم إلالتفات إليه
وأما المساواة: فهي في أعصارنا
__________
الأنصارى بقراءتى عليه بدمشق في الرحلة الألى قال أنبأنا أحمد بن عبد الدايم المقدسى قراءة عليه وأنا أحاضر قالا أنبأنا عبد المنعم بن عبد الوهاب أنبأنا على بن أحمد بن محمد بن بيان قال أنبأنا محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد قال أنبأنا إسماعيل بن محمد الصفار قال حدثنا الحسن عن عرفة أنبأنا خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوم كلم الله موسى عليه السلام كانت عليه جبة صوف وسراويل صوف وكساء صوف وكمة صوف ونعلاه من جلد حمار غير ذكى" فهذا الحديث بهذا الإسناد لا يقع لأحد في هذه الأزمان أعلا منه على وجه الدنيا من حيث العدد وهو علو مطلق ليس تابعا لنزول فإنه عال للترمذى أيضا فإن خلف بن خليفة من التابعين وأعلى ما يقع للترمذى روايته عن اتباع التابعين وأما علو طريقنا فأمر واضح فإن شيخنا أبا الفتح آخر من روى عن النجيب عبد اللطيف بالسماع والنجيب آخر من روى عن عبد المنعم بن كليب بالسماع وابن كليب آخر من روى عن ابن بيان وابن بيان آخر من روى عن ابن مخلد وابن مخلد آخر من روى عن الصفار والصفار آخر من روى عن ابن عرفة فيما ذكره الحافظ أبو سعيد العلائى وابن عرفة آخر من روى عن خلف بن خليفة وخلف بن خليفة آخر من رأى الصحابة فهو علو مطلق والله أعلم.

أن يقل العدد في إسنادك لا إلى شيخ مسلم وأمثاله ولا إلى شيخ شيخه بل إلى من هو أبعد من ذلك كالصحابي أو من قاربه وربما كان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث يقع بينك وبين الصحابي مثلا من العدد مثل ما وقع من العدد بين مسلم وبين ذلك الصحابي فتكون بذلك مساويا لمسلم مثلا في قرب الإسناد وعدد رجاله.
وأما المصافحة: فهي أن تقع هذه المساواة التي وصفناها لشيخك لا لك فيقع ذلك لك مصافحة إذ تكون كأنك لقيت مسلما في ذلك الحديث وصافحته به لكونك قد لقيت شيخك المساوي لمسلم
فإن كانت المساواة لشيخ شيخك كانت المصافحة لشيخك فتقول: كأن شيخي سمع مسلما وصافحه وإن كانت المساواة لشيخ شيخ شيخك فالمصافحة لشيخ شيخك فتقول فيها: كأن شيخ شيخي سمع مسلما وصافحه. ولك أن لا تذكر لك في ذلك نسبة بل تقول: كأن فلانا سمعه من مسلم من غير أن تقول فيه شيخي أو شيخ شيخي.
ثم لا يخفي على المتأمل: أن في المساواة والمصافحة الواقعتين لك لا يلتقي إسنادك وإسناد مسلم أو نحوه إلا بعيدا عن شيخ مسلم فيلتقيان في الصحابي أو قريبا منه. فإن كانت المصافحة التي تذكرها ليست لك بل لمن فوقك من رجال إسنادك أمكن التقاء الإسنادين فيها في شيخ مسلم أو أشباهه وداخلت المصافحة حينئذ الموافقة فإن معنى الموافقة راجع إلى مساواة ومصافحة مخصوصة إذ حاصلها: أن بعض من تقدم من رواة إسنادك العالي ساوى أو صافح مسلما أو البخاري لكونه سمع ممن سمع من شيخهما مع تأخر طبقته عن طبقتهما ويوجد في كثير من العوالي المخرجة لمن تكلم أولا في هذا النوع وطبقتهم المصافحات مع الموافقات والإبدال لما ذكرناه.
ثم اعلم أن هذا النوع من العلو علو تابع لنزول إذ لولا نزول ذلك إلامام في إسناده لم تعل أنت في إسنادك. وكنت قد قرأت بمرو على شيخنا المكثر أبي المظفر

عبد الرحيم بن الحافظ المصنف أبي سعد السمعاني رحمهما الله في أربعي أبي البركات الفراوي حديثا ادعى فيه أنه كأنه سمعه هو أو شيخه من البخاري فقال الشيخ أبو المظفر: ليس لك بعال ولكنه للبخاري نازل. وهذا حسن لطيف يخدش وجه هذا النوع من العلو والله أعلم.
الرابع : من أنواع العلو: العلو المستفاد من تقدم وفاة الراوي مثاله ما أرويه عن شيخ أخبرني به عن واحد عن البيهقي الحافظ عن الحاكم أبي عبد الله الحافظ أعلى من روايتي لذلك عن شيخ أخبرني به عن واحد عن أبي بكر بن خلف عن الحاكم وإن تساوى الإسنادان في العدد لتقدم وفاة البيهقي على وفاة ابن خلف لأن البيهقي مات سنة ثمان وخمسين وأربعمائة ومات ابن خلف سنة سبع وثمانين وأربعمائة.
روينا عن أبي يعلى الخليل بن عبد الله الخليلي الحافظ رحمه الله قال: قد يكون الإسناد يعلو على غيره بتقدم موت راويه وإن كانا متساويين في العدد. ومثل ذلك من حديث نفسه بمثل ما ذكرناه.
ثم إن هذا كلام في العلو المبني على تقدم الوفاة المستفاد من نسبة شيخ إلى شيخ وقياس راو براو
أما العلو المستفاد من مجرد تقدم وفاة شيخك من غير نظر إلى قياسه براو آخر فقد حده بعض أهل هذا الشأن بخمسين سنة. وذلك ما رويناه عن أبي علي الحافظ النيسابوري قال: سمعت أحمد بن عمير الدمشقي وكان من أركان الحديث يقول: إسناد خمسين سنة من موت الشيخ إسناد علو. وفيما نروي عن أبي عبد الله بن منده الحافظ قال: إذا مر على الإسناد ثلاثون سنة فهو عال. وهذا أوسع من الأول والله أعلم.
الخامس: العلو المستفاد من تقدم السماع أنبئنا عن محمد بن ناصر الحافظ عن محمد بن طاهر الحافظ قال: من العلو نقدم السماع.

قلت:وكثير من هذا يدخل في النوع المذكور قبله وفيه ما لا يدخل في ذلك بل يمتاز عنه. مثل أن يسمع شخصان من شيخ واحد وسماع أحدهما من ستين سنة مثلا وسماع إلاخر من أربعين سنة. فإذا تساوى السند إليهما في العدد: فالإسناد إلى إلاول الذي تقدم سماعه أعلى فهذه أنواع العلو على إلاستقصاء وإلايضاح الشافي ولله سبحانه وتعالى الحمد كله.
وأما ما رويناه عن الحافظ أبي الطاهر السلفي رحمه الله من قوله في أبيات له:
بل علو الحديث بين أولي الحـ ـفظ وإلاتقان صحة الإسناد وما رويناه عن الوزير نظام الملك من قوله: عندي أن الحديث العالي ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن بلغت رواته مائة. فهذا ونحوه ليس من قبيل العلو المتعارف إطلاقه بين أهل الحديث وإنما هو علو من حيث المعنى فحسب والله أعلم.
فصل
وأما النزول فهو ضد العلو. وما من قسم من أقسام العلو الخمسة إلا وضده قسم من أقسام النزول. فهو إذا خمسة أقسام وتفصيلها يدرك من تفصيل أقسام العلو على نحو ما تقدم شرحه.
وأما قول الحاكم أبي عبد الله: لعل قائلا يقول النزول ضد العلو فمن عرف العلو فقد عرف ضده وليس كذلك فإن للنزول مراتب لا يعرفها إلا أهل الصنعة إلى آخر كلامه.
فهذا ليس نفيا لكون النزول ضدا للعلو على الوجه الذي ذكرته بل نفيا لكونه يعرف بمعرفة العلو. وذلك يليق بما ذكره هو في معرفة العلو فإنه قصر في بيانه وتفصيله وليس كذلك ما ذكرناه نحن في معرفة العلو فإنه مفصل تفصيلا مفهما لمراتب النزول والعلم عند الله تبارك وتعالى.

ثم إن النزول مفضول مرغوب عنه والفضيلة للعلو على ما تقدم بيانه ودليله وحكى ابن خلاد عن بعض أهل النظر أنه قال: التنزل في الإسناد أفضل واحتج له بما معناه أنه يجب إلاجتهاد والنظر في تعديل كل راو وتجريحه فكلما زادوا كان إلاجتهاد أكثر وهذا مذهب ضعيف ضعيف الحجة. وقد روينا عن علي بن المديني و أبي عمرو المستملي النيسابوري أنهما قإلا: النزول شؤم. وهذا ونحوه مما جاء في ذم النزول مخصوص ببعض النزول فإن النزول إذا تعين دون العلو طريقا إلى فائدة راجحة على فائدة العلو فهو مختار غير مرذول والله أعلم.
النوع الموفي ثلاثين معرفة المشهور من الحديث:ومعنى الشهرة مفهوم وهو منقسم إلى: صحيح كقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" وأمثاله وإلى غير صحيح: كحديث: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" .
وكما بلغنا عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال: أربعة أحاديث تدور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسواق ليس لها أصل: "من بشرني بخروج آذار بشرته بالجنة" و"من آذى ذميا فأنا خصمه يوم القيامة" و"يوم نحركم يوم صومكم" و"للسائل حق وإن جاء على فرس".
_______
النوع الموفي ثلاثين معرفة المشهور.
"
قوله" وكما بلغنا عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال أربعة أحاديث تدور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسواق ليس لها أصل "من بشرنى بخروج آذار بشرته بالجنة" و"من آذى ذميا فأنا خصمه يوم القيامة" و"يوم نحركم يوم صومكم" و"للسائل حق وإن جاء على فرس" قلت لا يصح هذا الكلام عن الإمام أحمد فإنه أخرج حديثا منها في المسند وهو حديث للسائل حق وإن جاء على فرس وقد ورد من حديث الحسين بن على وابنه على وابن عباس والهرماس بن زياد أما حديث الحسين بن على بن أبي طالب فأخرجه

.
______
أبو داود من رواية يعلى بن أبي يحيى عن فاطمة بنت الحسين عن حسين بن على قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للسائل حق وإن جاء على فرس" ورواه أحمد في مسنده عن وكيع وعبد الرحمن بن محمد كلاهما عن سفيان عن مصعب بن محمد عن يعلى بن أبي يحيى وهذا إسناد جيد وقد سكت عليه أبو داود فهو عنده صالح ويعلى هذا ذكره ابن حبان في الثقات وجهله أبو حاتم وباقي رجاله ثقات وأما حديث على فأخرجه أبو داود أيضا من رواية زهير عن شيخ قال رأيت سفيان عنده عن فاطمة بنت حسين عن أبيها عن على عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وأما حديث ابن عباس فرواه ابن عدى في الكامل من رواية إبراهيم بن يزيد عن سليمان الأحول عن طاووس عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أورده في ترجمة إبراهيم بن عبد السلام المكى المخزومي راويه عن إبراهيم بن يزيد وقال هذا معروف بغير إبراهيم هذا عن إبراهيم بن يزيد سرقه ممن هو معروف به قال وإبراهيم بن عبد السلام في جملة الضعفاء المجهولين.
وأما حديث الهرماس بن زياد فرواه الطبراني من رواية عثمان بن فايد عن عكرمة بن عمار عن الهرماس بن زياد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وعثمان ابن فايد ضعفه ابن معين والبخاري وابن حبان وغيرهم وكذلك حديث من آذى ذميا هو معروف أيضا بنحوه رواه أبو داود من رواية صفوان بن مسلم عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آبائهم دنية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إلا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة" سكت عليه أبو داود أيضا فهو عنده صالح وهو كذلك إسناده جيد وهو وإن كان فيه من لم يسم فإنهم عدة من أبناء الصحابة يبلغون حد التواتر الذي لا يشترط فيه العدالة فقد رويناه في سنن البيهقي الكبرى فقال في روايته عن ثلاثين من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما الحديثان الآخران فلا أصل لهما قال ابن الجوزي في الموضوعات ويذكر عن العوام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من بشرني بخروج آذار بشرته بالجنة" قال أحمد

وينقسم من وجه آخر إلى: ما هو مشهور بين أهل الحديث وغيرهم كقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" . وأشباهه وإلى ما هو مشهور بين أهل الحديث خاصة دون غيرهم كالذي رويناه عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهرا بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان فهذا مشهور بين أهل الحديث مخرج في الصحيح وله رواه عن أنس غير أبي مجلز ورواة عن أبي مجلز غير التيمي ورواة عن التيمي غير الأنصاري ولا يعلم ذلك إلا أهل الصنعة. وأما غيرهم فقد يستغربونه من حيث: إن التيمي يروي عن أنس وهو ههنا يروي عن واحد عن أنس.
ومن المشهور المتواتر الذي يذكره أهل الفقه وأصوله. وأهل الحديث لا يذكرونه باسمه الخاص المشعر بمعناه الخاص وإن كان الحافظ الخطيب قد ذكره ففي كلامه ما يشعر بأنه اتبع فيه غير أهل الحديث ولعل ذلك لكونه لا تشمله صناعتهم ولا يكاد يوجد في رواياتهم فإنه: عبارة عن الخبر الذي ينقله من يحصل العلم بصدقه ضرورة ولا بد في إسناده من استمرار هذا الشرط في رواته من أوله إلى منتهاه.
_______
ابن حنبل لا أصل لهذا وروى الطبراني من رواية أبي شيبة القاضي عن آدم بن على عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هلك قوم إلا في آذار ولا تقوم الساعة إلا في آذار" أبو شيبة قاضى واسط اسمه إبراهيم بن عثمان وهو جد أبي بكر بن أبي شيبة كذبه شعبة وقال ابن معين ليس بثقة وبالجملة فهو متفق على ضعفه وروى الإمام أبو بكر محمد بن رمضان بن شاكر الزيات في كتاب له فيه أخبار عن مالك والشافعي وابن وهب وابن عبد الحكم قال: قال محمد بن عبد الله هو ابن عبد الحكم في الحديث الذي روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يوم صومكم يوم نحركم" قال هذا من حديث الكذابين والله أعلم.
قوله ومن المشهور المتواتر الذي يذكره أهل الفقه وأصوله وأهل الحديث لا يذكرونه باسمه الخاص المشعر بمعناه الخاص وإن كان الحافظ الخطيب قد ذكره ففي كلامه ما تشعر بأنه اتبع فيه غير أهل الحديث ولعل ذلك لكونه لا تشمله صناعتهم ولا يكاد يوجد في رواياتهم فإنه عبارة عن الحبر الذي يحصل العلم بصدقه ضرورة انتهى.

ومن سئل عن إبراز مثال لذلك فيما يروى من الحديث أعياه تطلبه وحديث: إنما الأعمال بالنيات ليس من ذلك بسبيل وإن نقله عدد التواتر وزيادة لأن ذلك طرأ عليه في وسط إسناده ولم يوجد في أوائله على ما سبق ذكره.
نعم حديث: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" نراه مثالا لذلك فإنه نقله من الصحابة رضي الله عنهم العدد الجم وهو في الصحيحين مروي عن جماعة منهم.
وذكر أبو بكر البزار الحافظ الجليل في مسنده أنه رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو من أربعين رجلا من الصحابة.
وذكر بعض الحفاظ: أنه رواه عنه صلى الله عليه وسلم اثنان وستون نفسا من الصحابة وفيهم العشرة المشهود لهم بالجنة. قال: وليس في الدنيا حديث اجتمع على روايته العشرة غيره ولا يعرف حديث يروى عن أكثر من ستين نفسا من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث الواحد.
________
وقد اعترض عليه بأنه قد ذكره أبو عبد الله الحاكم وأبو محمد بن حزم وأبو عمر ابن عبد البر وغيرهم من أهل الحديث والجواب عن المصنف أنه إنما نفي عن أهل الحديث ذكره باسمه الخاص المشعر بمعناه الخاص وهؤلاء المذكورون لم يقع في كلامهم التعبير عنه بما فسره به الأصوليون وإنما يقع في كلامهم أنه تواتر عنه صلى الله عليه وسلم كذا وكذا أو أن الحديث الفلاني متواتر وكقول ابن عبد البر في حديث المسح على الخفين أنه استفاض وتواتر وقد يريدون بالتواتر الاشتهار لا المعنى الذي فسره به الأصوليون والله أعلم.
قوله ومن سئل عن إبراز مثال لذلك أعياه تطلبه وحديث إنما الأعمال بالنيات ليس من ذلك بسبيل وان نقله عدد التواتر وزيادة لأن ذلك طرأ عليه في وسط إسناده ولم يوجد في أوائله على ما سبق ذكره نعم حديث "من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" نراه مثالا لذلك إلى أن قال وذكر بعض الحفاظ أنه رواه عنه صلى الله عليه وسلم اثنان وستون نفسا من الصحابة وفهيم العشرة المشهود لهم بالجنة قال وليس في الدنيا حديث اجتمع على روايته العشرة غيره ولا يعرف حديث يروى عن أكثر من ستين نفسا من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث الواحد.

قلت: وبلغ بهم بعض أهل الحديث أكثر من هذا العدد وفي بعض ذلك عدد التواتر. ثم لم يزل عدد رواته في ازدياد وهلم جرا على التوالي والاستمرار والله أعلم.
________
قال المصنف وبلغ به بعض أهل الحديث أكثر من هذا العدد انتهى.
وفيه أمور: الأول: انه اعترض عليه بأن حديث الأعمال ذكر ابن منده أن جماعة من الصحابة رووه فبلغوا العشرين قلت لم يبلغ بهم ابن منده هذا العدد وإنما بلغ بهم ثمانية عشر فقط فذكر مجرد أسمائهم من غير رواية لشيء منها ولا عزو لمن رواه وليس هو أبا عبد الله محمد بن إسحق بن منده وإنما هو ابنه أبو القاسم عبد الرحمن ذكر ذلك في كتاب له سماه المستخرج من كتب الناس للتذكرة فقال وممن رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعلى بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وأنس بن مالك وأبو هريرة ومعاوية ابن أبي سفيان وعتبة بن عبد السلمي وهلال بن سويد وعبادة بن الصامت وجابر بن عبد الله وعقبة بن عامر وأبو ذر الغفاري وعتبة بن النذر وعتبة بن مسلم هكذا عد سبعة عشر غير عمر قلت وفي المذكورين أثنان ليست لهما صحبة وهما هلال ابن سويد وعتبة بن مسلم وقد ذكرهما ابن حبان في ثقات التابعين فبقى خمسة عشر غير عمر.
وبلغنى أن الحافظ أبا الحجاج المزى سئل عن كلام ابن منده هذا فأنكره واستبعده وقد تتبعت أحاديث المذكورين فوجدت أكثرها في مطلق النية لا بلفظ إنما الأعمال بالنيات وفيها ما هو بهذا اللفظ وقد رأيت عزوها لمن خرجها ليستفاد فحديث على ابن أبي طالب رواه ابن الاشعث في سننه والحافظ أبو بكر محمد بن ياسر الجيانى في الأربعين العلوية من طريق أهل البيت بلفظ الأعمال بالنية وفي إسناده من لا يعرف وحديث سعد بن أبي وقاص كأنه أراد به قوله صلى الله عليه وسلم لسعد: "إنك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه الله إلا أجرت فيها" الحديث رواه الأئمة الستة وحديث أبي سعيد الخدري رواه الدارقطني في غرايب مالك والخط أبي في معالم السنن بلفظ حديث عمر.

النوع الحادي والثلاثون. معرفة الغريب والعزيز من الحديث:

روينا عن أبي عبد الله بن منده الحافظ الأصبهاني أنه قال: الغريب من الحديث كحديث الزهري وقتادة وأشباههما من الأئمة ممن يجمع حديثهم إذا انفرد الرجل عنهم بالحديث يسمى: غريبا.
______
وحديث ابن مسعود رواه الطبراني في المعجم الكبير في قصة مهاجر أم قيس وهو حديث غريب ورجاله ثقات لأحمد في مسنده من حديثه "أن أكبر شهداء أمتى لأصحاب الفرش ورب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته" .
وحديث ابن عباس اتفق عليه الشيخان بلفظ لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وحديث أنس بن مالك رواه البيهقي في سننه بلفظ "لا عمل لمن لا نية له" وفي إسناده من لم يسم وقد رواه ابن عساكر في جزء من أماليه بلفظ حديث عمر من رواية يحيى ابن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن انس فقال غريب جدا والمحفوظ حديث عمر وروينا في مسند الشهاب للقضاعى من حديث أنس "نية المؤمن خير من عمله" .
وحديث أبي هريرة رويناه في جزء من تخريج الرشيد العطار بلفظ حديث عمر ولابن ماجه من حديث أبي هريرة إنما يبعث الناس على نياتهم وحديث معاوية رواه ابن ماجه بلفظ إنما الأعمال كالوعاء إذا طاب أسفله طاب أعلاه وحديث عبادة بن الصامت رواه النسائي بلفظ "من غزا في سبيل الله وهو لا ينوى إلا عقالا فله ما نوى" .
وحديث جابر بن عبد الله رواه ابن ماجه بلفظ "يحشر الناس على نياتهم" وحديث عقبة بن عامر رواه أصحاب السنن بلفظ "إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة" فذكره وفيه "وصانعه يحتسب في صنعته الأجر" .
وحديث أبي ذر رواه النسائي بلفظ من أتى فراشه وهو ينوى أنه يقوم يصلى من الليل فغلبته عينه حتى يصبح كتب له ما نوى الحديث.
قلت وفي الباب أيضا مما لم يذكره ابن منده عن أبي الدرداء وسهل بن سعد والنواس ابن سمعان و أبي موسى الأشعرى وصهيب بن سنان و أبي أمام الباهلى وزيد بن ثابت ورافع بن خديج وصفوان بن أمية وغزية بن الحارث أو الحارث بن غزية وعائشة

فإذا روى عنهم رجلان وثلاثة واشتركوا في حديث يسمى عزيزا.
فإذا روى الجماعة عنهم حديثا سمي مشهورا.
_________
وأم سلمة وأم حبيبة وصفية بنت حيى فحديث أبي الدرداء رواه النسائي وابن ماجه بلفظ حديث أبي ذر المتقدم وحديث سهل بن سعد رواه الطبراني في المعجم الكبير بلفظ "نية المؤمن خير عمله وعمل المنافق خير من نيته وكل يعمل على نيته" وحديث النواس بن سمعان رواه الطبراني أيضا بلفظ "نية المؤمن خير من عمله" وحديث أبي موسى رواه أبو منصور الديلمى في مسند الفردوس بهذا اللفظ وحديث صهيب رواه الطبراني في المعجم الكبير بلفظ "أيما رجل تزوج امرأة فنوى أن لا يعطيها من صداقها شيئا مات يوم يموت وهو زان وأيما رجل اشترى من رجل بيعا فنوى أن لا يعطيه من ثمنه شيئا مات يوم يموت وهو خائن" وحديث أبي أمامة رواه الطبراني الكبير بلفظ "من ادان دينا وهو ينوى أن يؤديه أداه الله عنه يوم القيامة ومن ادان دينا وهو ينوى أن لا يؤديه" الحديث.
وحديث زيد بن ثابت ورافع بن خديج رواه أحمد في مسنده في قصة لحديث أبي سعيد بحديث " لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية" وقول مروان له كذبت وعنده زيد بن ثابت ورافع بن خديج معه على السرير وإن أبا سعيد قال لو شاء هذان لحدثاك فقالا صدق وحديث غزية بن الحارث رواه في الطبراني في الكبير بلفظ "لا هجرة بعد الفتح إنما هى ثلاث الجهاد والنية والحشر" وحديث عائشة رواه مسلم في قصة الجيش الذين يخسف بهم وفيه "يبعثهم الله على نياتهم" وحديث أم سلمة رواه مسلم وأبو داود بلفظ "يبعثون على نياتهم" وحديث أم حبيبة رواه الطبراني في المعجم الأوسط بلفظ "ثم يبعث كل امرئ على نيته" .
وحديث صفية رواه ابن ماجه بلفظ يبعثهم الله على ما في أنفسهم.
الأمر الثاني" أن ما حكاه المصنف عن بعض الحفاظ من أنه رواه اثنان وستون من الصحابة وفيهم العشرة فأبهم المصنف ذكره هو الحافظ أبو الفرج بن الجوزي فإنه ذكر ذلك في النسخة الأولى من الموضوعات فذكر أنه رواه أحد وستون نفسا ثم ذكر روى بعد ذلك عن أبي بكر محمد بن أحمد بن عبد الوهاب النيسابوري أنه ليس في الدنيا حديث اجتمع عليه العشرة غيره ثم قال ابن الجوزي أنه ما وقعت له رواية عبد الرحمن

قلت: الحديث الذي يتفرد به بعض الرواة يوصف بالغريب وكذلك الحديث الذي يتفرد فيه بعضهم بأمر لا يذكره فيه غيره: إما في متنه وإما في إسناده. وليس كل ما يعد من أنواع الإفراد معدودا من أنواع الغريب كما في الإفراد المضافة إلى البلاد على ما سبق شرحه.
______
ابن عوف إلى الآن قال ولا أعرف حديثا رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد وستون صح أبيا وعلى قول هذا الحافظ اثنان وستون إلا هذا الحديث انتهى.
هكذا نقلته من نسخه الموضوعات بخط الحافظ زكى الدين عبد العظيم المنذرى وهذه النسخة هى النسخة الأولى من الكتاب ثم زاد بن الجوزي في الكتاب المذكور أشياء وهى النسخة الأخيرة فقال فيها رواه من الصحابة ثمانية وتسعون نفسا هكذا نقلته من خط على ولد المصنف من الموضوعات.
الأمر الثالث: ما ذكره الحافظ أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الوهاب النيسابوري من أنه لا يعرف حديث اجتمع عليه العشرة غيره وأقره ابن الجوزي على ذلك وكذلك المصنف ناقلا له عن بعض الحفاظ منهما ليس بجيد من حيث أن حديث أن رفع اليدين في الصلاة بهذا الوصف وكذلك حديث المسح على الخفين.
فأما حديث رفع اليدين فذكره الحافظ أبو عبد الله الحاكم فيما نقل البيهقي عنه أنه سمعه يقول لا نعلم سنة اتفق على روايتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلفاء الأربعة ثم العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة فمن بعدهم من أكابر الصحابة على تفرقهم في البلاد الشاسعة غير هذه السنة قال البيهقي وهو كما قال أستادنا أبو عبد الله رضي الله عنه فقد روى عن هذه السنة عن العشرة وغيرهم وكذلك ذكر أبو القاسم عبد الرحمن بن منده في كتاب المستخرج من كتب الناس للتذكرة.
وأما حديث المسح على الخفين فذكر أبو القاسم بن عبد الله بن منده في كتاب المذكور أنه رواه العشرة أيضا.
الأمر الرابع: قول ابن الجوزي أنه لا يعرف حديث يروى عن أكثر من ستين من الصحابة إلا حديث من كذب على منقوض بحديث المسح على الخفين فقد

ثم إن الغريب ينقسم إلى: صحيح كالإفراد المخرجة في الصحيح وإلى غير صحيح وذلك هو الغالب على الغرايب.
روينا عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال غير مرة: لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرايب فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء.
______
ذكر أبو القاسم بن منده في كتاب المستخرج عدة من رواه من الصحابة فزادوا على الستين وذكر الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في كتاب الإمام عن ابن المنذر قال روينا عن الحسن أنه قال حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين.
الأمر الخامس: ما ذكره المصنف عن بعض أهل الحديث أنه بلغ به أكثر من هذا العدد أى أكثر من اثنين وستين نفسا قد جمع طرقا أبو القاسم الطبراني ومن المتأخرين الحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل في جزأين فزاد فيه على هذا العدد وقد رأيت عدد من روى حديثه من الصحابة هكذا وهم يزيدون على السبعين مرتبين على الحروف وهم أسامة بن زيد وأنس بن مالك وأوس بن أوس والبراء بن عازب وبريدة بن الخطيب وجابر بن حابس وجابر بن عبد الله وحذيفة بن أسيد وحذيفة بن اليمان وخالد بن عرفطة ورافع بن خديج والزبير بن العوام وزيد بن أرقم وزيد بن ثابت والسايب بن يزيد وسعد بن المدحاش وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وسفينة وسلمان بن خالد الخزاعى وسلمان الفارسى وسلمان بن الأكوع وصهيب بن سنان وطلحة بن عبيد الله وعبد الله بن أبي أوفي وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن زغب وقيل إنه لا صحبة له وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود وعبد الرحمن ابن عوف وعتبة بن غزوان وعثمان بن عفان والعرس بن عميرة وعفان ابن حبيب وعقبة بن عامر وعلى بن أبي طالب وعمار بن ياسر وعمر بن الخطاب وعمران ابن حصين وعمرو بن حريث وعمرو بن عنبسة وعمرو بن عوف وعمرو بن مرة الجهنى وقيس بن سعد بن عبادة وكعب بن قطنة ومعاذ بن جبل ومعاوية بن حيدة ومعاوية ابن أبي سفيان والمغيرة بن شعبة والمنقع التميمى ونبيط بن شريط وواثلة بن الأسقع ويزيد بن أسد ويعلى بن مرة وأبو أمامة وأبو بكر الصديق وأبو الحمراء وأبو ذر.


_________
وأبو رافع وأبو رمثة وأبو سعيد الخدري وأبو عبيدة بن الجراح وأبو قتادة وأبو قرصافة وأبو كبشة الأنمارى وأبو موسى الأشعري وأبو موسى الغافقى وأبو ميمون الكردى وأبو هريرة وأبو العشراء الدارمى عن أبيه وأبو مالك الأشجعي عن أبيه وعائشة أم أيمن فهؤلاء خمسة وسبعون نفسا يصح من نحو حديث نحو عشرين منهم اتفق الشيخان على إخراج أحاديث أربعة منهم وانفرد البخاري بثلاثة ومسلم بواحد وإنما يصح من حديث خمسة من العشرة والباقى أسانيدها ضعيفة ولا يمكن التواتر في شيء من طرق هذا الحديث لأنه يتعذر وجود ذلك في الطرفين والوسط بل بعض طرقه الصحيحة إنما هي أفراد عن بعض رواتها وقد زاد بعضهم في عدد هذا الحديث حتى جاوز الماية ولكنه ليس هذا المتن وإنما هي أحاديث في مطلق الكذب عليه كحديث من حدث عنى بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ونحو ذلك فحذفتها لذلك ولم اعدها في طرق الحديث وقد أخبرني بعض الحفاظ أنه رأى في كلام بعض الحفاظ أنه رواه مائتان من الصحابة ثم رأيته بعد ذلك في شرح مسلم للنووي ولعل هذا محمول على الأحاديث الواردة في مطلق الكذب لا هذا المتن بعينه والله أعلم.
الأمر السادس: قول المصنف أن من سئل عن ابراز مثال للمتواتر أعياه تطلبه ثم لم يذكر مثالا إلا حديث من كذب على وقد وصف غيره من الأئمة عدة أحاديث بأنها متواترة فمن ذلك أحاديث حوض النبي صلى الله عليه وسلم ورد ذلك عن أزيد من ثلاثين صح أبيا وأوردها البيهقي في كتاب البعث والنشور أفردها المقدسي بالجمع قال القاضي عياض وحديثه متواتر بالنقل رواه خلائق من الصحابة فذكر جماعة من رواته ثم قال وفي بعض هذا ما يقتضى كون الحديث متواترا ومن ذلك أحاديث الشفاعة فذكر القاضي عياض أيضا أنه بلغ مجموعها التواتر ومن ذلك أحاديث المسح على الخفين فقال ابن عبد البر رواه نحو أربعين من الصحابة واستفاض وتواتر وكذا قال ابن حزم في المحلى أنه نقل تواتر يوجب العلم ومن ذلك أحاديث النهى عن الصلاة في معاطن الإبل قال ابن حزم في المحلى أنه نقل تواتر يوجب العلم ومن ذلك أحاديث النهى عن اتخاذ القبور مساجد قال ابن حزم إنها متواترة ومن ذاك أحاديث رفع اليدين في الصلاة للإحرام والركوع والرفع منه قال ابن حزم إنها متواترة توجب يقين العلم.
ومن ذلك الأحاديث الواردة في قول المصلى ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد قال ابن حزم إنها أحاديث متواترة.

وينقسم الغريب أيضا من وجه آخر. فمنه ما هو غريب متنا وإسنادا وهو الحديث الذي تفرد برواية متنه راو واحد.
ومنه. ما هو غريب إسنادا لا متنا كالحديث الذي متنه معروف مروي عن جماعة من الصحابة إذا تفرد بعضهم بروايته عن صحابي آخر: كان غريبا من ذلك الوجه مع أن متنه غير غريب.
ومن ذلك غرائب الشيوخ في أسانيد المتون الصحيحة. وهذا الذي يقول فيه الترمذي: غريب من هذا الوجه ولا أرى هذا النوع ينعكس فلا يوجد إذا ما هو غريب متنا وليس غريبا إسنادا إلا إذا اشتهر الحديث الفرد عمن تفرد به فرواه
________
النوع الحادى والثلاثون: معرفة الغريب والعزيز.
"
قوله" وينقسم الغريب أيضا من وجه آخر فمنه ما هو غريب متنا وإسنادا ومنه ما هو غريب إسنادا لا متنا ثم قال ولا أرى هذا النوع ينعكس فلا يوجد إذا ما هو غريب متنا وليس غريبا إسنادا إلا إذا اشتهر الحديث الفرد عمن تفرد به فرواه عنه عدد كثيرون فإنه يصير غريبا مشهورا وغريبا متنا وغير غريب إسنادا لكن بالنظر إلى أحد طرفي الإسناد فإن إسناده متصف بالغرابة في طرفه الأول متصف بالشهرة في طرفه الآخر كحديث إنما الأعمال بالنيات انتهى.
استبعد المصنف وجود حديث غريب متنا لا إسنادا إلا بالنسبة إلى طرفي الإسناد وأثبت أبو الفتح اليعمرى هذا القسم مطلقا من غير حمل له على ما ذكره المصنف فقال في شرح الترمذي الغريب على أقسام غريب سندا ومتنا ومتنا لا سندا وسندا لا متنا وغريب بعض السند فقط وغريب بعض المتن فقط ثم أشار إلى أنه أخذ ذلك من كلام محمد بن طاهر المقدسى فانه قسم الغرايب والأفراد إلى خمسة أنواع خامسها أسانيد ومتون ينفرد بها أهل بلد لا توجد إلا من روايتهم وسنن يتفرد بالعمل بها أهل مصر لا يعمل بها في غير مصرهم ثم تكلم أبو الفتح على الأقسام التي ذكرها ابن طاهر إلى أن قال وأما النوع الخامس فيشمل الغريب كله سندا ومتنا أو أحدهما دون الآخر.

عنه عدد كثيرون فإنه يصير غريبا مشهورا وغريبا متنا وغير غريب إسنادا لكن بالنظر إلى أحد طرفي الإسناد: فإن إسناده متصف بالغرابة في طرفه الأول متصف بالشهرة في طرفه الآخر كحديث: "إنما الأعمال بالنيات" وكسائر الغرائب التي اشتملت عليها التصانيف المشتهرة والله أعلم.
النوع الثاني والثلاثين: معرفة غريب الحديث:وهو عبارة عما وقع في متون الأحاديث من الألفاظ الغامضة البعيدة من الفهم لقلة استعمالها.
هذا فن مهم يقبح جهله بأهل الحديث خاصة ثم بأهل العلم عامة والخوض فيه ليس بالهين والخائض فيه حقيق بالتحري جدير بالتوقي.
_________
قال وقد ذكر أبو محمد بن أبي حاتم بسند له أن رجلا سأل مالكا عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء فقال له مالك إن شئت خلل وإن شئت لا تخلل وكان عبد الله بن وهب حاضرا فعجب من جواب مالك وذكر لمالك في ذلك حديثا بسند مصرى صحيح وزعم أنه معروف عندهم فاستعاد مالك الحديث واستعاد السائل فأمره بالتخليل هذا أو معناه انتهى كلامه.
والحديث المذكور رواه أبو داود والترمذي من رواية ابن لهيعة عن يزيد بن عمرو المغافرى عن أبي عبد الرحمن الحيلى عن المستورد بن شداد قال الترمذي حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة انتهى.
ولم ينفرد به ابن لهيعة بل تابعه عليه الليث بن سعد وعمرو بن الحريث كما رواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب عن عمه عبد الله بن وهب عن الثلاثة المذكورين وصححه ابن القطان لتوثيقه لابن أخى ابن وهب فقد زالت الغرابة عن الإسناد بمتابعة الليث وعمرو بن الحارث لابن لهيعة والمتن غريب والله أعلم.
ويحتمل أن يريد بكونه غريب المتن لا الإسناد أن يكون ذلك الإسناد مشهورا جادة لعده من الأحاديث بأن يكونوا مشهورين برواية بعضهم عن بعض ويكون المتن غريبا لانفرادهم به والله أعلم.

روينا عن الميموني قال: سئل أحمد بن حنبل عن حرف من غريب الحديث فقال: سلوا أصحاب الغريب فإني أكره أن أتكلم في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظن فأخطئ.
وبلغنا عن التاريخي محمد بن عبد الملك قال: حدثني أبو قلابة عبد الملك بن محمد قال: قلت للأصمعي يا أبا سعيد ما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الجار أحق بسقبه. فقال: أنا لا أفسر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن العرب تزعم أن السقب اللزيق ثم إن غير واحد من العلماء صنفوا في ذلك فأحسنوا.
وروينا عن الحاكم أبي عبد الله الحافظ قال: أول من صنف الغريب في إلاسلام النضر بن شميل. ومنهم من خالفه فقال: أول من صنف فيه أبو عبيدة معمر بن المثنى. وكتاباهما صغيران.
وصنف بعد ذلك أبو عبيد القاسم بن سلام كتابه المشهور فجمع وأجاد واستقصى فوقع من أهل العلم بموقع جليل وصار قدوة في هذا الشأن ثم تتبع القتيبي ما فات أبا عبيد فوضع فيه كتابه المشهور
ثم تتبع أبو سليمان الخطابي ما فاتهما فوضع في ذلك كتابه المشهور.
فهذه الكتب الثلاثة أمهات الكتب المؤلفة في ذلك. ووراءها مجامع تشتمل من ذلك على زوائد وفوائد كثيرة ولا ينبغي أن يقلد منها إلا ما كان مصنفوها أئمة أجلة.
وأقوى ما يعتمد عليه في تفسير غريب الحديث: أن يظفر به مفسرا في بعض روايات الحديث. نحو ما روي في حديث ابن صياد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "قد خبأت لك خبيئا فما هو؟" . قال: الدخ فهذا خفي معناه أعضل وفسره قوم بما لا يصح. وفي معرفة علوم الحديث للحاكم أنه الدخ بمعنى الزخ الذي هو الجماع

وهذا تخليط فاحش يغيظ العالم والمؤمن. وإنما معنى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "قد أضمرت لك ضميرا فما هو؟" فقال: الدخ بضم الدال يعني الدخان والدخ هو الدخان في لغة إذ في بعض روايات الحديث ما نصه:

 

كتاب الإبانة عن أصول الديانة علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري أبو الحسن

  كتاب الإبانة عن أصول الديانة علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري أبو الحسن بسم الله الرحمن الرحيم وهو حسبي ونعم الوكيل وصلى الله على...